الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

صراع الذهب ...والعملات

الافتراضية ونهاية الدولار

د. محمد سعد الدين

ربما انها من قبيل الصدفة.... ولكنها بالتاكيد ترسم أبعاد ثلاثية ...القيمة المالية لاحتياطي النقد الاجنبي بالذهب بالعالم كله (٣٥ الف طن ) بالسعر الحالي تكاد  تلامس ٢ تريليون دولار أمريكي وهو المبلغ  ذاته او قريبا منه هي القيمة السوقية اليوم لبتكوين وأخواتها من العملات المشفرة الافتراضية.......وهي كذلك او تكاد  قيمة الدولارات الأمريكية والتي أقرت طباعتها إدارة بايدن مؤخرا كخطة تحفيز  (بدون اي غطاء متعارف عليه )  للتغلب على مضاعفات الفيروس الاقتصادية.
الذهب هو العملة المعترف فيها عالميا منذ عشرة آلاف عام مرت خلالها عصور مزدهرة وبائسة   وتوالت امبراطوريات وعصور وتبدلت عقائد واديان وقدم خلالها الكثير من البشر تضحيات جمة لاستخراج ما مجموعه ( منذ ذلك التاريخ حتى يومنا الان) ٢٠٠ الف طن من هذا المعدن النفيس المحدود والذي يمثل وجوده ما يقارب  ٣ من المليار من سمك  قشرة الأرض الذي نعيش عليه.... توارثته الأجيال وقامت لأجله الحروب الطاحنة ومازالت الدول الحديثة  تحتفظ باحتياطيتها منه تحت حراسة مشددة تفوق حتى ما يحرس أسلحتها النووية ...سويسرا المخزن الدائم لأموال المحاربين  تمتلك خزانة هائلة تحت جبال الألب الدخول إليها يحتاج ربما الى فك شيفرات والغاز لا يملكها الا القليلون بالعالم تحتفظ بداخلها بذهب الكثيرين ممن .......يقنعون عامة القطيع بشراء العملات الافتراضية والمتاجرة بها !! 
باختصار ما طبعه الامريكيون قبل ايام (مليار و٩٠٠ مليار) يكفي لشراء احتياطيات العالم كله من الذهب وماحصده المجهولون اصحاب بدعة العملات الافتراضية في سنوات قليلة  قادرا هو الاخر على شراء ماخزنه العالم عبر قرون من عملته الذهبية المعتمدة منذ آلاف السنين.
امريكا ذاتها تمتلك ما يزيد عن ٨ آلاف طن من الذهب وهو حوالي ربع ما يملكه العالم  تخزنها في أماكن شديدة الحراسة أهمها وأكبرها  قلعة فورت نوكس بولاية كنتاكي حيث يوجد حوالي ثلث  احتياطي ذهب العالم باسره... في هذا المكان المحاط من كل جهات بمعسكرات للجيش الامريكي بكافة فروعه المدرعات والجوية وغيرها إضافة إلى طبيعة البنية الهندسية للقلعة المكونة من جرانيت وفولاذ وأسمنت  مسلح يقاوم اشد الأسلحة الفتاكة المعروفة في عصرنا الحالي.
امريكا نفسها تحتفظ باكثر من نصف ذهب ألمانيا (الدولة الثانية عالميا باحتياط الذهب) يتواجد  منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى حينه بالقلعة ذاتها  ولم يسمح للالمان بتفقده او حتى رؤيته منذ عشر سنوات !!
امريكا التي تجرأت وللمرة الأولى بالتاريخ بإلغاء ارتباط العملة بالذهب قبل خمسة عقود لتعطي لنفسها الحق بطباعة الدولار كما تشاء والذي كان حينها يعادل خمس وثلاثون  دولار للاونصة بسعر ثابت حين وقع نيكسون قراره التاريخي ذلك  أضحى الان اقل بخمسين ضعفا من هذه المعادلة حيث تساوي ألاونصة حاليا حوالي ١٨٠٠ دولار  وبمعنى آخر ان سعر  الدولار الحالي  يساوي حوالي ٢ % من سعره المفترض اعتمادا  على البلطجة العسكرية والتلاعب المالي.
يبدو أن طغاة المال قد اخترعوا قصة العملات المشفرة وعملوا على إغراء عامة الناس بشرائها عبر مصيدة الربح السريع وقصص العصاميين العباقرة  تمهيدا ربما  لسحب الكتلة النقدية المتضخمة من الأسواق العالمية قبل عودة ربط العملات الورقية بالذهب من جديد حيث يتواجد اكثر من نصف الاحتياطي العالمي  المعلن بين امريكا وسويسرا.
سترتفع ربما اسعار العملات الوهمية المشفرة بعد مد وجزر وتشويق وتسويق  يتقنه الامريكان جيدا  حتى تصل قيمتها السوقية الى ما يزيد ٥ تريليون دولار وهي ما يساوي الدولارات المتداولة ورقيا  في العالم كله  بعد طباعة ٤ تريليون منها بعد حكاية الكورونا إياها (علما ان الكتلة النقدية بالعالم كله تعادل حوالي ٨٠ تريليون دولار ٩٠ % منها لاوجود لها فعليا و تتداول بالبنوك والمؤسسات المالية الكترونيا فقط )...  قبل ان تنهار وتنهار معها اقتصاديات ودول  تقبل بعدها بخطة إنقاذ يساعدهم فيها من ....كان وراء افلاسهم.
ربما لن تجد امريكا حلا بعدها سوى لبيع ذهبها وذهب العالم للمخفي الاعظم والبنك الفيدرالي الخاص   والذي وحده يمتلك حق طباعة الدولار وبيعه مع الفوائد الى امريكا نفسها...... انها كقصة الذئب الذي سيطر بدهائه على التمساح القوي وسلطه على العالم كله قبل ان يربطه بحبل .......الديون المذلة

٢٣ فبراير ٢٠٢١

 

د. محمد سعد الدين

 طبيب وكاتب سوري

(مقالات سابقة)

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا