الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا

 

 

بري يختبىء من العاصفة الحكومية.

. ويعود الى «الآحادية الشيعية»!

علي الأمين

 لعل دهاء الرئيس نبيه بري دفعه الى الإلتفاف على المبادرة الفرنسية التي أصابت منه خللا و”تخلخلاً” بعد العقوبات على ساعده الأيمن علي حسن خليل وإمتصاص الصدمة والإختباء وراء “الزهد الحكومي” حتى هدوء العاصفة الدولية الهوجاء التي قد تستفرد به وتقتلعه هذه المرة. من الواضح ان بري أجرى قراءات عدة لخطوة إنزال العقوبات فوق رأسه شخصياً، ورأى فيها أبعادا اقليمية تتجاوزه وتتخطى الموضوع اللبناني ومنها المحاولة الأميركية لتصفية جزء من حساباتها مع الفرنسيين على خلفية العقد السياسي الجديد ولعل الحكومة لبنته الأولى، فآثر حفظ رأسه وجوباً وإحتياطاً و:السير بين النقاط”، ونفذ استدارة سياسية شيعية خارج “الثنائية” محسوبة النتائج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حرق مراكب “حزب الله” وقفز منها قبل غرفها، بإعلانه بهدوء وباسمه الشخصي انه أبلغ الرئيس المكلف من “عندياتنا وتلقائنا عدم رغبتنا بالمشاركة في الحكومة مع الإستعداد للتعاون من أجل إنقاذ لبنان”، في أحادية إنفكاك فاقعة عن حليفه الثنائي “حزب الله”. ولم يفت بري “تبكيلها” لا تكبيلها مع الفرنسيين فأفصح ان المشكلة داخلية وليست معهم، في محاولة فصلهم صوريا عن المطالب الحكومية لتشكيلها التي أوحى بأنها شبه تعجيزية عبر تغليب الاختصاص على كل الولاءات مع “النكز” من قناة “الاستقواء بالخارج وعدم اطلاق مشاورات”.  ما سبق من خطوات يرتدي أهمية أيضا، فعندما بشّر بري اللبنانيين بخواتيم سعيدة لترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، كان ذلك في ٥ آب المنصرم، اي اثر الانفجار الكارثي الذي طال المرفأ في بيروت،   أكد بري أن المفاوضات التي يخوضها مع الأميركيين لترسيم الحدود البحرية الجنوبية «وصلت إلى خواتيمها»، متوقعاً أن يحمل الموفد الأميركي ديفيد شينكر إجابات إسرائيلية بهذا الخصوص قريباً، ومتوقعاً أيضاً انعكاسات إيجابية لهذا الموضوع على الوضع اللبناني. جاء ديفيد هيل وجاء شينكر بعده الى بيروت، وكان اعلان الأخير عدم رغبته بلقاء المسؤولين الرسميين في لبنان، وقصر لقاءاته على قوى معارضة ومن طيف انتفاضة ١٧ تشرين ومن المجتمع المدني، اعلان غير مباشر عن فشل او عدم تقدم في المفاوضات بشأن الحدود البحرية، على رغم تبشير الرئيس بري بخواتيمها السعيدة. في المعلومات المستقاة من مصادر معنية في هذا الشأن لبنانياً واميركياً، تشير الى ان زيارة وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف الى بيروت التي تزامنت مع زيارة هيل اليها، حمل ظريف خلالها نصيحة الى الجانب اللبناني ولاسيما الرئيس بري بتأجيل ملف الترسيم وعدم بته، وبحسب المتابعين، فان هذه الورقة يمكن تأجيلها الى حين انقشاع الأفق الاقليمي والدولي، ولا سيما أن ايران ليست في مرحلة مستعدة فيها لخوض حوار جدي مع واشنطن قبل معرفة نتائج الانتخابات الاميركية الرئاسية المقبلة، وبالتالي فان حسم هذه الورقة مع اسرائيل اليوم ينتزع من يد طهران احد الاوراق المهمة في ملف التفاوض المتشعب مع واشنطن. الرسالة وصلت الى واشنطن، لكن الرئيس بري الذي لا يريد ان يقطع شعرة معاوية مع واشنطن، حرص عند زيارة شينكر الى بيروت، ايفاد مستشاره لنقل رسالة الى شينكر الذي التقاه، ومفادها التأكيد على موقف بري الايجابي وارفقه بجملة اسئلة، وصفها شينكر بحسب المصادر المتابعة، انها محاولة جديدة لتمييع الملف، معتبرا ان هناك محاولة التفاف من الرئيس بري على ما انجز. جاءت العقوبات الاميركية على المعاون السياسي للرئيس بري  خليل مطلع الاسبوع المنصرم، لتلقي الضوء مجدداً على ملف الترسيم، اذ جاء في بيان رد حركة أمل على هذه العقوبات “..وكشفاً للحقيقة ان اتفاق السير بترسيم الحدود البحرية في الجنوب اللبناني اكتمل مع الولايات المتحدة الاميركية ووافقت عليه بتاريخ 9/7/2020 وحتى الآن ترفض توقيت اعلانه دون أي مبرر “.  اعلان هذا الموقف من قبل “امل” يشير بحسب المتابعين الى سعي الرئيس بري الى تجاوز ما جرى من عراقيل، وهو ما يعتقد انه سيكون محل اختبار في الزيارة المرتقبة لشينكر قريبا الى بيروت، وبالتالي ستتظهر الصورة الفعلية اي الوصول الى اتفاق ام ترحيل ملف الحدود الى مرحلة مقبلة تناسب حسابات طهران؟ على هذا المنوال يمكن النظر الى تشكيل حكومة مصطفى اديب، ففي ظل الاندفاعة الاميركية نحو فرض المزيد من العقوبات على افراد ومؤسسات لبنانية بتهم مساعدة “حزب الله” او الفساد، اعادت الثنائية الشيعية حساباتها، على قاعدة عدم الرضوخ الكامل للمبادرة الفرنسية، من باب التعبير عن الاحتجاج لا الرفض لها، وشكل موضوع وزارة المالية المدخل المناسب لها، عبر التمسك بتوليها من قبل وزير شيعي تسميه، وما رشح عن اتصال بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس بري يظهر ان الأخير متمسك بشيعية وزير المالية، من دون ان تتضح طبيعة الموقف الفرنسي الذي قد يعمد الى مراعاة شيعية الوزير وعدم مراعاة ان يكون مسمى او قريبا  من حركة امل وحزب الله، اي عبر تعيين وزير شيعي مستقل. سيف العقوبات المسلط اميركيا على رقاب القوى السلطوية في لبنان، اربك العديد من القوى السياسية في اتجاهاتها المختلفة، لاسيما مع ما يتردد من ان العقوبات لن تقتصر على جهات حليفة تقليديا لحزب الله، انما قد تطال شخصيات معارضة له تقليديا وقريبة من الرئيس سعد الحريري، وهذا ما يفسر غياب المواقف السياسية المتضامنة مع الوزير علي حسن خليل من جهات سياسية حليفة لحركة امل ومن صلب فريق ٨ اذار، اذ لو ان حادثا عرضيا كان تعرض له معاون الرئيس بري، لكانت الاتصالات والبيانات والمواقف من مختلف القوى والجهات قد انهالت عليه من كل حدب وصوب، فيما عمليا كانت الادانة او شبه الادانة للعقوبات التي طالت الوزيرين السابقين خليل ويوسف فنيانوس، مقتصرة على الجهات الحزبية المستهدفة، لا رئيس الجمهورية استنكرها ولا رئيسي الحكومة حسان دياب و ومصطفى اديب رفضاها، ولا سواهما من وزراء ونواب واحزاب وهيئات باستثناء المجلس الشيعي الذي ايقظته العقوبات من سباته. من الثابت ان المبادرة الفرنسية في لبنان، باتت تشكل حبل النجاة السياسي للمنظومة الحاكمة، وهي بالأحرى الخيار السيء المتاح امام الخيار الأسوأ بالنسبة لهذه المنظومة، لذا فان عملية تشكيل الحكومة مهما بلغ في مضمونها من تحجيم حضور “المنظومة” في الحكومة، فهو أقل سوءً من تداعيات فشل المبادرة الفرنسية، لا سيما أن القرار الدولي بات حاسما تجاه تغيير قواعد السلطة في لبنان بالمعنى الذي يحرر الدولة من سطوة السلاح والفساد الى حدّ ما، ويعيد ترتيب الاوضاع الداخلية بما ينسجم مع مطالب شعبية متنامية ضد السلطة، ومع متطلبات الحياد الناشط الذي بات معبرا لأي عملية انقاذ جدي، او وقف للانهيار المريع للمؤسسات والمجتمع. الرئيس بري يدير عملية تراجع الثنائية الشيعية وانكفائها النسبي، لذا حرك مجموعة من القريبين منه باتجاه اكثر من جهة دولية ولا سيما الاميركيين، وحملهم رسائل مفادها الانفتاح على كل ما يعزز الاستقرار في لبنان، وسعيه لأن تكون علاقات لبنان على افضل حال مع المجتمع الدولي ولا سيما الادارة الاميركية. في كل الأحوال الأوضاع ليست بخير،  و اللبنانيون يكتوون ويتحرقون إنتطارا  لما ستؤول اليه الأوضاع في ظل شعور تشاؤمي عام، بالتزامن مع توقعات بأن يقدم الرئيس المكلف تشكيلته الحكومية المعدلة خلال ٤٨ ساعة الى رئيس الجمهورية،  والتي نمي انها قد تكون “خاليه الدسم”.. ليبنى على الشيء مقتضاه وتبدأ معها جولة عقيمة جديدة في البلاد!  

(نداء الوطن)   البيروتية

 

 

علي الامين

 كاتب وصحفي لبناني

  رئيس تحرير موقع (جنوبية)

(التفاصيل)

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا