الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

غافلون على رصيف

معركة إسرائيلية جديدة

جواد بولس

 

رغم جميع محاولات المحافظة على استمرار عمل حكومة الرأسين، نفتالي بينت ويئير لبيد، لم ينجح أقطابها بمنع سقوطها، تماما كما توقع لها الكثيرون منذ اليوم الأول لولادتها.
لن تكون مهمة البحث عن أسباب فشلها صعبة؛ ويكفي، من أجل ذلك، إلقاء نظرة خاطفة على التنافرات السياسية الجوهرية والعقائدية القائمة بين جميع مركباتها الحزبية، مع التأكيد على ضرورة استثناء وجود القائمة الإسلامية الموحّدة ضمن تلك التناقضات، لأنها، وفق تصريحات قادتها منذ انضمامهم للحكومة وحتى يومنا هذا، باقية في الإئتلاف الحكومي، رغم كل التعقيدات والعقبات، ومستعدة لدخول أي إئتلاف حكومي مقبل.
من الصعب أن نتكهن ماذا سيتمخض عن هذه الأزمة المستمرة منذ سنوات وكيف ستكون الخريطة الحزبية السياسية الإسرائيلية بعد جولة الانتخابات المقبلة؛ بيد أننا نستطيع أن نجزم بأن جنوح المجتمع اليهودي نحو اليمينية الأصولية الدينية الصهيونية، سوف يتعزز بشكل واضح، مقابل تقهقر مكانة ما كان يسمى تاريخيا بأحزاب المركز، واختفاء أحزاب اليسار الصهيوني التقليدية. ستحاول الأحزاب حاليا استنفاد جميع المناورات من أجل المحافظة على هذه الحكومة، أو تشكيل واحدة جديدة من دون الذهاب إلى صناديق الاقتراع؛ لكنني اعتقد بأننا سنواجه المعركة الانتخابية قريبا، وسنسمع خلالها الأصوات نفسها الداعية إلى مقاطعتها، من جهة وفي مقابلها سينشط دعاة الانخراط في الأحزاب الصهيونية بحجة ما تؤمّنه هذه الخطوة من عوائد مادية على «مجتمعاتنا الفقيرة» بعكس الشعارات «الفارغة» التي تسوّقها الأحزاب العربية وقياداتها. ومن المؤكد أن تخوض القائمة الموحدة الاسلامية الانتخابات المقبلة بناء على رؤيتها وتبنيها للنهج الذرائعي الراسخ والنفعي المعلن، وقد تُعزّز صفوفها باستجلاب شخصية جديدة بدل النائب مازن غنايم، ابن الحركة القومية سابقا، الذي لن يترشح معها، كما أعلن في الأخبار. لا أعرف إذا كانت القائمة المشتركة ستخوض المعركة المقبلة بتشكيلتها الحالية نفسها، أو أنها سوف تجري تعديلات عليها؛ علما بأن ضعف قواعد مركباتها الثلاثة معروفة للجميع، مع الإقرار بأن الجبهة الديمقراطية للسلام تبقى أقواها من دون منازع.

رغم أننا نشكل خمس عدد سكان الدولة، ستكون المعركة الانتخابية المقبلة يهودية – يهودية؛ وستحسِم نتائجها شكل الدولة العتيدة وطبيعة نظام الحكم فيها

على الرغم من أننا نشكل خمس عدد سكان الدولة، ستكون المعركة الانتخابية المقبلة معركة يهودية – يهودية، وستدور رحاها، بشكل أساسي، داخل المجتمع الإسرائيلي؛ وستحسِم نتائجها شكل الدولة العتيدة وطبيعة نظام الحكم فيها. أقول هذا متأسفا على غياب دور المواطنين العرب في التأثير في شكل نظام الحكم بسبب فقداننا لعناصر قوتنا الطبيعية والتاريخية، يوم كانت الأغلبية تتصرف كمجتمع توحّده هوية راسخة، وهموم وجدانية متفق عليها؛ رغم اختلاف الرؤى السياسية والحزبية بين من تصدروا المواجهات مع سياسات الاضطهاد الحكومية وضد التمييز العنصري، وكافحوا بوسائل أجمعوا على معظمها، ومن خلال بنى تنظيمية أثبتت حيويتها ونجاعتها بإثارة جاهزية الجماهير وقيادتهم في معارك الصمود والتحدي. هنالك من يتنكرون بإمعان مستفز للتغيّرات الجذرية التي عصفت في هياكل مجتمعاتنا؛ ولعل أهمها هو انحسار، حتى اندثار، مكانة الأحزاب والحركات السياسية التاريخية، التي لعبت دورا أساسيا في تنمية الوعي العام السليم، وتوجيه بوصلة الصراع دائما نحو العدو الأول لمصالح المواطنين، وهي سياسات القمع والاضطهاد العنصري. ويجب ألا ننسى أن من أعظم مآثر قيادات ذلك الزمن الذهبي، وفي طليعتهم قادة الحزب الشيوعي وعدد من القيادات الوطنية، كان تصميمهم على بناء المؤسسات والأطر المدنية والنقابية والسياسية، التي كانت ضالعة في بناء الكيانية الجمعية للأقلية الفلسطينية الباقية في وطنها، وتطوير مجساتها الوطنية المنيعة. لقد كانت اللجنة القطرية لرؤساء البلديات والمجالس المحلية، من أهم تلك المنجزات؛ وهي الإطار الذي كان موكلا، حسبما خطط له، بتوحيد صوت المجالس والبلديات والارتقاء بمكانتها التمثيلية كي تعمل كحكومات محلية منتخبة من قبل المواطنين، ولتدافع عن «قلاعها» في وجه السياسات الحكومية العنصرية. وإن كانت «اللجنة القطرية» ذراع المواطنين المدنية وحصن حقوقهم المواطنية؛ فإلى جانبها تأسست «لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب» التي أقيمت كي تكون الخيمة الكبرى التي تجتمع تحت سقفها كل الأطر والمؤسسات والأحزاب والحركات الناشطة بين الجماهير، في سبيل رص صفوفها وتوحيد كلمتها والدفاع عن حقوقها السياسية والقومية. وطبعا لا يمكن أن نغفل دور «لجنة الدفاع عن الأراضي» وباقي الأطر النسوية والطلابية والنقابية التي لعبت دورا سياسيا نوعيا موحدا بارزا في تلك السنوات.
لم يكتف قادة ذلك الزمن الأكفاء ببناء تلك التنظيمات والمؤسسات، بل رأوا بضرورة جمعها تحت «راية عليا» مهمة كبرى، فدعوا إلى عقد «مؤتمر الجماهير العربية» الذي كان يفترض أن يتمخض عنه الإطار الأعلى لقيادة المواطنين العرب، وهو ما يشبه «حكومتهم الأم»، على ما كانت ستفضي إليه هذه الخاتمة من تبعات على مستوى العلاقة مع الدولة ومكانة الأقلية العربية فيها. لقد أحس قادة إسرائيل «بالخطر الداهم»، فقرروا حظر انعقاد المؤتمر وأعلنوه نشاطا خارجا على القانون، ثم وضعوا مخططاتهم لضرب منجزات القيادة، فشرعوا بضعضعة مكانة اللجنة القطرية وإفراغها من مضامينها الأساسية، حتى إنهم نجحوا بذلك إلى حد بعيد؛ ثم حاصروا «لجنة المتابعة العليا» محاولين نزع شرعيتها تارة، وخلخلتها من الداخل تارة أخرى إلى أن وصلت لحالة ضعفها الحالية. لا أريد أن أسترسل في سرد محطّات تاريخ هذه الانهيارات، لكنها وصلت اليوم إلى ذروتها، حيث نرى هياكل أحزاب متكلسة وأجساد حركات ممزقة ومؤسسات ضعيفة لم تعد قادرة على القيام بما عقد عليها من آمال ومهام.
في مثل هذه الأوضاع سوف نذهب إلى المعركة الانتخابية المقبلة وسنكون أضعف مما كنا عليه في المعركة السابقة، وسنستمع إلى البيانات الممجوجة نفسها من جميع الأطراف. حركتان إسلاميتان تحاول كل واحدة منهما إقناع المصوتين المسلمين بأنها صاحبة الصراط المستقيم والهداية الحسنى؛ فالحركة الجنوبية ستستغيث بالمصوتين مدّعية سعيها ووقوفها إلى جانب فقراء الأمة وحقوق بسطائها، حتى لو اختار قادتها الوقوف على عتبات السلاطين كبينيت أو نتنياهو أو بن- جبير. والحركة الإسلامية الشمالية ستتوعد وتنذر المنحرفين وتدعو إلى مقاطعة الناخبين وتبشر بالفرج القريب للعالمين. أمّا معظم الشيوعيّين المتنفذين في رسم سياسات الحزب فسيهتفون بنشوة على الرصيف المقابل، وكأنهم ما زالوا واقفين على «نون» نجمتهم الحمراء وينكرون أنهم أسقطوا، منذ ضاعت موسكو، مطارقهم، والمناجل صارت في أيدي بعضهم حصادات تقص أخضر الدولارات وتقطع «رؤوسا قد أينعت»، ويلاحق مطوّعوهم «الخوارج» والمعارضين لمواقفهم، وسنسمع القوميّ من على منابر القصب يدعو إلى «أندلس وقد حوصرت حلب» ويبيع نفطنا في «حارات أسياده السقايين العرب». سوداوي أنا، وأكتب من حبر واقعنا؛ لكنّها معركة كتبت علينا ويجب أن نخوضها. لماذا وكيف، وما الفوائد والبدائل؟ سنعود إلى ذلك قريبا.
كاتب فلسطيني

 

 

جواد بولس

 كاتب فلسطيني محامي 

 ناشط في مجال حقوق الانسان  (من كتاب البلاد)

(مقالات سابقة)

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا