الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

اليوم العالمي لمناهضة العنف

ضد المرأة… جعجعة بلا طحين!

هيفاء زنكنة

 

بين اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر / تشرين الثاني واليوم العالمي لحقوق الانسان في 10 ديسمبر/ كانون الأول، ولدت حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تقام في عديد البلدان، في أرجاء العالم، ندوات وفعاليات تجمع بين الاستنكار والمطالبة، أما بشكل رسمي أو من قبل منظمات المرأة خاصة. وإذا كانت مشاركة منظمات المرأة مفهومة، إلا أن الخطاب الرسمي، دخل على الخط في السنوات الأخيرة، جراء ضغوط دولية سياسية واقتصادية. فلا يكاد يخلو بلد، خلال حملة 16 يوما، من خطاب لرئيس دولة أو رئيس وزراء أو مسؤول كبير، لا يندد فيه بالعنف ضد المرأة مستنكرا إستهدافها، لأنها « تشكل نصف المجتمع ولولاها لما كانت للأمة قيمة» وتأكيدا « على دور المرأة ومكانتها الرفيعة». بل وصار المسؤولون الذين ينظرون إلى المرأة، طوال أيام السنة، باستثناء أيام حملة 16، بشكل دوني، يوجهون منظمات المجتمع المدني لتنفيذ « أنشطة وفعاليات خلال فترة حملة الـ 16 يوما يرتكز على إدراك عميق بالدور المتميز لها».
أشير هنا الى دور الحكومات في البلدان العربية، حيث تتبدى الهوة بين النص والتطبيق بأوضح تفاصيلها. وتمتد إزدواجية المعايير والاستخدام المزور لنضالات المرأة التاريخي لتشمل كل البلدان العربية من شمال أفريقيا إلى الخليج. فمن يتابع فعاليات حملة 16 يوما سيجد أن أكثرها جذبا للتغطية الإعلامية هو تصريحات المسؤولين وحضورهم هذه الفعالية أو تلك. وكلهم يستنكرون العنف ضد المرأة. مما يستحضر، في الاذهان، صور الاستنكار الرسمي العربي بالاحتلال الصهيوني لفلسطين.
ما نراه اليوم يتكرر منذ سنوات. يُردد المسؤولون خطبهم العام تلو العام في قاعات كبيرة تغص بالرجال وعدد من النساء اللواتي يحظين بمقاعد الصف الأمامي، ربما لأول مرة، لأغراض العرض والتزويق، في ذات الوقت الذي تشير فيه الاحصائيات إلى تزايد مستوى العنف ضدها أضعافا. وتكاد الصورة أن تتطابق، في معظم البلدان العربية، مع إختلاف بسيط في التفاصيل حول تعريف العنف وما ينص عليه الدستور، ومجلة الأحوال الشخصية، وما وقعته الحكومات من قوانين واتفاقيات دولية، باتت تتناول موضوع العنف من عديد الجوانب، والتي لم يعد تعريف العنف فيها يقتصر على الاعتداء الجسدي، بل تعداه إلى المادي والفكري والسياسي. لا أحد ينكر، بطبيعة الحال، أهمية التشريعات والقوانين المحلية وما تنص عليه الدساتير في حماية حقوق المواطنين، كما لا يمكن إنكار دور القوانين الدولية المناهضة للعنف. إلا ان إبقاء عنف الدول والأنظمة على الهامش، وهو الأكثر شمولية ضد المرأة كمواطنة في مجتمع يضمها مع الرجل سوية، وعلى قدم المساواة، هو جوهر إشكالية قراءة القوانين والاتفاقيات من منظور محلي، خصوصا حين لا تجد الدول العظمى، المؤطرة للقوانين، حرجا أما في ممارسة « العنف» بنفسها، بشكل غزو وإحتلال لشعوب بكاملها، كما في العراق، أو المساهمة بارتكابها، بالتعاون مع حكومات محلية، أو النظر جانبا، مع توفير الدعم الاقتصادي والسياسي للأنظمة القمعية، حين يتم خرق وانتهاك حقوق الشعب، بضمنه المرأة. والتعامل مع المرأة وكأنها كائن، منعزل تماما عن بقية الشعب. لكل هذا، طبعا، تبريراته الرسمية الجاهزة، المتسربلة بلغة الأقناع، ما دامت تحدث في بلدان « أخرى» غير بلدانها ومن قبل حكومات تقدم نفسها كممثلة للشعب.

تمتد إزدواجية المعايير والاستخدام المزور لنضالات المرأة التاريخي لتشمل كل البلدان العربية من شمال أفريقيا إلى الخليج

يُقدم لنا العراق، عند مراجعة الفعاليات الرسمية والمنظماتية، نموذجا لفهم التردد وقلة الاقتناع في الاحتفال المناسباتي، بحملة 16 يوما. كما تقدم لنا نوعية الفعاليات المقامة، حتى الآن، بعض الأجوبة المحددة، بعيدا عن العموميات. إذ تعكس فعاليات المناسبة أولا كون العراق مقسما، فعليا، الى نظامين وعاصمتين هما بغداد وأربيل (عاصمة كردستان الجنوبية). كما تعكس، عمليا، تجزؤ هوية المرأة كمواطنة عراقية. حيث تقدمت الهوية الفرعية، القومية، الدينية، المذهبية، تدريجيا (المفترض فيها ان تُكمل وتُغني الهوية العراقية الجامعة) لتصبح لدى عديد منظمات المجتمع المدني، بوابة شاسعة للحصول على الدعم المادي من قبل منظمات وأنظمة أجنبية، وتسويق بديل للهوية العراقية. مما أدى بدوره، جراء التهافت على الدعم المادي، حتى بين المنظمات نفسها، إلى مأسسة حالة لا مبالاة بقضايا المرأة ككل والتركيز على المتجزأ، حسب قاعدة « معاناتي هي الأكبر وما أتعرض له هو الأخطر».
أما على مستوى الاحتفال الرسمي، فقد أصدر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، بياناً غَيّبَ فيه العراق والمرأة العراقية. آملا أن يغدو إقليم كردستان، مثالاً ناصعاً عن حماية حقوق الإنسان، وإنهاء جميع أشكال العنف. ويأتي بيانه، بذات الوقت الذي تعامل فيه قوات الشرطة الطلاب والطالبات الجامعيين في السليمانية المطالبين بحقوقهم بالعنف والاعتقال. وكان نائب رئيس المفوضية الأوروبية قد اتصل بالبارزاني، قبل يوم، لمناقشة أوضاع « المهاجرين الكرد» المأساوية على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا. فَحَثَ بارزاني النائب على حشد الدعم من الاتحاد الأوروبي لتأمين الإغاثة الإنسانية العاجلة للعائلات التي تقطعت بها السبل!
وفي بغداد، سارع رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي إلى إصدار بيان عن وجوب العمل الجاد على مناهضة العنف ضد المرأة، بينما لا تزال قضايا آلاف الشهداء والمختطفين والمعوقين من الشباب/ الشابات، المتظاهرين في انتفاضة تشرين 2019، بلا مساءلة.
وتعطينا عناوين نشاطات بعض المنظمات النسوية، مثل «حول دور الناجيات الأيزيديات والشبك» وندوة « نساء كردستان» فكرة عن تقسيم المرأة، في البلد الواحد، إلى جزئيات ولكل جزئية مظلوميتها الخاصة. كما يعطينا بيان منظمة « رابطة المرأة» التابعة للحزب الشيوعي، نموذجا لأختيار المنظمات النسوية عدم التطرق الى عنف الدولة وماجره غزو البلد واحتلاله، وإلقاء اللوم، غالبا، على «العنف الأسري والمجتمعي». وكأن ضحايا الاحتلال، الذين يُقدر عددهم بما يقارب المليون، ولنفترض أنهم جميعا من الرجال، لم يكونوا ينتمون الى عائلة، تُركت بعد قتلهم، في رعاية إمرأة. هذه المرأة، مهما كانت هويتها الفرعية، عراقية تستحق أن تعامل كمواطنة في بلد يحترم حقوق مواطنيه إناثا وذكورا، ولن يتم ذلك من خلال تفتيت القضايا، والعزل الجنسوي، وتسكين الآلام آنيا، بل من خلال النضال المشترك لإيجاد الحلول الجذرية النابعة، عضويا، من داخل المجتمع، وبالتضامن مع شعوب تلتزم، فعلا، بحقوق الإنسان والقوانين الدولية، لها وللآخرين.

كاتبة من العراق

 

 

هيفاء زنكنة

 كاتبة وصحفية وناشطة عراقية تقيم في بريطانيا

تكتب اسبوعيا في جريدة  (القدس العربي)

(مقالات سابقة)

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا