الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

روبرت مالي والنووي الإيراني:

طَرْق الحديد البارد

صبحي حديدي

 

ليست مبالغة، ولعلها كذلك لا تدخل في باب الخطأ، أن يساجل البعض بأنّ ممثل الولايات المتحدة الخاصّ للشؤون الإيرانية، روبرت مالي؛ هو المفاوض الأمريكي الأفضل الذي يمكن أن تحصل عيه طهران بصدد برنامجها النووي وإحياء اتفاق 2015، ويستوي أن يدور المزيد من الجولات في العاصمة القطرية الدوحة، أو أن تُستأنف في العاصمة النمساوية فيينا. صحيح أنه مفاوض غير مباشر في نهاية المطاف، إلا أنّ الأصحّ يبقى الاعتبار الأساس الماثل، أو الجاثم على طاولات التفاوض إنْ اتضح مرّة أو غُيّب مرّة أخرى، أي ذاك الذي يشير إلى أنّ واشنطن هي الطرف الأَوْلى بتحريك العجلة أو تجميدها أو حتى تعطيلها؛ وهذا منذ قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب، في سنة 2018، من اتفاق «خطة العمل المشترك الشاملة»، وفرض عقوبات خانقة وشاملة ألحقت وما تزال تلحق أفدح الأضرار بالاقتصاد الإيراني وخاصة في ميدان النفط والقطاعات المصرفية.
وكان تعيين مالي في هذا الموقع بمثابة إشارة عملية من جانب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن بأنّ الإدارة تزمع جدياً إعادة إحياء الاتفاق القديم، ليس بالضرورة عن طريق تقديم تنازلات من أيّ نوع، إذْ قد يكون العكس هو الصحيح في المحصلة؛ بل بواسطة وضع الملفات الشائكة إياها في يد كادر مخضرم، يحدث أنه شابّ أيضاً، تحلى على الدوام بصفات فكرية وجيو – سياسية «عالمثالثية»، واعتنق جملة من الخيارات الدبلوماسية، وضعته في مرمى صقور وزارة الخارجية الأمريكية ومجموعات الضغط الإسرائيلية، رغم أنه (أم لأنهً؟) يهودي بالولادة.
وحين شارك مالي، بفاعلية عالية وملموسة، في صياغة اتفاق 2015 فإنّ عدّته إلى جلسات التفاوض الشاقة تلك لم تكن خبراته بصدد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية أيام الرئيس الأسبق بيل كلنتون، أو تلك المهارات وقد انتقلت خلال إدارة الرئيس الثاني الأسبق باراك أوباما إلى ملفات البرنامج النووي الإيراني، فحسب؛ بل كانت أحماله تتضمن انتساباً إلى أبيه، سيمون مالي، الصحافي الأمريكي المصري/ الحلبي الأصل الذي كلّفته مواقفه الشجاعة من قضايا الشعوب سحب الجنسية المصرية بقرار من أنور السادات، والاعتقال من الشارع ثمّ الطرد الفوري من فرنسا بقرار من الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان. كذلك كان الفتى ابن أبيه في أطروحته للدكتوراه، التي تناولت النزعة العالمثالثية والثورة والتحوّل إلى الإسلام.
تفصيل آخر كان قد أغوى المفاوض الإيراني سنة 2015، ويصحّ الافتراض بأنه قد يغويه اليوم أيضاً، هو أنّ نصائح مالي إلى رؤسائه في مختلف مواقع البيت الأبيض، والرئيس الأسبق أوباما بصفة خاصة، كانت تدعو إلى انتهاج البراغماتية في التعامل مع الأنظمة موضوع انتفاضات الشعوب في العالم العربي بعد 2010؛ وأمّا بصدد الانتفاضة الشعبية السورية، ذات الصلة المباشرة بسلال النفوذ الإيراني في المنطقة، فقد كانت آراء مالي في عداد الأسوأ، والأشدّ انحيازاً إلى ترجيح الحوار مع النظام السوري (أي: إيران) وتبخيس قيمة الحراك الشعبي الداخلي (وليس مؤسسات المعارضة الخارجية).
يبقى، غنيّ عن القول، إنّ مالي مجرّد موظف في إدارة حاشدة معقدة تتولى شؤون القوّة الكونية الأعظم، وهو تالياً ليس صانع قرار حتى إذا امتلك وسائل الحثّ على صياغة سياسة هنا أو اعتماد خيار هناك؛ الأمر الذي لا يبدّل أيضاً من حقيقة أنّ زميله في التفاوض غير المباشر، علي باقري، أتى إلى الدوحة أو سيعود إليها وإلى فيينا مراراً ربما، يحمل من جانبه أثقال الفارق بين مقاربة الملفات من وجهة نظر الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، بالمقارنة مع خَلَفه الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي. والأمر ذاته لا يتوجب، في المقابل ومن حيث المبدأ، أن يسدّ شهية طهران إلى استنفاد ما يُتاح استثماره من أهواء مالي وانحيازاته الشخصية؛ حتى من قبيل طرق الحديد البارد!

 

 

صبحي حديدي

 باحث وكاتب سوري مقيم في فرنسا

 يكتب في جريدة ( القدس العربي)

(مقالات سابقة)

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا