الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

 

  علي ابوهلال محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي 

كل الجهود من أجل الافراج عن المعتقل

 الإداري صلاح الحموري ووقف ابعاده

 

 

المحامي علي أبوهلال

في جريمة جديدة ترتكبها حكومة الاحتلال ضد المعتقلين الإداريين، قررت وزارة الداخلية الإسرائيلية يوم الخميس الماضي 1/12/2022، إبعاد المعتقل الإداري الفلسطيني صلاح الحموري من القدس المحتلة، والمعتقل منذ نحو عام في سجن "هداريم" إلى فرنسا، حيث ألغت وزيرة الداخلية أيليت شاكيد إقامة صلاح الحموري في القدس وأمرت بترحيله إلى فرنسا. وهو ناشط حقوقي يقيم في القدس المحتلة، ويحمل أيضًا الجنسية الفرنسية.

يذكر أن الحموري أسير سابق، وأحد محرَّري صفقة وفاء الأحرار بين حركة حماس وسلطات الاحتلال الاسرائيلي عام 2011، وقد أمضى الحموري ما مجموعه أكثر من 9 سنوات في سجون الاحتلال، وتعرّض للاعتقال والملاحقة والتضييق على عمله الحقوقيّ، وكانت الحكومة الفرنسية طالبت مرارًا بالإفراج عن الحموري وتمكينه من العيش في القدس مع عائلته.

وكان الأسير الحموري قد اُعتقل في شهر اذار الماضي، وتم تحويله للاعتقال الإداريّ لمدة ثلاثة أشهر، وتم تمديدها لثلاث مرات متتالية، وكان من المقرر ان تنتهي يوم الاحد الماضي، وصلاح  الحموري اسير سابق تحرر ضمن الدفعة الثانية لصفقة وفاء الاحرار، وقد تعرض بعدها لمضايقات كبيرة على يد سلطات الاحتلال، حيث منع من دخول الضفة الغربية، وتعرض للاعتقال الاداري، والابعاد عن القدس، وسحبت منه الهوية المقدسية، وفي عام 2016 أبعدت سلطات الاحتلال إلسا ليفورت، زوجة الحموري إلى فرنسا وهي مواطنة فرنسية، ومنعتها من العودة إلى القدس مرة أخرى لمدة 10 سنوات، بذريعة "أسباب أمنية"، فاصلةً حموري عن زوجته وطفليه (6 أعوام وعام واحد).

كما ألغت وزارة الداخلية الإسرائيلية إقامة الحموري في مدينة القدس بموجب تعديل 2018 لقانون دخول إسرائيل لعام 1952 الذي يمنح الحق للوازرة بإلغاء الإقامة الدائمة لأي شخص يُشتبه في أنه "خرق الولاء لدولة إسرائيل"، مدعية تورطه في "أنشطة عدائية وخطيرة وحساسة ضد "دولة إسرائيل"، كما أنهت "مؤسسة التأمين  الوطني" تأمينه الصحي بذريعة "مغادرته البلاد"، وزعمت عدم وجود "دليل على الإقامة".. وقد طعن حموري في الإلغاء وطلب أمرا قضائيا بمنع الترحيل حتى نهاية الإجراءات، لكن أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية في 10 مارس/آذار الماضي رفض محكمة أدنى لطلب الأمر القضائي، مستشهدة بـ "معلومات سرية" مفادها أن حموري يشكل "تهديدا أمنيا". ومن شأن هذا القرار أن يزيل أي عائق قانوني أمام الحكومة الإسرائيلية لطرد حموري. وقالت محاميته ليئة تسيميل، إن المحكمة حددت موعدا للاستماع إلى الطعن في الترحيل في فبراير/شباط 2023، ما يؤجل الترحيل إلى أن يُحكم في قضية أخرى تطعن في قانون عام 2008 الذي يسمح لإسرائيل بإلغاء جنسية الشخص على أساس "خرق الولاء". وفي يوليو/تموز، أيدت المحكمة قانون 2008.علما أن المادة 68 من "اتفاقية جنيف الرابعة" تنص صراحةً على أن الأشخاص الواقعين تحت الاحتلال لا يدينون بـ"واجب الولاء" لقوة الاحتلال. وتحظر المادة 45 من "اتفاقية لاهاي" لعام 1907 "إرغام سكان الأراضي المحتلة على تقديم الولاء للقوة المعادية". وهذا الاجراء يرقى إلى مستوى النقل القسري للفلسطينيين من القدس المحتلة فعليا واجبارهم على مغادرة منازلهم، وإلغاء اقامتهم في القدس، وترسيخ الأغلبية اليهودية فيها.

 وفي تطور أخير في قضية المعتقل صلاح الحموري، أفادت عائلته ان محكمة الاحتلال عقدت جلسة سرية خاصة للمعتقل صلاح الحموري في مدينة اللد عصر الخميس الماضي، وقالت ايمان الحموري عمة الأسير الحموري بأن محاميته لم تُبلغ بهذه الجلسة، وأكدت هيئة شؤون الاسرى اكدت ان إدارة سجون الاحتلال في سجن "هداريم"، أبلغت الأسير المقدسي صلاح الحموري قبل يوم من موعد جلسة المحكمة بيوم واحد بنيتها سحب هويته المقدسية وإبعاده إلى فرنسا.

ويوم الجمعة الماضي أعلنت محامية وعائلة الحموري، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أرجأت إبعاده إلى فرنسا "لأسباب إدارية"، بعدما كان مقررا الأحد الماضي. وأشارت والدته إلى أنه كان من المفترض أن تفرج سلطات الاحتلال عن ابنها يوم الجمعة الماضي بعد إنهاء فترة اعتقاله الإداري الأخيرة البالغة ثلاثة أشهر، إلا أنها نقلته إلى معتقل آخر بانتظار جلسة المحاكمة اليوم الثلاثاء. بدورها، أعلنت محاميته "إرجاء إبعاده لأسباب إدارية، على أن يعاد النظر بملفّه الأسبوع المقبل"، مشيرةً إلى أنه بعد إبلاغه بالقرار، كان ينبغي أن يمثل الحموري أمام محكمة الاحتلال العسكرية لكنه رفض، مشددا على أن محاميه غير قادرين على الحضور، لافتةً إلى أنه ستعقد جلسة جديدة له اليوم الثلاثاء السادس من شهر كانون الأول/ديسمبر، وقد رفض الأسير المقدسي المحامي صلاح الحموري الذي يحمل الجنسية الفرنسية، قرار سلطات الاحتلال بإبعاده إلى فرنسا بدل الإفراج عنه، وفق ما كشفته عائلته وأحد أقربائه، مدير مركز للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري.

وأيا كانت التطورات التي ستشهدها قضية الأسير والمعتقل الإداري صلاح الحموري في الأيام والأسابيع المقبلة، فلا تزال سلطات الاحتلال تواصل انتهاكاتها الجسيمة بحقه، وترفض وقف هذه الانتهاكات التي تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الانسان، سواء ما تعلق منها بمواصلة اعتقاله إداريا، أو القيام بتنفيذ أمر ابعاده عن أرض وطنه إلى فرنسا، ومنع عودته الى مدينة القدس حيث يقيم هو مع أبناء عائلته، وينبغي على المنظمات الحقوقية الدولية، وهيئات الأمم المتحدة إلى التحرك العاجل واستخدام كل وسائل الضغط الممكنة للحيلولة دون ابعاده خارج وطنه، والغاء اعتقاله الإداري، وتمكينه من العيش مع أسرته في مدينته القدس بدون قيد أو شرط.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

اضراب الأسير سامر العيساوي

تضامنا مع أسر الشهداء المحتجزة جثامينهم

المحامي علي أبوهلال

الأسير سامر العيساوي هو أبن عائلة مناضلة من بلدة العيساوية شمال شرق القدس المحتلة، أستشهد منها اثنان عمه أسامة في جنوب لبنان عام 1982، وشقيقه الشهيد فادي الذي اغتالته قوات الاحتلال عام 1994 وكان يبلغ من العمر حينها 17 عاما، واعتقل شقيقه الأكبر مدحت عدة مرات لسنوات طويلة، ولا يزال يقبع في معتقلات الاحتلال حتى الآن، واعتقلت شقيقته المحامية شرين لمدة اربع سنوات قبل الافراج عنها، كما أعتقل أبناء إخوته الأطفال عدة مرات أيضا، ولا تزال عائلته تتعرض لاعتداءات يومية متكررة من قبل قوات الاحتلال، بالإضافة الى التهديد المتواصل بهدم منزلها.

وكان سامر العيساوي قد اعتقل عام 2003 وحكم عليه بالسجن 30 عاما، قبل أن يفرج عنه عام 2011 في إطار صفقة تبادل الأسرى مع الجندي الإسرائيلي شاليط الذي كان محتجزا في قطاع غزة، إلا أنه أعيد اعتقاله في يوليو/تموز 2012. وحينها بدأ العيساوي إضرابا عن الطعام استمر لمدة 9 أشهر، وهو بذلك يكون صاحب أطول إضراب عن الطعام، لينتزع بعد ذلك حريته في كانون الأول/ديسمبر 2013، ليعاود الاحتلال اعتقاله في حزيران/يونيو 2014.

وخلال سنوات اعتقاله أضرب عن الطعام تضامنا مع مطالب الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، عدة مرات ولفترات محدودة، ومؤخرا أضرب عن الطعام استمر 27 يوما تضامنا مع ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال، والذين يطالبون بالإفراج عن جثامين أبنائهم، ونتيجة لذلك نقلته إدارة السجون تعسفا إلى العزل الانفرادي في سجن "ريمون" بعد رفضه فك إضرابه، وأفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، بأن الأسير سامر العيساوي علق إضرابه عن الطعام يوم الجمعة الماضي 25/11/2022، بعد استجابة إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي لمطالبه، وقال المتحدث باسم الهيئة حسن عبد ربه، إن الأسير العيساوي علق إضرابه عن الطعام بعد استجابة إدارة مصلحة السجون لمطلبه بنقله من زنازين "ريمون" إلى سجن "النقب".

على الرغم من تحذير الأطباء للأسير سامر الذين عاينوا حالته في الإضراب الأول الذي استمر لمدة 9 شهور، من خطورة وضعه الصحي في حال استمر فيه، تؤكد والدته أن الأطباء أخبروها بعدم قابلية جسم نجلها لإضراب آخر، لكنه لم يتوقف عن الشروع في الاضراب عن الطعام عدة مرات، وكان آخرها الاضراب التضامني مع عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم، الذين يطالبون بالإفراج عنها. بعد أن وصل أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم في ثلاجات الاحتلال إلى طريق مسدود في نضالهم لاسترداد جثامين أولادهم، والدة سامر العيساوي تعودت أن ترى ابنها صاحب موقف منذ صغره، علقت على اضرابه الأخير قائلة:" سامر طول عمره يقف وقفات إنسانية مع الجميع منذ كان صغيرا وحينما يسمع عن خلافات بين اصدقاءه يتدخل، لديه حس المسؤولية. وتتابع:" كرامتنا يجب أن ترجع، وإكرام الميت دفنه، وهناك جثامين محتجزة منذ عشرين سنة، ومن حق أي انسان أن يكون له موقف تجاه هذه القضية ويطالب بإعادتهم، لأنهم ملك الفلسطينيين جميعا وليسوا ملك عائلاتهم فقط". وأكدت المحامية شرين شقيقة الأسير سامر العيساوي أن قرار شقيقها بخوض الاضراب عن الطعام جاء بعد أن وصلت قضية الجثامين إلى مرحلة ليس فيها أي جهد رسمي لتحريك هذا الملف، حتى تأخذ هذه القضية صدىً يقود إلى تسليم الجثامين إلى أهلهم لدفنهم وإكرامهم.

المحامي محمد عليان المتحدث باسم عائلات وأهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم، وهو والد الشهيد بهاء عليان، والذي تجرع مرارة احتجاز جثمان ابنه لأشهر قبل أن يفرج عنه الاحتلال، دعا لوقفة تضامنية مع سامر العيساوي أثناء اضرابه عن الطعام قائلا: "النفير اليوم واجب على الوطن النهوض معنا للمطالبة باستعادة جثامين أبنائنا".

وقد رحب حسين شجاعية المنسق الإعلامي للحملة الدولية لاستعادة جثامين الشهداء المحتجزة بمبادرة الأسير سامر العيساوي مؤكدا أن قصة الجثامين هي قضية وطنية وكل تضامن هي خطوة باتجاه تحرير الجثامين.

وبين أن خطوة سامر العيساوي فردية لكنها تضامنية تقدر له لافتا إلى إن عدد الجثامين المحتجزة يبلغ 102، منهم 11 طفلا وثمانية أسرى، عدا عن 256 جثمان في مقابر الأرقام لا يعرف عنها شيء، ومنها جثامين محتجزة من خمسة عقود. وقال شجاعية أن الموضوع أصبح معقدا من الناحية القانونية، ورغم أن الاحتلال يعيد بعض الجثامين التي تعود لأشخاص ارتقوا خلال إطلاق نار، لكن جثامين منفذي العمليات فهي التي يحتجزها الاحتلال ولا يعيدها.

وفي الآونة الأخيرة ازداد الأمر تعقيدا كون الاحتلال الإسرائيلي ربطه بملف الجنود المأسورين في غزة، مؤكدا أن هذا الربط جاء في ردود رسمية من المحكمة العليا الإسرائيلية على ملفات سابقة.

وإذا كان اضراب الأسير سامر العيساوي عن الطعام والذي استمر 27 يوما، قد لقي تقدير واحترام شعبنا وأهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم، والمطالبين باستردادها، فانه يشكل دعوة لتحريك الفعاليات الداعمة لتحقيق هذا المطالب الإنسانية، الأمر الذي يؤكد على ضرورة تفعيل التحركات الجماهيرية والوطنية والدولية من أجل الضغط على حكومة الاحتلال لتسليم الشهداء المحتجزة جثامينهم لعائلاتهم، وانهاء هذا الملف بأسرع وقت ممكن، ليتم تكريمهم ودفنهم حسب الأصول والعادات المرعية.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

الادانات الدولية غير كافية لوقف انتهاكات

الاحتلال ضد دعاة حقوق الانسان

المحامي علي أبوهلال

في اطار ادانة هيئات الأمم المتحدة للانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة، لمؤسسات ونشطاء حقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومطالبتها المتكررة بوقف هذه الانتهاكات، دعت خبيرتان أمميتان، يوم الخميس 17/11/202، حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى وقف الهجمات على منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين، وقالت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 فرانشيسكا ألبانيز، والمقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور، في بيان مشترك، إن "استخدام إسرائيل للقوة العسكرية لردع أو إسكات أو اضطهاد المنظمات والأفراد السلميين وغير العنيفين، هو أحد أعراض نظام الفصل العنصري الهش وغير المتسامح مع أي شكل من أشكال النقد". وأضافتا: أن "إسرائيل تستخدم تشريعات مكافحة الإرهاب والأوامر العسكرية لوقف وتقييد وتجريم العمل الحقوقي والإنساني المشروع، وكوسيلة للسيطرة على السكان الفلسطينيين وقمعهم". وأشار البيان إلى العقبات التي يواجهها المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان الذين ينخرطون في أنشطة غير عنيفة، موضحا أن ما يتعرضون له من اعتداءات وعنف من قوات الاحتلال والمستوطنين "يرقى إلى مستوى هجوم إسرائيلي أحادي الجانب على الفضاء المدني في جميع أنحاء فلسطين المحتلة".

ودعت الخبيرتان حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن ترفع "المنطقة العسكرية المغلقة" التي فرضتها على منزل المدافع الحقوقي الفلسطيني البارز عيسى عمرو فورا، وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أقامت "منطقة عسكرية مغلقة" حول منزل السيد عمرو في 31 تشرين الأول / أكتوبر الماضي، بعد يوم من محاولته تقديم شكوى للشرطة حول عنف المستوطنين الإسرائيليين، ويتم تجديد الأمر يومياً بشكل شفهي. السيد عمرو هو مدافع عن حقوق الإنسان يحظى باحترام دولي ورائد في المجتمع المدني في مجال مبادرات تعليم الشباب. ويذكر أن منزل الحقوقي عيسى عمرو في منطقة الخليل، في الضفة الغربية المحتلة، يستخدم أيضا كمركز مجتمعي لمنظمة "شباب ضد الاستيطان"، وهي منظمة من المجتمع المدني الفلسطيني تسعى إلى إنهاء التوسع الاستيطاني من خلال المقاومة المدنية السلمية. وقالت الخبيرتان إن إغلاق المنزل يثير مخاوف جدية بشأن حرية تكوين الجمعيات والتجمع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبحسب بيان الخبيرتين، فقد تعرض عمرو للاعتداء بالعصي والحجارة طوال شهر تشرين الأول / أكتوبر الماضي، أثناء قيادته مبادرة لمساعدة العائلات الفلسطينية في موسم قطف الزيتون، وقد صرفته الشرطة بعيدا عندما حاول تقديم شكوى في 30 تشرين الأول / أكتوبر الماضي. وقد تدخل خبراء أمميون في السابق وطالبوا بحمايته إذ إنه يتلقى تهديدات بالقتل بانتظام من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلية. وأضاف البيان إن قضية عيسى عمرو هي رمز لمجموعة معقدة من العقبات التي يواجهها المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان الذين ينخرطون في أنشطة غير عنيفة.

يشار إلى أن المقررين الخاصين والخبراء المستقلين، يعينون من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف وهي جهة حكومية دولية مسؤولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان حول العالم. ويكلف المقررون والخبراء بدراسة أوضاع حقوق الإنسان وتقديم تقارير عنها إلى مجلس حقوق الإنسان.

وفي إطار انتهاكات حكومة الاحتلال الاسرائيلي لنشطاء ومؤسسات حقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية، قامت باقتحام هذه المؤسسات عدة مرات وتحطيم ومصادرة أجهزتها واغلاق مقراتها، في شهر آب/ أغسطس 2022 الماضي، وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها بشأن إغلاق قوات الاحتلال الاسرائيلي 7 مؤسسات أهلية فلسطينية، بعد اقتحام مقراتها في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية. والمنظمات السبع التي تعرضت للمداهمة والإغلاق، هي: الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والقانون من أجل حقوق الإنسان (الحق)، ومركز بيسان للبحوث والإنماء، واتحاد لجان المرأة، ومؤسسة لجان العمل الصحي، واتحاد لجان العمل الزراعي، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فرع فلسطين، وفي سياق متصل، أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة في بيان له عن "القلق إزاء الإغلاق الإسرائيلي التعسفي للمنظمات الحقوقية الفلسطينية السبع"، داعيا إسرائيل إلى التراجع الفوري عن هذه القرارات. وأشار المكتب، إلى أن "أوامر الإغلاق هي خطوة لتنفيذ الإعلانات الإسرائيلية السابقة لهذه المنظمات على أنها غير قانونية ومنظمات إرهابية في عام 2021". ولفت إلى أن "السلطات الإسرائيلية لم تقدّم إلى الأمم المتحدة أي دليل موثوق به لتبرير هذه الإعلانات على الرغم من أنها قد عرضت تقديم أدلة". ​​​​​​​

والى جانب ادانة هيئات الأمم المتحدة لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد مؤسسات ونشطاء حقوق الانسان، فقط أدانت غالبية دول العالم والمنظمات الحقوقية الدولية هذه الانتهاكات، وطالبت حكومة الاحتلال بوقفها، وفتح مقرات هذه المؤسسات، والسماح لها ولنشطاء حقوق الانسان بممارسة عملهم القانوني بدون قيد او شرط، ورغم أهمية هذه المواقف الدولية، إلا أن التجربة أكدت أن هذه المواقف غير كافية لوقف انتهاكات الاحتلال، إذا لم ترتبط بفرض عقوبات سياسية واقتصادية ضد حكومة الاحتلال، بالإضافة إلى استخدام الآليات القانونية التي تملكها هيئات الأمم المتحدة من أجل تحقيق هذه الغاية.

22-11-2022

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

الشاباك الإسرائيلي يستخدم شركات الاتصالات

الإسرائيلية للرقابة على الصحفيين

المحامي علي أبوهلال *

 

يخضع الصحفيون وعملهم الصحفي في "إسرائيل" وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة لرقابة الشباك وأجهزة الأمن الإسرائيلية، وتستخدم دائرة الأمن العام قاعدة بيانات الاتصالات الخاصة بالشركات الخلوية التي بحوزتها لمراقبة أنشطة الصحفيين، وكذلك في التحقيقات الأمنية. وبموجب ذلك يمكن للشاباك معرفة مكان وجود الصحفي وفقا لبيانات الشركات الخلوية الإسرائيلية، ومع من يتحدث وغيرها من المعلومات.

ويتضح ذلك من رد الحكومة على الالتماس الذي قدمته جمعية الحقوق المدنية الاسرائيلية إلى المحكمة العليا. وفي هذا الالتماس طلبت الجمعية إلغاء بند في قانون الشاباك الذي يلزم شركات الاتصالات في “إسرائيل” بتزويد جهاز الشاباك بمعلومات عن كل مكالمة أو رسالة تمت من خلالها، علما أن قانون الشاباك الذي تمت الموافقة عليه في عام 2002، ينظم أنشطة عمل الشاباك، والتي تكون في الغالب سرية ولا تخضع للتدقيق العام، فيما تم الاحتفاظ بالمعلومات التي جمعتها شركات الاتصال لمدة عقدين تقريباً في قاعدة بيانات يديرها الشاباك، والمعروفة باسم “الأداة”.

تنص المادة 11 من القانون على أن استخدام المعلومات التي تم جمعها لن يتم إلا بإذن من رئيس الجهاز، وفي الحالات التي يكون فيها ذلك ضرورياً لتشغيلها، ورئيس الجهاز ملزم بإبلاغ رئيس الوزراء والنائب العام عن التصاريح مرة كل ثلاثة أشهر، ولجنة الكنيست للخدمات السرية (الاستخبارية) مرة في السنة.

وجاء في الالتماس الذي تتم مناقشته في المحكمة العليا، أن هناك عيوباً دستورية في القسم المعني بذلك، هذا لأن الشهادة المنصوص عليها فيه ليست صريحة ومفصلة كما هو مطلوب لانتهاك الخصوصية، وأن الشهادة واسعة بما يتجاوز ما هو مطلوب لاحتياجات أمن الحكومة. وتدعي الجمعية أن القانون لا يحتوي على آلية صريحة لحماية أصحاب السرية المهنية، وخاصة الصحفيين، وأن قرارات رئيس الشاباك ورئيس الوزراء وفقاً لهذا القسم لا تخضع للإشراف القضائي، وأن القانون لا يحتوي على آليات كافية للمراجعة.

عُقدت جلسة استماع بشأن الالتماس في 25 أكتوبر / تشرين الأول الماضي أمام القضاة عوزي فوجلمان ودفنا باراك إيريز وعنات بارون. وفي نهاية المناقشة، تقرر أن الحكومة يجب أن تطلع في غضون 90 يوماً على التقدم المحرز في مذكرة لتعديل على قانون الشاباك، والتي من المتوقع أن يتم نشرها قريباً للتعليق العام. وقرر القضاة أنه بعد الإعلان عن سير عملية التحديث، ستقرر المحكمة العليا استمرار الالتماس.

 وفي الرد الذي قدمه الشاباك والحكومة إلى المحكمة العليا في 20 أكتوبر من خلال دائرة المحاكم العليا في مكتب المدعي العام، طلبت الحكومة رفض الالتماس، وذكرت الحكومة أن جمع بيانات الاتصال من شركات الاتصالات لغرض إنتاج المعلومات الاستخباراتية هو “وسيلة ضرورية لتشغيل الشاباك، والتي ينتج عن استخدامها عمليا فائدة حاسمة لإنقاذ الأرواح. وجاء في الرد: تم استخدام “أداة” لمراقبة الصحفيين وغيرهم من أصحاب السرية المهنية،”.

حذر محامي جمعية الحقوق المدنية "غان مور" من أن دراسة بيانات الاتصالات يمكن أن تكشف بسهولة مخيفة عن المصادر الصحفية لخبر معين أحرج الحكومة، حتى لو تم نشره في الماضي، وحتى لو لم يتحدث الصحفي والمصدر عن الخبر في الهاتف ولكنهم التقوا فقط وهم يحملون الهاتف في جيبهم”. ويشير أن رد الشاباك والحكومة الرسمي أيضاً إلى تورط الشاباك في التحقيق في أعمال الاحتجاجات خلال عملية “حارس الأسوار” في المدن المختلطة في "إسرائيل".

 وذكرت الحكومة والشاباك في ردهم أن “مجمع الأحداث شمل أيضاً العديد من الأحداث ذات الخلفية الأمنية أو القومية التي شملت، هجوم على قوات الأمن والاشتباك معهم، وعندما تتراكم مجموع هذه الأحداث معاً، تعتبر تهديداً للنظام العام”.

وكما يخضع الصحفيون والصحافة في مناطق عام 48 الى الرقابة من قبل الشباك وأجهزة الأمن الإسرائيلية عبر شركات الاتصالات الإسرائيلية، ووسائل التواصل الاجتماعي، فان الرقابة على الصحفيين والصحافة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، تخضع لرقابة أشد.

ولطالما كانت مراقبة الفلسطينيين جزءًا من مشروع إسرائيلي الاستعماري، غير أن أساليب المراقبة باتت أكثر انتشارًا واقتحامًا لخصوصية الفلسطينيين بفضل التكنولوجيا الجديدة، وتستخدم أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية، وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص للمراقبة، وكذلك شركات الاتصالات وخاصة الخلوية منها، لجمع المعلومات وتحليلها بشأن مواقف عموم الفلسطينيين وتوجهاتهم ونشاطاتهم.

إنّ اقتحام الحياة الخاصة للفلسطينيين سواء كانوا من الصحفيين أو غيرهم على هذا النحو، أمرٌ متيسر لأن البنية التحتية للاتصالات التي تستخدمها شركات الاتصالات والإنترنت الفلسطينية تسيطر عليها حكومة الاحتلال بالكامل. حيث تتمادى أيضًا في مراقبة الفلسطينيين بسبب غياب القيود القانونية والأخلاقية.

سلطات الاحتلال الإسرائيلي في رقابتها الدائمة على الصحفيين ونشاطهم، لا يعتبر انتهاك لحرمة الخصوصية وحرية التعبير والرأي فقط، بل يعتبر انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، ولقواعد الشرعة الدولية لحقوق الانسان، الأمر الذي يستوجب مسؤوليتها الجنائية الدولية، أمام الهيئات الدولية المختصة، وأمام القضاء الجنائي الدولي، وخاصة أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي يجب أن تقوم بمسؤولياتها في التحقيق بالجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

15-11-2022

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

قبور وهمية للاستيلاء

على الأراضي الفلسطينية

 

المحامي علي أبوهلال

 

لم يكتف الاحتلال الاسرائيلي بالطرق القديمة التي استخدمها منذ عشرات العقود الماضية لتسهيل وشرعنة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها، بل لجأ مؤخرا إلى انشاء قبور وهمية لليهود لا توجد فيها موتى لتحقيق هذه الغاية السياسية الكولونيالية الاستعمارية التي تتعارض مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

فقد تم الكشف مؤخرا عن قبور وهمية يزرعها الاحتلال في مساحات مختلفة من أراضي بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى في مدينة القدس، وذلك بتوزيع حجارة ضخمة، ويضعها بشكل متلاصق ومتوازي لتظهر وكأنها "مقابر". وذلك لتسهيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

وذكرت مؤسسات حقوقية وناشطون مقدسيون أن أراضي بلدة سلوان تزرع فيها القبور منذ سبعينات القرن الماضي، وتزداد وتتوسع رقعتها مع مرور الوقت، وتتوزع هذه الأيام في عدة مناطق أبرزها حي وادي الربابة، وادي حلوة، هضبة سلوان، الحارة الوسطى، الصلودحا. وأضافت هذه المصادر أن سلطات الاحتلال شرعت خلال الأشهر الأخيرة بتحويل قطعة أرض كانت تستخدم كموقف للمركبات إلى مقبرة بوضع "القبور الوهمية"، وقامت خلال هذه الفترة بزراعة القبور الوهمية وتوسيع مقبرة ما تسمى "مقبرة السامبوسكي اليهودية في قطعة أرض تقع بين حي وادي حلوة ووادي الربابة، وبدأت أعمال تسوية الأرض ووضع الأتربة الحمراء ووضع الحجارة الضخمة في المكان، إضافة الى تعليق يافطة باللغتين العربية والعبرية تحمل اسم المقبرة، وتهدد بفرض غرامات مالية في حال لقاء النفايات في الموقع.

ويذكر أن زراعة القبور كانت قد بدأت في منطقة "الصلودحا" والحارة الوسطى في سلوان، ببناء قبور فيها بشكل متفرق وموزع على مساحة الأرض، أما مع بداية الألفية شرعت بزراعة القبور في منطقة وادي الربابة، ثم امتدت زراعة القبور في مناطق أخرى وصولا الى حي وادي حلوة "حيث يتم العمل الآن".

وأوضح نشطاء مقدسيون أن زراعة القبور الوهمية في الأراضي، هي وسيلة تتبعها المؤسسة الإسرائيلية والجمعيات الاستيطانية لمصادرة ووضع اليد على الأراضي الفارغة والمسطحات في القدس، وتحديدا في بلدة سلوان، وبالتالي منع السكان من الانتفاع بالأراضي واستثمارها والبناء فيها، وعرقلة تطوير الأحياء المقدسية. وذكروا أن زراعة الأراضي بالقبور الوهمية، هي وسيلة لمصادرة الأرض، وبالتالي لا يمكن الاعتراض على ذلك قانونيا". وتحاول سلطات الاحتلال من خلال زراعة القبور الوهمية ادعاء وجود حضارة لها في الموقع وتجمع سكاني في قديم الزمن، وبالتالي ترويج للراوية وتغيير التاريخ، وخنق المعالم العربية في القدس، خاصة محيط البلدة القديمة. وفي الوقت الذي تمدد وتوسع رقعة القبور الوهمية تقوم بتضييق الخناق على مقابر المسلمين، وتزيل شواهد هذه المقابر وتحويل بعضها لحدائق.

ولا بد من الإشارة إلى أنه بعد العام 1967 واحتلال القدس، استولت سلطات الاحتلال على عشرات الدونمات الإضافية من الأراضي، وحولتها إلى مقابر ومدافن يهودية حديثة، وأخرى مستحدثة لم تكن من قبل، ولم تكن تحوي شواهد أو بقايا عظام موتى، وذلك لخدمة الاستيطان والتهويد. وعلى مدار سنوات ماضية، نفذ الاحتلال عمليات تزييف كبيرة للتاريخ والآثار والجغرافيا والمسمّيات العربية الإسلامية بالقدس، في سبيل شرعنة القبور اليهودية الوهمية واصطناع منطقة يهودية مقدسة. ويُشرف على تخطيط وتنفيذ زرع القبور الوهمية كل من بلدية الاحتلال، وما يسمى بـ" سلطة تطوير القدس"، ووزارة البناء والإسكان، وو"سلطة الآثار"، و"جمعية إلعاد" الاستيطانية، و"سلطة الطبيعة والحدائق القومية"، و"جمعيات وشركات الدفن اليهودية". كما أن الأراضي التي تزرع فيها القبور الوهمية تم مصادرتها بعد احتلال القدس واعتبرت ضمن أملاك الغائبين.

وعلى مدار السنوات الماضية حُولت ملكيتها لجمعيات استيطانية ولسلطات حكومية ومحلية، ومنطقة القبور الجديدة في سلوان عبارة عن موقف لمركبات السكان منعوا من استخدامها لتبدأ تلك المؤسسات زراعة القبور فيها. ومع بناء الحجر الأول اعترض السكان مطالبين بإظهار ترخيص البناء، فتم وقف العمل لفترة مؤقتة ثم استكملت جمعيات الاحتلال أعمالها وانتقلت للأرض الملاصقة وتم تسويتها وزراعة القبور فيها دون الحصول على التصاريح بدعوى أنها كانت مقابر لليهود ويتم الآن إعادة تأهيلها. وتعتبر المقابر الوهمية بعد ذلك مكانا مقدسا لا مجال للنقاش فيه ولا حاجة للتراخيص ولا دخول جدال الملكية، وفي المقابل السلطات ذاتها التي تبني قبورا وهمية تهدم قبورا حقيقية لمسلمين بعد نبشها وبناء حدائق فوق رفاتهم.

إنها طريقة قديمة جديدة تستهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس لتغيير طابعها وهويتها العربية والإسلامية، ولاستكمال عملية تهويدها وزرعها بالمستوطنات وبالمستوطنين، بما يخالف القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي الإنساني، ويشكل جريمة حرب تستوجب المسؤولية الجنائية الدولية، وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

الاحتلال يواصل سياسة الإهمال

الطبي بحق الأسيرة أزهار عساف

المحامي علي أبوهلال

تواصل سلطات الاحتلال الاسرائيلي وإدارات السجون سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى والأسيرات، ما ينذر بمزيد من المخاطر التي تهدد أوضاعهم الصحية، حيث تعرضت الأسيرة الفلسطينية أزهار عساف، يوم الخميس الماضي 27/10/2022، لوعكةٍ صحيةٍ نتيجة الإهمال الطبي الذي تمارسه إدارة السجون الإسرائيلية ومماطلتها في نقلها إلى المستشفى، وعلى إثر ذلك، نفذت الأسيرات في سجن الدامون خطوةً احتجاجيةً تمثلت بإرجاع وجبات الطعام وإغلاق الأقسام.

يشار إلى أن الأسيرة عساف من قرية الجيب شمال غرب القدس، ومعتقلة منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الماضي، وتعاني من مشاكل صحية عديدة أبرزها مشاكل عصبية، ومشاكل في السمع والنظر، وتقبع إلى جانب (32) أسيرة في معتقل "الدامون".

الأسيرات يواجهن أوضاعًا مأساوية وعلى عدة مستويات، خاصة أن مجموعة منهن يعانين من مشاكل صحية، وهن بحاجة إلى متابعة صحية حثيثة، ومن بينهن مجموعة من الجريحات.

وحذرت هيئات الأسرى من سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها سلطات الاحتلال وادارات السجون بحق الأسرى والأسيرات، وطالبت هيئات الاختصاص بالتدخل من أجل الإفراج عن الأسيرة عساف، خاصة أنه وخلال هذا العام واجهت الأسيرات فاجعة استشهاد رفيقتهم الأسيرة سعدية فرج الله، جراء تعرضها لجريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء).

وتواصل ادارات السجون ممارساتها القمعية والتنكيل بالأسيرات حيث أقدمت يوم السبت الماضي 29 أكتوبر 2022 على منع الأسيرات من التواصل مع أهاليهن في سجن الدامون من التواصل مع أهاليهن عبر الهواتف العمومية. وذكرت عائلات الأسيرات إن إدارة سجون الاحتلال عاقبتهن بقطع الاتصال مع عائلاتهن ردا على خطوات احتجاجية قمن بها رفضا لسياسة الإهمال الطبي التي يتعرضن له. وأوضحت أن الاحتجاجات بدأت بعد تعرض الأسيرة أزهار عساف لمضاعفات في حالتها الصحية نتيجة الإهمال الطبي، حيث ماطلت إدارة السجن بنقلها للمشفى لعدة ساعات، مبينة بأنه حتى حين تم نقلها للمشفى تم إعطاؤها علاجا خاطئا ما فاقم حالتها الصحية أكثر دون معرفة وضعها الصحي حتى الآن. وأكدت عائلات الأسيرات أنهن يتعرضن لإهمال كبير، كما يتعرضن جميعا للإهمال الطبي دون اكتراث بأوضاعهن الصحية في ظل ظروف الاعتقال السيئة التي يعانين منها، وأشارت إلى أن إدارة السجن تمنح الأسيرات ساعة فقط أسبوعيا للتواصل هاتفيا مع عائلاتهن، فيقمن بتقسيمها بينهن بشكل يومي ليتمكنّ من سماع صوت ذويهن.

يذكر أن سياسة اعتقال الفلسطينيات هي سياسة قديمة بدأت مع بدايات الاحتلال لفلسطين، حيث بلغت حالات الاعتقال منذ عام 1967، أكثر من (17) ألف امرأة فلسطينيّة، وأعادت سلطات الاحتلال خلال العام الجاري اعتقال 7 اسيرات محررات وهن الصحفية بشرى الطويل من البيرة وصدر بحقها قرار اعتقال إداري، والأسيرة المحررة ياسمين شعبان من جنين، والمحررة "لينا أبو غلمي" من نابلس والمحررات تحرير أبو سرية ومريم عرفات، وفلسطين فريد نجم من سكان نابلس. ويبلغ عدد الأسيرات في سجون الاحتلال الآن 32 أسيرة، يقبعن في سجن الدامون، منهن 17 اسيرة يخضعن لأحكام مختلفة، 8 منهن يقضين أحكاماً بالسجن فوق 10 سنوات، وأسيرتين تخضعان للاعتقال الإداري، والباقي لا زلن ينتظرن محاكمات، فيما أصدرت محكمة الاحتلال خلال العام الجاري حكماً قاسياً بحق الأسيرة المقدسية "نوال فتيحة" بالسجن الفعلي لمدة 8 سنوات.

وتعاني الأسيرات من معاناة قاسية حيث واصلت إدارة السجون انتهاكها لحقوق الأسيرات، وحرمانهن من كل مقومات الحياة، بما فيها حقهن في تلقي علاج للمريضات داخل السجن، واللواتي تتضاعف معاناتهن مع استفحال الأمراض في أجسادهن لعدم تقديم العلاج المناسب، أدت إلى استشهاد الاسيرة سعدية سالم فرج الله (65 عاما) من الخليل، في يوليو من العام الجاري نتيجة إصابتها بجلطة قلبية فى سجن الدامون بسبب الإهمال الطبي المتعمد.

كما تعاني الاسيرات من سياسة الإهمال الطبي المتعمد سواء للحالات المرضية او الجريحات اللواتي أصبن حين الاعتقال، وفى مقدمتهن الأسيرة المقدسية "اسراء الجعابيص" حيث يواصل الاحتلال منذ سنوات رفضه إجراء عمليات جراحية ووظيفية ضرورية لها، كما تشتكي الأسيرات منذ سنوات طويلة من عدم وجود طبيبة نسائية في عيادة السجون لرعاية الأسيرات، وعدم صرف أدوية مناسبة للحالات المرضية بينهن.

واليوم تعاني الأسيرة أزهار عساف من سياسة الإهمال الطبي وهي تحتاج إلى نقلها بأسرع وقت ممكن الى المستشفى لتلقي العلاج المناسب، أو إطلاق سراحها فورا حتى يتم معالجتها في الخارج وإنقاذ حياتها، ويتحمل الاحتلال مسؤولية حياتها ان واصل سياسة الإهمال بحقها.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

الغاء قوانين معاقبة مقاطعي

إسرائيل في أمريكا حق يكفله

الدستور الأمريكي

المحامي علي أبوهلال *

على الرغم من تأييد الإدارة الأمريكية المطلق لحكومة لاحتلال الإسرائيلي وسياستها العدوانية للقضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، تنشط كبرى المنظمات الحقوقية في الولايات المتحدة الأمريكية، ضد الإجراءات والقوانين الأمريكية التي تقضي بمعاقبة مقاطعي "إسرائيل"، وفي هذا الصدد رفعت كبرى المنظمات الحقوقية في الولايات المتحدة الأميركية خلال الأسبوع الماضي قضية أمام المحكمة الفدرالية العليا، تطالب بمراجعة حكم صدر عن المحكمة العليا في ولاية أركنساس يسمح بمعاقبة الشركات التي تقاطع "إسرائيل."

حيث تقدم الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) بالتماس يطلب من المحكمة العليا النظر في القضية، كون قرار محكمة الاستئناف في أركنساس ينتهك التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يحمي الحق في حرية التعبير. وجاء في الالتماس الذي قدمه محامو اتحاد الحريات المدنية إنه "عندما تقرر ولاية حق معاقبة من يقاطعون جهة ما بعقوبات خاصة كما فعلت ولاية أركنساس هنا، فإن ذلك لا ينتهك فقط الحق في المقاطعة بل أنه ينتهك أيضا الحق الأساسي الذي يفرضه التعديل الأول على التمييز في المحتوى ووجهة النظر".

يذكر إن عديدا من الولايات الأمريكية تستخدم القوانين والأوامر التنفيذية الخاصة بمناهضة المقاطعة لمعاقبة الشركات التي ترفض التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأرضي الفلسطينية المحتلة. فقد تبنّت 27 ولاية قوانين أو سياسات تعاقب الشركات أو المنظمات أو الأفراد الذين يشاركون في مقاطعة إسرائيل أو يطالبون بذلك. لا تستهدف القوانين أو السياسات في 17 من تلك الولايات بشكل صريح الشركات التي ترفض القيام بأعمال تجارية داخل إسرائيل أو معها فحسب، بل تستهدف أيضا الشركات التي ترفض القيام بأعمال تجارية في المستوطنات الإسرائيلية، بعض الولايات التي لا تنطبق قوانينها بشكل صريح على المستوطنات عاقبت أيضا الشركات التي قطعت علاقاتها بالمستوطنات.

أما الولايات التي تعتمد قوانين مناهضة لـ "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" فهي "ألاباما، أريزونا، أركانساس، كاليفورنيا، كونيتكت، فلوريدا، جورجيا، أيداهو، إيلينوي، إنديانا، آيوا، كنساس، لويزيانا، مريلاند، ميتشيغان، مينيسوتا، ميسيسيبي، نيفادا، نيوجيرسي، نيويورك، نورث كارولاينا، أوهايو، بنسلفانيا، رود آيلند، ساوث كارولاينا، تكساس، وويسكونسين".

تعتبر قوانين مناهضة المقاطعة في الولايات المتحدة هي جزء من حملة تتصاعد عالميا بقيادة "إسرائيل" وداعميها لمحاربة المؤيدين المحتملين لحركة المقاطعة، ويذكر أن حركة المقاطعة تدعو إلى مقاطعة "إسرائيل" حتى تُنهي الاحتلال، وتقرّ بالحق المعترف به دوليا للاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي طُردوا منها.

اعتمد "الكنيست" الإسرائيلي عام 2011 قانونا يسمح للأشخاص برفع دعاوى وطلب جبر الضرر ضدّ كل من يدعو علنا إلى مقاطعة "إسرائيل"، التي تُعرَّف على أنها تشمل المستوطنات.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، أيدت محكمة استئناف فيدرالية أميركية، قانون ولاية أركنساس الذي يطالب جميع المتعاقدين العموميين بأن يتعهدوا بأنهم لن يقاطعوا "إسرائيل"، مما ألغى حكماً سابقاً بأن التشريع ينتهك التعديل الأول في الدستور الأميركي. وفي عام 2017، أمرت ولاية أركنساس جميع الوكالات العامة بعدم التعامل مع المقاولين ما لم يؤكدوا أنهم لا يقاطعون "إسرائيل".، وتعقيبا على القرار قال بريان هوس، محامي الموظفين في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، إن رأي القضاة كان خاطئاً، مضيفًا أنهم يعتزمون استئناف القضية في المحكمة العليا. وقال هوس عن القرار "إنه يتجاهل حقيقة أن هذا البلد تأسس على أساس مقاطعة البضائع البريطانية وأن المقاطعات كانت جزءاً أساسياً من الخطاب السياسي الأميركي منذ ذلك الحين". وأضاف: "نأمل ونتوقع أن المحكمة العليا ستضع الأمور في نصابها الصحيح وتعيد تأكيد التزام الأمة التاريخي بتوفير حماية قوية للمقاطعات السياسية".

علما أن "مجلس الشيوخ" الفيدرالي  قد أقر في يناير/كانون الثاني 2019، مشروع قانون يدعم مناهضة الولايات للمقاطعة، بما فيها تلك التي تشمل النشاط التجاري في المستوطنات، بعد ذلك قدم مشرّعون فيدراليون قرارات في مجلسَيْ الشيوخ والنواب لإدانة مقاطعة إسرائيل، لكن لم تصبح أي من هذه المبادرات قانونا فيدراليا بعد.

ان مبادرة الاتحاد الأميركي للحريات المدنية(ACLU) التقدم بالتماس يطلب من المحكمة العليا النظر في القضية، يشكل خطوة هامة لإلغاء قرار معاقبة مقاطعي "إسرائيل"، كون قرار محكمة الاستئناف في أركنساس ينتهك التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يحمي الحق في حرية التعبير، وهو يتناقض أيضا مع حق الأفراد في التعبير عن آرائهم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما فيها حقهم المشاركة في المقاطعة، لأنها شكل مشروع من أشكال التعبير، تحميها المادة 19 (2)" من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، علما أن التشريعات المناهضة للمقاطعة "تهدف بوضوح إلى مناهضة التعبير السياسي" وإن "العقوبات الاقتصادية المصممة لقمع وجهة نظر سياسية معينة" لا تفي بالشروط المنصوص عليها في العهد الدولي لفرض قيود على حرية التعبير.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه

على الطواقم الطبية جريمة حرب

المحامي علي أبوهلال

صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين خلال الأسابيع الأخيرة، اعتداءاتها على الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف والأطباء والمسعفين، في القدس وسائر المناطق الفلسطينية المحتلة، وذلك في انتهاك خطير للقانون الدولي الانسان، وقانون حقوق الانسان، وقال وكيل وزارة الصحة الفلسطينية وائل الشيخ، لوسائل الاعلام إن هناك تعمد بإطلاق النار على أفراد الطواقم الطبية الذين يؤدون واجبهم الإنساني.

وازدادت وتيرة الاعتداءات على الطواقم الطبية خلال الأسبوع الماضي من قبل جنود الاحتلال من جهة، والمستوطنين من جهة أخرى، حيث لوحظ استهداف الطواقم الطبية، والصحفية، وطواقم الدفاع المدني بشكل أكبر ومباشر خلال الفترة الأخيرة. وقال مدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر بنابلس أحمد جبريل، إن عددا من المستوطنين اعتدوا على مركبات الإسعاف في بلدة حوارة جنوب نابلس، ومنعوها من المرور لتقديم العلاج للمصابين برصاص الاحتلال.

وكانت مركبات إسعاف تابعة للهلال الأحمر والإغاثة الطبية تعرضت عدة مرات للاستهداف المباشر، خلال تقديمها العلاج للمصابين، في العديد من المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية. كما اعتدى مستوطنون على طبيب في طولكرم، ومركبة طبية تابعة لمستشفى النجاح الجامعة في نابلس. وحسب وزارة الصحة، فقد أصيب الطبيب عاصم قدومي برضوض شديدة في الصدر والبطن والأنف إثر اعتداء مجموعة من المستوطنين عليه عند مفترق بيت ليد شرق طولكرم، نقل إثرها لمستشفى ثابت الحكومي. وفي نابلس، اعتدى مستوطنون على مركبة تنقل مرضى غسيل كلى تابعة لجامعة النجاح أثناء مرورها من حاجز حوارة قبل يومين. كما استهدفت الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف في القدس وفي المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية من قبل قوات الاحتلال، وقطعان المستوطنين، وذلك لمنعها من القيام بواجبها الإنساني في تقديم العناية الطبية اللازمة لضحايا الاحتلال الذين يصابون من جراء هذه الاعتداءات. ومنعت قوات الاحتلال بالقوة العسكرية “جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني” من دخول طواقم الإسعاف التابعة لها، إلى منطقتي شعفاط وعناتا في القدس المحتلة المحاصرتين لتقديم الخدمة الطبية الطارئة من الفلسطينيين الجرحى.

وفي تصعيد خطير استهدفت قوات الاحتلال صباح يوم الجمعة 14/10/2022 الطبيب عبد الله أبو التين في جنين، عندما اخترقت رصاصة أطلقتها على رأسه وأصابته بجروح حرجة، قبل أن يعلن عن استشهاده لاحقا. الطبيب أبو التين عندما أصابته رصاصة قناصة الاحتلال، ليكون ضمن المستهدفين من الطواقم الطبية الذين طالتهم اعتداءات الاحتلال خلال الأسبوع الماضي. ولم يكن الطبيب أبو التين الأول او الأخير من شهداء الطواقم الطبية، الذين استشهدوا من قبل اعتداءات قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين.

ان الاعتداءات العدوانية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين، ضد المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة تعد انتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني. وتصنف هذه الأعمال بالمخالفات الجسيمة، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين زمن الحرب لعام 1949. وقد مثل استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الطواقم الطبية وعرباتهم، شكلاً من أشكال القتل العمد، والذي يندرج في إطار المخالفات الجسيمة وفقاً لما تنص عليه المادتين 146، 147.

كما تنص المادة 20 من الاتفاقية على وجوب احترام وحماية الموظفين العاملين في إدارة وتشغيل المستشفيات، بمن فيهم طواقم الإسعاف والممرضين والمسعفين الذين يقومون بنقل وإخلاء الجرحى من أماكن العمليات ذات الطابع العسكري. وتنص المادة 23 إلى التزام الأطراف السامية المتعاقدة بكفالة حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية. وقد عزز البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949، والمتعلق بضحايا المنازعات المسلحة الدولية، آليات حماية رجال المهمات الطبية، وتسهيل عمليات نقل الجرحى والمصابين في مناطق الأعمال الحربية، وكرس ضرورة حمايتهم وعدم التعرض لهم بأية أعمال تسبب لهم الأذى والضرر.

اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه للطواقم الطبية الفلسطينية لا يعتبر عملاً غير مقصود، أو حادثاً عرضياً واحداً بسبب خطأ ما، وهو ما يمكن تداركه ونتائجه في العمليات اللاحقة لتلك القوات. بل إن تكرار الاعتداءات على هؤلاء الأطباء والممرضين والمسعفين يؤكد حقيقة استهدافهم من قبل هذه القوات. وتشير المعطيات المتوفرة، والتي قامت مؤسسات حقوق الإنسان المحلية والدولية بتوثيقها، إلى أن الإفراط في استخدام القوة القاتلة ضد هؤلاء الأشخاص المحميين وضد عربات الإسعاف التي يستقلونها تعزز النية المبيتة للجنود بقتلهم وإصابتهم.                                                                                        

ان هذه الاعتداءات المتواصلة على الطواقم الطبية والتي أدت إلى استشهاد وجرح المئات منهم، تعتبر جرائم حرب وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تستوجب المسؤولية الدولية، ما يقتضي اعداد ملف قضائي بضحايا هذه الاعتداءات من الجرحى والشهداء، ورفعه الى القضاء الجنائي الدولي، وخاصة إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الاحتلال الذين يرتكبون هذه الجرائم، حتى لا يفلت هؤلاء من العقاب.  

                             *محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

الاحتلال يقرر التعويض بدلا

من محاكمة قتلة المسنَ عمر أسعد

المحامي علي أبوهلال

تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد الإقرار بمسؤولية قواتها العسكرية عن قتل المسن عمر أسعد بدفع تعويض لأسرة الشهيد، بدلا من محاكمة الجاني الذي ارتكب هذه الجريمة بدم بارد. حيث قررت تعويض عائلة الشهيد المسن، عمر أسعد، من قرية جلجليا شمال رام الله، بمئات آلاف الشواكل وذلك مقابل إغلاق ملف هذه الجريمة.

 ووفقا لهيئة البث الإسرائيلي ("كان 11")، فإن سلطات الاحتلال أقر مبلغا بقيمة 500 ألف شيكل كتعويض لعائلة الشهيد عمر أسعد (80 عاما)، الذي ترك حتى الموت بعد الاعتداء عليه بالضرب بقسوة وعنف من قبل قوة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي شمالي مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة. وذلك مقابل إغلاق ملف القضية بينه وبين عائلة الشهيد.

استشهد المسن عمر أسعد يوم 12 كانون الثاني/يناير 2022 بعد احتجازه والاعتداء عليه بالضرب بعنف بعد أن قامت قوات الاحتلال بضربه وتقييد يديه، ثم تركته ملقى على الأرض وهو ينزف داخل منزل قيد الإنشاء، ما أدى إلى استشهاده في وقت لاحق آنذاك.

وكان الشهيد عائدا الى منزله بعد زيارة أحد اقربائه عند الساعة الثانية فجرا، حيث أوقفته قوة عسكرية إسرائيلية، وقامت بإنزال المسن من مركبته بطريقة همجية، سُحل لمسافة 200 متر، وبدأت بضربه بأعقاب البنادق والركل بالأرجل، وقُيّدت يداه، وتركته على الأرض لنحو ساعتين في منزل قيد الإنشاء؛ حسب ما ذكر أحد أقاربه. وكشف تقرير تشريح جثمان الشهيد أسعد أنه توفي متأثرا بنوبة قلبية سببها "عنف خارجي".  وأكد تقرير التشريح، الذي أجراه ثلاثة أطباء فلسطينيون، أن الشهيد عمر أسعد، الذي يحمل الجنسية الأميركية، كان يعاني من مشكلات صحية أساسية، لكن وُجد أيضا كدمات على رأسه، واحمرارا على معصميه من التقييد، ونزيفا في جفنيه نتيجة تعصيب عينيه بإحكام، وخلص التقرير، إلى أن سبب الوفاة هو توقف مفاجئ لعضلة القلب بسبب التوتر النفسي جراء عنف خارجي تعرض له.

وفي تحقيق اسرائيلي، توصل الاحتلال إلى أن واقعة استشهاد أسعد "تشير إلى فشل في القيم والأخلاق" لدى عناصر الفصيل والسرية التابعة لكتيبة "هناحال هحردي" ("نيتساح يهودا") في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي تنشط في مناطق الضفة الغربية. وجاء في بيان سابق صدر عن قوات الاحتلال، أن "التحقيق يظهر أن الحادثة خطيرة ومؤسفة"، مضيفا أن "الحادث أشار إلى فشل قيمي لدى القوة (المتورطة) وخطأ في تقدير الموقف وانتهاك جسيم لقيمة كرامة الإنسان". ويذكر أن هذه الكتيبة تضم مستوطنين متدينين وعنصريين، يقومون بالاعتداء والتنكيل بصورة مستمرة بالفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها البالغ بشأن ظروف مقتل المسن الفلسطيني، عمر أسعد، الذي يحمل الجنسية الأميركية، مضيفة أنها تتوقع تحقيقا جنائيا شاملا ومساءلة كاملة. ورغم مطالبة الإدارة الأمريكية حكومة الاحتلال بإجراء تحقيق جنائي شامل بمقتل أحد مواطنيها الذي يحمل الجنسية الأمريكية، ومحاسبة الجاني الذي ارتكب جريمة قتله، إلا أن حكومة الاحتلال لم تعر أي اهتمام للطلب الأمريكي، وقررت من جانب واحد دفع التعويض لأسرة الشهيد عمر أسعد، رغم رفض الأسرة التعويض واصرارها على محاكمة الجنائي الذي ارتكب هذه الجريمة بحق ابنها الشهيد المسن.

هكذا هي حكومة الاحتلال دائما ترتكب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين، بدون أي مساءلة وهي بذلك تضع نفسها فوق القانون وتعفي نفسها من المساءلة، طالما لا يوجد تحقيق دولي نزيه وشفاف في الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال، يمكن أن يفضي إلى كشف الجناة وتقديمهم الى محكمة عادلة ونزيهة، وتصدر حكما عادلا ومنصفا للضحايا وعائلاتهم.

حكومة الاحتلال هي التي ترتكب الجريمة، وتجعل من نفسها المحقق والقاضي، وهي تقوم بكل هذه المهام في نفس الوقت، فكيف يمكن أن تكون نزيهة وعادلة. حكومة الاحتلال لا يمكن الوثوق بها من جهة الضحايا وعائلاتهم، لأنها طالما تتهرب من اجراء تحقيق نزيه وشامل وجدي يؤدي إلى كشف الجناة وتقديمهم الى المحاكمة تتوافر فيها معايير المحاكم العادلة والنزيهة.

مطالبة الإدارة الأمريكية حكومة الاحتلال بإجراء تحقيق شامل وجدي بجريمة مقتل المسن عمر أسعد الذي يحمل الجنسية الأمريكية، ما هو إلاّ ذر الرماد في العيون هدفه توفير التغطية على جرائم الاحتلال من جهة، والتهرب من مسؤولياتها في اجراء تحقيق نزيه وعادل في جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين من جهة ثانية، لأن الادارة الأمريكية تدرك أن  حكومة الاحتلال ومحققيها ومحاكمها ماهي إلا أدوات لحماية مجرمي الاحتلال الذين يرتكبون المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين، حتى ولو كانوا يحملون الجنسية الأمريكي، كما حصل مع الشهيدة الصحفية شرين أبو عاقلةـ وما سيجري مع الشهيد المسن عمر أسعد، فلا عدالة ولا انصاف لضحايا الاحتلال من قبل حكومة الاحتلال، ومن قبل الولايات المتحدة التي تقدم الدعم للاحتلال بكل الأشكال.   

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

30 معتقلا إداريّا يضربون عن

الطعام لإنهاء سياسة الاعتقال الإداري

المحامي علي أبوهلال

 

في خطوة نضالية جماعية غير مسبوقة يواصل 30 معتقلا إداريا إضرابهم عن الطعام لليوم العاشر على التوالي، حيث شرعوا في اضراب مفتوح عن الطعام يوم الأحد الموافق 27/9/2022 في ظل رفض سلطات الاحتلال انهاء اعتقالهم الإداري والافراج عن المعتقلين الإداريين.

 وأكد الأسرى وهم من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في بيان لهم "في سياق نضالنا المستمر نشرع اليوم، بإضراب مفتوح عن الطعام، مطلبنا، هواء نقي، وسماء بلا قضبان، ومساحة حرية، ولقاء عائليّ على مائدة، بينما مطلب الاحتلال سلخنا عن واقعنا الاجتماعيّ، ودورنا الوطنيّ، والإنسانيّ، وتحويلنا لركام، وبين مطلبنا، ومطلبهم، تحسم قوة الاحتلال بسياسة الاعتقال الإداريّ البغيض". وتابع الأسرى، وأضافوا "واهم من يعتقد أنّ اعتقالنا سيحوّلنا لحطام، فأينما وجدنا تلك مساحة نضال، نشق الدرب، نرفع السيف، مدركين ما ينتظرنا من قمع وتنكيل وعزل، ومصادرة ملابسنا، وصور أطفالنا، وزجنا بزنازين إسمنتية خالية من كل شيء، إلا من أجسادنا وآلامنا، تفتيش مستمر، تنقلات دورية، لا سجائر، ولا زجاجات ماء، وبالكاد نلتقط الهواء". وقال الأسرى: "إنّ خوض هذه المعركة ضد سياسة الاعتقال الإداريّ، والتي نأمل أن تتدحرج بانضمام كل المعتقلين الإداريين لها هي حلقة هامة في سلسلة النضال لإنهاء هذه الجريمة البشعة، ما يميزها أنها تُحمل على أكتاف مجموعة مناضلين ارتضوا خوضها لإعلاء الصوت ضد ظلم الاحتلال، وعلى طريق إنهاء هذه السياسة التعسفية هي تجديد لأخلاقنا الثورية الفلسطينية، التي لم تتمكن قوى البطش من تحييدها أو انتزاعها، فالإرادة تصنع المستحيل، وبإرادة شعبنا سننتصر". ويتوقع أنه في حال استمرار إدارة سجون الاحتلال في تعنتها بالاستجابة لمطالب الأسرى، فإن أسرى آخرين من حركة الجهاد الإسلامي وأسرى اداريون آخرين  قد ينضمون إلى الأسرى الثلاثين في معركتهم ضد الاعتقال الإداري.

المعتقلون الذين شرعوا بالإضراب هم: نضال أبو عكر، وإيهاب مسعود، وعاصم الكعبي، وأحمد حجاج، وثائر طه، ورامي فضايل، ولطفي صلاح، وصلاح الحموري، وغسان زواهرة، وكنعان كنعان، وأشرف أبو عرام، وغسان كراجة، وصالح أبو عاليا، وعوض كنعان، وليث كسابرة، صالح الجعيدي، وباسل مزهر، ومجد الخواجا، وجهاد شريتح، وهيثم سياج رام الله، ومصطفى الحسنات، وعزمي شريتح، ومحمد أبو غازي، وأحمد الخاروف، ونصر الله البرغوثي، ومحمد فقهاء، وتامر الحجوج، وسينار حمد، ورغد شمروخ، وزيد القدومي. وهؤلاء الأسرى عانوا خلال السنوات الماضية، من سياسة الاعتقال الإداري، وهم أسرى محررون، ومنهم من مدد الاعتقال الإداري بحقهم لأكثر من مرة. ومنذ أواخر عام 2011، حتى نهاية العام الجاريّ، نفذ الأسرى والمعتقلون ما يزيد عن 400 إضراب فرديّ، كان جلّها ضد الاعتقال الإداريّ.

تجاوز عدد المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال، حالياً 780 معتقلاً بينهم 6 قاصرين على الأقل وأسيرتان، ويقبع أكبر عدد منهم في سجني النقب، وعوفر، وهذه النسبة هي العليا منذ الهبة الشعبية عام 2015.

أصدرت سلطات الاحتلال منذ عام 2015 حتّى العام الجاري ما يزيد عن 9500 أمر اعتقال إداريّ، ومنذ بداية العام الجاري 2022 أصدرت نحو 1365 أمر اعتقال إداريّ، وكانت أعلى نسبة في أوامر الاعتقال الإداريّ قد صدرت في شهر آب/ أغسطس الماضي، وبلغت 272. ويشار إلى أن ما يزيد عن 80% من المعتقلين الإداريين هم معتقلون سابقون تعرضوا للاعتقال الإداريّ مرات عديدة، من بينهم كبار في السن، ومرضى، وأطفال.

يذكر أن 28 من المعتقلين المضربين عن الطعام حاليا، جرى عزلهم بأربع غرف في سجن "عوفر"، فيما جرى عزل المعتقل الحقوقي صلاح الحموري في زنازين سجن "هداريم"، والمعتقل غسان زواهرة في زنازين سجن "النقب". ، وبدأت ادارات السجون بالتهدد بفرض المزيد من العقوبات على المضربين عن الطعام، علما أنها وفي كافة حالات الإضراب الفردية والجماعية، تفرض سلسلة عقوبات بشكل تلقائي منها: حرمان المعتقلين من الزيارة، وتجريدهم من مقتنياتهم، وعزلهم انفراديا، كما تتعمد نقلهم بشكل مستمر، عدا عن ممارسة أساليب تهدف لضغطهم نفسيا والتنكيل بهم.

أعلن المعتقلون الإداريون المضربون عن الطعام، في اليوم الثاني من اضرابهم المفتوح عن الطعام، مقاطعتهم لمحاكم الاحتلال الإسرائيلي بدرجاتها المختلفة، وذلك في سياق نضالهم ضد جريمة الاعتقال الإداري. وتأتي هذه الخطوة، في ظل استمرار محاكم الاحتلال بدرجاتها المختلفة في ممارسة دورها التاريخي المتمثل في ترسيخ هذه السياسة، تُنفّذ ما يصدر عن جهاز مخابرات الاحتلال "الشاباك".

هذا اليوم يدخل اضراب المعتقلون الاداريون المفتوح عن الطعام يومه العاشر، وهم أكثر قوة وصلابة وإصرارا على مواصلة اضرابهم، حتى تحقيق مطالبهم المشروعة في انهاء سياسة الاعتقال الإداري وتحريرهم من السجن، وهم بهذه الخطوة الكفاحية غير المسبوقة، يفجرون انتفاضة ضد جريمة الاعتقال الإداري، وهو اعتقال بدون تهمه أو محاكمة، يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور قابلة للتجديد، ويشكل اضراب المعتقلين الجماعي لحوالي 30 معتقل اداري أكبر اضراب عن الطعام، وهو بمثابة انتفاضة هامة لهم، تقتضي الشروع بحملة شعبية ووطنية، وحملة دولية واسعة لإنهاء عمليات الاعتقال الإداري المتواصلة، وتحرير المعتقلين الإداريين من سجون الاحتلال، وهذا ما ينتظره ويتطلع اليه المعتقلون الاداريون.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

الحرية والعلاج الطبي

للأسير ناصر أبو حميد

المحامي علي أبوهلال

 

الأسير ناصر أبو حميد يستحق الحياة والحرية والكرامة الإنسانية بعد أن أمضى نحو 30 سنة في سجون الاحتلال، وهو يعاني من مرض السرطان منذ فترة طويلة، وتحذر هيئات الأسرى من استشهاده في أي لحظة،

سلطات الاحتلال تمارس سياسة الاهمال الطبي بحقه ولم يعد منذ شهرين يتلقى أي جرعة علاج، لأن جسده لم يعد يقوى أو يتجاوب مع تلك العلاجات، وكشفت عائلة الأسير أبو حميد في تصريح لها، أن التوصية الطبية التي حصل عليها خلال الساعات الأخيرة، تدعو الى فحص إمكانية السماح له بالخروج من السجن ليقضي أيامه الأخيرة بين عائلته.

يذكر أن الوضع الصحي له بدأ بالتدهور بشكل واضح منذ شهر آب/ أغسطس 2021، حيث بدأ يعاني من آلام في صدره إلى أن تبين بأنه مصاب بورم على الرئة، وتمت إزالته وإزالة قرابة 10 سم من محيط الورم، ليعاد نقله إلى سجن "عسقلان" قبل تماثله للشفاء، ما أوصله لهذه المرحلة الخطيرة، ولاحقا وبعد إقرار الأطباء بضرورة أخذ العلاج الكيميائي، تعرض مجددا لمماطلة متعمدة في تقديم العلاج اللازم له، إلى أن بدأ مؤخرا بتلقيها.

الأسير أبو حميد من مخيم الأمعري/ رام الله، معتقل منذ عام 2002، ومحكوم بالسجن المؤبد سبع مرات و(50) عاما. وقد تعرض للاعتقال الأول قبل انتفاضة الحجارة عام 1987 وأمضى أربعة أشهر، وأعيد اعتقاله مجددا وحكم عليه بالسجن عامين ونصف، وأفرج عنه ليعاد اعتقاله للمرة الثالثة عام 1990، وحكم عليه الاحتلال بالسجن المؤبد، أمضى من حكمه أربع سنوات حيث تم الإفراج عنه مع الإفراجات التي تمت في إطار المفاوضات، إلى أن الاحتلال أعاد اعتقاله عام 1996 وأمضى ثلاث سنوات. وإبان انتفاضة الأقصى عام 2000 انخرط أبو حميد في مقاومة الاحتلال مجددا، واعتقل عام 2002، وحكم عليه الاحتلال بالسجن المؤبد سبع مرات و(50) عاما ولا يزال في الأسر حتى اليوم.

الأسير أبو حميد من أسرة مناضلة وهو من بين خمسة أشقاء يواجهون الحكم مدى الحياة في سجون الاحتلال، حيث اعتقل أربعة منهم عام 2002 وهم: نصر، وناصر، وشريف، ومحمد، إضافة إلى شقيقهم إسلام الذي اعتقل عام 2018، ولهم شقيق سادس شهيد وهو عبد المنعم أبو حميد، كما أن بقية العائلة تعرضت للاعتقال، وحرمت والدتهم من زيارتهم لسنوات، وفقدوا والدهم خلال سنوات اعتقالهم، كما تعرض منزل العائلة للهدم خمس مرات، آخرها عام 2019.

يواجه الأسير أبو حميد ظروفا صحية صعبة جراء الإصابات التي تعرض لها، وخلال العام المنصرم تفاقم وضعه بشكل ملحوظ تحديدا في شهر آب/ أغسطس، وتبين أنه مصاب بورم في الرئة. وخلال الفترة التي سبقت ظهور المرض، واجه الأسير أبو حميد سياسة الإهمال الطبي المتعمد والمماطلة في تقديم العلاج، عدا عن ظروف السجن القاسية، تحديدا في "عسقلان" الذي يعتبر من أسوأ السجون من حيث الظروف، ومع ذلك تحتجز فيه مجموعة من الأسرى المرضى.

سلطات الاحتلال تمارس القتل البطيء بحق الأسير ناصر أبو حميد، كما تمارسه بحف المئات من الأسرى المرضى طوال العقود الماضية، وقد أدت هذه السياسة إلى استشهاد 73 أسيرا في سجون الاحتلال منذ عام   1967 كان آخرهم الأسير موسى أبو محاميد في أوائل شهر أيلول / سبتمبر الجاري.

الأسير ناصر أبو حميد يحتضر هذه الأيام، وقد يستشهد في أي لحظة كما تفيد التقارير الطبية، سلطات الاحتلال لا تعير انتباها لحياته التي تزداد خطورة في كل لحظة، وهي تتحمل مسؤولية قتله البطيء والمتعمد نتيجة سياسة الإهمال الطبي التي مارسته بحقه منذ فترة طويلة، وينبغي أن تحاسب على هذه الجريمة حتى لا يفلت الجناة من العقاب.

وينبغي أن تتضافر كافة الجهود، وتتواصل وتتسع التحركات الوطنية والشعبية المنددة بممارسات الاحتلال بحقه، داخل الوطن، وفي بلدان المهجر والشتات، وعلى جميع حركات التضامن الدولية وأنصار الشعب الفلسطيني في كل دول العالم، أن تتحرك وتواصل الضغط على دولها، للضغط على حكومة الاحتلال من أجل وقف سياسة الإهمال الطبي والقتل البطيء التي تمارسه بحق الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، بما يخالف القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان.

وعلى كافة المؤسسات والهيئات الحقوقية الدولية أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان، للضغط على حكومة الاحتلال، من أجل تحريره وإطلاق سراحه فورا، ليتكمن من الحصول على العلاج الطبي الملائم خارج السجن، لعل وعسى يتم توفير العلاج الطبي والمناسب له، وإنقاذ حياته قبل فوات الأوان، فالأسير أبو حميد يستحق الحرية والكرامة الإنسانية، ويستحق الحياة في أخر أيامه بين أهله وفي أحضان والدته الصابرة والمناضلة.

 *محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

موسى أبو محاميد شهيد آخر من

المعتقلين نتيجة التعذيب والإهمال الطبي

المحامي علي أبوهلال *

 

أصبحت سياسة التعذيب والإهمال الطبي المؤدية إلى القتل سياسة رسمية ومنهجية لحكومة الاحتلال وقواته العسكرية والأمنية، في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم تعد عمليات قتل الفلسطينيين من قبل حكومة الاحتلال جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، أو مخالفة للقانون الدولي الإنساني، أو مخالفة حتى لقانون الاحتلال طالما لا يترتب على ارتكاب هذه الجرائم أي عقوبة أو مسؤولية جنائية، وهذا ما يشجع حكومة الاحتلال على الاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم، طالما أنها تفلت من العقاب، وطالما أنها تبقى سلطة فوق القانون.

وفي إطار هذه الجرائم المستمرة أعلن يوم السبت الماضي 3/9/2022، عن استشهاد المعتقل موسى هارون أبو محاميد (40 عاما) من قرية بيت تعمر شرق بيت لحم، في مستشفى "اساف هورفيه"، نتيجة التعذيب وسياسة الإهمال الطبي التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى والمعتقلين، ويذكر أن أبو محاميد اعتقل على خلفية دخوله للعمل في القدس المحتلة بدون تصريح، وذلك وفقًا لعائلته، وتدهور وضعه الصحي بشكل كبير مؤخرا، حيث جرى نقله إلى المستشفى إلى أن استشهد، وهذا يقتضي المطالبة بتحقيق دولي مستقل وشفاف للوقوف على أسباب قتله، ومحاسبة من ارتكب هذه الجريمة.

استهداف الفلسطينيين بذريعة الدخول بدون تصريح إلى القدس المحتلة، وأراضي عام 1948 تصاعد منذ مطلع العام الجاري، ليس فقط عبر عمليات الاعتقال والاعتداءات العنيفة عليهم، وإنما من خلال إطلاق النار عليهم، وتعذيبهم الذي يؤدي إلى تهديد حياتهم بل قتلهم، كما جرى مع الشهيد أبو محاميد وغيره.

وتشكل سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال بحق المعتقلين الفلسطينيين، سياسة رسمية وقد أدت إلى وفاة عدد كبير من المعتقلين، كأن آخرهم الأسير سامي العمور، البالغ من العمر 39 عاماً في مستشفى سوروكا الإسرائيلي". وهو من مدينة دير البلح في قطاع غزة ومعتقل منذ عام 2008، محكوم بالسجن 19 عاماً، وطوال هذه السنوات حرمه الاحتلال من زيارة العائلة، حيث تمكّنت والدته من زيارته لمرات محدودة في بداية اعتقاله فقط".

 وقد استشهد نتيجة لسياسة وجريمة الإهمال الطبي المتعمّد (القتل البطيء). وتبيّن أنه "كان يعاني مشكلة خَلقية في القلب تفاقمت جراء سياسة الإهمال الطبي والمماطلة في متابعة وضعه الصحي، وظروف الاعتقال القاسية التي تعرّض لها على مدار سنوات اعتقاله". وبارتقاء الشهيد العمور، ارتفع "عدد الشهداء الأسرى في سجون الاحتلال إلى 227 شهيداً منذ عام 1967، منهم 72 أسيراً ارتقوا نتيجة لجريمة الإهمال الطبي. ومن بين 4650 أسيراً فلسطينياً في سجون إسرائيل، يعاني نحو 550 أسيراً فلسطينياً أمراضاً مزمنة كالسرطان والكلى والقلب.

وتفيد تقارير الهيئات والمؤسسات الفلسطينية المعنية بالدفاع عن الأسرى والمعتقلين، أن عدد الأسرى المرضى قد بلغ 1200 منهم، من بينهم 25 أسير يعانون من مرض السرطان، 24 أسير معاق حركي ونفسي، 8 أسرى يعانون من فشل كلوي، 20 أسير يقيمون بشكل دائم في مستشفى سجن الرملة وهم أصحاب أخطر الأمراض والجرحى. ومن أبرز أسماء الأسرى المرضى القابعين في سجن "عيادة الرملة: (خالد الشاويش، منصور موقدة، معتصم ردّاد، ناهض الأقرع)، علما أن غالبيتهم يقبعون منذ اعتقالهم في سجن "عيادة الرملة"، وشهدوا على استشهاد عدد من زملائهم على مدار سنوات اعتقالهم.

ويعد الأسير ناصر أبو حميد المصاب بالسرطان نموذجا لما يتعرض له الاسرى المرضى داخل سجون الاحتلال وفي أقبية التحقيق، أيام وليالٍ طويلة ومضنية لا يقوى فيها الأسير أبو حميد على استخدام أطرافه ويستخدم كرسيا متحركا للتنقل، وهو بحاجة ماسة للعلاج. وكانت إدارة السجون نقلت أبو حميد في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، من مستشفى "برزلاي" إلى "عيادة سجن الرملة" التي تفتقر لأدنى المستلزمات الطبية الضرورية للأسرى المرضى المتواجدين فيه، رغم وضعه الصحي الحرج وحاجته الماسة للعلاج.

ولا يختلف الحال كثيرا مع الأسير عبد الباسط معطان، المعتقل إداريا منذ تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وهو يعاني من سرطان القولون والغدد اللمفاوية، ولم يجر له أي فحوصات طبية، ولم يتلق أي نوع من العلاج الخاص بمرضه داخل السجن، رغم خطورة وضعه الصحي، وحاجته إلى متابعة حثيثة من أطباء الأورام. وكان من المفترض أن يجري فحوصات قبل أن يقطع الاحتلال علاجه ويعتقله، وخضع لعدة عمليات جراحية لاستئصال جزء من القولون، وهناك احتمالية لانتشار الورم أكثر، وهناك أسرى كثيرون يعانون ظروفا مشابه.

ان سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها إدارات سجون الاحتلال بحق الأسرى والمعتقلين، يجب أن تتوقف وتنتهي، وان لم تنتهي ويحاسب من يمارسها، نتوقع المزيد من الشهداء في صفوف الأسرى المرضى والمعتقلين بشكل عام، وعلى المؤسسات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة تحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، لوقف هذه السياسة، ومحاسبة المسؤولين الذي يرتكبونها.

 *محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

 

مستوطن يقتل فلسطيني تتجه

نية الاحتلال لتبرئته من هذه التهمة

المحامي علي أبوهلال

 

يحظى المستوطنون بدعم وحماية حكومة الاحتلال أثناء اعتداءاتهم المتواصلة على الأراضي الفلسطينية وسرقتها والاستيلاء عليها وإقامة المستوطنات عليها، وكذا الأمر عندما أيضا يعتدون على الفلسطينيين ويرتكبون جرائم القتل بحقهم، دون أي اعتبار لحقوق الفلسطينيين في أرضهم وفي حقهم في الحياة.  

وفي هذا الإطار فقد أبلغت النيابة العامة الاسرائيلية، منظمة "ييش دين" الإسرائيلية الحقوقية التي توثق جرائم المستوطنين، يوم الجمعة الماضي 26/8/2022، عزمها إغلاق ملف القضية ضد المستوطن الذي قتل المواطن الفلسطيني علي حرب طعنا في كرم الزيتون يعود لمواطنين من محافظة سلفيت، بالقرب من مستوطنة "أريئيل".

ووقعت هذه الجريمة في حزيران 2022 عندما وصلت مجموعة من المستوطنين إلى كرم للزيتون بالقرب من قرية اسكاكا شرق مدينة سلفيت بالضفة الغربية، لغرض إنشاء بؤرة استيطانية جديدة، حيث اندلعت مواجهة بين المستوطنين والفلسطينيين طعن خلالها أحد المستوطنين المواطن الفلسطيني علي حرب حتى الموت ما أدى إلى استشهاده. وعلى الرغم من حجم الأدلة التي تعزز الشبهة بقتل المستوطن مع سبق الإصرار والترصد، وتتعارض مع ادعائه بأنه تصرف دفاعًا عن النفس، أعلن مكتب مدعي عام الاحتلال أنه من المتوقع إغلاق القضية لعدم كفاية الأدلة بمعنى إغلاقها دون لائحة اتهام.

وكانت الشرطة الإسرائيلية والشاباك قد اعتقلت المستوطن يوم الأربعاء 22/06/2022، مستوطنا بشبهة ضلوعه في طعن الشهيد علي حسن حرب (27 عاما)، أثناء تواجده في أرض بملكية خاصة فلسطينية في قرية اسكاكا شرقي محافظة سلفيت، أمس. وأفادت الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان" بأنه تم العثور على السكين التي استخدمها مستوطن في الطعن.

وقالت الشرطة الإسرائيلية إنه لم يتم اعتقال مشتبهين بتنفيذ الجريمة وزعمت أن هوية منفذها ليست معروفة لها. لكن صحيفة "هآرتس" نقلت عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن "مجموعة فتية إسرائيليين وصلت إلى المكان في إطار جولة تهدف لإقامة بؤرة استيطانية عشوائية بمحاذاة مدخل مستوطنة أريئيل". وأضافت الشرطة الإسرائيلية أنها تلقت تقريرا حول "مواجهات" في المكان، وأنها فتحت تحقيقا في حول ملابسات الجريمة.

وفي تطور جديد لصالح المستوطن أطلقت محكمة إسرائيلية يوم الثلاثاء 6/7/2022 سراح المستوطن قاتل الشاب الفلسطيني حسين حرب بطعنة مباشرة في القلب. وأفادت هيئة البث الإسرائيلي (كان 11) نقلا عن مصادر مطلعة على التحقيق مع المستوطن في "أريئيل"، أن السلطات لا تعتزم توجيه تهمة القتل ضد المستوطن. ورجحت القناة أن يتم توجيه تهمة الإهمال الذي أدى إلى الموت، للمستوطن القاتل، أو تهمة "إماتة بتهور"، وهي جريمة عقوبتها القصوى السجن لـ 12 سنة، وذلك رغم أن الشهيد حرب قتل بطعنة مباشرة في القلب من قبل هذا المستوطن. وأوضحت أنه تم الإفراج عن المستوطن القاتل بشروط مقيدة تتضمن خضوعه للحبس المنزلي.

وزعمت القناة أن القناعة التي تشكلت لدى محققي "الشاباك" هي أن القتل "لم يكن مقصودا أو على خلفية قومية"، ما دفع النيابة الإسرائيلية إلى طلب الإفراج عنه. وادعى المستوطن أنه "اضطر إلى طعن" علي حرب "للدفاع عن حياته وحياة مستوطنين كانوا برفقته " في الاعتداء على الأراضي الفلسطينية الخاصة في سلفيت.

ورغم أن الشبهات الرسمية تشير إلى ارتكاب المستوطن القاتل "جريمة قتل في إطار عمل إرهابي"، إلا أن الإفراج عنه يؤكد أن الشرطة الإسرائيلية لا تعتزم توجيه تهمة القتل ضده، وإنما ستكتفي بتوجيه تهم مخففة لا ترقى إلى القتل العمد. ويذكر أن المستوطن طعن علي حسين حرب أثناء تواجده في أرض بملكية خاصة في قرية أسكاكا شرقي محافظة سلفيت، وتنظر الشرطة في مزاعم المستوطن بأن العملية كانت "دفاعا عن النفس". وبحسب معطيات منظمة “يش دين" الحقوقية الاسرائيلية، فإن 92٪ من ملفات التحقيق التي تم التحقيق فيها بين 2005 و2021 في جرائم على خلفية إرهابية ضد الفلسطينيين أغلقت دون لائحة اتهام.

إن قرار النيابة العامة الأخير بإغلاق ملف قضية المستوطن المتهم بقتل المواطن علي حرب، يؤكد النية لدى كافة المؤسسات الإسرائيلية الأمنية والقضائية لتبرأة المستوطن من تهمة جريمة القتل التي ارتكبها بحق المواطن الفلسطيني علي حرب، وهذه السياسة التي تنتهجها حكومة الاحتلال ليست جديدة، فقد مورست تجاه كل الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال والمستوطنين الارهابين بحق الفلسطينيين، خلال العقود الطويلة الماضية، ويجدر بنا تذكر الحكم الذي صدر بحق الضابط الإسرائيلي يسخار شدمي المسؤول عن قتل 49 شهيدا في مجزرة كفر قاسم، في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956 والذي تمت تبرأته من مسؤوليته وفرضت عليه غرامة قرش واحد، حتى بات يعرف الحكم باسم "قرش شدمي".

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

30-8-2022

 

 

 

اغلاق الاحتلال للمؤسسات

الفلسطينية انتهاك خطير للقانون الدولي

المحامي علي أبوهلال

 

في إطار انتهاكاتها الجسيمة لقانون حقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الشرعية الدولية، وقواعد القانون الدولي العام، أقدمت إسرائيل "السلطة القائمة بالاحتلال" على اغلاق 7 مؤسسات فلسطينية. حيث اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم الخميس الماضي 18/8/2022، عددا من جمعيات العمل المدني ومؤسسات حقوقية في رام الله والبيرة، وذلك بعد أن أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، مساء اليوم السابق الأربعاء، عن تصنيف بشكل نهائي 3 جمعيات فلسطينية بأنها "إرهابية". وطالت اقتحامات قوات الاحتلال مقار جمعيات ومؤسسات حقوقية في رام الله، وجميعها ممن أعلنتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي سابقا "منظمات إرهابية" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

والمؤسسات هي: الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، والحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان العمل الصحي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء. إذ أغلقتها قوات الاحتلال وثبتت ألواحا حديدية على بواباتها وعلقت أوامر إغلاق تام عليها، بعد أن عبثت بمحتوياتها واستولت على ملفات ومعدات عدد منها.

وقامت قوات الاحتلال بتثبيت ألواح حديدية على بواباتها وتعليق أوامر إغلاق تام عليها بحجة "تبعيتها لمنظمة محظورة واستخدامها في أنشطتها"، في إشارة للجبهة الشعبية، وقبل يوم واحد من اغلاقها، أعلن وزير الأمن غانتس، عن تصنيفه بشكل نهائي إلى 3 مؤسسات وجمعيات فلسطينية بأنها "إرهابية"، وذلك بحجة تمويلها للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وردّ مركز عدالة - عضو الطاقم القانوني للدفاع عن المؤسسات الحقوقية الست، والممثل القانوني لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز بيسان للأبحاث والتنمية، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية بعد التصديق على إعلانهم منظمات "إرهابية"، بعدما تم رفض الاعتراض الذي قدّمه الطاقم القانوني ضد هذا الإعلان، واقتحام مكاتب المؤسسات الست وإغلاقها، فجر يوم الخميس ، أنه "بعد أن رفضت عشر دول أوروبية التصريحات التي صدرت في غياب أي دليل، تواصل إسرائيل ملاحقة المجتمع المدني الفلسطيني والناشطين الحقوقيين، بهدف واضح وهو إسكات أي محاولة لتوثيق وكشف انتهاكاتها لحقوق الإنسان والقانون الدولي. ويقود الهجمة على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية وزير الأمن الإسرائيلي، المشتبه بارتكاب جرائم حرب، بمحاولة لترهيب كل من يحاول الشهادة على انتهاكاته". وقد تمت مداهمة مكاتب المنظمات بعد ساعات قليلة فقط من قيام القائد العسكري برفض الالتماسات التي قُدّمها مركز عدالة رفضًا لإعلان المنظمات كإرهابية، من دون إعطاء أي رد جوهري أنه لم تتوفر للمؤسسات أي فرصة للدفاع عن نفسها بحجة امتلاك مواد وأدّلة سريّة ضد المنظمات. وجاء هذا الاعتداء ليس فقط على مؤسسات المجتمع المدني، بل على الشعب الفلسطيني بأكمله وعلى حقه في تقرير مصيره.

وتعد المؤسسات التي أغلقت، مؤسسات أهلية تعمل منذ عشرات السنوات في فلسطين، وعن مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان: فهي مؤسسة أهلية فلسطينية مستقلة غير ربحية تعنى بحقوق الإنسان، أسسها في القدس أواخر عام 1991 مجموعة من النشطاء والمهتمين بحقوق الإنسان لدعم ونصرة الأسرى. كما أن الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال– فلسطين: عملت لأكثر من عشرين عاما في تقديم الدعم للأطفال الفلسطينيين، وهي أحد فروع الائتلاف الدولي للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال الذي لديه أكثر من خمسين فرعا في جميع أنحاء العالم وأمانة دولية في مدينة جنيف السويسرية. أما مؤسسة الحق: فهي جمعية حقوق إنسان فلسطينية، غير حكومية ومستقلة، تأسست عام 1979 من قبل مجموعة من المحامين الفلسطينيين بهدف توطيد مبدأ سيادة القانون، وتعزيز صون حقوق الإنسان واحترامها في الأرض الفلسطينية المحتلة ولجان العمل الصحي: هي مؤسسة فلسطينية أهلية تقدمية، تعمل في التنمية الصحية والمجتمعية في الأرض الفلسطينية بمنظور حقوقي، من خلال تقديم خدمات الرعاية الصحية وبناء النماذج التنموية لكافة شرائح المجتمع خاصة الفقراء والمهمشين. واتحاد لجان المرأة الفلسطينية: هي منظمة نسوية أهلية جماهيرية تقدمية، تأسست عام 1980، بهدف الارتقاء بوضع المرأة الفلسطينية وتمكينها. ومركز بيسان للبحوث والإنماءهو مؤسسة أهلية تقدمية ديمقراطية غير هادفة للربح، تأسست عام 1989، ويعمل من أجل تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، ومن أجل المساهمة في بناء مجتمع مدني فلسطيني ديمقراطي وتقدمي فاعل ومؤثر. أما اتحاد لجان العمل الزراعي: تأسس عام 1986 بمبادرة من مجموعة من المهندسين الزراعيين. ومن أهدافه تعزيز صمود واستدامة سُبل العيش لصغار المزارعين، تعزيز السيّادة على الموارد الطبيعيّة وملاءمتها مع التغيرات المناخيّة، وحماية حقوق المزارعين الوطنيّة والديموقراطية والدفاع عنها. والاتحاد عضو في العديد من الشبكات الدولية والوطنية.

يتضح أن هذه المؤسسات تعمل في المجال الحقوقي، والإنساني، والتنموي، في المجتمع الفلسطيني، وتربطها علاقات وثيقة مع المؤسسات والمنظمات الدولية الرسمية والأهلية النظيرة لها، كما أنه تتلقى الدعم من هذه المؤسسات وخاصة من الاتحاد الأوروبي، ولا تقوم بأي دور تحريضي أو سياسي أو إرهابي كما تدعي حكومة الاحتلال، ولهذا أدانت المنظمات الدولية قرار سلطات الاحتلال اغلاق هذه المؤسسات ومنعها من العمل، وطالبت حكومة الاحتلال بالتراجع عن قرارها غير القانوني وتمكين هذه المؤسسات من مواصلة عملها الإنساني والحقوقي والتنموي. وقد أعربت 9 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، وعرقلة عملها. كما قالت في بيان مشترك لكل من وزارات خارجية: بلجيكا، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، وأيرلندا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا، والسويد. وقالت الدول في بيانها: "لا غنى عن وجود مجتمع مدني حر وقوي لتعزيز القيم الديمقراطية، ومن أجل حل الدولتين". وأضاف البيان، أن "تقليص مساحة عمل منظمات المجتمع المدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يزال مصدر قلق". وأكدت الدول أن إسرائيل لم تقدم معلومات جوهرية من شأنها تبرير سياستها تجاه المنظمات المدنية الفلسطينية، التي قامت بتصنيفها "منظمات إرهابية".

وطالب 22 مشرعا من أعضاء الكونغرس الأميركي، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، برفض التصنيف الإسرائيلي إلى 6 مؤسسات حقوقية فلسطينية بارزة بـ "الإرهابية". وجاء في الرسالة التي أرسلتها عضو الكونغرس أيانا بريسلي، برفقة 21 عضوا آخر إن "المؤسسات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية الست التي استهدفتها التصنيفات الإسرائيلية تعمل بشكل مباشر مع النساء والفتيات الفلسطينيات والأطفال وأسر الفلاحين والمعتقلين ونشطاء المجتمع المدني، وتقدم خدمات مباشرة ورصد انتهاكات حقوق الإنسان وفضحها". وبحسب ما ورد، طالبت الرسالة وزير الخارجية الأميركي بتقديم إحاطة وتقرير إلى الكونغرس في غضون 30 يوما، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في تقديم أدلة كافية تربط منظمات حقوق الإنسان بـ"النشاط الإرهابي". وأكدت أن هذا القرار يهدف إلى قمع المجتمع المدني الفلسطيني والعمل القانوني في مجال حقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة.  وأيدت الرسالة أكثر من 140 منظمة أميركية بما في ذلك “هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة الأم، وشبكة المنظمات الفلسطينية الأميركية، ومنظمة جيه ستريت، ومنظمة موف اون، ومركز الحقوق الدستورية، والمعهد العربي الأميركي، و"أصوات يهودية من أجل السلام"، ولجنة خدمة الأصدقاء الأميركية

وكانت ردة فعل هذه المؤسسات المستهدفة، وسائر مؤسسات العمل الأهلي الفلسطينية، بإدانة ورفض جريمة اغلاق هذه المؤسسات، والعمل على فتح أبوابها، والإصرار على استمرار عملها، وقد لقيت هذه الخطوة الدعم والاسناد من قبل شعبنا وقواه الوطنية، وكذلك أيضا من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية.

إن حماية هذه المؤسسات وتمكينها من مواصلة عملها الإنساني والتنموي والحقوقي لن يتحقق فقط بالتصريحات السياسية، وحملات التنديد والشجب على أهميتها وضرورتها، بل ينبغي أن تترافق بفرض العقوبات من قبل المجتمع الدولي على حكومة الاحتلال، لالغاء قرار اغلاق المؤسسات، وتمكينها من العمل بشكل طبيعي وبدون أي قيود، ومحاكمة مرتكبي هذه الجريمة حتى لا يفلت هؤلاء الجناة من العقاب.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

الحرية للشيخ يوسف

الباز المضرب عن الطعام

المحامي علي أبوهلال

لم تقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي عند حقوق فئة محددة من أبناء الشعب الفلسطيني، ولم تنحصر على الفلسطينيين الذين يقيمون في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بل امتدت هذه الانتهاكات لتشمل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث شملت كل الفئات من الأطفال والنساء والشباب وحتى الشيوخ وكبار السن.

فقد نُقِل الشيخ يوسف الباز إمام المسجد الكبير في مدينة اللد يوم الجمعة الماضي 12/8/2022 إلى مشفى’سوروكا’ (في بئر السبع) بعد تدهور خطير على حالته الصحية، وذلك بعد يوم واحد من شروعه في الإضراب عن الطعام والماء في سجن الرامون في النقب، احتجاجا على قرار المحكمة المركزية في مدينة اللد، بالإبقاء عليه رهن الاعتقال حتى نهاية الإجراءات القضائية في الملف المزعوم ضده.  

الشيخ يوسف الباز معتقل منذ 30 إبريل/ نيسان الماضي في ملف تتهمه فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتحريض على قواتها، وتأييده لأعمال "الإخلال بالنظام"، في أعقاب اقتحامات المسجد الأقصى في القدس المحتلة خلال شهر رمضان الماضي.

ويذكر أن الشيخ يوسف الباز البالغ من العمر 64 عاما، هو مريض قلب وعدة أمراض أخرى، وهو أب لـ7 أطفال، أضرب عن الطعام والماء، للمطالبة بالإفراج عنه، بعد أن قررت محكمة الاحتلال في مدينة ريشون ليتسيون رفض الإفراج عنه، وقد جرى الاستئناف على القرار، وتمّ رفض الإفراج عنه في المحكمة المركزية في مدينة اللد.

وذكر المحامي خالد الزبارقة من طاقم المدافعين عن الشيخ الباز، إن "القرار الذي صدر من المحكمة يدل على أننا أمام جهاز قضائي يمارس نظام الفصل العنصري الأبرتهايد، سبب اعتقال الشيخ الباز أنه حيّا المرابطين الشباب في الأقصى"، مشيراً إلى أنه "بعد أحداث هبة الكرامة نحن في مرحلة جديدة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، لكنه خفي. يطبقون الحكم العسكري بأدوات مدنية، المحاكم والشرطة والبلديات والبنوك".

وسبق أن اعتُقل الشيخ الباز بعد الأحداث التي وقعت في مدينة اللد خلال "هبّة الكرامة"، العام الماضي، كما يعاني من ملاحقة الاحتلال له منذ سنوات بسبب مواقفه. ويخضع الشيخ الباز أيضاً لمحاكمة أخرى، بعدما اتهمته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتحريض على العنف خلال الهبّة. والباز قيادي بارز في الحركة الإسلامية المحظورة بقرار المجلس الوزاري المصغر منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، ومعروف بمواقفه المدافعة والمناصرة للحقوق العربية في اللد على مدار أعوام طويلة.

وقبل أيام قليلة انطلقت في الداخل المحتل دعوات لأوسع حملة دعم للشيخ الأسير يوسف الباز المضرب عن الطعام والماء، ودعت لجنة المتابعة للجماهير الفلسطينية، واللجنة الشعبية في اللد للمشاركة في الوقفة الإسنادية الجماهيرية للأسير الباز، التي ستنظم في مدينة اللد وغيرها من المواقع، للتنديد بقرار سلطات الاحتلال ومحاكمه الظالمة الذي يقضي بالإبقاء على إمام المسجد الكبير في اللد الشيخ الباز رهن الاعتقال، حتى نهاية ما تسمى بالإجراءات القضائية ضده. وللمطالبة بالإفراج عنه وتحريره من السجن.

إن استمرار اعتقال الشيخ المسن يوسف الباز ومواصلة الإجراءات القمعية التعسفية بحقه داخل السجن، يتنافى مع الحقوق المكفولة له بموجب المواثيق الدولية لحقوق الانسان، التي تكفل له حقه وحريته في التعبير عن الرأي، علما أن الشيخ الباز لم يخالف القانون في كل ما يقوله أو يكتبه، وأنه يتعرض إلى اعتقالات كيدية تعسفية، تهدف إلى إسكات الأصوات التي تفضح حقيقة سياسات سلطات الاحتلال، وحقيقة ممارساتها بحق شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة، ذلك أن التعبير عن الرأي وإعلان الموقف السياسي ليس جريمة، بل هو حق ضمنته كل الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية.

إن تدهور صحة الشيخ الباز بعد إعلانه الاضراب عن تناول الطعام والماء منذ يوم الخميس الماضي11/8/2022، في الوقت الذي يعاني من أمراض خطيرة، ومنها ضعف عضلة القلب وغيرها من الأمراض المزمنة، علاوة على كونه من كبار السن، يعرض حياته للخطر، ويجعل استمرار اعتقاله وتشديد إجراءات القمع والتنكيل بحقه، بمثابة الحكم عليه بالموت البطيء دون أي اعتبار للحفاظ على حياته، وضرورة توفير العلاج الصحي الملائم والمناسب له خارج السجن، وفي رعاية أهله وعائلته.

وفي هذا الشأن ينبغي تطوير وتوسيع حملة التضامن والدعم له من قبل جماهير شعبنا داخل فلسطين المحتلة عام 48، وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما ندعو كافة المؤسسات والهيئات المعنية بالدفاع عن الأسرى والمعتقلين، وكافة المنظمات الدولية الحقوقية إلى رفع صوتها من أجل ضمان الافراج عنه وإطلاق سراحه في أسرع وقت ممكن، وتوفير العلاج الصحي الملائم له، وانقاذه من سياسة الإهمال الطبي بحقه التي قد تعرض حياته للخطر.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

الأطفال والمدنيون أكثر الضحايا

عددا في العدوان على قطاع غزة

 

المحامي علي أبوهلال

 

الأطفال الفلسطينيون كانوا من أوائل ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي شنته قوات الاحتلال يوم الجمعة الماضي 5/8/2022 والذي استمر لمدة 3 أيام، فقد استشهدت الطفلة آلاء عبد الله قدوم (5 سنوات) عندما كانت تلهو أمام منزلها في حي الشجاعية شرق غزة لحظة قصف طائرات الاحتلال، دون أي سابق إنذار، لتصاب بشظية وترتقي شهيدة متأثرة بإصابتها في جريمة حرب جديدة تضاف إلى قائمة جرائم الاحتلال بحق شعبنا. وقال جد الشهيدة رياض قدوم: "كانت آلاء تحضّر للروضة...طلبت منّا حقيبة وملابس جديدة.. وأضاف بأي ذنب قتلت هذه الطفلة البريئة..."، داعيًا العالم أجمع إلى توفير الحماية لشعبنا من بطش الاحتلال.

كانت تحلم الطفلة آلاء كما يحلم أطفال العالم بحياة سعيدة كلها فرح وسرور تحقق فيها أحلامها الوردية والجميلة وآمالها الكبيرة، ولكنها لم تعلم أن قوات الاحتلال ستضع حدا لهذه الآمال والأحلام التي تحلم بها، وذلك بقتلها وإنهاء حياتها فجأة، دون أن ترتكب أي خطأ أو أي ذنب يبرر ارتكاب الاحتلال لهذه الجريمة البشعة بحقها.  

لم تكن آلاء الطفلة الشهيدة الأخيرة في هذا العدوان الجديد على قطاع غزة، ولن تكون الشهيدة الأخيرة من المدنيين الأطفال والنساء وكبار السن، كما هي نتائج العدوان والحروب التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزة وعلى سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فقد بلغ عدد الضحايا المدنيين الذي استشهدوا في هذا العدوان حوالي 45 شهيدا، من بينهم 15 طفلا و4 نساء، فيما بلغ عدد الجرحى نحو 360 جريح، ويلاحظ أن أكثر الضحايا من بينهم كانوا الأطفال. 

يبدو أن الأطفال في كل الحروب والاعتداءات التي شنتها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، كانوا هم الضحايا الأكثر عددا، وينطبق الأمر أيضا على عدد الضحايا من المدنيين، وكأن إسرائيل " القوة القائمة بالاحتلال" لا تعير انتباها للضحايا المدنيين، وهي بذلك تنتهك القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الانسان، ولا تلتزم حتى بقوانين الحروب والنزاعات المسلحة التي تؤكد على ضرورة عدم التعرض للمدنيين، والأعيان المدنية، ولا تلتزم بمبدأ التناسب في استخدام القوة المسلحة الذي ينص عليه القانون الإنساني الدولي، وقوانين الحروب والنزاعات المسلحة، طالما أنها لا تتعرض للمحاسبة ولا تفرض عليها أي عقوبة من المجتمع الدولي. فقد بلغ عدد الشهداء الأطفال في فلسطين منذ عام 2000 حتى نهاية العام الماضي 2230 شهيدًا، منهم 315 طفلاً ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009، و546 طفلًا ارتقوا خلال عدوان عام 2014. وفي عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار 2021 والذي استمر 11 يوماً، كان أطفال فلسطين على رأس قائمة المدنيين المستهدفين، حيث أرتقى 72 طفلاً جراء قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية منازلهم بكل وحشية، لدرجة أن بعض العائلات أبيدت بكاملها رجالاً نساء وأطفالا كعائلة أبو حطب، وأبو عوف، واشكنتنا، وعائلة القولق.

ولا زلنا نذكر آلاف الأطفال الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، مثل: الرضيعة إيمان حجو في قصف دبابات الاحتلال لخانيونس عشوائيا سنة 2001، ومحمد الدرة الذي استهدفه جنود الاحتلال وهو يحتمي بحضن والده في شارع صلاح الدين بالقطاع سنة 2000. بالإضافة إلى الجرائم التي اقترفها المستوطنون، بما في ذلك جريمة إحراق وقتل الطفل المقدسي الشهيد محمد أبو خضير، وجريمة إحراق عائلة دوابشة داخل منزلهم بقرية دوما جنوب مدينة نابلس.

هذه الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال والمستوطنون بحق الأطفال والمدنيين العزل، أصبحت جرائم مستمرة ومتواصلة لا تتوقف، بل أصبحت من الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال، بدون أي اكتراث بالنتائج والمسؤوليات التي يمكن أن تتحملها على الصعيد القانوني والدولي، لأنها تمر كغيرها من الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا دون أي عقاب، وسط صمت مريب من المجتمع الدولي الذي يقف مكتوف الأيدي أمام إمعان الاحتلال في قتل شعبنا.

إن بقاء حكومة الاحتلال الإسرائيلي خارج اطار المساءلة والمحاسبة على الجرائم التي ترتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين، يؤكد فشل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية من القيام بمسؤولياتها القانونية، خاصة في ظل اختلال وازدواجية المعايير التي تتجلى للعيان في التصدي لجرائم الاحتلال الاسرائيلي، التي ترتكبها قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين بحق الشعب الفلسطيني، في نفس الوقت الذي يبدي المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، التفاعل والاهتمام مع الحرب الروسية الأوكرانية، وسعيها المتواصل لتوثيق ما يجري من جرائم في هذه الحرب، ودعوتها الحثيثة لمحاسبة من يرتكبها.

إن جرائم الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين وخاصة الأطفال في العدوان على قطاع غزة، يستوجب المسؤولية الدولية عل حكومة الاحتلال، وتملي على المنظمات الدولية التحرك السريع والعاجل لمحاسبة من ارتكب هذه الجرائم، حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين من العقاب.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

الاحتلال ينتهك حق التعليم

ويغلق 6 مدارس في القدس

المحامي علي أبوهلال

 

 

في إطار سياسة انتهاك حق التعليم في القدس المحتلة أصدرت وزارة المعارف الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي 28/7/2022 قرارا يقضي بسحب تراخيص 6 مدارس فلسطينية في مدينة القدس، بحجة "التحريض عبر المناهج الدراسية. والمدارس هي: الكلية الإبراهيمية، وكافة مدارس الإيمان "للبنين والبنات" الابتدائية والثانوية.

وذكرت الوزارة انه تم استدعاء مديري المدارس إلى جلسة استماع، وفي نهايتها تقرر، بتوجيه من وزير التربية والتعليم شاشا بيتون، سحب ترخيص "التشغيل الدائمة"، وبدلاً من ذلك اعطاء المدارس ترخيصًا مشروطًا لمدة عام واحد، من أجل تصحيح محتويات الكتب، وبعد التصحيح سيتم منحهم الترخيص الدائم.

وفي بيان للوازرة كشفت الأمثلة التي تتضمن "التحريض في المنهاج"، ومنها الحديث عن الاسرى الفلسطينيين، عراقيل الاحتلال لمركبات سيارة الاسعاف ومنع الوصول الى المصابين، أزمة المياه والسيطرة على مصادر المياه من الاحتلال، وعن النكبة والنكسة للشعب الفلسطينيين، وللعلم فان الأمثلة التي ذكرتها الوزارة تعتبر انتهاكات جسيمة متواصلة ومستمرة للاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في القدس وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا تشكل تحريضا، بل هي وصف واقعي للممارسات وانتهاكات الاحتلال.

إن اغلاق هذه المدارس في القدس، تشكل استمرارا لانتهاكات سلطات الاحتلال ضد التعليم، وسياساتها المتواصلة لتهويد المدينة المقدسة، وأسرلة التعليم فيها، وهي سياسة جديدة قديمة، بدأتها منذ السنوات الأولى لاحتلال المدينة.

وفي إطار هذه السياسة أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيليّ في أواخر شهر تشرين الثاني عام 2019 مكتب مديريّة التربية والتعليم في القدس، ومؤسسات فلسطينيّة أخرى تعمل في المجال الإعلامي والخدمات الطبيّة. بذريعة تنفيذها أنشطة غير قانونية، حسب ادعاءات سلطات الاحتلال. وقبل ذلك بسنوات أغلقت سلطات الاحتلال عدد كبير من المؤسسات الفلسطينية العاملة في القدس، من بينها بيت الشرق، والغرفة التجارية، وغيرها من المؤسسات العاملة في القطاعات الحقوقية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية، ولا تزال هذه المؤسسات مغلقة حتى الآن، وفيما يتعلق بسياسة الاحتلال التي تنتهك حق التعليم في القدس ينتهج الاحتلال أساليب مختلفة بغرض أسرلة المنهاج الفلسطيني، من ذلك حذف كل ما له علاقة بالانتماء الوطني الفلسطيني وإضافة مواد تتماشى ومخططاته الاحتلالية من خلال تغيير أسماء المدن الفلسطينية وتجريم اللغة والتراث الوطني، وحذف الأبيات الشعرية والآيات القرآنية التي تتحدث عن الجهاد والشهداء. أما الأسلوب الثاني الذي تلجأ إليه سلطات الاحتلال، فهو تخصيص أكثر من 20 مليون شيكل لتطوير التعليم في القدس الشرقية على مستوى المرافق التربوية والبنية التحتية بشرط أن تدرس المنهاج الإسرائيلي، علماً أن حكومة الاحتلال خصصت في العام 2018 مبلغ ملياري شيكل لأسرلة القدس الشرقية، رصدت منها 445 مليون شيكل لأسرلة قطاع التعليم خلال السنوات الخمس القادمة، ضمن خطة خمسية تهدف إلى رفع نسبة التعليم بالمنهاج الإسرائيلي إلى 90% في صفوف الطلاب المقدسيين خلال السنوات الخمسة القادمة، والتهديد بسحب تراخيص المدارس الأهلية التي ترفض تطبيق هذا المنهاج، وتقديم حوافز للطلبة المقدسيين وتسهيل قبولهم في الجامعات الإسرائيلية حال اختيارهم التعلم به، ويتلازم ذلك مع إغلاق الاحتلال لمديرية التربية والتعليم الفلسطينية في مدينة القدس، والتضييق على البنية التحتية للمدارس الفلسطينية في القدس ومنع توسعها، مقابل افتتاح الاحتلال لمدارس جديدة تابعة له، واشتراط منح الترخيص لأي مدرسة حديثة بالتزامها بالبجروت الإسرائيلي، واستهداف المدارس الخاصة عبر محاولة ابتزازها بالميزانيات للضغط عليها في هذا الجانب.

إن مواجهة سياسة الاحتلال ضد التعليم في القدس تتطلب جملة من السياسات التي ينبغي أن تتبناها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن أهمها تخصيص ميزانيات دعم للمدارس الفلسطينية الخاصة في القدس، للصمود أمام سياسات الاحتلال وعدم رضوخها للابتزاز المالي من قبله، ودعم التعليم المهني وتخصيص موازنة لتطويره وتوسيعه، ورصد منح جامعية كاملة من قبل الجامعات الفلسطينية لطلاب التوجيهي في القدس، قد تتكفل بنفقتها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، بتنسيق مع صندوق ووقفية القدس واتحاد رجال الأعمال، واستخدام المدارس الفلسطينية كمراكز أهلية لدعم الشباب الفلسطيني وتثقيفهم وطنياً ضمن أنشطة لامنهجية بعد ساعات الدوام المدرسي، وينبغي التأكيد على أنّ موضوع التعليم في القدس يعتبر قضية وجودية، الأمر الذي يتطلب من دولة فلسطين ووزارة التربية والتعليم إعطاء اهتمام خاص للقدس، ورصد الميزانيات والبرامج والمشاريع التي تدعم صمود المدارس في المدينة المقدسة، إضافة إلى أهمية رفع رواتب المعلمين الفلسطينيين في القدس، بشكل يتناسب مع مستوى المعيشة للحفاظ على الكادر التعليمي وتطويره، والقيام بتحرك شعبي ضد فرض المنهاج الإسرائيلي وامتحان البجروت على المدارس، ومواجهة ظاهرة اقتحامات المدارس وتفتيشها واستدعاء مديراتها ومدراءها للتحقيق وهي ظاهرة باتت لافتة في سياق تعامل الاحتلال مع مؤسسات التعليم والعاملين فيها.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

2-آب-أغسطس-2022

 

 

المجلس الاقتصادي والاجتماعي

يعتمد قرارين لصالح فلسطين

المحامي علي أبوهلال

 

على الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لدعم حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في هيئات الأمم المتحدة لمنعها من إصدار قرارات تدين سياسة وانتهاكات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلاّ أن هذه الجهود لا تنجح، فقد  اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في نيويورك في دورته الحالية، والمكون من 54 عضو، بأغلبية ساحقة قرارين بشأن "التبعات الاقتصادية والاجتماعية للاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وللسكان السوريين في الجولان السوري المحتل "، و"حالة المرأة الفلسطينية وتقديم المساعدة لها".

ويدعو القرار الأول إلى فتح المعابر الحدودية المؤدية إلى قطاع غزة بشكل كامل، وإلى رفع جميع القيود الصارمة المفروضة على تحرك الشعب الفلسطيني، وضمان حرية تنقل الأشخاص والبضائع في أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ومن وإلى العالم الخارجي. ويعيد القرار تأكيد الحق غير القابل للتصرف للشعب الفلسطيني في جميع موارده الطبيعية والاقتصادية، ويدعو إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، إلى عدم استغلال تلك الموارد أو تعريضها للخطر أو التسبب في فقدانها أو استنفادها. ويدعو كذلك إلى الوقف التام لجميع أشكال الاستيطان وما يرتبط بها من أنشطة، بما في ذلك الوقف التام لجميع التدابير الرامية إلى تغيير التركيبة الديمغرافية والوضع القانوني والطابع المميز للأراضي المحتلة، بما في ذلك على وجه الخصوص في القدس الشــرقية المحتلة وحولها، امتثالا لقرارات مجلس الأمن ذات الصــلة، ومن ضمنها القرار 2334.

وحصل مشروع القرار هذا على تأييد 43 دولة، مقابل اعتراض4 دول فقط وهي: الولايات المتحدة وكندا وليبيريا واسرائيل، وامتناع 4 دول فقط وهي: ساحل العاج وغواتيمالا وجزر سليمان والمملكة المتحدة. ويلاحظ عدد الدول القليلة التي اعترضت على هذا القرار وعددها 4 دول فقط من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة لدولة كندا، ودولة ليبيريا، وغالبا ما تصوت هاتين الدولتين لصالح إسرائيل في هيئات الأمم المتحدة، بسبب تأثير كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عليهما.

وكذلك الأمر يلاحظ عدد الدول القليلة التي أمتنعت عن التصويت وعددها 4 دول فقط، وهي دول صغيرة لا تأثير لها على الصعيد الدولي، وغالبا ما تأخذ هذه الدول هذه المواقف لصالح إسرائيل في هيئات الأمم المتحدة بفعل تأثير الولايات المتحدة عليها، بالإضافة الى دولة المملكة المتحدة التي تقف في غالب الأحيان لصالح إسرائيل في هيئات الأمم المتحدة، وهذا ما يشير إلى عزلة إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يزال هذا مؤشر إيجابي لصالح دعم المجتمع الدولي للحقوق الوطنية الفلسطينية.

وهذا ما أكدته نائبة المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، السفير فداء عبد الهادي ناصر، التي قدمت الشكر للدول التي صوتت لصالح القرار على موافقها المبدئية، ووقوف المجتمع الدولي مع فلسطين، وحثت المجتمع الدولي على بذل جهود جادة ومسؤولة لدعم هذه المواقف، واتخاذ تدابير حقيقية للمساءلة عن جميع انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ضد الشعب الفلسطيني.

وفيما يخص القرار الثاني فقد أعرب المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن بالغ القلق من الوفيات والإصـــــابات التي لحقت بالمدنيين، بمن فيهم الأطفال والنســـــاء والمتظاهرون ســـــلميا والصـــــحفيون، وشـــــدد على وجوب حماية الســـــكان المدنيين وفقا للقانون الدولي الإنساني، كما ادان بشدة مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة وشدد على ضرورة ضمان المساءلة على وجه السرعة، وعلى ضرورة حماية الجهات الفاعلة في المجتمع المدني لتمكينها من أداء عملها بحُرية ودون خوف من الاعتداءات والمضايقة من أي طرف. وحصل مشروع القرار على تأييد 40 دولة، مقابل اعتراض 6 دول وهي: الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والتشيك وليبيريا واسرائيل وامتناع 4 دول وهي: النمسا وكرواتيا وغواتيمالا وجزر سليمان، ويلاحظ أن الدول المعترضة والممتنعة هي نفسها التي اتخذت هذا الموقف، هي نفس الدول التي أتخذ هذا الموقف تجاه القرار الأول إضافة إلى دول أخرى لنفس الاعتبارات السياسية.

وهذا ما أكده المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك، الوزير د. رياض منصور، إنه وعلى الرغم من إضافة لغة جديدة على قرار المرأة الفلسطينية بما في ذلك ادانة قتل الصحفيين، وإدانة شديدة لجريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة، إلا أن القرارين اعتُمدا بالأغلبية الساحقة، وهذا يدل على فشل دولة الاحتلال، إسرائيل، العضو الحالي في المجلس الاقتصادي.

ان المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة مجتمعة تقف مع الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتدين الانتهاكات الإسرائيلية، في الأمم المتحدة بغالبيتها العددية والنسبية، ويبقى أن تتحول هذه المواقف إلى تدابير وإجراءات عملية، حتى تشكل رادعا لسياسة حكومة الاحتلال، لنقلها من موقف سياسية التنديد إلى المحاسبة والعقاب.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

شرين أبو عاقلة والدفاع عن

حقوق الانسان لدى أمريكا

 

المحامي علي أبوهلال

 

طالما أعلنت الإدارة الأمريكية وعلى لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن دعمها لحقوق الانسان، وتكرر هذا الموقف لدى الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي للمنطقة قبل عدة أيام، في لقاءاته المتعددة مع حكومة الاحتلال والرئيس الفلسطيني والقادة العرب في السعودية.

ويبدو أن هذا الموقف الأمريكي من حماية حقوق الانسان والدفاع عنها، يخضع لمعايير مزدوجة كما هو موقفها السياسي من حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في استقلالها السياسي.

وتجلى الموقف الأمريكي المحكوم بازدواجية هذه المعايير في قضية جريمة اغتيال الصحفية شرين أبو عاقلة، فلسطينية الأصل والتي تحمل الجنسية الأمريكية.

فقد تجاهلت إدارة بايدن طلباً من أجل عقد لقاء بين الرئيس الأمريكي وعائلة شيرين أبو عاقلة، الصحفية الفلسطينية الأمريكية البارزة التي قُتِلَت برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء عملها الصحفي في مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة في مايو/أيار الماضي.

ووفقاً لجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وأنطون أبو عاقلة، شقيق الصحفية، دعت وزارة الخارجية الأمريكية عائلة شرين أبو عاقلة لزيارة واشنطن، حسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وكانت عائلة أبو عاقلة قد تحدثت في رسالة مفتوحة إلى الرئيس بايدن قبل وصوله إلى المنطقة، يوم الأربعاء الماضي 13 يوليو/تموز، عن "الحزن والغضب والشعور بالخيانة فيما يتعلَّق برد إدارتكم البائس على عملية القتل خارج نطاق القانون"، وطالبت بعقد لقاء حتى يتمكَّن الرئيس من "أن يستمع مباشرةً منا بشأن مخاوفنا ومطالبنا بالعدالة".

وقبل أيام من وصول بايدن إلى المنطقة، تزايد الغضب الفلسطيني بعدما خلُصت الولايات المتحدة إلى أنَّ أبو عاقلة على الأرجح قُتِلَت بالخطأ –غالباً بنيران إسرائيلية- وقالت إنَّها لن تضغط على إسرائيل لمتابعة تحقيق جنائي مع أي جندي إسرائيلي، وكان بعض الفلسطينيين يأملون على الأقل أن تدفع إدارة بايدن إسرائيل لإجراء تحقيق جنائي في مقتل أبو عاقلة. لكنَّ المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى أنَّ الحكومة الأمريكية من المستبعد أن تضغط من أجل محاكمة إسرائيلية. وشدَّد بيان من الخارجية الأمريكية على أنَّ واشنطن "لا مبرر لديها للاعتقاد" بأنَّ قتل أبو عاقلة كان "مقصوداً"، لكنَّه كان "نتيجة ظروف مأساوية".

وقال نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إنَّ الولايات المتحدة تريد أن ترى "درجة من المحاسبة" على عملية القتل، وأن يتخذ الجيش الإسرائيلي ضمانات إضافية من أجل المدنيين في المداهمات المستقبلية. لكن بعد الضغط عليه بخصوص مسألة المحاكمة الجنائية، قال برايس إنَّ إدارة بايدن "لن توجِّه أوامر" بشأن أي صورة بالضبط يجب أن يتخذها التحقيق الإسرائيلي.

وفي لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حسم الرئيس الأمريكي موقفه من قضية اغتيال الشهيدة شرين أبو عاقلة، بأن تعهد بقيام الولايات المتحدة بدورها من أجل دعم تحقيق مستقل في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، في حين طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمحاسبة قتلتها، وقال بايدن -بمؤتمر صحفي مشترك مع عباس في بيت لحم- إن شيرين أبو عاقلة -وهي فلسطينية ومواطنة أميركية- قتلت بينما كانت تقوم بدورها في إعلام مستقل.

وهكذا حسم الرئيس الأمريكي بايدن الجدل والنقاش في قضية شرين أبو عاقلة، بتعهد أن تقوم الولايات المتحدة بدعم تحقيق مستقل في مقتلها، دون أن يحدد آليات التحقيق ومن سيقوم به، ودون أن يشير إلى دور قوات الاحتلال في مقتلها، على الرغم من إشارة تصريحات أمريكية سابقة أنه يعتقد أن الرصاصة التي قتلت شرين أبو عاقلة انطلقت من مواقع كانت تتمركز فيها قوات إسرائيلية.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت في الرابع من يوليو/تموز الجاري نتائج تحقيق أجرته حول حادث مقتل أبو عاقلة، وجاء فيه أنه لا يستطيع تحديد الجهة التي أطلقت الرصاصة التي تسببت في مقتلها. ورجحت واشنطن أن تكون شيرين أبو عاقلة قُتلت برصاصة جندي إسرائيلي، لكنها نوهت إلى عدم وجود دليل على أن القتل كان متعمدا.

هكذا يبدو موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الدفاع عن حقوق الانسان التي طالما أكدته الإدارة الأمريكية وعبرت عنه في تصريحات متكررة للرئيس الأمريكي جو بايدن، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بخرق حكومة الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الانسان، كما هو الأمر في قضية اغتيال الصحفية شرين أبو عاقلة من قبل قوات الاحتلال، فان دفاع الولايات المتحدة عن حقوق الانسان يصبح ضعيفا بل منعدما، وهكذا تبدو المعايير المزدوجة لدى الولايات المتحدة  في الدفاع عن حقوق الانسان، وتجريم من ينتهكون هذه الحقوق، ومحاسبتهم وتقديمهم للمحاكمة العادلة.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

19-7-2022

 

 

المزيد من الوفاء ردا على

رسالة الأسير محمود العارضة

المحامي علي أبوهلال

الأسرى في سجون الاحتلال هم أسرى الحرية يتمتعون بمكانة هامة وعزيزة لدى الشعب الفلسطيني ولدى أحرار العالم، وتكاد لا توجد أسرة فلسطينية لا يوجد منها أومن أقربائها أسير أو أسيرة، بحيث وصل عددهم نحو مئات الآلاف خلال المسيرة الكفاحية الطويلة المتواصلة للشعب الفلسطيني وحركته التحررية من أجل انتزاع حقوقه الوطنية في العودة والحرية والاستقلال.

الأسرى والأسيرات قدموا ولا زالوا يقدمون تضحيات كبيرة في مواجهة قوات الاحتلال وأجهزته القمعية، ورغم كل أشكال التضامن والدعم الشعبي والأهلي الفلسطيني للأسرى والأسيرات، إلا أن ذلك لم يرتقي بعد إلى حجم التضحيات التي يقدمونها.

لفت انتباهي رسالة الأسير البطل محمود العارضة التي وجهها الى الشعب الفلسطيني وإلى أحرار العالم، والتي نشرت في وسائل الاعلام يوم التاسع من شهر حزيران/ يونيو الجاري، بعد قرار الحكم الجائر بحقه وبحق زملائه الأسرى الذين تحرروا لعدة أيام، عبر نفق الحرية حفروه للتحرر من سجن جلبوع، في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وجاء الحكم الجائر عليهم بالسجن 5 سنوات إضافية إلى الاحكام العالية المحكومين بها من قبل محاكم الاحتلال غير القانونية، عقابا لهم على فرارهم من السجن المذكور، بما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني، ومبادئ الشرعة الدولية لحقوق الانسان، التي تعطي للأسير حق التحرر من قيود السجن والأسر.

تضمنت رسالة الأسير العارضة في البداية التحية لوسائل الاعلام التي "ما نسيتنا طوال هذه المرحلة"  كم جاء في الرسالة مؤكدا أن حكم المحكمة يؤكد "ان الجلاد لا يمكن ان يكون رحيما" مشيرا أنه "الظالم ولا يعرف العدل، لذلك كان قرار المحكمة منسجما مع وحشية هذا الكيان" وقال العارضة "ان الحكم لا يزيدنا الا قوة واصرار على المضي في الطريق"، ويشير الأسير العارضة "منعوا دخول وسائل الاعلام إلى المحكمة، حتى لا نتحدث عن شيرين، لأنها اكملت طريقي الى امي، واهدتها علبة عسل نيابة عني، ثم سارت من جنين الى القدس موشحة بالدماء، عزائنا الى ذوي شهداء الوطن، واخص بالذكر اخواننا سأش كممجي، وداود زبيدي وكل الشهداء" ولم ينسى العارضة من تقديم التعزية  إلى "اخانا يعقوب وانفسنا بوفاة والدته وعزائنا الكبير الى عميد الاسرى كريم يونس بوفاة والدته، واقول في هذا المقام ان والدة كريم يونس مضت الى الله تشكوا قلة الناصرين، 40 عاما تنتظر علها تجد ولي او نصيرا من الناس من قبل فمضت. 40 عاما لها ولكريم تاج عز ونصر وفخر"، ويشير العارضة في رسالته الى السادة والقادة والنخب ويقول لهم: "وصمة عار ان من يترك اسراه 40 عاما و30 عاما و20 عاما في السجون بأعداد المئات، هو ليس اهلا لتحرير القدس وفلسطين، وقال: "ان الغصة في قلوبنا كبيرة، وهذا العجز العربي والفلسطيني، خاصة من يقود هذا الشعب من تنظيمات ونخب مثقفه غير مبرر، وكل انجاز حدث سابقا ليس الا قليلا نادرا، اننا نقبل ان يكون نفق الحرية رمزا للتحرير لكننا نرفض ان يكون خيارا وبديلا لذلك".

ويوجه العارضة في رسالته: "التحية الكبيرة والمحملة بكل الحب والذكريات الى اهلنا في الداخل الذين وقفوا وقفة عز بجانبنا، وبقوا سندا لنا طوال جلسات المحاكم، واخص بالذكر مهجة فؤادي الناصرة واهلها والعظماء ونسائها وبنات مريم"، كما وجه التحية إلى " اهلنا في القدس واحبابنا في يافا وعكا والجولان وكل مدن وقرى الداخل، والى شقيقتي ام علي قمر، وابناءها الذي منعوا من الدخول الى المحكمة، وذنبها الوحيد انها من جنين واتخذت من الناصرة بيتا لها، وانها شقيقة المناضلة الكبير والأسيرة المحررة فخرية الجلبوني، وخالة الشهيد رمزي العارضة، وتحيه الى الطفلتين من يافا، اللاتي زرعن الامل في قلوبنا عندما حظرن المحاكمة والى ذويهم والاقارب والاصحاب وكل اهل يافا".

كما وجه العارضة “التحية كل التحية الى الابطال الذين شقوا معنا طريق القدس ونفق الحرية، الاحد عشار كوكبا والى ذويهم وحقا على الشعب الفلسطيني وشعوب العالم الحر، ان يضعوا على اكتافهم اسماء النجوم محمود شريم، ومحمد أبو بكر، وقصي مرعي، واياد جرادات، ومناضل انفيعات، ومحمد عارضه، زكريا زبيدي وايهم كممجي، ويعقوب، ويجعلوا هذه الاسماء اعلاما على أبنائهم".

 وطالب العارضة “قادة الشعب الفلسطيني ونخبه كافة، ان تخطوا خطوة جدية لحل هذه المأساة الإنسانية المتواصلة، كما وجه "تحية خاصة الى اهل اكسال ونسائها العظيمات، ولو ان محمود العارضة سار بطريقة كما خطت له نساء اكسال وبناتها، لم يتم اعتقاله ولتغير مجرى التاريخ، وذكر العارضة "قصتي مع اكسال طويلة وغائرة في الزمن من 4 عقود وسيكون لي خاطره طويله لاكسال كلها اشجان وحب".

ووجه العارضة رسالة الى نجوم الفن العربي في الدراما والسينما، بان العدو يجهز من خلال فنانيه لعمل فلم كبير عن نفق الحرية، وهدفه ان لا يتحول هذا الانتصار على الارض الى انتصار سياسي، وسيعتمدون على رواية لا تمثل الحقيقة"، وذكر الأسير العارضة أن لديه "امنيه ان يسبقهم الفن العربي بكل اطيافه ويحفظوا للامه انجازها وملحمتها البطولية، لان العدو مقهور ومصدوم من الحدث" ويذكر العارضة أن "الشاباك قال لي لو ان غيركم في العالم قام بهذا العمل الكبير لكان اهون علينا". وقال أيضا "لقد حاولت التقاط صورة مع صورة الفتاة رازان عباس من قرية كفر كنا والتي قتلت ظلما، لكن المحكمة وادارة السجون منعتني من ذلك، وكنت اود من خلال هذا الموقف ارسال رسالة الى شبابنا في الداخل، بان يكفوا عن سفك الدماء لان القتل جزء من مؤامرة ضد اهلنا في الداخل، وقد كتبت قصيدة باسم رازان ". ويشير الأسير العارضة في رسالته "نحن نتعرض لعملية انتقام من قبل ادارة السجون من خلال النقل المتواصل والتفتيش العاري المستمر، ومنع الزيارات والتضيق علينا بكافة النواحي، وقد قاموا في اللحظات الأخيرة بمنع زيارة الاخ الكبير مناضل انفيعات، وحاولوا ادخال البطل محمود شريم الى داخل غرفة مراقبة مع أحد الاسرى المرضى النفسيين، وقام الاخ محمود بعمل بطولي، وتعارك مع السجانين وحطم كل كاميرات المراقبة وهو الان في زنازين العزل الانفرادي وكان ذلك في سجن ابالون".

وختم الأسير العارضة رسالته قائلا: "اخيرا ان المأساة الفلسطينية في السجون طويلة وبعيدة الامد وهناك تقصير كبير بحق الاسرى وعجز لا يبرر، وقد أمضى مئات الاسرى عقودا طويلة في السجون، وهذه مأساة وفضيحة كبيرة وغير مبررة، والادهى من ذلك الهجمية المستمرة من قبل ادارة السجون ومدفوعة من قرار سياسي"، مشيرا إلى أثر الانقسام الكبير على ذلك. مذكرا "أن العمل على إطلاق سراح الاسرى يجب أن يكون بالتوازي على تحسين ظروفهم، وقد تحدثت في عام 2011 مع الاخ ابو إبراهيم، حول ان تضمن أي صفقة في المستقبل تحسين ظروف المعتقلين، حتى لو أفرج عن الجميع، فالسجون لم تنتهي ما دام هناك محتل، وقلت له: انا محمود العارضة مستعد ان اتنازل عن حريتي مقابل ان يعيش الناس في السجون بكرامة وشرف".

رسالة الأسير محمود العارضة تعبر عن إرادة لا تقهر رغم كل أشكال القهر والمعاناة والتعذيب، الذي تعرض لها هو وزملائه الأسرى من أسرى نفق الحرية، وتعبر عن الوفاء الى أبناء شعبنا الفلسطيني الذين وقفوا معهم ومع الأسرى ومع الأسيرات على امتداد الوطن، كما تحمل تحياته وتحيات الأسرى والأسيرات لوسائل الاعلام والصحفيين، وتضحياتهم في الدفاع عن القضية الوطنية وحقوق الأسرى، كما تحمل التعزية بالصحفية شرين أبو عاقلة، التي تم اغتيالها من قبل قوات الاحتلال، وتحمل الرسالة دعوة شعبنا وقواه التحررية للوحدة والتضامن.

كما تدعو الرسالة الفنانين العرب لأخذ دورهم في ابراز بطولة أسرى نفق الحرية والاعتماد على روايتهم، لمنع سلطات الاحتلال من تسويق روايته الكاذبة والمضللة، التي تحاول طمس الحقيقة عما جرى.

وتدعو الرسالة الى مزيدا من التضامن والدعم للأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، كما توجه اللوم لقادة الشعب الفلسطيني، ونخبه الفكرية لتقصيرهم في تبني حقوق الأسرى والأسيرات، والعمل من أجل تحررهم وتبني الدفاع عن قضاياهم وحاجاتهم الإنسانية داخل السجون. وختم رسالته بـالقول: "أنا محمود العارضة مستعد أن أتنازل عن حريتي مقابل أن يعيش الناس في السجون بكرامة وشرف". سنبقى جميعا مقصرين تجاه تضحيات الأسرى والأسيرات وحقوقهم ومطالبهم العادلة، وعلينا تقديم المزيد من الدعم للأسرى والأسيرات ومقابلة التضحيات والوفاء منهم، بوفاء أكبر ما استطعنا اليه سبيلا.    

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

قانون إسرائيلي عنصري

يجرم رفع العلم الفلسطيني

 

المحامي علي أبوهلال

 

في خطوة تعبر عن تكريس نظام الابارتهايد والفصل العنصري في النظام السياسي الإسرائيلي، صادقت الهيئة العامة للكنيست، يوم الأربعاء الماضي 1/6/2022، في قراءة تمهيدية، على مشروع قانون يمنع رفع العلم الفلسطيني في مؤسسات تمولها حكومة الاحتلال الاسرائيلي وبضمنها الجامعات، وذلك بدعم وتأييد 63 عضو كنيست ومعارضة 16.

وصوت رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينيت، ونواب اليمين في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، لصالح القانون الذي طرحه حزب الليكود، برئاسة بنيامين نتنياهو، علما بأن المعارضة ترفض التصويت لصالح قوانين الائتلاف، بما في ذلك القوانين ذات الطابع الأمني.

وفي أعقاب التصويت على القانون، قال نتنياهو، في بيان مصور برفقة المبادر إلى مشروع القانون، عضو الكنيست إيلي كوهين (الليكود)، "اليوم انتصر العلم الإسرائيلي؛ نحن نعيد إسرائيل إلى اليمين". وأضاف "لقد مررنا القانون بأغلبية ساحقة، قانون العلم، هذا يوم مهم لدولة إسرائيل ولمستقبل دولة اليهود"، فيما قال كوهين إن المصادقة على القانون "خطوة مهمة لاستعادة السيادة. في دولة إسرائيل ليس هناك إلا علم قومي واحد".

تأتي هذه الخطوة العنصرية في ظل النزعة الإسرائيلية العدوانية المتصاعدة ضد العلم الفلسطيني، إذ تقمع قوات الاحتلال الإسرائيلية جميع الفعاليات التي تشهد رفع العلم الفلسطيني في مناطق الـ 48 ومدينة القدس والضفة الغربية المحتلتين، فيما يشن المستوطنون الارهابيون، منذ أيام، هجمات على قرى وبلدات فلسطينية تمر منها مركباتهم، ويعملوا على إزالة الأعلام الفلسطينية من شوارعها.

وقد أثار رفع أعلام فلسطين في جامعتي تل أبيب وبن غوريون في بئر السبع في تظاهرتين نظمهما الطلاب العرب بمناسبة ذكرى النكبة، حفيظة اليمين داخل الحكومة وفي المعارضة، الذين أطلقوا تصريحات عنصرية ضد العرب والفلسطينيين.

وفي وقت سابق أنزلت بلدية رمات غان لافتة شملت علمي فلسطين وإسرائيل، اللذين تم تعليقهما كلافتة دعائية، وكُتب عليها باللغتين العربية والعبرية أن "مستقبلنا أن نعيش معا"، في موقع مركزي في المدينة ويطل على شبكة شوارع "أيالون" المركزية. وأثارت وسائل الإعلام الإسرائيلية ضجة في أعقاب تعليق اللافتة التي تم تثبيتها على خلفية تصويت الكنيست على مشروع القانون الذي يمنع رفع أعلام فلسطين في مؤسسات تمولها الحكومة، وخاصة في مؤسسات التعليم، انتقاما من رفع العلم الفلسطيني في جامعتي بئر السبع وتل أبيب.

وتعليقا على المظاهرتين في بئر السبع وتل أبيب؛ قال وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أنه يدرس سحب ميزانيات من جامعة بن غوريون بسبب تصريحها بتظاهرة الطلاب العرب لإحياء ذكرى النكبة، وكانت وزيرة التربية والتعليم، يِفعات شاشا – بيطون، كرئيسة لمجلس التعليم العالي، قد احتجت أمام رئيس جامعة بن غوريون، بروفيسور دانيال حايموفيتش، على تنظيم تظاهرة إحياء ذكرى النكبة.

وبالمصادقة التمهيدية على القانون، سيتم بحثه في إحدى لجان الكنيست لتحضير صيغة نهائية له وطرحه في ثلاث قراءات في اللجنة وكذلك في الهيئة العامة لإقراره واصداره ليصبح قانونا ملزما ونافذا. 

رفضت جماهير شعبنا الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية عام 48 مشروع القانون، واعتبرت الحركات الطلابية محاولات سن القانون بأنه تعبير على الإفلاس السياسي وتصاعد الفاشيّة والعنصريّة تجاه الطلاب العرب الفلسطينيين في الجامعات، والأقليّة العربيّة الفلسطينيّة عامة في البلاد، وأكدت أن العلم الفلسطيني رمزاً قومياً، نهدف من خلال رفعه وإحياء ذكرى النكبة ونشاطات وطنيّة أخرى إلى ترسيخ فكرة أن الحل العادل للقضية الفلسطينيّة، لن يكون دون الاعتراف بالغبن التاريخي الذي حل بالشعب الفلسطيني عام 1948، مؤكدة أن منع رفع العَلم الفلسطيني هو تنكر لكل الاتفاقيات والأعراف الدوليّة، ومسّ بحرية التعبير وحرية التظاهر وحرية الفكر.

وفي تعقيب على القانون، قال النائب أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة «هذا عَلم الشعب الفلسطيني، يرفعه آلاف الأطفال في ذكرى النكبة كل عام، وهذا ما يخيفكم. من اليوم وصاعداً سترون عَلم فلسطين أكثر وأكثر».

أصبح العلم الفلسطيني رمزا وعنوانا للشعب الفلسطيني بأسره سواء داخل الوطن فلسطين وفي بلدان المهجر واللجوء والشتات، وهذا ما لا يطيقه نظام الاحتلال والابارتهايد والفصل العنصري الإسرائيلي، لهذا نجد محاولات إسرائيل "السلطة القائمة بالاحتلال" تجريم ومعاقبة من يرفعه في المسيرات الجماهيرية، حتى لو كان على نعوش الشهداء، وهذا ما يعبر عن تصاعد وتنامي العنصرية والكراهية تجاه الشعب الفلسطيني وعلمه وهويته لدى حكومة الاحتلال، ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية والأمنية، فضلا عن قطعان المستوطنين والجماعات اليمينية الإرهابية المتطرفة. 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

الحرية والعلاج الفوري

للأسيرة إسراء الجعابيص

المحامي علي أبو هلال

 

مرة أخرى تؤكد المحكمة العليا الإسرائيلية كما هي المحاكم الإسرائيلية بشكل عام، أنها محاكم غير مستقلة وغير نزيهة، ولا تتوافر فيها معايير المحاكم العادلة، بل تؤكد أنها جزءا من نظام الاحتلال وأداة لممارسة سياساته العدوانية والعنصرية، ولرغبات ومطالب اليمين الإسرائيلي المتطرف لتحقيق أهدافه وسياساته المعادية لشعبنا ولأبسط الحقوق والقيم الإنسانية.

وتحت هذا الضغط العنصري  صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الخميس الماضي 26/5/2022، على قرار مصلحة السجون والمعتقلات الإسرائيلية بمنع إجراء عملية جراحية في الأنف، للأسيرة إسراء جعابيص، خلافا للتوصيات الطبّية التي أكدت أنها ضرورية للأسيرة ومن متطلبات الحياة، كما رفضت المحكمة المركزية التماساً قدمته جمعية أطباء لحقوق الإنسان، التي تمثل الأسيرة، في حين رفضت المحكمة العليا الرد بالإيجاب على الاستئناف الذي قدمته الجمعية ضد القرار خلافاً لتوصيات الأطباء، وذلك رغم توصية الأطباء على أن هذا العلاج يعدّ علاجا طبيا ضروريا لها. وأوصى أطباء جعابيص بإجراء سلسلة من العمليات في يدها وأنفها.

وقال ناجي عباس، من جمعية أطباء لحقوق الإنسان أن "العملية المذكورة موجودة في إطار التأمين الصحية، ولكن مصلحة السجون في هذه الحالة، كما هو الحال في حالات أخرى، تقوم بحرمان الأسرى من العلاجات الطبية الضرورية التي يوصي بها أطباء مختصون.

يذكر أن الأسيرة إسراء جعابيص  (35 عاماً) من قرية جبل المكبر جنوب القدس المحتلة، وحكم عليها بالسجن لمدة 11 عاماً، بتهمة ألصقت بها ولم يمكنها وضعها الصحي من دفعها وهي محاولة قتل شرطي، وذلك بعد أن انفجرت وبحادث عرضي أسطوانة غاز كانت تقلها بسيارتها على بعد خمسمئة متر من حاجز عسكري زعيم شرق مدينة القدس المحتلة أطلقت قوات الاحتلال المتمركزة على الحاجز نيران بنادقها تجاه مركبة إسراء، مما أدى إلى انفجار أسطوانة الغاز، ومع الانفجار تلاشت أصابع إسراء بفعل حروق التهمت 50% من جسدها في 11 /تشرين الأول 2015 عندما كانت في طريقها إلى مدينة القدس قادمة من مدينة أريحا.

سلطات الاحتلال التي نقلت إسراء حينها إلى مستشفى "هداسا عين كارم" لم تستكمل علاجها ونقلتها إلى المعتقل، وهي اليوم بحاجة ماسة إلى أكثر من ثماني عمليات جراحية لتستطيع العودة إلى ممارسة ولو كان جزءا من حياتها بشكل شبه طبيعي، ومن ذلك عملية لفصل ما تبقى من أصابع يديها الذائبة والملتصقة ببعضها البعض، فقد ذابت عقد الأصابع ولم تبق إلا عقدة واحدة في كل من أصابعها الثلاثة المتبقية، وعملية أخرى لزراعة جلد ليغطي العظام المكشوفة.

أما الأذنان فالتصقتا بعد أن ذابتا بفعل الحروق في الرأس، في حين لم تعد تقوى على رفع يديها إلى الأعلى بشكل كامل نتيجة التصاق الإبطين أيضا، كما أتت النيران على وجهها لدرجة أن طفلها الوحيد لم يستطع التعرف عليها في زيارته الأولى بعد نحو عام ونصف من اعتقالها. إسراء بحاجة أيضا إلى عمليات تصحيح للجلد في محيط عينها اليمنى وفي الأنف الذي أصبح غائرا، وذات الأمر بالنسبة للشفاه.

ووفق أطباء بلا حدود تعاني الأسيرة جعابيص من حروق يجعل جلدها دائم السخونة المصاحبة لآلام شديدة، مما يجعلها لا تقوى على وضع جميع أنواع الأقمشة أو الأغطية على جسدها. وفي سجنها تعاني إسراء شتى أنواع الإهمال لدرجة أن إدارة السجن رفضت أن تغير البدلة الخاصة بعلاج الحروق وشد الجلد التي أحضرت لإسراء إلى واحدة أكبر تطابق مقاس جسدها المحترق.

حاولت عائلة إسراء وعن طريق مؤسسات إنسانية دولية أن تحصل على موافقة لإدخال طبيب لمعالجة ابنتها على نفقتها الخاصة، لكن مصلحة السجون الإسرائيلية رفضت طلب العائلة. وفي شهر أيلول / سبتمبر الماضي أطلق نشطاء وأسرى محررون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إلكترونية تحت هاشتاغ أنقذوا إسراء جعابيص، وذلك للمطالبة بالإفراج عن الأسيرة إسراء، واعتبرت الحملة أنه "من المُغضب والمُعيب ألا تكون قضية الأسيرة جعابيص وحاجتها للتدخل الطبي على سلم الأولويات الوطنية ومؤسسات حقوق الإنسان، خاصة وأنها بحاجة ماسة إلى أكثر من ثماني عمليات جراحية لتستطيع العودة إلى ممارسة حياتها بشكل شبه طبيعي". وأشارت الحملة إلى أن الأسيرة اسراء "لم تعد تقوى على رفع يديها إلى الأعلى بشكل كامل نتيجة التصاق الإبطين، وهي بحاجة إلى عمليات تصحيح للجلد في محيط عينها اليمنى وفي الأنف الذي أصبح غائرا، وذات الأمر بالنسبة للشفاه".

لا تزال الأسيرة اسراء الجعابيص بحاجة لحملة وطنية واقليمية ودولية شاملة للإفراج عنها، وتأمين العلاج لها وهذه هي أبسط الحقوق الإنسانية التي تتطلع لها، في ظل سياسة الإهمال الطبي التي تمارسه إدارات سجون الاحتلال بحقها وبحق الأسرى، خاصة بعد رفض المحاكم الإسرائيلية وحكومة الاحتلال الافراج عنها وتامين العلاج لها.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

نحو تدويل قضية احتجاز

جثامين الشهداء الأسرى

المحامي علي أبو هلال

 

تحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي في سجونها جثامين 9 شهداء أسرى، إلى جانب 256 في "مقابر الأرقام"، وفقًا لمعطيات المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، وذلك في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وخصوصا اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، والشرعة الدولية لحقوق الانسان. ويوم الجمعة الماضي العشرين من شهر أيار صادفت الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد المعتقل عزيز عويسات، من جبل المكبر في القدس المحتلة، الذي ارتقى في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرض حينها الشهيد للضرب الوحشي والتعذيب على يد السجانين، وتحديدا من قبل قوات "النحشون"، ما أدى لإصابته لاحقًا بجلطة قلبية أدت إلى استشهاده في مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي. ويذكر أن الشهيد عويسات من مواليد عام 1965، وهو من جبل المكبر في القدس، وأب لستة أبناء، اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي في 3 آب/ أغسطس عام 2014، وحكمت عليه بالسجن لمدة 30 عاما.

وتشير المؤسسات الحقوقية الفلسطينية إن الاحتلال يواصل احتجاز جثامين 9 شهداء أقدمهم الشهيد المعتقل أنيس دولة وذلك منذ عام 1980، وعزيز عويسات عام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح، وأربعتهم استشهدوا خلال عام 2019، وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر اللذان استشهدا عام 2020، وسامي العمور خلال 2021، وآخرهم داوود الزبيدي الذي ارتقى في 15 من أيار الجاري. في حين بلغ عدد الشهداء المعتقلين حوالي 228 شهيدا ارتقوا في معتقلات الاحتلال منذ عام 1967 آخرهم الشهيد داوود الزبيدي الذي ارتقى متأثرا بإصابته برصاص جيش الاحتلال حيث أعلن الاحتلال عن اعتقاله لاحقًا بعد نقله إلى مستشفى "رمبام" الإسرائيلي.

علما أن هناك مئات المعتقلين الذين ارتقوا بعد الإفراج عنهم بفترات وجيزة، نتيجة لأمراض وإصابات ورثوها عبر سنوات اعتقالهم، آخرهم الشهيد إيهاب زيد الكيلاني من نابلس الذي ارتقى بعد شهر من الإفراج عنه، حيث اكتشفت إصابته بالسرطان بعد أن وصل المرض إلى مرحلة متقدمة.

ومن بين الشهداء المعتقلين ارتقى 76 نتيجة للقتل العمد، و7 بعد إطلاق النار عليهم مباشرة، و72 نتيجة لسياسة الإهمال الطبي "القتل البطيء" التي تنفذها إدارة معتقلات الاحتلال، و73 نتيجة للتعذيب.

إن جريمة احتجاز جثامين الشهداء هي إحدى أبرز الجرائم التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي على مدار العقود الماضية، وتحولت هذه الجريمة إلى نهج سياسي ومنظم ومقصود منذ اندلاع "الهبة الشعبية" نهاية عام 2015، كما أن هذه الجريمة تشكل انتهاكا لكل القوانين والأعراف والمواثيق الانسانية الدولية، وهي شكل من أشكال "العقاب الجماعي"، التي تطال الأسرى وعائلاتهم وعموم الشعب الفلسطيني بشكل عام.

وفي عام 2008 أوقفت سلطات الاحتلال هذه السياسة ولكنها عادت إلى ممارستها كآلية ضبط وعقاب للفلسطينيين، بقرار من الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2015.

وفي سبتمبر/أيلول 2019 أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا يجيز للقائد العسكري احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتًا لغرض استخدامهم كأوراق تفاوضية مستقبلًا.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2021 أقر وزير الدفاع بيني غانتس سياسة عدم تسليم جثامين منفذي العمليات الفدائية بغض النظر عن نتائج العملية أو عن الانتماء الفصائلي للشهيد، ليسارع أعضاء في الكنيست بالدفع لتشريع قانون يخوّل شرطة الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء، وخصوصًا في غياب أي أساس قانوني إسرائيلي يعطي الشرطة تلك الصلاحية.

ويُعد استمرار احتجاز إسرائيل " القوة القائمة بالاحتلال" لجثامين الشهداء وعدم الكشف عن أماكن المفقودين مخالفة واضحة لمعاهدة لاهاي لسنة 1907 التي تتعلق بقوانين الحروب وأعرافها، ومخالفة أيضًا لاتفاقية جنيف الأولى في البند 15 و17 التي تلزم الدولة المحتلة بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم الدينية قدر الإمكان.

وأمام هذه المعطيات التي تؤكد انتهاك إسرائيل "القوة القائمة بالاحتلال" للقانون الدولي الإنساني، ومضيها في ارتكاب حق الحياة للأسرى، وامتهان كرامتهم الإنسانية والاستمرار في احتجاز جثامين الشهداء منهم ، بات من  الضروري التحرك وطنياً وعربياً ودولياً، نحو تدويل قضية جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال، وإحالة ملفهم لمحكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة، باعتبار استمرار احتجازهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني، لإجبار الاحتلال على الإفراج عن جثامين الشهداء وإغلاق هذا الملف نهائياً.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

اغتيال شيرين أبو عاقلة جريمة

تستوجب محاكمة مرتكبيها

المحامي علي أبو هلال

ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة بشعة جديدة بإقدامها على اغتيال الإعلامية الفلسطينية والعربية مراسلة فضائية الجزيرة شرين أبو عاقلة في جنين، وهي تقوم بعملها الصحفي والإعلامي المعتاد، صباح يوم الأربعاء الماضي الموافق 11/5/2022 عندما أطلق عليها جنود الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي أثناء تغطيتها لاقتحام الاحتلال مخيم ومدينة جنين. فيما أصيب في الاعتداء منتج الجزيرة علي السمودي حيث كان إلى جانب الراحلة شيرين بإطلاق النار عليه في الظهر أثناء التغطية وهو يخضع للعلاج الآن، وأطلق جنود الاحتلال الرصاص على الزميلة شيرين، رغم أنها كانت ترتدي سترة الصحافة التي تميزها بصورة واضحة. وقال مدير دائرة الطب العدلي في جامعة النجاح ريان العلي إن المرحلة الأولى من تشريح جثمان الشهيدة شيرين أبو عاقلة انتهت، مشيرا إلى أن العملية ستستكمل لمحاولة إيجاد أي أدلة يمكن ربطها بالجهة المسؤولة عن استشهادها. وأكد أن الرصاصة التي أصابت شيرين أبو عاقلة كانت قاتلة وبشكل مباشر في الرأس، موضحا أنه تم التحفظ على مقذوف مشوه وتتم الآن دراسته مخبريا. وبعد إخراج جثمان الزميلة شيرين أبو عاقلة من معهد الطب العدلي في مدينة نابلس تم نقلها إلى مدينة رام الله لتشيعها من مقر الرئاسة ونقلها بعد ذلك الى القدس المحتلة لتشيعها الى مثواها الأخير، يشار إلى أن شيرين أبو عاقلة من الرعيل الأول من المراسلين الميدانيين لقناة الجزيرة، حيث التحقت بالقناة عام 1997، أي بعد عام من انطلاقها وقبل التحاقها بالجزيرة عملت في إذاعة فلسطين وقناة عمان الفضائية. وطيلة ربع قرن كانت في قلب الخطر لتغطية حروب وهجمات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ولدت شيرين أبو عاقلة عام 1971 في مدينة القدس المحتلة. وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالمملكة الأردنية الهاشمية. وفي حديث سابق للجزيرة تقول أبو عاقلة إن الاحتلال الإسرائيلي دائما ما يتهمها بتصوير مناطق أمنية، وتوضح أنها كانت دائما تشعر بأنها مستهدفة وأنها في مواجهة كل من جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين.

كشفت منظمة بتسيلم غير الحكومية (المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) أن الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي، وادعى أنه لإطلاق نار من طرف فلسطيني، لا يمكن أن يكون السبب وراء مقتل مراسلة الجزيرة الصحفية شيرين أبو عاقلة.

ووثق باحث إسرائيلي بالفيديو المكان الذي تم فيه تصوير مقطع الاشتباكات الذي بثه الجيش الإسرائيلي وأعاد نشره رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، مدعيا أنه قد يكون الرصاص الذي قتل مراسلة الجزيرة.

وتبين أن ذلك الموقع يبعد أكثر من 300 متر عن المكان الذي أصيبت فيه الزميلة شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين المزدحم بالمباني المتلاصقة، ولا يمكن من ذلك الموقع الوارد في الفيديو رؤية المكان الذي قتلت فيه أبو عاقلة ما لم يتمكن الرصاص الفلسطيني (المزعوم) من الالتفاف حول المنعطفات والمباني وتسلق السلالم. الخرائط التي نشرتها منظمة بتسيلم تكشف زيف الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال الإسرائيلي، وخلص تحقيق المنظمة الموثق بالفيديو والموقع الدقيق أن الفيديو الذي نشرته السلطات الإسرائيلية لا يمكن أن تكون له علاقة بمقتلها، ما يؤكد زيف الرواية التي حاول بها رئيس الوزراء الإسرائيلي تبرئة ساحة قواته من المسؤولية عن مقتل أبو عاقلة. ونقل مدير مكتب الجزيرة في فلسطين وليد العمري، عن شهود عيان قولهم إن إطلاق النيران من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على شيرين كان متعمدا والرصاصة أصابتها أسفل الأذن في منطقة لا تغطيها الخوذة التي كانت ترتديها.

جريمة قتل الشهيدة شيرين أبو عاقله استنكرها وأدانها المجتمع الدولي بأسره وصدرت هذه المواقف من قبل الدول والشعوب وهيئات الأمم المتحدة بأسرها، ومن قبل كافة الهيئات والمنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية، وبغض النظر عن الروايات الإسرائيلية العديدة المتناقضة عمن يتحمل مسؤولية ارتكاب هذه الجريمة البشعة، فلا نجد من يصدق هذه الروايات الكاذبة المخالفة للحقيقة، وكان آخر الروايات الاسرائيلية ما ذكرته صحيفة هآرتس يوم الأحد 15/5/2022 نقلا عن مسؤول إسرائيلي أن جنديا إسرائيليا أطلق النار من مسافة 190 مترا من مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة وقد يكون أصابها، وأضافت أن الجندي كان جالسا في سيارة جيب ومسلحا ببندقية بعدسة تلسكوبية. وقال الجندي المتهم باغتيال شيرين أبو عاقلة في استجواب خضع له إنه لم يرها، وذلك رغم أنها تبعد عنه نحو 190 مترا، وفقا لتصريح سابق للمسؤول الإسرائيلي. كما أفاد الجندي أيضا بأنه لا يعرف أنه أطلق النار عليها، وفقا لإفادة المسؤول الإسرائيلي، وتهدف هذه الرواية إلى تبرئة الجندي الإسرائيلي من تهمة القتل العمد، كما جرت عليه العادة في حالات مماثلة، ولكن الحقيقة التي لا شك فيها أن جنود الاحتلال هم الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة بحق الصحفية الراحلة شرين أبو عاقله، فممارسات الاحتلال قبل ارتكاب هذه الجريمة وبعدها بما في ذلك الاعتداء على نعش الفقيدة الراحلة، والاعتداء على المشاركين في تشييعها إلى مثواها الأخير، يوم الجمعة الماضي في القدس تؤكد بشاعة وحقد الاحتلال، وانعدام توفر الحد الأدنى من المراعاة للقيم الإنسانية والأخلاقية لدى لاحتلال، وعدم احترامه للمواثيق والاتفاقيات وقواعد القانون الدولي الإنساني، والشرعة الدولية لحقوق الانسان.

إن جريمة قتل الصحفية شرين أبو عاقلة من قبل قوات الاحتلال، وغيرها من جرائم القتل العمد التي طالت العديد من الصحفيين والإعلاميين، هي جزء من حملتها المنظمة لعزل الأراضي الفلسطينية المحتلة عن باقي أرجاء العالم، وللتغطية على ما تقترفه من جرائم بحق المدنيين والصحفيين. وتتناقض هذه الانتهاكات والممارسات الاسرائيلية ضد وسائل الاعلام والصحفيين، مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وخاصة مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي يؤكد على أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود". وتتناقض هذه الانتهاكات مع ما ورد في (البندان 1و2 من المادة 19 من العهد الدولي الخاص المدنية والسياسية للعام 1966) وينصان على: "1- يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصاً مدنيين… 2- يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا البروتوكول شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى بالحقوق وضعهم كأشخاص مدنيين…"، وكذلك مع ما ورد في (البندان 1و2 من المادة 79 من البروتوكول “الملحق” الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف للعام 1949).

إن جريمة قتل الصحفية شرين أبو عاقلة من قبل قوات الاحتلال، ترتقي إلى جريمة حرب وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وان على المجتمع الدولي أن لا يكتفي بإدانة هذه الجريمة واستنكارها، بل يقتضي منه القيام بمسؤولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية، لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة ونزيهة، لكشف الحقيقة ومحاسبة وملاحقة المجرمين المسؤولين عن ارتكاب هذه الجريمة البشعة بحق الصحفية شرين أبو عاقلة، وعلى المحكمة الجنائية الدولية أن تمارس واجبها ومسؤولياتها القانونية بالشروع فورا بالتحقيق في هذه الجريمة البشعة، ومحاكمة الجناة عن ارتكاب هذه الجريمة التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة.

ان شبه الاجماع الدولي الرسمي والشعبي وعلى صعيد المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية، لم يتحقق بمثل ما هو عليه الآن تجاه إدانة جريمة قتل الصحفية شرين أبو عاقلة التي ارتكبتها قوات الاحتلال، فاذا لم ينتج عن هذا الموقف عمل جدي لتحقيق دولي ونزيه ومحايد في هذه الجريمة البشعة المكتملة الاركان ، والكشف عن مرتكبيها، وتقديمهم للمحاكمة الدولية وخاصة لدى المحكمة الجنائية الدولية، فلا قيمة لهذا الاجماع الدولي، ولا قيمة جدية لمواقف الإدانة والاستنكار، ولا أهمية لتحميل الاحتلال المسؤولية الجنائية الدولية عن ارتكاب هذه الجريمة إذا لم يتم تقدمي مجرمي الاحتلال للمحاكمة، فهذا هو الاختبار الآن، هل ينجح المجتمع الدولي في كشف الجناة، وتقديمهم للعدالة حتى لا يفلت هؤلاء الجناة من العقاب، أم يستمر التردد والعجز، وتظل إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" سلطة فوق القانون، لا تجد من يردعها ويوقع عليها العقاب الذي تستحقه، بما في ذلك معاقبة مجرمي الحرب الذين يقترفون الجرائم بتوجيه ودعم وحصانة منها.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

المعتقلون الإداريون يواجهون

الاحتلال وإدارات السجون

المحامي علي أبوهلال *

 

يتصدر المعتقلون الاداريون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، منذ أكثر من أربعة أشهر معركة المواجهة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وإدارات سجون الاحتلال لانتزاع حقوقهم القانونية في الحرية والكرامة الإنسانية التي تكفلها لهم كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني،   وكان نحو 500 معتقل إداري قد أعلنوا مقاطعتهم لمحاكم الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع شهر كانون الثاني الماضي موقفاً جماعياً يتمثل بإعلان المقاطعة الشاملة والنهائية لكل إجراءات القضاء المتعلقة بالاعتقال الإداري (مراجعة قضائية، استئناف، عليا). تحت شعار "قرارنا حرية"، في إطار مواجهتهم لسياسة الاعتقال الإداري غير القانوني.

ووجه المعتقلون إداريا في حينه بيانا للرأي العام، جاء فيه: "اتخذنا موقفا وطنيا وجماعيا يتمثل بإعلان المقاطعة الشاملة والنهائية وغير المسبوقة لكل إجراءات القضاء المتعلقة بالاعتقال الإداري من مراجعة قضائية أو استئناف أو التوجه للمحكمة العليا". وأضاف المعتقلون الاداريون: "لن نكون جزءا من هذه المسرحية التمثيلية والمستفيد منها هو الاحتلال وأجهزته الأمنية وخصوصا جهاز المخابرات (الشاباك) المُقرر الفعلي لإبقاء المعتقلين رهن هذا الاعتقال". والاعتقال الإداري هو اعتقال دون تهمة أو محاكمة، ودون السماح للمعتقل أو لمحاميه بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة، في خرق واضح وصريح لبنود القانون الدولي الإنساني، لتكون إسرائيل هي الجهة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه السياسة.

وتتذرع سلطات الاحتلال وإدارات السجون بأن المعتقلين الإداريين لهم ملفات سرية لا يمكن الكشف عنها مطلقا، فلا يعرف المعتقل مدة محكوميته ولا التهمة الموجهة إليه. وغالبا ما يتعرض المعتقل الإداري لتجديد مدة الاعتقال أكثر من مرة لمدة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو ثمانية، وقد تصل أحيانا إلى سنة كاملة، ووصلت في بعض الحالات إلى سبع سنوات كما في حالة المناضل علي الجمّال. يذكر أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ أكثر من 4500 أسير، بينهم 31 أسيرة، وقرابة 180 طفلا.

وكانت الحركة الأسيرة في معتقلات الاحتلال قد أعلنت دعمها وتأييدها الكامل لقرار المعتقلين الإداريين بالمقاطعة الشاملة للمحاكم العسكرية، موضحة أن هيئاتها التنظيمية ستقوم بمتابعة القرار، ودعت جميع المعتقلين الإداريين في مختلف المعتقلات إلى الالتزام الكامل بهذه الخطوة، والتحلي بالصبر والنفس الطويل، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة بإلغاء سياسة الاعتقال الإداري.

 لم تقتصر مواجهة المعتقلون الاداريون ضد الاعتقال الإداري على مقاطعة المحاكم الإسرائيلية، من أجل إلغاء الاعتقال الإداري، بل واصل بعضهم أشكال أخرى من المواجهة ومن ضمنها الإضراب عن الطعام، حيث يواصل المعتقل خليل عواودة (40 عاما) من بلدة إذنا غرب الخليل، إضرابه عن الطعام منذ 70 يوما على التوالي، والمعتقل رائد ريان (27 عاما) من قرية بيت دقو شمال مدينة القدس منذ 34 يوما، رفضا لاستمرار اعتقالهما الإداري في سجون الاحتلال.

وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في تصريح سابق، إن سلطات الاحتلال، نقلت الأسير عواودة من عيادة سجن الرملة إلى إحدى المستشفيات، بعد تدهور صحي خطير طرأ عليه، ويعاني الأسير عواودة من آلام في الرأس والمفاصل، وصداع وهزال وإنهاك شديد، وعدم انتظام في نبضات القلب، وتقيؤ بشكل مستمر وانخفاض حاد في الوزن، حيث فقد من وزنه أكثر من 16 كغم، فيما ترفض سلطات الاحتلال الاستجابة لطلبه بإنهاء اعتقاله الإداري، أو التعاطي معه، في ظل تراجع وضعه الصحي بشكل ملحوظ.

يذكر أن المعتقل عواودة أب لأربع طفلات، وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلته بتاريخ 27/12/2021، وحولته للاعتقال الإداري بدون أن توجه له أي اتهام، كما اعتقل سابقا في معتقلات الاحتلال عدة مرات.

وفي السياق، فإن الأسير ريان والمحتجز حاليا في سجن "عوفر"، اعتقل بتاريخ 3/11/2021 بعد مداهمة قوات الاحتلال لمنزله واستجواب ساكنيه، حيث تم تحويله للاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر، إلا أنه وبعد قرب انتهاء مدة الاعتقال تم تجديده إداريا لمدة 4 أشهر إضافية، ليعلن بعدها إضرابه المفتوح عن الطعام.

فيما شرع الأسير عبد الله العارضة من جنين، منذ نحو 4 أسابيع، بالإضراب عن الطعام رفضًا لتمديد أمر عزله الانفرادي، الذي فُرض عليه منذ شهر أيلول/ سبتمبر العام الماضي.

إن تعزيز الاسناد الشعبي الجماهيري والوطني الفلسطيني، وتوسيع التضامن في كل المحافل الدولية والعربية، يشكل مهمة عاجلة لإلغاء الاعتقال الإداري وتحرر المعتقلين الاداريين من سجون الاحتلال.

المعتقلون الاداريون يخوضون مواجهة جماعية وفردية شاملة، من أجل إلغاء الاعتقال الإداري والتحرر من سجون وقيود الاحتلال منذ عدة أشهر، كما يبرزون في هذه المواجهة وخاصة المتعلقة منها بمقاطعة المحاكم الإسرائيلية، أنهم لا يعترفون بشرعية ونزاهة القضاء الإسرائيلي، بل يؤكدون أن هذا القضاء منحاز للاحتلال وجزء من نظامه القمعي وأدواته التي تمارس اضطهاد الشعب الفلسطيني بكل فئاته، بل يكشفون للرأي العام العالمي والمؤسسات الحقوقية والقانونية والقضائية، مدى تبعية المحاكم الإسرائيلية والقضاء الإسرائيلي لمنظومة الاحتلال غير الشرعية وغير القانونية.

 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

استهداف الصحفيين للتعتيم

على جرائم الاحتلال في الأقصى

 

المحامي علي أبوهلال

 

يتضح للمتابعين والمراقبين للأحداث التي تجري في المسجد الأقصى وفي مدينة القدس المحتلة خلال شهر رمضان المبارك، أن قوات الاحتلال تتعمد تصعيد انتهاكاتها ضد المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وتنتهك بشكل صارخ حق وحرية العبادة، وكافة الحقوق والحريات السياسية والمدنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، التي تكفلها الشرعة الدولية لحقوق الانسان عموما.

وأن حديث حكومة الاحتلال عن السماح لجميع أتباع الديانات بممارسة حقهم في العبادة وأداء شعائرهم الدينية بشكل متساوي وبدون تمييز، هي مجرد أكاذيب وتضليل للرأي العام، وتنفيه كل الوقائع التي تجري على الأرض، سواء في القدس أو في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فقد أكدت ممارسات الاحتلال في القدس خلال شهر رمضان المبارك أنها تنتهك كافة الحقوق والحريات التي يكفلها قانون حقوق الانسان، وذلك بتعرضها لكافة حقوق وحريات الفلسطينيين بمختلف فئاتهم، وخاصة وسائل الاعلام والصحفيين، للحيلولة دون نشر حقيقة الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية، التي تجري على الأرض الفلسطينية، لدحض رواية الاحتلال التي تؤكد بما يخالف الحقيقة أنها تسمح بممارسة الحقوق والحريات للفلسطينيين بكل فئاتهم.

إن أكثر ما يزعج قوات الاحتلال وحكومته اليمينية المتطرفة، أن تنجح وسائل الاعلام وينجح الصحفيين من نقل حقيقة الأحداث التي تجري على الأرض كما هي، وبصورة موضوعية وحقيقية بما يخالف الصورة والرواية الإسرائيلية الكاذبة، لذا تلجأ قوات الاحتلال إلى منع الصحفيين من القيام بعملهم بكافة الوسائل، ليس فقط منعهم من حريتهم في الحركة والتنقل لتغطية ما يجري على الأرض، بل تتعدى ذلك لتشمل اعتقال الصحفيين والتعرض لهم والاعتداء عليهم بما يعرض حياتهم للخطر.

وفي هذا الإطار استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهدافها للصحفيين الفلسطينيين، الذي يعملون على تغطية اقتحامات المستوطنين واعتداءات قوات الجيش الإسرائيلي المتكررة على المواطنين في المسجد الأقصى منذ بداية شهر رمضان المبارك.

أصيب يوم الجمعة الماضي لوحده ثلاثة صحفيين إصابات لا يمكن أن توصف سوى أنها تقع في دائرة الاعتداءات الخطيرة التي تستهدف الصحفيين، إذ أصيب الصحفي علي ياسين برصاصة مطاطية في حنجرته سببت له جرحا عميقا في رقبته، فيما أصيب كلا من الصحفيين "محمد عشو" و"أحمد شريف" برصاصات مطاطية في أقدامهم.

ومنذ بداية شهر رمضان سجلت عشرات الإصابات في صفوف الصحفيين في ساحات المسجد الأقصى، بشكل متعمد لإبعادهم ليس فقط عن المكان، وإنما لردعهم عن تغطية الاحداث، وتنوعت الانتهاكات الإسرائيلية ضد الصحفيين ما بين الإصابة بالرصاص المطاطي، أو الاختناق بغاز القنابل أو غاز الفلفل إلى حد التعدي السافر بالضرب المبرح على الصحفيين، لمنعهم من تغطية جرائم الاحتلال وانتهاكاته.

وقد بلغت الاعتداءات على الصحفيين المقدسيين ذروتها خلال الهبة الأخيرة السنة الماضية، رفضا لإخلاء عائلات حي الشيخ جراح، ودفاعا عن المسجد الأقصى المبارك، وسجل مركز إعلام الناصرة 42 اعتداء خلال شهر أيار/ مايو الماضي بحق صحفيين مقدسيين، خلال قيامهم بعملهم المهني في مناطق مختلفة من القدس.

وكان آخر تلك الاعتداءات اعتقال الصحفية جيفارا البديري، مراسلة قناة الجزيرة، والاعتداء عليها وعلى مصور القناة أثناء قيامهما بتغطية فعالية لأهالي حي الشيخ جراح، ما يفتح ملف الاعتداء كذلك على المصورين الصحفيين لمنعهم من توثيق الانتهاكات في المدينة.

استنكرت المراكز الصحفية والإعلامية ونقابة الصحفيين الفلسطينيين، جميع الاعتداءات السافرة من قبل قوات الاحتلال بحق الصحفيين في مدينة القدس وبقية المدن الفلسطينية وأكدت هذه المؤسسات الاعلامية أن سياسة الإفلات من العقاب والتعامل الدولي مع دولة الاحتلال على أنها فوق القانون، هو ما يشكل ركيزة أساسية وتشجيعا لها بالاستمرار في هذه الاعتداءات.

وأكدت العديد من المؤسسات الصحفية، إن قوات الاحتلال تواصل استهدافها المتعمد للصحفيين الفلسطينيين دون أدنى اعتبار للحماية المكفولة للصحفيين بموجب القوانين الدولية والمواثيق والأعراف الإنسانية، مسجلة أعلى المؤشرات على صعيد محاربة حرية الإعلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لاسيما في ظل الصمت غير المقبول والمستهجن من قبل المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين والدفاع عنهم، الأمر الذي يؤكد على ضرورة تحرك هذه المؤسسات للقيام بمسؤولياتها المهنية والقانونية، لوقف هذه الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية التي يتعرض لها الصحفيين والإعلاميين.

كما ينبغي أن تتحمل كافة المنظمات الدولية، وخاصة هيئات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان، وكافة الهيئات الحقوقية الدولية كافة، مسؤولياتها القانونية لضمان حرية عمل الصحفيين والإعلاميين، ومحاسبة إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" عن الجرائم التي ترتكبها بحق الصحفيين والمؤسسات الاعلامية.  

 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

استباحة المسجد الأقصى

جريمة تستوجب المحاسبة

المحامي علي أبوهلال *

 

في تطور خطير وفي إطار سياستها المستمرة للاعتداء على المقدسات الدينية، وانتهاك حق وحرية العبادة في القدس المحتلة، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم الجمعة الماضي الموافق 15 أبريل 2022 باقتحام واستباحة المسجد الأقصى، مستخدمةً قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، مما أدى إلى إصابة عدد كبير من المصلين وحراس المسجد الأقصى والصحفيين والمسعفين وغيرهم، واعتقال المئات منهم والاعتداء عليهم والتنكيل بهم،  وإلحاق الضرر والجسيم بالمسجد الأقصى وساحاته ومرافقه المختلفة. ووفقا لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إن ما جرى من استباحة للمسجد الأقصى بشكل عام وتدنيس للمسجد القبلي، وتحطيم نوافذه واقتحامه بالأحذية، والاعتداء على المصلين المسلمين الآمنين داخله هو دفع باتجاه حرب دينية.

ويأتي هذا الاعتداء السافر تنفيذاً لمخطط حكومة الاحتلال الاستيطانية، الهادفة للسيطرة على المسجد الأقصى بساحاته ومرافقه ومبانيه ومساجده، وإرضاء للمستوطنين الذين يعملون صباح مساء، للسيطرة عليه وممارسة طقوسهم وشعائرهم التلمودية الداعية لذبح القرابين، بهدف إقامة هيكلهم المزعوم الذي نفت كل لجان الآثار وجوده داخل حدود المسجد الأقصى.

إن هذا الاعتداء الهمجي لقوات الاحتلال والمتواصل بشكل يومي، هو حدث خطير ينبغي التوقف أمامه بجدية بما يتناسب وحجم الخطورة التي يمثلها، خشية استمراره وتكريسه كحدث يومي بهدف الوصول الكلي للتقسيم الزماني والمكاني لمسجد الأقصى، كما حدث في الحرم الإبراهيمي الذي يعيش وضعاً قاسياً وصعباً نتيجة لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي اليومية فيه.

إن المسجد الأقصى بكامل مساحته وباحاته، هو مكان مقدسي إسلامي، ولا حق لغيرهم فيه، وأن حرية العبادة يجب أن تكون مضمونة فيه، إلا أن الاحتلال يستمر في اختلاق الاستفزازات، من خلال الاقتحامات المستمرة لعصابات المستوطنين، على مدار العام، وزاد عليها تهديدات عصابات المستوطنين الإرهابية باقتحام الأقصى خلال أيام الفصح العبري للقيام بطقوس دينية يهودية.

ان قيام حكومة الاحتلال بمنع المصلين من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول للمسجد، وإغلاق البوابات وحشر الناس في البلدة القديمة وغيرها من الاعتداءات عليهم والتنكيل بهم، وشن حملات الاعتقالات بحقهم، وابعادهم عن الأقصى، ما يحول دون ممارسة حقهم في العبادة وأداء شعائرهم الدينية، يعتبر انتهاك صارخ للقانون الدولي وقانون حقوق الانسان، ولا يجوز السماح به أو السكوت عليه.

كما أن تصرّف حكومة بينيت الاحتلالية هذا يهدف إلى تصعيد خطير في سياستها التي تستهدف تهويد القدس والسيطرة عليها.

إن حكومة الاحتلال الاسرائيلي تتحمل المسؤولية الكاملة عن تداعيات استمرار مثل هذه الجرائم والاعتداءات اليومية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، وما لم تواجه هذه السياسة بموقف فلسطيني وعربي ودولي حازم، فان قوات الاحتلال ستواصل اعتداءاتها ضد المسجد الأقصى، وسائر المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وهذا ما سيشجع المستوطنين والجماعات الإرهابية والدينية اليهودية المتطرفة، الاستمرار في اقتحامات المسجد الأقصى، وتدنيس حرمته وقدستيه.

وكان رئيس حركة "عائدون إلى الجبل"، رفائيل موريس قد أكد إن الإعلان في الشبكات الاجتماعية حول دعوة هذه الحركة إلى "ذبح قرابين" في ساحات المسجد الأقصى صحيح، حيث كانت حسابات إسرائيلية قد نشرت "بوسترات مصممة" من جماعات "الهيكل" تروج فيها لدفع مبالغ مالية لكل من يستطيع ذبح القربان، فيما قامت مجموعة من المستوطنين منذ أيام بينهم حاخامات باقتحام الأقصى، والحديث علناً في مقاطع فيديو عن ذلك، ناهيك عن إقدامهم لتمثيل ذلك في منطقة قريبة من المسجد الأقصى.

تحولت ساحات المسجد الأقصى المبارك نهاية الأسبوع الماضي وفي الأيام الماضية الى ساحة حرب باستباحته، والاعتداء على المصلين الصائمين بالقنابل الصوتية، والهراوات والأعيرة المطاطية والرصاص الحي، وغاز الفلفل واعتقال المئات منهم بهدف إخلاء الاقصى من المصلين، وبعد اخلاء الاقصى ومحاصرة البعض في مسجد قبة الصخرة المشرفة، اقتحمت القوات الخاصة والشرطة المكان واعتدت بشكل وحشي على المتواجدين وأجبرتهم على الجلوس ارضا وقيدتهم، ثم اقتادتهم الى مراكز التوقيف والاعتقال، حيث تعرضوا للضرب والتنكيل والتعذيب.

ان ردة الفعل الرسمية الفلسطينية والعربية والدولية على اقتحام واستباحة المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين داخله، لا تتناسب مطلقا مع هذه الهجمة المسعورة من قبل حكومة الاحتلال ضد المسجد الأقصى الخالص بمساحته الـ 144 دونماً، الموقوفة على المسلمين، الذين يطالبون الآن بالعمل بجدية وسرعة، لكف يد قوات الاحتلال عن الاستمرار بهذه الاعتداءات والانتهاكات الخطيرة التي تمس المسجد وللمصلين العزل.

وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته للوقوف أمام التزاماته السياسية والقانونية والحقوقية بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان، وممارسة كافة أشكال الضغط على حكومة الاحتلال من أجل وقف اعتداءاتها على المقدسات الدينية الاسلامية والمسيحية، ووقف انتهاكاتها المتواصلة لحق وحرية العبادة، ومنع المستوطنين والجماعات الإرهابية والدينية المتطرفة، من مواصلة اقتحام المسجد الأقصى وباحاته وانتهاك قدسيته وحرمته بممارساتهم العنصرية وغير القانونية.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

اليونسكو تجدد

دعمها للحقوق الفلسطينية

المحامي علي أبوهلال

 

تستمر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” في اتخاذ القرارات الهامة لصالح القضية الفلسطينية، مؤكدة موقفها الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، على الرغم من الضغوطات التي تمارسها عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" والدول الأخرى المساندة لهما.

واتخذ المجلس التنفيذي لمنظمة " اليونسكو"، مساء الأربعاء الماضي 7/4/2022 في جلسته (214) المنعقدة في باريس بالإجماع، قرارين لصالح القضية الفلسطينية بعنوان فلسطين المحتلة والمؤسسات الثقافية والتعليمية في فلسطين. حيث أكد المجتمع الدولي من خلال القرار الأول الذي حمل عنوان “فلسطين المحتلة” على وضع الأراضي الفلسطينية كأراضي محتلة. كما أكد عدم صحة جميع الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وخاصة في مدينة القدس المحتلة بما في ذلك الحفريات والحفريات واستمرار الاتفاقية.

فيما أكد المشاركون من خلال تصويتهم على القرار الثاني بعنوان المؤسسات الثقافية والتعليمية في فلسطين، دعمهم المستمر للمؤسسات الثقافية والتعليمية في فلسطين، وإدانتهم ورفضهم للإجراءات والعقبات التي يضعها الاحتلال أمامها، وشدد القرار على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية هذه المؤسسات.

ومن الجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو تعتبر من أهم المؤسسات الدولية التي تتخذ مواقف وتصدر قرارات لصالح فلسطين، على الرغم من غياب تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني في العديد من المؤسسات على النطاق العالمي، وبسبب سعي الولايات المتحدة إلى تثبيت سياسة المعايير المزدوجة فيها والكيل بمكيالين، بما يخدم المصالح والمخططات الإسرائيلية.

ويعتبر إصدار مثل هذه القرارات المساندة للقضية الفلسطينية وللحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، من قبل المجتمع الدولي تحقيقا للقانون الدولي، ولقرارات الشرعية الدولية، ودعما للجهود الدولية التي تكافح من أجل فضح سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يتطلب من الأمم المتحدة العمل من أجل يجاد آلية واضحة لتنفيذ هذه القرارات من خلال الجمعية العامة ومجلس الأمن. كما يتطلب ذلك من المجتمع الدولي، وخاصة من الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ أحكام اتفاقية جنيف في مدينة القدس وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومواجهة إسرائيل " القوة القائمة بالاحتلال" وإجبارها على الانصياع لإرادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

تكتسب قرارات منظمة "اليونسكو" أهمية كبيرة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية واسعة النطاق ضد حقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، خاصة في مدينة القدس المحتلة وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن شأن هذه القرارات التي اتخذت بالإجماع الحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي الفلسطيني من التزوير والتشويه الإسرائيلي المتعمد، وتأتي أهميه اعتماد هذه القرارات في هذا الوقت بالذات، في ظل ما تقوم به سلطات الاحتلال من انتهاكات ممنهجة وواسعة النطاق ضد حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في مدينة القدس المحتلة وفي المناسبات الإسلامية والمسيحية، والتقييد على الحق في العبادة، واقتحامات المستوطنين المستعمرين للحرم القدسي الشريف المسجد الاقصى، وغيرها من الانتهاكات لمواقع التراث العالمي بما فيها في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وحصارها لمدينة غزة.

علما أن قراري منظمة "اليونسكو" تمحورا حول القضايا الوطنية الفلسطينية وخاصة ما له بالحفاظ على مدينة القدس وحمايتها من التهويد، وقضية إعادة إعمار غزة، وحماية الحرم الإبراهيمي في الخليل من التهويد، إضافة إلى أهمية إرسال البعثة الاستكشافية إلى مدينة القدس المحتلة وأسوارها، وحماية مواقع التراث والإرث المادي، وغير المادي الفلسطيني وحفظها من التدمير والتشويه والتزوير، بما فيها عدم إطلاق مسميات على المواقع الفلسطينية استنادا الى روايات يهودية زائفة، بما يهدد الواقع الراهن القانوني والتاريخي لمدينة القدس، ووضع ومكانة الأرض الفلسطينية.

وهذا يتطلب الإسراع في تعيين ممثل دائم للمديرة العامة لليونسكو في البلدة القديمة من القدس، وإيفاد بعثة لرصد الانتهاكات الإسرائيلية فيها، بما يسمح لها وضع تصور لحماية القدس من التهويد، والحفاظ على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وينبغي على المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة وخاصة الجمعية العامة للأم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تحمل مسؤوليتهما القانونية والدولية، لإيجاد الصيغة والآلية المناسبة لتطبيق قرارات منظمة "اليونسكو" في أسرع وقت ممكن.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

قرارات هامة لصالح فلسطين

في مجلس حقوق الانسان

المحامي علي أبوهلال

 

اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يومي الخميس 31/3 والجمعة 1/4 الماضيين في ختام أعمال دورته الـ 49 في مدينة جنيف السويسرية، قرارات هامة لصالح فلسطين، رغم جهود الولايات المتحدة وإسرائيل تعطيل صدورها بمختلف الأشكال، وصدرت هذه القرارات بأغلبية كبيرة من أعضاء المجلس، ما يؤكد أن القضية الفلسطينية لا زالت تحظى بدعم كبير من المجتمع الدولي وخاصة في مجلس حقوق الانسان.

يوم الجمعة، أصدر المجلس قراري دولة فلسطين حول حق تقرير المصير، وعدم شرعية المستوطنات، وصوتت 38 دولة لصالح "قرار المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية"، وامتنعت 5 دول عن التصويت وهي أوكرانيا، وليتوانيا، والبرازيل، والكاميرون، وهندوراس، و4 دول صوتت ضد وهي: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وجزر المارشال، ومالاوي.

كما صوتت 41 دولة لصالح قرار "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره"، وامتنعت 3 دول عن التصويت هي: ليتوانيا، والكاميرون، وهندوراس، و3 دول صوتت ضد هي: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، وجزر مارشال، وذلك تحت البند السابع الخاص بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

وينص قرار مجلس حقوق الانسان أن المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة غير شرعية، مؤكدا على ضرورة وقف دعمها ومقاطعتها، وصولا الى تفكيكها وازالتها فورًا، باعتبارها جزء من منظومه الاستعمار والفصل العنصري الذي ترسخه إسرائيل، سلطة الاحتلال غير الشرعي، وما تخلفه هذه المنظومة الخطيرة من آثار على السلام والعدالة.

وهذا يتطلب ضرورة حظر بضائع المستوطنات، ووقف التعامل التجاري والعسكري وأي خدمات أو أموال تعزّز هذه المنظومة الاستعمارية، لما تخالفه من قواعد القانون الدولي، الذي التزمت به جميع دول العالم. كما ينبغي ضرورة عدم التعامل مع المستوطنات، بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أن دعمها سيساهم في تعزيز الاستعمار الاحتلالي، ومنظومة الفصل العنصري في أرض دولة فلسطين المحتلة.

 ويوم الخميس الماضي 31 مارس 2022 اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أول قرارات فلسطين أمام المجلس حول حقوق الإنسان وضمان المساءلة وإحقاق العدالة، علما أن 37 دولة صوتت لصالح القرار منها دول عربية وأوروبية ودول أفريقية وآسيوية، فيما امتنعت 7 دول عن التصويت وهي أوكرانيا والمملكة المتحدة والكاميرون وجزر المارشال والهند ونيبال وهندوراس، فيما صوتت 3 دول ضده وهي مالاوي والبرازيل والولايات المتحدة.

إن التصويت الإيجابي على هذه القرارات لصالح فلسطين يعد شكلا من أشكال الحماية والدعم للشعب الفلسطيني والحفاظ على حقوقه غير القابلة للتصرف، وصولا إلى تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، كما أن الدعم الدولي لهذه القرارات يعبر عن انسجام مواقف هذه الدول التي صوتت لصالحها، مع مبادئ وقواعد القانون الدولي، وقانون وقواعد حقوق الإنسان. في الوقت الذي تعبر مواقف الدول التي صوتت ضدها، أنها تعزل نفسها وتضعها خارجة عن قواعد القانون الدولي، ومبادئ حقوق الانسان وتجعلها معارضة لحق تقرير المصير للشعوب التي تعترف به وتدعمه الأمم المتحدة في ميثاقها ومبادئها، وبذلك فان هذه الدول لا تحترم واجباتها القانونية والإنسانية، وتضع نفسها في مصاف الدول التي تقبل الجرائم وتشجّعها، وتقف في مواجهة العدالة.

ان قرارات مجلس حقوق الانسان تحظى بأهمية كبيرة، رغم أنها تفتقد الصيغة والآلية التنفيذية المباشرة والعملية، وتفتح الطريق نحو مساءلة إسرائيل عن جرائمها التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، لأنها تعبر عن رأي الأغلبية في المجتمع الدولي، ويمكن أن تسهم هذه القرارات في وقف سياسة المعايير المزدوجة والانتقائية التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتكريسها في العلاقات الدولية، لدعم إسرائيل "القوة القائمة بالاحتلال" ولخدمة مصالحها العدوانية والاستعمارية والكولونيالية لنفي وانكار حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال والعودة.

 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 اتساع نطاق المقاطعة لإسرائيل

في الولايات المتحدة الأمريكية

المحامي علي أبوهلال

 

بعد انطلاق حملة مناهضة سياسة الفصل العنصري الإسرائيلية يوم الاثنين 21 من الشهر الحالي-مارس-2022، في عدة جامعات في الولايات المتحدة، أخذت المقاطعة لإسرائيل تتسع وتشمل مؤسسات أخرى، حيث قررت جمعية دراسات الشرق الأوسط الأميركية (MESA) رسميا مقاطعة إسرائيل أكاديميا، وجاء هذا القرار بعد أن صوت أعضاء الجمعية العاملين يوم 25 من شهر آذار/ مارس الجاري بأغلبية 80% لصالح قرار يؤيد المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل.

وبذلك أصبح هذا القرار رسميا ونهائيا بعد أن صادق أغلبية أعضاء الجمعية عليه بواقع 768 صوتا (80٪) لصالحه، مقابل 167 صوتا ضده وامتناع 22 عن التصويت. ويؤيد القرار دعوة مؤسسات المجتمع المدني لمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على إسرائيل كوسيلة لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية على انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان، ومن المقرر أن يتشاور مجلس إدارة الجمعية بعد التصديق على القرار، مع لجنة الحرية الأكاديمية لإنفاذه، بما يتفق مع اللوائح الداخلية لـلجمعية والقوانين الفيدرالية وقوانين الولايات والقوانين المحلية الأميركية ذات الصلة.

 وخلال فترة تصويت أعضاء الجمعية على قرار المقاطعة حاولت منظمات "اللوبي" المؤيد لإسرائيل من خلال حملة علاقات عامة وترهيب إسقاط القرار، شملت الضغط على فروع دراسات الشرق الأوسط في جامعات فلوريدا وتكساس للانسحاب من الجمعية تحت التهديد بتفعيل قوانين أقرتها الولايتان بمنع الدعم الحكومي عن مقاطعي إسرائيل، فيما نفذ أنصار الحق الفلسطيني في الولايات المتحدة حملة اتصالات هاتفية ورسائل بريدية والكترونية لحض أعضاء الجمعية على التصويت لصالح القرار.

ويذكر أن جمعية دراسات الشرق الأوسط الأميركية (MESA) قد تأسست عام 1966 ويتجاوز عدد أعضائها الحالي 2700، وهي "بمثابة منظمة جامعة لأكثر من 50 عضوا مؤسسيا و36 منظمة تابعة"، مكونة من تحالف المجلس الأميركي للجمعيات العلمية والمجلس الوطني لجمعيات دراسات المنطقة، وهي عضو في التحالف الوطني للعلوم الإنسانية. وتضم الجمعية عددا كبيرا من المؤرخين الأميركيين، وفيها أكبر مجموعة من المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط ومدرسي العلوم السياسية والعلاقات الدولية والأنثروبولوجيا واللغة والأدب. وفي الوقت الذي تسعى فيه حكومة الاحتلال تكثيف اتصالاتها بالدول الغربية، وترميم علاقاتها بالإدارة الأمريكية الديمقراطية، فإنها تبدي قلقها من تبعات قرار أعضاء جمعية أمريكا الشمالية لدراسات الشرق الأوسط (MESA) في مؤتمرها السنوي الأخير في "ديسمبر"، بتعزيز جهود حركة المقاطعة "BDS"، وإعلان المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية، لإظهار التضامن مع الباحثين الذين تتعرض حياتهم، وسبل عيشهم للهجوم من الحكومة الإسرائيلية.

وتبذل حكومة الاحتلال كثيرا من الجهود العلنية والسرية لمواجهة حركة المقاطعة المتنامية والمتزايدة، عبر ترويج الادعاءات الكاذبة ضدها، والتحذير من أن هذه المقاطعة ستؤدي الى إلغاء التعاون البحثي مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ووقف برامج التبادل الطلابي، وإجراء المراجعات اللازمة للمنشورات العلمية. وبسبب الضغوط التي تعيشها دولة الاحتلال من نتائج جهود حركة المقاطعة، لاسيما على الأصعدة الثقافية والأكاديمية، فإنها تحاول توجيه دعاية مضادة للجامعات الفلسطينية بزعمها أن الحركات الطلابية تؤيد المنظمات الإرهابية الفلسطينية، وتعتمد المناهج الدراسية التي تدعم العمليات الفدائية، وجعلها جزءًا من محتويات الكتب المدرسية. في المقابل، تقوم الدعاية الإسرائيلية المضادة لحركة المقاطعة الأكاديمية بترويج مزاعم مفادها أن نشاطات BDS تضر بشكل مباشر بالمؤسسات الأكاديمية المختلفة، الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء، كما أنها تمس بفرص الأكاديميين والطلاب الفلسطينيين في بداية رحلتهم العلمية لأنهم يقاطعون نظراءهم الإسرائيليين، فضلا عن التسبب في توقف مشاريع تقديم المنح الدراسية التي يحظون بها، وإعاقة التعاون بين المؤسسات الأكاديمية حول العالم مع المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية والإسرائيلية.

لكن دولة الاحتلال تتجاهل في الوقت ذاته ما تقوم به من حملات اعتقالات يومية تطال طلاب الجامعات في الضفة الغربية، بزعم أن هذه الجامعات تعمل كمأوى للإرهابيين، وفي الوقت نفسه تفرض حكومة الاحتلال قيودا جديدة على عدد وهوية محاضرين وطلاب أجانب في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية. وينظم هذا الإجراء فرض قيود جديدة مشددة على دخول مواطنين أجانب إلى الضفة والمكوث فيها، ومن ضمن هذه القيود إلزام المحاضرين والطلاب الأجانب بتقديم طلبات العمل والانتساب للجامعات الفلسطينية في القنصلية الإسرائيلية في موطنهم، حيث تتم المصادقة على دخول المحاضر الأجنبي للضفة بعد أن يثبت لمسؤول في وحدة المنسق أن "للمحاضر مساهمة هامة بالتعليم الأكاديمي، اقتصاد المنطقة أو دفع التعاون والسلام الإقليمي". 

ان اتساع نطاق مقاطعة اسرائيل بمختلف أشكالها سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من الدولة، سيكون له تأثير كبير على إسرائيل، وهذا ما يفسر قيامها بحملة معادية لحركة المقاطعة، وللجامعات الفلسطينية أيضا.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

انطلاق حملة مناهضة نظام الفصل

العنصري الإسرائيلي في الجامعات الأمريكية

المحامي علي أبوهلال *

انطلقت في عدة جامعات في الولايات المتحدة، فعاليات حملة مناهضة لـ “سياسة الفصل العنصري” التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي يوم الاثنين 21 من الشهر الحالي، بعد أن أعلنت العارضتان الأمريكيتان من أصل فلسطيني بيلا وجيجي حديد مواصلة تبرعهما للشعب الفلسطيني، وذلك في سياق تزايد الحملات المنتقدة لإسرائيل " الدولة القائمة بالاحتلال"، وتحمل الفعاليات شعار “أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي”، لتسليط الضوء على ما يعانيه الفلسطينيون من جراء هذه السياسة.

وتهدف الحملة إلى رفع مستوى الوعي العام حول التمييز العنصري الذي تمارسه "إسرائيل" ضد جميع أبناء الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس، والذي يرقى إلى جريمة الفصل العنصري بموجب القانون الدولي.".

ومن المقرر أن تنتظم فعاليات هذا الاسبوع في أكثر من خمسين جامعة أمريكية بمشاركة من منظمتي “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” ومنظمة “أصوات يهودية من أجل السلام”، ومن بين الجامعات المشاركة أيضا عدة أفرع لجامعة كاليفورنيا وجامعة ايلينويز في شيكاغو وجامعة نيويورك.

ويأتي ذلك في الوقت الذي أطلقت فيه منظمات مؤيدة لإسرائيل حملة مناهضة لفعاليات هذا الاسبوع شملت إطلاق موقع على شبكة الانترنت لتفنيد اتهام إسرائيل بأنها “دولة فصل عنصري”. ويحمل الموقع الإلكتروني الجديد اسم “أسبوع الفصل العنصري المكشوف” الذي يوفر مواد يقول إنه يمكن أن تساعد الطلاب في مواجهة حملة أسبوع الفصل العنصري في الجامعات.

يشار إلى أن الحملات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الولايات المتحدة الأمريكية، رفضا للسياسات التي تمارسها إسرائيل، في وقت وجهت فيه منظمات يهودية انتقادات حادة لدولة الاحتلال، أكدت خلالها أن سياستها تضعف مستوى التعاطف الدولي وخاصة في الولايات المتحدة مع إسرائيل.

وكانت حملة أطلقها “أنصار الحق الفلسطيني” في جامعة هارفرد الأمريكية، التي تدعو لارتداء الكوفية الفلسطينية كل يوم خميس، وصلت لعدة جامعات أمريكية أخرى، في مسعى لتعميمها أكثر لتشكيل تحالف عريض لأنصار الحق الفلسطيني في الولايات المتحدة. وفي إطار حملات الدعم للحق الفلسطيني، أعلنت عارضتا الأزياء الأمريكيتان من أصل فلسطيني جيجي وبيلا حديد عن مواصلة تبرعهما للشعب الفلسطيني وقضايا اللاجئين في العالم. ونشرت بيلا حديد منشوراً على حسابها على “انستغرام” أكدت فيه أنها ستواصل التبرع لشعبها الفلسطيني وأرضه، وجاء إعلان بيلا بعد نحو أسبوع من إعلان شقيقتها جيجي عن تبرعها بعائدات عروض أزياء الخريف المقبل لصالح قضايا اللاجئين عامة واللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص.

تكتسب فعاليات حملة مناهضة “سياسة الفصل العنصري” التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي أهمية كبرى بعد تقرير "منظمة العفو الدولية" الذي نشرته في مطلع شباط/فبراير الماضي، الذي يؤكد أكد "ارتكاب إسرائيل نظام الفصل العنصري"، ووصف وجودها "كدولة يهودية بأنه حرمان من الحقوق الأساسية للفلسطينيين". وفي التقرير المكون من 211 صفحة، بينت منظمة "العفو الدولية" أن "إسرائيل متورطة في هجوم واسع النطاق، موجه ضد الفلسطينيين، يرقى إلى جريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية".

وأكد التقرير أنه " ينبغي على جميع الحكومات والقوى الاقليمية الفاعلة، وخاصة تلك التي تربطها علاقات دبلوماسية وثيقة مع إسرائيل، ألاّ تدعم نظام الفصل العنصري، أو تقدم المعونة أو المساعدة لإدامة مثل هذا النظام، كما ينبغي عليها التعاون من أجل إنهاء هذا الوضع غير القانوني. وكخطوة أولى، ينبغي على هذه الدول والقوى أن تقَّر بأن إسرائيل ترتكب جريمة الفصل العنصري، وغيرها من الجرائم الدولية، وأن تستخدم أدواتها السياسية والدبلوماسية كافة لضمان قيام السلطات الاسرائيلية بتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير الحالي، وأن تراجع جميع أشكال التعاون والأنشطة المشتركة مع إسرائيل لضمان أنها لن تسهم في إدامة نظام الفصل العنصري. كما تجدد منظمة العفو الدولية دعوتها التي طال أمدها إلى دول العالم من أجل الوقف الفوري لجميع الإمدادات المباشرة وغير المباشرة، أو عمليات البيع أو النقل، لجميع الأسلحة ً والذخائر، وغيرها من المعدات العسكرية والأمنية، بما في ذلك تقديم التدريب وغيره من المساعدات العسكرية والأمنية. وأخيرا تدعو المنظمة الدول إلى فرض وتنفيذ حظر على منتجات المستوطنات الإسرائيلية.

وتأتي حملة مناهضة “سياسة الفصل العنصري” التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي استجابة لتوصيات منظمة العفو الدولية " أمنستي"، فهل نجاح هذه الحملة المناهضة لسياسة الفصل العنصري في الجامعات الأمريكية، ستكون بداية نحو توسيع مناهضة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي على الصعيد الشعبي والأهلي في أمريكا وفي غيرها من دول العالم التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

اعتقال الأطفال ليلا انتهاك

لحقوقهم القانونية والإنسانية

* المحامي علي أبوهلال

تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاعتقالات في صفوف الأطفال الفلسطينيين بصورة متزايدة، وبما يخالف القانون الدولي الإنساني، واتفاقية حقوق الطفل، وقانون حقوق الانسان، وصعدت سلطات الاحتلال بشكل واضح خلال العام 2021، من استهداف الأطفال الفلسطينيين بالاعتقال، حيث بلغت حالات الاعتقال بحق الأطفال 1000 حالة، بينهم 73 طفلا لم تتجاوز أعمارهم الرابعة عشرة، وحسب مؤسسات تعنى بشؤون الأسرى، يبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين الأطفال في السجون الإسرائيلية حوالي 160 طفلا.

ولعل من أهم المخالفات التي ترتكبها سلطات الاحتلال في تعاملها مع الأطفال المقدسيين المشتبه في إلقائهم الحجارة، هو اعتقال الأطفال في جنح الظلام واقتيادهم لمراكز التحقيق دون مرافقة والديهم، واستعمال العنف الكلامي والجسدي ضدهم، بالإضافة إلى توقيف الأطفال دون سن المسؤولية الجنائية والتحقيق معهم بأساليب قاسية، وتعريضهم للتعذيب القاسي، وذلك في مخالفة صارخة لاتفاقية حقوق الطفل الدولية لسنة 1989، التي قامت إسرائيل بالتوقيع عليها في تاريخ في الثالث من شهر تشرين الأول/ اكتوبر سنة 1991.

وتستمر قوات الاحتلال باعتقال الأطفال ليلا من منازلهم بما يتعارض مع الإعلان الذي أصدره جيش الاحتلال الإسرائيلي، بشأن إجراءٍ إداريٍّ جديد، تعهّد فيه باستدعاء القاصرين الفلسطينيّين للاستجواب، كبديل عن الاعتقالات الليليّة المفاجئة من دون إشعارٍ مسبق. ما دفع مركز الدفاع عن الفرد- هموكيد، إلى تقديم التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد الاستخدام الجارف الذي يمارسه جيش الاحتلال للاعتقالات الليليّة للقاصرين الفلسطينيّين، ويطالب الالتماس بتنظيم الإجراء بواسطة استدعاء القاصرين للاستجواب بواسطة أهاليهم.

يذكر أنّ هذا الالتماس معدّلٌ في إطار التماسٍ تمّ تقديمه من قبل مركز "هموكيد" في نهاية سنة 2020، بعد أن ثبت له وفقًا للمعطيات المحدّثة بأنّ جيش الاحتلال، خلال اعتقالات الأطفال في سنة 2021، يتجاهل أو لا يطبّق الإجراءً الإداريً الذي أعلنه بنفسه عن بلورته عشيّة بحث الالتماس الأصليّ، وهو إجراءٌ كان من المفترض به تنظيم مسألة استدعاء القاصرين للتّحقيق.

وكان مركز "هموكيد" قد قدّم التماسًا إلى المحكمة العليا سنة 2020، ضد الممارسة الشّائعة لجيش الاحتلال، والمتمثلة في اعتقال مئات القاصرين الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة من منازلهم في ساعات الليل المتأخرة، وجلبهم للتّحقيق وهم مقيدون بالأصفاد ومعصوبو الأعين، مما يؤدّي إلى صدمةٍ لهم ولأبناء عائلاتهم، بما فيهم إخوتهم الصغار. ويدّعي مركز "هموكيد" بأنّ الاعتقالات الليليّة هي الإجراء الأكثر استخدامًا من قبل جيش الاحتلال، ويستخدمها بوصفها الوسيلة الأولى لجلب القاصرين للتّحقيق، في تعارضٍ مع القانون الدوليّ المتعلّق بمصلحة الطّفل، كما تتعارض الممارسة مع الوعود بالقيام باستدعاءٍ مسبقٍ للقاصرين للتّحقيق معهم، بدلًا من استخدام وسيلة الاعتقال، كوسيلة فُضلى.

يطالب مركز "هموكيد" في التماسه الحاليّ، جيش الاحتلال بتعديل الإجراء الإداريّ الذي دخل حيّز التنفيذ في آب 2021، بطريقةٍ تغيّر الواقع ميدانيًا، بحيث تكون الطّريقة المتّبعة هي استدعاء القاصرين للتّحقيق بواسطة أولياء أمورهم أو الأوصياء المسؤولين عنهم. كما يدعو مركز "هموكيد" في التماسه، إلى تطبيق نفس الحماية القانونيّة التي يتمتع بها القاصرون الإسرائيليون، على القاصرين الفلسطينيّين، بما يتماشى مع مبدأ مصلحة الطّفل.

إن استخدام وسيلة الاعتقالات الليليّة للأطفال الفلسطينيين بوصفها الوسيلة الرئيسيّة، بل والحصريّة تقريبًا، لجلب الأطفال القاصرين للتّحقيق، تشكل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي ولمبدأ مصلحة الطّفل. ولاتفاقية حقوق الطفل. علما أن مرحلة الطفولة من أهم مراحل بناء شخصية الإنسان التي يمكن أن تتأثر بالبيئات القسرية والقمعية التي يمارسها الاحتلال ضد الأطفال الفلسطينيين، الذين يجري اعتقالهم والتحقيق معهم وتعريضهم للتعذيب.

وعليه يجب على إسرائيل، باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، أن تمتثل للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، عند التعامل مع السكان المحتلين لا سيما الأطفال، المنصوص عليه في المادة (50) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة (77) من البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف وبموجب المادة (27/2) من اتفاقية جنيف الرابعة، فإنه يجب معاملة الأشخاص المحميين معاملة إنسانية في جميع الأوقات وحمايتهم ضد جميع أعمال العنف، كما تفيد المادة (38) من اتفاقية حقوق الطفل.

كما أن اعتقال الأطفال التعسفي في منتصف الليل، يشكل انتهاكا صارخا للحماية المتوفرة ضد الاعتقال التعسفي للأطفال بموجب المادة (37) من اتفاقية حقوق الطفل. إذ ينصّ الفرع (ب) منها على " ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقاً للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة".

إن سلطات الاحتلال تتحمل مسؤولية خرقها للقانون الدولي الإنساني، خاصة انتهك القواعد التي تكفل الحماية القانونية والانسانية للأطفال الفلسطينيين، الذين يجري اعتقالهم في ظروف قاسية في جنح الظلام، وبدون أدنى حد من المراعاة الإنسانية، كونهم الفئة الاجتماعية الأكثر ضعفا، والأجدر بالحماية والرعاية.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

 

معاداة الصهيونية

ليست معاداة للسامية

* المحامي علي أبوهلال

أصبحت "معادة السامية" تهمة جاهزة يطلقها قادة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، على كل من يوجه النقد لسياسة الاحتلال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، ولكافة الانتهاكات التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني. ولم توجه هذه التهمة الى العرب والفلسطينيين والمسلمين فقط، بل شملت كذلك كافة المناصرين للشعب الفلسطيني ولحقوقه الوطنية المشروعة، من المتضامنين الأجانب، وكذلك للمنظمات الدولية الحقوقية وهيئات الأمم المتحدة، من بينها مجلس حقوق الانسان، واليونسكو، ومنظمة العفو الدولية “أمنستي" وغيرها من المنظمات الدولية. وشملت أيضا المفكرين والكتاب والفنانين والحقوقيين المناصرين للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة.

وتهمة "معادة السامية أو كراهية اليهود " التي تطلقها حكومة الاحتلال الإسرائيلي السلطة القائمة بقوة الاحتلال، توجه لكل من ينتقد الصهيونية كعقيدة سياسية تقوم على "الإحلال والتفريغ"، بهدف إقامة دولة يهودية في فلسطين، ولكل من ينتقد ممارسات دولة الاحتلال، وارتكابها جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب وجريمة الأبرتهايد، كما توجه هذه التهمة لكل من لا يقبل بتعريف اليهودية على أنها جنسية وليس فقط عقيدة دينية.   

ومن الطبيعي والضروري تصدي المجتمع الدولي، والقضاء الدولي إلى تفنيد هذه التهمة التي تعبر عن العقيدة والأفكار العنصرية والعدوانية لحكومة الاحتلال، التي ترى في كل انتقاد محق يوجه لها، يعبر عن كراهية اليهود، ومعادة للسامية، وفي هذا الإطار أصدرت المحكمة الدستورية بجنوب أفريقيا، يوم الأربعاء الماضي 16/2/2022، حكما قضائيا يؤكد أن مصطلحي اليهودية والصهيونية ليسا مترادفين، وأن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية، وأن هناك فروقًا دقيقة بين المصطلحين.

جاء هذا الحكم في قضية رفعتها لجنة حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا (غير حكومية) نيابة عن مجلس الوكلاء اليهودي في جنوب أفريقيا، ضد التعليقات التي أدلى بها عام 2009 سكرتير العلاقات الدولية السابق في الاتحاد العام لنقابات العمال بونجاني ماسوكا، وعدته غير مذنب.

ووجدت المحكمة أنه من بين أربعة تعليقات كانت موضع الخلاف -استوفت واحدة منها فقط معايير خطاب الكراهية- وتم الإدلاء بها تحت استفزاز شديد من الصهاينة، خلال اجتماع عام لحملة التضامن مع فلسطين في جامعة فيتس في جوهانسبرغ، في ذلك الاجتماع. وكان ماسوكا وفقًا للمحكمة “خاضعًا لمضايقات شديدة من الأشخاص الذين عارضوا خطابه”. وفي الواقع تعرض للانجرار من قبل مجموعة من الطلاب اليهود الذين حاولوا بمداخلاتهم المستمرة إجباره على الإدلاء بتصريحات معادية والحد من حقه في حرية التعبير”.

ونص الحكم القضائي على أن مصطلحي اليهودية والصهيونية ليسا مترادفين، وأن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية، وأن هناك فروقًا دقيقة بين المصطلحين. وبهذا الحكم الصادر عن أعلى سلطة قضائية في دولة جنوب أفريقيا، يكون قد تم إغلاق الجدل حول الخلط بين اليهود وأولئك الذين يدعمون إسرائيل، وبين اليهودية والصهيونية، وبين اليهود والصهاينة.

إن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا يكتسب أهمية كبرى، كونه صادر عن أعلى محكمة في بلد عانى لفترات طويلة، من سياسة التفرقة العنصرية والأبارتهايد، وهي سابقة قضائية يمكن أن تحتذى لدى المحاكم الدولية والوطنية الأخرى، التي قد تنظر في دعاوى مشابهة في المستقبل.

ويأتي هذا القرار ردا على ادعاءات حكومة الاحتلال، التي تعتبر أن أي انتقاد لسياستها العدوانية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني، والتي تأخذ أشكال عديدة من الجرائم والانتهاكات، هي معاداة للسامية وتعبر عن كراهية اليهود، بهدف إرهاب من ينتقدون هذه السياسية، ويتصدون لها من أجل وقفها، خاصة المنظمات الدولية الحقوقية، وكان آخرها منظمة العفو الدولية " أمنستي" التي أكدت في تقريرها الأخير بأن دولة إسرائيل هي دولة ابارتهايد تمارس سياسية التطهير العرقي والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني، وقد أتهمت حكومة الاحتلال منظمة العفو الدولية " أمنستي" بأنها منظمة معادية للسامية، كما وجهت نفس التهمة لمنظمات دولية أخرى، ولعدد كبير من المفكرين والكتاب والحقوقيين والفنانين المناصرين لحقوق الشعب الفلسطيني على نطاق العالم.

إن قرار المحكمة الدستورية في دولة جنوب أفريقيا، يأتي ليعبر أيضا عن دعمها وحمايتها لكل الذين ينتقدون سياسية حكومة الاحتلال الإسرائيلي العدوانية والاستيطانية، وسياسة التطهير العرقي والترحيل القسري التي تمارسها، ضد الشعب الفلسطيني، في القدس وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن هنا ينبغي محاصرة سياسة الاحتلال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وحقوقه الوطنية المشروعة التي تجد الدعم والتأييد على الصعيد الدولي، ولدى حركات التضامن الدولية، ولدى كل المناصرين لنضال الشعب الفلسطيني، من أجل إنهاء الاحتلال، وضمان حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

21-2-2022

 

 

مبادرة شعبية أوروبية

لمقاطعة منتجات المستوطنات

 

* المحامي علي أبوهلال

 

في إطار الجهود الدولية لمواجهة ووقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اعلنت المبادرة الاوروبية الشعبية عن تاريخ 20/02/2022 انطلاق حملة جمع مليون توقيع على عريضة تطالب بحظر دخول منتجات المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تدعمها جمعيات ومنظمات اوروبية متضامنة مع الشعب الفلسطيني. وتهدف المبادرة لجمع مليون توقيع من مواطني دول الاتحاد الاوروبي، لإجبار المفوضية الاوروبية على قبول المبادرة، والبدء بتنفيذ منع دخول منتوجات المستوطنات الاسرائيلية المقامة على الاراضي الفلسطينية المحتلة الى السوق الاوروبية.

تأتي هذه المبادرة الشعبية الأوروبية طبقا لأحكام المعاهدة التأسيسية للاتحاد الأوروبي، والتي تكمن في جمع مليون توقيع من مواطنين أوروبيين، وتحويل المبادرة الى قانون أوروبي نافذ، لمنع دخول منتوجات المستوطنات الى السوق الأوروبية. وكانت محكمة العدل الاوروبية، قد أصدرت حكما قضائيا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019 بخصوص تمييز منتجات المستوطنات، من خلال وضع إشارة واضحة بأنها "منتجات مستوطنات إسرائيلية قادمة من الأراضي المحتلة، والجولان السوري المحتل".

ويذكر في هذا السياق أن مجموعة من المواطنين الأوروبيين قد رفعت شكوى الى محكمة العدل الأوروبية لمنع دخول منتوجات المستوطنات الى أوروبا، وذلك في شهر كانون الثاني/يناير من العام الماضي 2021. بعد رفض المفوضية الأوروبية بداية 2019 طلب تسجيل مبادرة شعبية أوروبية طبقا لأحكام المعاهدة التأسيسية للاتحاد، والتي تكمن في جمع مليون توقيع من مواطنين أوروبيين، وتحويل المبادرة الى قانون أوروبي نافذ لمنع دخول منتوجات المستوطنات الى الأسواق الأوروبية.

تكتسب هذه المبادرة الشعبية الأوروبية أهمية كبرى، خاصة أنها تستهدف سن قانون أوروبي يلزم دول الاتحاد الأوروبي بمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، باعتبار أن الاستيطان غير شرعي ومخالف للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، عوضا أن الاستيطان يعتبر جريمة حرب وفقا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد أوضحت محكمة العدل الأوروبية، في قرار سابق لها أن الاتحاد الأوروبي ألزم نفسه بالتقيّد بالقانون الدولي، ووفقا للقانون الدولي فإن إقامة المستوطنات، تعد مناقضة لما نصّت عليه اتفاقية جنيف الرابعة، كما أنها تعيق حق الشعب الفلسطيني في التمتع بتقرير المصير. وهذا يملي على الاتحاد الأوروبي ترجمة مواقفه عمليا، بالقبول بموقف المبادرة الشعبية الأوروبية، لمنع دخول منتجات المستوطنات الى السوق الأوروبية المشتركة، ومقاطعة هذه المنتجات بالحد الأدنى.

إن نجاح المبادرة الشعبية الأوروبية في جمع مليون توقيع من مواطنين أوروبيين، وتحويل المبادرة الى قانون أوروبي نافذ، لمنع دخول منتوجات المستوطنات الى الأسواق الأوروبية. طبقا لأحكام المعاهدة التأسيسية للاتحاد الأوروبي، يعتبر إنجازا هاما يضاف إلى إنجازات الموقف الشعبي الأوروبي، الذي يعتبر الاستيطان غير شرعي ومناقض للقانون الدولي.

كما تشكل هذه المبادرة خطوة هامة وكبيرة للضغط على الاتحاد الأوروبي الذي يبدي أحيانا التردد في تبني موقف عملي لسياساته المعلنة لمواجهة الاستيطان، الذي يزداد توسعا وانتشارا في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس المحتلة، في ظل الحكومة الاسرائيلية اليمينية بزعامة نفتالي بينيت.

وتأتي هذه المبادرة الشعبية الأوروبية أيضا في ظل اعلان حكومة الاحتلال عن توسيع الاستيطان في القدس المحتلة، وفي ظل تصاعد إرهاب المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني والذي تمثل في اعتداءاتهم المتواصلة على الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم وعلى بيوتهم، والذي يجد التشجيع والدعم من حكومة وجيش الاحتلال.

وفي هذا الإطار وافقت ما يسمى اللجنة المحلية للتخطيط والبناء التابعة لبلدية القدس التابعة للاحتلال، في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، على بناء 3557 وحدة استيطانية ضمن 5 مخططات جديدة.

وتشير بيانات حركة "السلام الآن" الحقوقية الإسرائيلية، إلى وجود نحو 666 ألف مستوطن إسرائيلي و145 مستوطنة كبيرة و140 بؤرة استيطانية عشوائية (غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية) بالضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة.

ورغم إعلان العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية رفضها للتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل مدينة القدس المحتلة، لكن هذه المواقف رغم أهميتها، إلا أنها لم تتحول بعد إلى خطوات عملية ملموسة ومباشرة، لوقف مخططات شرعنة وتوسيع الاستيطان وبناء مستوطنات جديدة، وهذا ما يجعل المبادرة الشعبية الأوروبية أكثر أهمية لأنها تسعى إلى إجبار الاتحاد الأوروبي لسن قانون جديد ملزم له، لمنع النشاط الاستيطاني وتوسيع المستوطنات، ومنع دخول منتجاتها إلى السوق الأوروبية، وتعتبر خطوة عملية لمواجهة الاستيطان، فهل تنجح هذه المبادرة الشعبية الأوروبية في تحقيق غاياتها.

ان نجاح المبادرة الشعبية الأوروبية في تحقيق غايتها، يشكل خطوة حاسمة وهامة، لدفع الاتحاد الأوروبي لتبني مواقف عملية أكثر جدية ضد الاستيطان، كما يمنح المبادرة الشعبية الأوروبية موقفا متقدما لتجريم الاستيطان، ومحاكمة المستوطنين وقادة الاحتلال الذين يقومون بتوسيع الاستيطان، وبناء مستوطنات جديدة، ودعم إرهاب المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

الحبس المنزلي للطفل

علي قنيبي جريمة تستوجب العقاب

 

* المحامي علي أبوهلال

 

تمارس سلطات الاحتلال الاسرائيلي سياسة خطيرة تجاه الأطفال المقدسيين، تُفقِد الطفل الشعور بالأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي، فهذه السياسة تهدف إلى تدمير نفسية الطفل وتشكيل أعباء مالية واقتصادية على عائلته، وفقدانه لحقه بالتعليم وممارسة حياته بشكل طبيعي كسائر الأطفال، وهذه السياسة يُطلَق عليها سياسة "الحبس المنزلي".

تلجأ سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى هذا الاسلوب بحق الأطفال المقدسيين ممن هم دون سن 18 عام، وتتركز أكثر بمن هم دون 14 عام، لأن القانون الإسرائيلي لا يجيز في بعض الأحيان تنفيذ الحبس الفعلي بحق الأطفال دون 14 عام، فيبقونهم بالحبس المنزلي خلال إجراءات المحاكمة التي قد تستغرق وقتاً طويلاً، وذلك إلى حين بلوغهم هذا السن فحينها يستطيعون إيقاع عقوبة الحبس الفعلي بحقهم، دون احتساب مدة السجن البيتي حتى وإن استمرت لسنوات. ووفقا للإحصاءات الصادرة عن "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" فقد كان عدد الأطفال المقدسيين الذين صدرت بحقهم أحكام بالحبس المنزلي (120) طفلا في العام 2019 و (90) طفلا في العام 2018 و(95) طفلًا خلال عام 2017، و(78) طفلًا خلال العام 2016م، و(60) طفلًا خلال العام 2015.

الطفل الفلسطيني المقدسي علي  قنيبي هو أحد ضحايا هذه السياسية، وهو من حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، اعتُقل منذ أكثر من خمسة شهور، بتهمة الاعتداء على سيارة مستوطن، ومدد اعتقاله لأيام ثم أفرج عنه شرط الإقامة الجبرية في منزله.

يقول الطفل: "إن النافذة أصبحت متنفسه الوحيد حيث لا يمكنه حتى مشاركة أصدقائه باللعب، مؤكداً على أنه محروم من الخروج لفناء منزله ومن الذهاب حتى لمدرسته إلا بتصريح رسمي من قبل الاحتلال بعد مرور أربعة أشهر من حبسه بأن يذهب للمدرسة مع مرافقة أحد من عائلته".وعبر والد القنيبي أن الحبس المنزلي يعتبر سياسة جائرة وأنهم كعائلة هم داخل عقاب جماعي، مما جعلهم كسجانين لحماية طفلهم من السجن الفعلي، ولا يمكنهم من ممارسة حياتهم بالشكل الطبيعي.وبين أن العائلة تواجه شبح التهجير من منزلها لصالح الجمعيات الاستيطانية في حي الشيخ جراح، كما هو واقع 40 عائلة أخرى مهددة بالتهجير من بيوتهم في ظل وجود قوات الاحتلال.

من الطبيعي أن يتمتع الأطفال بجميع الحقوق لكافة بني البشر التي نصَّ عليها ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين، إضافة إلى الحقوق الخاصة بهم التي نظمتها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وما سبقها من مواثيق وإعلانات دولية أكدت على أهمية وجود رعاية خاصة للطفل، مثل إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924، وإعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20/11/1959، والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ولا سيما في المادتين 23 و 24)، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ولا سيما في المادة 10)، وفي النظم الأساسية والصكوك ذات الصلة للوكالات المتخصصة والمنظمات الدولية المعنية بشؤون الطفل. إضافة إلى أحكام "الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني"، وإلى قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بكين)، وإلى الإعلان بشأن حماية النساء والأطفال أثناء الطوارئ والمنازعات المسلحة.

ويوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني مساحة واسعة لضمان حرية الأطفال وتمتعهم بالحماية والأمن والكرامة، وضمان عدم التعرض لهم وحفظ حقوقهم حتى في ظل النزاعات المسلحة، وهذا ما تؤكد عليه اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكولاتها الاختيارية، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977. تؤكد اتفاقية حقوق الطفل في المادة 37 (أ): "تكفل الدول الأطراف: "(أ) ألا يتعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.. “. وتنص الفقرة (ب) على أنه "لا يجوز حرمان أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية". كما تؤكد المادة كذلك أنه في حالة الاعتقال (كحالة استثنائية) فإنَّه "يجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقاً للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كتدبير أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة". والفقرة (د): "يكون لكل طفل محروم من حريته الحق في الحصول بسرعة على مساعدة قانونية وغيرها من المساعدة المناسبة، فضلا عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة أو سلطة مختصة مستقلة ومحايدة أخرى".

ان الحبس المنزلي للأطفال الفلسطينيين من قبل سلطات الاحتلال يتناقض مع جميع هذه الحقوق التي يكفلها لهم القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، وتتحمل سلطات الاحتلال المسؤولية الدولية عن ارتكاب هذه الجريمة ضد الانسانية، وعلى المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية لوقف هذهالجريمةالخطيرة التي تمس حقوق الأطفال الفلسطينيين، ومحاسبة مرتكبيها لدى القضاء الجنائي الدولي، وخصوصا لدى المحكمة الجنائية الدولية، حتى لا يفلت مرتكبيها من العقاب.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

جهود إسرائيلية

لتشويه لجنة التحقيق الدولية

المحامي علي أبو هلال

 

منذ تشكيل لجنة التحقيق الدولية في مجلس حقوق الانسان، في شهر أيار الماضي في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تواصل حكومة الاحتلال جهودها المحمومة من أجل تشويه سمعة اللجنة، وأفشال عملها لمنعها من مباشرة التحقيق في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال في قطاع غزة والقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. حيث أفاد موقع "والا" الإسرائيلي بأن وزارة الخارجية الاسرائيلية تخطط لإطلاق حملة تعتيم وابتزاز ضد لجنة التحقيق الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في أعقاب عملية "حارس الأسوار".

وبحسب الموقع، ستعمل وزارة الخارجية الإسرائيلية على تأجيل أو منع اتخاذ قرارات باللجنة، وستزيد من حدة الحملة ضد اللجنة التي ستجتمع في شهر مارس المقبل، مشيرا إلى أن "المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بقلق بالغ من أن التقرير الذي قدمته اللجنة في يونيو الماضي الذي تضمن بعض الإشارات إلى إسرائيل كدولة فصل عنصري". وقال الموقع إن "إشارة كهذه من هيئة محمية تحت مظلة الأمم المتحدة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي للغاية على مكانة إسرائيل، وصورتها بين الجماهير الليبرالية في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى"، ويقول رئيس قسم المنظمات الدولية في الخارجية الإسرائيلية أمير فايسبرود، أن "هدفنا الرئيسي هو نزع الشرعية عن اللجنة وأعضائها وقراراتها، لمنعها أو تأخير اتخاذها المزيد من القرارات.

وقالت الخارجية الإسرائيلية في برقيات أرسلت الى السفارات الإسرائيلية إنها لن تتعاون مع اللجنة لأنها لجنة من طرف واحد واعضائها ضد إسرائيل وانه يجب رفع الشرعية عنها وعن أعضائها. علما أن حكومات إسرائيل عملت بالماضي ضد أعضاء اللجان التي شكلت للتحقيق في جرائم إسرائيل، وعملت على ابتزازهم وتشويه سمعتهم الشخصية وفي حالات كثيرة اتهموا بمعاداة السامية وكراهية اليهود.

وما يزيد قلق حكومة الاحتلال وفقا ل "معهد أبحاث NGO Monitor الإسرائيلي،  أن أعضاء لجنة التحقيق هم من كبار مسؤولي الأمم المتحدة المناهضين للاحتلال الإسرائيلي وممارساته غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتترأس اللجنة "نافي بيلاي من جنوب أفريقيا والتي شغلت موقع مفوض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بين عامي 2008-2014 وتشغل حاليًا منصب قاضية في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وكانت مسؤولة سابقًا عن تشكيل أربع لجان للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية ، من بينها نشر تقرير غولدستون للتحقيق  بالعدوان الإسرائيلي  في عملية الرصاص المصبوب في غزة عام 2008. وقد صادقت "بيلاي أيضا على تعيين الناشط المناهض للاحتلال الإسرائيلي، ريتشارد فولك مبعوثًا خاصًا للشؤون الفلسطينية، وتقول آن هرتسبرغ، المستشارة القانونية لمرصد المنظمات غير الحكومية في معهد NGO Monitor الإسرائيلي، "بيلاي واحدة من أكثر الشخصيات المعادية لإسرائيل في مجلس حقوق الإنسان خلال فترة ولايتها، وبصفتنا منظمة استشارية، وبناءً على عدد من الدراسات الحديثة، نعتقد أن هدف هذه اللجنة المشكلة حديثاً هو إنتاج دليل يمكنه إثبات أن إسرائيل دولة فصل عنصري، كجزء من التحرك قبل المحكمة الجنائية الدولية". وأضافت أن "عضوا آخر في اللجنة له ماضٍ مناهض لإسرائيل هو عضو الأمم المتحدة ميلون كوتاري، مهندس معماري هندي، تمكن قبل 20 عامًا من دخول إسرائيل تحت ستار زيارة أكاديمية لكتابة تقرير مناهض لإسرائيل بالتعاون مع العديد من المنظمات المتطرفة.

وأشارت إلى أن "العضو الثالث في اللجنة هو كريس سيدوتي من أستراليا، الذي عمل على مدار خمسة عشر عامًا الماضية مع منظمات فلسطينية، تزود الأمم المتحدة بمعلومات أحادية الجانب حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويمكن وصفه بأنه عضو مقرب وحليف للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان".

وما يثير قلق حكومة الاحتلال أن "هدف اللجنة الأممية هو رصد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين على أساس الهويات القومية والعرقية والدينية، لاسيما خلال أحداث مايو الأخير، والطلب منها تقديم تقرير إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو 2022".

يتضح أن الجهود الإسرائيلية المحمومة لتشويه سمعة لجنة التحقيق الدولية وأعضائها ستستمر وستزداد حدة خلال الأشهر القادمة، ظنا أن جهودها ستنزع الشرعية عن هذه اللجنة الدولية التي تشكلت باردة دولية في مجلس حقوق الانسان، ولكن حتما ستفشل حكومة الاحتلال من تحقيق هذه الغاية، لكنها ربما تستطيع أن تعرقل عمل اللجنة في التحقيق في انتهاكات الاحتلال وجرائم الحرب التي ارتكبتها في العدوان الأخير على قطاع غزة، وفي القدس والأراضي الفلسطينية عام 1948 وغيرها من الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما فعلت مع لجان التحقيق الدولية الأخرى التي تشكلت لهذا الغرض خلال السنوات الماضية، لكن ستجد هذه اللجنة وسائل كثيرة للتحقيق في جرائم الاحتلال المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، رغم المعيقات الإسرائيلية، وستنشر تقريرها الذي سيدين الاحتلال بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، ويبقى الجهد الأهم في هذا الموضوع، هو محاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين الذي ارتكبوا هذه الجرائم وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية، فجرائم الحرب لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن، ومن هنا ينبغي مواصلة الجهد الفلسطيني والجهد الدولي لتحقيق هذه الغاية، وهذه ما تخشاه حكومة الاحتلال وستعمل على عرقلته.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

الحرية للمعتقل الإداري

المريض الطفل أمل نخله

 

* المحامي علي أبوهلال

 

أعلن الطفل الفلسطيني أمل نخله في التاسع عشر من شهر كانون الثاني 2022 الجاري عن مقاطعته لمحكمة الاحتلال المختصة بالإداري، وامتنع عن حضور جلسة تثبيت اعتقاله إداريا، بعد تمديده للمرة الثالثة على التوالي منذ اعتقاله مطلع العام الماضي (21/1/2021)، حيث أصدر الحاكم العسكري أمراً بتجديد اعتقاله إدارياً قبيل يوم ميلاده ال 18، ليتجاوز سن الطفولة ويبلغ الرشد داخل سجون الاحتلال في ظل معاناته من مرض مزمن وخطير (الوهن العضلي الشديد). وحسب منظمة "هاموكيد" الإسرائيلية غير الحكومية، كان هناك 6 فتيان محتجزين في سبتمبر/أيلول الماضي من دون تهمة أو محاكمة أو إمكان الاطلاع على الأدلة التي جمعتها الأجهزة الأمنية ضدهم، وأمل واحد من هؤلاء.

 أبلغ "نخلة" محاميه "الذي لم يحضر الجلسة أيضاً" عبر رسالة، بمقاطعته محاكم الاحتلال، كونها " غير قانونية، ولا يؤمن بها"، منسجماً بذلك مع الخطوة الجماعية التي أعلنها المعتقلون الإداريون في سجون الاحتلال بمقاطعة المحاكم العسكرية، احتجاجاً على احتجازهم دون تهم أو محاكمة استناداً إلى ملف سريّ، وتمديد اعتقالهم باستمرار، دون تحديد موعد للإفراج عنهم ما يضاعف معاناتهم النفسية في سجون الاحتلال، حيث يبقى مصيرهم مجهولاً.

 ويذكر أن المعتقلين إدارياً في سجون الاحتلال (حوالي 500 معتقل) أعلنوا مقاطعتهم لمحاكم الاحتلال المختصة بالأوامر الإدارية بداية العام الحالي 1/1/2022، لوقف سياسة الاعتقال الإداري.

حذر والد الطفل الأسير أمل النخلة، من تعرض ابنه المعتقل داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي على بند الاعتقال الإداري من استشهاده بأي لحظة، بسبب الأزمة الصحية الخطيرة التي ألمت به سابقًا، وفي ظل تعمد الاحتلال بعدم تقديم العلاج اللازم له.

 يعاني الطفل أمل البالغ من العمر (17 عاما) من مرض مناعي ذاتي مزمن ينجم عنه صعوبة في التنفس وبلع الطعام وتحريك العضلات، مشيرًا إلى أنه لم يتلق اللقاح ضد فيروس كورونا، وهناك خطر عليه من الإصابة بعدوى (كوفيد-19)، الأمر الذي قد يزيد من خطورة وضعه الصحي المتردي. وذكر النخلة: إن "قوات الاحتلال اعتقلت ابنه أربع مرات كان آخرها العام الماضي بدون توجيه تهمه له، وهو الآن يتواجد في سجن عوفر سيء السيط"، محملاً سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة أمل وتدهور حالته الصحية". وقال والد الطفل المعتقل من مخيم الجلزون في الضفة المحتلة: إنه "لا يوجد اتصال للاطمئنان على صحة أمل، كما ترفض مصلحة سجون الاحتلال إدخال الدواء والعلاج اللازم إليه".

وطالب من جميع المؤسسات الدولية والمعنية بضرورة الضغط على الاحتلال للأفراج عن نجله أمل بدون شروط، علما أنه عولج من سرطان الغدة الزعترية وأزيل ورم من قفصه الصدري في منتصف عام 2020.

 أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" بيانا طالبت فيه المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل من أجل الإفراج عن الطفل الفلسطيني المريض المعتقل، بما ينسجم مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان، واستنادا لاتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها إسرائيل، التي تؤكد أن "احتجاز الأطفال هو الملاذ الأخير... لكل طفل يُحرم من حريته الحق في الحصول على المعلومات القانونية وغيرها من الإجراءات المساعدة الملائمة وبشكل فوريّ، وكذلك الحق بالطعن في شرعية حرمانه من حريته، أمام محكمة أو سلطة أخرى مختصة ومستقلة ومحايدة، واتخاذ قرار سريع بشأن أي إجراء من هذا القبيل".

 يواجه الأطفال الفلسطينيون مثلهم مثل البالغين، الاعتقال والمحاكمة والسجن في ظل نظام اعتقال عسكري يحرمهم من حقوقهم الأساسيّة. ويُطبق الاحتلال القانون العسكري على الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 1967، ويعطي القانون العسكري للمحاكم العسكرية سلطة محاكمة أي شخص موجود داخل الأراضي المحتلة طالما كان عمره 12 عاماً أو أكبر، وعلى الرغم من أنّ "إسرائيل" قد صادقت على العديد من المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، ونتيجة لذلك، ألزمت نفسها بالتصرف وفقا لتلك المعاهدات، إلّا أنّها تتجاهل باستمرار القانون الدولي ولم تمتثل له.

الطفل الفلسطيني أمل نخله ابن مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين، المعتقل الإداري بما يخالف القانون، ومبادئ حقوق الانسان، والقانون الإنساني الدولي، يعاني من مرض خطير يعرض حياته للخطر الشديد، ويتعرض أيضا لسياسة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال، ولا يجد العلاج الصحي المناسب، يستصرخ الضمير العالمي، وكافة المنظمات الدولية والإنسانية، إلى التدخل العاجل لدى حكومة وسلطات الاحتلال، من أجل الإفراج عنه فورا وبدون شروط، لإنقاذ حياته وتأمين العلاج الطبي الملائم له خارج السجن.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

25-1-2022

 

 

 

نجوم هوليوود يعلنون دعمهم

لفلسطين ويعتبرون إسرائيل عنصرية

المحامي علي أبو هلال

في أطار ردود الفعل الدولية لمشاهير الفن والسينما على سياسات وحكومة الاحتلال الإسرائيلية العنصرية التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني، أعلن أكثر من 40 من نجوم هوليوود انضمامهم الى جانب نجمة افلام "هاري بوتر" إيما واتسون، وأصدروا بيانا مشتركا لدعم فلسطين، وتضم قائمة المشاهير من الممثلين الموقعين على رسالة التضامن مع الشعب الفلسطيني نجوما كبارا ومعروفين بينهم: سوزان ساراندون ومارك روفالو وجايل جارسيا برنال وبيتر كابالدي وماكسين بيك وفيجو مورتنسن وستيف كوجان وتشارلز دانس وهارييت والتر.

وقال الفنانون في رسالتهم: "ننضم إلى إيما واتسون لدعم العبارة البسيطة بأن" التضامن هو فعل "، بما في ذلك التضامن الهادف مع الفلسطينيين الذين يكافحون من أجل حقوقهم الإنسانية بموجب القانون الدولي. نحن نعارض الظلم في أي مكان في العالم ونقف مع كل الذين يسعون إلى إنهاء الاضطهاد ".

وتقول الرسالة ان الموقعين "ان هناك اختلال في توازن القوة الكامن بين إسرائيل القوة المحتلة، والفلسطينيين كشعب خاضع لنظام الاحتلال العسكري والفصل العنصري، كما وصفته منظمتي هيومن رايتس ووتش وبتسيلم منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية ومن قبل خبراء حقوقيين فلسطينيين ودوليين ".

وقد أعربت الممثلة العالمية إيما واتسون، أوائل شهر كانون الثاني/ يناير الجاري عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، مثيرة بذلك ردود فعل إسرائيلية غاضبة، وأعادت الممثلة البريطانية التي اشتهرت بتجسيد دور هيرميون غرينجر، في سلسلة أفلام "هاري بوتر"، نشر تدوينه تضامنية مع الشعب الفلسطيني، لناشطة تدعى سارة أحمد، على حسابها في تطبيق أنستغرام، ويذكر أن للممثلة البريطانية، المولودة في فرنسا 64.2 مليون متابع، على حسابها في أنستغرام ويظهر في التدوينة، صورة لعشرات الفلسطينيين وعليها عبارة "التضامن فعل" وأعلن بيان كبار النجوم تضامنه مع ما نشرته النجمة واتسون مطلع الشهر الحالي على صفحتها على موقع انستغرام حين شاركت عبارة تقول: "التضامن هو فعل" مكتوب على صورة لمتظاهرين التقطوا في مسيرة متضامنة مع فلسطين.

وتعرضت النجمة نتيجة لذلك لحملة إسرائيلية غاضبة، حيث انتقد جلعاد إردان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، منشور واتسون الذي غرد: "قد تنجح الرواية في هاري بوتر لكنها لا تعمل في الواقع." كما اتهمها داني دانون، السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، بـ "معاداة السامية".

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد قد قال إن إسرائيل ستواجه حملات مكثفة لتسميتها دولة فصل عنصري "أبارتايد" في عام 2022، وأضاف خلال لقاء صحفي عبر تقنية زووم مع صحفيين إسرائيليين: "نعتقد أنه في العام المقبل، سيكون هناك نقاش غير مسبوق حول عبارة (إسرائيل كدولة فصل عنصري).

السياسة العنصرية الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، والتي تأخذ أشكال عديدة من العنف والقمع والتنكيل والتمييز والاضطهاد القومي، الممعنة في العداء السافر والكراهية والحقد ضد الفلسطينيين، تزداد حدة وعنف واتساعا، لتشمل كل الفلسطينيين، بكافة فئاتهم الاجتماعية، على امتداد الوطن.

وشملت خلال الأيام القليلة الماضية المصادقة على قانون شاكيد لمنع لم الشمل الذي يحرم عشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية من حقها الطبيعي في لم الشمل الذي يكفله لها قواعد ومبادئ حقوق الانسان، حيث صادقت اللجنة الوزارية للتشريع، على مشروع قانون صاغته وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أييليت شاكيد، ويحظر لم شمل العائلات الفلسطينية، وقدمت وزيرة الداخلية، شاكيد، مقترح قانون "المواطنة" للمصادقة عليه من قبل اللجنة الوزارية للتشريع، وذلك قبل أن يتم تحضيره وعرضه على الكنيست للتصويت.

ومن مظاهر السياسة العنصرية لحكومة الاحتلال قيام الشرطة الإسرائيلية، باستخدام العنف بالضرب وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرة حاشدة للفلسطينيين البدو في مفرق سعوة - الأطرش في النقب، احتجاجا على ما تتعرض له القرية البدوية الفلسطينية من سياسة التشريد والتهجير، كونها مسلوبة الاعتراف من حكومة الاحتلال، واحتجاجا على تجريف وتحريش أراضها من قبل السلطات الإسرائيلية، ورفضا للاعتقالات، واقتحامات المنازل، وقمع احتجاجاتهم ضد سلب أراضيهم، وقد أصيب في المظاهرة عشرات الفلسطينيين البدو من الأطفال والشيوخ والنساء والشباب بإصابات بالغة، من جراء هجوم الشرطة عليهم بوحشية بوسائل مختلفة فتاكة، لكونهم فلسطينيين، رغم أن المظاهرة كانت سلمية  ومرخصة.

كما شملت هذه السياسة الجريمة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الشهيد المسن عمر عبد المجيد أسعد (80 عامًا)، من بلدة جلجليا شمال رام الله، بعد أن اعتقلته واحتجزته مكبلاً واعتدت عليه وتركته مع أربعة مواطنين آخرين في منزل قيد الانشاء في البلدة دون أي مبرر، وتعتبر جريمة قتل المسن، امتداد لهمجية قوات الاحتلال وجرائمها، سواء في اقتحامها البلدات والقرى الفلسطينية في ساعات متأخرة من الليل، أو ترهيبها المواطنين المدنيين العُزل الآمنين في منازلهم بمن فيهم المرضى وكبار السن والاطفال، أو عمليات القمع والتنكيل واستباحة حياة المواطن الفلسطيني الأعزل.

ويتعرض الفلسطينيون في القدس المحتلة لسياسة التهجير والتطهير العرقي التي تمارسها حكومة الاحتلال والمستوطنين، والتي تتمثل في هدم منازلهم واخلائهم منها، لتمكين المستوطنين من الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني وبما يتعارض مع القانون الدولي الإنساني، ومبادئ حقوق الانسان.

إن مجمل هذه السياسات الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين وغيرها من أعمال القتل، والاعدام الميداني خارج القانون، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية غير القانونية، وأعمال القمع والتنكيل الأخرى، تندرج في إطار سياسة التطهير العرقي والتمييز العنصري، والتي أصبحت سياسة رسمية لحكومة الاحتلال.

وقد أكد نجوم هوليوود رفضهم لهذه السياسة العنصرية ودعمهم لنضال الشعب الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال، ومن أجل انتزاع حريتهم وحقهم في الاستقلال وتقرير المصير، كما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، داعين نجوم هوليوود بعد رفضهم الشجاع لهذه السياسة العمل على مقاطعة إسرائيل اعمالا لمقولة "التضامن هو فعل".

وسوف تشهد الشهور والسنوات القادمة أشكال أخرى من الإدانات الدولية لسياسة الاحتلال العنصرية، ضد الشعب الفلسطيني، مترافقة مع تعزيز أشكال التضامن الدولي الشعبي والأهلي، لنضال الشعب الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال، ومن أجل حريته واستقلاله، ولن تفيد حكومة الاحتلال محاولات وقف أشكال التضامن الدولي من خلال وسمها بأنها معادية للسامية، فقد انكشفت حقيقة حكومة الاحتلال العدوانية، وسياستها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، وسوف تزداد أشكال التضامن الدولي مع نضال الشعب الفلسطيني، الذي سيكون له أثر كبير في إنهاء الاحتلال كما أنتهي نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وكما انتهت كل النظم والسلطات والحقب الاستعمارية والمحتلة.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

أنقذوا حياة الأسير ناصر

أبو حميد قبل فوات الأوان

 

* المحامي علي أبوهلال

تمكنت عائلة أبو حميد يوم الجمعة 7/1/2022 من زيارة ابنها ناصر القابع حاليا في غرفة العناية المكثفة في مستشفى "برزلاي" الاسرائيلي، بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال وإدارة السجون، وعند دخول العائلة الى غرفة العناية المكثفة طالبها السجانون بالبقاء بعيدا عن غرفة ناصر، ولم يسمحوا لهم بالاقتراب منه، لكن العائلة رفضت وطالبت بأن تتأكد أنه نجلها بالفعل، وبالكاد تمكنت والدته وشقيقه من التعرف عليه وهو مستلقٍ على بطنه، ورأسه متصل بأنابيب، وأوضحت العائلة أن الطبيب المشرف على ناصر شرح لها خطورة وضعه الصحي وأنهم يعملون للسيطرة على الالتهاب الحاد الذي أصاب رئتيه، وأفادت عائلة الأسير المريض ناصر أبو حميد، أن الطبيب المشرف على حالة ابنها أكد إصابته بالتهاب حاد بالرئتين نتيجة تلوث جرثومي أدى لانهيار عملها، وضرب جهاز المناعة لديه، ما أدى لدخوله في غيبوبة.

وكان الأسير ناصر أبو حميد قد أصيب بمرض السرطان الخبيث في ظل سياسة الاهمال الطبي المتعمدة، التي تمارسها سلطات سجون الاحتلال ضد الأسرى، وقد أجرى أطباء مشفى "برزلاي" الصهيوني في وقت سابق، عملية جراحية للأسير ناصر أبو حميد من مُخيّم الأمعري للاجئين الفلسطينيين، لإزالة ورم من الرئة اليسرى وقص ١٠ سم من الرئة ذاتها لوجود تلف فيها، وذلك جرّاء سياسة الإهمال الطبي.

يُذكر أنّ الأسير أبو حميد من مُخيّم الأمعري، وهو من بين خمسة أشقاء يواجهون الحكم مدى الحياة في سجون الاحتلال، وقد كان الاحتلال اعتقل أربعة منهم عام 2002 وهم: نصر، وناصر، وشريف، ومحمد، إضافة إلى شقيقهم إسلام الذي اُعتقل عام 2018، ولهم شقيق سادس شهيد وهو عبد المنعم أبو حميد، كما أن بقية العائلة تعرضت للاعتقال، وحُرمت والدتهم من زيارتهم لسنوات، وفقدوا والدهم خلال سنوات اعتقالهم، كما وتعرّض منزل العائلة للهدم خمس مرات، كان آخرها عام 2019

إنّ ما يتعرّض له الأسير أبو حميد، هو جزء من سياسة الإهمال الطبي الممنهجة، التي يعاني منها المئات من الأسرى المرضى، والتي تندرج ضمنها العديد من سياسة القمع والتنكيل والتعذيب التي تمارسها سلطات سجون الاحتلال ضد الأسرى، حيث تواصل سلطات الاحتلال تحويل حاجة الأسير للعلاج إلى أداة تنكيل ومماطلة لسنوات حتى يصل لمراحل خطيرة من المرض والوهن، عدا عن عملية تقييدهم في المستشفيات، ونقلهم عبر عربة "البوسطة" التي تُشكّل رحلة عذاب تضاعف من معاناة الأسير المرض.

وقد أدت سياسة الإهمال الطبي التي تمارس ضد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال إلى وفاة عدد كبير منهم، وتفيد المؤسسات الفلسطينية المعنية بالأسرى، أن عدد الأسرى المرضى قد بلغ في نهاية العام الماضي، حوالي 600 أسيرًا، بينهم 4 أسرى مصابون بالسّرطان، و14 أسيرًا على الأقلّ مصابون بأورام بدرجات متفاوتة، بينهم الأسير فؤاد الشوبكي (81 عامًا)، وهو أكبر الأسرى سنًّا.

وصل عدد شهداء الحركة الأسيرة بحسب تقرير المؤسسات إلى 227 شهيدًا، عقب استشهاد سامي العمور نتيجة لجريمة الإهمال الطبّي المتعمّد خلال العام الماضي، إضافة إلى مئات من الأسرى المحرّرين الذين استشهدوا نتيجة أمراض ورثوها من السّجن ومنهم الشّهيد حسين مسالمة خلال عام 2021.

إن حالة الخطر الشديد التي يعيشها الأسير ناصر أبو حميد تثير القلق البالغ لدى عائلته، ولدى أبناء الشعب الفلسطيني، ولدى المؤسسات الحقوقية المعنية بشؤون الأسرى، بسبب سياسة الإهمال الطبي الذي تعرض لها، ولا يزال يتعرض لها حتى الآن، وهذه الحالة تنذر بوفاة الأسير أبو حميد إذا ما تأخر الافراج عنه، وإذا لم يتلقى العلاج المناسب والضروري، خارج السجن وبأسرع وقت ممكن.

ومن هنا ينبغي تصعيد وتوسيع الفعاليات الجماهيرية والشعبية والوطنية، للضغط على سلطات الاحتلال، مترافقة مع سرعة التدخل من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية، وتوسيع حملات التضامن الدولية، من أجل الافراج الفوري عن الأسير ناصر أبو حميد، وتوفير العلاج الطبي اللازم له، من أجل إنقاذ حياته.

وتتحمل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسير ناصر أبو حميد، وستكون هي مسؤولة جنائيا عن وفاته، وتتحمل تبعات ذلك على كافة المستويات، بسبب سياسة الإهمال الطبي، التي مارستها بحقه خلال الأشهر الطويلة الماضية، والتي أدت إلى دخوله الآن في غيوبة كاملة، كما يتحمل المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة المسؤولية أيضا، لتأخرهما في ممارسة الضغط الفعلي على حكومة الاحتلال، لوقف سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها بحق الأسرى منذ سنوات طويلة، بما يخالف القانون الدولي الإنساني، وتحديدا اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1049 الخاصة بحقوق الأسرى.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 أسرى الاداريون

يقاطعون محاكم الاحتلال

 

* المحامي علي أبوهلال

 

في خطوة نضالية جماعية ضد الاعتقال الإداري، أعلن الأسرى الإداريون في سجون الاحتلال الاسرائيلي يوم السبت الماضي، عن مقاطعة شاملة للمحاكم الإسرائيلية الخاصة بالاعتقال الإداري ابتداء من تاريخ 1/1/2022، بكافة مستوياتها العليا والاستئناف والبداية. وأوضحت لجنة تمثّل مجموع الأسرى الإداريين، في بيان صحفي، أنّ قرارها جاء بالتنسيق مع جميع الهيئات التنظيمية لفصائل العمل الوطني والإسلامي.

وبيّنت أنّ "الخطوة مُلزمة وعامة"، وقد جرى التنسيق لها أيضًا مع هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير والمؤسسات ذات العلاقة، داعية المؤسسات القانونية والمحامين كافة، لدعمهم عبر مقاطعة محاكم الاحتلال فيما يتعلق بالاعتقال الإداري، مع الإشارة إلى الجبهة القانونية التي تشكلت في هذا الإطار.

وذكرت أنّ مشروع المقاطعة الشاملة للمحاكم يبدأ بشكله الاستراتيجي والذي سَتراكِم فيه كل الجهود التي بُذِلت على مر السنوات، مؤكّدة المضي خلال الأشهر القادمة، نحو الاستعداد لخوض الإضراب الجماعي المفتوح عن الطعام، في حال لم يستجيب الاحتلال لمطالبهم العادلة والمُنسجمة مع الأعراف والقوانين الدولية.

ودعت أبناء شعبنا في كل أماكن تواجده وقواه وفصائله الوطنية والإسلامية والنقابات والاتحادات الطلابية والعمّالية والمهنية والحرَاكات المختلفة، للاستعداد الكامل ودعم مشروعهم الوطني لصد هجمة المحتل ورفع يده المُسلَّطة عبر الاعتقال الإداري، والتي باتت تستهدف أي حراك أو كلمة أو وقفة شعبية وجماهيرية تُناهض الاحتلال. كما وجّهت رسالة إلى كل شعوب العالم الحُرَّة، وإلى كل دول العالم والمؤسسات الدولية والحقوقية بنصرة قضيتهم العادلة، ووقف "مقصلة الاعتقال الإداري" المُسلَّطة على رِقابهم، مطالبة بمحاصرة المحتل وضبَّاطه وقضاة الموت في محاكمه العسكرية الظالمة.

وتأتي مقاطعة الأسرى الاداريون لمحاكم الاحتلال، في بداية العام 2022 في ظل ظروف قاسية تعيشها الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، حيث أفادت مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان، بأن عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال بلغ حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي نحو 4600 أسير، منهم 34 أسيرة بينهم فتاة قاصر، والأطفال والقاصرين نحو 160 طفلًا، والمعتقلين الإداريين نحو 500، والمعتقلين النواب 9 معتقلين. والأسرى المرضى في السجون وصل إلى نحو 600 أسيرًا، بينهم 4 أسرى مصابون بالسّرطان، و14 أسيرًا على الأقلّ مصابون بأورام بدرجات متفاوتة، بينهم الأسير فؤاد الشوبكي (81 عامًا)، وهو أكبر الأسرى سنًّا. ووصل عدد شهداء الحركة الأسيرة بحسب تقرير المؤسسات إلى 227 شهيدًا، عقب استشهاد سامي العمور نتيجة لجريمة الإهمال الطبّي المتعمّد خلال العام الماضي، إضافة إلى مئات من الأسرى المحرّرين الذين استشهدوا نتيجة أمراض ورثوها من السّجن ومنهم الشّهيد حسين مسالمة خلال عام 2021. ولفت التقرير إلى أنّ عدد الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد مدى الحياة وصل إلى 547 أسيرًا، ومنهم أربعة أسرى صدرت بحقّهم أحكام بالمؤبّد خلال عام 2021. وبينت أن عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1993 هو 25 أسيرًا وأقدمهم الأسيران كريم يونس وماهر يونس المعتقلان منذ يناير 1983، كما أنّ الأسير نائل البرغوثي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، حيث دخل عامه الـ42 في سجون الاحتلال، منها 34 عامًا بشكل متواصل.

وتتزامن خطوة مقاطعة الأسرى الإداريين لمحاكم الاحتلال مع نشر تقرير طبي صادر عن أطباء لحقوق الإنسان، يؤكد أن المعتقل الاداري هشام أبو هواش المضرب عن الطعام منذ أكثر من 140 يوما، يواجه احتمالية الوفاة المفاجئة، وأنّه في حالة حرجة للغاية. وأكد أطباء لحقوق الإنسان في تقريرهم إلى البديهيات الطبية العالمية والمحلية أن المعتقل الذي يتجاوز إضرابه اليوم الـ 55، عمليا هو بحالة مواجهة للموت الفجائي، ويجب أن يبقى في مستشفى "أساف هروفيه". في الوقت الذي دعا فيه أطباء المستشفى الى إعادة الأسير إلى السجن وهو في هذه الحالة الصحية الحرجة والصعبة، وفي إطار حملة الدعم والتضامن الدولي مع المعتقلين الإداريين دعا التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين في نداء له، كافة المؤسسات الحقوقية الدولية، والبرلمانيين الأوروبيين، والقوى والحركات المناصرة للأسرى الإداريين، إلى الضغط على حكومة الاحتلال من أجل الغاء الاعتقال الإداري غير القانوني والعمل من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين الإداريين المحتجزين بشكل غير قانوني. ويتطلع المعتقلون الاداريون إلى دعم موقفهم بمقاطعة محاكم الاحتلال، التي تعتبر جزء من منظومة الاحتلال، توفر الغطاء القانوني لإجراءاته غير القانونية ضد الأسرى، والذي قد يعقبها إضراب شامل لهم لوقف الاعتقال الإداري وضمان تحررهم من الأسر.

وتبقى هذه المواجهة المفتوحة التي يخوضها الآن الأسرى الاداريون بمقاطعتهم لمحاكم الاحتلال، التي أعقبت سلسلة من الإضرابات عن الطعام لعدد منهم، والمستمرة حتى الآن بإضراب الأسير هشام أبو هواش المهدد بخطر الموت، اختبار جدي وتحدي كبير للأسرى في سجون الاحتلال، وجماهير شعبنا، وقواه ومؤسساته الوطنية والجماهيرية والحقوقية من جهة، وسائر حركات التضامن الدولية مع الأسرى، للانتصار في هذه المعركة المفتوحة ضد الاحتلال، من أجل وقف سياسة الاعتقال الإداري وإطلاق سراح المعتقلين الإداريين.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

تعليمات جديدة لجيش الاحتلال

تسمح بإعدام وقتل الفلسطينيين

* المحامي علي أبوهلال

 

قتل الفلسطينيين واعدامهم أصبحت سياسية رسمية ومشروعة من قبل حكومة الاحتلال، ولا تخضع لأي اعتبارات ومسوغات قانونية، ولا تتم وفق مبدأ التناسب التي نصت عليه قواعد القانون الدولي الإنساني، ومبادئ الشرعة الدولية لحقوق الانسان، أو حتى قوانين الحرب بين الجيوش النظامية التي تخوض حروبا منظمة.

فقد أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم الاحد الموافق 19/12/ 2021، تعليمات متساهلة لجنوده بشأن فتح النار والضغط على الزناد في استهداف للشبان الفلسطينيين من ملقي الحجارة في الضفة الغربية المحتلة، بحسب ما كشفته هيئة البث الإسرائيلية ("كان 11"). وأفادت القناة الرسمية الإسرائيلية بأن جيش الاحتلال أتاح لجنوده إطلاق النار على الفلسطينيين ملقي الحجارة والزجاجات الحارقة، حتى بعد الانتهاء من عملية إلقاء الحجارة، وأثناء انسحاب الشبان من المكان. وذكر مراسل الشؤون العسكرية للقناة، روعي شارون، أن التعليمات الجديدة صدرت في الأسابيع الأخيرة وتم تعميمها في وثيقة مكتوبة على عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة. وأضاف أن التعليمات تنص على "وجوب إطلاق النار في منطقة القتال"، أي بعد الواقعة مباشرة.

صادق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، على تغييرات في تعليمات إطلاق النار في الجيش الإسرائيلي، في خطوة وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ"الدراماتيكية". ورحب رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، بتغيير تعليمات إطلاق النار في الجيش، معتبرا أن التعليمات الجديدة "ستسمح للجنود بالدفاع عن أنفسهم". وقال بينيت إنه "يجب أن يكون جنود الجيش الإسرائيلي قادرين على الدفاع عن أنفسهم - وعنا جميعا" وادعى الجيش الإسرائيلي أن تغيير تعليمات إطلاق النار، جاء لاعتبارات عملياتية، ومن أبرز التعليمات الجديدة، السماح للجنود بإطلاق النار تجاه ملقي الحجارة بعد إلقاء الحجارة وأثناء انسحابهم أو فرارهم من المكان، وإطلاق النار تجاه أشخاص يحاولون سرقة سلاح جندي أو يدخلون إلى قواعد عسكرية أو مناطق إطلاق النار، بهدف سرقة سلاح أو ذخيرة.

وعملت شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي والنيابة العسكرية الإسرائيلية على إعداد التعليمات الجديدة، التي تم عرضها على المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، الذي أقرها بدوره.

ويتيح تغيير تعليمات إطلاق النار لعناصر الاحتلال، تنفيذ عمليات إعدام ميدانية ضد ملقي الحجارة، دون أن تتعرض قوات الاحتلال لخطر جدي تبرر إطلاق النار على ملقي الحجارة.

وزعمت قناة "11" العبرية الرسمية، أن تعليمات إطلاق النار السابقة، كانت تتيح للجنود، إطلاق النار على راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة، أثناء الحدث فقط، ووفق تقدير مدى الخطر الذي يهدد الجنود، لكن التعليمات الجديدة تتيح إطلاق النار، أثناء الحدث وحتى بعد انتهائه ودون تقدير مدى الخطر الذي يهدد حياة الجنود، ونقلت القناة عن جنود الاحتلال ترحيبهم بالقرار الذي سيُفضي إلى قتل الفلسطينيين، مطالبين بأن يكون هناك تنفيذ فعلي لهذه التعليمات في الميدان، "للقضاء على الإرهابيين العرب" وفق وصفهم.

اطلاق النار على المتظاهرين والمحتجين الفلسطينيين، كان سابقا يتم من قبل قوات الاحتلال بصورة تلقائية بدون تعليمات رسمية، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا والمدنيين العزل دون أن يتعرض جنود الاحتلال لخطر يهدد حياتهم ويبرر اطلاق النار من قبلهم باتجاه الفلسطينيين، واليوم أصبحت عمليات قتل واعدام الفلسطينيين سياسة رسمية ومشروعة من قبل حكومة الاحتلال وجيش الاحتلال، ما يؤدي إلى ارتفاع مضاعف لعدد الضحايا والقتلى الفلسطينيين المدنيين، وبما يحول هذه الحكومة وهذا الجيش إلى مجموعات إرهابية خارجة عن القانون، ويجعلها لا تتقيد بمبادئ الاشتباك والقتال الحربي التي يجب أن تتوافر أثناء الحرب بين الجيوش النظامية والقوات المتحاربة.

لا يجوز للجيوش والقوات المتحاربة الاستخدام المفرط للقوة وفقا لمبدأ التناسب الذي يجب أن تراعيه القوات المتحاربة في هجماتها العسكرية، وأن عدم تقيدها بقوانين الحرب يجعلها تنتهك القانون الدولي، ويحولها من جيش نظامي إلى مجموعات إرهابية ومنظمات خارجة عن القانون، وهذا هو حال قوات الاحتلال وقيادته العسكرية والسياسية، ويحولها إلى مجرمي حرب ينبغي أن يخضعوا إلى المحاسبة والمسائلة الدولية من قبل المجتمع الدولي، وهيئات الأمم المتحدة بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وسائر الهيئات الدولية ذات الصلة، التي تضطلع بمسؤولية الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، إعمالا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كما يجعلها مجرمي حرب ينبغي محاكمتهم أمام القضاء الجنائي الدولي، وخاصة لدى المحكمة الجنائية الدولية، فهل تستمر حكومة الاحتلال وقيادته العسكرية والسياسية سلطة فوق القانون، وهل يواصل جيش الاحتلال ارتكاب المزيد من جرائم القتل بحق المدنيين الفلسطينيين العزل، بغطاء ودعم كامل رسمي من حكومته وقيادته العسكرية، دون أن يضطلع المجتمع وهيئات الأمم المتحدة بمسؤوليتهما تجاء الجرائم التي ترتكبها حكومة وقوات الاحتلال باستخدام أكثر الأسلحة فتكا ودمارا  بحق شعبنا.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

 

لتتوقف الاعتداءات

الاسرائيلية على الأسيرات والأسرى

* المحامي علي أبوهلال

تواصل قوات الاحتلال وسلطات إدارات السجون اعتداءاتها على الأسرى والأسيرات، في انتهاك صارخ لكرامتهم ولحقوقهم التي تكفلها لهم اتفاقية جنيف الثالثة بشأن الأسرى لعام 1944، ولمبادئ الشرعة الدولية لحقوق الانسان.

وفي هذا الإطار تواجه الأسيرات عمليات تنكيل يومية منظمة، ومنها عمليات النقل المتكررة عبر “البوسطة”، عدا عن الظروف القاسية التي تفرض عليهن، والتي تبدأ منذ لحظة الاعتقال الأولى. علمًا أن قوات “النحشون” تُعتبر من أكثر القوات عنفًا، حيث سُجلت العديد من الاعتداءات بحقّ الأسرى والأسيرات خلال عمليات نقلهم، تسببت في بعض الحالات بإصابات بالغة في صفوف الأسرى والأسيرات. وعمليات النقل للأسرى هي جزء من عمليات التنكيل المنهجية التي ترافق الأسير خلال عملية نقله عبر “البوسطة”، والتي يسميها الأسرى بـ”رحلة العذاب”. كما يواصل الاحتلال منع زيارة الأسيرات منذ أكثر من 3 شهور بحجة عملية نفق الحرية وإصلاح غرفة الزيارة.

واعتدت قوات القمع الإسرائيلية “النحشون”، مساء يوم الخميس الماضي 16/12/2021، على أسيرة مقدسية، أثناء نقلها عبر “البوسطة”، خلال توجهها للمحكمة، وعزلت الأسيرات مرح بكير وشروق دويات ومنى قعدان وسط حالة من التوتر سادت سجن الدامون، دون معرفة الأسباب.

فيما أكد مكتب إعلام الأسرى أن عناصر شرطة السجن قاموا بعزل الأسيرات في سابقة خطيرة حيث انهن ممثلات الأسيرات أمام إدارة السجن، وهذا لم يحدث سابقاً ان تعزل الإدارة من تمثل الأسيرات.

الأسيرة "شروق دويات" من صور باهر بالقدس المحتلة، كانت اعتقلت بتاريخ 7/10/2015، بعد إطلاق النار عليها وإصابتها بالرصاص إصابة خطرة، ووجه لها الاحتلال تهمة محاولة طعن لمستوطن، وبعد عام ونصف من اعتقالها أصدرت بحقها محكمة الاحتلال حكما قاسياً بالسجن لمدة 16 عاماً، حيث تعتبر أعلى الأسيرات حكماً.

بينما الأسيرة مرح جودت بكير كانت اعتقلت في أكتوبر 2015 بعد إطلاق النار عليها وأصيبت في يدها اليسرى بعشر طلقات أدت إلى عدة كسور، نقلت على إثرها إلى مستشفى هداسا عين كارم، ومكثت فيه 22 يوما لتلقي العلاج مقيدة الأيدي والأرجل في سريرها، وأصدرت بحقها محكمة الاحتلال حكماً بالسجن لمدة 8 سنوات ونصف بحجة تنفيذ عملية طعن. ويذكر أن عدد الأسيرات في سجون الاحتلال بلغ حتى نهاية تشرين الثاني الماضي 32 أسيرة، يقبعن في سجن “الدامون”.

وشهدت سجون الاحتلال حالة من الغضب والتوتر الشديد على خلفية هذه الهجمة المنظمة من القمع والتنكيل التي تشنها إدارة السجون ضد الأسيرات، وسط حالة من الاستنفار بين صفوف الأسرى وإغلاق للأقسام في السجون، في حين يمتنع الأسرى عن الخروج من الغرف للفحص الأمني وينذرون بإجراءات تصعيدية أخرى. وقد حمّلت هيئات الأسرى إدارة سجون الاحتلال مسؤولية ما يجري بحق الأسيرات والأسرى، لافتة إلى أنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن أي عمل ممكن أن يحدث داخل السجون.

وأفادت مصادر إعلامية خاصة بالأسرى بأن الأسرى في السجون سيتخذون خطوات تصعيدية أخرى سيعلن عنها لاحقا في حال بقيت الأوضاع على ما هي عليه. وأوضحت هذه المصادر أن الأسرى يرتدون زي السجن تعبيرا على استعدادهم لأي طارئ في سجون الاحتلال على خلفية الهجمة الممنهجة التي تشنها إدارة السجون على الأسيرات.

إن الاعتداءات وعمليات التنكيل التي تنتهجها قوات الاحتلال وسلطات السجون ضد الأسرى والأسيرات هذه الأيام تتزامن مع تصويت الكنيست الإسرائيلي على ثلاثة قوانين ضد الأسرى خلال الأسبوع الماضي، فقد صوت الكنيست الإسرائيلي، يوم الثلاثاء 14/12/2021، على تمرير ثلاثة قوانين عنصرية تستهدف الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال، وتمس حقوق الفلسطينيين، وتوسع من صلاحيات جيش وشرطة الاحتلال الاسرائيلي. وتم التصويت بالقراءة الأولى على قانون يتيح تعزيز قوات ما تسمى بمصلحة السجون بقوات من جيش الاحتلال، وذلك بهدف قمع الأسرى في السجون، وتضييق الخناق عليهم.

كما جرى التصويت على تشريع آخر يتيح لجيش الاحتلال، ارسال قوات تعزيزية خاصة لشرطة الاحتلال، وذلك تحت إطار ما أسماه القانون “خدمة أهداف قومية”. اما القانون الثالث، فيستهدف المجتمع الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، حيث يتيح اقتحام جيش وشرطة الاحتلال للمنازل وتفتيشها، دون الحصول على أمر من المحكمة.

كما نفّذت عمليات تنكيل متتالية بحقّ الأسيرات استمرت لأيام وما تزال، تمثلت بالاعتداء عليهن بالضرب المبرّح وسحلهن، وإصابة بعضهن بجروح طفيفة، علما أن الأسيرات واجهن عمليات التّنكيل بالطرق على الأبواب، وإرجاع وجبات الطعام، ورفض قوانين الّسجن. وأن عمليات قمع متكررة جرت بحقّ الأسيرات، وتم قطع الكهرباء عنهن، وخلال عمليات الاعتداء المتكررة تم نزع الحجاب عن رؤوس بعضهن، وإحدى الأسيرات فقدت الوعي خلال عمليات القمع، كما تواصل إدارة السّجن تهديدهن برش الغاز داخل الغرف. ويذكر أن عملية التّنكيل التي نفّذتها إدارة السّجن، جرت بعد أن رفضت الأسيرات إجراءات جديدة أعلنت عنها الإدارة بحقّهن، كما فُرضت عقوبات جماعية بحقّهن تمثلت بحرمانهن من "الكانتينا" والزيارات، وفرض غرامات مالية.

إن هذه الهجمة المسعورة التي تشنها قوات الاحتلال وسلطات السجون ضد الأسيرات والأسرى، والتي تنذر بمزيد من التوتر في أوساطهم، تقتضي تنظيم المزيد من الفعاليات والتحركات الشعبية المناصرة للأسيرات والأسرى للدفاع عن حقوقهم التي تكفلها لهم المواثيق والاتفاقيات الدولية وشرعة حقوق الانسان.

 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

أهالي حي الشيخ جراح

بالقدس يرفضون إخلاء منازلهم

 

* المحامي علي أبوهلال

يواجه الفلسطينيون في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، التهديدات والمضايقات تارة، والاغراءات تارة أخرى من قبل سلطات الاحتلال والمستوطنين، لترك منازلهم وتسليمها للمستوطنين، وهذا هو حال الفلسطيني عبد الفتاح اسكافي الذي رفض عرضا إسرائيليا لبيع منزله في القدس بـ 5 ملايين دولار، ويؤكد أنه لن يخضع للمضايقات المستمرة على مدار الساعة من جانب المستوطنين الاسرائيليين لإجباره على ترك منزله. واسكافي هو واحد من عشرات الفلسطينيين المهددين بالإخلاء من منازلهم في حي الشيخ جراح للمستوطنين الإسرائيليين.

يذكر أن عائلة اسكافي أقامت مع 27 عائلة فلسطينية أخرى، في حي الشيخ جراح عام 1956 بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". ومنذ العام 1972 تخوض عائلة اسكافي وباقي العائلات صراعا مريرا بالمحاكم الإسرائيلية، في محاولة لنفي مزاعم المستوطنين ملكيتهم للأرض المقامة عليها المنازل، علما أن عائلته مهجرة منذ عام 1948، وكانت تسكن البقعة (على مشارف القدس الغربية) ولجأت إلى القدس الشرقية المحتلة.

تعيش عائلة اسكافي حاليا في الشيخ جراح في منزلها الذي تبلغ مساحته 130 مترا مربعا، ويقيم فيه 14 نفرا تضم أولاده وأحفاده، ويذكر اسكافي: "بيتنا في البقعة ما زال موجودا ويسكنه يهود، ولكن إذا ما ذهبتَ إلى هناك.. فسيجلبون لك الشرطة".

لمنزل اسكافي فسحة خلفية من الأرض فيها بعض الأشجار المثمرة، ولكن من أجل الوصول إلى المنزل عبر زقاق ضيق، فإنه يتعين المرور من جانب منازل استولى عليها مستوطنون خلال السنوات الماضية، وعلى أبواب المنازل كلمات باللغة العبرية، واستولى المستوطنون على المنازل في العام 2008، بعد طرد أم كامل الكرد وعائلتها من منزلهم.

يخشى اسكافي وأفراد العائلات الفلسطينية الأخرى في الحي، مصيرا مشابها مع إصرار جماعات استيطانية على وضع يدها على هذه المنازل. وتدعي جماعات المستوطنين إن الأرض المقامة عليها المنازل الفلسطينية في الحي كانت بملكية يهودية قبل العام 1948، ولذلك فهي تطالب بإخلاء العائلات من منازلها. ويستند المستوطنون إلى قانون أقره الكنيست الإسرائيلي في العام 1970 يسمح لليهود بالمطالبة بأملاك يقولون إنها كانت بملكية يهودية قبل عام 1948. غير أن القانون الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من المطالبة باسترداد أملاك لهم قبل عام 1948، حتى لو امتلكوا من الوثائق ما يثبت ملكيتهم لها.

قام المستوطنون عام 1972 بتزوير ورقة وقاموا بتسجيل الأرض استنادا لها في دائرة أراضي إسرائيل، ولكن وجد طاقم المحامين المدافعين عن منازل الفلسطينيين "بعد عملية بحث" ورقة تركية تنفي ملكية اليهود لهذه الأرض، ويوجد كوشان (وثيقة إثبات ملكية) باسم سليمان درويش حجازي يدل على أن هذه الأرض ملك لعائلة حجازي". ولكن المحاكم الإسرائيلية ترفض الوثائق التي قدمتها العائلات الفلسطينية، وتترك قرارات الإخلاء، التي غالبا ما يتمكن محامون فلسطينيون من تأجيلها في محاولة لكسب الوقت، ومؤخرا، عرضت المحكمة العليا الإسرائيلية على العائلات الفلسطينية البقاء في منازلها لفترة 15 عاما مقابل دفع الإيجار للمستوطنين. ورفضت العائلات الفلسطينية هذا العرض بعدما اعتبرت أن دفع الإيجار يعني إقرارا منها بملكية المستوطنين للمنازل.

لا تزال المضايقات مستمرة للفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المنازل في الوقت الذي خسر سكان حي الشيخ جراح 3 بنايات في عامي 2008 و2009 واستوطنها المستوطنون، حيث بدأت تتفاقم المشكلات والمعاناة للفلسطينيين، وتعرضوا لكل أنواع المضايقات القذرة وغير القذرة بما فيها الإزعاج ومحاولات تهجير وضرب الأطفال والشباب. ويرفض اسكافي وسكان الحي الفلسطينيين رغد العيش بمقابل التنازل عن منازلهم. وقال اسكافي: "العروض مستمرة منذ السبعينيات، وأضاف: "عرضوا علينا الحصول على قطعة أرض في منطقة أخرى بالمدينة أو شقتين سكنيتين أو 4-5 ملايين دولار أمريكي، وحتى أكثر". واستدرك: "طبعا هذا مرفوض، بالنسبة إليهم الأموال ليست إشكالية، وهم يعرضون شيكا مفتوحا مقابل إخلاء المنزل.

 رغم كل هذه المغريات والتهديدات التي يتعرض لها اسكافي وجميع أصحاب المنازل المهددة بالإخلاء، ألا أنهم يرفضون التفريط بمنازلهم، ويرفضون التنازل عنها، فهم أصحابها الشرعيين وهم يدافعون عنها بكل بسالة وقوة، ولم يرضخوا لطلبات المستوطنين التخلي عن منازلهم، على الرغم من كل حملات التنكيل والاعتداءات والاعتقالات المتواصلة والمستمرة، التي تعرضوا لها من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، كما رفضوا كل الاغراءات المالية لبيع منازلهم، وهم يؤكدون كل يوم بصمودهم وثباتهم في منازلهم النموذج الذي يتحذى في الصمود والمواجهة والتحدي، وهذا يقتضي مساندتهم ودعمهم شعبيا ووطنيا ودوليا، لأنهم يدافعون عن حقوقهم الشرعية التي تكفلها لهم كل الشرائع والمواثيق الدولية والإنسانية. 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

طفولة فلسطينية

معذبة في يوم الطفل العالمي

 

* المحامي علي أبوهلال

 

احتفل العالم يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بيوم الطفل العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة بعد إعلانها حقوق الطفل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1959، ونشر غوغل على واجهة البحث الرئيسية صورة مبهجة تعبر عن براءة الأطفال باعتبارهم زهور اليوم ونجوم الغد وأمل المستقبل وشمسه المقبلة التي تنبض بالحياة والحب. ويعد اليوم العالمي للطفل هو يوم اليونيسف (منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة) السنوي المخصص للعمل من أجل الأطفال ومن قبلهم. ويوم الطفل هو يوم تذكاري يُحتفل به سنويًا على شرف الأطفال، ويختلف تاريخ الاحتفال به حسب الدولة.

في عام 1925، تم إعلان اليوم العالمي للطفل لأول مرة في جنيف خلال المؤتمر العالمي لرعاية الطفل. ومنذ عام 1950 يجري الاحتفال به في 1 يونيو/حزيران في معظم الدول الاشتراكية. وأقرت الأمم المتحدة يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني يومًا عالميًا للطفل تزامنًا مع إعلان حقوق الطفل في اليوم ذاته من عام 1950. وفي بعض البلدان، يكون هذا الأسبوع هو أسبوع الطفل وليس يوم الطفل.

وبينما يحيي أطفال العالم هذا اليوم بالبهجة والسرور من خلال إقامة الفعاليات الخاصة بالأطفال والتي تعبر عن ضرورة احترام حقوق الأطفال، وتوفير كل الحقوق الذي ينبغي توفيرها لهم على كل الأصعدة، يعيش الأطفال الفلسطينيون في حياة قاسية ومعذبة تنتهك فيها أبسط حقوقهم الإنسانية التي تكفلها لهم كافة الشرائع السماوية والمواثيق والاتفاقات الدولية.

ووفقا لتقارير المؤسسات الفلسطينية الحقوقية والتعليمية فقد استشهد 15 طفلا فلسطينيا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعتقل 1194 منذ بداية العام الجاري، وحتّى نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وتستهدف قوات الاحتلال الأطفال خلال عمليات اقتحام لمنازل ذويهم، ومدارسهم، حيث نفذت أكثر من 100 هجوم على المدارس؛ تنوعت ما بين إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي، والمطاطي، واقتحام المدارس، من قبل جنود الاحتلال ومستوطنيه.

وتؤكد تقارير المؤسسات الحقوقية الفلسطينية إنّ نحو 160 قاصرا يقبعون في سجون الاحتلال، وموزّعون على سجون "عوفر" و"الدامون" و"مجدو". وأشارت هذه التقارير إلى أنّ سلطات الاحتلال اعتقلت نحو (19 ألف) طفل (أقل من عمر 18 عاما) منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر عام 2000، من بينهم أطفال بعمر أدنى من 10 سنوات. واستنادا إلى الإحصاءات والشهادات الموثّقة للمعتقلين الأطفال؛ فإنّ ثلثي الأطفال المعتقلون تعرّضوا لشكل أو أكثر من أشكال التّعذيب الجسدي، فيما تعرّض جميع المعتقلين للتّعذيب النّفسي خلال مراحل الاعتقال المختلفة.

 وتمارس بحقّ الأطفال المعتقلين أنماطاً مختلفة من التّعذيب خلال وبعد اعتقالهم، وذلك بشكل ممنهج وواسع النّطاق، ما يعتبر من بين المخالفات الجسيمة للقانون الدولي، خاصّة اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطّفل، وذلك منذ لحظة اعتقالهم، ومروراً بالتّحقيق القاسي معهم، وحتّى اقتيادهم إلى السّجون. كاعتقالهم ليلاً، والاعتداء عليهم بالضّرب المبرح، متعمّدين القيام بذلك أمام ذويهم، وإطلاق النار عليهم قبل وخلال عملية اعتقالهم، واقتيادهم وهم مكبّلي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين، وإبقاؤهم دون طعام أو شراب لساعات طويلة، والمماطلة بتبليغهم بأن لديهم الحقّ بالمساعدة القانونية، وتعرّضهم للتّحقيق دون وجود ذويهم بما يرافق ذلك من عمليات تعذيب نفسي وجسدي، إضافة إلى انتزاع الاعترافات منهم وإجبارهم على التوقيع على أوراق دون معرفة مضمونها، وتهديدهم وترهيبهم، وخضوع بعضهم لتحقيق المخابرات، واحتجازهم في مراكز التحقيق والتوقيف لمدد تصل إلى الشّهرين.

ويتعرض المعتقلين الأطفال لأساليب تعذيب شتّى ومعاملة لا إنسانية ومنافية للمعايير الدّولية لحقوق الإنسان، حيث يتم احتجاز غالبيتهم في سجون داخل دولة الاحتلال، بشكل يخالف اتفاقية جنيف الرابعة، ويتسبّب في حرمان الغالبية منهم من زيارات ذويهم. هذا بالإضافة إلى معاناة الأهل في الحصول على التصاريح الّلازمة للزيارة، التي تمنحهم حق التنقّل، حيث تماطل سلطات الاحتلال في منح التصاريح ما يطيل فترة الانتظار، فيما تحرم كثير من العائلات من الحصول عليها. كما تزجّ سلطات الاحتلال بالأطفال في مراكز توقيف ومعتقلات تفتقر للحد الأدنى من المقوّمات الإنسانية، وتحرم العديد منهم من حقهم في التّعليم، والعلاج الطّبي، ويحرمون من إدخال الملابس، والأغراض الشخصية، والكتب الثقافية، ولا تتوانى إدارة السّجون عن معاملتهم كمعاملة الأسرى البالغين، باقتحام غرفهم ورشّهم بالغاز وضربهم وتقييدهم وإلحاق العقوبات بهم، كالعزل وسحب الأغراض الشخصية والحرمان من "الكنتينا".

ويخضع المعتقلون الأطفال من محافظات الضّفة لمحاكم عسكرية تفتقر للضّمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، ودون أيّ مراعاة لخصوصية طفولتهم ولحقوقهم، ووضعت تلك المحاكم الإسرائيلية تعريفاً عنصرياً للطفل الفلسطيني لسنوات، بحيث اعتبرته الشّخص الذي لم يبلغ سنّ (16 عاماً)، وليس (18 عاماً)، كما تعرفه اتفاقية حقوق الطفل أو يعرفه القانون الإسرائيلي نفسه للطّفل الإسرائيلي، كما وأنّها تحسب عمر الطفل الفلسطيني وقت الحكم وليس في وقت تنفيذ العمل النّضالي.

فيما تُخضع الأطفال المقدسيين لأحكام قانون الأحداث الإسرائيلي، وبشكل تمييزي، إذ تميّز بين بين الطفل الفلسطيني والطفل الإسرائيلي عند تطبيق القانون، وتحرم شرطة الاحتلال الإسرائيلية الأطفال المقدسيين من حقوقهم أثناء الاعتقال والتحّقيق، بحيث أصبحت الاستثناءات هي القاعدة في التعامل مع الأطفال المقدسيين، وتعتبر نسبة اعتقال الاحتلال للقاصرين المقدسيين الأعلى مقارنة باعتقالات بقية القاصرين من الضّفة الغربية. كما يخضعون لسياسة الحبس المنزلي والإبعاد عن المدينة المقدسّة، وفرض الغرامات الباهظة على أهالي الأطفال، واحتجاز المقدسيين في سجون مختلفة عن السجون التي يحتجز فيها الأطفال المعتقلين من الضفة الغربية وذلك للحيلولة دون اندماجهم، وبالمقابل؛ فهي تسعى لدمجهم مع السّجناء الإسرائيليين الجنائيين في السجون المدنية ومراكز الإيواء. وقد استحدث "الكنيست" خلال السّنوات الأخيرة تشريعات بإيعاز من شرطة ونيابة ومحاكم الاحتلال بالحكم بأحكام عالية على أفعال احتجاجية يقوم بها القاصرون، بالإضافة إلى تتبّع منشورات منصّات التّواصل الاجتماعي وطرحها كتُهم "أمنية"، واعتقال الأطفال على إثرها وخضوعهم للمحاكمة والسّجن.

وكشفت منظمة (بتسليم) الحقوقية الإسرائيلية الأسبوع الماضي اقتحام ثمانية جنود من الجيش الإسرائيلي لمبنى تملكه وتسكنه عائلة فلسطينية في الخليل بالضفة الغربية مطلع سبتمبر/أيلول الماضي بذريعة البحث عن أطفال قالوا إنهم “قذفوا حجارة”. وبحسب المنظمة فقد اقتحمت القوات بيت عائلة دعنا قرابة الساعة الثامنة مساء، يوم 3 سبتمبر، وأمروا جميع سكانه بأن يجلبوا أطفالهم إلى الساحة كي يصوروهم على نحو غير قانوني. وأوضحت المنظمة أن أهالي البيت شرعوا في جمع أطفالهم وكان بعضهم نائمًا، ثم اقتحم 3 جنود شقتين في المنزل وتجولوا في الغرف. ويتبين من الفيديو -الذي نشرته المنظمة على يوتيوب- مدى الفزع الذي أحس به هؤلاء الأطفال وجميعهم دون سن العاشرة تقريبًا. بينما صعد جنود آخرون إلى سطح المبنى واحتجزوا فتيانًا وشبانًا هناك تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا ومنعوا أفراد العائلة من توثيق ما يحدث. وبعدما صور الجنود جميع الأطفال، غادروا المبنى مخلّفين وراءهم أهالي يساورهم القلق وأطفالًا مرعوبين، وأضاف البيان “يجسد هذا التوثيق كيف تنتهك حياة الفلسطينيين اليومية بتعسّف تحت الاحتلال والسهولة التي ينتهك فيها الجنود حقوقهم”. بما فيهم الأطفال في سن المرحلة الابتدائية باعتبارهم مجرمين محتملين يُسمح بإيقاظهم في أي وقت من الليل واقتحام منازلهم وترهيبهم.

وفي ظل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال الفلسطينيين، من قبل قوات وحكومة الاحتلال يبدو كم هي حياتهم قاسية ومعذبة تنعدم فيها حقوقهم الإنسانية، بعكس حياة أطفال العالم الذين يعيشون في ظروف طبيعية وسعيدة ومريحة، وهكذا تمارس حكومة الاحتلال انتهاكاتها بحق الأطفال الفلسطينيين بدون رقابة ومحاسبة وتظل سلطة فوق القانون، على مرآى ومسمع من المجتمع الدولي الذي لا يزال يمارس معايير مزدوجة وانتقائية في تطبيق القانون الدولي.

محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.     

 

أهالي الشيخ جراح هم المالكون

الأصليون لأرضهم ومنازلهم

المحامي علي أبو هلال

 

في محاولة للالتفاف على حقوق أهالي حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، البقاء في أراضيهم ومنازلهم الذين يمتلكونها بشكل قانوني وشرعي، وما وجده الأهالي من دعم ومساندة فلسطينية دولية لهذه الحقوق، اقترحت المحكمة الإسرائيلية العليا تسوية تعتبر أهالي الحي "مستأجرين محميين" عند الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" باعتبار أن هذه التسوية تقدم "حلا وسطا بشأن إخلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح".

ووفقا لهذا الاقتراح المقدم إلى الطرفين (العائلات الفلسطينية وجمعية استيطانية)، سيتم الاعتراف بالعائلات الفلسطينية كـ"مستأجرين محميين" مدة 15 عاما، أو حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر. وخلال هذه الفترة ستدفع العائلات الفلسطينية التي تقيم في منازلها المهددة بالمصادرة الإيجار لجمعية "نحلات شمعون" التي تدعي ملكيتها للأرض التي أقيمت عليها المنازل.

ويذكر أن 28 عائلة فلسطينية تقيم في منازلها المهددة بالمصادرة، منذ عام 1956، بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية (التي كانت تحكم الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس، قبل احتلالها عام 1967) ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" (UNRWA).

وتدعي جماعات استيطانية إسرائيلية أن المنازل أقيمت على أرض كانت بملكية يهودية قبل عام 1948، وهو ما ترفضه العائلات الفلسطينية، بناء على الوثائق القانونية التي بحوزتهم.

وقد واجهت العائلات الفلسطينية وأهالي حي الشيخ جراح والمقدسيين بكل قوة وبسالة خلال السنوات الطويلة الماضية، كل المخططات الإسرائيلية التي كانت ترمي لتهجير هذه العائلات الفلسطينية من منازلها، ليتسنى للمستوطنين الاستيلاء عليها والإقامة فيها، في إطار سياسة التهجير التي تمارسها حكومة الاحتلال بحق المقدسيين، وعندما فشلت كل وسائل القمع والتنكيل التي مارستها قوات الاحتلال لتنفيذ هذه السياسة، بفعل صمود هذا أهالي الحي، ووقفات التضامن الشعبية معهم، لجأت سلطات الاحتلال والمحكمة الإسرائيلية العليا طرح هذه التسوية لتحقيق ما عجزت عنة وسائل القمع والترهيب والتنكيل التي مارسته ضد أهالي حي الشيخ جراح والمقدسيين المساندين لهم.

ومثلما كان موقف أهالي حي الشيخ جراح واضحا في رفض إجراءات ترحيلهم من منازلهم بالقوة، ومثلما كان صمودهم وتصديهم لمحاولات ترحيلهم قويا وشجاعا، جاء ردهم أكثر قوة ووضوحا وثباتا في رفض هذه التسوية التي عرضتها عليهم المحكمة العليا الإسرائيلية، القاضية بتحويلهم من مالكين لأرضهم ولمنازلهم إلى مستأجرين لها، من قبل المستوطنين الغاصبين لها، بدعم ومساندة من حكومة الاحتلال ومن القضاء والمحاكم الإسرائيلية، الداعمين للمستوطنين.

 حيث رفض أهالي حي الشيخ جراح بالإجماع التسوية التي اقترحتها المحكمة الإسرائيلية العليا والتي تعتبر أهالي الحي "مستأجرين محميين" عند الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" والتي تُمهد لمصادرة حق الأهالي في أراضيهم بشكل تدريجي.

وجاء في بيان أهالي الحي الذي صدر في اليوم الأخير من المهلة التي حددت لهم للرد على التسوية الذي يوافق يوم الثلاثاء 2/11/2021 بأن هذا الرفض "يأتي انطلاقا من إيماننا بعدالة قضيتنا وحقنا في بيوتنا ووطننا بالرغم من انعدام أي ضمانات ملموسة لتعزيز وجودنا الفلسطيني في القدس المحتلة من قبل أي جهة أو مؤسسة". وأضاف الأهالي في بيانهم أن محاكم الاحتلال وخلال المسار القانوني تهربت من مسؤوليتها في إصدار الحكم النهائي، وأجبرتهم على الاختيار بين التهجير من بيوتهم أو الخضوع لاتفاق ظالم، معتبرين ذلك امتدادا لسياسات استعمارية تهدف لشرذمة التكافل الاجتماعي الذي حققه الشعب الفلسطيني في الهبة الأخيرة، ومحاولة لتشتيت الأضواء عن الجريمة الكبرى، وهي التطهير العرقي الذي يرتكبه الاحتلال ومستوطنوه.

أهالي الشيخ جراح حمّلوا حكومة الاحتلال كامل المسؤولية عن سرقة منازلهم، كما حمّلوا المسؤولية لكل من السلطة الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) والأردن التي بنت وحدات الشيخ جراح كمشروع لإسكان اللاجئين عام 1956 وأعطت اللاجئين الحق الكامل في ملكية الأرض. وفي ختام بيانهم، طالب أهالي الحي المجتمع الدولي بالوقوف عند مسؤولياته ليردع المحاكم الإسرائيلية عن طردهم من الحي الذي سكنوه ودافعوا عنه لعقود. وتلقى المقدسيون والمتابعون للقضية هذا البيان بارتياح خاصة أنه جاء بعد أشهر من تصدر قضية تهجير أهالي حي الشيخ جراح الساحة المحلية والعالمية، والتضامن الواسع معها وتدخل المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة في هذه القضية وإعلان الحرب في أوج التضييقات والانتهاكات التي مورست بحق السكان والمتضامنين.

يذكر أن المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت قرارا بتاريخ الرابع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي اقترحت من خلاله تسوية تعتبر فيها الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" مالكة للأرض وسكان الحي مستأجرين محميين ويمثلون الجيل الأول في الحماية. وأصدرت الهيئات الوطنية والإسلامية موقفها من القرار قائلة إن مقترح التسوية المقدم من المحكمة لا يلبي طموحات السكان ولا الموقف الوطني، فسكان حي الشيخ جراح هم المالكون الأصليون لأرضهم، وإنه لا توجد أي حقوق للجمعيات الاستيطانية في هذه الأرض كونها مُلكت للسكان من قبل الحكومة الأردنية، بعد اتفاق مع وكالة الغوث واللاجئين، وهذا يلزم حكومة الاحتلال باحترام الاتفاقيات التي عقدتها الحكومة الأردنية مع السكان. وتعيش 28 عائلة ممتدة لاجئة على مساحة 18 دونما في "كرم الجاعوني" بالشيخ جراح ويبلغ عددهم 500 فرد مهددين بالإخلاء لصالح الجمعيات الاستيطانية التي تدعي ملكيتها للأرض.

ان دعم صمود أهالي حي الشيخ جراح المهددين الآن بالترحيل والتهجير من منازلهم، خاصة بعد رفضهم للتسوية التي طرحتها المحكمة العليا الإسرائيلية، هي مسؤولية وطنية وعربية ودولية، ولا يجوز تركهم بدون دعم واسناد، بعد التضحيات الكبيرة التي قدموها للدفاع عن حقوقهم ومنازلهم وأراضيهم، ويجب توفير كل أشكال الدعم والتضامن معهم، حتى تحقيق مطالبهم وحقوقهم العادلة والمشروعة في البقاء في أرضهم ومنازلهم باعتبارهم هم المالكون وأصحابها الحقيقيون، وليس المستوطنين الغاصبين لها بدعم من قوات وحكومة الاحتلال، وذلك بما يخالف القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. 

محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.      

 تهديدات بن غفير العنصرية

للأسير حازم القواسمي

* المحامي علي أبوهلال

اعتاد عضو الكنيست اليميني المتطرف إيتمار بن غفير القيام بجولات عنصرية استفزازية للتجمعات والمواقع الفلسطينية والعربية في القدس وفي الأراضي الفلسطينية عام 48، تستهدف الحاق الأذى والضرر بالفلسطينيين، والتعبير عن الكراهية والعداء السافر لهم، وفي إطار هذه الممارسات العنصرية قام بن غفير، ظهر يوم الثلاثاء الماضي 19/10/2021، بزيارة استفزازية إلى مستشفى "كابلان" في مدينة رحوفوت، إذ يرقد الأسير حازم مقداد القواسمي (28 عاما) المضرب عن الطعام منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وحاول اقتحام غرفته حيث يخضع للعلاج في المستشفى، إذ طرأ تراجع على حالته الصحية حتى أنه أصبح غير قادرا على الكلام إلا بالهمس والإشارة من شدة الآلام التي يعاني منها، وتصدى للمتطرف العنصري بن غفير عدد من الفلسطينيين والمتضامنين مع القواسمي من بينهم رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة ومنعوه من الوصول لغرفة الأسير القواسمي.

تجدر الإشارة إلى أن الأسير القواسمي قرر الاستمرار في إضرابه رغم صدور قرار من محكمة إسرائيلية بتجميد اعتقاله، إلا أنه أصرّ على الإضراب حتى إلغاء الاعتقال الإداري بالكامل. ولا تستطيع عائلة القواسمي نقله إلى أي مستشفى آخر، رغم تراجع حالته الصحية ويعاني القواسمي من ضيق في التنفس وآلام حادة في كافة أنحاء جسده، ولا يكاد يقوى على الوقوف على قدميه، ونقص وزنه ما يزيد عن 15 كيلوغراما، وحياته معرضة للخطر، ويعاني من مرض الشقيقة ومشاكل صحية في المعدة والعيون. وقد اعتقل القواسمي مرات عدة، وأمضى نحو 4 أعوام في سجون الاحتلال بين أحكام واعتقالات إدارية كانت أولها عام 2015.

محاولة اقتحام بن غفير لغرفة الأسير المضرب عن الطعام وهو في حالة صحية خطيرة في المستشفى، تعبر عن قمة الحقد والكراهية ليس فقط تجاه العرب والفلسطينيين، بل تعبر عن العداء لكل البشر والإنسانية.

وكان مسؤول الشرطة الإسرائيلية قد اتهم بن غفير بصب الزيت على النار في مدينة القدس المحتلة، والوقوف بشكل من الأشكال وراء المظاهرات التي أشعلت شرارة الهبة الفلسطينية ضد ممارسات الاحتلال في شهر أيار الماضي، وقال كوبي شبتاي، مسؤول الشرطة الإسرائيلية خلال اجتماع مع بنيامين نتانياهو في ذلك الوقت، أن "النائب الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف ومناصريه هم السبب في وقوع أعمال عنف في مدينة القدس، وهم من أثاروا غضب الفلسطينيين".

ومن بين الأعمال الاستفزازية التي قام بها هذا النائب العنصري المتطرف، فتح مكتب تمثيلي للحزب الذي ينتمي إليه في حي الشيخ جراح في مدينة القدس، والذي تحول إلى رمز للاحتلال الإسرائيلي. وإضافة إلى هذا، قام مناصرو النائب إيتمار بن غفير من حركة "لاهافا"، وهي حركة تنشط لمنع الزواج بين اليهود وغير اليهود، بصب الزيت على النار حينما كانوا يرددون "الموت للعرب" قرب باب العامود، في القدس المحتلة.

تاريخ بن غافير حافل بالنشاطات والممارسات العنصرية، وهو من أصول يهودية شرقية لوالد من جذور عراقية ووالده من كردستان، كانت أمه ناشطة في الحركة الصهيونية المعروفة بـ "التنظيم الوطني العسكري" (إيتسل) التي أُسست عام 1931، وشاركت في عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين قبيل وخلال النكبة.

وجه القضاء الإسرائيلي أكثر من خمسين مرة لإيتمار بن غفير تهمة "نشر الكراهية"، حيث درس الحقوق ليصبح بعد ذلك محاميا "يدافع عن نفسه وعن كل المتطرفين والناشطين في التيار اليميني المتطرف بإسرائيل" أن دخول التحالف اليميني المحافظ إلى البرلمان الإسرائيلي بقيادة إيتمار بن غفير عزز فكرة العنف الذي تمارسه مجموعات يهودية صغيرة وعنصرية على الفلسطينيين ومبدأ الإفلات من العقاب.

وسبق أن نظم بن غفير مسيرات استفزازية في الداخل الفلسطيني، أبرزها اقتحامات لمدن كفر قاسم والناصرة وأم الفحم ووادي عارة، دعا خلالها إلى تهجير "عرب 48″، واعتبرهم "قنبلة موقوتة"، تشكل خطرا على "يهودية إسرائيل".

في انتخابات الكنيست الـ21، ترشّح بن غفير على رأس قائمة "العظمة اليهودية" التي حصلت على حوالي 83 ألف صوت، ولم يجتز نسبة الحسم. وفي الفترة التي سبقت انتخابات الكنيست الـ23، رفض نفتالي بينيت الذي ترأس حزب "اليمين الجديد"، ضم بن غفير إلى قائمة تحالف الصهيونية الدينية. وحصل حزبه على 19 ألفا و402 فقط من الأصوات ولم يتجاوز نسبة الحسم. وفي الفترة التي سبقت انتخابات الكنيست الأخيرة، وقع بن غفير على تحالف مع أحزاب "القوة اليهودية" و"نوعم"، وحزب الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش. وحصل على المركز الثالث في القائمة، وانتُخب للكنيست، وبذلك أعاد إلى البرلمان فكر حركة "كهانا" وأيديولوجيتها الداعية لتهجير الفلسطينيين، وأحيا بذلك المشهد السياسي الإسرائيلي الذي تهيمن عليه قوى وأحزاب اليمين.

قيام بن غفير باقتحام غرفة الأسير المضرب عن الطعام حازم القواسمي في مستشفى "كابلان" تشكل تهديدات عنصرية خطيرة، تستهدف التأثير على وضعه النفسي والمعنوي، ليدخل مرحلة جديدة من الخطر قد تهدد حياته بالموت، وهذا ما يريده بن غفير العنصري تحقيقا لشعاره الذي يردده باستمرار وهو الموت للعرب، وهو بذلك يعبر عن قمة الكراهية والعنصرية الذي وصل لها المجتمع والنظام السياسي الإسرائيلي.

محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.      

 

 

اعتقال الأسرى الستة

يقتضي العمل لانتزاع حريتهم

 

* المحامي علي أبوهلال

 

أفاق الفلسطينيون فجر يوم الأحد الماضي 19/9/2021 على خبر مزعج ومحزن في نفس الوقت، بإعلان قوات الاحتلال أنها اعتقلت الأسيرين أيهم كممجي ومناضل انفيعات من الحي الشرقي لمدينة جنين، شمال الضفة الغربية، وذلك حوالي أسبوعين من انتزاع حريتهم من سجن جلبوع، مع رفاقهم الأربعة. وكان ستة أسرى تمكنوا يوم الإثنين 6 أيلول/ سبتمبر من تحرير أنفسهم من سجن "جلبوع"، وهم: محمود عبد الله عارضة (46 عاما) من عرابة، معتقل منذ عام 1996، محكوم مدى الحياة، ومحمد قاسم عارضة (39 عاما) من عرابة معتقل منذ عام 2002، ومحكوم مدى الحياة، ويعقوب محمود قادري (49 عاما) من بير الباشا معتقل منذ عام 2003، ومحكوم مدى الحياة، وأيهم نايف كممجي (35 عاما) من كفر دان معتقل منذ عام 2006 ومحكوم مدى الحياة، وزكريا زبيدي (46 عاما) من مخيم جنين معتقل منذ عام 2019 وما يزال موقوفا، ومناضل يعقوب انفيعات (26 عاما) من يعبد معتقل منذ عام 2019.

وفي يوم انتزاع حريتهم من السجن من خلال نفق كانوا قد حفروه بأدوات بسيطة استغرق حوالي تسعة أشهر، عمت الفرحة لدى الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، ممزوجة بالخوف والقلق عليهم خشية تمكن قوات الاحتلال من إعادة اعتقالهم من جديد، لتعود مرة أخرى مشاعر الحزن بإعلان قوات الاحتلال يوم الجمعة 10 أيلول/ سبتمبر الجاري اعتقال الأسيرين محمود العارضة، ويعقوب القادري في الناصرة، واعتقال الأسيرين محمد العارضة وزكريا الزبيدي، في قرية شبلي جنوب الناصرة، فجر السبت 11 أيلول/ سبتمبر.

لم ينتهي ملف الأسرى المحررين الستة على الرغم من إعادة اعتقالهم مرة أخرى، فقد أكدت التفاصيل بشأن عملية تحررهم والأيام التي أعقبت تنسمهم للحرية المنقوصة لعدة أيام، إلى حين إعادة اعتقالهم من جديد، أن هؤلاء الأسرى هزموا منظومة الاحتلال الأمنية الأكثر قوة وتحصينا ودقة في العالم، هزموها وانتزعوا حريتهم تحت أعين الكاميرات والطائرات والجنود والاستخبارات والكلاب البوليسية، وقد انتصر الأسرى حين هزموا آلة الحرب وعيونها وطائراتها وإمكاناتها وأجهزتها التقنية المتقدمة، واستطاعوا أن يصل اثنان منهم إلى جنين، رغم كل ذلك الانتشار الهائل لقوات الاحتلال بين الضفة وأراضي الـ48.

إن هؤلاء الأسرى الأبطال يمتلكون القوة والإرادة الصلبة على الصمود ومواجهة بطش وتنكيل قوات الاحتلال بعد إعادة اعتقالهم من جديد، وأن إعادة اعتقالهم مرة أخرى ينبغي ألا يصيب الشعب الفلسطيني بالإحباط واليأس، فالأسرى أنفسهم الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم لا زالوا يتمتعون بمعنويات عالية، ورادة صلبة، وثقة راسخة أن تحررهم من السجن بات قريبا أكثر من أي وقت مضى، رغم التعذيب والتنكيل الذين يتعرضون له من قبل قوات الاحتلال والمحققين، ورغم الأحكام القضائية العالية التي تنتظرهم في محاكم الاحتلال غير القانونية، وفي هذا الشأن تقول المحامية حنان الخطيب أنّ الأسير يعقوب قادري معنوياته عالية غير مهتم بإعادة الاعتقال، ولا ظروف العزل، فهو معتاد عليها ونقلت عن القادري قوله: "طالما بقيت على قيد الحياة سأبحث عن حريتي مرات ومرات"، وهذا هو حال جميع الأسرى.

لقد أكد الأسرى الستة بتحررهم الذاتي، وعلى الرغم مما سببه إعادة اعتقالهم من ألم وحزن لهم، وللشعب الفلسطيني ولمناصريه، أن قضية الأسرى ستظل في أعلى درجات الاهتمام والأولويات حتى يتم تحريرهم من سجون الاحتلال، وفي هذا الصدد جددت كتائب القسام التأكيد على أن أسرى نفق الحرية الستة سيكونون على رأس صفقة التبادل، وانهم سيخرجون مرفوعين الرأس من سجون الاحتلال، واكدت ان العمل على تحرير الاسرى سيظل من سجون الاحتلال على رأس الأولويات.

كما أكدت المؤسسات الفلسطينية المعنية بشؤون الأسرى، أن عشرات الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يعانون من آثار عمليات القمع التي تعرضوا لها بعد تمكن ستة أسرى من انتزاع حريتهم من سجن "جلبوع". وأن عددا منهم يواجهون التحقيق يوميا، وهناك قلق كبير على مصيرهم، وأن الأسرى الذين تم نقلهم من قسم (3) في سجن "جلبوع" إلى سجن "شطة"، تعرضوا لعمليات قمع عنيفة، وهناك إصابات بين صفوفهم، وهم بحاجة إلى متابعة قانونية، وصحية عاجلة.

معركة الأسرى، لم تنته بعد أعادة اعتقال الأسرى الستة وهي مستمرة، لا سيما أن هناك مجموعة من الأسرى يواصلون معركة الإضراب عن الطعام أقدمهم الأسير كايد الفسفوس المضرب عن الطعام منذ (69) يوما، ومقداد القواسمة منذ (62) يوما، وعلاء الأعرج منذ (44) يوما، وهشام أبو هواش منذ (36) يوما، ورايق بشارات منذ (31) يوما، وشادي أبو عكر منذ (28) يوما، الأمر الذي يقتضي من جميع المؤسسات الحقوقية الدولية، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة، ومجلس حقوق الانسان، والصليب الأحمر الدولي متابعة ووقف الجرائم والانتهاكات التي نفذتها إدارة سجون الاحتلال مؤخرا بحق الأسرى، والتي تشكل امتدادا لجملة الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها الأسرى في سجون الاحتلال، كما يقتضي توسيع وتعزيز الفعاليات والجهود الفلسطينية والعربية والدولية المساندة للأسرى حتى يتم تحريرهم من سجون الاحتلال.

محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.     

 

 

الفنان اليوناني الراحل ميكيس

ثودوراكيس يستحق التكريم

 

* المحامي علي أبوهلال

أعلن في العاصمة اليونانية أثينا، يوم الخميس الماضي 2/9/2021، عن وفاة الموسيقار والملحّن اليوناني الشهير، ميكيس ثودوراكيس عن عمر ناهز (96 عامًا)، والذي شارك في التلحين والتوزيع الموسيقي للنشيد الوطني الفلسطيني. ويعد الراحل، واحدًا من أكبر موسيقيي القرن العشرين، ولد في 29 تموز 1925، ونال شهرة واسعة بعد تلحينه موسيقى فيلم "زوربا" اليوناني عام 1964. وأصبح المشهد الذي يرقص فيه زوربا حافي القدمين على الشاطئ صورة شائعة للثقافة اليونانية. ولا يزال موضوع الفيلم، الذي فاز بثلاث جوائز أوسكار، أشهر قطعة موسيقية يونانية بعد أكثر من نصف قرن.

عرف عن الراحل وقوفه مع قضايا حقوق الإنسان، ومساندته الكبيرة للقضية الفلسطينية وحق شعبنا بالحرية والخلاص من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة، وكان يظهر في حفلاته متوشحًا بالكوفية الفلسطينية.

كما وقف إلى جانب القضايا الإنسانية وعارض قصف بلغراد وكوسفو، كما عارض الحرب على العراق ووجّه انتقادات لاذعة لحكومته التي ساندت الحرب ولجورج دبليو بوش، وقد صرح ميكس: " أن إسرائيل أساس السوء في العالم" وقد صدمت هذه التصريحات إسرائيل وحكومتها ووجهت له اتهامات بالتحريض على معاداة السامية.

عاش الفنان ميكيس ثودوراكيس مناضلا ثوريا في بلاده اليونان يعود شغفه للموسيقى إلى صغره وكان في سن الثالثة عشرة حيث كتب أول مؤلفاته الموسيقية سنة 1942 تم إيقافه في طرابلس الغرب على يد قوات الاحتلال الإيطالية. وفي السنة التالية تم إيقافه وتعذيبه. عند إطلاق سراحه توجه ثم إلى أثينا واختبأ فيها من سلطات الاحتلال وأصبح يناضل لاستقلال بلاده من الاحتلال الألماني الإيطالي البلغاري. كان يتلقى خلال فترة نضاله دروسا في الموسيقى من معهد أثينا العالي وذلك بطريقة سرية.

بعد التحرير ناضل ميكيس ضد الجماعات المعادية للثورة، وشارك في عدة مظاهرات وتم إيقافه في إحداها وعذب خلال إيقافه بشدة واعتبر من عداد الأموات في 26 مارس 1946 وتم نقله إلى المشرحة، كما تم نفيه إلى جزيرة إيكاري سنة 1947 وفي سنة 1948 تم نقله إلى ماكرونيسوس، وعذب بشدة وتم دفنه مرتين حيا. بعد الانقلاب العسكري عام 1967 أقيم في اليونان حكومة ديكتاتورية، حيث أجبر ميكيس على الاختباء مرة أخرى من هذه الحكومة القمعية، ودعا إلى مقاومتها ومعارضتها، ونتيجة لموقفه هذا وضع تحت الإقامة الجبرية في فارشاتي، ونفي بعدها مع عائلته إلى زاتونا وهي قرية تقع في جبال الأركيدس، ومن ثم نقل إلى معسكر اعتقال في اوربوس، ونفي بعد ذلك إلى الخارج، لكنه رجع من منفاه بعد عودة الديمقراطية إلى بلده عام 1974.

بين العامين 1981 و1986، كان ثيودوراكيس نائباً عن الحزب الشيوعي اليوناني. وفي السنتين الأوليين من التسعينات تولى منصباً وزارياً في الحكومة اليونانيةـ وخلال الأزمة المالية التي عصفت باليونان، ندّد بتدابير التقشّف، وشارك في التظاهرات المعارضة للحكومة.

منح ميكيس دكتوراه فخرية من جامعة مونريال سالونيك وكريت، وبمناسبة عيد ميلاده الثمانون حصل على جائزة سانت اندريه من قبل مؤسسة سانت اندريه لشجاعته ولنضاله من أجل وطنه ولمؤلفاته الرائعة التي تغني لأجل السلام بين الشعوب، وتقوي الروح والضمير الوطني للإنسان، كما حاز ثيودوراكيس على جائزة من هيئة اليونيسكو بعنوان «الموسيقي الدولي لعام 2005»، وتم اختيار ثيودوراكيس للجائزة من بين 40 مرشحا آخر من أشهر الموسيقيين الدوليين. وفي سنة 2007.

عاش ميكس حياة الثائر والمناضل والفنان والموسيقار المبدع، وناضل ضد الحروب والاستعمار والاحتلال والدكتاتورية في بلاده، وفي بلاد أخرى، وتعرض للسجن والنفي والتعذيب، وناصر كل الشعوب التي ناضلت ضد الاحتلال والاستعمار، وكان مناصرا للديمقراطية وحقوق الانسان.

كان معارضا للاحتلال الإسرائيلي، ومناصرا ومدافعا عن القضية الفلسطينية، ولحن النشيد الوطني الفلسطيني ومن كلماته " فدائي فدائي فدائي، يا أرضي يا أرض الجدود، فدائي فدائي فدائي، يا شعبي يا شعب الخلود، بعزمي وناري وبركان ثاري، وأشواق دمي لأرضي وداري، صعدت الجبال وخضت النضال، قهرت المحال حطمت القيود”. تعبيرا عن دعمه لحقوق شعبنا، وظهر هذا الملحن اليوناني في مناسبات متوشحا الكوفية الفلسطينية، للتعبير عن دعم نضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه وحريته وتقرير مصيره، ومن أجل إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وكان يعتبر أن " إسرائيل أساس الشرور في العالم".

يستحق هذا الفنان والموسيقار اليوناني من شعبنا وقيادته الوطنية كل التكريم والتقدير، ويستحق أعلى الأوسمة، بل ينبغي ربط اسمه بأرض فلسطين ومدنها وشوارعها وميادينها وساحاتها، وإطلاق اسمه على أي منها، وذلك تخليدا لذكراه، ووفاء له، وعرفانا بدوره ونضاله الدعم لشعبنا وحقوقه وقضيته الوطنية.

محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.     

 

 

 

الحرية للأسيرة أنهار الديك

ومولودها المنتظر

* المحامي علي أبوهلال

ظروف الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي قاسية وصعبة جدا، حيث يتعرض الأسرى والأسيرات إلى التعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي، ولا تتوفر في السجون الرعاية الصحية الملائمة، حيث فقد العديد من الأسرى المرضى حياتهم واستشهدوا بسبب سياسية الإهمال الطبي التي تمارس بحقهم من قبل سلطات السجون، فكيف يكون حال الأسيرات وخاصة الحوامل اللواتي يتوقع ولادتهن داخل السجن، كما هو حال الأسيرة أنهار الديك.

تقترب الأسيرة الفلسطينية أنهار الديك (25 عاما) من وضع حملها داخل السجن، وبعثت رسالة مؤثرة، تشكو فيها آلام الأسر، وتكشف عن مخاوفها من الولادة في ظروف غير طبيعية وغير إنسانية أبدا.

أنهار، أمٌ لطفلة اسمها جوليا، دخلت الشهر التاسع من الحمل، وقد تداهمها آلام المخاض في أية لحظة. تعاني الأسيرة من اكتئاب حمل (ثنائي القطب)، وتحتاج لاهتمام ورعاية طبية خاصة، بالطبع لا تتوفر في سجون الاحتلال.

اعتقلت قوات الاحتلال، أنهار، من بلدة كفر نعمة غربي رام الله، في شهر مارس/ آذار الماضي، وهي حامل في شهرها الرابع. وقالت الأسيرة أنهار أثناء لقاء محامية هيئة شؤون الأسرى والمحررين إن “السجن غير مهيأ للولادة وتربية الطفل، فظروف المعتقل سيئة للغاية، وسوف يصاب الطفل بالصرع، نتيجة العدّ والتفتيشات، ودق الشبابيك، عدا عن حالات الطوارئ، ونحن الكبار نخاف فكيف لطفل يولد ويُربّى داخل المعتقل؟”.

ليست آلام الأسر والحمل وحدها التي تفتك بجسد أنهار، فآلام الفراق والاشتياق أشد وأقسى، وقد عبّرت عنها في رسالة مؤلمة بعثتها من سجن الدامون قبل أيام قليلة، كاشفة عن وجعها وخوفها من الولادة بالسجن. وقالت في رسالتها: "شو أعمل إذا ولدت بعيد عنكم وتكلبشت وأنا أولد وإنتوا عارفين شو الولادة القيصرية بره! كيف بالسجن وأنا مكلبش لحالي… آآخ يا رب طمعان في رحمتك… أنا كثير تعبانة وصابني آلام حادة في الحوض ووجع قوي في اجري نتيجة النوم على “البرش” مش عارفة كيف بدي أنام عليه بعد العملية … وكيف بدي أخطو خطواتي الأولى بعد العملية وكيف السجانة تمسك إيدي باشمئزاز”وأضافت “لسا بدهم يحطوني في العزل أنا وإبني ويا ويل قلبي عليه عشان الكورونا … مش عارف كيف راح أقدر أدير بالي عليه وأحميه من أصواتهم المخيفة وقد ما كانت أمه قويه راح تضعف قدام اللي بعملوه فيها وفي باقي الأسيرات. وقالت: طالبوا كل حر وشريف بغار على عرضه وشرفه بأن يتحرك ولو بكلمة… خطية هالولد في رقبة كل واحد مسؤول وقادر يساعد وما بساعد”.

لقيت رسالة الأسيرة أنهار صدى واسع لدي العديد من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية، ولدى أوساط واسعة من فئات شعبنا، وأكد إبراهيم خريشة مندوب فلسطين في مجلس حقوق الانسان توجيه رسائل الى المقررين الخاصين بلجنة حقوق الانسان، والى اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإطلاق سراحها، مؤكدا وجود 12 أما في سجون الاحتلال، موضحا وجود تحرك ضمن المجموعة العربية لإطلاق سراح الأسيرات من السجون. وأطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إلكترونية للمطالبة بالإفراج عن الأسيرة الفلسطينية، أنهار الديك، وطالبت هيئة شؤون الأسرى والمحررين بضرورة الإفراج عنها كونها حامل.

تفيد المؤسسات الفلسطينية المعنية بشؤون الأسرى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل (11) أمًّا فلسطينية في سجونها من أصل (40) أسيرة يقبعن في سجن “الدامون”، حيث يعانين من تعذيب جسدي ونفسي بسبب حرمانهن من رؤية أبنائهن سوى لدقائق معدودة جدا، وبعضهن مرّ عليهن سنوات دون رؤية الأبناء، بالإضافة إلى سياسة الإهمال الطبي التي تمارس بحقهن. وتحرم إدارة سجون الاحتلال تحرم أطفال وأبناء الأسيرات الأمهات من الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهن من احتضان أطفالهن وأبنائهن.

تأمل الأسيرة أنهار الديك أن يستجاب لندائها ولرسالتها للإفراج عنها قبل موعد ولادتها، حيث دخلت شهرها التاسع وهي حامل، ومن المنتظر ولادتها في أي لحظة، ومن هنا ندعو جميع المنظمات الحقوقية كافة، في الوطن وفي الخارج، وجميع أحرار العالم إلى التحرك العاجل وممارسة الضغط على حكومة الاحتلال، من أجل إطلاق سراحها فورا، وإنقاذ حياتها وحياة مولودها من الخطر الذي يحيط بهما في السجن، كما أدعو كل النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تكثيف الحملة الإلكترونية للمطالبة بإطلاق سرحها فورا، قبل أن يحيط الخطر بها وبمولودها، فالأسيرة أنهار الديك تستشعر الخطر الذي بات يهدد حياتها وحياة مولودها في كل لحظة، حيث يزداد هذا الخطر كلما اقترب موعد الولادة، وما بعد الولادة بسبب سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها سلطات السجون، والتي أدت إلى وفاة واستشهاد عدد كبير من الأسرى والأسيرات.

ان حياة الأسيرة أنهار الديك وحياة مولودها المنتظر في خطر وشيك وداهم، وعلينا تكثيف حملة الضغط على حكومة الاحتلال بكل الوسائل القانونية والحقوقية، وهذا حق لها يكفله القانون الدولي الإنساني، ومبادئ حقوق الانسان، من أجل وقف وإنهاء هذا الخطر الذي يهدد حياتهما في كل لحظة، فهل تنجح هذه الجهود في إنقاذ حياة الأسيرة ومولودها، ليعيشا بأمن وسلامة وفي ظل ظروف صحية وإنسانية وطبيعية بعيدا عن السجن وفي كنف ورعاية العائلة التي تنتابها وتحيط بها نفس مشاعر الخوف والقلق أيضا.

محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.     

 

 

 

أطفال فلسطين ونساء أفغانستان

 

* المحامي علي أبوهلال

 

عندما تختلف معايير الدفاع عن حقوق الانسان ومعايير تطبيق القانون الدولي، تنعدم العدالة الدولية وتظهر ازدواجيه المعايير في تطبيقهما، وهذا ما يشعر به الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال الإسرائيلي ويعاني من ممارساته اليومية وانتهاكاته الجسيمة منذ عقود طويلة. فما أكثر القرارات الدولية التي اتخذتها هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني، والانتهاكات التي تتعرض لها من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، سواء ما يتعلق منها بحق تقرير المصير، أو ما يتعلق منها بحقوق الانسان وخاصة تلك التي تتعلق بحقوق الأطفال أو النساء وغيرها من حقوق الفئات الأخرى.

وبمناسبة عودة نحو 1.2 طفل في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى مقاعدهم الدراسية، دعا تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى ضرورة حماية حقوق الطفل بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث يتعرض الأطفال الفلسطينيون إلى جملة من الانتهاكات الجسيمة، لا تطال حقهم في التعليم فحسب بل تمتد لتشمل حقهم في الحياة، علاوة على انتهاك حقهم في النمو في ظل ظروف صحية ومعيشية مناسبة. فقد دعت منسقة الأمم المتحدة المقيمة، منسقة الشؤون الإنسانية للأرض الفلسطينية المحتلة لين هاستينغز " في تقرير لها الأسبوع الماضي جميع الأطراف للالتزام بحماية الأطفال وفقًا للقانون الدولي بغض النظر عن مكان وجودهم"، و"بوضع حدّ للاستخدام المفرط للقوة خاصة ضد الأطفال".

وأوضحت أنه "منذ مطلع العام 2021، أفادت التقارير بمقتل ما مجموعه 79 طفلًا وإصابة 1,269 آخرين بجروح. حيث قُتل 67 طفلًا في قطاع غزة خلال شهر أيار/مايو، وطفل آخر في شهر حزيران/يونيو بفعل مخلّفات الحرب المتفجرة. وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، قتلت القوات الإسرائيلية 11 طفلًا خلال العام 2021– عشرة منهم منذ شهر أيار/مايو– وأصابت 584 آخرين بجروح (منهم 378 طفلًا جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع)".

 

كما يتعرض الأطفال والمعلمين إلى مضايقات يومية متواصلة بسبب العنف الذي يمارسه المستوطنون بحقهم وهم في طريق ذهابهم إلى المدارس وعودتهم منها، ما يساهم في انتهاك حقهم الطبيعي في تلقي التعليم بصورة حرة وطبيعية.

لقد سبق هذا التقرير عدد كبير من التقارير الصادرة عن هيئات ومنسقي ومقرري هيئات الأمم المتحدة، وكلها تشير إلى ضرورة حماية حقوق الشعب الفلسطيني بمختلف فئاتهم، من الانتهاكات المستمرة من قبل حكومة الاحتلال، وجيش الاحتلال، وعصابات المستوطنين، وكل هذه التقارير تدعو إلى إدانة هذه الانتهاكات وتدعو إلى وقفها، وتطالب بحماية دولية لهذه الحقوق، وتبقى هذه التقارير وهذه النداءات حبيسة الأدراج لا تتوفر الإرادة الدولية لتطبيقها، وتبقى دولة الاحتلال سلطة فوق القانون، لا تحاسب على جرائمها وانتهاكاتها التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني.

ومقارنة بما يجري من انتهاكات وجرائم في دول وبلدان أخرى للقانون الدولي ومبادئ حقوق الانسان، نرى أن هناك نظرة مختلفة لها، ومعايير أخرى للتعامل معها، من قبل المجتمع الدولي. وهنا لن أتطرق إلى العديد من المناطق التي يتم فيها انتهاك القانون الدولي، ومبادئ حقوق الانسان، وكيف يتم التعامل معها، من قبل المجتمع الدولي، حيث يجري محاسبة الجهات والسلطات التي تقوم بهذه الانتهاكات بشكل صارم، وتخضع هذه الجهات إلى عقوبات دولية، اقتصادية وسياسية وأحيانا تستخدم القوة ضدها لوقف ممارساتها وانتهاكاتها للقانون الدولي ومبادئ حقوق الانسان. وهنا تظهر ازدواجية التعاطي والتعامل مع الذين ينتهكون القانون الدولي والشرعة الدولية لحقوق الانسان، كما يجري مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي وغيرها من السلطات في بلدان أخرى.

لن نتوسع بالحديث والمقارنة في هذا المجال، وسأحصر الحديث عما يجري في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان عليها بعد انسحاب القوات الأمريكية المحتلة لها، وفرارا وانهزام القوات العسكرية الأفغانية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وسقوط سلطات الدولة الأفغانية وفرار رئيسها.

فقد شرعت الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من دول العالم بالحديث عن ضرورة تقيد حركة طالبان بالقانون الدولي، وحقوق الانسان، وخاصة حقوق النساء في أفغانستان، وطالبت حركة طالبان بحماية هذه الحقوق تحت طائلة المسؤولية، والتهديد باستخدام القوة ضدها إذا قامت بانتهاك هذه الحقوق، أو غيرها من الحقوق والحريات الأساسية، ومن ضمنها حرية الرأي والصحافة والحقوق الديمقراطية الأخرى التي يكفلها القانون الدولي، متناسية جرائم الحرب التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى من الشعب الأفغاني، في الوقت نفسه تمتنع هذه الدول من ممارسة أي ضغط فعلي لوقف انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني خلال العقود الطويلة من عمر الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فنحن لا نميز بين هذه الانتهاكات سواء ارتكبت في فلسطين، أو في أفغانستان أو غيرها من دول العالم، فكل هذه الانتهاكات مدانة ومرفوضة، وينبغي التعامل معها بمعايير واحدة وموحدة، حتى يتم تطبيق القانون الدولي على الجميع بدون تمييز.

محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

هدم العراقيب للمرة 191 على التوالي

تأكيد للسياسة العنصرية الاسرائيلية

* المحامي علي أبوهلال

في إطار سياسية التهجير والتطهير العرقي التي تنتهجها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني تواصل سلطات الاحتلال هدم القرى والمنازل الفلسطينية في عموم الأراضي الفلسطينية، حيث أقدمت يوم الخميس الماضي 5/8/2023، على هدم قرية العراقيب، مسلوبة الاعتراف والمهددة بالاقتلاع والتهجير في النقب، للمرة 191 على التوالي.

"العراقيب" قرية فلسطينية تقع إلى الشمال من مدينة بئر السبع في صحراء النقب، وتعد واحدة من بين 51 قرية عربية في النقب لا تعترف الحكومة الإسرائيلية بها. وتعمل سلطات الاحتلال منذ عام 1951 على طرد سكانها، بهدف السيطرة على أراضيهم، عبر عمليات هدم واسعة للبيوت، وتعرضت القرية للهدم بالكامل أول مرة بتاريخ 27 تموز/ يوليو 2010؛ حيث شرد المئات من سكانها، بدعوى البناء دون ترخيص، ومنذ ذلك الحين تعود لهدمها في كل مرة يقوم السكان بإعادة بنائها.

 منازل “العراقيب” مبنية من الخشب والبلاستيك والصفيح، وتقطنها 22 عائلة، ولا تعترف الحكومة الإسرائيلية بقرية العراقيب، ولكن سكانها يصرّون على البقاء على أرضهم رغم الهدم المتكرر لها، وأقيمت العراقيب للمرة الأولى في فترة الحكم العثماني على أراضٍ يملكها سكانها.

بعد يومين من انتخابات الكنيست الإسرائيلي الرابع والعشرين، قامت قوات الاحتلال في الخامس والعشرين من شهر آذار/ مارس الماضي بهدم قرية العراقيب للمرة 185 منذ عام 2000 في إطار مخطط برافر لتهويد منطقة النقب، الذي يعتبر من أخطر المخططات الاستيطانية التهويدية منذ عام 1948 حيث تسعى دولة الاحتلال من خلاله إلى تهويد منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة بالكامل والسيطرة الصهيونية المباشرة على 800 ألف دونم من أراضي منطقة النقب، وطرد أهلها العرب لترسيخ قانون يهودية دولة الاحتلال.

تندرج السياسات الإسرائيلية في الهدم المتكرر لقرية العراقيب في إطار مخططات الترانسفير الصهيونية الرامية إلى طرد العرب الفلسطينيين من وطنهم، بغرض تهويده في نهاية المطاف، تقع قرية العراقيب في شمال مدينة بئر السبع في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة، وتعد واحدة من 45 قرية عربية في النقب لا تعترف دولة الاحتلال بها، حيث تستحوذ منطقة النقب في جنوب فلسطين المحتلة على أكثر من (50) في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، البالغة 27009 كيلومترات مربعة، وبفعل الزيادة السكانية العالية بين العرب الفلسطينيين في تلك المنطقة، ارتفع عددهم من 15 ألفا في 1948 إلى حوالي (260)ألفا في بداية العام الحالي 2021.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن مساحة المنطقة المأهولة بالسكان البدو العرب في منطقة النقب، أصحاب الأرض الأصليين، لا تتعدى (240) ألف دونم من أصل مساحة صحراء النقب، البالغة نحو (13،5) مليون دونم، وكانت المحاكم الصهيونية أقرت في عام 1948 أنه لا ملكية للبدو في أرضهم وأرض أجدادهم.

تمكنت السلطات الصهيونية، عبر سياسات ديموغرافية واستيطانية محكمة، من عدم الاعتراف بكل التوسعات العمرانية العربية في منطقة النقب، وقامت السلطات الصهيونية بتجميع بدو النقب في مناطق محددة، لأسباب أقلها محاولة كسر التمركز الديمغرافي الشديد للبدو في مناطق لها هوية عربية خالصة، ومن تلك المناطق التي تم إسكان قسم من البدو فيها بلدة مرعيت، وكانت هذه الخطوة بمنزلة اقتلاع وترحيل قسري لعرب النقب في الوقت نفسه. وثمة مخططات صهيونية عديدة لإعادة تجميع عرب النقب في ثلاث مناطق في جنوب فلسطين المحتلة، هي: ديمونا وعراد وبئر السبع.

وفي الاتجاه نفسه، قد تتم عمليات التجميع في سبع قرى، عوضا عن 70 قرية بدوية منتشرة في صحراء النقب غير معترف بها أصلا من قبل السلطات والإدارات الصهيونية المختلفة، وهو ما سيجعل حياة البدو أكثر هامشية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى.

واللافت أن مخطط برافر يكمن في مصادرة 800 ألف دونم، وتجميع عرب النقب، وعددهم نحو (260) ألف عربي فلسطيني خلال العام الحالي 2021، في مساحة هي أقل من 100 ألف وفي هذا السياق، تندرج عملية تدمير قرية العراقيب وإزالتها للمرة 185منذ عام 2000.

تستخدم دولة الاحتلال ومراكز البحث الإسرائيلية مسميات عديدة، وفي مقدمتها عمليات التطوير، من أجل تكثيف الاستيطان وتسمينه في منطقة النقب والجليل أيضاً، ولهذا برزت قضية اللجوء داخل الخط الأخضر، وخصوصاً في منطقتي النقب والجليل، إثر نكبة الفلسطينيين الكبرى في 1948، حيث بقي في المناطق التي أنشئت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي (151) ألف فلسطيني، فبعد أن سيطر الجيش الإسرائيلي على أملاك اللاجئين وأرضهم، من خلال استصدار ما يسمى قانون الغائبين في 20-3-1950 حيث أصبح الحاضرون في وطنهم، وغير القاطنين في قراهم ومدنهم، غائبين، وصودرت أملاكهم وأراضيهم.

وبلغ عدد هؤلاء في 1950 نحو 45 ألف لاجئ فلسطيني، حسب تقرير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» في العام المذكور، وقد شرد هؤلاء بفعل ارتكاب المجازر الصهيونية من 44 قرية فلسطينية في عام 1948 وتركز معظمهم في منطقة الجليل في شمال فلسطين؛ ويعانون ظلماً مزدوجاً، فمن جهة هم جزء من الأقلية العربية داخل الخط الأخضر التي تواجه تمييزاً عنصرياً صهيونياً، كنموذج خاص في التاريخ الإنساني المعاصر، ومن جهة أخرى، هم مهجرون يعانون جراء عدم القدرة في العودة إلى قرية أو مدينة الأصل التي طردوا منها.

هدم قرية العراقيب للمرة 191 على التوالي الأسبوع الماضي، يدل على استمرار وثبات سياسة دولة الاحتلال العنصرية الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وهدم منازلهم، وقد عبر أهالي قرية العراقيب عن خشيتهم من استمرار هذه السياسة العنصرية، وعدم ثقتهم بالوعود التي قطعتها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بينت، للقائمة العربية الموحدة بالاعتراف بالقرى العربية في النقب، ووقف عمليات الهدم لهذه القرى والمنازل.

وهذا يتطلب عدم الرهان على تغيير موقف الحكومة الإسرائيلية الأخيرة لسياستها القديمة الجديد المتواصلة منذ عشرات السنين، وجوهرها عدم الاعتراف بالقرى العربية في النقب، والاستمرار في سياسة عمليات هدم المنازل والقرى العربية في النقب، وفي غيرها من البلدات والقرى الفلسطينية، تلك السياسة العنصرية المخالفة للقانون الدولي، الأمر الذي يقتضي وقف المراهنة على تغيير هذه السياسية العنصرية، واستمرار نضال الجماهير الفلسطينية بالتصدي لهذه المخططات العنصرية التي تستهدف ترحيل وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم. 

محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.     

 

كل التضامن مع الأسرى الاداريين

المضربين عن الطعام

لتحقيق مطالبهم العادلة

* المحامي علي أبوهلال

نحو 540 معتقل إداري يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعضهم أمضى عدة سنوات، علماً أن الاعتقال الإداري هو اعتقال بدون تهمه أو محاكمة، يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور قابلة للتجديد. والاعتقال الإداري إجراء مرتبط بالوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحركة الاحتجاج الفلسطيني على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وهو عقاب وأجراء سياسي يعبر عن سياسة حكومية رسمية لدولة الاحتلال باستخدامها الاعتقال الإداري كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين، والاعتقال الإداري بالشكل الذي تستخدمه قوات الاحتلال محظور في القانون الدولي، فقد استمر الاحتلال في اصدار أوامر اعتقال إداري بحق شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية ، نشطاء حقوق إنسان، عمال، طلبة جامعيون، محامون، أمهات معتقلين وتجار. لتكون إسرائيل هي الجهة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه السياسة.

تتزايد حالات الاعتقال الإداري أثناء الهبات والانتفاضات الشعبية حيث تستخدم سلطات الاحتلال هذه السياسة لقمع وترهيب الفلسطينيين، فأصدرت قوات الاحتلال منذ العام 1967، ما يزيد عن (50,000) أمر اعتقال إداري، 24 ألفاً منها صدرت ما بين العامين 2000 و2014 وأثناء انتفاضة الحجارة، وصل عدد المعتقلين إدارياً في العام 1989 إلى ما يزيد على (1,700) معتقل، وفي العام 2003 إبان انتفاضة الأقصى بلغ عدد المعتقلين إدارياً (1,140) معتقلاً ومنذ الهبة الشعبية عام 2015 حتى نهاية العام 2018، أصدرت سلطات الاحتلال 5068 أمر اعتقال إداري بين أمر جديد وتجديد لأمر.

ترجع القوانين العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بأوامر الاعتقال الإداري إلى قانون الطوارئ الانتدابي لعام 1945، ويستند القائد العسكري الإسرائيلي في غالبية حالات الاعتقال الإداري على مواد سرية، وهي بالأساس مواد البينات ضد المعتقل، والتي تدعي السلطات الإسرائيلية عدم جواز كشفها حفاظاً على سلامة مصادر هذه المعلومات، أو لأن كشفها قد يفضح أسلوب الحصول على هذه المواد، وقد أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية في حالات عدة جواز إمكانية عدم كشف هذه البينات، وعدم إلزام السلطة باحترام حق المشتبه به بالحصول على إجراءات محاكمة عادلة، بما يعد انتهاكاً لحق المعتقل الإداري في معرفة سبب اعتقاله، فمن حق كل شخص أن يعرف سبب اعتقاله، وتنص المادة 9(2) من العهد الدولي المذكور "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" على ما يلي: "يجب إبلاغ كل شخص يقبض عليه بأسباب القبض عليه لدى وقوعه، ويجب إبلاغه على وجه السرعة بأية تهمة تُوجَّه إليه".

احتج المعتقلون الاداريون على هذه السياسة ورفضوها بأساليب مختلفة، ولجأوا إلى القيام بالإضرابات المفتوحة عن الطعام جماعيا وفرديا، وقد نجح عدد منهم في وقف والغاء اعتقالهم الإداري، وتحررهم من السجن، بعد فترة طويلة من الاضراب عن الطعام وصلت حياتهم خلالها إلى مرحلة من الخطر التي تهدد بموتهم، ما جعل سلطات الاحتلال تضطر إلى الافراج عنهم، كان آخرهم الأسير الغضنفر أبو عطوان بعد اضرابه المفتوح عن الطعام الذي استمر 64 يوما.

وفي هذه الأيام يواصل 14 معتقل إداري الاضراب المفتوح عن الطعام مطالبين بوقف اعتقالهم الإداري والافراج عنهم فورا، مكررين بذلك أسلوب من سبقهم من المعتقلين الإداريين، الذين نجحوا بالتحرر من الاعتقال الإداري بعد فترة طويلة من الاضراب المفتوح عن الطعام، كاد أن يفقد بعضهم حياته من جراء هذا الاضراب، وهؤلاء المعتقلون يلجؤون إلى هذه الوسيلة بعد أن فشلت كل الوسائل الأخرى لتحريرهم من الاعتقال الإداري.

والأسرى المضربون عن الطعام، هم: سالم زيدات، ومحمد اعمر، ومجاهد حامد، ومحمود الفسفوس، وكايد الفسفوس، ورأفت الدراويش، وجيفارا النمورة، وماهر دلايشة، وعلاء الدين خالد علي، وأحمد عبد الرحمن أبو سل، ومحمد خالد أبو سل، وحسام تيسير ربعي، وفادي العمور، والأسير أحمد حسن نزال موزعين في معتقلات النقب، وريمون، وعوفر، ومجدو. ويذكر أن الإضرابات الفردية الرافضة للاعتقال الإداريّ مستمرة، جرّاء تصعيد سلطات الاحتلال في سياسة الاعتقال الإداري، وتحديدًا منذ شهر أيّار المنصرم، علمًا أن غالبية الأسرى الإداريين هم أسرى سابقون أمضوا سنوات في سجون الاحتلال.

إن الاعتقال الإداري بالصورة التي تمارسها سلطات الاحتلال مخالف للقانون الدولي الإنساني، ويشكل ضرباً من ضروب التعذيب النفسي، ويرقى لاعتباره جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب بموجب ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يجرّم حرمان أي أسير حرب، أو أي شخص مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية، الأمر الذي يخالف ما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي كفل حق المعتقل في المحاكمة العلنية.

إن لجوء المعتقلين الإداريين إلى الإضراب عن الطعام الفردي والجماعي هو الوسيلة الوحيدة لوقف الاعتقال الإداري وتحررهم منه، ومن هنا ينبغي تفعيل وتطوير الدعم والاسناد والتضامن الشعبي الفلسطيني والدولي لإضرابهم، حتى ننهي ملف الاعتقال الإداري، وتحرير كل الأسرى الإداريين منه.

 محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                  

 

 

 

لتتوقف عمليات هدم المنازل ومحاكمة

مرتكبيها أمام القضاء الجنائي الدولي

 

* المحامي علي أبوهلال

تصاعدت وتيرة عمليات هدم المنازل التي تقوم بها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة هذا العام، في إطار سياسة التطهير العرقي والتهجير القسري التي تمرسها بحق الفلسطينيين، فقد كشف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في فلسطين (أوتشا)، يوم السبت الماضي 2021-07-17، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت بهدم 474 مبنى فلسطينيًا منذ بداية العام الجاري، بما فيها 150 مبنًى موّله المانحون، أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها. وقد أدى ذلك إلى تهجير 656 شخصًا، من بينهم نحو 359 طفلًا، في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة"، موضحًا أن هذا يمثل زيادة قدرها 32% في عدد المباني المستهدفة وزيادة تقارب 145% في استهداف المباني المموّلة من المانحين، وارتفاعًا يربو على 70 % في عدد السكان المهجرين، بالمقارنة مع الفترة المقابلة من العام 2020، وفقا لتقرير صادر عن (أوتشا).

وفي شهر نيسان/ ابريل الماضي أصدرت الإدارة المدنية التابعة للاحتلال أوامر هدم منازل تابعة للفلسطينيين أكثر بخمس مرات من أوامر هدم للمستوطنين خلال العام المنصرم وكشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أنه من أصل 187 أمرًا بإزالة مبانٍ جديدة أصدرتها الإدارة المدنية في الضفة الغربية منذ عام 2019 وحتى نهاية عام 2020، صدر 159 أمرًا لفلسطينيين و28 أمرًا فقط للمستوطنين. وتظهر بيانات الإدارة المدنية زيادة كبيرة في عام 2020 في إصدار الأوامر التي تسمح بهدم المباني الجديدة في المنطقة (ج) خلال 96 ساعة دون إمكانية الاستئناف. وقد صدرت معظم الأوامر للفلسطينيين، الذين ما زالوا يجدون صعوبة في الحصول على تصاريح البناء. جاء ذلك بحسب معطيات الإدارة رداً على طلب بالحصول على المعلومات المقدم من المحامي كيمر مشركي من منظمة هيكل ومنظمة المخططين "بمكوم".

في حين كشفت معطيات لمركز حقوق الإنسان الإسرائيلي" بتسيلم" عن سياسة التصعيد الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين منذ مطلع العام الماضي 2020، لافتًا الى أن الاحتلال هدم 218 منزلًا خلال 10 أشهر وبشكل متصاعد دون مراعاة او اهتمام بالقانون الدولي والمواثيق الدولية، وأكد المركز ان نسبة هدم المنازل الفلسطينية ارتفعت الى أكثر من 200٪ خلال العام الماضي 2020. وأشار ان عدد الفلسطينيّين الذين فقدوا منازلهم هذا العام في الضفة الغربيّة بما فيها شرقيّ القدس، تفوق العدد السنويّ لكلّ عام منذ 2016 الذي سجّل في حينه رقماً قياسيّاً نسبة لما قبله. وبلغت حصيلة سياسات الهدم الإسرائيلية في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام، 218 منزلاً فلسطينيّاً و798 مشرّداً بضمنهم 404 قاصرين. وللمقارنة: ففي العام 2019 شرّدت إسرائيل 677 فلسطينيّاً وفي العام 2018 شرّدت 397 أخرين، و521 فلسطينيّاً في العام 2017. وذكر المركز أن المباني والمرافق غير السكنيّة التي هدمتها إسرائيل خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2020 فقد بلغ عددها 301 منزلاً، تشمل مرافق لاحتياجات إنسانية كالآبار وخطوط المياه وشبكة الكهرباء وكلّها ضروريّة للحفاظ على صحّة السكّان ولصرف المياه العادمة، خاصّة في فترة تفشّي الوباء."

هدم المنازل هو إجراء إداري يُطبّق دون محاكمة ودون الحاجة إلى إظهار أدلّة أيًّا كانت وذلك استنادًا إلى المادّة 119 من تعليمات الدفاع (أوقات الطوارئ) التي أصدرها الانتداب البريطاني عام 1945. بعد تسليم أمر الهدم للأسرة يمكنها تقديم اعتراض أمام القائد العسكري خلال 48 ساعة. في قرار محكمة العدل العليا من العام 1989، حكمت المحكمة أنّه عند رفض الاعتراض يجب إتاحة الفرصة أمام العائلة لتقدّم التماسًا لمحكمة العدل العليا، قبل تنفيذ الهدم. على مرّ السنين تمّ تقديم عشرات الالتماسات ضدّ هدم المنازل وطُرحت فيها حجج مبدئية تطعن في قانونيّة هذه الوسيلة ولكنّ محكمة العدل العليا رفضت تلك الإلتماسات.

تصنف سلطات الاحتلال الإسرائيلية هدم المنازل إلى أربعة أنواع هي:

1. الهدم العسكري: وهو هدم البيوت على يد الجيش الاحتلال الإسرائيلي لأسباب عسكرية (بذريعة حماية الجنود والمستوطنات)، مع أن معظم سكان هذه المنازل أبرياء، ولكنها تبرر هذه الأعمال تحت مسمى "أهداف عسكرية قانونية، وهو سائد في كافة أنحاء الضفة الغربية ومناطق (ج).

2. الهدم العقابي: وهو هدم منازل العائلات الفلسطينية على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي بذريعة تنفيذ أبنائهم عمليات عسكرية ضد الإسرائيليين. وهذا النوع من الهدم ليس له أي أهداف عسكرية. وبالعودة إلى معاهدة جنيف الرابعة المادة (33): لا يجوز معاقبة أي شخص محمي، ضد جريمة لم يرتكبها شخصيا، وبالتالي فإن "الهدم العقابي" يعارض النظام الأساسي لهذه المعاهدة والمادة (50) من قرارات "لائحة لاهاي".

3. الهدم الإداري: وهو الأكثر شيوعاً، وينفذ هذا القرار بذريعة البناء دون الحصول على ترخيص، أو بذريعة المصلحة العامة، وتكمن السهولة في إصدار القرار الإداري للهدم بالاكتفاء بإصدار مهندس بلدية القدس المحتلة بلاغًا بهذه الحالات، في حين يقوم رئيس البلدية بدوره بالتوقيع عليه، مع أن "البناء بدون تراخيص" يجري أيضًا في المستوطنات بكثرة.

4. الهدم القضائي: هو عبارة عن قرار قضائي يصدر عن المحاكم الإسرائيلية، ومنها: محكمة الشؤون المحلية، والمحكمة المركزية، والمحكمة العليا. ويأتي قرار الهدم القضائي عادة بعد الانتهاء من الإجراءات والقرارات الإدارية الصادرة عن بلدية القدس. وبموجب المادة 212، يحصل المسؤولون على أمر الهدم القضائي برفع دعوى ضد "المالك المجهول".

تعتبر سياسة هدم منازل المواطنين من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي أحد أبرز الممارسات اللا انسانية، والتي بدأت منذ أن احتلت اسرائيل الأراضي الفلسطينية سنة 1967 كنمط من انماط العقوبات الجماعية. انتهجت سياسة هدم المنازل بحجج مختلفة، منها: الذرائع الأمنية، أو بدعوى البناء دون ترخيص، أو لمخالفتها سياسة سلطات الاحتلال الاسرائيلية للإسكان او قرب هذه المنازل من المستوطنات أو لوقوعها بمحاذاة الطرق الالتفافية.. الخ. ما زالت سياسة الهدم تتواصل يوميا رغم المناشدات الدولية الداعية اسرائيل الى وقف سياسة هدم المنازل. فدعت السيدة فرحة ليلاني مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالسكن اللائق إلى "أن استخدام هدم المنازل كإجراء عقابي هو ببساطة شكل من أشكال العقاب الجماعي خلافا للقانون الدولي. وانه يجب على إسرائيل حالا وقف استخدامها لهذه الممارسة المدمرة".

في العام 2004، دعا مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة اسرائيل لوقف هدم المنازل الفلسطينية وفقا لقرار رقم 1544/2004، حيث نص القرار على أن مجلس الأمن دعا اسرائيل الى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الانساني ولا سيما الالتزام بعدم القيام بهدم المنازل خلافا لهذا القانون.

هدم المنازل والممتلكات العائدة للمواطنين الفلسطينيين، تندرج تحت سياسة التطهير العرقي وتعتبر مخالفة جسيمة لنص المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تحرم تدمير الممتلكات أيا كانت ثابتة أو منقولة.. الخ، وانتهاكاً صارخاً لنص المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر بتاريخ 10/12/1948 والتي تنص على أنه "لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً "لذا، إن ما تقوم به حكومة الاحتلال من هدم لمنازل وممتلكات المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وما يترتب عليه من آثار سلبية يعد انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي الانساني، وتهدف إلى تشريد المواطنين الفلسطينيين من اراضيهم وتهجيرهم وحرمانهم من حقهم في العيش بأمن واستقرار، كما تؤدي سياسة إلغاء الإقامات إلى تهجير الفلسطينيين قسريًا من القدس، وهو ما يعدُّ جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية بموجب "اتفاقية روما" الناظمة لمحكمة الجنايات الدولية، وانتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة. وعلى المجتمع الدولي الضغط على حكومة الاحتلال لوقف هذه الجرائم، كما يقتضي ملاحقة مرتكبيها ومحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، والقضاء الجنائي الدولي حتى لا يفلت هؤلاء من العقاب.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                 

 

استشهاد الدكتورة مي عفانة

جريمة قتل عمد تستوجب

التحقيق والمحاسبة

* المحامي علي أبوهلال

جريمة قتل عمد ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، عندما أطلق جنود الاحتلال صباح يوم الأربعاء الماضي 16يونيو/حزيران الجاري، النار على الدكتورة مي عفانة من سكان بلدة ابو ديس، (29 عاما) في قرية حزما شمال شرق مدينة القدس بذريعة محاولتها تنفيذ عملية دهس وطعن.

حيث زعمت قناة 13 العبرية، “أن فلسطينية حاولت دهس جنود إسرائيليين قرب الحاجز، ‘قبل أن تخرج من مركبتها وتحاول طعنهم’، إلا أن أحد الجنود أطلق النار تجاهها”.

أصبحت هذه التهمة جاهزة وتتكرر في كل جريمة قتل يرتكبها جنود الاحتلال، ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، على الشوارع والطرقات وقرب الحواجز العسكرية، عشرات بل مئات الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا، استنادا إلى هذه التهمة الباطلة التي لا أساس لها، ولا يوجد دليل عليها.

جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تعتبره حكومة الاحتلال بأنه من أقوى جيوش العالم تدريبا وتسليحا ومهارة، ومن أكثر الجيوش التزاما بقواعد سلوك القوات المحاربة انضباطا والتزاما واخلاقا، يرتكب يوميا مثل هذه الجرائم بحق المدنيين العزل. بنفس هذه الحجة والتهمة، يقتل المدنيين من الأطفال والمرضى والنساء والشيوخ وهم الأكثر ضعفا والأقل مهارة وقدرة، وهم عزل ولا يعتبرون مقاتلون أو يحملون السلاح.

ولسنا في معرض الحديث عن عشرات بل مئات الضحايا من المدنيين العزل، الذين قتلهم هذا الجيش العظيم الأكثر قوة وتدريبا ومهارة ومدججا بأكثر الأسلحة فتكا وقوة، بحجة دهس الجنود أو محاولة طعنهم.

ماذا يطلق على عمليات قتل المدنيين العزل، في العلوم الحربية، والقوانين الدولية التي تنظم قوات الحرب؟ يطلق عليها جرائم حرب، وجرائم قتل عمد، واعدام خارج إطار القانون.

تؤكد عائلة الشهيدة منى عفانة، أن قوات الاحتلال أعدمت ابنتهم بدم بارد، وتركتها تنزف حتى ارتقت شهيدة، دون أن تقدم لها أي إسعافات طبية، كما فعلت مع غيرها من الضحايا.

وقال خالد يوسف عفانة، والد الشهيدة مي أن العائلة كانت تحضر خلال الأيام القليلة الماضية لحفل تخرجها من جامعة مؤتة في الأردن بدرجة الدكتوراه في تخصص الإرشاد النفسي، ونفى عفانة وجود أي مشاكل نفسية أو اجتماعية لدى ابنته، مؤكدا أنها تعيش حياة طيبة وجميلة، ومتزوجة ولديها طفلة "سلاف" تبلغ من العمر 5 سنوات، وحياتها لا ينغصها أي شيء.

وأوضح أن مي درست البكالوريوس والماجستير في جامعة القدس، وتخرجت منها بتفوق، وهو الحال بدراستها الدكتوراه في جامعة مؤتة، وتخرجها بتفوق. وبيّن عفانة أن ابنته مي كانت متفوقة في علمها وعملها وحياتها، ومحبوبة لدى الجميع، وتقوم ببيتها وعائلها. وقال خالد عفانة:" الفلسطيني يخرج من بيته في كل يوم ولا يعلم إن كان سيعود إليه، أو سيكون على موعد مع رصاص الاحتلال أو اعتقال أو إصابة.

هذه الفتاة التي تعيش بسلام بين أسرتها وتحب الحياة وتتطلع لمستقبل أفضل، لا تفكر كما يقول أقراد أسرتها، وكل من يعرفها، بالقيام بعملية دهس أو طعن كما تدعي قوات الاحتلال، التي لم تقم الدليل أو البينات على هذه الحجة، ولم تثبت هذه التهمة.

قتل الشهيدة مي عفانة تعتبر جريمة قتل عمد بدم بارد، واعدام خارج إطار القانون، ولم تكن تهدد حياة جنود الاحتلال، وكيف لها أن تهدد حياة من يحمل السلاح، وهي عزلاء لا تحمل ما يهدد حياة الجنود أو المستوطنين، ويستطيع الجنود السيطرة عليها واعتقالها، أو تحييدها بأي شكل من الأشكال، وهم أي الجنود مقاتلون، ويملكون الأسلحة الفتاكة، وهم الأكثر تدريبيا ومهارة، من فتاة ضعيفة غير مقاتلة.

ومن هنا ينبغي العمل من أجل تشكيل لجنة دولية ومحايدة، للتحقيق في ظروف قتل الشهيدة مي عفانة، وهذا المطلب هو حق لعائلتها وحق للشعب الفلسطيني، وحق لكل مناصري العدالة والحق في العالم.

وستظل قوات الاحتلال مسؤولة عن جريمة قتل الشهيدة مي عفانة، بدم بارد كما ارتكبت العديد من الجرائم التي ذهب ضحيتها عشرات ومئات الجرائم المثيلة، ولا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثمانها، وهذه أيضا جريمة أخرى، وكلا الجريمتين من جرائم الحرب، التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين المدنيين العزل، وينبغي محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، ومحاكمتهم لدى القضاء الجنائي الدولي، وتحديدا لدى المحكمة الجنائية الدولية، التي ينبغي لها الشروع فورا في التحقيق في الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين من العقاب، وحتى يتم إنصاف الضحايا.     

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.     

 

 

لتتوقف سياسة الإبعاد

عن القدس والمسجد الأقصى

 

* المحامي علي أبوهلال

 

تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، في القدس المحتلة، وتطال المقدسيين وتشمل الاعتداءات الجسدية والاعتقال والإبعاد عن المسجد الأقصى وعن مدينة القدس.

ويعتبر المواطن المقدسي طه ياسين (35 سنة) أحد الأمثلة والنماذج التي تعرض لمثل هذه الانتهاكات، وعند أحد مداخل البلدة القديمة في القدس الشرقية، يلوح طه ياسين (35 سنة) لأطفاله الثلاثة ويرسل لهم القبلات، على الرغم من أن نافذة منزله التي يقف على مشارقها لرؤيتهم لا تبعد عنه سوى أمتار قليلة، إلا أن خطر الاقتراب قد يكلفه السجن أشهراً عدة، أو دفع غرامة مالية باهظة، فالمخابرات الإسرائيلية اعتقلته قبل فترة أثناء خروجه من إحدى باحات المسجد الأقصى، واقتادته لمركز القشلة لتسلمه في ما بعد قراراً بالإبعاد لمدة شهر كامل عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة، بقرار عسكري يتهمه بـ"إثارة الشغب"، ويقصد بـ"الإبعاد" عن الأقصى منع مصلين محددين من دخول المسجد لفترة محددة.

يتحدث ياسين عن "الآثار التي يتركها الإبعاد، ويقول إنها اجتماعية وخيمة، تبدأ بتشتيت الأسرة وتفكيكها، فلا يسمح للمبعد عن الأقصى والبلدة القديمة بالعيش مع عائلته إن كانت تقطن هناك، وهذا يترك أثراً كبيراً وكأنه في السجن ما يتسبب في تشتيت الأسرة وتفكيكها.

ووفقا لمختصين ولمؤسسات مقدسية مختصة، تسعى سلطات الاحتلال إلى إفراغ المسجد الأقصى من المرابطين فيه، من خلال انتهاج سياسة الإبعاد التي تحمل أشكالاً عدة، بدأت بالإبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة بعد عام 2003، وتطورت لإبعاد عن كامل مدينة القدس، إذ تأتي هذا القرارات بأمر عسكري، ووفقاً لمركز معلومات وادي حلوة، فإن 375 قرار إبعاد سلمت للفلسطينيين خلال عام 2020، منهم 315 أبعدوا عن المسجد الأقصى، و33 عن البلدة القديمة، و15 عن مدينة القدس، من بينهم 15 قاصراً و66 أنثى، إضافة لإبعاد أربعة مقدسيين عن الضفة الغربية، ومنع ثمانية آخرين من السفر. مشيراً إلى أن من بين المبعدين، رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري، ونائب مدير أوقاف القدس الشيخ ناجح بكيرات، وعدد آخر من المصلين وحراس المسجد الأقصى.

المحامي خالد زبارقة المتخصص في الدفاع عن المقدسيين يقول، "تسعى إسرائيل من خلال هذه الأداة على المدى البعيد إلى الفصل المعنوي بين المقدسيين والمسجد الأقصى، من أجل التحضير لإقامة هيكلهم المزعوم، ومن أجل إخضاع الناس وإجبارهم على تقبل سياساتها وإذعانهم لسياساتها العنصرية، على الأرض والمسكن والناس بل وعلى وعي الناس ومفاهيمهم، فمن يصر من المقدسيين على المواجهة والتصدي للاقتحامات هو "المصلي السيئ" الذي يستحق الإبعاد"، بينما "المصلي الجيد" لا يكترث لأي مشاهدات ويؤدي الصلوات ويخرج بهدوء.

واصلت سلطات الاحتلال هذه السياسة خلال قمعها للاحتجاجات التي نظمها المقدسون في القدس المحتلة خلال الأيام القليلة الماضية، سواء داخل ساحات المسجد الأقصى، أو أمام باب العامود أو في الشيخ جراح أو في غيرها من المواقع داخل القدس. حيث اعتدت على المحتجين وقامت باعتقالهم وإصدار قرارات الإبعاد بحقهم، وذلك بهدف إرهابهم، ولم تميز بين الأطفال والشيوخ والنساء والشباب حيث تعرض الجميع لمثل هذه الانتهاكات والاعتداءات.  

ومارست سلطات الاحتلال استخدام أسلوب الإبعاد عن مدينة القدس وبلدتها القديمة والمسجد الأقصى، حيث شملت قرارات الإبعاد عشرات الشخصيات الدينية والوطنية والمقدسيين لفترات تراوحت بين يومين إلى 6 أشهر.

وفي تقريره الشهري لشهر أيار الماضي رصد تجمع أوروبيون لأجل القدس، حوالي2879 اعتداءً "إسرائيليا" في القدس المحتلة، وذكر التقرير أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استمرت في تنفيذ سياسة الإبعاد عن المسجد الأقصى أو مدينة القدس، حيث وثق التقرير إبعاد 81 فلسطينيًّا عنه لمدد تفاوتت ما بين أسبوع وستة أشهر، خلال الشهر الماضي وحده.

لا يمكن فصل سياسة الإبعاد هذه عما سبقها من سياسة تهويد وحصار وعزل القدس، والاعتداء على المسجد الأقصى، والمقدسات المسيحية والإسلامية، ومنع الفلسطينيين من دخول القدس، عبر تكثيف الحواجز في محيط المدينة، وكذلك الجدار العازل الذي عزل القدس عن امتدادها الفلسطيني، ومنع أهل غزة من زيارة الأقصى، وقد مثلت هذه السياسة انتهاك خطير للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وكل هذه الممارسات والانتهاكات التي تمارسها حكومة الاحتلال في القدس المحتلة، تجعل القدس والمقدسيين، في مواجهة دائمة مع قوات الاحتلال، الأمر الذي يقتضي دعم نضال المقدسيين للدفاع عن المدينة المقدسة، وحمايتها من بطش قوات الاحتلال واعتداءاته المتواصلة.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                 

 

 

انتهاكات وجرائم غير مسبوقة

يرتكبها الاحتلال ضد الصحافيين

ووسائل الاعلام

 

المحامي علي أبوهلال

تصاعدت خلال الأيام الماضية اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحافيين ووسائل الاعلام في القدس، وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأتي هذه الانتهاكات استكمالا للاعتداءات على الصحافة ووسائل الاعلام على قطاع غزة خلال العدوان الأخير الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة والذي استمر أحد عشر يوما منذ العاشر من شهر أيار الماضي.

وقد شهدت هذه الانتهاكات تصعيدا غير مسبوق، بالاعتداء على الصحافية جيفارا البديري والمصور نبيل مزاوي العاملين في قناة الجزيرة حيث طرحه جنود الاحتلال أرضا وحطموا كاميرته، وذلك أثناء تغطيتهما للاعتداءات على مسيرة سلمية للتضامن مع أهالي حي الشيخ جراح في القدس، يوم السبت الماضي الخامس من شهر حزيران الجاري، وتبع ذلك اعتقال الصحافية البديري، التي تعرضت خلال عملية الاعتقال للتقييد والضرب والتعذيب من قبل جنود الاحتلال، حيث بيّنت الفحوصات الطبية إصابتها بكسر في يدها اليسرى ورضوض بالرأس وأنحاء من جسمها، وذلك بعد نقلها إلى المستشفى بعد إخلاء سبيلها عقب تحقيق واحتجاز لساعات في مركز شرطة إسرائيلي بشارع صلاح الدين، كما تعرضت خلال عملية الاعتقال للتقييد والضرب من قبل جنود الاحتلال، وفي اليوم التالي أصيبت زميلتهم نجوان السمري  بشظية قنبلة صوت، أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على حشد من المواطنين والصحفيين، كانوا في وقفة تضامنية مع الناشطين منى ومحمد الكرد المعتقلين في مركز شرطة الاحتلال بشارع صلاح الدين في القدس.

لم تقتصر الاعتداءات والاعتقالات على الصحافيين العاملين في قناة الجزيرة، بل شملت صحافيين آخرين سواء داخل القدس أو في مناطق مختلفة في الضفة الغربية من بينهم الصحفيين المقدسيين "وهبي مكية" و"زينة حلواني" الذين اعتقلا عدة أيام، وقد أفرج عنهما بشرط الحبس المنزلي لمدة خمسة أيام والإبعاد عن حي الشيخ جراح شهرًا كاملًا ودفع غرامة مالية مقدارها نحو 600 دولار أمريكي. وكانت الصحفية "زينة الحلواني" وزميلها "وهبي مكية" اعتقلا يوم 28 أيار/مايو الماضي خلال تغطيتهما أحداث الشيخ جراح حيث اعتدي عليهما بالضرب ما تسبب بإصابتهما برضوض مختلفة. وتسبب اعتداء الشرطة الإسرائيلية في حينه بحدوث نزيف في رأس الصحفي "وهبي مكية" وجروح أخرى لديه ولدى زميلته "زينة الحلواني"، وكسر الكاميرا الخاصة بهما.

وفي 21 أيار/مايو الماضي، مدد القضاء الإسرائيلي الاعتقال الإداري بحق مصور قناة الغد التلفزيونية "حازم ناصر"، وذلك لمدة 11 يوما، وكان الصحفي اعتُقل في يوم 12 من الشهر ذاته عند مروره بنقطة تفتيش إسرائيل في مدخل بلدة طولكرم في الضفة الغربية لدى عودته من تغطية مواجهات بين الجيش الإسرائيلي وشبان فلسطينيين.

إن استهداف حكومة الاحتلال للصحفيين الفلسطينيين خلال أداء عملهم يعد سياسة ممنهجة وسلوكًا مشينًا في غياب إجراءات محاسبة دولية تشكل رادعًا لها، حيث تعتقل السلطات الإسرائيلية 13 صحفيًا فلسطينيًا على الأقل أغلبهم يتم احتجازهم تعسفيًا على بند الاعتقال الإداري، وفقا لما ذكرته منظمة "مراسلون بلا حدود".

أثنا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شهر أيار الماضي، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحافيين ووسائل الاعلام، وارتكبت بحقهما جرائم ترتقي إلى جرائم حرب، ووفقا لتقرير المكتب الإعلامي الحكومي التي رصد 11 يوم من العدوان الإسرائيلي، استشهد الصحفي يوسف أبو حسين (33 عاماً)،  حيث يعمل مذيع في إذاعة الأقصى، جراء استهداف  طائرات الاحتلال الإسرائيلي يوم 19 مايو الماضي بصاروخين لشقة في بناية لعائلة أبو حسين، بالقرب من مفترق الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، ما أدى لاستشهاده، وإصابة أكثر من 12 صحافياً، ودمرت قوات الاحتلال 44 مقار ومؤسسة إعلامية ما بين كلي وجزئي، وكذلك، وحوالي 11 مقار يتضمن شركات دعاية وإعلان، وإنتاج فني، ومطابع، ودور نشر، وتضرر أكثر من 22 منزلاً لصحفيين واعلاميين بشكل كلي وجزئي، عدا عن تضرر6 سيارات تابعة لصحفيين واعلاميين.

وأشار التقرير إلى التدمير الكلي والجزئي للمقار الصحافية، جراء قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي كل من أبراج الجلاء، والجوهرة، والشروق في حي الرمال وسط مدينة غزة، ما أدى الى تدمير الأبراج بشكل كامل من ضمنها 35 مقار ومؤسسة إعلامية، وتضررت نتيجة ذلك 9 مقرات صحافية بشكل جزئي وتلف في بعض محتوياتها ومعداتها.

برج الجلاء الذي تم تدميره كاملا يضم قناة الجزيرة والجزيرة مباشر،  وكالة أسوشيتد برس( AP)، وفضائية القدس اليوم المقر الثاني، وصوت القدس ، وإذاعة صوت الاسرى، فيما يضم برج الجوهرة، صحيفة فلسطين، ومنتدى الإعلاميين الفلسطينيين، والوكالة الوطنية، وتلفزيون TRT التركي،  وقناة المملكة الأردنية، فضائية النجباء، فضائية الاتجاه، وكالة سبق، وفضائية الكوفية، ووكالة “APA” المحلية للتصوير، وتلفزيون سوريا، وإذاعة ونادي الصحفي الصغير، فيما يضم  برج الشروق قناة روسيا اليوم، وتلفزيون دبي، والتلفزيون الألمانيZDF، وقناة برس، وقناة الجزيرة الإنجليزية، ومؤسسة طيف الإعلامية، ومؤسسة هنا القدس الإعلامية، وجريدة الحياة الجديدة، وإذاعة الحياة، وشركة ميادين للإعلام، وشركة غزة للإعلام، وشركة فلسطين للإنتاج الإعلامي، وقناة القدس اليوم المقر الأول، وإذاعة الأقصى، وإذاعة طيف، وفضائية ومرئية الأقصى، ومركز هلا فلسطين، والتلفزيون العربي.

وفي برج السوسي:، تضرر بشكل جزئي شركة “عالم نيوز”، فيما أدى استهداف  برج رؤية، إلى تضرر بشكل جزئي ووكالة “مصدر الإخبارية”، ومكاتب مركز تطوير الإعلام- جامعة بيرزيت، ومبنى قناة “فلسطين اليوم”، ومكتب فلسطينيات،  وكالتها “نوى” الإخبارية، ومركز غزة للصحافة ولحرية الإعلام، ومكتب قناة المنار الفضائية في برج وطن، ومكتب وكالة معا في برج وطن، كما تضرر 11 مقر لشركات ومؤسسات انتاج اعلامي ومطابع ودور نشر بشكل كلي، حين استهدفت قوات الاحتلال العديد من البنايات والأبراج في غزة. وأسفر القصف إلى تضرر منازل عدد من الصحفيين والصحفيات.

إن الحرب الشعواء التي يشتها الاحتلال على الصحافيين وعلى وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية والدولية، هي سابقة تاريخية غير مسبوقة، تستهدف إخفاء الحقائق التي تقوم وسائل الاعلام بكشفها للرأي العام العالمي عن جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وتبرز جوهر الاحتلال المعادي للحقوق والحريات الديمقراطية، وتكشف زيف ادعاء حكومة الاحتلال أمام العالم بأنها دولة ديمقراطية وحضارية.

ان الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال، ضد الصحفيين ووسائل الاعلام في القدس وفي الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي الفلسطينية عام 1948، تشكل انتهاكا للحقوق أساسية نصّ عليها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وتعد انتهاكًا خطيرا لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي أعطت الصحفيين الحق بتغطية النزاعات المسلحة، واعتبرتهم مدنيين لا يجوز بحال التعرض لهم أو استهدافهم ما داموا غير مشاركين في الأعمال العدائية. وتشكل هذه الجرائم انتهاكا خطيرا لحرية الرأي والتعبير، التي تكفلها المواثيق والاتفاقات الدولية، والشرعة الدولية لحقوق الانسان، وهذا يقتضي من الهيئات الدولية ذات الصلة، إلى التحرك الفوري لوقف هذه الجرائم. وفي هذا الإطار ندعو الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب ومنظمة "مراسلون بلا حدود" إلى ضرورة توفير الحماية للصحفيين الفلسطينيين، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة لحكومة الاحتلال التي تواصل ارتكاب الجرائم بحقهم، وملاحقتهم ومحاكمتهم لدى القضاء الجنائي الدولي ولدى المحكمة الجنائية الدولية حتى لا يفلت هؤلاء المجرمون من العقاب.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

تشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم

الاحتلال خطوة هامة لمحاكمة مرتكبيها

المحامي علي أبوهلال

أقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الخميس الماضي 27 مايو/ أيار تشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية، وقدمت الباكستان وفلسطين مسودة قرار للمجلس تطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، منذ 13 أبريل/نيسان الماضي، بما في ذلك الجرائم الإسرائيلية المرتكبة خلال العدوان على قطاع غزة والذي استمر 11 يوما منذ العاشر من شهر مايو/أيار المنصرم. وأسفر العدوان عن استشهاد حوالي 260 فلسطينيا بينهم 66 طفلا و39 سيدة، و17 مسنًا، و5 من ذوي الاحتياجات، واصابة أكثر من 1750 مواطن، بالإضافة إلى تدمير 16 ألف وحدة سكنية مدنية جراء القصف المدفعي والجوي الإسرائيلي، حيث ارتكبت قوات الاحتلال جرائم حرب وفقًا للمادة (8) من ميثاق روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، بتدميرها البنية التحتية وأنظمة المياه والصرف الصحي.

وبناء على المطالب الملحة الفلسطينية والعربية والدولية بالتحقيق في جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" في عدوانها على قطاع غزة عقد مجلس حقوق الانسان جلسته الطارئة وهي الثلاثون من نوعها منذ تأسيس مجلس حقوق الإنسان قبل 15 عاما، وهي الجلسة التاسعة التي تتمحور حول انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، وتقدمت فلسطين وباكستان بمشروع قرار يدعو المجلس لبحث جميع الأسباب الجذرية التي تكمن وراء التوترات وعدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، "بما في ذلك الممارسات الممنهجة للتمييز والقمع على أساس الهوية القومية أو العرقية أو الدينية". وتشكيل لجنة مستقلة لجمع الأدلة على الجرائم المرتكبة وتحليلها، بما في ذلك المواد المتعلقة بالطب الشرعي، "من أجل زيادة إمكانية الاستفادة منها إلى أقصى حد في الإجراءات القانونية".

يذكر في هذا الشأن أن الولايات المتحدة عادت للانضمام إلى المجلس في عهد الرئيس الحالي جو بايدن بعد أن خرجت منه إدارة خلفه السابق دونالد ترمب متهمة المجلس بالتحيز ضد إسرائيل.

تشكيل لجنة التحقيق أُقر بـ 24 صوتا مقابل 9 أصوات وامتناع 14 عن التصويت، ورفض القرار كلٌّ من النمسا وبلغاريا والكاميرون وتشيكيا وألمانيا ومالاوي وجزر المارشال وبريطانيا وأوروغواي، فيما امتنع عن التصويت كلٌّ من الهند والباهاماس والبرازيل والدنمارك وفيجي وفرنسا وإيطاليا واليابان ونيبال وهولندا وبولندا وكوريا وتوغو وأوكرانيا.

وخلال افتتاح جلسة الاجتماع الطارئ للمجلس قالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه إن الضربات الإسرائيلية ضد غزة وقتلَ المدنيين واستهداف المنشآت المدنية في القطاع قد ترقى إلى مستوى جريمة حرب. وحثت باشليه السلطات الإسرائيلية على وقف عمليات الترحيل في حي الشيخ جراح والأحياء الأخرى فورا، مؤكدة أن إسرائيل ملزمة -بموجب القانون الدوليبحماية سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. وقالت إنه لا دليل على أن مجموعات مسلحة استخدمت مبانيَ مدنية قصفتها إسرائيل في غزة.

وبهذا يكون مجلس حقوق الانسان قد أصدر قرارا على قدر كبير من الأهمية يقضي بإنشاء وعلى وجه السرعة لجنة تحقيق دولية مستقلة جارية، يعينها رئيس مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل، في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي وجميع الانتهاكات المزعومة وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان التي سبقت ومن 13 أبريل 2021، وجميع الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكررة وعدم الاستقرار وإطالة أمد النزاع، بما في ذلك التمييز المنهجي والقمع على أساس الهوية القومية أو العرقية أو العرقية أو الدينية. وستقوم اللجنة وفقا لقرار مجلس حقوق الانسان بالتحقيق بما يلي:

(أ) إثبات الوقائع والظروف التي قد ترقى إلى مستوى الانتهاكات والتجاوزات والجرائم المرتكبة.
(ب) جمع وتوحيد وتحليل الأدلة المتعلقة بهذه الانتهاكات والتجاوزات والجرائم المرتكبة، وتسجيل وحفظ جميع المعلومات والوثائق والأدلة بشكل منهجي، بما في ذلك المقابلات وشهادات الشهود ومواد الطب الشرعي، وفقا لمعايير القانون الدولي، من أجل زيادة إمكانية قبولها في الإجراءات القانونية.

 (ج) توثيق المعلومات والأدلة ذات الصلة والتحقق منها، بما في ذلك من خلال المشاركة الميدانية والتعاون مع الكيانات القضائية وغيرها، حسب الاقتضاء.

 (د) تحديد المسؤولين، حيثما أمكن، بهدف ضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات.

 (هـ) تحديد أنماط الانتهاكات بمرور الوقت من خلال تحليل أوجه التشابه في النتائج والتوصيات مع بعثات الأمم المتحدة السابقة لتقصي الحقائق ولجان التحقيق بشأن الحالة.

 (و) تقديم توصيات، ولا سيما بشأن تدابير المساءلة، بهدف تجنب وإنهاء الإفلات من العقاب وكفالة المساءلة القانونية، بما في ذلك المسؤولية الجنائية الفردية ومسؤولية القيادة، عن هذه الانتهاكات، وتحقيق العدالة للضحايا.
(ز) تقديم توصيات بشأن التدابير التي يتعين على الدول الأخرى اتخاذها لضمان احترام القانون الإنساني الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفقاً للمادة 1 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، ووفاءً بالتزاماتها بموجب المادة 146. و147 و148 من اتفاقية جنيف الرابعة، بما في ذلك عن طريق التأكد من أنها لا تساعد أو تساعد في ارتكاب أعمال غير مشروعة دوليًا.

 (ط) تقديم تقرير سنوي عن أنشطتها الرئيسية إلى مجلس حقوق الإنسان في إطار البند 2 من جدول الأعمال اعتبارًا من دورتها الخمسين وإلى الجمعية العامة اعتبارًا من دورتها السابعة والسبعين.

ودعا مجلس حقوق الانسان جميع الأطراف المعنية إلى التعاون الكامل مع لجنة التحقيق وتسهيل دخولها. كما دعا جميع الدول، ويشجع المجتمع المدني ووسائط الإعلام وأصحاب المصلحة الآخرين ذوي الصلة، على التعاون الكامل مع لجنة التحقيق للسماح لها بالوفاء بولايتها بشكل فعال، ولا سيما تزويدها بأي معلومات أو وثائق قد تكون في حوزتها أو الحصول على المساعدة، وكذلك أي شكل آخر من أشكال المساعدة المتعلقة بولاية كل منهم، ودعا الأجهزة والهيئات والوكالات ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة إلى التعاون الكامل مع لجنة التحقيق والاستجابة بسرعة لأي طلب تتقدم به، بما في ذلك ما يتعلق بالحصول على جميع المعلومات والوثائق ذات الصلة، كما طالب الأمين العام أن يخصص الموارد اللازمة لتنفيذ هذا القرار ولمفوضية حقوق الإنسان لتوفير الموارد اللوجستية والتقنية اللازمة لدعم عمل لجنة التحقيق. وحث جميع الدول على الامتناع عن نقل الأسلحة عندما تُقيِّم، وفقاً للإجراءات الوطنية المعمول بها والالتزامات والمعايير الدولية، بوجود خطر واضح من احتمال استخدام هذه الأسلحة في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات أو تجاوزات جسيمة لحقوق الإنسان الدولية القانون أو الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني. ودعا أيضاً جميع الدول والوكالات الدولية والجهات المانحة الأخرى إلى تعبئة الدعم الإنساني على وجه السرعة للسكان المدنيين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وتلبية احتياجاتهم السائدة، ويطلب إلى إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، ضمان عدم إعاقة تسليم تلك المساعدة الإنسانية. وطالب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن تقدم تحديثاً شفوياً للتقدم المحرز في تنفيذ هذا القرار إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الثامنة والأربعين، وقرر المجلس إبقاء المسألة قيد نظره.

من الواضح أن قرار مجلس حقوق الانسان قد تبنى إلى جانب تشكيل لجنة التحقيق، آلية محددة لمتابعة وتنفيذ القرارات التي اتخذها بهذا الخصوص، على صعيد الدول وهيئات الأمم المتحدة، بما في ذلك الهيئات القضائية لمحاكمة ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، وهذا ما سيشجع المحكمة الجنائية الدولية للقيام فورا بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في فلسطين من قبل قوات الاحتلال، وتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى المحاكمة حتى ينالوا العقاب المناسب، احقاقا للعدل وانصافا للضحايا.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

نحو تحقيق دولي بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في

عدوانها على قطاع غزة

 

المحامي علي أبوهلال

ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم خطيرة في قطاع غزة خلال عدوانها الأخير، ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقا لخبراء القانون الدولي ومسؤولين في المنظمات الدولية، والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا، ومن بينهم خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان وهم: المقرر الخاص المعني بالسكن اللائق كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب وبالحق في عدم التمييز في هذا السياق بالاكريشنان راجاجوبال، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 مايكل لينك، المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي بيدرو أروجو أغودو، المقررة الخاصة المعنية بالحق في التعليم كومبو بولي باري. المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للمشردين داخلياً سيسيليا خيمينيز داماري، المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير إيرين خان، المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب فيونوالا ني أولين، المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي موريس تيدبال بينز، ودعا هؤلاء الخبراء إلى إجراء تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية في الهجمات على السكان المدنيين وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وأشاروا إلى قتل العشرات وجرح الآلاف نصفهم مدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن وابادة أسر كاملة، بالإضافة إلى تدمير أكثر من 450 مبنى في القطاع بالكامل وغيرها من المباني التي تضررت نتيجة قصفها بالصواريخ، ومن بينها ست مستشفيات وتسعة مراكز رعاية صحية ومحطة لتحلية المياه تزود حوالي 250 ألف فلسطيني بمياه الشرب النظيفة، بالإضافة إلى برج يضم مكاتب إعلامية. وقال الخبراء: "بسبب التفاوت الكبير في القوة، فإن ضحايا هذا الصراع هم فلسطينيون بشكل غير متناسب في غزة، منهم أكثر من 74000 شردوا قسراً، معظمهم من النساء والأطفال".

وأضافوا: "أدى النزاع إلى موجة جديدة من الدمار الشامل غير المسبوق لمنازل المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك شبكات الكهرباء في غزة، وهجمات صاروخية عشوائية أو متعمدة على المدنيين والمناطق السكنية في إسرائيل وغزة، لا تنتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان فحسب، ولكنها ترقى أيضًا إلى الجرائم بموجب القانون الدولي التي تقع عليها مسؤولية فردية ومسؤولية دولة".

وأضافوا أن "القصف العشوائي أو المتعمد للمدنيين والأبراج التي يسكنها مدنيون والمؤسسات الإعلامية ومخيمات اللاجئين في غزة هي جرائم حرب لا يمكن تبريرها للوهلة الأولى بمتطلبات التناسب والضرورة بموجب القانون الدولي". وحث الخبراء "المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في الأفعال التي تنتهك نظام روما الأساسي، وخاصة جرائم الحرب، بما في ذلك استهداف المدنيين، والانتهاكات الجماعية والعشوائية للحق في السكن اللائق، والتحقيق في الأفعال والسياسات التي حدثت أثناء الصراع، أو ساهمت فيه، والتي قد ترقى إلى جريمة الفصل العنصري والجرائم ضد الإنسانية".

لا شك أن ما أشار له خبراء حقوق الانسان العاملين في المنظمات الدولية، يشكل شهادة هامة ورأي يعتد به أمام المنظمات الدولية الحقوقية والقضائية، ولدى المحكمة الجنائية الدولية.

فالجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال في عدوانها الأخير على قطاع غزة هي أوسع وأشمل مما جاء على لسان هؤلاء الخبراء، حيث تشمل تدمير 15 مصنعا في المنطقة الصناعية في قطاع غزة، علما ان المصانع المستهدفة لا علاقة لها بأي عمل عسكري، وتختص بتصنيع منتجات مختلفة يتم تصديرها الى الخارج، والخسائر الأولية لهذه الجريمة وحدها تقدر بملايين الدولارات". كما تشمل تضرر قرابة 46 مدرسة بينهم مدارس خاصة واخرى تتبع لوكالة "الأونروا"، وأن هذه الأضرار شملت غرفا صفية وساحات، إضافة لتدمير مديريتي التربية والتعليم في شمال وغرب غزة.

كما تشمل قيام قوات الاحتلال بقصف وتدمير عدد من أبراج مدينة غزة هي:  برج "مشتهى" غربي غزة، وبرج الجلاء، الذي يوجد في شارع المختار وسط مدينة غزة، ويتألف من 14 طابقا يضم، إلى جانب الشقق السكنية، العديد من المكاتب الإعلامية الدولية والعربية والمحلية، ويضم مكاتب وكالة الأنباء الأميركية "الأسوشيتد برس"، إلى جانب محطات إذاعة محلية وشبكات إنترنت، ومكاتب أطباء ومحامين، ومقار لجمعيات خيرية. ويعتبر برج الجلاء ثاني أكبر أبراج غزة.  و"برج الشروق"، الذي يتألف من 14 طابقا، ويوجد في شارع عمر المختار أيضا، وكان يضم عددا من مكاتب الشركات وبعض المؤسسات الصحفية العاملة في غزة. و"برج هنادي 

 

"، الذي كانت يتألف من 9 طوابق، وهو برج سكني يقع في شارع الجلاء وسط غزة وكان يضم عددا من المكاتب، وبلغ عدد الوحدات السكنية المدمرة والمتضررة حوالي 16 ألف وحدة، وارتفع عدد الشهداء الى ٢٤٩ من بينهم ٦٥ طفل و٣٩ سيدة و ١٧ مسن بالإضافة الى اصابة اكثر من ١٧٥٠ مواطن.

وارتكبت قوات الاحتلال جرائم حرب وفقًا للمادة (8) من ميثاق روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، بتدميرها البنية التحتية وأنظمة المياه والصرف الصحي، ما تسبب بتفاقم الوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة المحاصر، وخصوصًا من حيث القدرة على توفير المياه وخدمات الصرف الصحي للمواطنين، والذي سيكون له انعكاسات طويلة المدى على مناحي الحياة كافة الصحية والاقتصادية والاجتماعية.

لم تعد هذه الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال أثناء عدوانها الأخير على قطاع غزة خافية على أحد، وهي تندرج في إطار جرائم العدوان وجرائم الحرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وعلى المحكمة الجنائية الدولية التحرك السريع والعاجل للتحقيق في هذه الجرائم، خاصة بعد قراراها الأخير أنها ستشرع في التحقيق بالجرائم المرتكبة في إقليم دول فلسطين الذي يشمل عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.

وعلى المجتمع الدولي تسهيل هذه المهمة للمحكمة الجنائية الدولية، وتوفير كافة أشكال الدعم والمساندة للشروع في تحقيق دولي وقضائي فوري وعاجل، بالجرائم الجسيمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة الدولية لا سيما أمام المحكمة الجنائية الدولية، بما يضمن معاقبة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على جرائمها المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين والأعيان المدنية.

فلم يعد مقبولا الصمت على هذه الجرائم التي طالت قطاع غزة من جراء العدوان الإسرائيلي، ولم يعد مقبولا السكوت على قوات الاحتلال التي ترتكب هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي القدس وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت أعين وبصر العالم، ولم يعد مقبولا أن تبقى إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" سلطة فوق القانون، بل ينبغي تفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة الدولية لهذه السلطة المارقة والمعتدية، وتقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى المحاكمة لدى المحكمة الجنائية الدولية، حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين القتلة من العقاب الذي يستحقونه، انصافا للضحايا ومن أجل حماية الشعب الفلسطيني من بطش وعدوان قوات الاحتلال المتواصل منذ عقود طويلة، إحقاقا للعدل وتطبيقا للقانون الدولي، وتوطئة لإزالة الاحتلال ومن أجل تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، وفي مقدمتها حقه في العودة، والحرية والاستقلال، وحقه في تقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على أرضه وعاصمتها القدس.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 جرائم حرب ترتكبها إسرائيل

في عدوانها المتواصل على

قطاع غزة تستوجب العقاب

 

المحامي علي ابوهلال

مجزرة مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، التي ارتكبتها إسرائيل "القوة القائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة" يوم السبت الماضي 15/5/2021 ليست جريمة الحرب الوحيدة التي ترتكبها قواتها المسلحة أثناء عدوانها المتواصل على قطاع غزة، منذ العاشر من شهر أيار الجاري، بل هي الجريمة الأكثر وضوحا باعتبارها جريمة ضد الإنسانية أيضاً، هذه المجزرة وغيرها لا يمكن لحكومة نتنياهو انكارها أو تبريرها، حيث شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة جوية على منزل للسكان المدنيين، وأدى القصف إلى تدميره فوق رؤوس ساكنيه، ما تسبب في استشهاد 10 مدنيين بينهم 8 أطفال وامرأتان، وصلوا مستشفى “الشفاء” عبارة عن أشلاء متناثرة، جراء قصف الاحتلال منزلاً لعائلة “أبو حطب” بمخيم الشاطئ غربي مدينة غزة.

وكشفت مصادر طبية أسماء 8 من الشهداء وهم: يامن أبو حطب، 5 أعوام، وبلال أبو حطب، 10 أعوام، ويوسف أبو حطب، 11 عاماً، مها الحديدي، 36 عاماً، وعبد الرحمن الحديدي، 8 أعوام، وصهيب الحديدي، 14 عاماً، ويحيى الحديدي، 11 عاما، إلى جانب ياسمين حسان، 31 عاماً. وذكر وكيل وزارة الصحة بغزة يوسف أبو الريش، إن الناجي الوحيد من مجزرة الشاطئ هو طفل رضيع لم يتجاوز شهرين.

جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدوانها المتواصل على قطاع غزة، شملت أيضا تدمير منازل أخرى للسكان المدنيين، وأدت إلى قتل وجرح عدد كبير من المدنيين، بالإضافة إلى تدمير الأبراج السكنية والتجارية التي ضمت شقق سكنية ومكاتب ومقرات للقنوات الفضائية والوكالات الإعلامية والصحفية العربية والأجنبية، كما ضمت مكاتب للمحامين ومقرات لمؤسسات أهلية، كما شملت تدمير البنية التحتية والشوارع وشبكات الكهرباء والمياه، والمساجد والأعيان المدنية الأخرى. وقد أدى ذلك إلى تهجير عدد كبير من السكان المدنيين الذين دمرت منازلهم أو تضررت بواسطة القصف الإسرائيلي الوحشي ولجؤهم للإقامة في مدارس وكالة الأونروا. عمليات القتل العمد وعمليات القصف الجوي العنيف والوحشي التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين والأعيان المدنية، أدت إلى قتل وجرح الآلاف من المدنيين، وتهجيرهم من منازلهم، تنطوي أيضا على جريمة الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال.

كل هذه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة أثارت الإدانة والتنديد من قبل المجتمع الدولي كافة، حيث طالبت العديد من المنظمات الدولية، بوقف هذه الجرائم ومعاقبة مقترفيها لدى المحكمة الجنائية الدولية. وأعربت المدعيّة العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، عن قلقها إزاء تصاعد العنف في قطاع غزة، والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، محذرة من وقوع جرائم محتملة. وقالت بنسودا في تغريدة "ألاحظ بقلق بالغ تصاعد العنف في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وكذلك في غزة ومحيطها، وثمة احتمال ارتكاب جرائم بموجب نظام روما الأساسي (المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية)".

تنطوي العمليات الحربية التي تقوم بها قوات الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة وبمواجهة سكانه المدنيين على انتهاكات خطيرة لأحكام القانون الدولي الانساني- التعاقدي والعرفي- إذ أنها مخالفة لأحكام لائحة لاهاي لعام 1947 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، وتحديداً للمادة 25 والتي تحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أياً كانت الوسيلة المستعملة، والمادة 46 التي تنص على وجوب احترام شرف الأسرة وحقوقها، وحياة الأشخاص والملكية الخاصة، والمعتقدات والشعائر الدينية، وعلى عدم جواز مصادرة الملكية الخاصة.

كما تمثل الاعتداءات الإسرائيلية العنيفة انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب لسنة 1949 كالمادة 33 التي تحظر العقوبات الجماعية وكافة تدابير التهديد أو الإرهاب بمواجهة الأشخاص المحميين، وتحظر الاقتصاص من ممتلكاتهم، والمادة 53 التي تحظر على دولة الاحتلال تدمير أي ممتلكات ثابتة أو منقولة تعود للأفراد أو للجماعات، أو للدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.

ان استهداف المدنيين بذريعة وجود أفراد لا ينطبق عليهم تعريف المدنيين بينهم ليس من شأنه أن يجرّد المدنيين من صفتهم المدنية، ما يعني أنه لا يجيز استهداف وقصف الأماكن المتواجدين فيها كما هو منصوص عليه في المادة 51 (3) من البروتوكول الأوّل المضاف لاتفاقيات جنيف لعام 1977. ووفقاً لأحكام المادة 51 من البروتوكول تمتع السكان المدنيين بالحماية بمواجهة الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، ولا يجوز أن يكونوا عرضة أو محلاً للهجوم، وتحظر كافة أعمال العنف أو التهديد الرامية إلى بث الذعر بينهم، وتحظر الهجمات العشوائية التي لا توجّه إلى هدف عسكري، أو من شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز.

وتعتبر هذه الاعتداءات مخالفة خطيرة لأحكام المادة 55 من البروتوكول والتي تقضي بوجوب حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وتحظر مهاجمتها أو تدميرها أو تعطيلها كالمواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل التي تنتجها الماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الريّ.

ان العمليات العسكرية العدوانية العنيفة التي تقوم بها قوات الاحتلال في عدوانها المتواصل على قطاع غزة هي مخالفة لكافة القواعد والأحكام السالفة الذكر، وكذلك للمبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الانساني. فما يجري في قطاع غزة نتيجة استمرار قوات الاحتلال الاسرائيلي والتمادي في استخدام القوة التدميرية ضد المدنيين الفلسطينيين واستهداف المناطق والأحياء السكنية بالقصف العشوائي المكثف من الجو والبر والبحر وتدمير المنشآت والممتلكات المدنية العامة والخاصة هو بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.

إن تقاعس المجتمع الدولي حتى الآن عن حماية الشعب الفلسطيني، وفشل مجلس الأمن بممارسة صلاحياته المتمثلة بحماية السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما عبر وقف العدوان الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وباتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين الحماية للفلسطينيين من جرائم قوات الاحتلال من شأنه أن يزعزع الثقة بالقانون الدولي وبمبادئ القانون الدولي الانساني وبحقوق الإنسان ويحط من مكانتها بين المجتمعات.

وعلى الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة العمل بالقرار 377 "الاتحاد من أجل السلام" لسنة  1950 الدعوة الفورية لانعقاد دورة طارئة في سبيل إعادة الأمن والسلم إلى نصابهما، وذلك في ظل فشل مجلس الأمن في حماية الأمن والسلم، ومواصلته التقاعس عن القيام بمسؤولياته، المتمثلة بإلزام حكومة الاحتلال على وقف العدوان في قطاع غزة بما يحفظ الأمن الدولي، فلم تعد مواقف التنديد الدولية كافية لوقف العدوان التي يتعرض له شعبنا في قطاع غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل ينبغي التحرك العاجل لوقف هذه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد شعبنا فورا، وتقديم مرتكبيها إلى المحكمة الجنائية الدولية حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين من العقاب، توطئة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضمان حق شعبنا في العودة والحرية والاستقلال وتقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

هبة القدس الطريق نحو مواجهة

 شاملة للاحتلال ومخططاته

 

المحامي علي ابوهلال

تشهد القدس المحتلة منذ عدة أسابيع اعتداءات خطيرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين، تطال المقدسيين، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي نفس الوقت تتواصل مخططات التهويد والتطهير العرقي، وترحيل العائلات المقدسية والاستيلاء على بيوتها في حي الشيخ جراح، وتهديد الوجود الفلسطيني في بطن الهوى والبستان. وفي ساحات المسجد الأقصى المبارك تواصل قوات الاحتلال اعتداءاتها على المصلين، والقاء قنابل الغاز والرصاص المطاطي، داخل المسجد وعلى العيادة الصحية التابعة له، ما أدى إلى إصابة وجرح العشرات منهم، وتقوم إلى جانب المستوطنين والجماعات الارهابية بالاعتداء على السكان والمتضامنين في حي الشيخ جراح وبوابتي العامود والأسباط مستخدما الرصاص وقنابل الغاز والمتفجرات الصوتية. 

وفي تصعيد خطير آخر اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلية، المسجد الأقصى، صباح يوم أمس الإثنين، مستخدمة الرصاص المطاطي، وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع. وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، إن المئات أصيبوا داخل المسجد بينها إصابات حرجة جدا، وأضافت إن قوات الاحتلال الإسرائيلية تمنع طواقمها من الوصول إلى المصابين لتقديم الإسعافات لهم، ونقلهم للمستشفيات. وأفاد شهود عيون من داخل المسجد الأقصى أن قوات الاحتلال قامت بملاحقة المصلين في كل ساحات المسجد، وخاصة في منطقتي المسجد القبلي المسقوف، وصحن قبة الصخرة. وأطلقت قنابل الصوت والمسيلة للدموع داخل المصلى القبلي المسقوف حيث تواجد مئات المصلين. وكان المئات من الفلسطينيين قد احتشدوا في المسجد الأقصى، منذ فجر اليوم لمنع أي اقتحام إسرائيلي للمسجد.

وجاء اقتحام قوات الاحتلال فجر أمس بعد أن أعلنت جماعات استيطانية متطرفة عن تنفيذ "اقتحام كبير" للأقصى يوم 28 رمضان (اليوم الإثنين)، بمناسبة ما يسمى بـ"يوم القدس" العبري الذي احتلت فيه إسرائيل القدس الشرقية عام 1967. وقامت بطرد المصلين من المسجد الأقصى، وذلك لتسهيل اقتحام المستوطنين المتوقع للمسجد الأقصى بعد الظهر. ان هذا التصعيد غير المسبوق التي تقوم به قوات الاحتلال في القدس المحتلة قد يفجر الأوضاع في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تندلع مواجهات عديدة مع قوات الاحتلال في العديد من هذه المناطق الفلسطينية.    

ولا تزال حكومة الاحتلال ماضية في عدوانها على القدس المحتلة، والتي تأخذ طابع الاعتداءات العنيفة المباشرة على الفلسطينيين، إلى جانب إصرارها على تنفيذ مخطط الترحيل والتطهير العرقي لأهالي حي الشيخ جراح، والاستيلاء على منازلهم، لسيطرة المستوطنين عليها، بما يرقى إلى جريمة حرب وبما يخالف القانون الدولي، ويضرب بعرض الحائط ردود الفعل العربية والدولية، المنددة بهذا العدوان الذي يشهد مزيدا من العنف والتصعيد، في الوقت الذي تتحرك فيه الهيئات الدولية والإقليمية ومن بينها مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية وغيرها لبحث هذا العدوان، رغم أن التجربة تؤكد ما يكتنف هذه الهيئات من ضعف وترهل.

ان هبة القدس المحتلة التي تتواصل في التصدي لعدوان قوات الاحتلال بكل بسالة وقوة، حيث يواجه الشبان بقبضات أيديهم وصدورهم العارية، قوات الاحتلال المدججة بالسلاح وكل أدوات القمع والتنكيل، وتحقق تقدما هاما في مواجهة الاحتلال والمستوطنين، قد تنذر باندلاع هبة فلسطينية جديدة في سائر المناطق الفلسطينية المحتلة، للدفاع عن القدس والمقدسيين، والتمسك بحق الفلسطينيين بالمدينة المقدسة باعتبارها جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعاصمة لدولة فلسطين. وقد تنذر هذه الهبة بخيارات مفتوحة من ضمنها مواجهة شاملة في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة لقبر اتفاقيات أوسلو وخيار المفاوضات المذلة. كما تنذر هذه الهبة بخيارات كفاحية أخرى تنضم لها كل القوى والفصائل الفلسطينية التي أثبتت عجزها حتى الآن، جوهرها مواجهة شاملة لمواجهة الاحتلال والتصدي لكل مخططاته العنصرية الاستعمارية والاستيطانية، ينخرط فيها كل الشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال، وانتزاع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطينية في الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

ان بناء استراتيجية كفاحية موحدة لمواجهة الاحتلال، وتحقيق الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، ليست برنامجا سياسيا وشعارات نظرية للدعاية، ترفعه القوى والفصائل السياسية، بل هي ممارسة عملية في الميدان تستلهم ما تحققه هبة القدس في ميدان المواجهة مع قوات الاحتلال، وهذا يتطلب وقف المراهنات الخاسرة والمضرة التي لا تزال تتمسك برهان العودة للمفاوضات العقيمة، التي لم تجلب للشعب الفلسطيني إلا المزيد من الويلات والكوارث للشعب الفلسطيني، وهذا ما جلبته اتفاقيات أوسلو المذلة المزيد من العدوان والاستيطان والترحيل والتطهير العرقي في القدس وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

جماعة "لهافا اليهودية" انعكاس لتصاعد

العنصرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني

 

المحامي علي ابوهلال

تكشف الوقائع كل يوم تصاعد العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي، التي تجد الدعم والاسناد من دولة الاحتلال وسياستها، باعتبارها الحاضنة الخصبة، لنمو وتطور المنظمات والجماعات اليهودية الإرهابية المعادية للشعب الفلسطيني، ولكل ما هو غير يهودي، وهذا هو حال جماعة لهافا الإسرائيلية المتطرفة التي تطلق شعار" الموت للعرب".  

تطالب هذه الجماعة العنصرية بطردُ الفلسطينيين إلى الدول العربية وضمّ الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، وتدعو إلى حظر عيد الميلاد المسيحي، وحث عارضة أزياء يهودية إسرائيلية على عدم الزواج من الممثل الكاثوليكي ليوناردو دي كابريو، وقد احتشد أتباعها مؤخرا في القدس المحتلة وهم يهتفون "الموت للعرب".

تأسست هذه الجماعة اليهودية المتطرفة عام 2005 من قِبل أتباع عضو الكنيست السابق ومؤسس حزب "كاخ" المتطرف الحاخام مئير كاهانا. و"لهافا" -التي تعني بالعبرية "اللهب"- هي اختصار لـ"الوقاية من الانصهار في الأراضي المقدسة"، وكما يوضح الاسم الكامل للمجموعة فإن الهدف الأساسي لها هو منع الانصهار اليهودي واختلاط الجينات، أي الزيجات أو العلاقات بين اليهود وغير اليهود، سواء كانوا فلسطينيين أو مسلمين أو مسيحيين أو غيرهم.

يعتبر مؤسس هذه المجموعة بنتزي جوبشتاين البالغ من العمر 51 عاما -جزء من حركة دينية متطرفة متنامية تشكل الكتلة السياسية للصهيونية الدينية، التي دخلت الكنيست منتصرة بعد الانتخابات البرلمانية في مارس/آذار الماضي. ومع فوز الصهيونية الدينية بـ6 مقاعد خضعت "لهافا" لمزيد من التدقيق بسبب نفوذها المتزايد في إسرائيل.

وتأتي أفكار ومعتقدات هذه الجماعة مباشرة من أيديولوجية كاهانا الذي ولد لعائلة يهودية أرثوذكسية في نيويورك عام 1932، وكان يؤمن بدولة يهودية متجانسة تُدار وفقا للتوراة. ويعتقد أتباعه أن الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967 والمنحدرات الشرقية للأردن هي جزء من مملكتي يهودا والسامرة التوراتيتين. ويذكر أن كاهانا كان يؤمن أيضا بالفكرة الصهيونية لإسرائيل الكبرى، معتبرا شبه جزيرة سيناء ولبنان وسوريا والأراضي الممتدة حتى نهر الفرات في العراق "وطنا للشعب اليهودي".

أغتيل كاهانا عام 1990 في نيويورك-  وقد ألهم بأفكاره وارثه الإرهابي والعنصري العديد من أتباعه منذ ذلك الحين، وعلى رأسهم باروخ غولدشتاين الأميركي المولد الذي اقتحم المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل عام 1994 وقتل 29 من الفلسطينيين في صلاة الفجر خلال شهر رمضان قبل أن يُقتل على الفور، ما جعل كاهانا وغولدشتاين من الشخصيات المثالية بين المستوطنين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين.

تشكلت جماعة لهافا بعد وفاة كاهانا بـ 15 عاما، ولا تزال تسير على خطاه ببرنامجها الصريح المناهض للزواج المختلط، سواء من خلال المنشورات أو الاحتجاجات أو أعمال العنف ضد الفلسطينيين في العلاقات مع الإسرائيليين اليهود. ومن أكثر الإجراءات الملفتة للانتباه في هذا الشأن، احتجاج الجماعة على زواج محمود منصور -المواطن الفلسطيني من داخل الخط الأخضر من يافا- وموريل مالكا التي أسلمت، وأصبحت هذه القضية مثار اهتمام في إسرائيل عام 2014.

تأثير هذه الجماعة وغيرها من الجماعات اليمنية العنصرية، أصبح واضحا في السياسة الرسمية التي تنتهجها حكومة الاحتلال، تجاه العرب بشكل عام، وتجاه الشعب الفلسطينية وحقوقه الوطنية المشروعة،  وهذا ما عبر عنه تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أكبر المنظمات الحقوقية في العالم، بعد أن اتهمت إسرائيل ، "القوة القائمة بالاحتلال" بممارسة نظام الفصل العنصري، وممارسة الاضطهاد القومي بحق الفلسطينيين.

وجاء في التقرير "ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، تشمل هذه الانتهاكات مصادرة الأراضي على نطاق واسع، والحرمان من حقوق الإقامة، وتعليق الحقوق المدنية ترقى إلى مستوى الأفعال اللاإنسانية، والانتهاكات الخطيرة للحقوق الأساسية للفلسطينيين”.

وأشار التقرير إلى تعريف الفصل العنصري في (اتفاقية الفصل العنصري) لعام 1973 والاضطهاد بموجب (نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية) لعام 1998 وقال “استنادا إلى هذه التعريفات وأبحاث هيومن رايتس ووتش، وجدنا أن السلطات الإسرائيلية ترتكب جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد المرتكبتين ضد الإنسانية”.

وحسب التقرير ارتكبت سلطات الاحتلال مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين، فيما تشكل العديد من الانتهاكات المرتكبة في الأراضي المحتلة، خرقا جسيما للحقوق الأساسية وأعمالا لاإنسانية هي شرط لتحقُق الفصل العنصري. وتشمل هذه الانتهاكات: القيود المشددة على التنقل المتمثلة في إغلاق غزة ونظام التصاريح، ومصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية، والظروف القاسية في أجزاء من الضفة الغربية التي أدت إلى الترحيل القسري لآلاف الفلسطينيين من ديارهم، وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حق الإقامة، وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين. كما تؤكد المنظمة الدولية أن العديد من الانتهاكات التي تشكل جوهر ارتكاب هذه الجرائم، مثل الرفض شبه القاطع لمنح الفلسطينيين تصاريح بناء وهدم آلاف المنازل بحجة غياب التصاريح، لا تستند إلى أي مبرر أمني.

ويشدد التقرير الدولي أنه على حكومة الاحتلال إنهاء جميع أشكال القمع والتمييز التي تمنح امتيازا لليهود الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بما في ذلك حرية التنقل، وتخصيص الأراضي والموارد، والحصول على المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات، ومنح تصاريح البناء.

كما يؤكد أنه على مكتب الادعاء في “المحكمة الجنائية الدولية” التحقيق مع الضالعين بشكل موثوق في الجريمتَين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ومقاضاتهم.

ويشدد أيضا أنه على الدول الأخرى أن تفعل ذلك أيضا وفقا لقوانينها المحلية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وأن تفرض عقوبات فردية على المسؤولين عن هاتين الجريمتين، تشمل حظر السفر وتجميد الأصول.

ومن هنا يتضح أن سياسة التمييز العنصرية، وممارسة الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد القومي التي تنتهجها حكومة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، أصبحت سياسة رسمية، وتجد المنظمات والجماعات اليهودية المتطرفة بما فيها جماعة لهافا الإسرائيلية المتطرفة، في هذه السياسة حاضنة لأفكارها، وداعما لسياستها وممارساتها الإرهابية، ما يقتضي من المجتمع الدولي العمل من أجل وضع حد لهذه السياسية الإرهابية العنصرية، التي تمارس بشكل واضح من قبل حكومة الاحتلال، ومن كافة المنظمات والمجموعات الإرهابية العنصرية اليهودية المتطرفة مجتمعة.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 الحرية للصحفي علاء الريماوي

 

المحامي علي أبوهلال

 

في إطار ممارساتها القمعية ضد الصحفيين الفلسطينيين وانتهاكاتها المتواصلة لحرية الرأي والتعبير، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحفي، علاء الريماوي، يوم الأربعاء الماضي الموافق 21/4/2021، وكانت قوات الاحتلال قد اقتحمت منزله في شارع الارسال في مدينة رام الله، واعتقلته ومن ثم اقتادته للتحقيق، وقد أدانت العديد من الأطر والنقابات من ضمنها نقابة الصحفيين اعتقال الريماوي واستمرار اعتقال صحفيين آخرين، وطالبت المؤسسات الحقوقية الدولية بالتدخل لحماية الصحفيين، من جهتها استنكرت لجنة دعم الصحفيين، اعتقال الصحفي الريماوي من منزله، مطالبة بالإفراج عنه "إلى جانب 25 صحفيا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي"، وأكد منسق لجنة دعم الصحفيين في الأراضي الفلسطينية، صالح المصري، أن الصحفي الريماوي أعلن إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ لحظة اعتقاله رفضا للاعتقال بحق الصحفيين الفلسطينيين، الذين يقبعون في ظروف صحية لا إنسانية قاسية في سجون الاحتلال، ويستخدم بحقهم أساليب الضرب والشبح والحرمان من النوم ومن الطعام، والتهديد والشتائم، والحرمان من الزيارة، ويستخدم معهم أبشع وسائل التعذيب النفسية والبدنية.

يعمل الريماوي مراسلا لقناة الجزيرة مباشر ومديرا لموقع (جي ميديا) الإعلامي، كما أنه باحث في الشأن السياسي والشأن الإسرائيلي، وأمضى الريماوي في سجون الاحتلال أكثر من 10 أعوام، عدد منها في الاعتقال الإداري، وباعتقال الصحفي الريماوي، يرتفع عدد الأسرى الصحفيين في سجون الاحتلال إلى 26 صحفيا وإعلاميا، بينهم صحفية. وقد تعرض الصحفيون الفلسطينيون، منذ بداية العام حتى الآن إلى ما يزيد على 250 انتهاكا بحقهم.

مددت محكمة الاحتلال العسكرية في "عوفر" يوم الخميس الماضي، اعتقال الصحفي علاء الريماوي لـ 72 ساعة إضافية، لاستكمال التحقيق، وذكر خالد زبارقة محامي الصحفي الريماوي، إنه يخضع للتحقيق في مركز توقيف "عتصيون" حول عمله في قناة الجزيرة الإخبارية، وتغطيته الإعلامية الأخيرة المتعلقة بالانتخابات الفلسطينية. وأصدرت سلطات الاحتلال يوم الأحد الماضي 25/4/2021 أمر اعتقال إداري لمدة 3 أشهر بحق الصحفي الأسير علاء الريماوي، وقبل ذلك أخضعته للتحقيق والتعذيب والمعاملة القاسية والمهينة، على خلفية عمله الإعلامي، لحظة وصوله مركز اعتقال "عتصيون" واحتجز في زنزانة انفرادية معتمة، كما منعوا عنه الماء لمدة 24 ساعة، وحرم من النوم لساعات طويلة، حيث تدهورت أوضاعه الصحية. 

لم تتوقف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي يوما ضد الصحفيين الفلسطينيين، وتتعمد استهداف الصحفيين الفلسطينيين، خلال تأديتهم العمل الصحفي وتغطيتهم الأحداث، وتقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بإيقاع الأذى في صفوف الصحفيين ومنعهم من نقل الحقيقة، أثناء الاحتجاجات الشعبية، كما حدث مع الصحفي معاذ عمارنة الذي فقد عينه اليسرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، خلال تغطيته تعامل تلك القوات مع متظاهرين في مدينة الخليل".

تستهدف قوات الاحتلال وسائل الإعلام المختلفة عبر قصف وتدمير مقراتها ومركباتها، أو إغلاق وسائل الإعلام على خلفية تغطيتها الإعلامية، أو قرصنة ترددات البث للفضائيات الفلسطينية". ويذكر أن قوات الاحتلال قتلت صحفيَّين اثنين خلال تغطيتهما أحداث مسيرة العودة وكسر الحصار، التي انطلقت نهاية مارس/آذار 2018، قرب الحدود الشرقية لقطاع غزة. كما تواصل اعتقال العشرات من الصحفيين، أقدمهم المعتقل محمود عيسى من مدينة القدس منذ عام 1993، والمحكوم بالسجن المؤبد، وتنتهج بحقهم سياسة الاعتقال الإداري في محاولة لمصادرة حرية الرأي والتعبير، ومثال ذلك الصحفية بشرى الطويل التي تعرضت للاعتقال الإداري أكثر من مرة، كان آخرها في شهر ديسمبر/كانون الأول العام المنصرم، ولا تزال معتقلة حتى الآن.

إن اعتقال الصحفي علاء الريماوي مؤخرا هو استمرار لسياسة قديمة جديدة، تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بحق الصحفيين والإعلاميين ووسائل الاعلام المختلفة، وتشكل انتهاكا خطيرا لحرية الرأي والتعبير، التي تكفلها المواثيق والاتفاقات الدولية، والشرعة الدولية لحقوق الانسان، الأمر الذي يقتضي من الهيئات الدولية ذات الصلة، إلى التحرك الفوري لوقف هذه الانتهاكات. وفي هذا الإطار ندعو الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب ومنظمة "مراسلون بلا حدود" إلى ضرورة توفير الحماية للصحفيين الفلسطينيين، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة لحكومة الاحتلال التي تواصل ارتكاب الجرائم بحقهم، والعمل من أجل إطلاق سراح الصحفي علاء الريماوي وزملائه الصحفيين الآخرين المعتقلين في سجون الاحتلال. 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

اليونسكو تأخذ قرارات جديدة لصالح

القدس تستوجب المتابعة والتنفيذ

المحامي علي أبوهلال

في الوقت الذي تتواصل فيه انتهاكات سلطات الاحتلال في القدس المحتلة وخاصة في شهر رمضان المبارك، وتتصاعد فيه الاعتداءات الاسرائيلية ضد المقدسيين والمقدسات الإسلامية، تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، قرارا بالإجماع بشأن مدينة القدس القديمة وأسوارها. حيث تبنى المجلس التنفيذي لمنظمة (اليونسكو) يوم الأربعاء الماضي الخامس عشر من شهر نيسان/ابريل الجاري خلال دورته رقم 211 بالإجماع قراراً حول مدينة القدس القديمة وأسوارها.

نص القرار على " تسمية المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف كمترادفين لمعنى واحد".  وأعاد القرار التأكيد " على اعتبار جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المقدسة ووضعها القانوني لاغية وباطلة"، وطالب القرار إسرائيل "السلطة القائمة بالاحتلال" بوقف انتهاكاتها وإجراءاتها أحادية الجانب غير القانونية ضد المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف، وفي البلدة القديمة للقدس وأسوارها.

كما أكد " على قرارات المجلس التنفيذي التسعة عشر وقرارات لجنة التراث العالمي العشرة الخاصة بالقدس والتي عبرت جميعها عن الأسف نتيجة فشل إسرائيل، كقوة قائمة بالاحتلال، في وقف أعمال الحفر وإقامة الأنفاق وكافة الأعمال غير القانونية والمدانة في القدس الشرقية وفق قواعد القانون الدولي"، وأشار الى أن " القرار ثبت المكتسبات في القرارات السابقة على وجه الخصوص تثبيت تسمية المسجد الأقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف كمترادفين لمعنى واحد".

وطالب القرار " بالإسراع في تعيين ممثل دائم للمديرية العامة في البلدة القديمة للقدس لرصد كافة الإجراءات ضمن اختصاصات المنظمة وإرسال بعثة الرصد التفاعلي من (اليونسكو) إلى القدس لرصد جميع الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال بموجب القانون الدولي".

ويذكر أن سلطات الاحتلال صعدت من اعتداءاتها على المسجد الأقصى والموظفين العاملين فيه، حيث قامت خلال الأسبوع الماضي بقطع أسلاك سماعات المسجد الخارجية من الجهة الغربية، والتعرض لموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وتخريب أقفال الأبواب، والسماح بإدخال المتطرفين تحت حماية الشرطة.

كما منعت المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى، للصلاة فيه وإقامة الشعائر الدينية خلال شهر رمضان المبارك، وقامت بنصب الحواجز والمتاريس على بوابات البلدة القديمة، واعتدت على المقدسيين في شوارع القدس المحتلة، وقد لقيت هذه الممارسات إدانة دولية واسعة، خاصة أنها تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، ومبادئ حقوق الانسان.

وعلى الرغم من عدم استجابة حكومة الاحتلال للمواقف الدولية، التي تطالبها بالكف عن هذه الانتهاكات الخطيرة التي تطال القدس والمقدسيين والمقدسات الإسلامية والمسيحية، إلا أن قرارات اليونسكو تعبر عن إدانة المجتمع الدولي لهذه الانتهاكات، وتثبت الحقوق الدينية والسياسية للشعب الفلسطيني والمسلمين والمسيحيين في القدس المحتلة، على الرغم من تنكر حكومة الاحتلال لهذه الحقوق.

 قرارات اليونسكو يحب أن تجد طريقها إلى التنفيذ حتى تشكل رادعا وكابحا لحكومة الاحتلال لوقف ممارساتها وانتهاكاتها التي تمس الأماكن الدينية والتاريخية والأثرية، وجميع الأعيان الثقافية الأخرى، سواء في القدس أو الخليل أو بيت لحم وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة.

 ومن هنا تأتي أهمية وضرورة القيام بجهد عربي واسلامي ودولي، لدى الهيئات والمؤسسات الدولية ذات الصلة من أجل تنفيذ قرارات منظمة اليونسكو، لأنها تفتقر إلى جهاز تنفيذي، وتقوم برفع كل قراراتها وتوصياتها إلى هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة التي تمتلك الصفة والقدرة التنفيذية وخاصة مجلس الأمن الدولي.

ورغم ذلك تكتسب قرارات منظمة اليونسكو أهمية كبيرة في إدانة انتهاكات الاحتلال، وممارساته التي تشكل خرقا صارخا للقانون الدولي وقواعد حقوق الانسان، وتشكل ازعاجا مستمرا ومتواصلا للاحتلال وممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

اسرائيل تضطر للتعامل مع المحكمة

الجنائية الدولية وتهدد بفرض عقوبات

على الفلسطينيين

 

* المحامي علي أبوهلال

رغم عدم اعتراف إسرائيل بالمحكمة الجنائية الدولية، واتهام المحكمة بأنها  السامية، اضطرت للتعامل مع المحكمة، وحسمت موقفها عبر رسالة تعتزم توجيهها للمحكمة تبلغها فيها بعدم التعاون معها بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي أن الأخير "أجرى على مدار الأيام الأخيرة مباحثات تناولت موضوع السياسة الإسرائيلية حيال إعلان محكمة لاهاي الدولية (الجنائية الدولية) فتح تحقيق ضد دولة إسرائيل". وقرر "اعتماد توصيات الفريق الوزاري برئاسة مجلس الأمن القومي، والذي أوصى بعدم التعاون مع المحكمة الدولية، مع عدم ترك كتاب المدعية دون رد، وإنما الرد عليه والتوضيح بأن المحكمة تتصرف بلا صلاحية". وتابع البيان الصادر عنه: " ينبغي التوضيح بأن إسرائيل دولة قانون تعرف إجراء التحقيقات داخليا".

وأشار البيان إن "تدخل المحكمة المرفوض لا يستند إلى أي أسس قانونية بل يتعارض كليًا مع الغايات التي تم إنشاء المحكمة لأجل تحقيقها. إن دولة إسرائيل ملتزمة بحكم القانون وستواصل البحث في كل اتهام يوجّه ضدها بغض النظر عن مصدره، وتتوقع من المحكمة الامتناع عن انتهاك صلاحيتها وسيادتها". ونقل البيان عن نتنياهو قوله خلال الجلسة: "في حين يحارب جنود الجيش الإسرائيلي بأقصى معايير الأخلاق الإرهابيين الذين يقترفون جرائم حرب صباحا ومساء، تقرر محكمة لاهاي استنكار إسرائيل بالذات. ولا وصف يليق بهذا التصرف سوى النفاق، حيث أصبحت هيئة أنشئت في سبيل حماية حقوق الإنسان، هيئة معادية تحمي الذين يدوسون على حقوق الإنسان". وقال وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، في وقت لاحق إن قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي فتح التحقيق ضد إسرائيل حول ارتكابها جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة إنه "أعمى وغير عادل"ووصفه أنه ليس قانوني فقط وانما غير عادل أيضا. وقال غانتس "أنا متأكد من أن العديد من الدول ستتفهم أنه لا يوجد مجال لمثل هذا التحقيق، مما قد يضر العديد من الدول الأخرى في المستقبل"، مضيفا أن مثل هذا التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية سيضر بعلاقات إسرائيل مع الفلسطينيين ويجعل من الصعب "تحسين الوضع في المنطقة".

وجاء الرد الإسرائيلي ردا على الرسالة التي وجهتها فاتو بنسودا المدعي العام للمحكمة الجنائية إلى الحكومة الإسرائيلية شرحت فيها القضايا التي تنوي التحقيق فيها، وطلبت منها إبداء رأيها إزاء التحقيق ومنحتها مهلة بـ30 يوما انتهت يوم الجمعة الماضي. وستحقق المحكمة الجنائية بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة عام 2014، ومسيرات العودة عام 2018، والاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، وأوضاع الأسر بالسجون الإسرائيلية. وإسرائيل ليست عضوا بالمحكمة الجنائية الدولية، وسبق أن حذرت الفلسطينيين من التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

ورغم أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، غير أن ذلك لا يمنع المحكمة من إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين لغرض التحقيق، وهو ما يقلق الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية. وذكرت وسائل إعلامية إسرائيلية أن من بين هؤلاء المسؤولين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الحالي، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق بيني جانتس، ووزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون. وكذلك وزراء البناء والإسكان منذ العام 2014، وهم اوري ارشيل، يفعات بيتون، يعقوب ليتسمان، يتسحاق كوهين ويؤاف غالانتويجمع مراقبون إسرائيليون على أن ملف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية قد يكون الأصعب الذي ستركز عليه تحقيقات مكتب المدعي العام.  وذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" في وقت سابق "ستحاول إسرائيل القول بأن بناء المستوطنات ليست جريمة حرب". وأضافت في توضيح لاستراتيجية التحرك الإسرائيلي: "إذا أصبح الوضع أكثر خطورة، فمن المرجح أن تقوم إسرائيل بإعادة تنشيط شبكتها العالمية من محامي الدفاع في غضون بضع سنوات أو حتى أشهر".

تدرك إسرائيل ان الوضع أصبح خطيرا وهذا ما يفسر قول بنيامين نتنياهو بعد قرار المحكمة فتح تحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن إسرائيل ستواجه حربا قد تشن عليها، لهذا بدأت بمواجهة هذه الحرب بالضغط على الجانب الفلسطيني من خلال فرض عقوبات اقتصادية وأخرى مالية بالإضافة إلى سحب امتيازات الوزراء مثلما فعلت عندما سحبت بطاقة ال V I P من وزير الخارجية الفلسطيني بعد عودته من اجتماع عقدة مع فاتو بنسودا أواخر الشهر الماضي. وعلى الجانب الفلسطيني الاستعداد لمواجهة هذه الضغوطات الإسرائيلية المتوقعة، بالإضافة الى ضغوطات أخرى ربما من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، مثل سحب طلب التحقيق التي تقدمت به فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية، وقد يمنع المحكمة ذلك من مباشرة التحقيق، وهذا ما تسعى له إسرائيل.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

المقدسيون يواجهون مخططات

تهويد القدس وترحيلهم منها

* المحامي علي ابوهلال

تتعرض مدينة القدس المحتلة لهجمة احتلالية غير مسبوقة تستهدف الوجود الفلسطيني في القدس، من خلال مخططات الاحتلال الرامية لهدم منازل الفلسطينيين، والسيطرة والاستيلاء عليها لصالح المستوطنين، وذلك في إطار سياسة التطهير العرقي التي تنتهجها سلطات الاحتلال لتهويد المدينة وأسرلتها وإلغاء هويتها العربية.

منذ احتلال المدينة عام 1967، هدم الاحتلال قرابة 2000 منزل في القدس، كما اتبع سياسة عدوانية عنصرية ممنهجة تجاه المقدسيين، بهدف إحكام السيطرة على القدس وتهويدها وتضييق الخناق على سكانها الأصليين، وذلك من خلال سلسلة من القرارات والإجراءات التعسفية والتي طالت جميع جوانب حياة المقدسيين اليومية.

وتعتزم حكومة الاحتلال الإسرائيلي في الفترة المقبلة، تنفيذ عمليات هدم من شأنها أن تطال عشرات المنازل في حي البستان الملاصق للأقصى. وتسعى بلدية الاحتلال منذ سنوات لهدم مئات الوحدات السكنية في حي البستان، وتحويله إلى "حديقة توراتية" لصالح مشاريع ومخططات تهويدية.

وفي هذا الإطار يواجه أكثر من 100 مبنى، يسكنه قرابة 1550 فلسطيني، و63% منهم هم أولاد دون سن 18 عاما، في بلدة سلوان المحاذية للبلدة القديمة في القدس المحتلة خطر الهدم الفوري،

ويهدف مخطط البلدية إلى تنفيذ مشروع استيطاني مكان هذه المباني الفلسطينية، وإقامة ما يسمى "متنزه حديقة الملك"، الذي أعلن عنه رئيس بلدية القدس السابق، نير برْكات، في العام 2010. ويقضي المخطط بإقامة هذا المشروع الاستيطاني في حي البستان في سلوان، وأن يكون موقعا "سياحيا – أثريا". وقضى المخطط بهدم عشرات المباني وطرد العائلات الفلسطينية التي تسكنها. يشار إلى أن السكان الفلسطينيين أقاموا هذه المباني في أراض بملكيتهم، ولكن البلدية تدعي أنها بُنيت بدون تصاريح بناء. وكان هذا المخطط قد أثار ضجة في حينه، وتعالت احتجاجات دولية ضد بلدية القدس.

ويواجه سكان حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة، خطر نكبة جديدة بعد أن أخطرت سلطات الاحتلال عددا من العائلات بإخلاء منازلها، لإحلال المستوطنين بدلا منهم.

منذ عام 1972 بدأت قوات الاحتلال تضيق على السكان، بزعم أن الأرض التي بنيت عليها منازلهم من طرف الحكومة الأردنية كانت مؤجرة في السابق لعائلات يهودية. ويخطط الاحتلال لتوسيع مشاريع الاستيطان في حي الشيخ جراح، بهدف تطويق البلدة القديمة، واختراق الأحياء الفلسطينية بالبناء الاستيطاني.

وتهدف سلطات الاحتلال بذلك إلى تحجيم وتقليص الوجود الفلسطيني في المدينة، حيث وضعت نظاما قهريا يقيد منح تراخيص المباني، وأخضعتها لسلم بيروقراطي وظيفي مشدد؛ بحيث تمضي سنوات قبل أن تصل إلى مراحلها النهائية. وفي الوقت الذي تهدم سلطات الاحتلال المنازل الفلسطينية، تصدق على تراخيص بناء آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات المقامة على أراضي القدس، ويخضع المقدسيون اليوم لما يقارب 33 ألف قرار هدم، في مقابل بناء مئات آلاف الوحدات السكنية والاستيطانية، في حين يهجر حوالي نصف سكان مدينة القدس إلى خارجها بسبب منعهم من استصدار رخص بناء، وهدم ومصادرة منازلهم وأراضيهم.

ورغم اعتراض المقدسيين على هذه المخططات التهويدية التي تستهدف وجودهم وحياتهم وبيوتهم في المدينة، ولجوئهم إلى مختلف الوسائل القانونية والاحتجاجية، وعلى الرغم من اعتراض المجتمع الدولي، على هذه المخططات غير القانونية، التي تتعارض مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، إلا أن حكومة الاحتلال ماضية ومستمرة في هذه المخططات غير مكترثة بردة فعل المجتمع الدولي، لأنه ينحصر في إطار الإدانة والشجب اللفظي، كما لا تقيم وزناً للموقف الرسمي الفلسطيني التي تعبر عنه السلطة الفلسطينية، لأنها تدرك عجز وضعف هذا الموقف الذي لا يتجاوز سقف الإدانة والشجب، ومناشدة المجتمع الدولي للتدخل والضغط على حكومة الاحتلال.

وهكذا يظل المقدسيون يواجهون لوحدهم هذه الحرب الشرسة، غير المتكافئة التي تشنها قوات وسلطات الاحتلال عليهم، إذا ما قورنت بالإمكانيات والقدرات الهائلة التي تملكها حكومة الاحتلال، للدفاع عن أنفسهم وعن وجودهم في المدينة.

وفي هذا الإطار دعا نشطاء مقدسيون ومؤسسات حقوقية في القدس المحتلة، لتشكيل لجان جماهيرية للتصدي لسياسات الاحتلال التهويدية، وذلك في أعقاب إخطارات الهدم الفوري لعشرات المنازل في حي البستان في سلوان، ومخطط تهجير وتشريد حي الشيخ جراح وتفريغه من المقدسيين، انطلاقا من قناعتهم الراسخة بالمثل الشعبي " لا يحك جلدك إلا ظفرك"، ومستلهمين العبر والدروس من معركة البوابات التي نصبها الاحتلال لتقييد دخول المصلين للمسجد الأقصى عام 2017، والتي أكدت قدرة الجماهير الفلسطينية الموحدة والصلبة لمواجهة الاحتلال ومخططاته، التي تستهدف المدينة وتصادر حقوقهم المشروعة في العيش فيها بكرامة، الأمر الذي يتطلب دعم واسناد المقدسيين بصورة جدية وفعالة وملموسة من قبل شعبنا وقواه الوطنية وهيئاته الرسمية، ومن قبل المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية. 

 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                 

 

 

 

 

فعالية الاستراتيجية الأمريكية

الجديدة لوقف الضم والاستيطان

وهدم المنازل

* المحامي علي ابوهلال

 

في مبادرة لوقف سياسة دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، العدوانية والمخالفة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، دعا أعضاء في الكونغرس الأميركي، الأسبوع الماضي إدارة الرئيس جو بايدن، بإدانة سياسة هدم المنازل التي تنتهجها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس. وطالبوا وزارة الخارجية الأميركية ببدء تحقيق في إمكانية استخدام إسرائيل لمعدات أميركية في عمليات الهدم، وتقرير ما إذا تم استخدام هذه المعدات بصورة مخالفة لقانون "مراقبة تصدير الأسلحة"، أو أية اتفاقيات أميركية إسرائيلية، بشأن المستخدم النهائي. وأعرب أعضاء الكونغرس عن قلقهم من تخلي إسرائيل من التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة بشأن توفير إجراءات السلامة الصحية للمواطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وذكروا برسائل سابقة بعثوها إلى وزارة الخارجية الاميركية للاحتجاج على دعم إدارة ترمب لنية إسرائيل ضم أراضي فلسطينية بشكل احادي الجانب، معربين عن ارتياحهم لوقوف إدارة الرئيس بايدن ضد أية عمليات ضم إسرائيلية أحادية الجانب. ودعا أعضاء الكونغرس في رسالتهم، إدارة الرئيس بايدن، لإلغاء خطة ترمب "السلام من اجل الازدهار" بشكل رسمي، والتي تعطي إسرائيل الضوء الاخضر لضم 30% من مساحة الضفة الغربية خارج إطار المفاوضات، وأكدوا على ضرورة إزالة هذه الخطة عن الطاولة وإيصال رسالة واضحة للفلسطينيين والإسرائيليين بأنها لن تكون الأساس لأية خطة مستقبلية مدعومة أميركيا. ووقع على الرسالة: رشيدة طليب، أندريه كارسون، مارك بوكان، بول جرولفا، هينري هانك جونسون، بيتي ماكولن، جيمس ماكجوفرين، ماري نيومان، اليكساندرا اوكاسيو كورتيز، الهان عمر، تشيلي بينغري، ايانا بريسلي.

ويأتي هذا التحرك استمرارا لجهود سابقة لأعضاء الكونغرس الأمريكي في هذا الاتجاه، حيث أرسل 199 عضواً ديمقراطياً في شهر تموز/ يوليو الماضي رسالة لكل من نتنياهو وغانتس ووزير الخارجية الإسرائيلي أشكنازي طالبوا فيها بوقف الضم، لأنه يضر بمصلحة إسرائيل، وسيبدد حل الدولتين. كما سبق ذلك قيام 76 عضوا من الحزب الديموقراطي في الكونغرس الأمريكي، بإرسال رسالة إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يطالبوه فيها بإلغاء عمليات هدم المنازل في القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، وخاصة قرية سوسيا في تلال الخليل الجنوبية، وقد وقع الرسالة عدد كبير من أعضاء الكونغرس يفوق عدد الأعضاء الذين وقعوا طلبات مماثلة في الماضي.

وفي شهر شباط/ فبراير الماضي طالبت 6 منظمات يهودية أمريكية إدارة الرئيس جو بايدن، بالتراجع عن قرار الإدارة السابقة بوسم منتجات المستوطنات على أنها "صنعت في إسرائيل". وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد سمحت نهاية العام الماضي، بوسم بضائع المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها (صُنعت في إسرائيل)". وفي حينه، وجه الفلسطينيون انتقادات حادة للقرار، واعتبروه ضوءا أخضر لضم إسرائيل المنطقة "ج" التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية.

مبادرة أعضاء الكونغرس الأخيرة تأتي في ظل ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعلن في حملته الانتخابية الرئاسية، إن “على إسرائيل التوقف عن توسيع المستوطنات في الضفة الغربيّة، ووقف الحديث عن الضمّ والسعي للنهوض بحل الدولتين”، مؤكدا أنه “أوضح موقفه هذا أمام الإسرائيليين”. وأضاف: “إن الضم اليوم ليس على الطاولة موضحًا أنه سيعارض الضم إذا فاز بالرئاسة، وسيجدد الحوار مع الفلسطينيين، ويعيد الدعم المادي مع الأخذ بالحسبان القانون الأميركي، وسيفتتح مجددا قنصلية بلاده شرقي القدس”. وجدد بايدن تأكيده على أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لضمان حق الفلسطينيين بدولتهم من جهة، ولأمن “إسرائيل” على المستوى البعيد من جهة أخرى، مشيرًا إلى أن خصمه في الانتخابات الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب، زعزع قضية تقرير المصير للفلسطينيين، ويعمل على تقويض الأمل بحل الدولتين.

كما جدد الرئيس بادين هذه المواقف بعد فوزه بالانتخابات وتوليه رسميا رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يجعله ملزما أمام ناخبيه وكرئيس للولايات المتحدة بتنفيذ هذه المواقف.

ووفقاً للسياسات الأمريكية الجديدة ستستأنف الولايات المتحدة مساعداتها للفلسطينيين وستعيد فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والقنصلية في القدس، كما ستعارض إدارة بايدن ضم الأراضي وبناء المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين من قِبل إسرائيل، كما أن الولايات المتحدة ملتزمة بحل الدولتين الذي يتم التوصل إليه من خلال التفاوض.

إن التزام الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن بهذه السياسة يتطلب منها التراجع عن عدد من الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب والتي قوضت العلاقات الأمريكية الفلسطينية. وان كان من الصعب على الولايات المتحدة إعادة سفارتها إلى تل أبيب كما هو واضح حتى الآن، إلا أنه يجب على واشنطن أن تدعم حلاً يمكّن كلا الطرفين من إقامة عاصمتيهما في القدس وأن وضع القدس هو قضية يجب حلها من خلال المفاوضات.

وعلى الولايات المتحدة أيضاً تجديد العلاقات مع الشعب الفلسطيني وحكومته وإظهار التزامها بعلاقات مستقلة مع الفلسطينيين، وعكس سياسة جعل التواصل الدبلوماسي مع الفلسطينيين جزءاً من العلاقات الأمريكية مع إسرائيل. وهذا يعني إعادة فتح البعثة الأمريكية للفلسطينيين في القدس والعودة إلى سلطة القنصل العام لرئيس البعثة على الضفة الغربية والعلاقات مع السلطة الفلسطينية. ويجب أن تسمح الولايات المتحدة أيضاً بإعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، على الرغم من أن هذا سيتطلب العمل مع الكونجرس لتنفيذه.

وعلى الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات فورية لمعالجة الأزمة الإنسانية والتحديات الاقتصادية التي تواجه الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. وينبغي أن يدفع جزء من هذا الجهد الولايات المتحدة إلى إعادة تشغيل برامج المساعدة الاقتصادية للشعب الفلسطيني وتمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، حيث توقف كلاهما في السنوات الأربع الماضية. ويجب التركيز بشكل خاص على غزة، حيث لا يزال مليونا شخص تحت الحصار الاسرائيلي، وقد أدى الحصار الناجم عن ذلك إلى خنق التنمية الاقتصادية والبشرية. ويجب أن تركز الإجراءات المبكرة على تحسين حرية التنقل للفلسطينيين، والتي هي شريان الحياة لأي اقتصاد، مع الاستثمار أيضاً في الوصول إلى المياه النظيفة والكهرباء، والتي لا تزال نادرة بشكل غير مقبول.

وعلى إدارة الرئيس جو بادين أن تتخذ خطوات ملموسة ضد عمليات الضم الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني وهدم المنازل، ورفض صفقة القرن، وذلك استجابة لمطالب أعضاء الكونغرس، وغيرها من المنظمات الأمريكية، إذا كانت راغبة في تحقيق استراتيجيتها الجديدة التي أعلنت عنها بعد فوز جو بايدين، وأكثر من ذلك عليها ممارسة الضغط الملموس على حكومة الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فهذا هم الامتحان الحقيقي والمحك العملي لتحقيق هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، وعكس ذلك تظل المواقف الأمريكية الرسمية مجرد مواقف نظرية ودعاويه، لن تمنع حكومة الاحتلال من مواصلة سعيها لتنفيذ مخططاتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، بل أن سكوت الإدارة الأمريكية عن هذه المخططات سيوفر الغطاء لحكومة الاحتلال بالمضي قدما في انتهاكاتها للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ما سيبدد أي إمكانية حقيقية لانتقال الاستراتيجية الأمريكية من موقع اعلان المواقف، إلى ممارسة الضغط الفعلي والملموس على حكومة الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات، وهذا يتطلب من القيادة الرسمية الفلسطينية عدم المراهنة على قيام دور امريكي نزيه وفاعل لتحقيق تسوية عادلة ومنصفة للشعب الفلسطيني، تضمن تحقيق حقوقه الوطنية المشروعة، وعليها أن تبقي خيارات المقاومة وغيرها مفتوحة، لمواجهة الاحتلال ومخططاته العدوانية، فهذا هو السبيل لتطوير الموقف الأمريكي للضغط على حكومة الاحتلال للاستجابة لحقوقنا الوطنية المشروعة.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                 

 

 

نحو دعم جهود المحكمة الجنائية

الدولية للتحقيق الرسمي بجرائم الاحتلال

 

* المحامي علي ابوهلال

 

أعلنت المحكمة الجنائية الدولية يوم الأربعاء الماضي الثالث من شهر آذار/ مارس الجاري، فتح تحقيق رسمي بجرائم حرب ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، بحسب ما جاء في بيان صدر عن المدعية العامة في المحكمة، فاتو بنسودا.

وأوضحت المدعية العامة أن "قرار فتح التحقيق في الوضع في فلسطين جاء بعد فحص أولي استمر لنحو 5 سنوات"، مشددة على أن التحقيق سيتم "بشكل مستقل وحيادي وموضوعي دون خوف أو محاباة بهدف إظهار الحقيقة"، ولفتت إلى أن "ولاية المحكمة تمتد من غزة إلى الضفة بما فيها القدس الشرقية".

وجاء هذا التوضيح الذي أكدته المدعية العامة ليرد مسبقا على ما يمكن أن يصدر عن حكومة الاحتلال الإسرائيلية، التي تتهم المحكمة بعدم الحيادية والاستقلالية، فقد سارع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال بعد صدور قرار المحكمة، إلى القول أن قرار المحكمة الجنائية الدولية "يمثل جوهر معاداة السامية وجوهر النفاق"، وردا واضحا على رأى وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، الذي قال  أن القرار يندرج ضمن "الإفلاس الأخلاقي والقانوني"، وأضاف أن "هذا القرار سياسي اتخذته المدعية في نهاية ولايتها، في محاولات إملاء أولويات خليفتها".

وجاء في بيان المدعية العامة "أؤكد بدء مكتب المدعي العام إجراء تحقيق يتعلق بالوضع في فلسطين. سيغطي التحقيق في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والتي يدعى أنها ارتكبت في سياق القضية منذ 13 حزيران/ يونيو 2014".

ولفتت بن سودا إلى أن "الأولويات المتعلقة بالتحقيق سيتم تحديدها في الوقت المناسب، على ضوء التحديات التشغيلية التي قد نواجهها في ظل الوباء، والموارد المحدودة المتاحة لنا، وعبء العمل الثقيل. ومع ذلك، فإن مثل هذه التحديات، مهما كانت شاقة ومعقدة، لا يمكن أن تصرفنا عن الاضطلاع في نهاية المطاف بالمسؤوليات التي يضعها ميثاق روما على عاتق المحكمة". وأوضحت أنه "بموجب نظام روما الأساسي، إذا أحالت دولة طرف حالة ما إلى مكتب المدعي العام وتقرر وجود أساس معقول لبدء التحقيق، فإن المكتب ملزم بالتصرف. وكخطوة أولى، يُطلب من المكتب إخطار جميع الدول الأطراف والدول التي عادة ما تمارس الولاية القضائية على الجرائم المعنية بتحقيقاتها".

وقالت إن "نظام روما الأساسي يُلزم المكتب بتوسيع تحقيقه ليشمل جميع الحقائق والأدلة ذات الصلة بتقييم ما إذا كانت هناك مسؤولية جنائية فردية، وكذلك التحقيق في ظروف التجريم والتبرئة". وأضافت أن "قرار فتح التحقيق جاء في أعقاب تحقيق أولي شاق أجراه المكتب لقرابة خمس سنوات".

وتابعت أنّ "مكتبها تعامل خلال تلك الفترة مع مجموعة واسعة من الجهات المعنية، بما في ذلك اجتماعات منتظمة وبناءة مع ممثلي الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية". وأردفت أنّها "أعلنت في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2019 عزمها تقديم طلب إلى قضاة الدائرة التمهيدية الأولى لإصدار حكم لتوضيح النطاق الإقليمي لاختصاص المحكمة بشأن الوضع في فلسطين".

إن بيان فاتو بن سودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية كان صريحاً وواضحاً، فهي تدرك حجم العقبات والضغوطات التي ستواجه المحكمة لمنعها من مباشرة هذا التحقيق، سواء من قبل الحكومة الإسرائيلية، أو من قبل الولايات المتحدة التي رفضت هي أيضا هذا القرار، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن “الولايات المتحدة تعارض بشدة إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية الخاص بالتحقيق في الوضع الفلسطيني”. ورغم ذلك أكدت المدعية العامة أن مثل هذه التحديات والعقبات، مهما كانت شاقة ومعقدة، لا يمكن أن تصرفنا عن الاضطلاع في نهاية المطاف بالمسؤوليات التي يضعها ميثاق روما على عاتق المحكمة".

وفي بيانها، حثّت بنسودا "الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمعات المتضررة من القرار على التحلي بالصبر". وقالت إن "المحكمة ستركز اهتمامها على المجرمين الأكثر خطورة، أو أولئك الذين سيتحملون المسؤولية الأكبر عن ارتكاب الجرائم". وقالت إن التحقيقات "تستغرق وقتًا ويجب أن تستند بشكل موضوعي إلى الحقائق والقانون. وسيعتمد مكتبي، في اضطلاعه بمسؤولياته، نفس النهج المبدئي وغير المتحيز الذي اعتمده في جميع الحالات التي يُنظر فيها إلى ولايته القضائية. ليس لدينا أجندة سوى الوفاء بواجباتنا القانونية بموجب نظام روما الأساسي بنزاهة مهنية". وأوضحت فاتو بنسودة أن التحقيق سيشمل أحداثا في الضفة الغربية والقدس الشرقية الخاضعتين للاحتلال الإسرائيلي، وكذلك قطاع غزة، منذ 13 يونيو/ حزيران عام 2014. وكانت دولة فلسطين قد طلبت من المحكمة التحقيق في 3 ملفات أساسية، وهي الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية المحتلة، والعدوان على غزة، ومعاملة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية.

لا شك أن هناك تحديات وعقبات كبيرة قد تعترض شروع المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق بالجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال، في الأراضي الفلسطينية سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.

وقد أكدت التجارب السابقة أن دولة الاحتلال قد عرقلت عمل لجان التحقيق الدولية، التي تشكلت للتحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبشكل خاصة في قطاع غزة ومنعتها من دخول القطاع، ومنها لجنة تقصي الحقائق برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون بشأن العدوان على قطاع غزة  2008-2009، ولجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بتاريخ 23 تموز/ يوليو 2014 للتحقيق في العدوان الأخير الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة، ولجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان، في أيار/مايو 2018 للتحقيق في جرائم الاحتلال في قطاع غزة، حين أطلق فيها قناصة قوات الاحتلال النار على أكثر من ستة آلاف متظاهر أعزل على مدى أسابيع متتالية، في مواقع الاحتجاجات على امتداد السياج الفاصل، وبلغ عدد الفلسطينيين الذين قتلوا خلال التظاهرات في هذه الفترة 189 قتيل.

وهناك عقبات أخرى يمكن أن تضعها الولايات المتحدة لعرقلة وتأجيل التحقيق سواء من خلال مجلس الأمن وفقا للمادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تنص على " لا يجوز البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة اثني عشر شهراً بناءً على طلب من مجلس الأمن إلى المحكمة بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها". وأن لم تستطع الولايات المتحدة تحقيق ذلك، ربما تلجأ للضغط على السلطة الفلسطينية، لسحب طلب التحقيق من المحكمة الجنائية الدولية، مقابل تقديم الدعم السياسي والمالي لها، كما فعلت الإدارة الأمريكية في عهد ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمنع توجهها إلى المحكمة.

إن نجاح المحكمة في مباشرة التحقيق في الجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتوقف على مواجهة هذه التحديات وتجاوز العقبات الإسرائيلية والأمريكية من جهة، ويتطلب دعم وتعاون دولي مع المحكمة من جهة ثانية، ودعم عربي وخاصة من قبل الدول العربية المجاورة للأرضي الفلسطينية، لتسهيل وصول خبراء التحقيق إلى الأراضي الفلسطينية وتحديدا إلى قطاع غزة من جهة ثالثة، ويتطلب إرادة سياسية صلبة وقوية ومتماسكة من قبل دولة فلسطين حتى لا تخضع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، التي ستتكثف خلال الفترة المقبلة عليها لسحب طلب التحقيق الذي قدمته للمحكمة لمباشرة التحقيق في هذه الجرائم.

ان مواجهة هذه التحديات والعقبات وتوفير تلك الضمانات والمتطلبات الآنفة الذكر، سيشكل دعما كبيرا لقيام المحكمة بمباشرة التحقيق في جرائم الاحتلال، ودون ذلك سيجعل قيام المحكمة بمباشرة التحقيق أمراً صعبا وبعيد المنال، وقد يبدد أحلام ضحايا الاحتلال باقتراب ساعة القبض على مجرمي الحرب الإسرائيليين ومحاكمتهم امام المحكمة الجنائية الدولية، تلك الآمال التي طال انتظارها وقتا طويلا. 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                 

 

 

 

 

الإدانات الدولية لوحدها

لن توقف عمليات هدم منازل

الفلسطينيين دون إجراءات رادعة

 

* المحامي علي ابوهلال

 

تستمر حكومة الاحتلال الإسرائيلي بهدم منازل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بوتيرة عالية ومتصاعدة، بما يخالف القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، غير مكترثة بما ترتبه هذه الجريمة من إدانات شديدة وعقوبات قد تتعرض اليها، سواء من قبل الدول الرافضة لهذه الجريمة، أو من قبل القضاء الجنائي الدولي، وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية التي قد تشرع قريبا بالتحقيق بهذه الجريمة، وغيرها من الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في اطار سياستها التي تنتهجها حكومة الاحتلال باعتبارها سلطة فوق القانون، تمعن في تبني سياسية الإفلات من العقاب بصورة دائمة ومستمرة.

ذكر المكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “ أوتشا" في تقرير له  أواخر العام الماضي  أن سلطات الاحتلال قامت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ، بهدم أو مصادرة 178 مبنى مملوكًا لفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، وهذا هو أعلى رقم من هذا القبيل في شهر واحد منذ أن بدأ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في توثيق هذه الممارسة بشكل منهجي في عام 2009. وأدى ذلك إلى تهجير 158 شخصًا. وذكر التقرير أن جميع المباني، باستثناء مبنى واحد تم هدمه لأسباب عقابية، واقعة في المنطقة (ج) أو القدس الشرقية واستُهدفت بسبب عدم وجود تصاريح البناء، وهو أمر يكاد يكون من المستحيل على الفلسطينيين الحصول عليه. وبذلك يصل العدد الإجمالي لهذه المباني وفقا للتقرير نفسه التي تم هدمها أو الاستيلاء عليها منذ بداية عام 2020 إلى 114.

وفي تجمع حمصة البقيعة، شمال غور الأردن، لوحده هدمت السلطات الإسرائيلية 83 مبنى، أو حوالي ثلاثة أرباع التجمع، ونتيجة لذلك، نزح ما مجموعه 73 شخصًا، من بينهم 41 طفلاً، لكنهم تمكنوا من البقاء في المنطقة بعد تسليم الملاجئ الطارئة وغيرها من المساعدات.

كما تم استهداف 13 مبنى إضافي في منطقة مسافر يطا في الخليل، تم إعلان معظمها أيضًا "منطقة إطلاق نار". وشمل ذلك شبكة مياه ممولة من المانحين، تم تفكيك جزء منها بالفعل في تشرين الأول/أكتوبر، والتي كانت تخدم حوالي 700 شخص من أربعة تجمعات. وقع هذا الحادث في 25 تشرين الثاني /نوفمبر على أساس إجراء عاجل (الأمر العسكري 1797)، بينما كان الشركاء القانونيون يقدمون القضية في المحكمة، لمحاولة وقف إزالة الشبكة.

وذكر التقرير نفسه أن المحكمة العليا الإسرائيلية مددت حتى 15 تموز/ يوليو 2021 الموعد النهائي الممنوح للسلطات الإسرائيلية للرد على التماس قدمته منظمة استيطانية إسرائيلية تطالب بهدم تجمع الخان الأحمر البدوي. على الرغم من أنه ممكن تقنيًا، إلاّ أن الشركاء القانونيين يقدرون أنه من غير المحتمل حدوث هدم جماعي قبل ذلك التاريخ. الخان الأحمر هو واحد من 18 بلدة تقع شرقي القدس، ويقع داخل أو بجوار منطقة مخطط لها لمشروع استيطاني كبير(E1) ، والتي تواجه خطر الترحيل القسري.

في عام 2020، قام أصحاب المنازل بهدم 47 بالمائة من 166 مبنى في القدس المحتلة لتقليل الغرامات والنفقات التي تفرضها البلدية على عمليات الهدم، التي شكلت ارتفاعًا من 23 بالمائة في المتوسط بين عامي 2016 و2019.

كما هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، عقابياً، في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، منزلاً فلسطينياً في المنطقة (ب) في قرية روجيب (نابلس)، يملكه فلسطيني يُحاكم بتهمة قتل إسرائيلي في آب / أغسطس 2020. ونتيجة لذلك نزحت أسرة مكونة من ثمانية أفراد، بينهم أربعة أطفال.

وفي القدس المحتلة تم هدم منزلا لعائلة عليان في قرية العيسوية في الثاني والعشرين من شهر شباط/ فبراير الماضي، مكون من بناية سكنية من طابقين تضم أربع شقق سكنية، مساحتها حوالي 370 مترا مربعا، ويقطن فيها 17 فردا منهم 12 طفلا، ومشيدة منذ 10 أعوام، رغم أن البناية تقع ضمن الخارطة الهيكلية المسموح بالبناء فيها بالعيسوية، وكانت محكمة الاحتلال الإسرائيلي قد رفضت في الثامن من آب/ أغسطس من العام الماضي، تجميد قرار هدم منزل عائلة عليان ببلدة العيسوية، بعد أن صادقت على وقف أي إمكانية لمواصلة إجراءات الترخيص من قبل العائلة.

ويوم أمس الاثنين الأول من شهر آذار/ مارس الجاري هدمت سلطات الاحتلال منزلا مؤلف من طابقين يعود لعائلة المقعد حاتم حسين ابو ريالة في قرية العيسوية أيضا، ويذكر أن هذه هي المرة الرابعة التي يهدم الاحتلال المنزل، بحجة عدم الترخيص.

وبحسب معطيات أصدرتها منظمة بيتسيليم الحقوقية الإسرائيلية، فإن الاحتلال هدم منذ مطلع العام 2004 حتى نهاية العام الماضي 1097 منزلا في القدس الشرقية، فيما هدم المقدسيون ذاتيا قرابة 235 منزلا في نفس الفترة لتجنب غرامات باهظة جدا يفرضها الاحتلال عليهم بعد تنفيذ عمليات الهدم بجرافاته، فيما هدم الاحتلال 458 مبنى ومنشأة غير سكنية في نفس الفترة. وتشير ذات المعطيات إلى أنه منذ مطلع عام 2004 حتى نهاية العام الماضي شرد قرابة 3579 مقدسيا بعد هدم منازلهم.

أثارت عمليات هدم منازل الفلسطينيين في القدس وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، رفضا وإدانة دولية واسعة خلال الأيام الماضية، فقد دعت الأمم المتحدة والأعضاء الأوروبيون في مجلس الأمن، يوم الجمعة 27/02/2021، إسرائيل الى وقف هدم منشآت البدو في غور الأردن، مطالبين بوصول المساعدات الإنسانية إلى تجمّعهم في منطقة حمصة البقيع وأعرب مبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة، النروجي تور وينسلاند، عن قلقه أمام مجلس الأمن من عمليات الهدم والمصادرة. وطالب إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" وقف هدم ومصادرة الممتلكات الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، والسماح للفلسطينيين بتطوير مجتمعاتهم.

لكن هذه الموقف الدولية على أهميتها لا تكفي لردع حكومة الاحتلال لوقف عمليات هدم المنازل، بل لا بد أن ترتبط بفرض عقوبات سياسية واقتصادية ملموسة ومؤثرة، من قبل الأمم المتحدة ومن سائر الدول الأعضاء فيها، كما تشكل عمليات هدم المنازل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وهي من الجرائم التي تندرج ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، وعلى دولة فلسطين التي أصبحت عضوا في المحكمة منذ الأول من شهر نيسان/ابريل عام 2015 متابعة جهودها، من أجل قيام المحكمة بالتحقيق في هذه الجرائم، ومعاقبة من يرتكبها من أفراد وقيادات ومسؤولي الاحتلال، حتى لا يفلت هؤلاء من العقاب، وحتى يتم وقف عمليات هدم منازل الفلسطينيين، وطرد وتهجير أصحابها منها، فهذا هو الرد المناسب لوقف هذه الجرائم المخافة للقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية، ودون ذلك تبقى المواقف المنددة بعمليات هدم المنازل، والمطالبة بوقفها مجرد مواقف نظرية لن تؤثر على سياسية حكومة الاحتلال، ولن توقف هذه الجرائم التي ترتكبها بحق الفلسطينيين.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                 

 

 

أطفال معتقلون إداريا يعيشون

ظروفاً قاسية في سجون الاحتلال

 

* المحامي علي ابوهلال

 

تواصل سلطات الاحتلال وإدارات سجونه اعتقال قرابة مئتي طفل فلسطيني، يعيشون ظروفاً قاسية، ويحرمون من أبسط الحقوق الإنسانية، ويتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي علاوة على الإهمال الطبي واكتظاظ الزنازين، ونقص التهوية، وسوء التغذية، والحرمان من الزيارات العائلية، وتزداد وتيرة اعتقالهم يوميا. ومع انتشار فيروس كورونا داخل المعتقلات والسجون الاسرائيلية تزداد المخاوف على حياة الأسرى الفلسطينيين، خاصة المرضى منهم وكبار السن والأطفال، وعلى الرغم من مطالبة المنظمات الدولية بأن تولي الدول، عند تفشي وباء، قدراً متزايداً من الاهتمام باحتياجات الأطفال إلى الحماية وحقوقهم، وأن تشكّل المصالح الفضلى للأطفال اعتباراً رئيسياً في جميع الإجراءات التي تتخذها الحكومات، إلا أن الأطفال الفلسطينيين الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي يواجهون خطراً متزايداً بتعرضهم للإصابة بفيروس كورونا، بالنظر إلى غياب تدابير التباعد الاجتماعي وغيرها من التدابير الوقائية أو صعوبة تحقيقها في أحوال كثيرة.

اعتقل (543) طفلا فلسطينيا خلال العام الماضي 2020, أغلبهم من القدس، في استهداف واضح للأطفال الفلسطينيين عامة وأطفال القدس خاصة، دون مراعاة لصغر سنهم، وبراءة طفولتهم، وخلال عام 2019 أعتقل الأطفال إدارياً حيث تواجد أربعة أطفال في الاعتقال الاداري خلال عام 2019 كان منهم الطفل سليمان أبو غوش (17 عاماً – مخيم قلنديا) والذي اعتقل إدارياً مرتين خلال عام واحد، حيث تم اعتقاله بتاريخ 13 كانون الثاني 2019 وذلك على خلفية ما يسميه الاحتلال "التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي"، وعلى الرغم من أن القاضي العسكري رفض طلب النيابة بتمديد اعتقال سليمان وإصداره قرار بالإفراج عن أبو غوش بكفالة مالية قدرها 4000 شيكل إلا أن النيابة العامة طلبت امهالها لغايات إصدار أمر اعتقال إداري بحقه. وهو ما حصل حيث تم إصدار أمر الاعتقال الاداري للطفل سليمان بتاريخ 22 كانون الثاني وذلك لمدة 4 أشهر قابلة للتمديد، وتم الافراج عن سليمان بعد انتهاء المدة. لم تقف قضية سليمان عند هذا الحد حيث قامت سلطات الاحتلال باعتقاله مجدداً في الأشهر الأخيرة من عام 2019 وأصدرت بحقه أمر اعتقال اداري لمدة 4 أشهر تبدأ من تاريخ 14 أيلول 2019. في كلا الاعتقالين ظهرت سياسة الاحتلال التعسفية في التعامل مع أبو غوش حيث ان الاعتقال الأول كان قبيل اقتراب ذكرى استشهاد شقيقه، وكان واضحاً أن اعتقاله وما حاولت النيابة العامة القيام به من بناء ملف قانوني يتهم سليمان ببند التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي ما كان إلا تلفيقاً. أما اعتقال سليمان الثاني فجاء عقب توجهه لاستدعاء من قبل المخابرات الاسرائيلية والذي كان بجوهره للضغط على شقيقته المعتقلة والتي كانت تمر في فترة تحقيق. ولم يكن سليمان الطفل الوحيد الذي تعرض للاعتقال الإداري، حيث اعتقلت قوات الاحتلال أيضاً الطفل حافظ زيود (16 عاماً- جنين) وذلك بتاريخ 26 آب 2019 وأصدرت بحقه أمر اعتقال اداري لمدة أربع شهور. تم تقصير مدة أمر الاعتقال الإداري إلى ثلاثة أشهر بعد تقديم جهة الدفاع استئنافها، إلا أنه قبل موعد الافراج عن زيود بعدة أيام قامت سلطات الاحتلال بإصدار أمر اعتقال إداري جديد بحقه لمدة ثلاث أشهر اضافية. ومما يدعو للانتباه في قضية زيود هو تزامن اعتقاله مع بدء العملية التعليمية فهو طالب في الثانوية العامة وعليه فإن عملية اعتقاله من شأنها أن تعرقل تقدمه لامتحان الثانوية العامة، وكذلك الحال أيضاً تم اصدار أوامر اعتقال اداري بحق الطفلين سليمان عبد الرحمن، ونضال عامر خلال عام 2019.

كما أعتقل الطفل "سليمان سالم قطش" 16 عاماً من رام الله، في ديسمبر 2019، وصدر بحقه قرار اعتقال ادارى وجدد له 4 مرات متتالية، وقد نكث الاحتلال بوعده له بعد اصدار قرار جوهري بعدم التجديد له لمرة رابعة وكان من المفترض إطلاق سراحه في ديسمبر العام الماضي، إلا ان مخابرات الاحتلال جددت له الإداري لمرة رابعة لمدة 4 شهور، ويعتبر " قطش" أصغر أسير إداري في سجون الاحتلال، حيث لا يزال طالباً في الصف الحادي عشر.

ويذكر ان الاسير الطفل "أمل معمر نخلة" (17 عاما) من رام الله كان أعيد اعتقاله في 21/1/2021، وأصدرت بحقه محكمة الاحتلال قرار اعتقال إداري لمدة 6 شهور، رغم أنه يعاني من ظروف صحية سيئة، ومصاب بمرض نادر يسمى " الوهن العضلي الوبيل" مما يشكل خطر على حياته. وهو حاجة لعلاج خاص يتناوله أربع مرات يومياً، وبشكل منتظم، إلا أنه لا يتلقى أي علاج في سجون الاحتلال،كذلك هناك خطورة على حياته من احتمالية إصابته بفيروس "كورونا"، حيث انه يعاني من ضعف في المناعة بشكل حاد.

وترفض حكومة الاحتلال كافة الدعوات والمناشدات التي صدرت عن العديد من المؤسسات الدولية لإطلاق سراح الأطفال الاداريين، ما يزيد من معاناتهم في ظل انتشار جائحة كورونا، ويعرضهم لخطر حقيقي، بما يخالف القانون الدولي الإنساني، والشرعة الدولية لحقوق الانسان.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                

 

 

تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية

بحق وسائل الاعلام والصحفيين

خلال العام الماضي

 

* المحامي علي ابوهلال

 

شهد العام الماضي 2020 والشهر الأخير منه تزايدا ملحوظا في استهداف وسائل الاعلام والصحفيين الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، في إطار سياستها المتواصلة القاضية بانتهاك حرية الراي والتعبير والاعتداءات المتواصلة على الصحافة وأجهزة الاعلام المختلفة. حيث ارتفعت مؤشرات الانتهاكات في الشهر الماضي إلى 58 انتهاكاً اسرائيلياً، من ضمنها اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي أربعة من الصحفيين وهم مجدي كيال (أفرج عنه)، تامر البرغوثي (لا زال معتقل)، طالب الاعلام ليث جعار (لا زال معتقل)، ويوسف فواضلة. فيما احتجزت قوات ومخابرات الاحتلال ستة من الصحفيين، وهم مهند قفيشة، طاقم قناة الغد وعددهم ثلاثة، طاقم تلفزيون فلسطين وعددهم اثنان. كما أصدرت محكمة الاحتلال تمديد اعتقال وتجديد اعتقال إداري لست حالات بحق الصحفيين الأسرى، حيث أجلت محاكمة الصحفي الأسير تامر البرغوثي ثلاث مرات خلال ذات الشهر، ومددت محكمة الصحفي الأسير طارق أبو زيد، في حين جددت الاعتقال الإداري للصحفيين الأسيرين مصعب سعيد (أربعة أشهر)، ونضال أبو عكر (ستة أشهر) وذلك قبل أيام من الافراج عنهما.

كما تعرض أكثر من عشرة صحفيين في الضفة المحتلة للاعتداء بالضرب والركل والدفع من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال تأديتهم مهامهم الإعلامية، عدا عن مهاجمة المستوطنين للصحفيين بالعصي والكلاب الشرسة على مجموعة من المصورين الصحفيين، وأطلقوا الرصاص الحي عليهم لمنعهم من تغطية تظاهرة سلمية مندّدة بالاستيطان في قرية المغير شمال شرقي مدينة رام الله.

في حين منعت قوات الاحتلال الصحفيين من ممارسة عملهم المهني في تغطية انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين، والتي سجلت 18 حالة منع من التغطية وعرقلة العمل، تخللها اطلاق نار على الصحفيين من قبل قوات الاحتلال ومستوطنيه في الضفة المحتلة ، كما تم اطلاق نار شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة لمنع الصحفيين عن عمل تقرير مع المزارعين في المنطقة الذين يعانون من اعتداءات الاحتلال عليهم.

وتم تسجيل حالتي حالة تهديد بالحبس أو القتل للصحفيين مشهور الوحواح، وليث جعار.

وعن المداهمات والاقتحامات لمنازل الصحفيين شهد شهر ديسمبر 2020 أكثر من خمس عملية اقتحام وتفتيش وعبث بمحتويات "مطبعة"، ومنازل الصحفيين، تم خلالها مصادرة أكثر من خمس حالات من أجهزة حاسوب وهواتف نقالة، وغيرها. وفي إطار مضايقات الاحتلال للصحفيين الأسرى في سجون الاحتلال شهد نفس الشهر التضييق على اثنين من لصحفيين الأسرى، تم خلالها نقل الصحفي مصعب سعيد من سجن رام الله إلى مجدو، ومواصلة التحقيق مع الصحفيين بهدف تقديم لائحة اتهام ضدهم على خلفية عملهم الصحفي، عدا عن اجبار الصحفي مهند قفيشة على دفع غرامة مالية قبل أن يفرج عنه.

وقد رصدت وزارة الإعلام (350) انتهاكاً ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين الفلسطينيين، خلال العام الماضي 2020. حيث استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي (162) صحفياً و(18) صحفية، وعشرات الطواقم الصحفية، وتم حجب أكثر من (65) صفحة إعلامية وحساب تابع لصحفي/ صحفية على مواقع التواصل الاجتماعي بتحريض مباشر من الاحتلال. وتابعت الوزارة على مدار العام انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الهادفة لثني الصحفي الفلسطيني عن نقل روايته الصحيحة للعالم، حيث تصر قوات الاحتلال على استهداف الصحفيين بشكل مباشر ومتعمد أثناء تغطيتهم الإعلامية، لتبلغ الانتهاكات الخاصة بالاعتداء الذي يشمل الضرب واستخدام الكلاب والتهديد بالسلاح للمنع من التغطية (92) انتهاكا، في حين بلغ الاعتقال والاعتداءات في سجون الاحتلال (79) انتهاكا. وأكدت الوزارة فرض الاحتلال قرارا بملاحقة الإعلام الفلسطيني وتجديد منع تلفزيون فلسطين من العمل في مدينة القدس والجليل والمثلث والنقب بتاريخ 10/5/2020، امتدادا للحرب المفتوحة على الإعلام الفلسطيني، وإثباتا للغطرسة، واستهداف المنابر الإعلامية الوطنية لحجب الرواية الفلسطينية خصوصا في مدينة القدس.

 

كما أقدمت إدارة شركة "فيسبوك" خلال هذا العام على حجب العشرات من الصفحات الإعلامية التي تعنى بنشر انتهاكات الاحتلال بحق المواطنين والصحفيين، وتعتبر الوزارة استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين بهذا العدد الكبير (رغم جائحة كورونا)، دليلا على إصرار قوات الاحتلال على ملاحقة حراس الحقيقة لمنعهم من تغطية جرائمها، الأمر الذي تناشد به الوزارة لمساندة وحماية الصحفيين من هذا النهج القمعي والتعسفي بحقهم، وضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي (2222) الخاص بحماية الصحافيين. يؤكد ارتفاع مؤشر هذه الانتهاكات هذا العام أن الصحفيين العاملين في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يزالون عرضة لاعتداءات قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، على الرغم من الحماية الخاصة التي يتمتعون بها وفقاً لقواعد القانون الدولي. وتأتي هذه الاعتداءات في إطار التصعيد المستمر في جرائم الحرب، وغيرها من انتهاكات القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، التي تواصل تلك القوات اقترافها بحق المدنيين الفلسطينيين. ومن الواضح أن ما تمارسه قوات الاحتلال من اعتداءات على الصحافة، بما فيها جرائم القتل العمد وتهديد السلامة الشخصية للصحفيين، هي جزء من حملة منظمة لعزل الأراضي الفلسطينية المحتلة عن باقي أرجاء العالم، وللتغطية على ما تقترفه من جرائم بحق المدنيين. وتتناقض هذه الانتهاكات والممارسات الاسرائيلية ضد وسائل الاعلام والصحفيين، مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وخاصة مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي يؤكد على أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

وتتناقض هذه الانتهاكات مع ما ورد في (البندان 1و2 من المادة 19 من العهد الدولي الخاص المدنية والسياسية للعام 1966) وينصان على: "1- يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصاً مدنيين… 2- يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا البروتوكول شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى بالحقوق وضعهم كأشخاص مدنيين…"، وكذلك مع ما ورد في (البندان 1و2 من المادة 79 من البروتوكول “الملحق” الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف للعام 1949).

إن وقف هذه الانتهاكات الإسرائيلية ضد وسائل الاعلام المختلفة والصحافيين، بقدر ما هي مسؤولية وطنية تتطلب المزيد من الجهد والنضال الوطني والشعبي لوقفها والتصدي لها ومقاومتها في الميدان، فإنها أيضا مسؤولية دولية وخاصة لدى الأطراف الدولية ذات العلاقة، ولاسيما الاتحاد الدولي للصحفيين وآليات الأمم المتحدة لتعزيز حماية حقوق الإنسان، وخاصة المقررين الخاصين لكل من الحق في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، وعلى هذه الجهات تحمل مسؤوليتها والعمل من أجل الضغط على حكومة الاحتلال، لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة ضد حرية الاعلام والصحافيين بشكل عام، وعلى دولة فلسطين متابعة هذا الملف لدى المحكمة الجنائية الدولية، التي عليها ادراجه ضمن ملفات الجرائم المرتكبة من قوات الاحتلال، وتقديم المسؤولين عنها إلى المحاكمة حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين من العقاب.

 

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                

اغلاق الحرم الابراهيمي الشريف

ومنع حق العبادة للمسلمين

جريمة تستوجب العقاب

 

* المحامي علي ابوهلال

 

في انتهاك جديد لحرمة المقدسات الدينية وحق وحرية ممارسة الشعائر الدينية، أقدمت سلطات الاحتلال الاسرائيلي يوم الخميس الماضي السابع من شهر كانون الثاني/ ديسمبر، على اغلاق الحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل، بحجة مكافحة فايروس كورونا، لمدة 10 أيام بحجة مكافحة انتشار فيروس كورونا. وذكر مدير الحرم الإبراهيمي، ورئيس سدنته، الشيخ حفظي أبو سنينة، أن "قرار الاحتلال بإغلاق الحرم الإبراهيمي سيمنع دخول المصلين والزوار إلى أي جزء من الحرم". واعتبر أبو سنينة أن "الاحتلال يحاول حرمان المسلمين من الوصول إلى الحرم"، مؤكدا أن "المصلين والزوار ملتزمون بكافة الشروط الصحية والوقاية حسب البروتوكولات الوقائية المعمول بها". وأوضح أن "جنود الاحتلال المنتشرين على الحواجز العسكرية المحيطة بالحرم ومنذ فترة لا يسمحون بدخول أكثر من 20 مصليا للحرم.

اغلاق الحرم الابراهيمي الشريف بحجة مكافحة انتشار فيروس كورونا، ليست المرة الأولى، فقد أغلقت سلطات الاحتلال الاسرائيلي، الحرم لمدة أسبوعين في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ان تذرع سلطات الاحتلال بإغلاق الحرم الابراهيمي الشريف بهذه الحجج غير صحيحة، وأن هدف الاحتلال من الاغلاق هو حرمان المسلمين من الوصول إلى الحرم وأداء الصلاة فيه، في الوقت الذي يسمح فيه للمستوطنين دخول الحرم بدون قيود.

وقد دأبت سلطات الاحتلال على إغلاق الحرم الابراهيمي لفترات معينة، بمناسبة الأعياد اليهودية الدينية في عيد الغفران وعيد العرش، ومن الجدير ذكره أن اغلاق الحرم كان قد فرضه الاحتلال منذ العام 1994، في أعقاب تقسيمه زمانيا ومكانيا، بعد المجزرة التي ارتكبت داخله من قبل مستوطن اسرائيلي، وراح ضحيتها 29 مصليا، إضافة إلى 150 جريحا، حيث يتعمد استباحته لسوائب المستوطنين، بالإضافة إلى منع رفع الأذان او دخول الموظفين في كثير من الاحيان.

إن ما تقوم به سلطات الاحتلال من تضييق على الفلسطينيين في ممارسة شعائرهم الدينية، يأتي  مخالفا لقواعد القانون الدولي التي اكدت على ضرورة حماية الأماكن المقدسة لضمان ممارسة الشعائر الدينية بحرية، إضافة إلى مخالفته للإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م في مادته "18" والتي نصت على  "لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة".

كما يتناقض مع اتفاقية الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1965م حيث نصت المادة "5" منها على أنه: إيفاء للالتزامات الأساسية المقررة في المادة 2 من هذه الاتفاقية، تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية: ……وذكرت منها الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين…”.

 ويخالف  قرار الأمم المتحدة بشأن مكافحة قذف أو ازدراء الأديان لعام 2005م حيث أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرارا بشأن مكافحة قذف أو ازدراء الأديان بتاريخ 12ابريل 2005 : وهو يعتبر من أهم القرارات الدولية التي تحظر الإساءة إلى الأديان بحيث عبرت اللجنة فيه عن بالغ قلقها بشأن النمط السلبي المتكرر ضد الديانات ومظاهر عدم التسامح والتمييز في الأمور المتعلقة بالدين أو العقيدة التي تتجلى في العديد من أنحاء العالم، واستهجانها الشديد للهجوم والاعتداء على مراكز الأعمال والمراكز الثقافية وأماكن العبادة لجميع الديانات.

ان استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد المقدسات الدينية في المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة، وفي الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل، وفي سائر الكنائس والمقدسات المسيحية، وتواصل الانتهاكات ضد حرية وحق ممارسة الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين، لشعائرهم الدينية يتطلب من المنظمات الحقوقية الدولية ذات الصلة،  وخاصة هيئات الأمم المتحدة، الضغط على حكومة الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات التي تتعارض مع القانون الدولي الإنساني، وللقانون الدولي لحقوق الانسان، ولقرارات الشرعية الدولية، كما يتطلب  تدخل منظمة اليونسكو القيام بمسؤوليتها لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة. ويقع على عاتق منظمة المؤتمر الإسلامي، القيام بواجباتها ومسؤولياتها لوضع حد لهذه الممارسات العنصرية من قبل قوات الاحتلال، والتي تمنع الحق والحرية في ممارسة الشعائر الدينية.

 

كما يتطلب من دولة فلسطين وبعثاتها الدبلوماسية والقانونية لدى المنظمات الدولية الحقوقية، إلى التحرك العاجل من أجل ممارسة هذه المنظمات، المزيد من الضغوطات على حكومة الاحتلال، لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة التي تمنع حق وحرية العبادة للمسلمين والمسيحيين، كما يقتضي منها التوجه للمحكمة الجنائية الدولية، لطلب التحقيق في هذه الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال، وفرض العقوبات القانونية على مرتكبيها.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.                 

 

 

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا