الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا | |||||
هالة أقل سامي الكيلاني
البيت الكبير فارغ إلّا من صدى الأصوات التي لا تبرح سمعه ولا تغادر
الفضاء المحيط به. يجلس على الفراش متكئاً على الوسادة الموضوعة فوق
مسند صلب ما يجعل الاتكاء عليهما معاً مريحاً جداً بالنسبة له. يجلس
مرتاحاً مقتنعاً بأن هذا الفراش وثير جداً، فرشة الصوف المنجّدة حديثاً
بوجهها ذي الرسومات الزاهية الألوان، ومقتنع بذلك على الرغم من أنه لم
يجرب غيره من فراش البيوت القريبة أو البعيدة. يعتقد بكل جوارحه
أنه أفضل فراش في محيط القرية دون أن يسمح لبعض هواجس الغيرة، التي
بدأت تراوده أخيراً، أن تخرق هذا الاعتقاد. لكن الهواجس هاجمته اليوم،
دفعها بقوة فارتدت إليه ككرة ارتطمت بالحائط. تكاثرت من تلك الكرة كرات
كثيرة، شتم الأصل الذي نبتت منه هذه الكرات، شتم أصلها وفصلها، شتم
صديقه الذي فجّر بحديثه قبل قليل نافورة الكرات هذه. الحديث الذي نقله
الصديق عن أمه التي زارت ذلك البيت في طرف القرية والمحاط بسور عالٍ
عندما ذهبت لتعمل لدى أصحابه، أسهب صديقه بوصف تفاصيل العز الذي يعيشه
أهل ذلك البيت. خرج وجلس تحت شجرة التين الكبيرة في فناء البيت في انتظار أبيه ليسأله بعض الأسئلة، وسرّح نظره في الأفق الغربي مراقباً سرب سنونو يتفنن في عمل تشكيلات في طيرانه على خلفية ضوء شمس الأصيل. أعطاه جو الغروب بعض السكينة، ولكنه ارتجف خوفاً حين رأى للحظة أن رف السنونو تحول إلى كرات تتجه نحوه. نفض رأسه بقوة وصرخ "لا…لا…لا"، استدار وظل يردد لاءات متتالية متصاعدة في شدتها. هدأ وأعاد النظر نحو الغرب، كانت الطيور في السرب واضحة على خلفية الأفق الغربي، لم تعد الطيور مجرّد أجسام سوداء تسبح في الفضاء، رآها طيوراً واضحة بكل التفاصيل، حتى أنه رأى عيني الطائر من هذه الطيور تلمع خلف منقاره، ورأى تفاصيل الجسم الذي ينطلق منه جناحان مفرودان على اتساعهما وفي نهايته ذيل بشعبتين. سرب السنونو يبتعد وينعطف نحو الجنوب وظل يبتعد حتى اختفى. ظل يستحضر صور تشكيلات طيرانه ويتأملها كأنها ما زالت حاضرة أمامه، تساءل منذ رآها في طفولته عن سر هذه الحركات في أسراب السنونو التي تأتي مرة في السنة ولم يجبه أحد، ولم يجد في الكتب جواباً شافياً عندما كبر. بعد قليل عاد السرب، ظهر من أقصى الجنوب نقاطاً صغيرة تكبر تدريجياً حتى أصبحت مقابله في الجهة الغربية، أصابته الدهشة "ما هذا؟". كان كل طير في السرب يحمل بمنقاره كرة صغيرة. قام السرب بالطيران بتشكيلاته المعتادة، ثم اقترب باتجاهه حتى أصبح فوقه. بدأت الكرات تتساقط صغيرة ثم تكبر تدريجياً أثناء سقوطها، التصق بالجدار خوفاً من سقوطها على رأسه، عندما وصل بعضها الأرض لاحظ أن سقوطها لم يكن قوياً كما كان يتوقع، مدّ يده وتلقف إحداها قبل أن تصل الأرض، أمسك بها فوجدها كرة ناعمة، لم تكن كما تصورها عندما كانت تملأ فضاء البيت وهشمت زجاج إطار الصورة، تلاشى خوفه منها فأخذ يركض يتلقفها بيده اليمنى دون خوف بينما يمسك بيده اليسرى طرف قميصه الفضفاض جاعلاً منه كيساً يضع فيه الكرات التي يجمعها.
|
د.سامي الكيلاني اكاديمي وكاتب فلسطيني |
||||
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا | |||||