الرئيسية || من نحن ||| اتصل بنا
 

د. ضرغام الدباغ استاذ جامعي باحث وكاتب عراقي مقيم في المانيا مؤسس المركز العربي الألماني برلين

 

 

العالم يدين

 ثقافة فوبيا الإسلام

 

ضرغام الدباغ

 

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة (15 / آذار ــ مارس / 2024) قرارا تاريخياً، بشجب والدعوة إلى ضد بث مشاعر العداء للإسلام تحت عناوين (الإسلام فوبيا)، بنتيجة تصويت أدناه تبنى أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضوا بالإجماع قرارا اقترحته باكستان يجعل 15 مارس/آذار من كل عام يوما لمحاربة الإسلاموفوبيا.

115 دولة

36 دولة

سويسرا 40

إيطاليا 21

أندورا  01

 

اهمها

أوكرانيا 41

لاتفيا 22

الارجنتين 02

 

أفغانستان

بريطانيا 42

ليشتنشتاين 23

أرمينيا 03

 

انغولا

استراليا 43

ليتوانيا 24

النمسا 04

 

اسراثيل

مولدافيا 44

لكسمبورغ 25

بلجيكا 05

 

كينيا

 

مالطا 26

البرازيل 06

 

فنزويلا

 

موناكو 27

بلغاريا 07

 

زامبيا

 

مونتنغرو 28

كرواتيا 08

 

 

 

هولندة 29

قبرص 09

 

 

 

بارغواي 30

جيكيا 10

 

 

 

بولندة 31

دانمرك 11

 

 

 

برتغال 32

استونيا 12

 

 

 

كوريا جنوبية 33

فنلندة 13

 

 

 

رومانيا 34

فرنسا 14

 

 

 

سان مارينو 35

جورجيا 15

 

 

 

سلوفاكيا 36

ألمانيا 16

 

 

 

سلوفينيا 37

اليونان 17

 

 

 

ج السودان 37

هنغاريا 18

 

 

 

اسبانيا 38

الهند 19

 

 

 

السويد 39

ايرلندة 20

الدول الممتنعة                                                              الدول المتغيبة     الدول الموافقة

 

وبالطبع هذا القرار وسائر قرارات الأمم المتحدة خاضعة للمساومة، والضغوط بشتى أنواعها، السياسية والاقتصادية في مقدمتها. ويتضح هذا من خلال الأسماء باللون الأصفر، وهي تعني أن هذا الدول أمتنعت عن التصويت بنعم أولا، ومع ذلك طبيعة قائمة الأسماء  تدل على حقائق ، في مقدمتها أن التصويت أتخذ طابع السكوت أو عدم الوقوف بوجه الحملات التهويشية ضد الإسلام التي تشارك فيها بدرجة رئيسية الدول الغربية ومعسكرها. ولكن هناك أستثناءات، كوقوف النرويج ضد الإسلام فوبيا وما يتبعها من ترويج ثقافي.

ولكن من الملاحظ أن اليونان قبرص واسبانيا ومالطا، كانت لهم كدول أوربية مواقف مميزة، في الوقوف لجانب القضايا العربية، ولكنهما صوتتا لجانب الأتجاه الغربي.

وإذ يلاحظ أن التوجه أتخذ أتجاها مسيحياً في الغالب، شذت عنه الهند، ويمكن فهم ذلك بسهولة، فالهند تخلت عن الشعارات الديمقراطية منذ أن أستلم السلطة حزب جاناتا الهندوسي اليمني وتنتهج سياسة طائفية علنية. وأيضاً كوريا الجنوبية التي صوتت امتثالاً لتوجهها التحالفي مع الغرب وليس عن قناعة عميقة. ولكن اليابان اتخذت قرارها بشجب الإسلام فوبيا، ومثلها سنغافورة وفيثنام وكوريا الشمالية

البرازيل التي لم يكن هذا الموقف متوقعاً منها مثير للغرابة، فللبرازيل علاقات وطيدة بالاقطار العربية والإسلامية، وكذلك دولة جنوب السودان، اوهي الدولة الافريقية الوحيدة التي وقفت ضد

 القرار، ولم تهتم لعلاقاتها الطويلة مع العرب والمسلمين.

ولكن النرويج وروسيا، وصربيا وروسيا البيضاء وآيسلندا، أتخذوا مواقف لا علاقة لها بالتوجه الديني الأوربي. ونرجح أن دول أوربا الشرقية وخاصة : بلغاريا، رومانيا، هننغاريا أتخذت قرارها بعدم معارضة القرار ولا تأييده بناء على طلب  غربي.

دول القارة الأفريقية اتخذت معظمها مواقف إيجابية، ولم تساير الغرب، فلم يصوت بالامتناع سوى جنوب السودان، فأفريقيا رغم الجهود الغربية والصهيونية فيها، إلا أنها ما تزال مخلصة للعرب والمسلمين. فصوت العديد منها لصالح القرار بما في ذلك دول مهمة مثل كينيا وإثيوبيا، وجنوب أفريقيا، وبالطبع الدول الإسلامية، وهناك دول ليس للوجود الإسلامي تواجد كثيف فيها، ولكنها صوتت لصالح العلاقة التاريخية مع المسلمين، أولاً، ولكونهم يعانون من التميز العنصري ضد الأفارقة بصفة عامة.

والقارة الأمريكية الجنوبية، التي تقع تقليدياً تحت النفوذ الأمريكي، صوت بعضها لصالح القرار ومنها بالطبع كوبا، وأورغواي، وبيرو، وتشيلي وكولومبيا، الاكوادور، وبوليفيا، وبنما، والمكسيك، ونيكاراغوا، وهندوراس، وغواتيمالا، كوستراريكا، السلفادور

والمدهش أن أستراليا ونيوزيلندة صوتت لصالح القرار، ضد الإسلام فوبيا.

إذن لا أحد يجروء على أن يطرح نفسه متطرف دينياً، ولكن بوضوح تام، أن الساكت، هو موافق ضمناً على إثارة التطرف والتعصب، رغم أنهم يزعمون بالحرية، وهذه نتيجة تبشر بالخير، أن ترفض شعوب العالم الثقافة الانعزالية والتحريضية، وأن التثقيف الغربي ضد الإسلام مرفوض، ولأنه غير منطقي لا يحضى بالاحترام

ويدعو النص غير الملزم إلى "تكثيف الجهود الدولية لتقوية الحوار العالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، على أساس احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات". كما يأسف القرار بشدة "لجميع أعمال العنف ضد الأشخاص على أساس دينهم أو معتقداتهم والأفعال الموجهة ضد أماكن عبادتهم، وكذلك جميع الاعتداءات على الأماكن والمواقع والمزارات الدينية وفي داخلها، والتي تشكل انتهاكا للقانون الدولي". ويدعو القرار "جميع الدول الأعضاء، والمؤسسات ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدينية، إلى تنظيم ودعم مختلف الأحداث البارزة التي تهدف إلى زيادة الوعي بشكل فعال على جميع المستويات في مكافحة الإسلاموفوبيا".

 

و"الإسلاموفوبيا" (Islamophobia) مفهوم يعني حرفيا الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، إلا أنه في الواقع نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين. ويُرجع مؤرخوا الحقبة الاستعمارية أول استعمال لمفهوم "الإسلاموفوبيا" -الذي يعني "رُهاب الإسلام" أو الخوف المرضي من الإسلام- إلى بدايات القرن الـ20.

 

ترحيب بالقرار

من جانبه، رحب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتخصيص منتصف مارس/آذار ليكون اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا. القرار، الذي تم تبنيه من قبل الهيئة العالمية المكونة من 193 عضوا ورعاية مشتركة من 55 دولة معظمها بلاد مسلمة، يؤكد على الحق في حرية الدين والمعتقد ويشير إلى قرار عام 1981 الذي دعا إلى "القضاء على جميع أشكال التعصب ومن التمييز على أساس الدين أو المعتقد". وتم تقديم القرار من قبل باكستان نيابة عن "منظمة التعاون الإسلامي" (OIC). ويصادف اليوم الذي اقتحم فيه مسلح مسجدين في كرايست تشيرتش بنيوزيلندا، مما أسفر عن مقتل 51 شخصا وإصابة 40 آخرين.

 

وفي تصريحه هنأ خان المسلمين في جميع أنحاء العالم وقال "سمع صوتنا ضد المد المتصاعد للإسلاموفوبيا ". وكتب خان "لقد أدركت الأمم المتحدة أخيرا اليوم التحدي الخطير الذي يواجه العالم، وهو الخوف من الإسلام، واحترام الرموز والممارسات الدينية، والحد من خطاب الكراهية المنهجي والتمييز ضد المسلمين.. التحدي التالي هو ضمان تنفيذ هذا القرار التاريخي".

 

ويعرب القرار عن قلقه العميق إزاء "الارتفاع العام في حالات التمييز والتعصب والعنف، بغض النظر عن الجهات الفاعلة، الموجهة ضد أتباع العديد من الأديان والمجتمعات الأخرى في أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك الحالات التي تحركها الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، وكره المسيحية والأحكام المسبقة ضد الأشخاص من ديانات أو معتقدات أخرى". وقال مبعوث باكستان لدى الأمم المتحدة منير أكرم الذي قدم القرار رسميًا اليوم الثلاثاء إن الإسلاموفوبيا أصبحت "حقيقة تنتشر في عدة أجزاء من العالم". وأضاف أكرم في الجمعية العامة "إن مثل هذه الأعمال من التمييز والعداء والعنف تجاه المسلمين -أفرادا ومجتمعات- تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الخاصة بهم، وتنتهك حريتهم في الدين والمعتقد.. إنه أمر مقلق بشكل خاص هذه الأيام، لأنه ظهر كشكل جديد من أشكال العنصرية يتسم برهاب الأجانب، والتنميط السلبي والقولبة النمطية للمسلمين".

 

هجوم نيوزيلندا

وفتح الهجوم -الذي جرى في كرايست تشيرتش النيوزيلندية في مارس/آذار 2019- ملف الإسلاموفوبيا في الغرب، خاصة بعد أن اتخذ طابعا تجاوز الكراهية لأفعال أكثر عنفا ومتجاوزة للحدود. وكان منفذ الهجوم برينتون تارانت قد عبّر عن اعتزازه برفاقه الذين قاموا بهجمات مماثلة في إيطاليا وكندا والنرويج والولايات المتحدة، ووجّه دعوة للمتطرفين اليمينيين على مستوى العالم للقيام بهجمات مماثلة في بلدان أخرى.

 

وشكلت قضايا التفوق العرقي للبيض والعداء للمسلمين والهجرة واللاجئين، أولوية الأجندة اليمينية المتطرفة، ويعد المسلمون هدفا رئيسيا للمجموعات التي أصبحت مع تحوّلها للعنف مصدر تهديد محلي وعالمي حتى في بلدان معروفة بمستويات عالية من الأمان والتنوع مثل نيوزيلندا. واكتسب هذا التيار زخما جديدا مع وصول اليمين السياسي للحكم في بلدان غربية أبرزها الولايات المتحدة، وتوقع بعض الباحثين أن يقل نشاط المجموعات اليمينية العنيفة بعد أن وصل شركاؤهم الأيديولوجيون بالفعل لسدة الحكم، لكن ما جرى كان العكس تماما إذ ترافق ذلك مع زيادة في النشاط اليميني العنيف.

 

وبستحق خطاب الأمين العام أنطونيو غوتيريش، التنويه بموضوعيتهولأهليته لهذا المنصب الأممي الرفيع. وكان الأمين العام وبعد أن أنهت الدول الأعضاء مداولاتها بشأن القرار، تحدث قائلا إن فعالية اليوم تسلط الضوء على الوباء الخبيث- وهو الإسلاموفوبيا- الذي يمثل إنكارا وجهلا كاملين للإسلام والمسلمين ومساهماتهم التي لا يمكن إنكارها.

وأضاف" في جميع أنحاء العالم، نرى موجة متصاعدة من الكراهية والتعصب ضد المسلمين . يمكن أن يأتي ذلك بأشكال عديدة. التمييز الهيكلي والنظامي. الاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي ، سياسات الهجرة غير المتكافئة. المراقبة والتنميط غير المبرر. القيود المفروضة على الحصول على المواطنة والتعليم والتوظيف والعدالة".

ونبه الأمين العام إلى أن هذه العوائق المؤسسية وغيرها تنتهك التزامنا المشترك بحقوق الإنسان والكرامة. كما أنها "تديم حلقة مفرغة من الاستبعاد والفقر والحرمان يتردد صداها عبر الأجيال. وفي الوقت نفسه، ينشر الخطاب المثير للانقسام والتضليل الصور النمطية، ووصم المجتمعات المحلية، وخلق بيئة من سوء الفهم والشك". وأشار الأمين العام إلى أن كل هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة في المضايقات وحتى العنف الصريح ضد المسلمين - وهو ما يتم الإبلاغ عن روايات متزايدة عنه من قبل مجموعات المجتمع المدني في بلدان حول العالم.

وقال إن البعض يستغل، "بشكل مخجل"، الكراهية ضد المسلمين والسياسات الإقصائية لتحقيق مكاسب سياسية. وأضاف: "يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها. ببساطة كل هذا هو كراهية". وأشار الأمين العام إلى أن "كراهية مجموعة ما تؤجج كراهية مجموعة أخرى. والكراهية تجعل الكراهية أمرا طبيعيا. وتدمر نسيج مجتمعاتنا. وتقوض المساواة والتفاهم واحترام حقوق الإنسان التي يعتمد عليها مستقبل وعالم مسالمان". وأكد الأمين العام أنه لا يمكننا أن نقف موقف المتفرج بينما تتفشى الكراهية والتعصب، مشيرا إلى أن فعالية اليوم تذكرنا بأنه تقع على عاتقنا جميعا مسؤولية مواجهة واستئصال آفة التعصب ضد المسلمين.

"المسلمون يمثلون التنوع الرائع للأسرة البشرية"

وقال الأمين العام إنه بالنسبة لحوالي ملياري مسلم في جميع أنحاء العالم، يعد الإسلام دعامة الإيمان والعبادة التي توحد الناس في كل ركن من أركان المعمورة. "وعلينا أن نتذكر أنه أيضا أحد ركائز تاريخنا المشترك". وسلط الأمين العام الضوء على المساهمات الكبيرة التي قدمها العلماء المسلمون في الثقافة والفلسفة والعلوم، مشيرا إلى أن المسلمين ينحدرون من جميع البلدان والثقافات ومناحي الحياة. "إنهم يمثلون التنوع الرائع للأسرة البشرية".

وبروح شهر رمضان، جدد الأمين العام الدعوة إلى إسكات البنادق في غزة والسودان. ودعا جميع القادة السياسيين والدينيين وقادة المجتمع إلى الانضمام إلى ندائه، مشيرا إلى أن وقت السلام قد حان.

"أسوأ مظهر لكراهية الإسلام"

خلال استعراضه مشروع قرار "تدابير مكافحة كراهية الإسلام"، في بداية الفعالية، قال السفير الباكستاني منير أكرم إن "أسوأ مظهر حاليا لكراهية الإسلام والعنصرية الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. قتل أكثر من 30 ألف فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال. وقد أدت الحالة نفسها إلى سلسلة من التدخلات الأجنبية في البلدان المسلمة".

 

وأكد على ضرورة اتخاذ إجراءات جريئة وحاسمة لمكافحة كراهية الإسلام. وقال إن هذا هو المقصد من تقديم مشروع القرار. وقبل التصويت على مشروع القرار الباكستاني، صوتت الجمعية على مشروعي تعديلين على القرار قدمهما ممثل بلجيكا نيابة عن الاتحاد الأوروبي. ولم يتم اعتماد التعديلين لعدم حصولهما على الأصوات الكافية.

وعارض السفير الباكستاني التعديل الأوروبي الذي يقترح تعيين جهة اتصال بدلا من مبعوث خاص للأمم المتحدة معني بمكافحة كراهية الإسلام، مشيرا إلى أن الغرض من طلب تعيين مبعوث خاص هو بدء إجراءات محددة لمكافحة كراهية الإسلام.

ووصف مشروع القرار الأصلي بأنه متوازن ويستحق أوسع دعم ممكن من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وحث كل الوفود "معتدلة التفكير" إلى التصويت لصالح مشروع القرار ورفض مشروعي التعديلين المقدمين من ممثل بلجيكا نيابة عن الاتحاد الأوروبي.

 ومضى قائلا: " يثق مقدمو القرار بأن في هذا اليوم الدولي ستتحد شعوب العالم لمكافحة كراهية الإسلام وغير ذلك من أيديولوجيات الكراهية والتفرقة. لنواجه من ينشر كراهية الإسلام في هذا اليوم تحديدا من خلال تحقيق توافق حول مشروع القرار هنا في الجمعية العامة للأمم المتحدة".

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات  :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail:drdurgham@yahoo.de

 

الكليبتو قراطية

 

kleptocratcy

 

د. ضرغام الدباغ

 

 

النظام الكليبتوقراطي، هو النظام الذي يستولي عليه، أفراد، أو فئة فاسدة، حكومة، يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية وقدراتها، للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادةً عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان. واللفظة مركبة من مقطعين باللغة اليونانية؛ أولهما " كلبتو (Κlepo) بمعنى لص أو لصوص، وثانيهما  قراط (Crat) بمعنى حكم.  ومن المصطلح ومعانيه نتوصل أن هذه انظمة تواجدت عبر التاريخ في حياة شعوبها

   

 

 (لصورة  الغلاف: المجلس الفاسد، لوحة إليهو فيدر )

 

تتعدد التسميات التي لها دلالة على طبيعة أنظمة الحكم في العالم، كالأنظمة الديمقراطية أو الأوتوقراطية أو الثيوقراطية أو البيروقراطية أو الارستقراطية أوالتكنوقراطية أو الكليبتوقراطية، فما المقصود بمصطلح  الكليبتوقراطية ...؟

 وهذا النمط من الأنظمة الفاسدة / الكلبتوقراطية، ليس وليد اليوم، وإنما وجد دائما عبر التاريخ، لأن هناك من يسعى إلى الحكم، وقد يضع لمساعيه عناوين وشعارات سياسية، إنما يفعل ذلك من أجل الحصول على الثروة أو يحتاج إلى الثروة من أجل الوصول إلى السلطة. فالمال من أجل الوصول للسلطة، أو السلطة من أجل كسب المال، وغالباً ما يتم التنازل عن القيم الاخلاقية وحين تستحكم الشراهة للسلطة والثروة، نصبح محور فعالياتهم السياسية وهدفها، ويخططون من أجلها، فهؤلاء هم الكلبتوقراطية، الذين يسخرون من أجل مساعيهم فئات انتهازية تسعى للحصول على الفتات من المغانم، ويقمعون من يحاول التعرض لنفوذهم، مستخدمين أجهزة الدولة، ولذلك فليس مستغرباً أن يتحول الكليبتوقرطي إلى ديكتاتوي، متراجعاً عن وعوده الانتخابية، متذرعاً بمبررات غير واقعية، سوف لن يصدقها الجمهور، فيلجأ الحاكم الكبتوقراطي لأجهزة الدولة القمعية، ويكتسب النظام الصفات الديكتاتورية .

 

والفساد الهيكلي (Corruption)، المتجذر في الدولة  (Strukturell)سيكون بديهياً من اللامح الأساسية للنظام الكليبتوقراطي،

 

والكلِيبتوقراطية مصطلح يرد تفسيره في معجم العلوم السياسية، بكونه " تعبيراً عن نظام حكم جوهره الفساد واللصوصية أو نهب الثروات العامة. وتقوم سلطة الفساد على وحدة مكينة بين السلطة السياسية وسلطة عصابات لصوصية تسطو على الثروة العامة بوسائل عديدة يتم شرعنتها، بآليات عمل حكومية رسمية عبر برامج مشروعات وهمية وأشكال من التَسَتُّر من قبيل إحالة ما يُفتضح من أمور للجان تحقيقية تنهض بمهمة تمييع القضايا وسط تراكمها وكثرتها وضخامة ما فيها وفوضى ما ينثر حوله ".

تعرف الموسوعات الكلبتوقراطية  بأنه نظام حكم يشيع الفساد في أوصاله، بسبب هزال الحكم، ومسخر للأغراض الفردية، ومخالفة القوانيين(وأحياناً حتى تلك الأنظمة والقوانيين التي شرعها بنفسه. فيوصف النظام (غير قابل للحكم / Government incapacitated ) ويحاول النظام الكليبتوقراطي، أن يضيف لنظامة الشرعية بشتى الوسائل، إلا أن وفي مرحلة متقدمة من الفساد لا يعود ذلك كافياً، وأستخدام العنف جاهز دائماً ضد الخصوم.

 

              

(صورة واضحة بليغة المعاني ...! " أذرع النظام أخطبوطية : الكرسي الرئاسي الأحمر يرمز للسلطة الاولى في الدولة، المصانع إلى جانب مهم من الاقتصاد، ، الزراعة والسلاح القوات المسلحة المستعدة للقمع، الطب والعلاج، الموانئ للتصدير، رمز العدالة بيد النظام، التلفاز رمز الإعلام تحت الهيمنة، الطاقة والماء الخدمات الأساسية تحت السيطرة. هذا هو النظام الكليبتوقراطي فعلاً وحقاً " )

 

 والنظام الكليبتوقراطي يفعل كل شيئ من أجل ضمان أستمراره على رأس السلطة،وما يمكنهم من التحكم في مصائر الناس،  " والآلية المعروفة هي إحداث التفرقة والصراعات الداخلية وفقا لمفهوم "فرّق تسد“، ولهذا يمكن الاستدلال على أنظمة الحكم اللصوصية من الواقع الذي أوجدته، فإن هي سعت لإحداث الصراعات الدامية ما بين أبناء المجتمع، فهذا يعني أنها تدعو لذلك لكي تحافظ على سرقاتها وتنميتها، وإن هي دعت إلى الوحدة الوطنية والتماسك الوطني فإنها ليست كذلك. وهذه آلية معمول بها منذ قرون،  حيث شرعها ميكافيلي باعتباره "السياسة فنّ تحقيق المكاسب الخاصة تحت ستار تحقيق المصلحة العامة والوصول للسلطة والمحافظة عليها مرتبط بكل مفاسد الأخلاق من كذب وغدر وتزوير وقسوة وإفساد".. (1)

 

وتصف مصادر حديثة نظام الكلبتوقراطية بأنه" نظام "الكليبتوقراطية" هو نظام السرقة القانونية والممنهجة للمال العام والثروة الوطنية، لأن هؤلاء "اللصوص القانونيين" إنما يقومون بسرقاتهم من خلال التفويض "الديمقراطي" الذي يحصلون عليه ". (2)

 

خلافاً لما قد يعتقده البعض، فإن النظام الكليبتوقراطي، ينتج بنفسه نظاما اجتماعياً حافل بالتناقضات، ويتجاهل بشدة التوازن الاجتماعي، فالكلبتوقراطية تنتج الفساد، وهذا منطقي جداً، ومن هذه الأنظمة المشوهة، يعول النظام الكلبتوقراطي على تمزق وتشتت الحركة السياسية والاجتماعية، وبالتالي فهو يخلق فئات طفيلية، التي لا أفق حضاري ولا سياسي له، فما يهمها هو جني المال فقط، وتهريبه خارج البلاد،

 ولا تختلف الأنظمة الكليبتوقراطية جوهرياً عن بعضها كثيراً، فقد يكون النظام الكلبتوقراطي هو ناجم عن وضع يتيح نشوء مثل هذا النظام، وقد تكون التأثيرات السياسية الدولية عاملاً مؤثراً لقيام أنظمة كهذه، وحين يشتد الاستقطاب الدولي بدرجة كبيرة، تعمد القوى العالمية التي لها مصلحة بوجود نظام يتمتع بالشراسة، يوظف قدرات البلاد لجانبه، ولا يكترث كثيراً لمصالحه الوطنية، ويلبي كافة الطلبات التي تجعل من الاستقلال السياسي أمراً شكلياً. فيما يحاول رأس النظام الكليبتوقراطي أن يسبغ الشرعية على وجوده المخالف للقانون بشتى التشريعات، ضامناً القوة التنفيذية والتشريعية إلى جانبه، وفق علاقات الفساد.

 

وبالطبع تختلف مصادر الثروة من بلد لآخر، من الموارد الطبيعية، إلى الزراعية، أو منتجات صناعية، ولا تستبعد تجارة المخدرات. ونقف على معطيات معروفة، تلعب فيها المخدرات دوراً في أصول الثراء الذي تتمتع به فئات الكلبتوكراتية، وومن المعروف أن تجارة المخدرات بأنواعها الفاخرة كانت تزرع في أفغانستان تحت سمع وبصر سلطات الاحتلال الأمريكية لأكثر من 20 عاماً، وكذلك هناك أنظمة كلبتوكراتية تصنع المخدرات وتروج مبيعاته بعصابات بإدارتها بطريقة شبه رسمية.

 

وطالما فعاليات كثيرة تقع في إطار لا قانوني ولا شرعي، فأن التهريب يقع على رأس قائمة الموارد في أنظمة الكلبتوكراتية، وتقوم أنظمة معروفة بقيادة عمليات تهريب المخدرات، والعملات والمعادن النفيسة كالذهب، والأحجار الكريمة. ويتخذ منها تجار الأسلحو مقراً لعملياتهم عبر العالم.

 

ويتردد بقوة أن دولاً تقوم بتزوير العملات، وعمليات تزوير بالغة الدقة، بأختصار  هذه الأنظمة تفعل كل ما بوسعها لزيادة مداخيلها، ويترافق معها تراجع الاستقلال الوطني، وتدخل القوى الخارجية، وتتساهل معها القوى العظمى، ولا تعتبر هذه الأنشطة مؤذية لها. وتحتفظ الذاكرة بأزمة دولة بنما، التي تعتمد على موارد القناة، وتهريب المخدرات، وحين غزت الولايات المتحدة هذه الدولة كانت تهدف أساساً وضعها تحت هيمنتها. وجرت حوادث مماثلة في العديد من دول أميركا اللاتينية / الجنوبية، وبعض الدول في جنوب شرق آسيا.

 

ومن نافلة الكلام، الحديث عن تنمية في البلدان التي تحكمها أنظمة كليبتوقراطية، وفي أفضل الحالات ليس أكثر من تطوير وتحسين عملية تصنيع المخدرات، وتفشي الدعارة، والفساد بأوسع أشكاله. ومثال ذلك أن يكون لرجال النظام الكلبتوقراطي، حياة ماجنة منحلة، وتزدهر صناعة المحضيات، والدعارة بحيث يصبح لبعض الشخصيات من الإناث والذكور من الفئات الطفيلية، مكانة أجتماعية مهمة، وملامح الثراء والبذخ، التي لا تفيد تطور الاقتصاد الوطني، بل بالعكس تلحق به أضراراً فادحة.     

 

ويلتف حول رجال النظام الكلبتوقراطي، حلقات من الأصناف الرديئة من البلاد، التي تفتقر إلى أي كفاءة ذات قيمة، والتي تجد في النظام الكلبتوقراطي فرصة ذهبية لكي تحرز تقدماً وتصيب الثراء، ونظراً لضعف أواصرهم الاجتماعية في البلاد، تجدهم يهربون أموالهم للخارج، ولا يستثمرونها في مشاريع اقتصادية، بل يضعونها في مصارف تدر عليهم فوائد ضئيلة، ومشتريات ومقتنيات قصور خيالية، وفي المجوهرات، والملذات.

 

وتتمثل خطورة نظام "الكليبتوقراطية" أنه أصبح نظاما عالميا يخترق حدود الأوطان والقارات، يضم رؤساء دول ورؤساء شركات ورجال أعمال يتشاركون في حماية سرقاتهم من خلال عمليات غسيل الأموال وتبييضها وتهريبها وتوفير الملاذات الآمنة لها. وقد سبق لصحيفة "واشنطن بوست" أن أشارت إلى أحد التقارير (1) الذي قدر حجم الثروة المسروقة في العالم في 2012 بنحو 32 تريليون دولار، ما دفعها إلى الحديث عن "عولمة الكليبتوقراطية.

   كما سبق لـ صحيفة الغارديان البريطانية أن كتبت "  إن ما نشهده اليوم في أمريكا هو قيام ""كلبتوقراطية على نطاق لم يسبق له مثيل في أمريكا.. فالرئيس الامريكي ترمب أعلن صراحة أنه يضع مصالحه المالية الخاصة في السياسة الوطنية"، لكنها عقبت على ذلك بالقول إن "الجمهور الأمريكي لن يبقى مكتوف الأيدي إلى أن يُحول ترمب أمريكا إلى جمهورية موز". وفي المقال نفسه دعا كاتبه القضاة إلى عدم إخلاء الميدان لأن ذلك سيكون مخيبا للآمال وسيسمح لفساد ترمب بأن يستشري ويمد عروقه إلى أعماق الدولة. ونقلت عن أحد القضاء قوله إن القمع مثل الليل لا يأتي في وقت واحد، وإنما يسبقه الشفق قبل أن يحل الظلام، والشفق علامة التغيير ووقته قبل أن يعم الظلام الداهم. ".(3)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(الصورة : تتناهب ثروات البلاد، ومصادر الدخل فئات طفيلية تبدأ من القمة، وتنحدر إلى بدوائر إلى جماعات وخدم النظام الكلبتوقراطي، ولا تصل الطبقات الفقيرة سوى قطرات لا تسمن ولا تغني من جوع ).

 

ولتقريب الصورة أكثر، فإن نظام "الكليبتوقراطية" هو نظام السرقة القانونية والممنهجة للمال العام والثروة الوطنية، لأن هؤلاء "اللصوص القانونيين" إنما يقومون بسرقاتهم من خلال التفويض "الديمقراطي" الذي يحصلون عليه، وبواسطة "القوانين" التي يشرّعونها، والتي يمكن تلخيصها في قاعدة أساسية عندهم تقوم على "تأميم المخاطر وخصخصة الأرباح". (4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هوامش

نورا عبجي: الاعداد العلمي، الانترنيت. ، نشر في 2018-0119

الموسوعة الألمانية / الانترنيت

الموسوعة الألمانية/ الانترنيت

الموسوعة الألمانية / الانترنيت

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail:drdurgham@yahoo.de

 

 

مذكرات الأستاذ

 صبحي عبد الحميد

 

ضرغام الدباغ

 

مرتان فقط التقيت فيهما هذا القائد الذي شغل مساحة غير بسيطة في تاريخ العراق السياسي الحديث، مرة في لقاء عرضي في القاهرة (مطلع السبعينات)، ومرة في بغداد بعد الاحتلال، ولم يكن لقاءنا سوى عرضياً، وإن كنا في خندق واحد، ولكن بالطبع لدي معلومات تفصيلية عن سيرته الذاتية والسياسية. ولم يتسنى لي للأسف قراءة مذكراته إلا قبل أيام، وتركت لدي انطباعات عميقة.

وأسم صبحي عبد الحميد ليس  شيئاً عابراً في تاريخ الحركة القومية في العراق. وسيرته الذاتية حافلة بمؤشرات تدل على ذلك، فهو ضابط لامع في سجله العسكري، متفوق في كافة مراحل دراساته، درس في الكلية العسكرية العراقية، وكذلك نال الماجستير في العلوم العسكرية في العراق، ألا أنه درس في كلية الأركان البريطانية (كامبرلي)، وهو وإن لم يشارك  فعلياً في حروب، إلا أنه عمل في مراكز مرموقة وحساسة، منها ضابط في الحرس الملكي، وفي شعبة الحركات العسكرية بوزارة الدفاع حتى درجة مدير حركات، وأستاذاً في كلية الأركان، ساهم فعليا في الحياة السياسية، وشغل منصب وزير الخارجية، ووزير الداخلية، وقاد تشكيلات سياسية / عسكرية ومدنية، وحاضراً في معظم الفقرات المهمة في تاريخ العراق السياسي (1958 ــ 1975).

وفي صفحات الكتاب نتعرف، على قلم مهذب، يحترم حتى من لا يتفق معهم بالرأي، ومع من يعارض، بل وناضل ضدهم، فهو يصف عبد الكريم قاسم بكلمات ودية كنت قد سمعت مثلها من المرحوم اللواء الركن إسماعيل العارف (الوزير والسفير) وأنقل ما كتبه الاستاذ صبحي عيد الحميد  نصاً عن مصرع الزعيم قاسم :

" وهكذا نفذ حكم الإعدام  بعبد الكريم قاسم ومن جاء معه. وبتنفيذ حكم الإعدام انتهى حكم فاسم الذي أستمر أربع سنوات وسبعة شهور، بسلبياتها وإيجابياتها، وانتهى عبد الكريم ذلك الشخص الذي كان قبل الثورة (14 / تموز)، وديعاً ، خلوقاً، شجاعاً، خجولاً، كريماً،  نظيفاً وأنقلب بعدها بفعل المنافقين والمهرجين، والانتهازيين، والشيوعيين، الذين أحاطوا به، إلى طاغية، يؤمن بالفردية وحب الذات، وتنكر لأهداف الثورة، ونكل  بأخوانه الثوار، ولكنه بقى حتى النهاية كريم النفس ونظيف اليد  ".

وهو وإن عمل بمعية الرئيس عبد السلام عارف (*)، في مراكز متقدمة في الدولة كوزير للخارجية والداخلية، إلا أنه يوجه الانتقادات لفترة حكمه، ويتهمه بالفردية. ونجد أحكاماً صائبة في وجهات نظره، عن المرحوم عبد الكريم قاسم، (عززتها قراءات أخرى عن سيرة الزعيم قاسم)  أجد في الإجمال أنه كان قومياً، لا يقل عن عبد السلام عارف، بل وربما أعمق في فكره القومي، فهو من كان داعماً رئيسياً للثورة الجزائرية، والقضية الفلسطينية،(تأسيس جيش التحرير الفلسطيني) ولكن قائدا ثورة تموز أختار كل معسكره بناء على مرتسمات، لها علاقة بالانفراد بمستقبل الحكم الذي هبط على كلاهما من غير استحقاق واقعي، واختارا، كل المعسكر الذي ينسجم وتطلعاته الشخصية وطموحاته.

 

كافة المؤشرات المادية والعقلية، تؤكد أن الزعيم قاسم، حين لاحظ أن الجانب الوطني/ القومي قد أحتضن عبد السلام عارف، وأن هذا المعسكر هو الجانب الأقوى داخلياً وعربياً، الأمر الذي دفع به دفعاً إلى الطرف الآخر، وهو العسكري المحترف لا يعرف مسالك السياسة وأبعادها، إلى الطرف الآخر المتمثل بالضباط الوطنيين، اليساريين، والحزب الشيوعي العراقي، وكان الاستقطاب على هذا النحو بين قائدي الثورة يلحق الضرر الفادح بالحركة الوطنية العراقية، التي ساهمت بمواقفها هذه تحول النظام الذي أفرزته ثورة تموز / 1958 إلى نظام فردي ديكتاتوري، وبدلاً من أن تقود الاحزاب الوطنية والقومية التقدمية الوضع، بل سايروا رغبات العسكريين، حتى تحولوا بأنفسهم إلى أدوات استخدموها في صراعاتهم على الحكم،

الحكم العسكري الفردي هو ما جرى خلال حكم القائدين : عبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف من تموز / 1958، إلى مصرع الرئيس عبد السلام عارف في  نيسان / 1966، في حين شهد عهد الرئيس عبد الرحمن عارف انفراجاً داخلياً سياسياً ووصول أول شخصية سياسية مدنية لرئاسة الوزراء(عبد الرحمن البزاز) بعد ثورة تموز / 1958. وبتقديرنا أن ثورة تموز / 1958، ما كان لها أن تحدث لولا دور العقيد الركن / المشير الركن عبد السلام عارف، ولولا دور العقيد / المهيب أحمد حسن البكر، هاتان الشخصيتان المحوريتان في تاريخ العراق المعاصر.

ويبدو لنا من خلال دراسة إجمالية للتاريخ السياسي العراقي منذ الاستقلال (1920) أن الحكومات المتعاقبة، كانت بالرغم من الصراعات السياسية، إلا أنها كانت حكومات وطنية، تهدف (كل حكومة بوسائلها الخاصة) إلى حماية الاستقلال وتعزيز سيادة الدولة العراقية، وحماية أمن البلاد الخارجي والداخلي، وتطوير الاقتصاد الوطني، ولكن هذه المسيرة انتهت (نيسان / 2003 ) حين وقع العراق بيد محتلين، أمعنوا في تخريبه تدميره في إطار استراتيجية تدمير الشرق الأوسط، خدمة لمصالحهم الاقتصادية والسياسية الاستعمارية، وجعله عاجزاً عن مواصلة الأهداف الوطنية.

ومن خلال قراءات معمقة لتاريخ العراق، ودور الحركات الوطنية والقومية والتقدمية، والقوات المسلحة الوطنية، في التطور السياسي العام، في المرحلة ما بعد 14 / تموز / 1958، وحتى نيسان / 2002 (44 عام)  كان العراق يحرز برغم العراقيل والصعوبات خلال (81 عام)، يحرز التقدم، بحسب الظروف السياسية المتاحة، وكانت القوى الخارجية لا تترك ثغرة إلا ووسعتها واستغلتها لتأخير وعرقلة نمو البلاد . واستخدمت كافة الوسائل ببراغماتية لا مجال فيها للأخلاق والتعامل النزيه. مع الأطراف العراقية كافة، وأبرز دليل مدهش هو ما ذكره الأستاذ صبحي عبد الحميد، من استعداد الولايات المتحدة للعودة (1964) بتزويد العراق بالأسلحة والأعتدة لمواجهة التمردات الداخلية، ولكنها عادت وقطعتها بعد أن دفع العراق أثمانها، لأسباب سياسية، حين رفض العراق أن تكون المساعدات مدخلاً للهيمنة على المقدرات الوطنية.

مذكرات الأستاذ صبحي عبد الحميد، مهمة، بقراءتها، تضاف مرتسمات جديدة للوعي السياسي العراقي، تستفيد منها الأجيال الشابة في العراق، من أجل تكوين صورة واضحة المعالم لطبيعة التحولات وأبعادها.

القائد صبحي عبد الحميد  (1924/ 2010)..... عاش حياة حافلة، كان خلالها الضابط الكفوء المخلص، وعلى أستعد للتضحية، وسياسياً / دبلوماسياً، ناضجاً خدم الدبلوماسية العراقية، وإداريا كوزير للداخلية، ووقف إلى جانب القيادات السياسية يقدم النصح، والمساعدة. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) هامش

ــــ عن سيرة الرئيس عبد السلام عارف في حياته الخاصة، كما وردت في الموسوعة الألمانية

" حصل المشير الركن عبد السلام محمد عارف على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية. كان يهوى التصوير الفوتوغرافي والزراعة المنزلية «أثناء الإقامة الجبرية» ورحلات الصيد والطيران، على الرغم من أن صنفه سلاح المشاة، إلا أنه لم تتح له فرصة قيادة طائرة وحده الا مع طيار. كان يعكف على قراءة الكتب التاريخية والفلسفية والعسكرية والسياسية إضافةً إلى الكتب الدينية والروايات العربية وكان متابعاً جيداَ للأفلام العربية ويعشق المقام العراقي وناظم الغزالي الذي كان يرتبط به بعلاقات شخصية تعود إلى حرب فلسطين عام 1948 حيث زار الغزالي الجبهة للدعم المعنوي للجيوش العربية. وكذلك كان من المعجبين بمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم، الذان انشدا «لثورات» العراق لاسيما أم كلثوم التي اهدته أنشودة «ثوار لاخر مدى» عام 1963 بعد حركة 8 فبراير/شباط، بعد أن انشدت «بغداد يا قلعة الأسود» بعد حركة 14 يوليو/تموز 1958، وكان من محبي الرياضة ومن مشجعي كرة القدم حيث أوعز بعد افتتاحه لاستاد ملعب الشعب الدولي لاستضافة وتنظيم البطولة الأولى لكأس العرب في بغداد عام 1966، كما كان معجباً خصوصًا باللاعبين قاسم زوية وهشام عطا عجاج ولديه مراسلات خاصة مع الملاكم محمد علي كلاي. كان يهوى جمع التحفيات والأسلحة الشخصية والمسابح الثمينة والسجاد. وبسبب دراسته في ألمانيا وسفراته الطويلة والمتكررة لعدد من العواصم الأوربية اتقن بطلاقة اللغة الألمانية وتكلم الإنجليزية. ألف عددا من الكراسات والمقالات المتخصصة المنشورة في المجلة العسكرية، أهمها كراسة التدريب العسكري «حرب الاغمار» والتي بقيت تدرس في الكلية العسكرية/الحربية العراقية إلى وقت قريب. حاز على عدد من الأوسمة والأنواط أثناء سيرته العسكرية لمشاركاته في حرب فلسطين عام 1948 وتفوقة في دوراته داخل وخارج العراق. متزوج وله خمسة أبناء. كان الرجل الثاني من القادة العرب بعد الرئيس جمال عبد الناصر. قال فيه أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل الأسبق «لا امن لإسرائيل بوجود حكام عرب مثل عبد الناصر وعارف "..

 

المراسلات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

drdurgham@yahoo.de

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

لخطوط الدفاعية

 

ضرغام الدباغ

 

في مطلع الثمانينات (بين 1983 ـ 1986) فكرت بأن أقوم بتأليف عمل عن الخطوط الدفاعية في العالم، واستعديت لذلك بتحضير المصادر، وأنا من عادتي قبل الشروع بأي أعمل، أعيش في أجواء الفكرة فترة غير قصيرة، أقرأ كثيراً وأتأمل، ثم أبدأ بتكوين أفكار خاصة أسجلها في قصاصات ورقية أضعها في محفظة أو ملف، وكل ذاك ولم نكن نعرف الكومبيوتر بعد، وكل شيئ بالورقة والقلم وتقليب صفحات الكتب، وكنا تعلما على يد أساتذتنا في ألمانيا أثناء الدراسة الجامعية، كيف نستخدم تقنيات الكتابة، وننظم المعلومات، ونرتب الأوراق (وكنا نستخدم نظام الكارتات) وأكتب خطة العمل، ثم أبدأ بالكتابة، وأنا أجري التصليحات كثيراً، وعند ورود معلوما جديدة، نحشرها (بلطف) بين سطور المتن المكتوب ... الكتابة عندي عملية خلق ... أستمتع بها غاية الأستمتاع.

 

 ومرة سألني أحدهم، وكنت موقوفاً، وكان محققاً :

ـ ألا تخاف عندما تكتب .. سألني المحقق

ــ  كلا على العكس ... يزول خوفي وقلقي تشاؤمي عندما أكتب .. هذه هي حقيقة مشاعري.

ــ ألا تفكر بالمتاعب التي تجنيها من كتابة مقالات سوداء كهذه ؟..(بين يديه كانت مقالة هو أعتبرها سوداء، وأحالني للمحكمة بموجبها وحكم علي بالسجن لمدة ثمان سنوات)

ــ لا أفكر بالنشر حالاً .. ثم أني قلت أني أشعر بالراحة، والاتحاد مع نفسي ..

ــ ما هذا الجديد ...  الأتحاد مع النفس ... !

هكذا أعمل وأكتب ... متحداً مع نفسي، محضراً للموضوع الذي أكتبه، وأحاول أن أعطيه قدره من الاستحقاق.

 

ومن جملة ما سألني هذا المحقق النابغة .. لماذا تكتب عن خطوط الدفاع ..؟ وهو لا يدرك أن جذر كل فكرة وعلم هو في الفلسفة، ولذلك في ألمانيا وأعتقد في أوربا،عندما يمنحون الدكتوراه في الطب، تكتب على شهادته دكتوراه في " فلسفة الطب ". فشهادة الدكتوراه في أي علم إنما هي شهادة تجيز البحث. وهي بدايتك مع العلم وليس نهاية له كما يعتقد البعض، بنيل اللقب المصون. المهم أن تلك الوريقات التي كانت أصل العمل ضاعت كغيرها من الأشياء، وبعضها كان ثميناً يا للأسف.

 

وفي ألمانيا لاحقاً، طرح تعلم الكومبيوتر نفسه علي كخيار بشكل ملح، حاولت مقاومته، دفاعاً عن جهلي به، إلا أنني اضطررت إلى التراجع عندما أدركت بشكل قاطع وحاسم واقتنعت بمقولة " أنت أمي طالما لا تحسن أستخدام الكوميوتر " هكذا دون مواربة ودون مجاملة لنفسي، فشرعت بالتعلم وكنت قاسياً مع نفسي، وخلال ستة شهور كنت أحسن استخدام الكومبيوتر والدخول إلى الانترنيت. والكومبيوتر واستخداماته أمر لا يمكن القول أنك تتقنه حتى بعد مرور خمسة عشر عاماً ... ! فهو أمر تتواجه معه بشكل يومي والعلم يتجدد يومياً ..معرفتك للكومبيوتر، والمرور في دهاليز الانترنيت، وباتقانك التام للغة أجنبية عالمية، سيضع الكرة الأرضية ومجراتها، والعلم والمعرفة كالبرتقالة الصغيرة في جيبك.

وأذكر أني خلال دراستي الجامعية، كنت أكتب عن فقرة هامة في مشروعي تبحث في إحصاءات حديثة، وكنت أمتلك مكتبة خاصة محترمة (7000ــ 7500) كتاب، لم أجد فيها على ضالتي، ففتشت في المكتبات حتى أعييت،  وأخيراً وجدتها باللغة الألمانية في مكتبة مشهورة ببرلين(ادوارد آند كامبه). أما اليوم فهذه تعتبر نكتة، ليس في مجال البحوث والمقالات والكتب، بل والخرائط والصور، والموسيقى، والأفلام، وكل ما يمت إلى الثقافة بصلة أو قرابة ..  فالانترنيت يوفر لك أضعاف ما تحتاج حقاً وفي خلال ثوان وبكافة اللغات، فما أسعد طلاب وباحثي اليوم ..!

كنت قبل ايام أتصفح في الأنترنيت، وفي ظل هذه الذكريات والمعطيات، وجدت بحثاً عن الخط الدفاعي البلجيكي الشهير القلعة الحصينة، أيبين إيمايل (Eben Emael) فتجددت الذكريات، وقررت الشروع بإعادة العمل فيه، فلدي خزين كبير من المعلومات واتجاهات التفكير، وقد قرأت الكثير عنها، وشاهد الأفلام السينمائية، وأخرى وثائقية، وبخزين المعلومات، والاستنباطات، والاكتشافات، ومن تلك فقد كنت دوماً أعتقد أن العقائد العسكرية الألمانية تركز على الهجوم ... والهجوم فحسب، إلا أنني اكتشفت أن الألمان قد شيدوا ثلاث خطوط دفاعية شهيرة : جدار الألب، خط زيغفريد، جدار الأطلسي، ولكن هذا لا يعني أن الفكر العسكري الألماني يميل إلى الدفاع، بل تثبت الوقائع أن الجيش الألماني قد قاتل في شتى الظروف، وفي معظم، بل كل الدول الأوربية عدا : البرتغال، السويد، سويسرا، وبريطانيا وإن لم يعبروا إليها ولكنهم قاتلوها في أماكن عديدة في : بلجيكا، فرنسا، هولندة، ليبيا، مصر، تونس، ناهيك عن قصفهم للمدن البريطانية بالطيران وبالصواريخ (V1 – V2)، وكانت فاتحة استخدام الصواريخ في التاريخ العسكري العالمي، واستهدافهم للجيش البريطاني والبحرية البريطاني في أعالي البحار وحيثما تواجدت .

كما شاءت الظروف أيضاً أن تسنح لي زيارة إلى فنلندة، وهناك توسعت معلوماتي ومشاهداتي عن للخطوط الدفاعية، بمعاينة أجزاء من الخط الدفاعي الشهير (مانرهايم).

والفكرة تقود لأختها، ويتواصل البحث ويتشعب، والحقائق تهديك إلى حقائق جديدة، وأنت تقرأ وتقرأ وتقرأ ... ثم تحاول أن تدون ما اكتشفت وما استخلصت، وما توصلت من حقائق، فتجد نفسك في عوالم المعرفة والعلم والتعلم، والأروع إن حاولت أن تسجل ما توصلت إليه، وأن تدلو بدلوك في نهر، أو قل بحر المعرفة.

قرأت مرة في إحدى كتاب يعرف تفاصيل المقدمات السياسية التي قادت إلى الحرب العالمية الثانية. والحكومة الفرنسية كانت ضعيفة (وضعيفة في البرلمان) وكان يرأسها السيد إدوارد ديلاديه وهو اشتراكي، وضعفها قاد إلى ترددها، وهذا التردد قابله موقف فيه شيئ من عدم الثبات والجرأة، وكان الوضع لدى الحكومة البريطانية مماثل تقريباً، وكان يرأسها السيد نيفيل تشمبرلين من حزب المحافظين. وحين خرق هتلر بشكل فاضح اتفاقية ميونيخ الرباعية ــ  1938 (ألمانيا / فرنسا / بريطانيا / إيطاليا) بغزوه لبولونيا، وبطريقة لا يمكن قبولها أو السكوت عنها، وحقيقة عرضت الأمن والسلم في أوربا لخطر جدي.

وهتلر كان يدرك أن القيادة الفرنسية والبريطانية ضعيفة، وراهن بشكل خاطئ وبالغ في مراهنته، أنهم سيرضخون كما رضخوا عند قيام الجيش الألماني باحتلال جيكوسلوفاكيا، ومن ثم ضمها لألمانيا، وقام البرلمان الفرنسي بأستجواب حاسم سيقرر دخول الحرب مع بريطانيا ألتزاماً لتعهداتهم حيال بولونيا، وكنت خلال قراءة هذه الأحداث الحاسمة أتصور نفسي في قلبها. رئيس البرلمان الفرنسي (الجمعية الوطنية) يوجه السؤال التاريخي لوزير الدفاع :

ــ هل تعتقد أن فرنسا في حالة خطر وينبغي أن تدافع عن نفسها.

ــ نعم أعتقد ذلك.

ــ هل تعتقد ذلك، أم أنك متأكد من ذلك.

ــ نعم أنا متأكد من ذلك.

ــ هل تعتقد من الصواب أن تعلن فرنسا الحرب على ألمانيا.

ــ تعم أعتقد ذلك بوصفي عضواً في الحكومة.

 

بأية مشاعر كان رئيس البرلمان يتحدث، وبأي شعور بالمسؤولية التاريخية كان وزير الدفاع يجيب. بنعم ... وهكذا ذهبت فرنسا إلى الحرب، بنصف تصميم، بقناعة مهزوزة، وكان سيناريو كهذا شبيه قد حدث في بريطانيا أيضاً، ولكن حين استبدلت حكومة الحمائم تشمبرلين، بحكومة صقور يرأسها ونستون تشرشل، تغير الموقف جذرياً، اتخذت قراراً حاسماً بخوض الحرب.

 وتشاء الأيام، أن تسنح لي زيارة تاريخية إلى معسكر اعتقال بوخنفالد (Buchenwald) وهو من معتقلات التصفية النازية الرهيبة. ورغم أني قد سبق لي مشاهدة الكثير من الأفلام الوثائقية عن هذا المعتقل وغيره، وقرأ الكتب، بل وسبق لي أن شاهدت معتقلاً بالقرب من برلين، أصغر من معتقل بوخنفالد يدعى سكسون هاوزن (Sachsenhausen)، إلا أن زيارة بوخنفالد عام 2015 أحدث تأثيراً بالغاً في نفسي، ومن بين ما شاهدته هناك، الزنزانة الأنفرادية الخاصة برئيس الوزراء الفرنسي إدوارد ديلاديه الذي فاوض هتلر في قضايا منح النفوذ لألمانيا في أوربا بشرط احترام أاستقلال وكيان بولونيا، وهو التعهد الذي لم يفي به هتلر كما عرضنا.

سأحاول جهدي في هذا العمل أن أمنحه بعض التميز عن ما سبقه من أعمال، وذلك برؤية عميقة إلى جوهر فكرة الدفاع، وموقف المدافع، وموقف المهاجم، وعلى المفكر في القضايا الاستراتيجية أن لا ينحاز بصفة مطلقة إلى الدفاع، فيترهل فكره وقدراته، كما أن يلجم جموحه للهجوم في كل الظروف والصفحات، فيتجنب طيشاً يختفي وراء الاندفاع. وليكن رائد وشعار القائد أو المخطط، في قاعات السياسة أو في ميادين الحروب، أن يفعل ويقدم على ما يفيد البلاد فقط، ويتجاهل نفسه سواء كانت ميالة إلى المجد، أو إلى حب الحياة، فحياة الأفراد ومصائرهم الشخصية لا تظهر في التقديرات حيال مصير الوطن ومصالحه العليا.

لاحظ هذا البيت الرائع للمتنبي الكبير "

وحب الجبان النفس أورده التقى    وحب الشجاع النفس أورده الحرب

للدفاع معطياته وظروفه السياسية والعسكرية، حينذاك عليه أن يوفر لموقفه فرص النجاح، فأستقبال الصدمة واستيعابها، والقدرة على تخفيف خسائرها، والمعرفة الدقيقة بتفاصيلها هي خير ما يعين المخططين على رسم سيناريوهات الموقف الحالي والمستقبلي.

 

كذلك للهجوم معطياته وظروفه السياسية والعسكرية، وعلى المدافع أن يدرك أن المدافع يتحصن خلف مواقع أختارها وبذل جهده في تحكيمها وتحصينها، فعليه أن يقدر أنه سيقدم خسائر في هجومه، ولا سيما إذا كانت المباغتة مفقودة، لذلك يضع المفكرون تفوقاً عددياً في العدد والعتاد قد يبلغ 1: 2 أو حتى 1 : 3 لصالح المهاجم، لأنه سيفقد نسبة معينة منها.

 

خط الدفاع إذا كان قد تقرر بقرار سياسي، فذلك يعني أن الهدف منه ليس تكتيكياُ (تعبوياً) بل استراتيجياً (سوقياً)، فخط ماجينو الفرنسي كان قد تقرر إنشاؤه بقرار سياسي / عسكري، وكان مقدراً له أن يحول دون نجاح أي خطط ألمانية، أو إفشالها بعد خسائر عالية، ولكن عباقرة العسكرية الألمانية، أاستطاعت تجاوزه على نحو سنذكره في الصفحات اللاحقة.

هذا العمل وأي عمل آخر نهدف منه إلى تعزيز الثقافة والمعرفة

 

                                                                      المؤلف

 

                                                           برلين 19 / أيار / 2017

 

 

 

ماذا يدور في البيت الشيعي

 

د. ضرغام الدباغ

 

من المعلوم أن للكلاب حاسة شامة خارقة، وفي نقاط الحدود الأوربية، المطارات، وحين يشير الكلب البوليسي المدرب على المخدرات إلى حقيبة أو رزمة، فأنها سوف تفتش حتماً، وتشخيص الكلب لا يخيب مطلقاً، فيعثر على المخدرات مهما برع المهربون بأخفاءها.

أريد القول ابتداء، أن الصحفي الأوربي يتلقى تعليماً وتدريباً ممتازاً، لذلك فهو بارع في استخدامه لقدراته، وفي دقة ملامسته، وله رادارات ممتازة تلتقط الخبر وما وراءه, وتؤهله للغوص بثقل في عمق الحدث، لا يطوف بخفة على سطحه، الصحفي الألماني مراسل قناة جنوب غرب ألمانيا (SWR) في العاصمة طهران، التقط انطباعاً لا يبدو ظاهراً للعيان(الأنباء متناقلة لدى الصحفيين الغربيين)، ولكنه واضح لمن يتفحص  ما وراء الخبر، فكتب في : 11 / شباط / 2024،  حين التقطت مداركه قبل عينيه أن الوضع الإيراني ليس بخير، وهو يرى تراجعاً في أداء نظام الملالي، فكتب مقالاً بعنوان " بعد 45 عاماً للثورة، ملالي طهران يواجهون أياماً صعبة "، وبطريقة الصحفيين الألمان، كتب في السطر والنصف الأول خلاصة الخبر " ظاهرياً، طهران قوية، وتبدي استعدادها للقتال، ولكن بإلقاء لمحة إلى داخل الجمهورية الإسلامية يبدو لنا بوضوح، أن الخصوم الأشد للنظام، هم الشعب الإيراني نفسه ".

 

نقاط الضعف والقوة في إيران معروفة ، يعرفها كل من له خبرة في الشؤون الإيرانية، فهناك غياب شديد للوحدة الوطنية وعناصرها الاساسية، ومفردات التقسيم جاهزة على الطاولة، فإيران كيان سياسي ملفق، تلفيق فني مدروس، من تأليف وإخراج القوى الغربية الكبرى. تحرسه دولة مركزية بأجهزة أمنية عريقة، " الدولة الإيرانية " تتعامل مع أي تطلع للتحرر الوطني والقومي والاجتماعي، بأساليب بالغة الشدة والقسوة فهذه المبادئ في خروجها عن التقسيم الطائفي في خطوطه العامة وفي ثناياه، إضعاف لصلات الوحدة الشعبية، وفي ترويجها وتشجيعها، تقويض للوحدة الإيرانية، لذلك يحاول النظام تصدير أزمته إلى بلدان الجوار، في تحريض صريح وعلني للقضايا الطائفية، لأن أي بحث وطني قومي، ليبرالي / اجتماعي، يضع مستقبل ملالي إيران خارج إطار التفاهمات. وحيث لا يمكن لعاقل أن يعول على القوة لوحدها في الحفاظ على الأشياء الكبيرة الأساسية، فإن إيران ستواجه يوماً قدرها الذي لا بد منه، وكل الباحثين في الشؤون الإيرانية، يجدون أن هذا  يدور في أذهان القادة وأفراد الشعب على حد السواء،

 

ويمنح نظام الملالي نفسه مظاهر خداعة للقوة. لشعب صار القمع  الحكومي البوليسي منذ قرون من أولى مؤشرات البلاد، وحين عمل الغرب، والأمريكان بصفة خاصة، على الاتيان والترحيب بنظام الملالي لم يكن إلا باعتباره الوصفة السحرية، للحيلولة دون سقوط " الدولة الإيرانية ". على أساس أن التمذهب الطائفي يمثل الخيط الأحمر الي يلملم الحبات المتناثرة هنا وهناك ويصيغ منها نظام دولة، بالغ الخميني بتطرفه فأسس نظام الجمهورية (بالتفاهم مع قوى الغرب)على الأساس الطائفي البحت.

وإذا كانت الإدارة الأمريكية أو بعضها أجنحتها غير سعيدة بوجود الملالي على سدة الحكم، ولكن هذا هو الخيار هو أفضل من سقوط إيران وتشظيها كدولة، وقيام حزمة من الاحتمالات احلالها مر كالعلقم. ولذلك تحديداً قال الرئيس أوباما بصريح العبارة " لن أسمح بسقوط النظام الإيراني ". وهذا القرار ليس من أجل النظام الإيراني، بل من أجل استمرار لوجود الدولة الإيرانية برمتها، والتداعيات اللاحقة المقلقة للإدارة الأمريكية وللغرب عموماً. هو ما حدث وما قد يحدث في شمال وجنوب ووسط إيران، وفي سقوط دولة إيران (تأسست عام 1935) وكنتائج، ستنهض عدة كيانات (آذربة، عربية، كردية، تركمانية، بلوشية) وعلى الأرجح كيان لأقلية اللور. ويتغير نفوذ وحجم تركيا وأذربيجان، وباكستان، وأفغانستان، وتركمانستان،  وتضعف أرمينيا، وسيتغير الموقف في كتلة أواسط آسيا، وفي الخليج العربي، ومعطيات اقتصاد الطاقة. وربما عناوين أخرى ...!

يقول الصحفي الألماني مختتماً مقالته :

" ومن المفارقات الطريفة أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يستعيد بها النظام المواطنين إلى جانبه ستكون إذا تعرضت إيران لهجوم خارجي. عندها من المرجح أن تتحد البلاد بأكملها ضد عدو خارجي مشترك - كما حدث في الحرب ضد العراق من عام 1980 إلى عام 1988. لكن من غير المرجح أن تقدم الولايات المتحدة ولا إسرائيل تقديم هذه الخدمة" للملالي"

يمثل تقرير الصحفي الألماني، إشارة تحذير مهمة، ولكن بعدها بأيام، نقل الانترنيت شريطاً وثائقياً بالغ الأهمية والخطورة، ومن المدهش أن لا يتصدى كتاب وباحثون مختصون  لهذا الأمر، ومن المؤسف أن يفوتنا حفظ هذا الشريط الذي كان يبحث في موضوعة مهمة، إذ يرصد ويؤشر على نحو دقيق، إلى محاولات التطوير، التغير، الجادة والمهمة داخل المؤسسة الدينية، فلدى الجميع معرفة بأجواء التغيير والتطوير، سواء في المركز الديني التقليدي (حوزة النجف) أو في المركز القيادي السياسي / الديني الجديد (حوزة قم). فطوال عقود كانت المدرسة الدينية الشيعية  في النجف أو فروعها، تبتعد بقدر كاف عن الشأن السياسي الدقيق، ولكن تغير هذا الأمر بعد الثورة الخمينية، وطرح مبدأ الولي الفقيه، وهذا يستحيل أن يكون بعيداً عن التوجهات الغربية (البريطانية والأمريكية خاصة) لأنه يتفق تمام الاتفاق مع ارائهم ورؤيتهم وخططهم للمنطقة. ولكن من المرجح أن الخميني أرادها أن تكون لعبة خمينية صرف، ولعب خارج الخطة ...!

إذن رسمياً وفعلياً، وعلى صعيد إضعاف المدرسة النجفية، الذي مارسته طهران بعد الثورة الخمينية عام 1979، ببطء وتؤدة، ولكن دون توقف، لصالح مدرسة قم، ولصالح إحلال نظام " ولاية الفقيه "،، رغم أن حكومات طهران تاريخياً تحرص على وضع مدرسة النجف هي بذاتها تحت الهيمنة الإيرانية/ الفارسية والتأثير عليها، ويقاومون بثبات أي تقدم للعنصر العربي في المراكز المهمة الفكرية والسياسية،  وهذه سياسة مارستها حكومات فارس وإيران على مر عهود، ونجم عن هذا الصراع العلني / الخفي، مؤشرات مهمة، أبرزها: 

المدرسة الخالصية التي أسسها مهدي الخالصي عام 1911في (الكاظمية / بغداد)، وقاومتها طهران حتى في عهد الشاه،  وتواصلت في عهد ولده محمد الشيخ محمد الخالصي، حتى الوقت الراهن بإدارة الشيخ جواد الخالصي،

المدرسة الصدرية التي تأسست في النجف، بشعارات وطروحات قوية، فأغتيل الأمام محمد صادق الصدر(1995)، وهو كان يتوقع اغتياله، وعبر عنه ذلك للمقربين منه، وتمثل اليوم تياراً عقائدياً سياسياً مهماً في العراق.

وبعد الحرب واحتلال العراق، طرأ تغير جديد على الموقف، وذلك باشتداد ضغوط نظام طهران وتوجهات مدرسة قم، وتراجع واضح لمكانة مدرسة النجف. والملاحظ، هو تعاون سلطات الاحتلال الامريكي لمساندة تيار مدرسة قم (الولي الفقيه) وتحويل الولاء المذهبي للولي الفقيه وكيل الإمام الحجة (المهدي المنتظر). وهذه سياسة غربية : بريطانية أمريكية ثابتة منذ عقود.

ولكن لم تكن حركة اهتزاز قوية تهز أركان المؤسسة الدينية الشيعية بدرجة ليست بسيطة، لتمر دون ارتدادات وتداعيات، ولا تزال هناك المدرستان المشار إليهما : الخالصية والصدرية ماكثتان الأولى في الكاظمية، والثانية في النجف، تناوران، وتحاوران، ولكن إلى جانب وجود شخصيات لها وزنها في الوسط الشيعي، نأت بنفسها عن الصدام الصامت والصاخب أحياناً، (عبر أساليب سلمية) الذي يدور في ساحات متعددة ليس في النجف وقم فحسب، بل وفي لبنان، وفي المهاجر ولاسيما في لندن وباريس. صدام أسفر حتى بلغ درجة الاغتيالات( على شريعتي/ لندن، وتوجهات أحمد الكاتب، الذي له توصلات مهمة حول قضايا محورية في المذهب الشيعي، ولاية الفقيه، والامام الحجة، وموضوعات جوهرية أخرى. والعاملين في هذا المجال يعلم أنه يعمل في قاعة زجاجية مزخرفة، يحاذر أن يصطدم بشيئ فتنهار أشياء أكبر ... فالانتظار والاحتكام للزمن سيد الاحكام  ...!

ونجد في أبرز الحركات والتيارات التي برزت في الساحة بعد الحرب والاحتلال الأمريكي للعراق، وناهض الاحتلال :

المرسة الخالصية : الشيخ جواد الخالصي، الذي مارس الجهاد ضد الاحتلال.

المدرسة الصدرية، : الشيخ السيد مقتدى الصدر.

وحركة مجاهدي خلق / مسعود رجوي 

مجموعة من مثقفي الشيعة الليبراليين الذين حلموا بتأسيس مدرسة شيعية ليبرالية آن لها أن ترتدي ثياب العصر وتتحدث بلغة مفهومة ومنطقية : ابو الحسن بني صدر، صادق قطب زادة، إبراهيم يزدي، كريم سنجابي، (إيران)

آية الله محمد كاظم شريعتمدري.         (إيران)

آية الله محمود طالقاني.                     (إيران)

رجال دين إيرانيون كثر آثروا الانزواء بصمت.

رجال دين مجتهدون، اعترضوا، وكانت لهم مواقف فكرية :

آية الله حسين المؤيد.        (العراق)

آية الله محمود الصرخي.     =

آية الله كمال الحيدري.         =

آية الله أحمد البغدادي.        =

وهناك دون ريب، علماء آخرون بدرجات متفاوتة، ولكن يجمع بين كل هذه الشخصيات الدينية / العلمية المرموقة، التي لمواقفها وأفكارها صدى يستحق الانتباه في الوسط الشيعي، 4 توجهات في غاية الأهمية، وهي جوهر الخلافات والصراعات الخفية والعلنية:

أولاً . رفض الانسياق في تيار طهران، المتحالف مع الولايات المتحدة (يجتهدون في طهران وأتباعها كثيرا في التمويه على هذه العلاقة).

ثانياً . رفض سياسة التصعيد والتحريض ضد البلاد العربية والإسلامية، وخوض الحروب العبثية معها، بل الدعوة إلى تقليص الفجوة بين الإسلام السني والشيعي.

ثالثاً. ملاحظات فكرية / فقهية

رابعاً. هناك إدراك عميق أن الشيعة بوضعهم الحالي، ولا سيما بعد الجمهورية الإسلامية 1979، إنما يجازفون بسلوكهم منهجاً طائفياً إعتدائياً، اعتماداً على دعم الغرب. ويصح فيهم مقولة الكاتب علي شريعتي : "  ليعلم تجار الدين هؤلاء، سيأتي يوم وتثور الناس عليهم  وأنا أخشى أن يذهب الدين ضحية لتلك الثورة  ".

خامساً. رغم كل ما بذلته طهران والاستخبارات البريطانية والأمريكية من تفجير العلاقات بين السنة والشيعة، إذا أن هذا التوجه رفض غريزياً وعقلانياً من أوسع الجماهير. فالأساس هو الجذر المشترك، تاريخيا وعقائدياً،  وهو يدعو للالتحام في البرامج المصيرية لا إلى الحروب.

ولكن شريعتي قتل غيلة، ولو كان يعيش هذه الأيام، لقال " رجال الدين في طهران حولوا الدين لمليشيات، وكانتونات طائفية، وبازارات ووسيلة لجني ثروات مسروقة . الشيعة يعيشون في هذا العصر ومعطياته، وفي الوطن والأمة المشتركة، وفي ظروف سياسية واجتماعية وثقافية، مع أبناء وطنهم وأمتهم، وفيهم المفكرون، والديمقراطيون، والليبراليون والقوميون، وتقدميون .... يستحيل أن تضعهم جميعهم في علبة معلبة، يقرأون كتبا راقية، ويشاهدون الأنترنيت، ويدرسون الرياضيات، ولكن عليهم الاسترشاد بخرافات، وهناك من يريد أن يعيدهم للعلبة المعلبة ...!  بطلقة كاتم صوت تستطيع اغتيال كاتب، ولكنك لا تستطيع أن تعتقل الضوء ولا بقنبلة ذرية ...!

 

ولا شك أن هذه المدارس والحركات والتيارات تعلن عن نفسها وتشكيلها  على أنها حركات وتيارات واسعة ، ثم بصور واضحة أنها  تيارات عقلانية عميقة في أوساط المجتمعات الشيعية، تناهض التيار الشيعي الحاكم في طهران (نظام ولاية الفقيه) التي تلتقي مع الاستراتيجية الأمريكية في الحرب السرية على الإسلام والعرب. وتستخدم الشيعة كأدوات ووسائل ووقود في هذه الحرب.

 

برلين

11 / آذار ــ مارس / 2024

 

 

كيف يفهم الأوربيون

(الغربيون) الهاجس الأمني ...!

د. ضرغام الدباغ

 

لنتوصل بادئ ذي بدء إلى تقارب في الرأي حول مفهوم " الأمن القومي " و مصطلح " الغرب " . هل مفهوم الغرب يعني كل الدول والكيانات التي تقع في الغرب، ثم إلى الغرب قياسا لمن ..؟ فأستراليا ونيوزيلندة مثلاً لا تقعان في الغرب، وإذا كانت أوربا مركز الغرب، فروسيا أقرب للغرب من الولايات المتحدة وكندا. إذن تحديد الغرب والدول الغربية لا يقوم على أساس جغرافي محض، بل سياسي، وإذا تساءلنا، لماذا والأمر كذلك لا يعتبر الغرب اليابان وكوريا الجنوبية ضمن البلدان الغربية، وهما من البلدان التي تتمتع الولايات المتحدة معهما بعلاقات عميقة ..!

إذن فحتى الأساس الاقتصادي / السياسي، لا يقع  في المرتبة الأولى ضمن (بلدان الغرب)، إذن فلنرجح العامل الديني، وهنا سنقع في تناقض، إذ هناك كثير من البلدان المسيحية لا تعتبر من بين بلدان الغرب، إذن لنعتبر ما يدور همساً، ان التجمع الغربي هو تكتل مسيحي، وإذا تقف روسيا وبلدان شرق اوربا المسيحية / الأرثودوكسية في الموقع الآخر للغرب (رغم أن عديد من بلدان شرق أوربا متحالفة مع الولايات الاوربية)، ولكنها شرقية المزاج والانتماء العميق. إذن دون مواربة وبوضوح فإن العالم الغربي يتشكل بهذه الأولويات وأن مصطلح الغرب يعني بالتتابع : العالم المسيحي / البروتستانتي ـ الكاثوليكي،  الرأسمالي، ومنذ نزاع بايدن/ ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بتنا نسمع تلميحاً أو تصريحاً، عن صراعات تدور لأول مرة ربما منذ نشوء الولايات المتحدة، بين الطوائف المسيحية في الولايات المتحدة، بين : البيوريتانية (Puritanism) والانجلوسكسون، والكاثوليك، والكلوكس كلان (Ku klux klan) (رغم أنها منظمة قديمة، ألا أنها كانت مهتمة بطرد العنصر الأفريقي من الحياة العامة  بالدرجة الأولى ) تقف اليوم في الصراعات السياسية الأمريكية إلى جانب اليمين التطرف الذي يمثله الأجنحة المكونة للحزب الجمهوري بأفق فاشي. فاشية معاصرة لا تشبه بالضرورة فاشية إيطاليا (قبل أكثر من 100 عام). بل أن  التشابه يكمن في الجذر الآيديولوجي والسياسي. 

كتب السياسي الأمريكي البارز روبرت مكنمارا (Rober McNamara) الذي عمل في مراحل مختلفة، مستشاراً للرئيس الأمريكي، ووزيراً للدفاع، ورئيساً للبنك الدولي كتاباً مهماً (بعنوان : أمن الغرب ) نشر في ألمانيا عام 1970بعنوان..،(Die Sicherheit des Westens) وقرأناه خلال دراستنا، في نهاية السبعينات، ومطلع الثمانينات، وفي هذا الكتاب حاول كاتبه أن يثبت أن هناك أخطار جسيمة تهدد العالم، مما يحتم على الغرب أن يتحد ولكي يقاوم هذه الأخطار ويلعب دور المنقذ للبشرية.

بالطبع الكتاب كان يحمل أنفاس ونكهة السبعينات حين كانت المعارك محتدمة في فيثنام، التي نجحت الولايات المتحدة في سحب بلدان عديدة من الناتو إلى حرب فيثنام،  تحت عنوان " الصراع بين الرأسمالية الديمقراطية، والاشتراكية التوتالية " ، ومكنمارا نفسه كان يمثل أشد عناصر في جناح الصقور المتشدد،   والذي كان يسعى جهده لتوسيع الحرب في فيثنام واستخدام الأسلحة الأشد تدميراً. مكنمارا كان يعتقد، وعبر عن آراؤه نلك بكتاباته، أو بسياسته العملية. أن أمن الولايات المتحدة يبدأ من وسط أوربا، ومن جنوب شرقي آسيا، من أجل إبقاء المحيطين : الأطلسي والباسفيكي، مجالاً حيوياً صالحاً للمصالح  الأمريكية. والسيطرة عليهما تضمن الهيمنة على ساحات وميادين أخرى.

تلك أراء كونها استراتيجي أمريكي معروف(هانسون بالدوين  /  Hanson Baldwin) في مؤلف مهم ( ستراتيجية للغد /   Strategy for Tomorrow )صدر عن جامعة جورج تاون / الولايات المتحدة الامريكية / 1970، يتحدث عن الأمن القومي الأمريكي  حتى الثمانينات، وفي ذلك العصر الأمريكي يكتب بصراحة " أن الأمن الثومي الأمريكي موجود في كافة بحار ومحيطات العالم، بل وحتى في الفضاء الخارجي ".

 يتميز الموقف السياسي الدولي اليوم، بمستجدات تستحق أن تسجل حقاً كمستجدات على مسرح السياسة الدولية. فقد نهضت أوررا من كبوة الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبكيانها السياسي الاتحاد الأوربي،  (رغم الإشكالات التي تعتريه) وبقدراتها الاقتصادية  وعملتها اليورو، باتت تمثل قطباً سياسياً لا يمكن تجاهله، وروسيا الاتحادية السياسية والاقتصادية والعسكرية التي أثبتت جدارتها، تمثل قطباً سياسياً مهماً، له وزنه، وكذلك الصين، والهند والبرازيل والمجموعة العربية وفي المقدمة مصر والسعودية والجزائر، ومجموعة دول الخليج، تجسد أخيراً في الإنجاز الذي تم تحقيقه  بتـأسيس مجموعة بريكس ( Brics ) ككيان سياسي اقتصادي واعد، هذه أحداث مهمة وليست عابرة، يضاف لذلك، الإخفاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية الكبيرة للولايات المتحدة، وانحسار إشعاع العولمة، وانفضاض دول كثيرة عن تياره، ومجموع وإجمالي هذه الأحداث، تؤلف مظاهر جديدة على الساحة الدولية لا يمكن تجاهل قيمتها.

مثلت توجهات الولايات المتحدة صوب تشكيل معسكر جديد يضمها وبريطانيا، وكندا وأستراليا، ونيوزيلندة،، (AUUKUS) تنفيذاً واقعياً لسياستها "القيادة من الخلف " (Drivng from behind) التي رسمت خطوطها الأولى قبل أكثر من عقد من السنوات (2013)  هي إقرار أمريكي أن العواصف التي هبت وتهب، على مسرح السياسة الدولية، قد أحدثت تأثيرات وتغيرات لا يستهان بها،  وتحث  الولايات المتحدة الأمريكية حلفاءها الأوربيين أو غيرهم، بالاعتماد أكثر على أنفسهم، في الحفاظ على مصالحهم، وهذا يمثل إقراراً واضحاً :

لم الغرب لم يعد معسكراً موحداً.

أن المصالح الغربية لم تعد متحدة.

أن الأطراف الساعية لتكوين أقطاب عالمية ، لم تفشل في مساعيها ..!

الحرب الروسية ـــ الأوكرانية ونتائجها النهائية، سيكون لها تأثيرها الكبير على سياسة الأمن والسلام في أوربا أولاً، وعلى العالم تالياً، فالغرب المؤسس والمنتج للكيان الصهيوني يفكر أن إسرائيل لم تنجح  أن تكون كيانا مقبولاً قي ضل سيطرة وهيمنة  الغرب على العالم، فكيف إن فقدت السيطرة والهيمنة ..؟ وبتقديرنا أن حرب غزة هي أحدى التصديات المبكرة لهذه النتائج، أراد من خلالها الولايات المتحدة وأوربا وإسرائيل وضع مرتسمات جديدة للموقف السياسي وعلى الأرض. في صراع واسع النطاق، يشمل تغيرات عميقة، وبتقديرنا أن النتائج لم تبلغ أهدافها المخطط لها على الأرض كما هي على الخارطة. فالخطاب الأمريكي يناشد حلفاؤه ..." تدبروا أموركم ودافعوا عن مصالحكم، فاليوم الذي لن تستطيع الولايات المتحدة أن تهب لمساعدتكم ليس ببعيد ".

مفهوم الامن يفسر بحسب الحاجة :

نستحسن شحن من نريد للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن جنودنا ورجال مخابراتنا لا يخضعون للمحاكمة. وترفض التوقيع على المحكمة الدولية.

تفسير عشوائي للإرهاب، بحيث لا يشمل جرائمهم.

 

بالمقابل من يقاوم حروبنا التوسعية فهو إرهابي.

الولايات المتحدة اضطرت أن تتراجع ولو قليلاً في حرب غزة، وأمام المحكمة الدولية،  فالمواجهة الشاملة للعالم بأسره، لم يعد ممكناً، ومن المرجح أن الأمريكان والغرب قد توصلوا لقناعة، أن عهد الاستعمار ولى دون رجعة، والامبريالية تعاني من صعوبات غير مألوفة لها، العولمة فشلت فشلاً ذريعاً، لأنها أسوء من الاستعمار والامبريالية، والولايات المتحدة تخوض ما يطلق عليه العسكريون " القتال التراجعي "، أي انسحاب منظم وتجنب الهزيمة المفجعة كما في فيثنام وأفغانستان. فأيام الاستيلاء على الثروات مجاناً ذهب بلا رجعة، وبقي الارث الاخلاقي الموجع ...

حاولنا على عجالة وبأختصار شرح مفهوم معقد تنتابه الكثير من الشكوك والتمويه ...!

 

 

الواقعية ...

سيدة المواقف

ضرغام الدباغ

 مع اعتبار أننا في مرحلة هدر للوقت والجهد، وأن النظام الحالي العراقي ليس بنظام ويصعب إطلاق وصف محدد عليه، هذا ما يجمع عليه الأغلبية الساحقة من العراقيين، بما ذلك فئات واسعة من الجماعات الحاكمة)كيانات سياسية وشخصيات(. ونسمع ونقرأ الكثير جداً من كافة الأطراف أقاويل شتى ، والقاسم المشترك الأعظم بين المتحدثين والكتاب والمعلقين هو ضياع تلمس الوجهة (Concepttion )أو البوصلة، وقد فات معظمهم حقيقة أن الموقف في العراق بل وفي عموم المنطقة، يمر بمرحلة كالمرجل في أقصى درجات احتمالة ... وأن الفدرالية والكونفيدرالية، والأقاليم، والتقسيم والتشظية والتمزق والتشرذم هي ليست ضرباً من ضروب توقعات متشائ مة، بل من الأمور المطروحة على بساط البحث والمداولات كأحتمالات ...! فيما يتحدث الجميع عن ديمقراطية هلامية خيالية لا محتوى لها ولا أبعاد، وكأنها خيار سهل ومفهوم مطروح في متناول اليد ينتظرك بباب البيت ..! لا أحد يريد أن يقتنع أنك تودع الديمقراطية وتستقبل الطغيان والتفرد وصولاً للديكتاتورية بأشكالها الناعمة والدموية، مباشرة بعد عبورك للبسفور ولمجرد أن تضع قدمك في القارة الآسيوية الخالدة ..! منذ 64 عاما وأنا أشتغل وأقرأ وأكتب وأعمل كسياسي وأدرس السياسة للطلاب، لم أشاهد ولم ألاحظ لليوم كياناً أو جهة تسعى للديمقراطية، وقد سررت حين قرأت في مؤلف استاذنا الكبير جورج سباين )تاريخ الفكر السياسي( قولاً " الديمقراطية الحقيقية لم تكن وسوف لن توجد أبداً "ولكن الناس يتراشقون بهذه الكلمة كنوع من المكائد والتعجيز في الناس، بالنسبة لي لا يهمني من يحكم العراق، يهمني جداً أن أعيش في مجتمع العدالة الاجتماعية هي الديمقراطية الحقيقة، نسيم من الديمقراطية )أقصد بالديمقراطية دولة القانون المستقرة( عشناه في العراق في العهد الملكي، دفعت العائلة المالكة ثمنه من دماءهم وحياتهم، وسحلناهم وعلقناهم عراة في الشوارع، بلا تحقيق ولا محاكمة، هذا ونحن أكثر من يتشدق بالدين وبالحلال والحرام ونتذرع بآل البيت. وأراهن أن ثلاثة أرباع من يتحدثون بالديمقراطية لا يعلمون ما هي الديمقراطية، معظمهم يعتقد واهماً أنها تبادل سلمي للسلطة فحسب، ومن الأوهام ما قتل ...! طيب ألم يصل موسوليني في إيطاليا للسلطة بالانتخابات )في العشرينات(، وكذلك هتلر في ألمانيا )في الثلاثينات(. ألم يصل شخص مثل ترامب للسلطة في أميركا بالانتخابات، وكاد أن ينالها مرة ثانية بالعنف )الديمقراطي(، لولا تدخل ديمقراطي من العسكر، وقبله أحمق سخيف شبه أمي يدعى جورج بوش الأبن، ألم يحكم بريطانيا العظمى )مهد الديمقراطية... ومهد الاستعمار ...!( شخص كذاب محتال أسمه بلير )كلاوجي(، يتضمحك بخفة يعترف بقيامه بجريمة لا داع لها، أدخل البلاد باعترافه في حرب لا داع لها ..! وفي سلة الدول الرأسمالية )الديمقراطية( 1287 تجربة نووية وهي المتسببة بتلوث العالم وانهيار النظام المناخي، إنهم لم يكتفوا بقتل البشر فيريدون تدمير العالم أيضا . الولايات المتحدة : أجرت 1032 تجربة بين عامي 1945 و .1992 المملكة المتحدة : أجرت 45 تجربة بين عامي 1952 و 1991 . فرنسا : أجرت 210 تجربة بين عامي 1960 و .1996 وفي سجل احتقار الديمقراطية هناك الكثير جداً من الأحداث، أحدثها هو التآمر ليل نهار على الرئيس التركي الفائز ديمقراطياً لأنه لا يوافق مصالحهم، وغير ه من الأنظمة التي فازت بالانتخابات، ولكنها عرضة لتآمرهم. إذا وافقتموني على هذه النظرية )وقد تحدثت عن وقائع مادية(، س تصبح معها الضمة والشدة في الخطاب، وأبوك لم يسلم على أبويا، وفلان كان يقود اللوري ودهس في طريقة )س + ص( وسائر الطروحات الشخصية وشبه الشخصية من هذا القبيل، س تصبح من نوافل الكلام وتوافه الأمور، وينبغي أن نضعها جانبا، رغم أن بعضها مؤلم، ولكننا حين نناقش قضية حياة أو موت إنسان على طاولة العمليات، والجميع يعلم أنه ليس بإنسان ... بل وطن . تصبح قضية ثانوية. الجميع يطرح الحل المثالي الأقصى، فيما يدور البحث الواقعي عن الممكن، وقبل أيام كان يحدثني صديق ويطرح الحلول الضخمة المثالية والحد الأقصى، وهو لا يملك بجيبه أكثر من قلامة الأظافر ... فليتفضل مشكورا من لديه حل أفضل يوفر كامل القوة والسطوة والبأس .. حل مضمون وليس مغامرات سندباد .... نحن نتذابح بوحشية تحسدنا عليها حتى الضواري، العراق يمضي بسرعة إلى التدمير والتلاشي، ونجد من يعترض على مفردات تافهة لا معنى لها سوى البحث عن ذرائع ... لكي أقول لا فحسب... وهل يدرك من يقول لا ماذا يكمن خلف هذه العبارة ... هل لديه حلول ذهبية لمريض يلفظ أنفاسه ..! نحن بحاجة حتى لعربة طنبر يسحبها حصان، وهناك من يشترط " لا ..ما أريد .. إلا بسيارة إسعاف مرسيدس موديل 2021 " . هذه مهزلة مثيرة للسخرية، والمؤلم فيها أنها واقعية. كنت أحادث صديق قد عاش كل حياته في ألمانيا منذ أن كان عمره 10 سنوات، وله ميل للشيوعيين، نتحدث عن دور غورباتشوف في تفكيك الاتحاد السوفيتي فاجئني بالقول " أي غير .. صدام حسين " ولما بهت وتصورت أني لم أسمع أو أنه يمزح، فقال " أي لو..ما صدام ما سقط الاتحاد السوفيتي ... !" .فدهشت أن أصابته العدو وهو على بعد 10 ألاف كيلومتر عن الوطن الحبيب ...! نعم هناك استعمار وإمبريالية وصهيونية وقوى معادية لنا .. ولكني أعتقد أن جوهر المشكلة الأساسية كامنة فينا نحن ...! الواقع الموضوعي صعب، ولكن نحن لا نتعامل مع الأحداث بمستوى الأحداث فاللعبة أكبر من اللاعبين... السلطة في بغداد تقبع في درجات منحطة للغاية، هم فعلاً حثالة المجتمع العراقي، طيب ولكن ماذا يمنع أن تتفاهم سائر قوى الشعب العراقي وفيها شخصيات سياسية وعلماء وسياسيين محترمين ... هذا سر من الأسرار، هل هو بسبب ارتفاع منسوب ودرجة الأنا عند الفرد العراقي .. نعم، هل أن الثقة اهتزت بين الناس .. نعم وهذه أيضا،ً هل بسبب تداخل واختلاط الرؤية، نعم ... ولكن السياسة هي فن الممكن، وليس فن الحديث وزخرف الكلام ...! أنت تريد خارطة الوطن كله، وأمامك سلطة مدعومة من المحتلين غير قادرين السيطرة على محافظة واحدة ..! لا أدري ماذا نحتاج بعد لنكون واقعيين ..! وأعيد هنا مثل ألماني كنت قد أورته قبل فترة .. " Ich habe viele Wünsche, aber leider nicht genug Geld .....! " لدي أمنيات كثيرة ... لكن للأسف ليس الكثير من المال ". كثيرون لد يهم أفكار رائعة مخلصة، ولكن العبرة تكمن في التطبيق، فلنتحدث رجاء عما هو ممكن، فمن الأفضل أن أشتري دراجة بخارية، أو حتى هوائية بقدراتي ، على امتطاء رولزرايز فخمة في الأحلام، الحديث في ا لخيال العلمي سهل، وللفرجة الآنية فقط، وفي بعض الأفلام يكتبون ملاحظة في بداية الفلم ونهايته، جملة موجهة للصبيان والفتيان، " رجاء لا تقم بهذه الحركات فهي مميتة ". وها نحن نشاهد فلما مرعبا،ً والعوض باهلل لحين نهاية الفلم ... وعسى أن نشاهد النهاية ..! العالم يتعامل مع الغرب على أنه في مرحلة احتضار، ولكن هذا المحتضر يمتلك أنياب نووية، وهو قاتل محترف، لن يضيره أن يقتل بضعة ملايين أخرى يضيفهم لقائمة ضحاياه ...! وفقط البلهاء من ي ستوعب المشهد بعقله، وكيف يفهم من يجهل أوليات قواعد الفهم ...! بعد هذا البؤس الذي نعيشه نحن لا نستطيع التفاهم على حتى المسلمات ... وعلى أبسط الأمور، لأن كل واحد منا يعتقد أنه زعيم وقائد، وعبقري ومفكر وفيلسوف ومؤرخ لا يشق له غبار، أنظر كم شخص عراقي لديه دكتوراه مزيفة ..؟ بالآلاف ..! أنظر كم شخص يطلق على نفسه : محلل سياسي، استراتيجي ، مفكر .. قائد ، أنظر كم حركة وحزب وميليشيا عندنا وفتش عن الفرق بينها، ستجد أنه ضمة وكسرة لا أكثر ..أليس هذا ضرب من الجنون المطلق ..! هناك عناصر وعوامل عديدة يمكن البناء عليها ولكن هناك عجز غير مفهوم ... لنكن واقعيين فليصعد البناء لحد الشبابيك والباقي يصير خير ... أحسن من النوم في العراء .... نحن الآن في العراء ... حالت نا ت شبه : قطعة الأرض موجودة، الطابوق والحديد والأ سمنت موجود، المهندس حاضر والعمال المهرة واقفين بالاصطفاف ... والمال موجود بوفرة ... ولما لا يصعد البناء ...؟ سؤال عويص .... لكن ه يستحق الإجابة وليس للترك ...! 20 / فبريوار ــ شباط / 2

تحرير :

 جيرنوت كرامبر  13.02.2024

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

 

هكذا أخرجت فتاة صغيرة 17 طائرة نازية من السماء

 

 

كان المدافعون عن ستالينغراد يشاهدون المعارك الجوية فوق سماء المدينة. فبالإضافة إلى القيمة العسكرية، كان لأنتصارات الزنبقة البيضاء  ليديا ليتفياك تأثير كبير على الروح المعنوية

 

تحرير : جيرنوت كرامبر  13.02.2024   

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

لم تكن الفتاة الروسية ليديا ليتفياك قد تلقت تدريباً ممتازاً وبالتالي لم تكن بارعة في فنون الطيران القتالي، مثل الطيارين الألمان. لكنها كانت جريئة وسجلت 17 انتصارا جويا. فوق قوس كورسك، ثم فقدت حياتها وهي شابة كزهرة في مطلع حياتها، ولم يتم العثور على رفاتها حتى عام 1979.

 

في الفترة ما بين الحربين العالميتين، صعق تطور الطيران العالم وأثار دهشة الناس، منجزات الطيارين الذين كانوا يبدون ضروباً  مثيرة في العروض. ومثل الطيران الفقرة الأكثر إثارة في العصر الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، وشاركت النسوة في هذا الحماس وكانت الطيارة الأمريكية إميليا إيرهارت التي اختفت فوق المحيط الهادئ، دون أن تترك أثراً خلال محاولتها الطيران حول العالم، والطيارة الألمانية هانا ريتش التي اشتهرت كطيارة اختبارات.

 

أثار الطيارين الشجعان والماهرين الناس بأعمالهم، في تسجيل تاريخ جديد للطيران، وبعد التطورات التقنية الكبيرة على صناعة الطائرات. كما سيطر الحماس على النساء. كان أشهرهن في الغرب هي الأمريكية أميليا إيرهارت، والألمانية هانا ريتش، وأنظمت الطيارة الروسية  ليديا ليتفياك إلى هؤلاء الرواد كطيارة مقاتلة، ففي سن ال 15 قامت بأول رحلة بمفردها لها (ٍSolo)، وفي عام 1940 كانت قد أصبحت مدربة طيران. تمت ترقيتها بالرغم من والدها كان قد أعدم في عمليات التطهير الستالينية. ومع بداية الحرب العالمية الثانية، تطوع هؤلاء في خدمة بلدانهم ومن بينهم الفتاة ليتفياك  وكان الحلفاء الغربيون قد استخدموا النساء في القوات المسلحة وفي الأعمال الساندة، وفي الخدمات. كانت المهام القتالية من المحرمات. لم تكن رائدة الطيران السوفيتية مارينا راسكوفا راضية عن هذا. رغم أنها كانت قد سجلت العديد من الأرقام القياسية العالمية لمسافات طويلة في ثلاثينيات القرن العشرين. حيث تمكنت المرأة المعروفة من الحصول على الدعم لها. وفي وقت مبكر(8 أكتوبر 1941)  حيث أمر ستالين بتشكيل ثلاث وحدات نسائية.

 

أسرعت ليتفياك في التطوع على الفور. وكانت شابة متوهجة، وهذا ما يخالف تقاليد الجيش. كانت تتسلل سرا من المهجع للتحدث إلى الجنود الذكور. والذهاب للرقص مع الجنود الذكور. وأيدت نوع من المقاومة للتدريبات وأرادت الحفاظ على شعرها الطويل. عندما اضطرت الضفائر إلى السقوط ، قامت بتبييض شعرها وتصفيفه. وكانت تلفت نظر الرجال وقامت بتزيين الزي الرسمي بياقة من الفرو. مصنوعة من فراء أرنب من حذائها. لم تكن هذه مسألة معزولة، وكان من مؤشرات عصر ستالين التحرر. لهذا السبب تم تجنيد الفتيات للانضمام إلى نوادي الطيران. بالإضافة إلى ذلك  تسببت شهرة فتاة قناصة في الحرب، ليودميلا بافليشينكو، في تشجيع اندماج النساء في القتال.

 

في النهاية، كانت ليتفياك تقابل بالتساهل والمسامحة، على كل شيء، حتى أنها بالغت بشدة حين كتبت أوراق طلبها، لأنها كانت أفضل طيار في مجموعتها. وكانت مهامها الأولى في على جبهة السهوب، وكانت في البدء ما تزال تطير في وحدة نسائية بالكامل. ثم تم نقل أفضل ثلاث نساء إلى أفواج الرجال في الجبهة. وكان تنسيب  ليتفياك القتالي هو الدفاع عن ستالينغراد. ...!

 

وطارت ليتفياك على الطائرة المشهورة مع ياكوفليف ياك -1. وتعتبر طائرة الياك 1 أحد أفضل المقاتلات السوفييتة في السنوات الأولى من الحرب. وكانت طائرة  مسلحة جيدا وذات قدرة ممتازة جداً على المناورة. منذ البداية، تم تجهيزها بمدفع رشاش  عيار 20 ملم MG. في القتال، وكانت بمواصفاتها قادرة على المواجهة والتنافس مع المقاتلة الألمانية الشهيرة،  Messerschmitt 109  في القتال الجوي.

 

إطلاق النار مرتين فوق ستالينجراد كانت المهمة الأولى للشاب البالغ من العمر 20 عاما ضجة بالفعل. حين واجه سربها قاذفات ألمانية من طراز Ju-88 و Messerschmitts of Jagdgeschwader 53. وأظهرت ليتفياك جرأتها خلال القتال، وانقضت على القاذفات، الذين أسقطوا قنابلهم بشكل عشوائي للهروب من سماء المعركة. أسقطت ليتفياك قاذفة قنابل، وتموضعت في القتال خلف طائرة Me-109. وفي هذه العملية تمكنت من إسقاط الطائرة الألمانية وطيارها الشهير إروين ماير ولكنه نجا بالهبوط بالمظلة، وتم القبض عليه. أصيب ماير بصدمة عندما التقى بخصمه. لم يصدق أن فتاة أسقطته. وحين وصفت ليتفياك تفاصيل المعركة الجوية له سمح لنفسه بالاقتناع بما حدث. وعلى الرغم من نجاحات اخرى، لم تعامل بشكل جيد كامرأة في الفوج. إذ كان وجود النساء غير عادي. في الأسراب المقاتلة، ورفض الرجال الإقلاع في مهمات مشتركة مع امرأة وتذمروا عندما تم تعيين طيارة في مجموعتهم.  (كان السوفيت لديهم تشكيلات جوية / فوج، ولواء جوي)

 

ذاعت أخبار قال الطيارة الشابة ليفياك، الدعاية الستالينية. بمفردها ، حين واجهت ستة Messerschmitts وأطلقت النار على اثنين منهم. لمدة 15 دقيقة، كانت تناور وتقاتل مع الطائرات الألمانية حتى تمكنت منهم، ولكنها أصيبت، بإصابات خطيرة في هذه المعركة. ومع ذلك ، وحين أسقطت طائرتها قامت بخياطة الملابس من مظلات الطيارين الألمان الذين تم إسقاطهم (ست طائرات ألمانية) وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" ذلك النبأ..

 

لماذا سميت ليديا ليتفياك "زنبقة ستالينجراد الأبيض" غير واضح. ربما بسبب جمالها وشعرها المبيض. على أي حال، لم تكن طائرتها الياك( Jak ) شعارا مميزاً، كما كان معتادا للطيارين الألمان المشهورين. لكنها غدت مشهورة ببطولاتها، وأصبت تقابل بالاحترام والتقدير. ولكن بعد ذلك تلقي حبيبها مصرعه، أقسمت عند قبره على الثأر والانتقام، عند القبر، كما تذكرت ميكانيكيتها إينا باسبورتنيكوفا. "لم ترغب ليديا في البقاء على الأرض. كانت تريد أن تطير فقط، وتقاتل،  وتطير يائسة ". ليس غير نمطي في ذلك الوقت. تنتقم من قتلة زوجها. كتبت إلى أختها أنها غالبا ما كانت مليئة بالغضب لدرجة أنها بالكاد تستطيع التنفس.

           

أصبح أسلوب ليفياك أكثر جرأة، وأكثر عدوانية. أصيبت مرارا في المعارك الجوية، لم هزم سلاح الطيران الألماني ( Luftwaffe) بعد. قاتل الطيارون السوفييت بشجاعة اليأس ، وكانت الخسائر الفادحة هي أمراً يومياً . في 1 أغسطس، انقضت ليتفياك على مجموعة من القاذفات الألمانية وفوجئت بطائرات المسر شمت( Messerschmitts) ثم اختفت ليديا ليتفياك من السماء ومن العالم. لم يتمكن رفاقها من العثور على طائرتها المحطمة ، لذلك اعتبرت ليتفياك مفقودة. الجندية الميكانيكية إينا باسبورتنيكوفا لم تنسهم أبدا. كانت تعلم أن الشائعات الخبيثة بأن صديقتها قد غادرت لا يمكن أن تكون صحيحة. منعت هذه الشكوك ليتفياك من الحصول على أعلى لقب في الاتحاد السوفيتي. هذا الظلم لم يترك باسبورتنيكوفا في سلام، طوال حياتها كانت تبحث عن قائدها. اتبعت كل خيوط واكتشفت 90 موقعا غير معروف للتحطم، وبحثت عن عددا لا يحصى من الطيارين في هذه العملية. فقط من ليفياك لم يكن لها ن أي أثر. في عام 1979، استخرجت باسبورتنيكوفا أخيراً جثة - أخيرا طيارة، بعد 34 عاما من الحادث وجدت صديقتها. لكن الجيش الأحمر لم يكن في عجلة من أمره. لم يتم تغيير وضع ليتفياك في سجلات الجيش حتى عام 1988 من "مفقود" إلى "قتل في المعركة"

 

كيف ينبغي تقييم انتصارات ليتفياك ....؟

لم تسجل أي امرأة هذا القدر من الانتصارات الجوية، وربما سوف لن تفعل أي امرأة ذلك مرة أخرى. بالمقارنة مع أعداد ارسالا ساحقا ألمانيا ، يبدو أن 12 أو، وفقا لبيانات أخرى، 13 عملية قتل فردية بالإضافة إلى 4 عمليات قتل جماعية يمكن التحكم فيها. سجل إريك هارتمان 352. احتل طيار الحلفاء الشهير تشاك ييغر المركز 13. لكن كان على ليتفياك التنافس في ظل ظروف مختلفة تماما. طار ييغر على طائرة موستانج P-51 في أمريكا الشمالية (واحدة من أفضل الطائرات المقاتلة في الحرب)، إن لم تكن أفضلها. كان الطيارون الألمان أكثر خبرة، وكان عددهم دائما يفوق عددهم في هذه المرحلة من الحرب، وكانت أجهزتهم - Me Bf 109 G وأكثر من ذلك Focke Wulff 190 - متفوقة بالفعل على Yak-1. " لم تكن ليتفياك مقاتلة تكتيكية باردة، لكنها عوضت عن هذه العيوب بشجاعتها وغضبها ".

 

كانت مقاتلة بالولادة ، وتنطبق عليها جملة الجنرال الألماني للطيارين المقاتلين أدولف جالاند: " فقط الهجوم الذي يقوده قلب قتالي "

 

 

 

 

المراسلات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

drdurgham@yahoo.de

 

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

اللورد بايرون :

شاعر أم ثائر، أم بوهيمي لامنتمي

 

ضرغام الدباغ

 

صورة من رموز الحرية، صفحات كثيرة وشؤون وشجون في حياة شخص واحد، أثر في عصره وفي المراحل اللاحقة، واستطاع أن يكون رمزاً لجيل كامل، ذلكم هو اللورد بايرون.

سار في شوارع لندن موكب تشيع. جنازة، محمولة على عربة سوداء كبيرة تجرها خيول مغطاة بالمخمل أسود، وخلف عربة الجنازة، موكب مؤلف من ثلاث عربات تضم أصدقاء المتوفى ومن ضمنهم، أبن أخته. ثم هناك 47 عربة خالية كانت تقف في حافة المدينة، عاد هذا الرتل من العربات، فقط العربة التي كانت تحمل التابوت، واصلت سيرها حتى وصلت إلى منطقة هوكنارد، حيث وري جثمان المتوفي في مقبرة العائلة في كنيسة القرية. وبذلك أدى سبعة وأربعون من الأسر النبيلة التزامهم الاجتماعي، وذلك بإرسال عرباتهم ليشاركوا في الحزن، ولكنهم على الصعيد الشخصي لم يشاءوا أن يمنحوا المتوفى الشرف الأخير.

والرجل الذي نحن بصدده، والذي حمل نعشه إلى المقبرة في 12 / يوليو ـ تموز /1824، عن عمر 36 سنة، أعتبر في عهده أسطورة، وأثر في مخيلة الكثيرين في عصره بسبب من شخصيته الأخاذة، وأسلوب حياته الغير تقليدي، والقضايا الكثيرة التي أثارها، ومن خلال شعره الوجداني بصورة غير مسبوقة. لقد كان من يكن له الاحترام والود، أو من كان يحسده ويكرهه، سيان فهو لم يكن ليكترث بها كثيراً.الشاعر الرومانسي البريطاني : اللورد بايرون.

هروب جنية طيبة

جورج جوردن نوبل بايرون، وهذا هو اسمه الكامل، أبصر النور إلى العالم في 22 / كانون الثاني ـ يناير / 1788، في بيت بشارع هول في لندن، الذي كتب عنه لاحقاً " إن عدداً وفيراً من الجنيات الطيبات كانوا قد هبطوا فيه مدعوين: كافة العرابين وزعوا على الوليد عطاياهم وبإسراف، أحدهم منحه لقب نبيل، والآخر العبقرية والثالث الجمال. وجنية الخبث والدهاء التي لم تكن مدعوة، جاءت متأخرة، عجزت عن نقض ما فعلته شقيقاتها بمجيئهن مبكراً، ورغم ذلك، فإن لها في كل بركة لعنة.

كان الوليد ينحدر من أسرة نبيلة وقديمة، ويمتلك قدرة روحية عظيمة، ولكنه كان يعاني وجعاً مضنياً في روحه، نعم كان يمتلك رأسا، يتمنى النحاتون أن يتخذوا منه نموذجاً. ولكن أيضا قدماَ يحاكي أقدام الشحاذين في الشوارع. كان التشوه في قدمه، يمثل القلق الدائمي للشاب الجميل، وهو إذا كان قد أعتاد مشيته القلقة، ولكنه لم يستطع أن يخفي العيب الخلقي في جسده وأستمر يعاني منه طيلة حياته، وانعكس ذلك في أفكاره لدرجة أنه تمنى لو يبتر هذا العضو في جسده. ولكن على الرغم من هذا العوق، كان الشاب بايرون سباحاً ممتازاً، وفارساً وملاكماً، ثم أنه استطاع لاحقاً أن يقطع مضيق الدردنيل سباحة، وكان إنجازا يمكن للمرء في حينه أن يفخر به.

هذا الشاب ذو الوجه الذي يترك بمشيته العرجاء انطباعات رائعة، كيف لنا أن نوثق هذه الشخصية المزدوجة التي تعاني من عذاب داخلي مضن، ممزق، ترى هل هذا الرجل هو غير اعتيادي حقاً ؟

كان هذا الشاب النبيل قد ابتدأ مبكراً بكتابة الشعر، وكان معاصروه يقعون بلا عناء تحت تأثير أبياته، وعندما ترك عام 1808 جامعة كمبرج، كان قد نشر ديوانه الأول" ساعات الهدوء ". بيد أن الشاعر الشاب كان قد منح نفسه للبحث عن المتع، ولم يجد واجباته حياتية، أو معنى للحياة، فكتب إلى أخته أوغستا " إنني فعلاً إنسان غير سعيد إذ إنني أعتقد، وذلك طبيعي، لا أمتلك قلباً سيئاً، ولكنه متوار، مقتلع وتدوسه الأقدام ! ".

 

النبيذ في جماجم الموتى

بعد بلوغه سن الرشد، أنسحب بايرون إلى مقر سكنى العائلة في نيوستيد آبي في نوتنك هامشير. وفي القصر المتداعي خلف أحلامه. وكان الأشخاص الوحيدين الذي يريدون رؤيته هم أصدقاؤه من أيام الدراسة في كمبرج، ومعهم أمضى أيامه في المبارزة والفروسية والتجديف والرماية بالمسدس. وبعد طعام الغداء تدور مشارب النبيذ في جماجم موتى التي يصنعها له الصائغ من الذهب، لقضاء سويعات أخرى من يومه، كما كان هناك سرب من الخادمات الجميلات، وكل ذلك أساء إلى سمعته في أرجاء المنطقة، وقد تمتع بايرون بهذه الحياة الداعرة لدرجة السأم الذي زحف إليه وبمشاعر جديدة.

في تموز 1809، قام بأول سفرة له إلى جنوب أوربا، المحطات الأولى كانت: البرتغال، أسبانيا، مالطا، اليونان، وألبانيا التي كانت بلداً غير معروف بصفة تامة للأوربيين. وكانت الإثارة الغريبة للبيئة الخارجية والأزياء الألبانية التي منها صاغ بايرون صوراً جميلة. وفي جانينا، العاصمة القديمة لألبانيا، ابتدأ بتدشين أبياتاً من الشعر " سفرة الحج لهارولد " وهو ضرب من مذكرات يومية شعرية عن رحلته التي اشتهر بها عالمياً.

تركي في كيس

في أثينا، أختلط ذات يوم بعدد غفير من البشر خلال نزهة على صهوة جواد، شاهد رجال يحملون كيساً، ويبدو أنه يضم شيء يتحرك ووقف بايرون مقابلهم وأدرك أن ما يحملونه في الكيس هو مخلوق بشري، ثم أدرك أنها فتاة تركية كانت قد أقامت صلة مع مسيحي، وبحسب التقاليد التركية، فإن هذه الفتاة يجب أن تغرق في البحر.

وعندما أمتنع القائمين بالعملية أخذ الفتاة إلى حاكم المدينة، سحب بايرون مسدسه وهدد بإطلاق النار، وكان يقدر بأنه سيتمكن من رشوة الحاكم وإنقاذ الفتاة وإطلاق سراحها، ولكن الشائعات التي طالت بايرون بعد ذلك لم تكف أبداً.

كانت اليونان تستهويه وتستولي على إعجابه منذ الطفولة وبذلك فقد آلمه كثيراً الاضطهاد الذي يعاني منه اليونانيون على أيدي محتليهم الأتراك. وأثينا كانت مجرد قرية، ومنها نهضت الباهرة أكروبوليس، التي لم يبقى منها شيء للأسف، إذ كانت مجرد أكوام من الخرائب. هكذا كتب خطاباته الملتهبة الأولى من أجل الانتفاضة ضد الأتراك، ولكنه لم يدرك أنه سيكون المناضل الأكثر شهرة من أجل حرية اليونان.

 

ثم أنه عاد إلى بريطانيا وأصدر عام 1812 يومياته " سفرة الحج " . وهارولد هو أرستقراطي تقليدي، بطل رومانسي، يحمل الآم العالم ومعاناته، وله اعتزاز أرستقراطي بنفسه، كان وحيداً، ولا نهاية لثرائه الروحي.

 

أسد صالونات لندن

" في صباح أحد الأيام، استيقظت ووجدت نفسي شهيراً " . نادراً ما أمتلك بايرون أصدقاء في السابق، لكنه الآن صار يرتاد كافة صالونات لندن الأرستقراطية المفتوحة له. كما كان يحضر الضيوف الأكثر أناقة إلى شقته، وإذا بالشاعر الوسيم المكتئب يصبح نجم المجتمع. يتطلع الرجال إليه بحسد، وتتقرب النسوة إليه بالحب. وباختصار كان اللورد بايرون يتمتع بحياة أنيقة وبالنساء على أكمل وجه.

وفي الأعوام التالية، التقى بعد غياب طويل أخته أوغستا، ابنة والده من زوجته الأولى، فأعتقد أنه وجد نفسه فيها، ولم تستطع أن تقاوم قدرته على الإغواء، وكانت تعيسة في زواجها. وفي هذه العلاقة التي استطاع بايرون أن يطورها على طراز جديد غير معتاد من الحساسية العميقة، ووصفها " الهدف الكبير " لحياته. وعندما قدمت له أوغستا خصلة من شعرها، كتب على تلك الورقة التي كانت تضم الخصلة: " إنه شعر من أحبها كثيرا ً" ولم يكن بايرون يرى في هذا الحب ندماً أو حرجاً، وقد أحبها وكأنها أمر مفروض من القدر.

ولم يكن ليستطيع أن يدع أن يشير المجتمع على هذه العلاقة، كما لم يكن ينقذ الأمر، إلا زواج عاجل، فقرر الاقتران مع آنابيلا ميليانك. ولكن هذه المرأة بجديتها وصرامة القواعد الأخلاقية التي تؤمن بها، لم تكن الزوجة المناسبة لزوج شاعر بالغ المعاناة يؤمن بالحرية في الحياة، وبالتالي فإن زواج كهذا لا بد أن يكون الإخفاق مصيره.

والانفصال غدا الحديث اليومي في صالونات لندن، وكانت الشائعات تدور عن علاقته بأخته أوغستا، وكذلك ميوله الجنسية المثلية المبكرة، جعلته حديث المجالس. وسرعان ما تناهت إلي أسماعه عبر القصص والتلميحات عن حياته. وعندما قامت سيدة جريئة في المجتمع اللندني بدعوة أوغستا وبايرون إلى حفلة راقصة، غادرت بقية السيدات القاعة بما يشبه الفرار، فيما أمتنع الرجال عن مد أياديهم لمصافحة بايرون. وقف بايرون وحيداً في الزاوية، وهكذا غدا رجل المجتمع الذي كان يحتفى به، محتقراً.

بذلك لم يعد أمامه سوى الهرب من إنكلترا. وفي الواقع لم يكن بايرون قد تعايش أو تلائم مع المجتمع اللندني بقواعده الأخلاقية الصارمة( في ذلك الوقت على الأقل..!.. المترجم)، أو لم يقبلها بجدية، لذلك لم يكن الوداع الذي حل في 23 / ابريل ـ نيسان / 1816 صعباً، وهو الذي كان يتطلع بفضول إلى تجارب يمكن أن تكون الجزء الآخر من حياة جديدة.

وبعد صيف أمضاه على ضفاف بحيرة جنيف، كانت فينيسيا المحطة التالية، واستقر في ساحة بلازا موكينكو المطلة على قناة غراندا، وسرعان ما صارت مغامرات بايرون مادة حديث فينسيا. ولكن بعد أن انتشى بالمغامرات، سرعان ما عاودته حالة الكآبة، إذ لم يكن بوسعه تجاوز محنته النفسية.

وهنا أخيراً التقى بسيدة، كون معها علاقة غرامية ذات معاناة عميقة، وشعور كان لسنوات طويلة بعيد عن شعوره به. " لا شيء يدعو للعجب، إني اشعر بالمسرة قبل أن أعاين المسرة العظيمة بنفسي، الأشياء البشرية يجب أن تكون مساوية لبعضها، ولا بد من احتقار أشياء كثيرة، كانت هذه أساس فلسفتي. وأني اعتقد أن أقع في الحب مرة أخرى، ولم آمل أن استقبل الحب، ولكني الآن قذفت بكافة قواعدي، لأعود بكليتي إليك، سأكون ما تشائين أن أكون، ولكن السلام لم يعد سلاماً أبداً بالنسبة لي " هكذا كتب إلى السيدة الجميلة المتزوجة، الدوقة تيراسا كويكلي.

 

ولكن حتى هذه العلاقة لم يكن لها أن تدوم، فابتدأت تفقد جذوتها شيئاً فشيئاً. كما كان العام 1822 قد أتى على ضربتين قاسيتين للقدر. فقد توفيت أبنته اليجرا (كانت ثمرة زواج غير شرعي مع سيدة تدعى كلايري كلايرمونت) أثر إصابتها بحمى مستنقعات، عن عمر خمسة سنوات، كما ورد في صيف نفس العام نبأ وفاة صديقه وزميل الشعر: بيرسي بايشة شيلر الذي توفي خلال رحلة بسفينة شراعية، وكان يبحر في خليج لاسبتيزا مجازفاً الإبحار في طقس سيئ على الرغم من أنه كان قد تلقى تحذيرات بعد القيام من الإبحار، لقدوم عاصفة هوجاء ولكنه لم يبالي بها. فأصر على الخروج لمواجهة قدره، فأبتلعه البحر، لكن الأمواج ما لبثت أن لفضت بجثته على ساحل فيريجيو، وكان مرافقاه قد لقي كلاهما حتفهما غرقاً. وعلى الفور توجه بايرون على موقع الحادث مع اثنان من معارفه حيث كانوا لتوهم يسحبون جثث الموتى من البحر. وبموافقة خاصة من السلطات، قاموا بدفن جثة برسي شيلي، فأعدوا له وداعاً دراماتيكياً: سحب من البخور الأبيض، وزيت ونبيذ ولهب وشعور بالإحباط والخزن يخيم على الجلسة.

حاول بايرون بعد وفاة صديقه، أن يغطيه بالمزيد من الإنتاج الأدبي، وأمنية كانت دائماً تعتمل في نفسه، بأن ينجز أعمال عظيمة، إذ أنجز بعض القصص. فقد تساءل مرة في شبابه:" من يكتب إذا كان بوسعه أن يفعل أشياء أفضل ! ".

 " من قلب متعب من الحياة الرتيبة التي أمضيتها خلال الأعوام الأخيرة في إيطاليا، متعب من المتع، ومن الكتابة، واشعر بالضرورة الحاسمة والفورية أن أمنح أفكاري سبيلاً واتجاها جديداً. وفعلاً كانت تحف به المخاطر ذات الطبيعة العسكرية وأحداث مجيدة ترح مخيلتي "، لقد حلت المناسبة فعلاُ.

وبفرح غامر، قذف بنفسه في المغامرة اليونانية، وتم شراء التجهيزات الطبية، وجرى استئجار سفينة بحمولتها وجرى شحن أسلحة وأعتده ومدفعين. وفي تموزـ بولية/ 1828، وما أن مضت السفينة هيركليس في البحر، حتى زالت كافة أعراض الكآبة من بايرون.

وفي 5 / كانون الثاني ـ يناير / 1824 وصلت على مسولونجي، التي تسمى الآن ميسولونجيون في خليج باتراس، أستقبلها أعداد غفيرة من الناس في أجواء احتفالية، وكان قد أختار منهم 600 جندي، ولكن هذا الفريق أعلن العصيان، وظلوا بانتظار وصول إمدادات أخرى من بريطانيا، فيما كانت الأوضاع في اليونان تمضي إلى المزيد من الاضطراب.

والانتظار بدون عمل مزقت أعصابه، ولكن في بداية شهر ابريل ـ نيسان، وردت أنباء طيبة من إنكلترا، إذ يتم جمع المال لحركة اليونان، وأراد بايرون تشكيل لواء مدفعية ومشاة مؤلفة من 2000 رجل.

وفي يوم من الأيام مضى بايرون على صهوة جواده في جو عاصف ممطر، وعاد وهو يشعر ببرد شديد، مبتلاً تماماً، أصيب من جرائها بالحمى، وربما بنوع خاص من ملاريا تركية لم يصح منها. وفي 19 / ابريل ـ نيسان، أجتمع أصدقاؤه حول سريره وهو يحتضر:" أتعتقدون إذن " قال بصوت منخفض لطبيبه:" إنني خائف على حياتي ؟ أنا أقول من قلبي، إنني أنتظر تلك الساعة بترحيب. ولماذا يتعين علي أن أشكو ؟  ألم اسع إليه بنفسي ؟ "

في تلك الليلة توفي... وحزنت عليه اليونان بأسرها !

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات

drdurgham@yahoo.de

 

دروس سياسية /استراتيجية في

الهجرة النبوية الشريفة

 

ضرغام الدباغ

 

* السيرة:

ولد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يوم الاثنين 12 ربيع الأول حوالي 571-570 في العام الذي أطلق عليه بعام الفيل. وللأمر هنا دلالته السياسية، ففي ذلك العام غزا أبرهام(أبرهة) الحاكم الإثيوبي لليمن، مكة عازماً على هدم الكعبة لأنها كانت تنافس من الناحية الدينية، النصرانية التي كان عليها حكام إثيوبيا. ولكن جوهر الأمر كان بهدف التوسع وإخضاع مناطق شاسعة من شبه الجزيرة العربية إلى حكمه، سيما وأن نوايا أبرهة الانفصالية عن الولاء لإثيوبيا بدأت تبرز. ولكن الحملة فشلت بسبب قسوة الظروف الطبيعية وعدم تعاون سكان المنطقة مع الغزاة، وإن لم يكن بحوزتهم ما يتصدون به لجيش الحملة سوى أن يهرع أبو طالب بن عبد المطلب(عم النبي وأحد أشراف قريش) إلى باب الكعبة ويناشد الرب أن يحمي كعبته، ففي مثل هذه الظروف العصيبة التي تدعو إلى اليأس، ولد الرسول (صلى الله عليه وسلم).

 

* ففي هذه السيرة الشخصية لمحمد(صلى الله عليه وسلم)، نقف على مفردات في حياته وهي على قدر من الأهمية. فوفاة والده وهو جنين، ثم وفاة والدته ثم عمه، أي المعيلين الرئيسيين له، جعلت منه رجلاً عصامياً، فهو وإن كان من قبيلة واسعة الثراء وقوية(قريش)، إلا أنه عمل على تنشئة نفسه بنفسه، وأعتمد على قواه في كسب عيشه، فعمل في التجارة وهو صغير، ثم عمل راعياً لأثرياء مكة، ثم في التجارة لصالح السيدة خديجة، وبزواجه منها تمكن من تأسيس أسرة محققاً الاكتفاء الذاتي في مورد معيشته. كما أن الرحلتان اللتان قام بهما إلى الشام ورحلاته على اليمن، ساهمت بتوسيع أفق ومدارك الشاب، كانت كل هذه الظروف والأحداث تعمل على صقل شخصيته وتضيف إلى تجاربه السياسية ما تؤهله لمهمات عظيمة سوف يضطلع بها.

 

* أحداث سياسية مهمة

ــ حرب الفجار: وقد شهدها الرسول(صلى الله عليه وسلم) وعمره عشرون عاماً(33 ق.م)، نشبت هذه الحرب بين قبيلتي كنانة وقيس بسبب حادثة، قتل فيها رجل من قبيلة كنانة رجلاً آخر من قبيلة قيس، ولما كانت كنانة أحد بطون قريش، فقد أسرعت هذه بكافة بطونها للقتال مع كنانة، في حين وقفت قبائل أخرى على جانب قيس أبرزها قبيلة ثقيف.

 

حلف المطيبين: وقد جرت أحداثه في أطار النزاع على زعامة مكة وسدانة الكعبة بما فيها من مزايا(الحجابة ـ اللواء ـ السقاية ـ الرفادة) بين ورثة عبد مناف بن قصي وورثة عبد الدار بن قص. وانقسمت بطون قريش بين المعسكرين واستعد كل طرف للقتال، وقد تجمع معسكر ورثة عبد مناف عند الكعبة وتعاهدوا وتحالفوا وأقسموا بغمس أيديهم في إناء فيه طيب، ومسحوا أيديهم بجدار الكعبة، في حين اقسم أطراف المعسكر الآخر بجوار الكعبة على الالتزام بعهدهم أيضاً.

 

 حلف الفضول: وكان السبب المباشر لعقد حلف الفضول، إن أحد تجار مكة الأثرياء والمتنفذين، أمتنع عن دفع مال يستحقه أحد المتاجرين الصغار، فمضى ذلك المتاجر إلى شرفاء مكة ووجهائها يشكو إليهم ظلم التاجر الثري، فهبوا لمساعدته بقيادة الزبير بن عبد المطلب(عم الرسول صلى الله عليه وسلم) واجتمعوا في دار أحدهم وتعاهدوا وتحالفوا على رد الحق إلى الرجل، وأي مظلوم غيره، إذ تداعت قريش للاجتماع في دار عبد الله جدعان لشرفه وكبر سنه فتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد إليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف"حلف الفضول" وقال الرسول(صلى الله عليه وسلم)" لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب لي به جمر النعم، ولو دعي به في الإسلام لأجبت".

 

حادثة بناء الكعبة : حدثت عام 605 م على اثر هطول أمطار غزيرة، سيول كبيرة اقتحمت مكة من الأودية المحيطة بها، وتصدعت من جرائه جدران الكعبة. وأعادت قريش بناؤه، ولكنهم اختلفوا فيمن ينال شرف وضع الحجر السود في مكانه، فاختير الرسول(صلى الله عليه وسلم) لوضع الحجر الأسود في موضعه، وقد أختار حلاً دبلوماسياً وذلك بوضعه الحجر في رداء رفعه ممثلوا القبائل والبطون ووضعه بيده في مكانه النهائي، وقد حدثت تلك الحادثة وعمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) يناهز الخامسة والثلاثون.

 

وإذا شئنا أن نشخص أبرز الأحداث السياسية والفواصل التي مرت بها الدعوة، فقد مرت الدعوة والنضال الإسلامي بثلاث مراحل رئيسية:ـ

أولاً ـ مرحلة الدفاع: وتبدأ من مباشرة الدعوة عام 610 م إلى الهجرة ليثرب عام622.

ثانياً ـ مرحلة التوازن: وتبدأ من الوصول إلى يثرب عام622 م إلى فتح مكة عام630 م.

ثالثاً ـ مرحلة التفوق: وتبدأ من فتح مكة عام 630 م.

 

أولاً :  مرحلة الدفاع ابتدأت الدعوة إلى الدين الجديد

كانت زوجة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأبن عمها المسيحي ورقة بن نوفل، أول من آمن به، وكذلك صديقه أبو بكر الصديق، وربيبه زيد بن حارثه، وأبن عمه علي بن أبي طالب، وعدد قليل من المقربين إليه بما فيهم عدد من العبيد والأرقاء الذين مثل انتمائهم إلى الدين الجديد مسالة لها مغزاها الاجتماعي والسياسي العميق في مجتمع طبقي كمجتمع مكة " وما نراك أتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي" 27 هود).

* وانتهت فترة العمل السري التي دامت ثلاث أو أربع سنين، لم يزد فيها عدد المسلمين عن الأربعين شخصاً،

* ولم يكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يبحث عن المال والزعامة الأرستقراطية، وكان قد قرر التخلي عن تلك الإطارات التي كانت بلا مضمون جوهري، فهو أساساً ينتمي إلى قبيلة قوية وأسرة نبيلة، ولكنه كان قد أكتشف مبكراً زيف تلك العلاقات وأنسلخ عنها.

* ومن دروس الدعوة أيضاً، أن الرسول(صلى الله عليه وسلم) واجه معارضة قوية من أسرته وقبيلته أولاً

* وعندما أدرك الرسول(صلى الله عليه وسلم)، أن قيادة مكة الوثنية سوف لن تدعه يواصل بسلام بناء مشروعه السياسي، إذ كانت قيادة مكة الأرستقراطية ترى فيه خطراً يهدد مصالحها الاقتصادية وعلى اعتقادهم بتعدد القوى الغيبية Polytheism الذي كان يتيح لهم مواصلة استغلال عبادة ألآله لأغراضهم الاجتماعية والاقتصادية.

في هذه المرحلة التي ستقتصر فعالياتها على الدفاع السلبي مع أبداء المرونة في العمل، التقدم، ثم التراجع، وإزاء الاضطهاد المتصاعد من قيادة مكة الوثنية، أدرك الرسول (صلى الله عليه وسلم)أن الاضطهاد والملاحقة يقلصان فرص العمل والنشاط، إضافة إلى تأثير ذلك على معنويات المسلمين، فأمرهم بالهجرة إلى الحبشة وكانت أول هجرة للمسلمين وعددهم 83 رجلاً عدا النساء والأولاد.

 

* ولم يلحظوا في الإسلام وفي الرسول(صلى الله عليه وسلم)، سوى خطراً يخلخل قواعد وأسس مجتمعهم الذي ضمن لهم حتى ذلك الوقت مصالحهم الاجتماعية.

وبعد هجرة عدد من المسلمين إلى الحبشة، أدركت قيادة مكة، أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقوم بمناورات تكتيكية، وليس في وارد خططه، التسليم للضغوط أو للأبتزازات، أو الخضوع للإرهاب والاضطهاد. ومع أن مناورة الرسول(صلى الله عليه وسلم) كانت تعني في ثناياها تجنب الاصطدام المباشر، فميزان القوى كان ما يزال دون شك، وبنسبة كبيرة يميل لصالح الأرستقراطية المكية، التي كانت قد شددت من عزمها على القضاء على تحركات الرسول(صلى الله عليه وسلم). وذلك بالتوجه إلى أهله وقبيلته بالتخلي عن حمايتهم له. فلما رفض عم الرسول(صلى الله عليه وسلم) أبو طالب التخلي عن أبن أخيه، وإزاء هذا الموقف وعندما شعرت القيادة الوثنية الأرستقراطية بأن أتباع الرسول(صلى الله عليه وسلم) قد هاجروا إلى الحبشة، وقد أمتنع الملك الحبشي من تسليمهم، وكان إسلام حمزة وعمر بن الخطاب قد ساعد على تعزيز مواقع الإسلام اجتماعياً إذ بدأ بالانتشار بين أفراد القبائل. آنذاك، اجتمعت قيادات قريش ومكة وقرروا تأسيس حلف يتعاهدون فيه على مقاطعة المسلمين تجارياً واجتماعياً، وسجلوا ذلك الحلف تحريرياً وعلقوه على جدار الكعبة وسمي بحلف (الصحيفة).(13)

 

* اتخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم)قراراً سياسياً في بالغ الأهمية، إذ توجه إلى الطائف بقصد أن ينال فيها الحماية، وليتخذ منها قاعدة لعمله ونضاله. بيد أن تلك المحاولة أخفقت، إذ كانت تأثيرات فئات مكة الوثنية، وضغوطها قد وصلت إلى الطائف، وتصدى له زعماء تلك البلدة وطاردوه إلى خارجها.

 

* ومع أن الآمال بدت ضعيفة في تلك المرحلة في إمكانية تجاوز طغيان أرستقراطية مكة وأثروتصميمها على تصفية الرسول (صلى الله عليه وسلم)والمسلمين. في تلك الظروف الصعبة، أتصل به عام620 م جماعة من أهل يثرب من قبائل الخزرج والنجار يبلغ عددهم 12 رجلاً، وكان ذلك في الواقع نتيجة جهد كان قد بذله الرسول (صلى الله عليه وسلم)في موسم الحج السابق عند حضورهم إلى مكة. فالتقى الرسول(صلى الله عليه وسلم) الوفد في مكان يقال له (العقبة) وفيها اعترفوا بنبوته وبالطاعة له ولزعامته، وتعهدوا بطاعة تعاليم الله. وقد أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم)معهم إلى يثرب مندوباً عنه يعلمهم الدين ويقرأ لهم القرآن، وسميت تلك " بيعة العقبة الأولى ".

 

وفي السنة الثانية 621 كان مندوب الرسول (صلى الله عليه وسلم)قد نجح في مهمته ومساعيه بإقناع المزيد من أهالي يثرب بالانتماء إلى الإسلام، وكانت القبائل المقيمة في يثرب وأطرافها تعيش في جو من التنافس والمشاحنات التي تهدد بنشوب اقتتال دموي. وحضر المندوب إلى موسم الحج وقد أحضر معه عدداً كبيراً من أهالي البلدة، 73 رجلاً وامرأتين، قاموا بتأكيد ولائهم للرسول وللعقيدة الإسلامية، وعاهدوه على أن يصيبهم ما يصيبه، وتلك إشارة واضحة إلى إعلان الحماية، وقد سميت تلك "بيعة العقبة الثانية " وهي إشارة سياسية مهمة للغاية، إذ ستشكل المعبر إلى المرحلة الثانية.

 

وقبل أن نختتم مرحلة الدفاع المكية، لا بد لنا من مراجعة وتحليل هذه الفترة، فقد كان الإسلام قد بلغ من النضج العقائدي

 

أولاً: العامل الروحي واليقين الفكري والأيديولوجي والقناعة الذاتية.

ثانياً: مصلحة اجتماعية تكمن في الأهداف السياسية للإسلام تنطوي على المساواة والعدالة والفرص المتكافئة.

وبهذا المعنى أنظم وانتسب إلى الإسلام شبان من عائلات كبيرة ووجهاء تخلوا عن امتيازاتهم الاجتماعية.

وقد استخدم الرسول(صلى الله عليه وسلم) تاكتيكات صائبة، فعندما كان جسم الإسلام لما يزل فتياً غضاً، تجنب الاصطدام بالوحش الوثني الذي لم يكن يتوانى عن تسديد ضربات موجعة، وربما مميتة، بل اتبع أساليب المرونة، وربما التراجع خطوه (الهجرة نحو الحبشة)، لكن دون التخلي عن الهدف الرئيسي، متقدماً دون هوادة غير عابئ بما يحيط بشخصه من أخطار وتهديدات وإغراءات، وقد تجنب مقابلة الاضطهاد بالعنف(وهو ما يمنح المرحلة سمة الدفاع) تجنباً لتعريض المسلمين إلى مخاطر عمليات تصفية كاملة أو إبادة، وهو ما كان سيحقق لأرستقراطية مكة الوثنية هدفها. ولكن الإرهاب الوثني كان يشتد كلما فشلت أساليبهم في تصفية المسلمين وإيقافهم عند حدودهم، وتحويلها إلى مجرد حركة غاضبة متمردة سيتم تصفيتها طال الزمن أو قصر. وكانت شخصية الرسول(صلى الله عليه وسلم) دون ريب ذات ثقل مؤثر في عموم العملية السياسية في كافة أبعادها ومراحلها، وهو ما كان يمثل أهمية كبرى في تلك العصور.

 

كانت إذن العقبة الثانية 621 ذروة المرحلة الأولى ـ الدفاع ومن بعدها سيجري الإعداد للمرحلة الثانية ـ التوازن التي ضمن فيها الرسول(صلى الله عليه وسلم) أو كاد. وفي مثل تلك الظروف، أتخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم)قراره الاستراتيجي الكبير بالهجرة على يثرب. "والهجرة لم تكن في واقع الأمر هرباً أو هزيمة، بل كانت انفصالاً عن القبيلة وعن العائلة واستبدالاً لرابطة الدم برابطة العقيدة المشتركة" (16)

 

 

ثانياً : الهجرة إلى المدينة ـ مرحلة التوازن

 

قرار سياسي حاسم:

كنا قد توصلنا إلى هجرة الرسول(صلى الله عليه وسلم) والمسلمين من مكة إلى يثرب لم تكن فراراً من جور وإرهاب وظلم، رغم أن ذلك كان حاصل فعلاً، فقد طرحت مغريات كثيرة على الرسول (صلى الله عليه وسلم)، سواء ما يتصل منها بالزعامة والنفوذ، أو المال. ولكن الرسول(صلى الله عليه وسلم) أدرك بثاقب بصره الاستراتيجي، أن المطاولة مع ضغط المشركين وقيادة مكة الأرستقراطية سوف لن يؤدي إلى تطوير العمل والدعوة والاقتراب من الهدف، بل إلى الجمود. وأن تأسيس قاعدة أمينة لتكون مقراً ومنطلقاً للجماعة الإسلامية(وقد وفرت يثرب تلك المستلزمات.

تم تنفيذ هذا القرار السياسي الحاسم، في الهجرة من مكة إلى يثرب(وسوف نطلق عليها من اليوم المدينة)، بدقة وانضباط عال تحت تأثير اضطهاد قريش والمشركين وظروف ذاتية وموضوعية أخرى تمثلت بوفاة عمه أبو طالب(الذي كان يوفر له الدعم ضمن القبيلة)، ووفاة زوجه السيدة خديجة(المعين الاقتصادي والعائلي)، فإن العمل السياسي كاد أن يتوقف، فكان لا بد للرسول من قاعدة، قاعدة حصينة يتخلص فيها من الجمود، ومنها ينطلق لاسيما وأن هجرته إلى المدينة جاءت بعد محاولات فاشلة لإيجاد القاعدة والحماية له في الطائف، بتأثير ونفوذ قيادة مكة.(19)

 

فالهجرة إذن كانت قراراً عبقرياً وتوقيتاً سليماً في إطار عملية السجال الاستراتيجي بين الجماعة الإسلامية والمشركين، وتدشيناً للمرحلة الثانية من الصراع. فقد كانت المرحلة الأولى(الدفاع)، ضمنت الحركة من خلف خطوط دفاعية، مع القيام ببعض الفعاليات التي تدخل في إطار النضال السلبي، وتلك المرحلة استنفذت شروطها ولم تعد المراوحة في موقع الدفاع أمراً يقيد العمل السياسي، بل أن العمل السياسي بمفرده لم يعد كافياً، فلابد أن يرافقه تحرك محسوس أكثر فاعلية، تحرك يوازي النضج النظري، يعززه ويدعمه التحرك السياسي، ولا نقصد هنا سوى التحرك العسكري، وكان ذلك هو جوهر بيعة العقبة الثانية 621 التي سميت ببيعة الحرب، وعندما عاهد الرسول(صلى الله عليه وسلم) مندوبوا مدينة يثرب على الدفاع عنه وحمايته القتال معه وهذه تحدث للمرة الأولى خارج إطار التحالفات القبلية، وخارج الولاءات العائلية الأسرية، بل ولاء للعقيدة والجماعة الإسلامية.

 

الهجرة كانت صفحة مهمة من صفحات السجال الاستراتيجي، وبها أفتتح الرسول(صلى الله عليه وسلم) صفحة التوازن، وفي هذه الصفحة سوف يتبادل الهجمات مع قيادة مكة، ثم منتزعاً المبادرة منها.

وفي جرد وتحليل لمستودع القوى والفئات الاجتماعية والسياسية ومواقفها. ففي الأساس كان هناك أولئك الذين دعوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) واتصلوا به بمكة وهم أفراد من قبائل شتى، من الخزرج وأوس والنجار بصفة رئيسية، وفيهم الرجال والنساء، وفيهم قادة وزعماء في قبائلهم، وكانت مبايعة هؤلاء في العقبة الثانية 621، التي بايعوا الرسول(صلى الله عليه وسلم) كقائد وزعيم، على أن يصيبهم ما يصيبه، أي القتال معه وسميت ببيعة الحرب. وقد نزلت بعد العقبة الثانية الآية التي تأمر الرسول(صلى الله عليه وسلم) بالقتال، ولكن قبل ذلك يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى. وقد أطلق على هؤلاء الذين اسلموا وبايعوا الرسول(صلى الله عليه وسلم) ثم استقبلوه في المدينة بالأنصار، فيما سميّ المسلمون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة بالمهاجرين، وقد مثلت هاتان الفئتان، عماد قوى المعسكر الثوري(20)

كما كانت المدينة تضم ثلاث جماعات من اليهود وهم: بنو قينقاع وبنو النظير وكانوا حلفاء لقبيلة أوس، وسيشكل هؤلاء القوى الرئيسي لمعسكر الأعداء المحتملين. وبرز في المدينة تيار انتهازي ممن أطلق عليهم بالمنافقين (*)

 

الدولــة:

تلك هي الظروف من مخاطر الأمن الخارجي والداخلي، التي كان على الرسول(صلى الله عليه وسلم) مواجهتها، والشروع في نفس الوقت بتأسيس مقر للجماعة الإسلامية وقواها وأدواتها وأجهزتها،

وكان لابد من توفير كافة المستلزمات والشروط التي تكفل الوصول إلى هذا الهدف، فأول ما قام به الرسول(صلى الله عليه وسلم)، هو بناء المسجد الذي سيكون مقر الجماعة، ثم إصدار وثيقة التآخي بين المهاجرين والأنصار، وتأسيس الجيش الذي سيكون ذراع الدولة القوي. وكانت الإجراءات الثلاث تلك: الصحيفة(الدستور)، المسجد، الجيش،

 

* المسجد:

رمزاً للإسلام ومركزاً لأداء الشعائر وأيضاً.

ـ دائرة سياسية/عسكرية لتوجيه علاقات الدولة في الداخل والخارج.

ـ مدرسة علمية تشريعية يدور فيها التفسير والتشاور والاجتهاد.

ـ مؤسسة اجتماعية يتعلم فيها المسلمون النظام والمساواة.

ودون ريب فإن نقص الأموال والتجربة والخبرة كانت السبب في تحشد كل هذه المؤسسات في المسجد.(24)

 

* الصحيفة(الدستور):

هي الخطوة الثانية التي هدفت إلى تنظيم العلاقات الداخلية بين القوى وفئات المجتمع على اختلاف انتمائهم مع المسلمين أنفسهم ومع الفئات الأخرى لا سيما اليهود والنصارى وقد ضمت الاتجاهات الرئيسية التالية:

* الجيـش:

لم يسمح الرسول(صلى الله عليه وسلم) بالقتال قبل اكتمال النمو العقائدي والوصول إلى مرحلة النضج العقائدي الإيماني، فسوف يقاتل المسلمون أخوة لهم وأعمام وأبناء عمومة، وتلك مسألة ذات شأن خطير عند العرب. فقد قاتل المسلمون في بدر أخوة(قاتل الزبير أخاه العباس، وعلي بن أبي طالب أخاه عقيل) وقبل أن يصل عددهم إلى درجة تحول دون أبادتهم وتشتيتهم وقبل تأسيس الدولة، كما أن الاستخدام المبكر للسلاح كان سيزعزع من تكاتف القبائل من حوله، ثم نزلت أولى الآيات التي تدعو المسلمين إلى القتال في أواخر العهد المكي ومطلع العهد المدني ومنها:" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، ولو دفع الله بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها أسم الله كثيراً" 39 ـ سورة الحج

 

 

ثالثاً : فتح مكة ـ مرحلة التفوق

 

مثل فتح مكة إذن النهاية الحاسمة لمرحلة التوازن التي أزاحت من أمام الرسول(صلى الله عليه وسلم) والدولة الإسلامية أخطر الأعداء وأصعب العقبات المتمثلة بقيادة مكة الأرستقراطية الوثنية وثقلها السياسي والعسكري والديني والاقتصادي. وغدت مكة التي كانت مركزاً مهماً على هذه الأصعدة في قبضة المسلمين. ومع أن الرسول(صلى الله عليه وسلم) لم يتخلى عن المدينة كعاصمة ومقر للدولة الإسلامية، إلا أن مكة لم تفقد أهميتها الدينية والتجارية.

 

وإذا كانت مرحلة التوازن قد أنقضت، فقد دخل الرسول(صلى الله عليه وسلم) والمسلمون مرحلة التفوق والمبادرة بالهجمات بكل جدارة واستحقاق، فإن أولى الأهداف السياسية /العسكرية المقبلة تمثلت بتصفية ما تبقى من جيوب الوثنية والأرستقراطية /البطريركية (Patriarchy) العربية في عموم منطقة وسط شبه الجزيرة العربية، وأحكام السيطرة عليها، ومن ثم على كامل منطقة وسط شبه الجزيرة. فالدولة الإسلامية ماضية لتحقيق سيادتها الخارجية وعلى نطاق متسع، وبذلك نستكمل فعلاً شروط الإدارة المركزية والدولة .

 

ـ تطور نظام الحكم والشريعة :

كان النظام السياسي والاجتماعي في مكة وسائر مناطق وسط شبه الجزيرة على النحو الذي ذكرناه في مطلع بحثنا، تحت هيمنة أرستقراطية مكة الوثنية الاقتصادية والثقافية، والسياسية وأيضاً، وقد تمكنت من تطوير النظام القبلي الجنتيلي(Gentile) البدوي إلى نظام أرستقراطي /ب طريركي (Patriarchy) مستقر في المدن والواحات الكبيرة، في حين استمرت النظم والقوانين القبلية العرفية سائدة كنظام قانوني.

 

ــ فالنظام الإسلامي في جوهره هو نظام لارأسمالي، لأن النظام الربوي(financial capitalism) هو جوهر النظام الرأسمالي المالي.

ــ إذن فالرؤية الاستراتيجية للرسول، قد أستقرات أهمية العلاقات الخارجية منذ مرحلة التوازن،

ــ مثلت تلك الخطابات والردود عليها أولى الاتصالات والعلاقات السياسية الخارجية للإسلام

 

ومرة أخرى تبرز موهبة الرسول(صلى الله عليه وسلم) في الاستقراء على الصعيد الاستراتيجي وإدراكه التام أن لتلك القوى العظمى الأجنبية الدخيلة من يحالفها ويعمل لصالحها من أبناء المنطقة، سواء من رضخ لقوتها أو سايرها عقائدياً فقد أجل الرسول(صلى الله عليه وسلم) الاصطدام بتلك القوى قبل أن يصفي صلاتها الداخلية، وأحكام سيطرة الدولة الإسلامية على الموقف الداخلي، وقد بدء هذا الهدف يتحقق عندما أنظمت القبائل النصرانية(على التخوم) إلى الإسلام وتصفية الزعامات الوثنية تصفية تامة بعد فتح مكة.

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Dr. Dergham Aldabak

drdurgham@yahoo.de

ؤر التوتر/ أجنة الحروب :

بلوشستان

 

ضرغام الدباغ

 

 

بلوشستان؛ هي موقع جغرافي تاريخي يقع جنوب وغرب آسيا ويشمل أجزاء من باكستان وإيران وأفغانستان، سكانه الأصليون من العرقية البلوشية ويتوزعون في الدول الثلاث. وتقع بلوشستان تحديدا، في أقصى الجنوب الشرقي للهضبة الإيرانية وتحدها الصفيحة الهندية وساحل بحر العرب. كما تضم مناطق من جنوب غرب باكستان فيما يعرف بإقليم بلوشستان الباكستاني، وعاصمته مدينة كويتا، وجنوب شرق إيران فيما يعرف بسيستان بلوشستان وعاصمته زاهدان، وأجزاء من جنوب أفغانستان بشكل رئيسي في مقاطعة نمروز وهلمند وقندهار.

الأهمية الجغرافية

وأصبحت المنطقة في العقود الماضية ذات أهمية جغرافية واستراتيجية كبيرة نظرا لربطها الدول الثلاث ولإطلالها على بحر العرب وخليج عُمان بوصفه إحدى الطرق التجارية المهمة في مشروع الممر الاقتصادي المشترك بين الصين وباكستان، والمشاريع التجارية الأخرى التي تستهدف المنطقة.

إلا أن توزع البلوش بين ثلاث دول(باكستان، إيران، افغانستان) والتميز الجغرافي وتضاريسها، دفع لظهور ما يعرف بـ "جيش تحرير بلوشستان" إلى جانب عدة حركات سياسية/ مسلحة، في مناطق تواجد البلوش، وقيام منظمات انفصالية مسلحة، تهدف لتأسيس دولة بلوشية ذات سيادة وشن النضال المسلح . 

صراع بلوشستان والمسألة البلوشية

أدى انبثاق حركات مسلحة، وتطرح طموحاً قومياً يتمثل بإقامة دولة مستقلة، وخوض حرب عصابات يشنها القوميين البلوش ضد حكومات باكستان وإيران في منطقة بلوشستان، التي تغطي إقليم بلوشستان في جنوب غرب باكستان، مقاطعة سيستان وبلوشستان في جنوب شرق إيران، وفي منطقة بلوشستان في جنوب أفغانستان. المنطقة غنية بالموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي، النفط، الفحم، النحاس، الكبريت، الفلوريد والذهب،  لكنها هي أقل محافظة نموا في باكستان،  ويطمح البلوش للتوصل إلى حكما ذاتيا أوسع، زيادة مدخولها من إيرادات الموارد الطبيعية المحلية، ودولة قومية مستقلة في عقد 2010، وشهد النضال البلوشي تصاعداً ضد نظام الملالي في طهران، باعتبار التناقض الديني يضيف إلى حدة التناقضات طابعاً طائفياً، قد لا يكون مطروحاً بهذه الحدة في أفغانستان وباكستان.

منطقة النزاع

تغطي بلوشستان التاريخية الجزء الجنوبي من مقاطعة سيستان وبلوشستان في إيران في الغرب، وفي عام 2005، بدأ تمرد البلوش ضد جمهورية إيران الإسلامية. المعركة على مدى منطقة البلوش الإيرانية على الحدود مع باكستان، قد «لا يكتسب» من خلالها ما يصل من أراضي في الصراع في باكستان.  

 

محافظة بلوشستان الباكستانية في الشرق، وفي الشمال الغربي، مقاطعة هلمند بأفغانستان يشكل خليج عمان حدودها الجنوبيةتكون الجبال والصحراء جزء كبيرا من تضاريس المنطقة. يعيش معظم البلوش في الجزء الذي يقع داخل حدود باكستان.

النزاع في إيران

موقع محافظة سيستان وبلوشستان في إيران، وهي المقاطعة ذات الأغلبية البلوشية. في 2014، كان يعيش مليوني شخص من قومية البلوش في إيران. في 1928، اعترف حكومة إيران البهلوية الجديدة أنها تعتني وتنتبه لمنطقة بلوشستان. رفض دوست محمد خان بلوش الاستسلام، الذي يحظى بثقة كبيرة في شبكة من التحالفات التي تأسست في محافظة سرهد الجنوبية. ومع ذلك، وصل جيش الشاه قريبا تحت قيادة الجنرال الأمير أمان الله جاهانباني إلى المنطقة، لحل هذه التحالفات. قافل دوست محمد خان مع قوة صغيرة نسبيا وقلة من حلفائه وذلك دون أن ينتبهوا للنتيجة بالقتال. واجه الجيش الفارسي صعوبة بسيطة في هزيمتهم. استسلم دوست محمد خان بلوش أخيرا وعاش في طهران. بعد سنة، نجا من محاولة فاشلة لقتله عن طريق قتله بواسطة قناص. أعيد القبض عليه وقتل من قبل حراسه عن طريق شنقه بعد تعذيبه.

شكا النشطاء البلوش من الحكم الجديد الذي أكد المركزية والهيمنة من قبل الفرس، "دفع ذلك المجتمع البلوشي وغيرها من الأقليات الأخرى إلى المقاومة لحماية حقوقهم". وتتهم جهات بارتكاب جرائم بحق الشعب البلوشي في إيران. اعتبرت الثورة الإسلامية الشيعية البلوش السنة أنهم يشكلون «تهديدا». توجد في سيستان وبلوشستان، المحافظة التي يتركز فيها البلوش في إيران، أسوء معدلات العمر المتوقع، معرفة القراءة والكتابة عند الراشدين، التسجيل في المدارس الابتدائية، استعمال المياه الصالحة للشرب والتطهير وكذلك معدل وفيات الأطفال في هذه المحافظة في إيران. تظم المقاطعة موارد طبيعية هامة (الغاز الطبيعي، الذهب، النحاس، النفط واليورانيوم)، ومع ذلك، لدى المحافظة أدنى معدل دخل للفرد الواحد في إيران. يعيش %80 من البلوش تحت خط الفقر.

الهجمات من قبل المتمردين

في وقت مبكر من عقد 2000، بدأت الجماعة الإسلامية المتطرفة جند الله في أنشطتها في بلوشستان. تفرعت المنظمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في كل من إيران وباكستان. من 2006 إلى 2010، قتل ما بين 254–346 شخص في موجة عنف قامت بها جند الله في إيران. شملت الهجمات في إيران تفجيرات في زهدان في 2007، وقتل فيها 18 شخصا، وتفجير أخرى في 2009 وقتل فيها 20 شخصا. في 2009، قتل 43 شخصا في تفجير في بيشين. في يوليو 2010، قتل 27 شخصا في تفجيرات في زهدان. في 2010، وقع انفجار انتحاري في شاباهار وقتل فيه 38 شخصا.

كان من بين قتلى تفجير بيشين اثنين من جنرالات الحرس الثوري الإيراني: نور علي شوشتاري، نائب قائد القوات البرية للحرس الثوري، ورجب علي محمد زاده، القائد الإقليمي للحرس الثوري في سيستان وبلوشستان.

في 2010، قتل زعيم جند الله عبد المالك ريغي، وساهم هذا في تفكك الجماعة، لكن لم تنتهي هجمات المتمردين. في أكتوبر 2013، قتلت جماعة جيش العدل 14 حرس حدود إيراني في كمين في مدينة رستك، بالقرب من مدينة سراوان. بعد وقت قصير من هذا، أعدمت السلطات الإيرانية 16 بلوشيا بتهم ابتدأت من الإرهاب إلى الاتجار بالمخدرات.

قتلت جماعة أخرى هي حركة أنصار إيران مسؤولين اثنين في الباسيج وجرحت عددا من المدنيين في تفجير وقع في أكتوبر 2012 استهدف جامع الإمام الحسين، في مدينة شاباهار مقاطعة سيستان وبلوشستان

 

ويعتقد خبراء في الشأن البلوشي، " أن السلفيون يلعبون دورا محوريا في دعم جند الله " وهم جماعتي جيش العدل وحركة أنصار إيران. " تؤكد بيانات جيش العدل وحركة أنصار إيران على معاداة الشيعة. يرجع ذلك إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ذات النظام الصفوي، والذي ينسب إلى السلالة الصفوية التي قامت بنشر المذهب الشيعي في إيران ". إيران قلقة أيضا من العمليات المشتركة التي تقوم بها هاتين الجماعتين مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضد الشيعة.

اتهمت إيران الولايات المتحدة بدعم جند الله "لسنوات ". تصنف الحكومة الأمريكية حسب مسؤوليها جند الله كمنظمة إرهابية، ونفت هذه التهمة أغضبت حركة أنصار إيران الحكومة الإيرانية لاستعمالها الأراضي الباكستانية كملجأ، وهددت بشن عمليات عسكرية في باكستان لمواجهة المجموعات الإرهابية " في عدة مناسبات ".

 

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

drdurgham@yahoo.de

 

 

إغراق مدمرة العدو إيلات

 

 

البحرية المصرية تغرق إيلات

 

ضرغام الدباغ

 

في يوم 21/ تشرين 1 ــ أكتوبر / 1967، كنت برتبة ملازم أول آمر سرية في الفوج التاسع/ ل1 حدود (قوة سيارة)، وكانت سريتي تعسكر على الطريق الموصل بين سرسنك والعمادية والموقع يسمى تل العنب وهو يبعد نحو 10 كم عن سرسنك، ومثلها 10 كم عن العمادية.

وأبتدأ بعد حلول الظلام، لم يكن لدى الضباط شيئ يفعلونه سوى القراءة وسماع الراديو. والاعمال التقليدية في معسكر السرية. وكان معي في مقر السرية فصيل مشاة، وآمره الملازم لقمان ياسين. وفي الأيام التي حرب حزيران كانت كئيبة، والأنباء تبعث على الحزن والقلق،، ونبحث عن نبأ لا ينطوي على سوء ، أو النزر اليسير من الأمل ... كانت أيام صعبة .... صعبة للغاية.

بواسطة الراديو الممتاز وكان من نوع (سوني) يلتقط كافة المحطات التي أريدها، وفي هدأ الليل الشتائي البارد في تلك الجبال، وإذ بالراديو ينقل لنا خبراً وما ألذه من خبر ... " تمكنت القوات البحرية العربية المصرية، من إغراق المدمرة إيلات لبحرية العدو الصهيوني بواسطة صاروخين سطح ــ سطح، في البحر الأبيض المتوسط، نحو 15 كم عن شمال ميناء بورسعيد ....... صوت العرب من القاهرة ..!)

فتملكتني نوبة فرح غير طبيعية، خرجت من غرفتي وبيدي بندقية آلية، وأطلقت صلية من 28 طلقة بضغطة واحدة على الزناد. والمنطقة تعج بقطعات من الجيش العراق والحدود، وبعد دقائق، شاهدنا العتاد المذنب (الخطاط) ينطلق من مواقع أخرى ... الكل فجر احتقانه يعلن عن بهجته ..وفي موقع فوجنا (سرسك) حين علموا أن سريتنا أطلقت الرصاص، انتابهم القلق ، ولكن آمر الفوج كان رجلا حصيفاً، ويعرفني جيداً، قال لهم " لا تقلقوا ... هذه السرية الأولى، سرية ضرغام تطلق النار ابتهاجاً بإنجاز البحرية المصرية " وكانت الإذاعات العربية تذيع الخبر السار مرات عديدة وتكرره.

المجد والخلود لشهداء البحرية العربية المصرية وكل الجنود العرب حيثما كانوا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

عملية المدمرة إيلات

 

هي عملية إغراق المدمرة البحرية الإسرائيلية «إيلات» من طراز HMS Zealous\ R39 بعد قيام القوات البحرية المصرية بإغراقها في البحر الأبيض المتوسط أمام مدينة بورسعيد في 21 تشرين 1/ 1967 بعد أربع أشهر من نكسة 67، وهي عملية مختلفة تماماً عن عمليات الهجوم الثلاث على ميناء إيلات الإسرائيلي والتي أُغرقت خلالها 4 سفن نواقل وجرى تفجير الرصيف الحربي للميناء.

 

ما قبل العملية

قامت إسرائيل بشراء المدمرة من إنجلترا واسمها Zealous في حزيران عام 1956 مع مدمرة أخرى تُسمى(  يافو ) اشتركت المدمرة إيلات في العدوان الثلاثي 1956 .

شهدت الفترة التي تلت حرب حزيران 1967 وحتى أوائل آب 1970، أنشطة قتالية بحرية بين الجانبين وكان كلاهما يهدف إلى إحداث أكبر خسائر في القوات البحرية للطرف الآخر بغرض إحراز التفوق وتحقيق السيطرة البحرية ويعرف هذا النوع من القتال البحري في فنون الحرب البحرية بالأنشطة القتالية الروتينية للقوات البحرية.

بعد حرب حزيران 1967 أمرت قيادة الجيش الإسرائيلي بأن تخترق المدمرة إيلات المياه الإقليمية المصرية وتدخل المنطقة البحرية لبورسعيد، مستغلة قوة الردع المتمثلة لديها في تفوقها الجوي ومدفعيتها الرابضة على الضفة الشرقية للقناة، مهددة مدنها في انتهاك المياه الإقليمية المصرية في البحرين المتوسط والأحمر، وقد تصورت القيادة الإسرائيلية عدم قدرة القوات المصرية على منعها من ذلك. وفي 11 حزيران 1967 ضربت المدمرة (السرب المصري) الذي كان يمر بجانب المدمرة فاشتبك معها وأغرقته المدمرة. السرب المصري كان يقوده الضباط عوني عازر وممدوح شمس، استمرت المدمرة بقيادة «إسحاق شيشان» في اختراق المياه المصرية إلى يوم 18 / تشرين 1/ 19671 فقررت القيادة السياسية المصرية إعطاء الأوامر للقوات البحرية بضرب المدمرة وإغراقها، وفي يوم 21 / تشرين 1/  1967 صدر أمر بالاشتباك مع المدمرة وتشكّلت فرقتين للقيام بالمهمة، الفرقة الأولى كانت بقيادة النقيب أحمد شاكر ومساعده الملازم أول حسن حسني وكانا على اللنش 504، أما اللنش الثاني 501 كان يقوده النقيب لطفي جاب الله بمساعدة الملازم أول ممدوح منيع.

 

كانت المعلومات تصل لهم أولاً بأول من قيادة بورسعيد البحرية التي كانت تتابع تحركات المدمرة، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ. ومن هذه الأعمال الاستفزازية دخول المدمرة إيلات ومعها زوارق الطوربيد من نوع غولدن، ليلة 11/12 تموز 1967 داخل مدى المدفعية الساحلية في بورسعيد، وعندما تصدت لها زوارق الطوربيد المصرية فتحت إيلات على الزوارق وابلاً من النيران.

 

تفاصيل المعركة

في الساعة 9:30 مساء 11 / تموز / 1967 رصد رادار (قاعدة بورسعيد البحرية) هدف متحرك على بعد 18 ميل بحري من (نجمة بورسعيد)، فأصدر (قائد القاعدة) العقيد الركن بحري/ سميح إبراهيم، أمراً برفع درجة الاستعداد سرب لنشات الطوربيد بقيادة النقيب/ عوني عازر، وفي الساعة 10:30 مساء اجتمع قائد القاعدة مع النقيب عوني عازر بحضور (قائد مجموعة لنشات الطوربيد) في (مركز عمليات قاعدة بورسعيد)، وأثناء الاجتماع أوضح قائد القاعدة للنقيب/ عوني تفاصيل المهمة الروتينية المكلف بها وهي الانطلاق بسربه واستطلاع الهدف المشتبه به وفي حالة تأكده من اختراق الهدف للمياه الإقليمية المصرية يقوم باستدراجه إلى داخل مدى مدفعية (المدمرة السويس) الراسية في ميناء بورسعيد، مع العمل على تفادي الاشتباك مع الهدف المعادي (لاحتمال وجود الهدف خارج حدود المياه الإقليمية)  إلا في حالة تعرض سربه للاعتداء المباشر.

 

وفي الساعة 10:45 مساءاً انطلق السرب المكوّن من لنشين طوربيد الأول بقيادة النقيب/ عوني عازر ومساعده الملازم / رجائي حتاتة "، والثاني بقيادة النقيب/ ممدرح شمس ومساعده الملازم أول / صلاح غيث، وفي مسار الانطلاق حدث خلل في جهازي الرادار للنشين مما أدى إلى عدم تمكن سرب اللنشات من رصد الهدف.

 

وفي الساعة 12:15 صباحاً رأى قائد السرب (النقيب/عوني عازر) أن الهدف المعادي يقترب منه بسرعة " تبين بعد ذلك أنها المدمرة الإسرائيلية إيلات"، وفي الساعة 12:20 ظهرت أهداف معادية " تبين بعد ذلك أنهما لنشي طوربيد إسرائيلية طراز (ملان) "، وقامت بضرب السرب المصري في تحدي سافر للقوانين الدولية، فأبلغ قائد السرب قيادة القاعدة أنه قرّر الاشتباك مع الأهداف المعادية لحقه في الدفاع عن النفس، وفي الساعة 12:46 أبلغ قيادة القاعدة باشتعال الحريق في اللنش رقم 2، وبذلك تم تحييده لعدم قدرته على مشاركة لنش القيادة في المعركة،

 

وفي الساعة 12:50 أبلغ لنش القيادة القاعدة بأنه أُصيب إصابة بالغة تمنعه من الاشتباك. قامت المدمرة الإسرائيلية بإطلاق طلقات إضاءة لمنع لنش النقيب عوني من الخروج من دائرة الاشتباك، في هذه الأثناء قرر النقيب عوني المناورة بالدخول بِلنش القيادة وسط تشكيل القطع البحرية المعادية حتى يتجنب الإصابة، إلا أن قائد المدمرة الإسرائيلية أدرك خطته وقام بمناورة مضادة وهي الابتعاد عن لنش القيادة.

 

كانت مدفعية المدمرة إيلات عيار 40 ملم أكثر تأثيراً من مدفعية اللنشات المصرية عيار 25 ملم، وانهالت طلقات المدافع على لنش القيادة وقتل 5 من طاقم اللنش، فأمر النقيب عوني مساعدة الملازم أول/ رجائي حتاته بإخلاء اللنش من الأفراد الذين ما زالوا على قيد الحياة، وقرر القيام بعملية انتحارية وهي التحرك بأقصى سرعة صوب المدمرة الإسرائيلية للاصطدام بها في المنتصف، أدرك قائد المدمرة خطة النقيب/عوني وأمر بتركيز طلقات مدافع المدمرة نحو لنش القيادة وبالفعل تم تفجير اللنش على مسافة 30 مترا من المدمرة وأستشهد النقيب / عوني عازر ومساعده الملازم / رجائي حتاته، كما استشهد طاقم اللنش بالكامل، بينما أصيب ثمانية من طاقم المدمرة «إيلات» من جراء تبادل النيران مع أطقم الدورية المصرية البحرية ـ إضافةً إلى تدمير موتور رادار المدمرة وإصابات مباشرة للجانب الأيمن للسفينة.

 

تنفيذ عملية ضرب المدمرة إيلات

يوم 21 / تشرين الأول/ 1967 وصل اللواء أحمد إسماعيل علي إلى مركز قيادة الجبهة، ومعه العميد حسن الجريدلي رئيس عمليات الجبهة ليتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر في المنطقة شمال بورسعيد. استمرت المدمرة الإسرائيلية إيلات في العربدة داخل المياه الإقليمية المصرية ليلة 21 / تشرين 1 / 1967 في تحد سافر مما تطلب من البحرية المصرية ضبطا بالغاً للنفس إلى أن صدرت توجيهات إلى قيادة القوات البحرية بتدمير المدمرة إيلات. وعلى الفور جهز قائد القاعدة البحرية في بور سعيد لنشين من صواريخ (كومر) السوفيتية والجدير بالذكر أن لنش الصواريخ (كومر) السوفييتي مجهز بصاروخين سطح - سطح، من طراز (ستيكس) الذي تزن رأسه المدمرة واحد طن وكانت إجراءات الاستطلاع والتجهيز بالصواريخ قد تمت في القاعدة البحرية قبل الخروج لتدمير الهدف، وخرج لمهاجمة مدمرة العدو بغرض تدميرها وإغراقها كما أعدت بقية القطع البحرية في القاعدة كاحتياطي، بمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية، خرج لنشاً صواريخ من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة. هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب جانب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها، فلاحقها بالصاروخ الثاني فتم إغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات" على مسافة تبعد 11 ميلاً بحرياً شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 / تشرين 1 / 1967 وعليها طاقمها الذي يتكون من نحو مائه فرد إضافة إلى دورة من طلبة الكلية البحرية كانت على ظهر المدمرة في رحلة تدريبية. وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالي ميل بحري وعاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذي تم بسرعة وكفاءة. وطلبت إسرائيل من قوات الرقابة الدولية أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بعملية الإنقاذ للأفراد الذين نزلوا إلى الماء عند غرق المدمرة. استجابت مصر لطلب قوات الرقابة الدولية بعدم التدخل في عملية الإنقاذ التي تمت على ضوء المشاعل التي تلقيها الطائرات، ولم تنتهز مصر هذه الفرصة للقضاء على الأفراد الذين كان يتم إنقاذهم.

 

ردود أفعال الجيش المصري والإسرائيلي عقب العملية

كانت توابع تلك كارثة ليس فقط على البحرية الإسرائيلية بل على الشعب الإسرائيلي بأكمله وعلى الجانب الآخر فإن معنويات البحرية المصرية والشعب المصري بأكمله الذي ذاق مرارة الهزيمة في 5 / حزيران / من نفس العام ارتفعت كثيراً، وردت إسرائيل على هذه الحادثة يوم 24 / تشرين 1 / / 1967 بقصف معامل تكرير البترول في الزيتية بالسويس بنيران المدفعية كما حاولت ضرب السفن الحربية المصرية شمالي خليج السويس. وعجل حادث إغراق المدمرة إيلات بانتهاء إسرائيل من بناء 12 زورق صواريخ من نوع (سعر) كانت قد تعاقدت على بنائها في ميناء شربورج بفرنسا.

 

نتائج العملية

كان إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بواسطة 4 صواريخ بحرية سطح / سطح، هي الأولى من نوعها في تاريخ الحروب البحرية وبداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية واسترتيجيات القتال البحري في العالم فقد تم في هذه العملية تدمير مدمرة حربية كبيرة بلنش صواريخ للمرة الأولى في التاريخ.

 

وبعد نجاح المهمة صدر قرار جمهوري بمنح كل الضباط والجنود الذين شاركوا في العملية أوسمه وأنواط وأصبح غرق المدمرة إيلات في 21 / تشرين 1 /  1967م عيد للقوات البحرية المصرية، وأشادت الدوائر العسكرية بالشجاعة النادرة لقادة اللنشات المصرية وتم تسجيل هذه المعركة ضمن أشهر المعارك البحرية في التاريخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر

الموسوعة الألمانية (Wikipedia)

 

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات

drdurgham@yahoo.de

ستة قصائد

لـ"برتولد بريشت"

Bertolt Brecht

 


 د. ضرغام الدباغ

 


برتولد بريشت 1898 ـ 1956، شاعر ومسرحي ألماني كبير، عاش حياة شخصية وفنية وسياسية مثيرة، ناهض النظام النازي، مما اضطره عام 1933 إلى مغادرة بلاده والعيش في المهجر، ثم عاد إلى ألمانيا بعد نهاية الحرب عام 1947، وأختار العيش في الجزء الاشتراكي من ألمانيا. أسس في برلين مع زوجته هيلينا فايغل المسرح الشهير " برلين أنسامبل "
Berlin Ensemble كتب أعمالاً شعرية ومسرحية ترجمت وعرضت في كافة أرجاء العالم كما لم يحظى به أي كاتب مسرحي، ومن أشهر أعماله: " أوبرا القروش الثلاثة 1928 " و "الأم الطيبة وأطفالها 1939 " غاليلو غاليلي 1938 " ومن أعماله التي حظيت بشهرة خاصة في الوطن العربي " بونتلا وتابعه ماتي ".


ولكن برشت شاعر كبير كما هو في المسرح والدراما، وقد أخترنا وترجمنا ثلاث من أجمل اعماله، وأكثرها عمقاً ومغزى على الصعيد السياسي والاجتماعي.


ثلاث قصائد


ترجمة د. ضرغام الدباغ

 

1
شقيقي الطيار


(شارك الجيش الألماني في الحرب الأهلية الأسبانية إلى جانب فرانكو)

شقيقي كان طياراً
أستلم ذات يوم رسالة
حزم حقيبته
والسفر كان .... تقدم نحو الجنوب
شقيقي كان غازياً
التوسع : هو ما يحتاجه شعبنا
هو عندنا حلم قديم
وأرض لنحارب عليها
التوسع وأخي الصغير
يرقدان بنقاء في محيط كوادر ..........................(مدينة في اسبانيا)
بطول متر وثمانين
وعمق متر وعشرين.


------------------------

 

 

 

 

 

2


غلطة جنرال

يا جنرال، دبابتك عربة قوية
أنها تستطيع أن تحطم غابة، وأن تسحق مئة إنسان
ولكن لها غلطة واحدة :
أنها تحتاج إلى سائق

* * * *

يا جنرال، قاصفتك قوية
إنها تطير أسرع من العاصفة وتحمل أكثر مما يحمل الفيل
ولكن لها غلطة واحدة :
أنها تحتاج إلى طيار

* * * *

يا جنرال، الإنسان ضروري جداً
إنه يستطيع أن يطير، ويستطيع أن يقتل
ولكن لديه غلطة واحدة :
إنه يستطيع التفكير


 

 

3

أسئلة أبني الصغير

يسألني ابني الصغير : هل أدرس الرياضيات ؟
ولماذا، أردت أن أقول له. قطعتان من الخبز أكثر من واحدة
وبوسعك أن تدرك ذلك.
ابني الصغير يسألني : هل أتعلم الفرنسية ؟
ولماذا ، أردت أن أجيبه. هذه الإمبراطورية آيلة إلى الأسفل. مسدّ على بطنك وتأوه، و سيفهم المرء ما بك.
أبني الصغير يسألني : هل أدرس التاريخ ؟
ولماذا، أردت أن أقول له. تعلم كيف تدس رأسك في الأرض
وربما بذلك ستنجو.

نعم، تعلم الرياضيات، قلت له. تعلم الفرنسية، تعلم التاريخ !




 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

4

 

كومونة باريس : آذار ــ مارس / 1871

 

هي انتفاضة وطنية في المقام الأول، ضد الاحتلال البروسي / الألماني لأجزاء كبيرة من فرنسا، وصولاً إلى ضواحي باريس، عندما أنتفض الشعب رافضاً الاحتلال والهزيمة، أصطفت السلطة المهزومة من المحتلين وبدأوا بإبادة عشرات الألوف من جماهير الانتفاظة والشعب،  وكان وقود الانتفاضة الرئيسي بالطبع الكادحين والثوريين.

 

عن الثورة ودروسها كتب الشاعر الألماني التقدمي قصيدة ضمن مسرحية كتبها بأسم (يوميات كومونة باريس) إليكم نص القصيدة من ترجمتي.

 

لا أحد أو الكل

 

برتولد برشت : يوميات كومونة باريس

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

(1)

أيها العبد ... من سيحطم لك قيودك  ويحررك ..؟

أنت يا من تقبع في عمق الأعماق

هم الرفاق قادمون ليحررونك

هم من يسمعون صرخاتك ..

العبيد سيحررونكم

الكل او لا احد

الكل او لا شيئ

الفرد هنا ليس بوسعه إنقاذ نفسه

الكل أو لا احد ........  الكل أو لا شيئ

 

(2)

أيها الجياع ... من سيطعمكم ..؟

هل تريد أن تأخذ كسرة خبز ..؟

تعال إلينا .. الجوع عذاب ..!

دعنا نؤشر لك الطريق

الجياع سيطعمونك

الكل أو لا احد ........  الكل أو لا شيئ

الفرد هنا ليس بوسعه إنقاذ نفسه

إما البنادق أو القيود ..

الكل أو لا احد ........  الكل أو لا شيئ

 

(3)

أيها المعذبون ... سيثأرون لكم ..

وأنت من سيرد لهم الضربة ..

أنتظم في صفوف المقموعين ..

ونحن بكل ما يعترينا من ضعف ...

نحن أيها الرفيق من يثأر لك ..

الكل أو لا احد ........  الكل أو لا شيئ

الفرد هنا ليس بوسعه إنقاذ نفسه

إما البنادق أو القيود ..

الكل أو لا احد ........  الكل أو لا شيئ

 

 

(4)

الخاسرون، سيجازفون

الذين لم يعد يحتملوا شقائهم ..

أن ينهضوا ويوجهوا ضرباتهم

لابد عليهم أن يفعلوا ... ما ينبغي أن يكون

اليوم ....وليس الغد

الكل أو لا احد ........  الكل أو لا شيئ

الفرد هنا ليس بوسعه إنقاذ نفسه

إما البنادق أو القيود ..

إما لا شي أو الكل ... الكل أو لاشيئ

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Bertold Brecht : Die Tage der Kommune: Verlag Philipp Reclam jun. Leipzig 1883 , S. 71

 

 

 

5


إلى مواطني بلادي

 

شعر : برتولد برشت ـــ 1949

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

إليكم .. أنتم يا من تعيشون في مدن ميتة ..

ها أنتم ترحمون أخيراً بعضكم .. وفقرائكم لن يسحبوا إلى حروب جديدة ..

المسنون منكم لم يبلغوه ليعيشوه .. لذا

إنني أرجوكم أن تكونوا رحماء بينكم

رجالكم يلجئون اليوم أدوات البناء وليس للسكاكين ...

من أجل أن تسكنوا أخيراً تحت سقوف تحميكم ...

سوف لن تجلسوا على السكاكين ..

فالعيش تحت سقوف آمنة أفضل ..!

إنني أرجوكم أن تلجأوا إلى للبناء وليس للسكاكين ..

أطفالكم .. يترحمون عليكم من الحرب قاسيتموها..

أطفالكم ينبغي عليهم أن يربوا تحت أنظار آباءهم ..

هيا .. قولوا بصوت عال ..انكم لا تريدون العيش بين الأطلال

من أجل أن لا يعانوا ما أنتم قاسيتموه ..

أطفالكم .. الذين يترحمون عليكم من الحرب

أمهاتكم ... اللاتي عدتم إليهن ..

اللاتي صبرن على الحرب وتلك اللاتي لم يصبرن ..

إنني أرجوكم ... دعوا أطفالكم يعيشون ..

أنتم مدينون لهم بالحياة وليس بالموت ..

أيتها الأمهات ... دعوا أولادكم يعيشوا بسلام ...!

 

____________________________________________

Bertolt Brecht

Hundert Gedichte

1918 – 1950

 

 

 

6

 

قصيدة للسلام

 

برتولد برشت

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

سلاماً على عالمنا ....

سلاماً على حقولنا

وإلى كل من يقف

بثبات لا يعرف الوجل ....

 

********

سلاماً على بلادنا

سلاماً على مدننا

على الذين آووا بأمان إلى بيوتهم

سلاماً على بناة البيوت

 

 

********

سلاماً على بيوتنا

سلاماً على الساكن جوارنا

سلاماً على الجيرة المسالمة

لمن يشاركونك كل شيئ

 

****************

سلاماً على الساحة الحمراء

وعلى نصب لنكولن ...................................... 1

سلاماً على بوابة براندنبرغ .......................... 2

سلاماً على الراية التي ترفرف فوقها ..

 

**************

 

سلاماً لأطفال كوريا

وللرفاق في النايسة والروهر ..............................3

سلاماً إلى كادحي نيويورك

سلاماً إلى حمالي سنغافورة ............................... 4

 

****************

سلاماً للفلاحين الألمان

سلاماً للفلاحين في كل مكان

سلاماً للمعلم العظيم

وعلى مدينتك لينينغراد

*************

سلاماً للنساء والرجال

سلاماً للشيوخ والأطفال

سلاماً للبحيرات وللبر

ولكل شيئ رائع لنا

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هوامش:

لينكولن: الرئيس 16 للولايات المتحدة ومحرر العبيد (1809 ــ 1865).

 

براندنبرغ: بوابة تنتصب في شارع تحت الزيزفون كنصب عملاق في مدينة برلين

 

النايسة: نهر يفصل بين ألمانيا وبولونيا، وعلى ضفتيه تقوم صناعات ألمانية وبولونية.

 

الروهر: منطقة مناجم الفحم الحجري في غرب ألمانيا، وفيها تقوم صناعات ثقيلة بكثافة.

 

 

 

المركز العربي الألماني -  برلين

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

دراسات ـ إعلام ـ معلومات

معركة أنوال من

معارك العرب الكبرى

ضرغام الدباغ

 

" يوم أنوال " من أيام العرب المجيدة : ذي قار، القادسية، حديقة الموت، اليرموك، أجنادين، نهاوند، حطين، عين جالوت، بلاط الشهداء، أبطال المرابطون، معركة أنوال، واحة الكفرة، الجبل الأخضر، معركة التل/مصر، أوراس، حي القصبة/ الجزائر، عبور قناة السويس 1973، تحرير الفاو 1988، ثورة الحجارة، الأبطال الاستشهاديون / فلسطين، بيروت1982، أبطال قلعة الشقيف، بورسعيد 1956، التجريدة المغربية 1973/ الجولان، حصار صنعاء 1966، إنزال كفر نفاخ 1973، معركة الكرامة 1968، الجيش المصري في القنطرة 1967، جزيرة شدوان، عملية إيلات 1969، إنزال جبل الشيخ 1973، إنزال تل الفرس 1973، معركة الخفاجية/ 1981.

المعطيات الاساسية :

تاريخ المعركة : 17 تموز إلى 9 / آب / 1921

الموقع : المغرب ـــ أنوال

المتحاربون : جمهورية الريف ــــ أسبانيا

القادة : محمد عبد الكريم الخطابي / المغرب : مانويل سلفستر نافارو

القوة : المغرب : 3 ألاف مقاتل مغربي، الخسائر : 1 ألف شهيد.

اسبانيا 25 ألف جندي أسباني، الخسائر : 13363 قتيل وجريح.

ومن أهم نتائجها: غنائم 200 مدفع، وأكثر من 20000 بندقية، وكميات لا تحصى من القذائف وملايين الطلقات وسيارات وشاحنات، وأدوية وأجهزة التخييم. وبالإضافة إلى المعدات العسكرية، كما تم أسر 700 أسير وفقد الإسبان 15000 جندي ما بين قتيل وجريح.

نتيجة المعركة : نصر حاسم للمغرب

يوم أنوال وبه تحقق للقوات العربية المغربية نصر مبين، فوز تاريخي لا يقل عن أيام يوم القادسية، واليرموك، وحطين، وعين جالوت، والفاو، والنصر تحقق في انوال شمال شرق المغرب الاقصى.، فيما أطلقت عليه اسبانيا " كارثة أنوال " وتسببت في أزمات سياسية، فيما مثلت للثورة المغربية دافعا معنويا كبيراُ، باعتبار أن الثورة كانت تقاتل بأسلحة بدائية، وبعدد قليل من المقاتلين، مقابل جيش أوربي متطور مجهز بأسلحة متطورة،

معركة أنوال هي معركة وقعت في 17 يوليو / تموز 1921 في المغرب الإسباني بين الجيش الإسباني في أفريقيا ومقاتلين مغاربة منطقة الريف الآمازيغية، شمال شرق المغرب الأقصى خلال حرب الريف. عرفت هزيمة عسكرية كبيرة للجيش الإسباني، لدرجة تسميتها من قبل الإسبان بكارثة أنوال (بالإسبانيةDesastre de Annual)‏، تسببت نتائج المعركة في أزمات سياسية كبرى في الداخل الإسباني. وكان انتصار المقاومين الريفيين بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي رغم كونهم فئة قليلة وبوسائل بسيطة مقابل جيش عتيد وأسلحة متطورة فتاكة. وكان لمعركة أنوال نتائج كثيرة لصالح المقاومين المغاربة بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، ومن أهم نتائجها: غنائم 200 مدفع، وأكثر من 20000 بندقية، ومقادير لا تحصى من القذائف وملايين الخراطيش وسيارات وشاحنات، وتموين كثير يزيد عن الحاجة، وأدوية وأجهزة التخييم. وبالإضافة إلى المعدات العسكرية تم أسر 700 أسير وفقد الإسبان 15000 جندي ما بين قتيل وجريح.

المعركة

وتعد معركة أنوال من أهم المعارك التي شهدها العالم الحديث في القرن العشرين. وقد خاضها القائد محمد عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار الإسباني معتمدا في ذلك على حرب شعبية كان لها صيت عالمي كبير. وكان مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 قد خرج بقرار يضع المغرب تحت الحماية الاجنبية، فأسنهدفت أسبانيا شكال المغرب، بينما ركزت فرنسا على وسطه، فيما أعتبرت طنجو منطقة دولية.

 واجهت إسبانيا أثناء تغلغلها في منطقة الريف الشرقي مقاومة شرسة وحركة جهادية قادها محمد الشريف أمزيان من سنة 1906 إلى 1912. وكانت حملة الشريف الدفاعية منصبة على عرقلة تغلغل الإسبان في أزغنغان بعد مده للسكة الحديدية لاستغلال مناجم الحديد في منطقتي أفرا وجبل إكسان. وقد كبد الشريف الإسبان خسائر مادية وبشرية، كما قضى على ثورة الجيلالي الزرهوني والذي يلقب في المغرب ببو حمارة أو الروكي.

وبعد موت الشريف أمزيان في 15 مايو / أيار 1912 واصلت أسرة عبد الكريم الخطابي النضال المستميت ضد التكالب الإستعماري الإسباني-الفرنسي. ووقفت في وجه أطماع الحكام الإسبان والطبقة الأرستقراطية المناصرة لسياسة الحرب وأطماع الحزب الحاكم. ولما أحس محمد عبد الكريم الخطابي بأطماع إسبانيا في الريف الشرقي التي تتمثل في احتلال الحسيمة والحصول على خيرات الريف واستغلال معادنها بعد استيلائها على الناظور وتطوان والاستعداد للانقضاض على ثورة الريسوني لاحتلال شفشاون، قرر أن يؤسس إمارة جهادية؛ وذلك بتوحيد قبائل الريف مثل: كزناية وبني ورياغل وبني توزين وتمسمان. وأسس إمارته على أحكام شريعة الله وأنظمة الإدارة الحديثة، وأبعد الريفيين عن الفوضى والثأر، وأجبرهم على الاحتكام إلى عدالة الشرع والقضاء الإسلامي. هذا وقد أحدث عهد عبد الكريم قطيعة بين عهدين:

عهد السيبة والفوضى الذي يمتد من أواخر القرن 19 إلى أوائل العقد الثاني من القرن العشرين بكل ما شهده من سخائم ونعرات عشائرية. أما عهد الثورة التحريرية الممتدة من 1921 إلى 1926، إذ عرف الريف عدة إصلاحات وفي مقدمتها القضاء على حدة الفوضى والثأر.

ولما عرف عبد الكريم بنوايا حكومة إسبانيا الإستعمارية نظم جيشه أحسن تنظيم على الرغم من نقص العدد والعتاد. وكان عبد الكريم مثالا في الشجاعة والبطولة والعدل والتشبع بالقيم الإسلامية، لذلك اتخذه الريفيون بطلا جماهيريا يقود ثورة شعبية من الجبليين والفلاحين للدفاع عن أغراضهم وأعراضهم باسم الجهاد والحق المبين. ولا يعني هذا أن إمارة الريف مستقلة عن السلطة المركزية؛ بل كانت موالية لها أتم الولاء والخضوع والاحترام. فرضتها الظروف المرحلية والعسكرية. وقد أثبت جرمان عياش في كتابه «أصول حرب الريف» هذه التبعية والولاء عندما أقام المؤلف لائحة بأسماء عمال مخزنيين تمتد من 1835 إلى 1900 وتشهد على استمرار حضور ممثلين عن المخزن في الإقليم، كما كشف عن وجود ست قصبات في مختلف أنحاء الريف ترابط بها حاميات مخزنية. وكل هذا يدل على أن الريف كان خاضعا للسلطة المركزية على عكس ما تدعيه الروايات الأجنبية. ولم تكن ثورة الريف التحريرية لعبد الكريم بدافع إقليمي ضيق، بل كانت بدافع وطني ضد الاستعمار ككل، وبدافع قومي لتحرير الشعوب الإسلامية من ربقة الإستعمار والجهل والتخلف.

 

أحداث المعركة

بدأت إسبانيا تعقد الآمال على احتلال خليج الحسيمة بعد أن عقد المقيم العام الجنرال بيرينغير صلحا مع قبائل الريف، واستقبل بحفاوة من قبائل الأعيان وبعض الرؤساء من بني ورياغل وبني سعيد وبنطيب. وعاد المقيم العام إلى تطوان متفائلا مسرورا ومشيدا بعمل سلبستري القائد العام للجيوش الغازية المعتدية. كما اطمأن وزير الحرب الإسباني " إيزا " إلى هذا الوضع المريح عسكريا وسياسيا. وعلى الرغم من هذا التفاؤل الزائد، كان الريفيون وخاصة رجال بني سعيد وبني وليشك وأهل كرت على أهبة للانقضاض على عدوهم سلبستري الذي أحرق غلتهم ومنازلهم، وصادر أغنامهم دون أن يدفع لهم تعويضا مقابل ذلك، ودفعهم إلى الهجرة نحو الجزائر إتقاء لبطشه والفقر والجفاف. هذا، وقد اتفق الجنرال بيرينغير مع رئيس الشرطة الأهلية بمليلية الكولونيل غبرييل موراليس على التوجه نحو الريف للتفاوض مع عبد الكريم، وذلك بإغرائه بـ7 ملايين دولار، عدا كمية وافرة من الأسلحة حديثة وجميع أنواع الذخيرة التي تمكنه من مقاومة الجيش الفرنسي مقابل التنازل عن خليج الحسيمة. لكن عبد الكريم رفض هذه المساومات، وأصدر أمرا يقضي بفرض غرامات على كل من يتفاوض مع الإسبان في هذه القضية المصيرية، كما هدد الإسبان بعدم اجتيازهم «وادي أمقران» وإلا سيتصدى لهم الأبطال الأشاوس من تمسمان وبني توزين. وقد أثار هذا التهديد حفيظة سلبستري، وقرر غزو المنطقة ساخرا من تهديدات عبد الكريم ومستصغرا من شأنه ومن عدته الحربية. وبعد ذلك، بدأ سلبستري في بناء الثكنات والحاميات العسكرية لتسهيل الإمدادات الحربية وتأمين وجود قواته وتمركزها بشكل أفضل ومقبول في كل المناطق الريفية الإستراتيجية، فاقترب الجنرال من ضواحي أبران أواخر أيار 1921 لمحاصرة الموقع، وجس النبض،بيد أن الريفيين تصدوا للجيش الغازي وألحقوا به هزيمة شنعاء ما زال يتذكرها الشعر الأمازيغي: قديما وحديثا.

 

وعليه، فقد توجه الثوار بهجوم ضد مركز أبران فاقتحموه، وقتلوا جميع من كان به من ضباط وجنود إلا عددا قليلا استطاع الهروب، فالتحقوا إما بأنوال وإما بسيدي إدريس.

 

وأصدر الجنرال برينغير أوامره لسلبستري بعدم التقدم إلى الأمام، لكن هذا لم يعر أدنى اهتمام لهذه الأوامر، وتوجه مباشرة نحو أنوال للسيطرة على الموقع. وهناك نشبت معركة حامية الوطيس دامت خمسة أيام شارك فيها العدو بـ25 ألف جندي، ولم يحضر إلى أنوال من مجاهدي عبد الكريم سوى ألفي مجاهد، أما الجنود الآخرون فكانوا ينتظرون الفرصة السانحة، ويترقبون الأوضاع مع زعيمهم عبد الكريم بأغادير. وفي الساعة السادسة مساء من 20 يوليو/ تموز 1921، وصل عبد الكريم مع 1500 جندي إلى موقع أنوال؛ لتشتعل الحرب حتى صباح 21 يوليو من نفس السنة، وانتهت الحرب بانتحار سلفستري وموت الكولونيل موراليس الذي أرسل عبد الكريم جثته إلى مليلية، لأنه كان رئيسه في إدارة الشؤون الأهلية سابقا.

 

وقد اتبع عبد الكريم في هذه المعركة خطة التخندق حول «إغريبن»، ومنع كل الإمدادات والتموينات التي تحاول فك الحصار على جيش العدو. وكانت الضربة القاضية لمركز «إغريبن» عندما أدرك المجاهدون نقطة ضعف الجنود الإسبان المحاصرين المتمثلة في اعتمادهم على استهلاك مياه «عين عبد الرحمن» بـ«وادي الحمام» الفاصل بين «إغريبن» وأنوال، فركزوا حصارهم حول هذا النبع المائي، وبذلك حرم الجنود الإسبان من الماء، واشتد عطشهم إلى درجة اضطرارهم إلى شرب عصير التوابل وماء العطر والمداد، ولعق الأحجار، بل وصل بهم الأمر إلى شرب بولهم مع تطعيمه بالسكر كما جاء في المصادر الإسبانية.

 

وقد تتبعت جيوش عبد الكريم فلول الجيش الإسباني، وألحقت به عدة هزائم في عدة مواقع ومناطق مثل: دريوش وجبل العروي وسلوان فأوصله حتى عقر داره بمليلية. وبعد ذلك أصدر عبد الكريم أمره بالتوقف وعدم الدخول إلى مليلية المحصنة لاعتبارات دولية وسياسية وعسكرية. وفي هذا يقول أزرقان مساعده الأيمن في السياسة الخارجية:

 

" نحن (الريفيين) لم يكن غرضنا التشويش على المخزن من أول أمرنا، ولا الخوض في الفتن كيفما كانت، ولكن قصدنا الأهم، هو الدفاع عن وطننا العزيز الذي كان أسلافنا مدافعين عنه، واقتفينا أثرهم في رد الهجومات العدوانية التي قام بها الإسبان منذ زمان، وكنا نكتفي بالدفاع عن الهجوم عليه فيما احتله من العدو البلدان مثل مليلية التي كان في وسعنا أخذها بمن فيها، دون تضحيات جهادية كبيرة، لكنا لم نفعل ذلك لما كنا نراه في ذلك من عاقبة وخيمة، فانه ليس عندنا جند نظامي يكفي للدفاع عن الحدود التي يصلها "..

ومع ذلك يعترف عبد الكريم بغلطته الكبرى بعدم استرجاعه لمليلية في مذكراته:

" على إثر معركة جبل العروي، التي بلغت أسوار مليلية، وتوقفت، وكان جهازنا العسكري ما يزال في طور النشوء. فكان لابد من السير بحكمة، وعلمت أن الحكومة الإسبانية وجهت نداء عاليا إلى مجموع سكان البلاد، وتدعو للأستعداد التوجه إلى المغرب زعبأت كل ما لديها من إمدادات، فاهتممت أنا، من جهتي بمضاعفة قواي وإعادة تنظيمها، فوجهت نداء إلى كل سكان الريف الغربي، وألححت على جنودي وعلى الكتائب الجديدة التي التحقت مؤخرا، وشددت عليهم، على ألا يفتكوا بالأسرى ولا يسيئوا معاملتهم، ولكني أوصيتهم في نفس الوقت وبنفس التأكيد، على ألا يحتلوا مليلية، اجتنابا لإثارة تعقيدات دولية وأنا نادم على ذلك بمرارة وكانت هذه غلطتي الكبرى ".

نتائج المعركة

ومن نتائج معركة أنوال الكم الوفار من السلاح والعتاد الذي غنمه المجاهدون الريفيون من عتاد عسكري حديث. وفي هذا الصدد يقول عبد الكريم في مذكراته أيضا:

" عادت علينا هزيمة العدو في  أنوال 200 مدفع من عيار 75 أو 65 أو 77، وأكثر من 20000 بندقية ومقادير لا تحصى من القذائف وملايين الخراطيش، وسيارات وشاحنات، وتموينا كثيرا يتجاوز الحاجة، وأدوية، وأجهزة للتخييم، وبكميات وافرة، وبين عشية وضحاها غنمنا ما كان يعوزنا لنجهز جيشا ونشن حربا كبيرة، وأسرنا 700 أسير، وفقد الإسبان 15000 جندي ما بين قتيل وجريح ".

وكان لهذا الانتصار في معركة أنوال صدى طيب على المستوى الوطني والعربي، وقيل الكثير من الشعر للإشادة بهذه المنازلة العظيمة، وقد شاع بعد ذلك أن بعض الأدباء جمع اما قيل في موضوع الحرب في ديوان أسموه " الريفيات ".

وعلى المستوى الإعلامي، وقف الرأي العالمي من الحركة التحريرية الريفية موقفين متقابلين بين مؤيد ومعارض. فالتيار المعارض هو بطبيعة الحال، التيار الإستعماري الذي له مصالح كثيرة ومشاريع لها علاقة بالمستعمرات، حيث كان من الطبيعي أن يقف مدافعا ومؤيدا لكل السياسات التي كانت ترمي إلى تقوية النفوذ الإستعماري وخدمة أطماعه، ولكن بأقل التضحيات، وكان هذا التيار يتكون من اليمين الأوربي بمفهومه الواسع، ومن النخبة الأرستقراطية بصفة خاصة. وقد انضافت إليه، ومن تلقاء نفسها، أصوات يهودية كانت تعتبر نجاح الثورة الريفية بمثابة القضاء الأكيد على تواجد الجاليات اليهودية بالشمال الإفريقي. أما التيار المؤيد، فقد كان يشكله أساسا الرأي العام الشيوعي.

 

أما في أمريكا اللاتينية، فكان ينظر إلى عبد الكريم بمثابة بطل ثوري عالمي يشبه عندهم سيمون بوليفار أحد رواد الحركة التحريرية هناك. أما الرأي العام الإسلامي، فقد كان يعلق آمالا كثيرة على نجاح الثورة الريفية، وعبر عن استنكاره في أكثر من مناسبة تضامنا مع المسلمين في الريف، لكنه كان مغلوبا على أمره.

 

ولقد اتخذت خطة عبد الكريم الحربية تكتيكا عسكريا لدى الكثير من الزعماء والمقاومين في حركاتهم التحريرية عبر بقاع العالم لمواجهة الإمبريالية المتغطرسة مثل: هوشي منه وماوتسي تونغ وعمر المختار وتشي جيفارا وفيديل كاسترو، ولا ننسى كذلك الثورتين: الجزائرية والفلسطينية. وكانت لهذه الحرب انعكاسات سياسية وعسكرية خطيرة على إسبانيا وفرنسا بالخصوص، مما أجبر هاتين الدولتين للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على الثورة الريفية قبل أن تستفحل شوكة عبد الكريم الذي بدأ يهدد كيان فرنسا ويقض مضجعها. فشن التحالف الإستعماري هجوما عنيفا وكاسحا بريا وبحريا وجويا، واستعملت في هذه الحملة العدائية المحمومة أبشع الأسلحة المتطورة الخطيرة السامة لأول مرة، وتم تجريبها على الريفيين الأبرياء من أجل مطامع إستعمارية دنيئة.

ولقد انتهت هذه الهجمات المركزة على معاقل المقاومة الريفية باستسلام مجاهد السلام البطل عبد الكريم الخطابي يوم 26 مايو 1926، ونفيه إلى جزيرة لاريونيون "la réunion" حتى سنة 1947؛ ليستقر بعد ذلك في مصر.

 

المركز العربي الألماني - برلين

المراسلات

Dr. Dergham Aldabak : drdurgham@yahoo.de

نظرية المؤامرة

Conspiracy Theory

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

الموسوعة الألمانية   /  WIKIPEDIA

 

 نظرية المؤامرة Conspiracy Theory)) :  ‏ هو مصطلح انتقاصي يشير إلى شرح لحدث أو موقف اعتماداً على فرضية مؤامرة لا مبرر لها، وعموماً تؤسس المؤامرة في مضمونها على أفعال غير قانونية أو مؤذية تنفذها حكومة أو منظمة أو أفرادتنتج نظريات المؤامرة في أغلب الحالات افتراضات تتناقض مع الفهم التاريخي السائد للحقائق البسيطة.

ووفقاً للعالم السياسي مايكل باركون، تعتمد نظريات المؤامرة على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاث مبادئ:

لا شيء يحدث بالصدفة،

ولا شيء يكون كما يبدو عليه،

وكل شيء مرتبط ببعضه.

 أحد الصفات الشائعة هي تطور نظريات المؤامرة هذه لتدمج في تفاصيلها أي دليل موجود ضدهم، ليصبحوا بذلك جملة مغلقة غير قابلة للدحض وعليه تصبح نظرية المؤامرة "مسألة إيمان بدلاً من دليل".

تاريخ استخدام مصطلح نظرية المؤامرة

ورد هذا المصطلح لأول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920، ولكن جرى تداوله بكثافة بعد عام 1960، وتمت بعد ذلك إضافته إلى قاموس أكسفورد عام 1997.

تختلف تعريفات مصطلح نظرية المؤامرة باختلاف وجهات نظر أصحابها، يمكن القول بأن المؤامرة بها طرفين رئيسين، هما المتآمر (وهم الحكومات عادة) والمُتآمر عليه (وهو الشعب / الرأي العام عادة) لإخفاء الحقيقة، وهي (مثلما واضح من التسمية) مقتبسة من الفعل تآمر والذي يعني صياغة حزمة أكاذيب بشكل منظم، فقد تحدث في المنزل وقد تحدث في العمل وقد تحدث في الدولة وقد تحدث على مستوى عالمي، وغير محدود  على المستوى المكان، وعلى مستوى الزمان، ولا بد فيها من وجود طرف متآمر (والذي يفعلها عن قصد) وطرف متآمر عليه، وقد يكون أطراف هذه المؤامرة أو أحدهم على علم بها، وقد تتم المؤامرة دون علم المستهدفين بها، ودائماً تأخذ شكل التهمة، نظراً للشكوك التي يشعر بها المتهِم، وقد يذهب أنصار نظرية المؤامرة إلى تعاريف أوسع من مجرد مصطلح ومثلاً:

 

قيام طرف ما معلوم أو غير معلوم بعمل منظم سواء بوعي أو بدون وعي، سراً أو علناً، بالتخطيط للوصول لهدف ما مع طرف آخر ويتمثل الهدف غالباً في تحقيق مصلحةٍ ما أو السيطرة على تلك الجهة، ومن ثم تنفيذ خطوات تحقيق الهدف من خلال عناصر معروفة أو غير معروفة.

أمثلة على بعض نظريات المؤامرة

اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي

كان اغتيال الرئيس جون كينيدي بتاريخ 22 نوفمبر عام 1963 وما تبعه من اغتيال المتهم الرئيسي في قتله لي هارفي أوزوالد بعد يومين على يد جاك روبي مناسبة ممتازة لعدد كبير من نظريات المؤامرة والإدعاءات ولكن غير المعززة بالأدلةفذهبت هذه النظريات لإلقاء اللوم وراء اغتيال كينيدي على وكالة المخابرات المركزية أو المافيا أو نائب الرئيس حينها ليندون جونسون أو حتى رئيس الوزراء الكوبي آنذاك فيدل كاسترو أو الاستخبارات السوفيتية أو مزيج فيما بينها. وتشير أحد التقديرات إلى كتابة أكثر من ألف كتاب حول اغتيال كينيدي، ونحو 90% من هذه الكتب (على الأقل) كانت تتبنى رواية تدعي وجود مؤامرة وراء حادثة الاغتيالولذلك فقد أصبح اغتيال كينيدي أحد أبرز نظريات المؤامرة على الإطلاق.

كيمتريل

كيمتريل هو السحاب الأبيض الذي ينتشر في السماء والشبيه بالخطوط المتكثفة التي تطلقها  الطائرات  ولكنه يتركب من مواد كيميائية أو ضبوب ولا يحتوي على بخار الماء.  يرش هذا الغاز عمدا من على ارتفاع عال، وقد تزايدت الشكوك حول الغرض من استخدامه من قبل الكثير من اتباع نظريات المؤامرة.

أحداث 11 سبتمبر 2001

أنطلقت مجموعة نظريات حول حادث الحادي عشر من سبتمبر / 2001 وهي نظريات تفترض وجود صلات وعلاقات مؤامرة توراء هجمات 11 سبتمبر التي وقعت عام 2001 في الولايات المتحدة وغالبيتها تذهب إلى أنها إما عمليات سطو تم السماح بحدوثها من قبل مسؤولين في الإدارة الأمريكية، أو أنها عمليات منسقة من قبل عناصر لا صلة لها بالقاعدة بل أفراد في الحكومة الأمريكية أو بلد آخر.

 

جمعيات الأرض المجوفة

يؤمنون أنه أن الأطباق الطائرة مصدرها جوف الأرض وأن هذه مؤامرة دولية عالمية لتستر على موقعهم الحقيقي الأصلي ألا وهو العالم الداخلي. ويستشهدون لما حصل في حادثة روزويل، وبما حدث في أنفاق دولسي وتصريحات المهندس المشرف عليها (فيليب شنايدر)، وبوقائع تاريخية حدثت خلال الحرب العالمية الثانية. 

فقد قال إيرنست تسوندل ((Ernst Zündelفي كتابه المسمى (called ufos) : أن الزعيم الألماني هتلر كان يؤمن أن  جوف الأرض هو عالم مليء بالحياة وأن هناك بشر عمالقة جداً في جوف الأرض وكان هتلر يعتقد  أن جنسه الألماني الذي يرجع للأصول الآرية كانوا عمالقة طوال جداً في قديم الزمان ولكنهم مع مرور الوقت والزمن ومصاهرتهم للناس فقدوا أطولهم ويقول هتلر الان يمكن أن يتزاوجوا مع العمالقة الذين في العالم الداخلي ويكتسبوا ويسترجعوا قامة أجدادهم الآريين العمالقة.

 

هجرة هتلر لبوابة القطب الجنوبي إبان انتهاء الحرب

صرح رئيس جمعية ثول إيفان بوييز: أن اكتشفوا الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية  أن ألفي عالم وبروفيسور ألماني وإيطالي قد اختفوا تماماً، بالإضافة إلى مليون من السكان. وهناك دلائل قوية تشير إلى أنهم توجهوا للمناطق القطبية للدخول لعالم جوف الكرة الأرضية من خلال فتحة القطب الجنوبي.

وقد بعثت الأمم المتحدة والحلفاء البعثات والجيوش بقيادة الأدميرالريتشارد بيرد " في عملية هاي جامب العسكرية الامركية عام 1947 وقد سجل التاريخ ذلك. وهذه العملية الحربية المسماة هاي جامب للقضاء على هتلر والألمان في القطب الجنوبي، ويؤمن اصحاب نظرية الأرض المجوفة، أن الزعيم النازي هتلر، لم يمت،، بل هاجر إلى القطب الجنوبي وأرسلت له الولايات المتحدة الأساطيل للتفتيش عنه والقبض عليه ولكنهم تم ردعهم من قبل أصحاب الأطباق الطائرة المجهولة المصدر لهم في ذاك الزمان، وكان القصد من حملة الأدميرال ريتشارد بيرد هو تحديد مكانهم والقبض عليهم.

وقد ذكر في مذكراته كيف دخل إلى بلاد الأرياني وأجبرته طائرات الفلغلارد Flugelrads (أطباق طائرة) على الهبوط، ثم حملوه رسالة إلى قادة بلاده وأطلقوا سبيله. عاد الأدميرال من مغامرته الغريبة ليخبر البنتاغون والرئيس بما رآه ولكنهم أمروه بأن يبقى صامتاً.

وهنالك مئات الوثائق والأدلة التاريخية التي تؤكد مشاركة الأطباق الطائرة بجانب هتلر بالحرب العالمية الثانية، وليس هذا فقط بل وأمر البنتاغون الأمريكي الأمم المتحدة أن تعتزم نظرية تجويف كوكب الأرض بـ"النظرية الزائفة والعلوم المغشوشة " للتعتيم على الحقيقة لكي لا يعرف الناس ما يجري حولها.

 

الرد على نظرية المؤامرة الكبرى

إن الاتهامات التي يوجهها أنصار هذه النظرية إلى البنتاغون لا ترتقي لدرجة أنها تمثل دليلاً على أن هناك عالم تحت الأرض يسكنه مخلوقات فضائية، وذلك للأسباب التالية:

أن كل الدراسات حتى اليوم الحاضر تؤكد عدم وجود مخلوقات فضائية داخل دهاليز الأرض، والقول بأنه من غير المعقول أن يكون داخل الارض هو براكين فقط، فأنه من غير المعقول أيضاً أن يكون هنالك سكان فيها

من جهة أخرى، كثرت الأفلام التي تتناول الموضوع ليس دليلاً على وجودها، وقد كانت هنالك في العصور الغابرة أساطير عن الآلهة وكانت منتشرة في ذلك الوقت وكثرتها لا يعني وجودها.

أن كثرة أفلام هوليوود يعني عدم تكتم على الموضوع، وأن القصة تنال أكبر من حجمها أصلاً.

أن النظرية ظهرت من مذكرات وقصص أفراد وهذا يجعلها فرضية أقل منها نظرية، ولا يوجد ما يحولها إلى حقيقة.

 

الشعبية

الشعبية بعض المدارس تقول إن نظريات المؤامرة كانت تقتصر في السابق على جماهير بسيطة، ولكنها أصبحت فيما بعد  شائعة في وسائل الإعلام، مما ساهم في بروز نظريات المؤامرة كظاهرة ثقافية في الولايات المتحدة في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين

 

ووفقًا لعلماء الأنثروبولوجيا تود ساندرز(Todd Sanders) وهاري غ. ويست (Harry G. West)، فإن الأدلة تشير إلى أن المقطع العرضي الواسع (الكمي) للأميركيين اليوم يعطي المصداقية لبعض نظريات المؤامرة على الأقل، ونظريات المؤامرة والاعتقاد بها كان أمراً متواجدا قبل أن يتسع ويصبح موضوعاً يجلب الأهتمام لعلماء الاجتماع وعلماء النفس والخبراء في الفولكلور.

 

 

أنواع نظرية المؤامرة

واليوم تتسع نظريات المؤامرة على نطاق واسع على شبكات الإنترنت في المواقع والمدونات ومقاطع الفيديو على يوتيوب، وكذلك على وسائل الإعلام الاجتماعية، وما إذا كان الانترنيت قد زاد من انتشار نظريات المؤامرة أم لا هو سؤال بحث مفتوح، فقد تم رصد العديد من الدراسات حول نظريات المؤامرة في نتائج محرك البحث التي أشارت إلى التفاوت في جودة البحوث وفي نتائجها.

 

أنماط نظرية المؤامرة

حدد جيسي ووكر (2013) خمسة أنواع من نظريات المؤامرة:

"العدو الخارجي" مصطلح يشير إلى نظريات تستند إلى شخصيات ييفترض أنها تقوم بالتخطيط ضد مجتمع ما من الخارج.

"العدو الداخلي" المتآمرين داخل الأمة ولا يمكن تمييزهم عن المواطنين العاديين.

" العدو الأعلى" وهم أشخاص أقوياء يتلاعبون بالأحداث من أجل مكاسبهم الخاصة.

" العدو الأدنى" الطبقات الأدنى تعمل على قلب النظام الاجتماعي.

" المؤامرات الخيّرة" هي قوى ملائكية تعمل خلف الكواليس لتحسين العالم ومساعدة الناس

 

أنماط باركون الثلاث

حدد باركون ثلاثة تصنيفات لنظرية المؤامرة:

نظريات المؤامرة للأحداث: وهذا يشير إلى أحداث محددة ومعرّفة بشكل جيد، وتشمل الأمثلة نظريات مؤامرة مثل تلك التي تتعلق باغتيال كينيدي، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وانتشار مرض الإيدز.

نظريات المؤامرة المنظمة: ويعتقد فيها أن المؤامرة لديها أهداف واسعة، وعادة ما تكون حول إحكام السيطرة على بلد أو منطقة ما أو حتى على العالم بأسره، وتكون الآلية التآمرية بسيطة بشكل عام: منظمة واحدة شريرة تنفذ خطة للتسلل وتخريب المؤسسات القائمة، وهذا هو السيناريو الشائع في نظريات المؤامرة التي تركز على مكائد مزعومة من قبل اليهود، أو الماسونيون الأحرار، أو الشيوعيون، أو الكنيسة الكاثوليكية...إلخ.

نظريات المؤامرة الفائقة: يربط باركون تفي هذه النظريات بين مؤامرات مزعومة متعددة التسلسل الهرمي، وفي القمة قوة شريرة بعيدة ولكن قوية، واعتمد في الأمثلة التي ذكرها على أفكار ديفيد إيك وميلتون وليام كوبر.

 

روثبارد: السطحي مقابل العميق

يجادل موراي روثبارد نموذجا يقارن به بين نظريات المؤامرة "العميقة" ونظريات المؤامرة "السطحية"، ووفقًا لروثبارد فإن مخترع أو مصدق النظريات السطحية يلاحظ أن حدثا ما ويتسائل السؤال التقليدي : "من المستفيد .؟" ثم يقفز إلى استنتاج مفاده أن المستفيد المفترض هو مسؤول عن التأثير في الأحداث بشكل خفي وسري، ومن ناحية أخرى، يبدأ مخترع أو مصدق نظريات المؤامرة العميقة يعمل بحدسه ثم يبحث عن أدلة، ويصف روثبارد هذا النشاط الأخير كمسألة للتأكيد مع حقائق تابعة لأوهام الشك الخاصة بالشخص.

 

الدليل مقابل نظريات المؤامرة

عادة ما يشار إلى النظريات التي تتضمن العديد من المتآمرين، والتي ثبت أنها صحيحة مثل فضيحة ووترغيت (الأنتخابات الرئاسية الأمريكية)، على أنها "صحافة استقصائية" أو "تحليل تاريخي" بدلاً من مضطلح  نظرية المؤامرة، وعلى النقيض من ذلك يستخدم مصطلح "نظرية مؤامرة ووترغيت" للإشارة إلى مجموعة متنوعة من الفرضيات التي كان فيها المدانون في المؤامرة هم في الواقع ضحايا مؤامرة أعمق.

يقارن المفكر  نعوم تشومسكيبين  نظرية المؤامرة والتحليل المؤسسي الذي يركز في الغالب على الجمهور، والسلوك طويل الأمد للمؤسسات المعروفة علنا، كما هو مسجل في، على سبيل المثال، الوثائق العلمية أو التقارير الإعلامية السائدة، بينما نظرية المؤامرة على العكس من ذلك تفترض وجود تحالفات سرية لبعض الأفراد وتتكهن بأنشطتهم المزعومة.

 

المؤامرة كفكرة عالمية

تم تعميم مصطلح "المؤامرة" من قبل الأكاديمي فرانك ب. مينتز في الثمانينيات، ووفقًا لمينتز تشير المؤامرة إلى "الاعتقاد في أسبقية المؤامرات في كشف التاريخ":

«تخدم المؤامرة احتياجات المجموعات السياسية والاجتماعية المتنوعة في أمريكا والأماكن الأخرى، إنها تحدد النخب وتلقي باللوم عليها في الكوارث الاقتصادية والاجتماعية، وتفترض أن الأمور ستكون أفضل عندما يتمكن العمل الشعبي من إزالتها من مواقع السلطة، وعلى ذلك لا تميز نظريات المؤامرة حقبة معينة أو أيديولوجية معينة

 

في الشرق الأوسط

لاحظ ماثيو غراي أن نظريات المؤامرة هي سمة سائدة في الثقافة والسياسة العربية، وتتنوع المؤامرات لتشمل الاستعمار والصهيونية والقوى العظمى والنفط والحرب على الإرهاب التي قد يشار إليها على أنها حرب ضد الإسلام، وقد اقترح الصحفي روجر كوهن أن شعبية نظريات المؤامرة في العالم العربي هي الملاذ الأخير للضعفاء من البسطاء وعامة الشعب، كما لاحظ الكاتب عبد المؤمن سعيد خطر مثل هذه النظريات لأنها "لا تبعدنا عن الحقيقة فقط، وإنما عن مواجهة أخطائنا ومشاكلنا أيضًا."

 

عوامل الجذب لنظرية المؤامرة

وفقًا لباركون فإن تفسير جاذبية نظريات المؤامرة يتضمن الثالوث التالي:

ـــ أولاً: تدعي نظريات المؤامرة تفسير ما لا يمكن للتحليل المؤسسي تفسيره، وتبدو أنها تجعل العالم المربك أكثر منطقية.

ـــ ثانيًا: تفعل ذلك بطريقة بسيطة بشكل جذاب بتقسيم العالم لقوى النور وقوى الظلام، بحيث تعيد كل الشرور إلى مصدر واحد هم المتآمرين ووكلائهم.

ـــ ثالثًا: غالبًا ما تعرض نظريات المؤامرة على أنها معرفة سرية خاصة غير معروفة أو لا يقدرها أي شخص آخر، وبالنسبة لمنظري المؤامرة، فإن الجماهير عبارة عن قطيع مغسول الدماغ، في حين أن منظري المؤامرة يملكون المعرفة ويمكنهم أن يهنئوا أنفسهم على اختراق خداع المتآمرين. "

 

الأصول النفسية

يعتقد بعض علماء النفس أن البحث عن معنى شائع في المؤامرة، وبمجرد معرفتها قد يؤدي تحيز التأكيد وتجنب التنافر المعرفي إلى تعزيز الاعتقاد، وفي سياق تصبح فيه نظرية المؤامرة تحظى بشعبية داخل مجموعة اجتماعية، فقد تلعب التعزيزات المجتمعية دورًا مساويًا

 

الإسقاط النفسي

أشار بعض المؤرخين أن هناك عنصر من الإسقاط النفسي في المؤامرة، وهذا الإسقاط وفقًا للحجة يتجلى في شكل إسناد خصائص غير مرغوب فيها من الذات إلى المتآمرين.

 

التفسيرات الاجتماعية

شبَّه الصحفي والكاتب كريستوفر هيتشنز نظريات المؤامرة بــ"أدخنة عوادم الديمقراطية"، معتبراً أنها النتيجة التي لا يمكن تجنبها حين تتوافر كمية كبيرة من المعلومات المتداولة بين عدد كبير من الناس.

قد تُعطي نظريات المؤامرة شعورًا بالرضا من الناحية العاطفية، فمن خلال إلقاء اللوم على مجموعة لا ينتمي إليها مُدَّعي ومصدق هذه النظرية، وهو بالتالي ما يعفيه من المسؤولية الأخلاقية أو السياسية في المجتمع، وكمثال: كتب الصحفي روجر كوهن في النيويورك تايمز بأن "العقول الأسيرة تلجأ إلى نظرية المؤامرة لأنها الملاذ الأخير للضعفاء، إذا لم تستطع تغيير حياتك الخاصة، فلا بد من وجود قوة كبرى تسيطر على العالم."

وجد مؤرخ علم الاجتماع هولغر هيرويغ عند دراسته التفسيرات الألمانية وراء أصول اندلاع الحرب العالمية الأولى بأن الأحداث الأكثر أهمية في التاريخ هي فعليًا أكثرها صعوبة للفهم لأنها ستلاقي اهتمامًا غير منقطع النظير من حابكي الأساطير ومزوري التاريخ.

 

تأثير النظرية النقدية

يقترح عالم الاجتماع الفرنسي برونو لاتور أن الشعبية الكبيرة لنظريات المؤامرة تكمن في الثقافة الجماهيرية قد تكون عائدة جزئيًا إلى الانتشار الواسع للنظرية النقدية المستوحاة من الماركسيين والأفكار المماثلة في الأوساط الأكاديمية منذ سبعينيات القرن العشرين.

 

مدى استمرار نظريات المؤامرة

نشر الفيزيائي وباحث السرطان الأيرلندي ديفيد روبرت غرايمز تقديرا للوقت الذي ستستغرقه نظريات المؤامرة المزعومة قبل أن تُفضَح بناءً على عدد الأشخاص المعنيين.

تتطلب نظرية مؤامرة خدعة الهبوط على القمر مشاركة 411,000 شخص حتى تكتشف في غضون 3.68 سنة.

تتطلب نظرية مؤامرة نكران التغير المناخي 450,000 شخص لتكتشف في غضون 3.70 سنة.

تتطلب مؤامرة اللقاح المزعومة ما لا يقل عن 22,000 شخص (بدون شركات أدوية) لتتكشف في غضون 3.15 سنة على الأقل ونحو 34.78 سنة على الأكثر اعتمادا على العدد المعني.

تتطلب نظرية مؤامرة لمنع اكتشاف علاج للسرطان 714,000 شخص لتتكشف في غضون 3.17 سنة.

 

المركز العربي الألماني- برلين

  المراسلات

 

Dr. Dergham Aldabak : drdurgham@yahoo.de

 

نوع جديد من الحروب

 

ضرغام الدباغ

 

عرف العالم  في مرحلة الحرب الباردة نوعاً من الحروب اصطلحوا على تسميته بحروب الوكالة (proxy war) وهذا النوع من الحروب جرت أحداثه في قارات العالم الخمس، بعد عام 1949، وهو العام الذي توصل فيه السوفيت إلى كسر الاحتكار النووي للولايات المتحدة، فصارت المواجهات تدار (بعد إخفاق الدبلوماسية) بين المعسكرين : الاشتراكي والرأسمالي، تدار (بالتصعيد / escalation) أو (نزع التوتر / relaxation) أو (التعايش/ coexistence)، فهذه  مراحل ومستويات للأزمات التي تحمل بذور يمكن أن تتطور لحروب فعلية أو حروب أعتبرها علماء السياسة بأنها حروب بالوكالة كنا قد كتبنا عنه في تقارير السابقة.

والحرب التي نكتب عنها اليوم (الحرب في أوكرانيا) تدور منذ نحو سنة ونصف، وما تزال ساخنة وحافلة بكل ما هو جديد في دروس السياسة أو العسكرية، أو تكنولوجيا السلاح، الأمر الذي نرجح أن أفكار كثيرة ستنبثق عنها، ومقدماتها الحالية توفر وتنطوي على إمكانية كهذه.، تطور ملموس في نظريات الصراع المسلح (الحرب) وفي تكنولوجيا السلاح.

الحرب في أوكرانيا، لم تنشب بالصدفة، وكان ميشايل غورباتشوف قد ارتكب خطأ قاتلاً في محادثات مالطا مع الرئيس بوش الأب، (2 ـ 3 / ديسمبر / 1989)  حين اكتفى بتعهد شفهي من الرئيس بوش، بعدم توسع الناتو شرقاً في أراضي البلدان الاشتراكية السابقة، وأكثر تحديداُ، في البلدان المتاخمة لروسيا الاتحادية، ولكن الولايات المتحدة نكلت بتعهدها وكانت هذه بالطبع خطيئة كبيرة، يدفع الروس اليوم ثمنها باهضاً. فمنذ تفكك الاتحاد السوفيتي، والغرب لا يفوت أي سانحة مهما بدت بسيطة، أو تافهة يستطيع أن ينال فيها من روسيا قضمة أو عضة، ومن مناعة موقفها السياسي والاقتصادي والعسكري قيد أنملة، والوقائع تكشف الأهداف الداخلية الغير معلنة. وما لم يكن مفهوماً بدقة، أصبح اليوم واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار. الهدف البعيد وهو تقسيم روسيا، وإضعافها لدرجة أن تصبح دولة عادية في المجتمع الدولي.

خلال حرب كوزوفو (نهاية التسعينات)، أجاب وزير الخارجية الأمريكية وقتذاك الكسندر هيغ (Alexander Haig‏) ساخطاً غاضباً على سؤال لصحفي ألماني من مجلة فوكوس الألمانية (Focus)، عن مبرر وجود حلف الناتو، وقد تفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف وارسو نفسه، والإجابة كانت غير مفهومة وقتها، ولكن بعد محاولات الولايات المتحدة العبث بخاصرة روسيا (جورجيا) ومن ثم أرمينيا، وانتهاء بضم دول البلطيق وأوربا الشرقية، وإحداث وإسقاط حكومة اوكرانية منتخبة (الثورة البرتقالية) من سيناريو وإخراج الولايات المتحدة، بدا واضحا حتى لمن له عين واحدة، أن هذه ما هي إلا مقدمات للقمة الدسمة الكبيرة أوكرانيا ...! وهو يدركون تماماً أن هذا تصعيد خطير سترد عليه روسيا (الفعل ورد الفعل) ، فالأمر إذن مدروس بعناية ودقة بالغة.

 

النتائج العسكرية، وهنا نستبق الأحداث اللاحقة، فهناك أجيال من التكنولوجيا انتهى مفعولها وباتت خارج الحسابات الواقعية وبالتالي خارج الخدمة الفعلية فلا مجال للحديث عن الجيل الرابع، وربما حتى الخامس، وحديث يدور عن أسلحة غير معلن عنها هي من الجيل السادس. وهناك شبه إجماع أن استخدام أسلحة الدمار الشامل هو في الواقع انتحار ليس إلا ..!  لذلك نلاحظ القدرات التدميرية الكبيرة في أسلحة المدفعية، لذلك فالخسائر في الأفراد والمعدات والمرافق باتت عالية جداً، واستخدام واسع النطاق للصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، واستخدام متصاعد بوتائر سريعة للمسيرات من الطائرات، وأسلحة البحر (زوارق وسفن مسيرة)، والقدرات على الاستشعار البعيد(الاقمار الفضائية)، وهنا ستبرز إشكالية جديدة أن التسلح سيلتهم نسبة كبيرة من الدخل القومي وميزانيات الحكومات، وأن الأنظمة الدفاعية والهجومية ستكون مكلفة ؟ وضرورة أن تصيغ الدول نظريات أمنها القومي ضمن تصور واسع عريض إقليمي أو قاري.

الولايات المتحدة  خططت للصراع :

بأن يتولى قيادة الطرف الأوكراني، فئة مغامرة يمنية متطرفة، وهناك قوى نازية ضمن القيادات الأوكرانية، قبلت أميركا ببراغماتية التحالف معها، وهي لا ترى أفقاً للسلام،

الرهان على معركة دولية تشارك فيها أطراف دولية، وفي المقام الأول أعضاء حلف الناتو من الدول الكبيرة : بريطانيا، فرنسا، ألمانيا،

عولت على تأثير الولايات المتحدة على مسرح السياسة الدولية، لإحداث تأثيرات جذرية في أوربا على غرار الشرق الأوسط، تسعى الولايات المتحدة لوضع أسس هيمنة عالمية جديدة، هناك دول مركزية أساسية في أوربا : بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، ودول قريبة من هذا المستوى : إيطاليا، أسبانيا .

النتائج السياسية للحرب الأوكرانية، كأي صراع دولي واسع ساهمت أطراف دولية عديدة فيه،  سيكون هناك  تقسيم نفوذ دولي، وهناك إعادة حقوق مستلبة، واصطفافات جديدة

 

إذن بعد أن ضمت الولايات المتحدة ، (التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة) بلداناً عديدة لحلف الناتو في شرق أوربا تنشد التطور على النمط الرأسمالي، ولكنها  شكلت بنفس الوقت حلقة في مخططات الناتو، ولكن حين أقترب التهديد من خاصرة روسيا (أوكرانيا)، التي لا يعرف تاريخها قيام دولة أوكرانية، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من الامبراطورية الروسية / السوفيتية، حتى أصبح التغافل عن الخطر الداهم لا ينم عن حكمة، والإدارة الامريكية لا يهمها بأي قدر الخسائر، إذ خسر الجيش الأوكراني ترسانته قواته من الأسلحة السوفيتية، وفوقها بأضعاف من الأسلحة الغربية أيضاً، فأصبحت أوكرانيا محرقة بلا قعر للأسلحة الغربية، إذ احترقت فيها ترسانة الأسلحة الشرقية دول أوربا الشرقية (بالطبع ستحل محلها مشتروات من الأسلحة الأمريكية) وهناك من دول غرب أوربا من دفع للمحرقة الأوكرانية أنظمة الأسلحة الغربية القديمة، ولكن الحاسبة تقيد الحسابات وأثمان الأسلحة واوكرانيا غرقت بديون يصعب تسديدها ... هذا إن انتهت الحفلة الدموية ببقاء أوكرانيا في عداد الدول الحياة ....!

 

الإدارة الأمريكية كانت تعلم علم اليقين أن الساحة الاوكرانية ستشهد صراعاً مسلحاً، لأن طابع التناقض فيها حاد وتناحري، وبسبب الطابع المستعر للصراع فالمعركة ستكلف الطرفين : الروسي والأوكراني الكثير جداً في الأرواح والممتلكات، وأعداد هائلة من المعوقين، والمهاجرين وأن أتساع رقعة الصراع سيضاعف من حجم النتائج السياسية والاقتصادية والعسكري، وأن المعركة ستسحب إلى لهيبها أعداد من الدول، وبروز تكتلات جديدة، وربما إلى تغيرات في الخارطة السياسية الأوربية. ولكن الولايات المتحدة كانت قد وضعت تقديرات، أعتقد أنها فاقت حجم ما كان في مخططها، ولكن بعض النتائج التي كانت تتأملها ومنها، أن أي صراع شامل وكبير سيزيد من لحمة أعضاء الناتو، وهو أمر لم يتحقق بالقدر الذي كانت الولايات المتحدة تتوقعه، بل أن الصراع في حافة أوربا (أوكرانيا) سيترك آثاره السلبية على العلاقات بين أطراف الناتو وبدرجة ليست بسيطة.

 

واليوم السمة الجديدة للحرب، أنها تدور بين روسيا الأتحادية، والولايات الأمريكية ولكن على أرض طرف ثالث "اوكرانيا ". ومعسكر الولايات المتحدة يتفاوت في إنجرافه للحرب، ففي الوقت الذي ينكرون على روسيا اللجوء للقوة المسلحة (دول أوربا الغربية)، لا يقبلون أيضاً الانجرار لحرب شاملة، تقع فيها العواصم الأوربية تحت مطرقة التدمير الشامل. والعواصم الأوربية تتحرك وتحاول أن تتجنب الاسوء، المواقف تتفاوت مع طول المنازلة : فمن العواصم من يعبر بوضوح تام عن موقفه وينأى بنفسه عن التصعيد، ويبلغ درجة مبدأ الاكتفاء بتقديم المساعدات لأوكرانيا (بولونيا، فرنسا، ألمانيا، سويسرا). وهناك من يبلغ (بدرجات متفاوتة) درجة مساندة روسيا (سلوفاكيا، المجر، اليونان، الصرب، بلغاريا، رومانيا)، ومواقف من دول مترددة، وهكذا فإن المواقف ليست متماثلة، أو حتى متقاربة، بل تقترب من التناقض ...!

 

ينبثق من هذا التراكم في المواقف والآراء تساؤل : " ماذا تريد الولايات المتحدة ...؟ " هل هو إشعال حروب من أجل الحروب،أم تدمير روسيا وتجزئها، تعزيز هيمنتها العالمية واستنزاف اقتصادها العملاق، قطعاً هناك أهداف معلنة وأخرى خفية تستحق منا بحثاً خاصاً، ولكن ما نؤكد ه أن هناك عالم جديد يخرج ويتكون ونمط جديد في العلاقات الدولية. بعيداً عن الهيمنة الأمريكية المطلقة. وخطوة كبيرة نحو عالم متعدد الأقطاب.

 

هذا نوع جديد من الحروب، المناورة على حافة الحرب المجازفة بكل شيئ من أجل تجارة السلاح، حرب النصر فيها زعم بائس، البشرية عرفت في تاريخها 12,000 ألف حرب، كلها شنتها النظم الاقطاعية والدينية والقيصرية، والرأسمالية . وحرب أوكرانيا هي الحرب الانتحارية التي تشنها الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها وسطوتها وديكتاتوريتها . الغرب وأوربا تتنصلان من مسؤوليتها عن هذا الجنون الغبي ... هناك الولايات المتحدة الأميركية فقط، وانقلبت لديهم كافة المقاييس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأخيراً العسكرية ....!

 

المركز العربي الالماني  برلين

المراسلات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Dr. Dergham Aldabak: drdurgham@yahoo.de

 

نبوءة دقيقة

 

ضرغام الدباغ

 

وجدت هذا المقطع الفيديوي على صفحات الانترنيت، هو خطاب ألقاه الشخصية السياسية الإيطالية " جوليبتو كيبزا " الكاتب والصحفي والنائب في البرلمان الأوربي للدورة (  2004  ــ 2009 )، وهذا خطاب يبدو أنه كان قد ألقاه في إيطاليا عام 2015، ويبدو أنه كان قد أطلع على معلومات خطيرة، أعلنها في خطابه هذا، وقد وجد الخطاب طريقه للنشر صورة وصوت، وفيها معلومات، أو تنبؤات مثيرة .

 لم يكن تربص الولايات المتحدة بروسيا سراً بصفة تامة، بل كان لاتفاق جورج بوش ــ غورباتشوف في مالطا ديسمبر عام 1989، أثره في نزع التوتر الذي كان من المحتمل أنه سيفضي لصراع مسلح. التي أنهت مرحلة الحرب الباردة، المدخل الفعلي لحرب باردة جديدة، ولكن بمواصفات ملائمة لطبيعة المرحلة، ولم توفر الولايات المتحدة فرصة مهما بدت ضئيلة دون أن تضيفها كنقطة في السجال الاستراتيجي مع روسيا الاتحادية، التي أنهت مرحلة الحرب الباردة، المدخل الفعلي لحرب باردة جديدة، ولكن بمواصفات ملائمة، تصعيداً متواصلاً مع روسيا التي أخذت تلتقط أنفاسها وتستعيد جاهزيتها لكافة الاحتمالات.

 ليس سراً بالمطلق، أن الولايات المتحدة كانت تعد العدة لتشن صراعاً ضد روسيا، (بما في ذلك الصراع العسكري) تنتهي بهزيمة روسيا وتقسيمها إلى دويلات، وروسيا تحصي خطوات الولايات المتحدة وتحصيها بدقة، ومن المؤشرات الدقيقة على النوايا والخطط الأمريكية :

الحفاظ على حلف الناتو السياسي / العسكري برغم أنتفاء الحاجة إليه (منطقياً) بسبب تفكك الاتحاد السوفيتي ومنظومة البلدان الاشتراكية، ومنظمة حلف وارسو.

لم يكن الحفاظ على حلف الناتو لأغراض تذكارية رومانسية، بل والعمل دون هوادة على تطويره وصولاً إلى الأحشاء الداخلية لروسيا (جمهوريات البلطيق : لاتفيا، أستونيا، مولدافيا)، وأخيرا أوكرانيا، وسوف لن تكون استفزازاً بلا رد فعل.

منذ أكثر من عقدين، تضغط الولايات المتحدة بإلحاح على الدول الأوربية بزيادة الأنفاق على الجيوش، ولا سيما فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وفق تصور الولايات المتحدة، أن في إشاعة أجواء التوتر في أوربا وغيرها، عوامل تشد من أواصر بلدان الناتو، تحت قيادتها. في حروب تصب في مصلحتها ( الأمن القومي الأمريكي ).

الولايات المتحدة تقود البلدان الغربية في سياسة تحيق بها المخاطر، بما في ذلك الحرب النووية، وفي هذا الإطار تهدف الهيمنة على مقدرات البلدان، وزجها في معسكر منتظم منضبط بقيادتها، للأنتصار في معركتها ضد معظم بلدان العالم.

 في خطاب الشخصية السياسية الإيطالية الكثير من المغازي. نرجو الاستفادة.

نبوءة السياسي الايطالي ”جولييتو كييزا“* في محاضرة مدهشة له في عام ٢٠١٥.  (رحل عن عالمنا عام ٢٠٢٠)، أعلن فيها : -أوكرانيا ستقودها النازية بدعم أمريكي ـــ أوكرانيا المسلوبة الإرادة سيجعلها الامريكان مخلبهم لمهاجمة روسيا ـــ  سيجعلون دونباس ومذابح النازيين فيها شرارة لحرب عالمية ثالثة.  الموضوع أبداً ليس أوكرانيا، الموضوع هو تدمير أوربا كلها في حرب روسية أوربية.

 

*****************************

  سأقول الحقيقة وأموت .. هذا ما ينتظركم في 2023 ….

 أريد أن أخبركم بشيئ ....أنا مرتبك جداً.... لأني أعتقد أننا على حافة حرب، إنها حرب كبرى، هذا ما يحدث أمام أعيننا، وكما قال أحدهم أنها بداية الحرب العالمية الثالثة،  

 في بداية المواجهات في أوكرانيا سألت نفسي على الفور ، مالداعي لها فقد كان من الواضح أن أوكرانيا بالفعل بين يدي الولايات المتحدة، يتفق الجميع على ذلك، ليس العام الماضي فقط بل منذ وقت طويل، كانت الولايات المتحدة وكندا بيدهما السلطة عملياً الأمن السري وأغلب الحكومة والجيش، لتدمير القوى المؤيدة لروسيا،

 ثم سألت نفسي مالحاجة لتغير حكومة يانكوفيتش،  وبدلً من الانتظار عام ونصف العام، وأستبداله بشكل سلمي، ولكنهم قاموا بضربتهم بأستخدام الدولة النازية، أريد التشديد على كلمة نازية، القوات التي أطاحت بيانكوفيتش وسيطرت على ساحة ميدان الأوربية كان قد تم تجهيزها قبل وقت طويل في أقاليم أوكرانية وغاليسا، وخاصة في بولندا، والتحضيرات جارية في الجبهة الشمالية، على الحدود بين جمهوريات البلطيق وروسيا من أجل الحرب والاستفزاز

 قد يكون الأمر بعد أسابيع ، أور بما لعد أشهر، ولكن التحضيرات خطيرة جداً على الحدود وذلك لإقناع الأوربيين بأنه يجب ضرب روسيا، وذلك عبر العقوبات بتخفيض اصطناعي لسعر النفط والذي سيخدم سحق الصادرات الروسية إلى أوربا وبقية العالم ويخلق ظرفا لأزمة اقتصادية واجتماعية في روسيا، والذي يفترض أن يؤدي إلى ثورة ملونة حتمية علينا أن نفهم أن نشبت حرب فلن تكون حربا صغيرة، بل حربا مدمرة. علينا أن نجيب على سؤال، لماذا هم في عجلة من أمرهم ..؟ لأن السادة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة يعلمون أن القرن الثاني والعشرين لن يكون أمريكيا، إلا عبر انتصارهم عسكرياً،

 أوكرانيا ستقودها النازية بدعم أمريكي ـــ أوكرانيا المسلوبة الإرادة سيجعلها الامريكان مخلبهم لمهاجمة روسيا ـــ  سيجعلون دونباس ومذابح النازيين فيها شرارة لحرب عالمية ثالثة.  الموضوع أبداً ليس أوكرانيا، الموضوع هو تدمير أوربا كلها في حرب روسية أوربية

 إنهم أذكياء يفهمون أن عليهم قيادة 7 مليارا إنسان كأنهم يقودون واحداً لكن هناك دولة واحدة قادرة على الدفاع عن 7 مليار إنسان، فقط دولة واحدة قادرة على الدفاع عن نفسها وعنا في هذه اللحظة ولهذا السبب أميركا خائفة، إنها روسيا ...

 لا أعتقد بأن علينا الاستخفاف بالفريق الذي يقود أميركا، لا أتحدث عن أوباما الذي فقد السلطة منذ زمن بعيد، فهم يدركون أنه بعد روسيا، بعد أن ينجحوا بهزيمة روسيا، سيكون أمامهم عدو من الصعب تخطيه، يدعى الصين، بمليار و400 مليون إنسان، لن يتم حكمهم من قبل 300 مليون أمريكي من بين الأقل ثقافة والأقل تحضراً الهجوم على روسيا هو ايضاً كما قلنا : هجوم على أوربا، ضدنا نحن ضدنا بشكل مباشر نحن الحلفاء، إنهم يهاجموننا بشكل منهجي، ولأكون واضحا، يمكن استعادة سيادتنا إن خرجنا من الناتو، ولنعود ونكون دولة ذات سيادة وحيادية،

 أعتقد أن هذه ستكون كلمة السر التي ستوحد جزءاً كبيرا من إيطاليا، فالإيطاليون يعلمون بأن الناتو ودفاعاته سيكونون بلا نفع، في حالة الحرب التي أتحدث عنها التي ستكلفنا 8 مليون يورو يومياً،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جولييتو كييزا أستاذ جامعي إيطالي، كاتب وصحفي، عضو البرلمان الاوربي (٢٠٠٤ - ٢٠٠٩)، ومؤلف لكتب عديدة حول السياسات العالمية.

 

https://www.facebook.com/hassan.akif.7/videos/735852561372369

 

 

 

الولايات المتحدة منزعجة

من السياسة المصرية ...!

ضرغام الدباغ

 

في إحدى اجتماعات مجلس الوزراء المصري (في أواخر الستينات)، أراد أحد الوزراء أن يزف بشرى للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقال للرئيس، " سيادة الرئيس لدي تقرير من إحدى المنظمات الدولية تشيد بأداء الاقتصاد المصري وهذا هو التقرير تفضل ".فأجابه الرئيس الراحل،" لا أعتقد أن التقرير هذا يقصد الثناء على أدائنا، بل حتماً هناك خلل ما يقصدون إلهائنا عنه، وعلينا أن نجد هذا الخلل هذه المنظمات تعمل تحت سيطرة الإمبريالية التي تحاربنا ليل نهار، بأعلى الأساليب وأكثرها انحطاطاً، فتش عن الخطأ في عملنا سيادة الوزير ".

قلت أن هذا حدث في نهاية الستينات، في مرحلة كانت تجارب الرئيس الراحل قد بلغت درجة عالية من النضج ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الرمادي ناهيك عن الخط الأسود الحالك السواد. والسياسة السوداء الحالة السواد هي ما تمارسه الولايات المتحدة حيال كل نظام وطني تبدر منه مؤشرات التقدم والقوة والمنعة ... وخصوصا النظام المصري الذي لا ينبغي أن يخرج عن السيطرة مطلقاً، والأمريكان لا يفهمون شيئاً عدا مفاهيم القوة والسيطرة وسياسة الإذعان، وإبقاء الأنظمة في خدمة مخططاتها المحلية والعالمية.

القيادة المصرية رفضت أن تستجيب كليا للمطالب الأمريكية ومنها :

أرسلوا أسلحة جيشكم إلى أوكرانيا،

إلقاء الشبهات حول مكانة الجيش المصري، فنحن نريدكم أن تبقوا ضعاف تحت هيمنتنا،

لماذا تطورون البنى الأرتكازية في مصر (Infrastructure)، (البنى الأرتكازية هي الخطوة الأولى نحو النهضة الاقتصادية الشاملة)،

لا ينبغي لكم أن تكون لكم علاقات خارجية متوازنة مع روسيا والصين مثلاً،

لماذا تضايقون أثيوبيا بشأن مياه نهر النيل وسد النهضة،

لماذا تحاولون لعب دور مهم في القارة الأفريقية، فنحن من يوزع الأدوار ..!,

من هذه المؤشرات الواضحة تماماً، أن هذا ضرب من الاستعمار هو  أسوء من الأنظمة الكولونيالية القديمة، فهو يتدخل في كل شيئ، ويحول الدول إلى مجرد كيانات بخدمتها،  ونفهم أن الإدارة الأمريكية يزعجها أن يتمتع حلفاؤها بصحة جيدة، وإن تمتعوا بالصحة الجيدة، فيجب أن يكونوا تحت إمرتنا وقادتنا بصورة تامة  100% وأقل من هذا بمليمتر واحد لا نقبله حتى من بريطانيا، وفرنسا وألمانيا حلفاؤنا المقربين في أوربا، والرضوخ التام يعني دعوا إسرائيل تقود المنطقة بالوكالة، وتحت الهيمنة الكلية للولايات المتحدة، فهي (الولايات المتحدة) وهذا عجيب، لم تتعظ بهزائمها المرة، وبخسائرها للمنازلات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومساحة حلفائها تتقلص يوما بعد يوم، ولكنها لا ترعوي ..ولا تتمعن في معطيات الواقع الموضوعي بدقة ... مصر اليوم تناهز 110 مليون نسمة، وهؤلاء بشر تتضاعف حاجاتهم الانسانية، وإنتاجهم على كافة المستويات، وكبلد كبير (أكبر بلد في افريقييا) له همومه الأمنية (المياه في مقدمتها) وهي موضع تآمر من قبل أمريكا، والكيان الصهيوني يتمادي في غيه وعدوانه، وأميركا لا تريد لجمه، بل تشجعه على العدوان، ورغم ذلك تريد من الجميع القبول بهذا التسع والتساهل مع المعتدي ..!

 

بأختصار شديد ... حين نجد الولايات المتحدة، تناهض النظام المصري، وتتآمر عليه بكافة الأساليب، فهذا يعني أن النظام المصري يدخل في عمق وظائفه، ويتصدى للمشكلات الأساسية، ويجد الحلول لها، وهو في طريقه لأستخدام أمثل للقدرات والثروات الطبيعية، وتعبئة جيدة للقدرات البشرية. ومواقف صائبة حيال المواقف المحلية والعربية والأفريقية والعالمية ..

تثير الولايات المتحدة لغطا شديداً للبنى الأرتكازية (Infrastructure) في أن اقتصادات التنمية، تشترط أن البنى الارتكازية هي الشرط الأساسي للإقلاع بعملية تنمية حقيقية، وحلول جذرية وليس ترقيع للمشكلات، ومصر بخطوط سكك حديدية حديثة، وجسور، وقنوات، ومعالجة طموحة لمشكلات المياه، والإسكان، وتلبية لحاجات الإنسان الأساسية، تضع مصر على الطريق الصحيح، والبنى الارتكازية ليس لها مردود مالي مباشر، ولكنها تفتح الطريق لنهوض اقتصادي عام، وهذا هو ما يزعج الولايات المتحدة، أن تجد مصر تلعب دوراً مهماً وهي تتطور بعلمية وتتقدم بخطى ثابتة، وهو ما يستدعي أن تتحرك أمريكا ضدها .

 

 

لماذا أنهار الغرب

 

ضرغام الدباغ

 

 

هناك مصدران مهمان، يبحثان في سقوط الإمبراطوريات العظمى في التاريخ: الأول وهو الأهم هو كتاب العلامة العربي الكبير أبن خلدون والذي لا غنى مطلقا عن دراسته وهو " المقدمة " والكتاب الآخر وهو حديث نسبياً وهو للعالم البريطاني / الأمريكي باول كنيدي (  Paul Kennedyصعود وسقوط القوى العظمى

 

لنتأمل ونتخيل، وفاة الاتحاد الأوربي، وأعتقد أنه قد توفي، ولكن إصدار شهادة الوفاة سيستغرق وقتاُ لا أستطيع تقديره ..! وسوف لن يكون هناك بيان يصدر فيه هتاف وصراخ .... كلا .. الناس هناك لا يحتفلون ولا يحزنون بالصراخ والضجيج ..! بل سيتم الأمر بهدوء، وبطريقة توحي لك أنهم استبدلوه بصيغ أخرى ... ولكنه في جميع الأحوال توفي ولا قيام بعده ولا ينفع نطس النطاسون مهما برعوا، في إعادته للحياة ..

 

الحلم الذي حلم به الرئيس الفرنسي ديغول والمستشار الألماني أديناور، والذي أستغرق بناؤه منذ بداية خمسينات القرن الماضي، ثم توالت عملية الطبخ على نار هادئة على يد خلفاؤهما بهدوء لكي لا يثيروا هواجس الآخرين .. الآخرون الذين يرمقون قيام أتحاد كبير، ستشكل كتلة كبيرة في توازنات القوى السياسية / الاقتصادية / العسكرية في العالم، فأن تتقاسم العالم بين طرفين شيئ، وبين ثلاثة أو أربعة أطراف شيئ آخر، وهو أمر غير مستحب للولايات المتحدة، التي ستتهم الأوربيين بقلة الضمير والوفاء، أما (الأطراف) القوة العظمى الأخرى فهي الاتحاد السوفيتي والروس فهم يتقنون العزف على أوتار السياسة الأوربية فسترى أن التناقضات والصراعات ستعم الحلفاء الرأسماليون اليوم أو غداً بينهم، فالتاريخ العالمي لا يعرف حروبا إلا تلك التي كان التوسع وإعادة التقسيم وكسب المزيد من النفوذ والمكاسب ديدنها، دعهم يشعرون بالأمان، فسترى أن الصراع سينشب بعد وقت قصير، وقصير جداً.

 

لماذا توفي الاتحاد الأوربي، وكان يمنح صورة وردية، حين بلغ اليورو في بعض أيامه، دولاراً ونصف الدولار، ولكن تلك كانت في مرحلة انغماس (انحطاط) الولايات المتحدة في حروبها الدون كيشوتية في أفغانستان ثم في العراق، حيث كانت تحرق يوميا مئات الملايين من الدولارات لحروب عبثية لا معنى لها .. حينها انحط الدولار أسوء انحطاطه، وبلغت أوربا قمة ازدهارها، فكان رد فعل الولايات المتحدة، أن القارة الأوربية قد تمثل ثقلاً في التحالف الغربي / المسيحي العريض، وبالتالي فإن نفوذ الولايات المتحدة ماض في التقلص ضمن محيطها، إضافة للتقلص البطئ على الصعيد العالمي بتعاظم  قوة الصين، ومساعي الروس في استعادة هيبة وسطوة الاتحاد السوفيتي، عبر هيمنتها على أسواق الطاقة في أوربا.

 

بغباء مثير للدهشة، راحت الولايات المتحدة تدمر علاقاتها مع دول وكتل كان يفترض أن تحرص عليها اشد الحرص، فخسرت كتلة كبيرة في العالم تربو اليوم على مليار ونصف من البشر المسلمين منتشرين في جميع قارات العالم، وخسرت بسبب جموحها الشديد نحو الهيمنة في أوربا حلفاء وأصدقاء، وتسببت الاعتداءات والحروب التي شنتها على أمم وشعوب كثيرة، وميلها الشديد نحو النهب والسطو،  فالأطماع و السعي نحو السيطرة، ما أفقد العالم الغربي وحدته، ولم ينجم عن استخدامها القوة المفرطة إلا أسوء العواقب بنتيجة إجمالية ملحقة الضرر بالمصالح الأمريكية الاستراتيجية.

 

والغريب أن لا تستفيد الولايات المتحدة من تجاربها ونكساتها، الولايات المتحدة لا تقبل بعلاقات صداقة، تحالف، بشروط متكافئة، وحين حاولت بريطانيا وفرنسا أن تتصرفا كقوتين عظميين عام 1956، وشنتا بالتحالف مع العدو الصهيوني العدوان على مصر، بدون استلام الأذن والموافقة من الولايات المتحدة، تلقيا عقابا صارماً قاسياً قذف بهما إلى الوراء كدرجة ثانية من القوى العظمى.

 

الولايات المتحدة كانت هي الساعي من إضعاف الاتحاد الأوربي بدرجة لا تقوى على امتلاك إرادتها، بل وقامت الولايات المتحدة بقيادة تكتلان ضمن الاتحاد الأوربي ضد محاولات ألمانيا وفرنسا في جعل وتطوير الاتحاد الأوربي إلى كيان سياسي / اقتصادي / عسكري قادر على المواجهات. وأسست الولايات المتحدة لها أكثر من رأس جسر في أوربا لهذا الغرض : بريطانيا، النرويج، بولونيا، وربما فلندة أيضاً، بدرجة دعت مؤسسات وشخصيات فرنسية وألمانية، التصريح أن معركة أوكرانيا هدفها هو إركاع ألمانيا وفرنسا ..!

 

ما هي ملامح الموقف الحالي (النصف الأول من عام 2022) في الاتحاد الأوربي ...؟

 

1. انسحاب بريطاني رسمي.

2. الاتحاد يوجه عقوبات لخروج المجر (هنغاريا) وإيطاليا من موقف الاتحاد حيال الأحداث الأوكرانية.

3. مظاهرات في العديد من البلدان تطالب بالانسحاب من أوربا (ألمانيا، فرنسا، جيكيا.

4. تلميحات تصل لدرجة التصريح، في شخصيات ومصادر في فرنسا وألمانيا، أن الحرب في أوكرانيا الهدف الأساسي منها تدمير فرنسا وألمانيا ...!

5. إحياء سياسات العسكرة والتسليح،

 

ولنتأمل كيف وماذا وبأي احتمالات وأي سيناريو، ومفردات سيتم هذا الأمر ..

 

تفسخ الاتحاد الأوربي بشكل تام، بعد أن ستقاتل الولايات المتحدة في أوكرانيا على حساب الأوكرانيين، وستحسب ما تمكنت من ذلك، دولاً أوربية، المتروبولات الرأسمالية الصغيرة تقاتل رغماً عنها من أجل المتروبول الأكبر.

تبقى ألمانيا وفرنسا (مؤقتاً) والنمسا، وهولندة وجيكيا وسلوفينيا ضمن الاتحاد الأوربي (كتلة البلدان الألمانية).

أن تنجح قوى اليمين في عدة دول أوربية بالوصول للحكم، فتنشأ تحالفات جديدة مناهضة للفاشية والنازية والعنصرية.

ستكون أميركا غائبة عن المسرح الأوربي، مع وجود بصمات غير فاعلة لها في: بريطانيا، النرويج، بولونيا.

بعد غياب الوجود الفاعل للولايات المتحدة في أوربا، سيشجع قيام أنظمة تميل للتعاون مع روسيا، وخاصة في شرق أوربا.

تشكيل تحالفات سياسية بين قوى:

الأحزاب الشيوعية السابقة، الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية وخاصة (ألمانيا، فرنسا، النمسا، إيطاليا، أسبانيا).

التكتل الروسي / الأرثودوكسي (روسيا، بيلوروسيا، صربيا، وربما: اليونان، بلغاريا، رومانيا، سلوفاكيا أوكرانيا، عدد من الجمهوريات الصغيرة بعد أن تتضح الصورة الأخيرة).

تكتل البلدان اليمينية (في حاول نجاحها بالوصول للحكم).

 

7. ستشهد الولايات المتحدة، في الداخل (هي الآن في مرحلتها الجنينية) تحركات وانشقاقات وصراعات أثنية وطائفية، ستتبلور بين أقطاب رأسمالية بكيانات مختلفة، ولكن بجوهر اقتصادي.

8. باختصار شديد .. الأزمة الأوكرانية أطلقت عمليات سياسية واقتصادية، وصراعات خفية وعلنية، والموقف سوف لن يعود إلى ما كان عليه قبل شباط / 2022، ولكن العملية تفضي إلى تضاؤل قيمة أوربا سياسيا واقتصاديا وعسكرياً.

 

هذه مرتسمات عامة، تحتمل التأخير أو التقدم، وشدة الظروف ستعمل على منح النتائج أبعاد جديدة .... ولكن التحولات انطلقت ولا تحتمل العودة

 

 

قمة بريكس في جوهانسبرغ

 

 

د. ضرغام الدباغ

 

انطلقت أجتماعات مجموعة بريكس في 22 / آب ــ أوغست في جوهانسبرغ / جنوب أفريقيا، وأستغرقت 3 أيام، وسط تفاؤل عالمي ببروز قطب دولي يطرح علاقات دولية أكثر عدالاً وتكافؤاً، وملامسة تفضي لمعالجة جدية للمعضلات الدولية السياسية / الاقتصادية، التي فشلت الأمم المتحدة ونظام العلاقات الدولي في إيجاد حلول سلمية لها، وهو ما قاد إلى اندلاع أزمات وحروب لم تتوقف منذ نهاية الحرب العالمية وحتى الآن، بل وأن الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون  عبر في كتاب شهير له  (so verlieren wie den Frieden) " هكذا فقدنا السلام " وبعد أن قدم إحصاءات دقيقة، من أن العالم شهد بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية السبعينات، عدد كبير من الحروب خسر فيها أعداد كبيرة من البشر حياتهم، وأنفقت أموالاً طائلة، وأستهلكت أسلحة وعتاد حربي يفوق ما أنفق وأستهلك في الحرب العالمية الثانية. وهذا دليل ناصع على عدم قدرة النظام الدولي أستيعاب النزاعات السياسية التي تتطور غالباً إلى صراعات عسكرية مباشرة أو حروب بالوكالة (proxy war).

 

أولاً : محطات على طريق التأسيس

بعد عقد أول اجتماع لمجموعة ضم البلدان الأربعة الأعضاء المؤسسة للمجموعة (بريك) يوم 16 يونيو/حزيران 2009 بمدينة يكاترينبرغ في روسيا، أما الاجتماع الثاني فقد عقد يوم 16 أبريل/نيسان 2010 في العاصمة البرازيلية برازيليا. وقد أكتسب هذان الاجتماعان الطابع المؤسسي على مؤتمرات المجموعة، ومن ثم أسهما في تشكيل واقع جيوسياسي جديد.

وفي 14 أبريل/نيسان 2011، عقدت القمة الثالثة للمجموعة، في سانيا بجمهورية الصين، وهي أول قمة للمجموعة التي أصبحت تسمى بريكس، بعد الانضمام الرسمي لجمهورية جنوب أفريقيا.

أما مؤتمر القمة الرابع للمجموعة، فقد عقد يوم 29 مارس/آذار 2012 في مدينة نيودلهي بالهند، في حين عقد مؤتمر القمة الخامس يوم 28 مارس/آذار 2013 في ديربان، بجنوب أفريقيا.

وفي سبتمبر/أيلول العام نفسه، أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق الذي يعد مشروعا دوليا جديدا بديلا لطريق الحرير.

وفي 17 يوليو/تموز 2014، عقدت القمة السادسة للمجموعة في فورتاليزا بالبرازيل. أما القمة السابعة، فقد عقدت بمدينة أوفا في روسيا عام 2015، وهو نغس العام الذي شهد الافتتاح الرسمي لـ"بنك التنمية الجديد" (NDB)، وهو مؤسسة مالية تابعة لمجموعة بريكس مقره في مدينة شنغهاي بالصين، ويعتبره مؤسسوه بديلا للبنك الدولي.

عام 2016، عقد قادة دول بريكس (رئيس البرازيل ميشيل تامر، ورئيس روسيا فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس الصين شي جين بينغ، ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما) اجتماعا في مدينة شنغهاي بالصين حيث المقر الرئيسي لبنك التنمية الجديد.

وفي الرابع من سبتمبر/أيلول 2017، عقدت دول بريكس القمة السنوية للمجموعة في شيامين بالصين، وانضمت إليها في هذه القمة كل من تايلند والمكسيك ومصر وغينيا وطاجيكستان كدولا مراقبة، لمناقشة خطة "بريكس بلس"، التي تهدف إلى التوسع المحتمل للمجموعة.

وفي الفترة الممتدة من 25 إلى 27 يوليو/تموز 2018، عقد قادة بريكس قمتهم العاشرة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، وتمحورت أشغال هذه القمة حول إقامة تعاون اقتصادي متزايد في بيئة اقتصادية دولية متغيرة، على خلفية الفشل الذي عرفته قمة مجموعة السبع الصناعية الكبرى، وحضرت تركيا القمة بصفتها رئيسة لمنظمة التعاون الإسلامي.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عقد مؤتمر القمة الحادي عشر للمجموعة في العاصمة البرازيلية برازيليا، وعرفت هذه القمة مناقشة التطورات في مجالات العلوم والابتكار لدول بريكس، وأيضا تطوير التكنولوجيا والعملة الرقمية.

وقد أبرمت في هذه القمة اتفاقات متبادلة للمساعدة في وقف الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة، وأعلن بيانها الختامي "الالتزام بتعددية الأطراف وتعاون الدول ذات السيادة من أجل تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم".

وعقد مؤتمر القمة الثاني عشر لمجموعة بريكس يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في سانت بطرسبورغ في روسيا، بالشراكة مع منظمة شنغهاي للتعاون عبر تقنية التناظر المرئي في أثناء جائحة كورونا. وناقشت هذه القمة اتفاقا متبادلا حول مساعدة الدول الأعضاء لمجموعة بريكس من أجل مستويات معيشة أفضل وتحسين مستوى معيشة شعوب هذه الدول.

وفي التاسع من سبتمبر/أيلول 2021، عقد مؤتمر القمة الثالث عشر في نيودلهي بالهند عن طريق تقنية التناظر المرئي،

عقد المؤتمر الرابع عشر في بكين بالصين يوم 23 يونيو/حزيران عام 2022.

 

فالبشرية في جميع أرجاء العالم تتوق إلى عالم يخلو من النزاعات الحربية، وقيام مجتمع دولي أكثر عدلًا يجد فيه البشر السلم والحرية، والعدل، وعلاقات بعيدة عن النهب، ومجتمعات تولي التعليم وصحة الإنسان، وحاجاته الأساسية الأهتمام الأكبر. ومجموعة بريكس التي تضم في عضويتها كمؤسسون : الصين، روسيا، الهند، البرازيل، أنظمت لهم جنوب أفريقيا عام 2010،

 

وأخيراً وليس آخراً، اجتمعت المنظمة في جوهانسبرغ في آب / 2023، وفي جدول أعمالها فقرة رئيسية، هي ضم ستة بلدان جديدة إلى المجموعة، وكان المؤتمر الأول الذي أنبثقت منه المنظمة في التاسع من حزيران / 2009، أي قبل نحو 14 عاماً خلت، وهذا يدل على الجرد الدقيق والتمعن في تشكيل المنظمة، وأهم الموضوعات الرئيسية التي جرى بحثها بها هو : إيجاد حل لمشكلات النظام المالي العالمي، وقضايا إمداد الأغذية. وتشكل مساحة البلدان الخمس المؤسسة نحو ربع مساحة العالم، وعدد سكانها يقترب من 40% من سكان العالم، ومنذ عام 2000 إلى عام 2008 أرتفع حصة البلدان الأربعة (روسيا، الصين، الهند، البرازيل) في الناتج العلمي بسرعة من 16% إلى 22% . وبحسب مؤسسات اقتصادية عالمية (كمؤسسة غولدمان ساكس ) من المتوقع أن تتمكن المجموعة من منافسة أقوى الاقتصادات في العالم، كما من المتوقع أن تشكل حلفاً أو تجمعا ً سياسياً فيما بينها. والطموح هو أن تتمكن من تمثيل الأغلبية العالمية.

 

 وفي مناقشات جوهانسبيرغ، التي توجت بضم ستة أعضاء جدد وهم المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية، إيران، مصر، أثيوبيا، الأرجنتين، لتكتسب مزيداً من الأنتشار والمكانة السياسية والاقتصادية المضافة. جرى التأكيد على المبادئ الرئيسية التي قامت عليها المنظمة وهي :  التعاون على أساس مبادئ المساواة ودعم الشراكة واحترام مصالح بعضنا بعضاً، وهذا هو جوهر المسار الاستراتيجي للمجموعة. وهو المسار الذي يلبي تطلعات القسم الأكبر من المجتمع العالمي، ( الأغلبية العالمية) " وأن التجمع يعتبر نقطة انطلاق تاريخية جديدة، لإرث الصداقة ولتعميق التعاون وتعزيز التنسيق وهي التطلعات المشتركة لبلدان المجموعة وهي كذلك المهام الكبرى الملقاة على عاتقنا" . والسعي لعالم أفضل وأكثر إنصافا يطلق العنان لإمكانات جميع سكان العالم". كما أعتبر المؤتمر أنه من الأهمية الخاصة، في ظل حرب روسيا على أوكرانيا والصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، إذ ترفع الدول الأعضاء بالمجموعة شعارات عالم أكثر توازنا وأمنا، والدعوة لإنهاء عصر القطب الواحد.

 

ثانياً : توسع المنظمة

ويشمل جدول أعمال القمة الـ15 (آب / 2023) للمجموعة احتمالات التوسيع المستقبلي للعضوية في بريكس،  وقد أعربت 40 دولة على الأقل عن اهتمامها بالانضمام إلى بريكس، من بينها إيران والسعودية وبنغلاديش والأرجنتين.

وكانت التحضيرات للمؤتمر قد تضمنت دعوة 69 دولة لحضور قمة جوهانسبرغ، من بينها جميع الدول الأفريقية، وسبق أن عبّر عدد من هذه الدول عن الرغبة في الانضمام للتكتل، ومن بينها الجزائر ومصر وإثيوبيا. كما عبرت البرازيل عن تأييدها لأنضمام الأرجنتين إلى بريكس، خلال الأشهر القليلة الماضية، أعلنت 6 دول أفريقية رغبتها في الانضمام إلى مجموعة "بريكس" (BRICS) ليبلغ العدد الإجمالي للمرشحين المحتملين 20 دولة.

وذكر تقرير نشر على موقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية" أن الجزائر ومصر ونيجيريا والسنغال والسودان أعلنت رسميا رغبتها في الانضمام إلى مجموعة بريكس. وكانت إثيوبيا آخر دولة أفريقية كشفت عن نيتها في هذا الخصوص نهاية يونيو / حزيران الماضي. وهنا يستحق التنويه أن التجمع يؤكد على التمثيل المتكافئ للقارات.

وبعد عام 2020 كان هناك نشاط وتحرك لتوسيع المجموعة، حيث أبدت : الجزائر والارجنتين، زالبحرين وبنغلادش وبيلاروسيا، ومصر وأندنوسيا، وإيران والمكسيك ونيجيريا وباكستان، والسعودية وسوريا، وتونس وتركيا والإمارات وفنزويلا وزمبابوي، أهتمامها بعضوية بريكس.

وضمانا لمبدأ التمثيل الجغرافي، فإن إدراج الدول الأفريقية في مجموعة بريكس تعد خطوة منطقية، وبضمها إلى المجموعة يمكن القضاء على "الميول الآسيوية" الذي يتجلى في وجود 3 من أعضاء بريكس تقع جزئيا أو كليا في آسيا.

ومن أجل تمثيل أكثر شمولا ينبغي الأخذ بعين الاعتبار جملة من العوامل مثل الانتماء الديني واللغوي، وكذلك الوضع الاقتصادي للدول الأعضاء المحتملة. وبناء على ذلك، بات من الضروري زيادة وجود المسلمين وكذلك البلدان الفرانكوفونية أو الناطقة باللغة العربية في مجموعة بريكس.

وكانت تقارير قد رجحت قبول السنغال أو مصر ضمن بريكس كونهما من مراكز انتشار الإسلام في القارة الأفريقية وتعتمدان الفرنسية أو العربية لغة رسمية، إلى جانب موقعهما الإستراتيجي.

والثقل الاقتصادي والعائد الديمغرافي والمكانة الجيوسياسية من بين العوامل التي تؤخذ بعين الاعتبار في توسيع مجموعة بريكس، وهذا متاح في عديد من الدول الأفريقية، ومن بينها نيجيريا أيضاً.

 والعوامل الديمغرافية ستؤخذ بنظر الاعتبار أيضاً، وهنا، تندرج إثيوبيا في قائمة أكثر المشاركين المحتملين للانضمام إلى مجموعة بريكس كونها ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في القارة، لكن تعثر نموها الاقتصادي في السنوات الأخيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي الداخلي سيمثل عاملا سلبيا.

مكانتها في العلاقات الدولية، إذ يمثل أنخراط الجزائر في النزاع الطويل الأقليمي مع المغرب  من العناصر السلبية، سيؤدي ربما، إلى تجنب المشاركة المحتملة لبريكس في حل المشاكل العسكرية والسياسية الحادة. فيما لا تعد علاقات مصر وإثيوبيا ونيجيريا والسنغال " الحسنة مع الغرب" من العوامل السلبية . أما السودان، ففي ظل أزمة حادة وغياب سبيل التنمية المستقبلي لا يمكن اعتباره في الوقت الحالي قوة قادرة على المشاركة في التحول الموجه لصيغة بريكس.

 

ثالثاً : الآفاق الاقتصادية للمنظمة

وتمثل بريكس، و42% من سكان العالم، وأكثر من 16% من التجارة العالمية. وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة "مجموعة السبع" (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.

وتكشف الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%.

وكان إنشاء بنك التنمية الجديد "إن دي بي" (NDB) في عام 2014 برأس مال قدره 50 مليار دولار عند بدء التشغيل علامةً بارزة أخرى، وذلك لتوفير الاحتياطي الطارئ لمجموعة البريكس، وهي آلية سيولة توفر الدعم للأعضاء الذين يواجهون ضغوطا قصيرة الأجل في ميزان المدفوعات أو عدم استقرار العملة.

ومنذ إنشائه في عام 2015، أقرض البنك 33 مليار دولار نحو 100 مشروع، في وقت انضم فيه 3 أعضاء جدد في السنوات الثلاث الماضية، هي بنغلاديش ومصر والإمارات العربية المتحدة، وانضمت إلى هذا البنك مؤخرا كل من أوروغواي والإمارات العربية المتحدة وبنغلاديش ومصر بصفتها أعضاء جددا. ولا تحتاج الدولة إلى أن تكون عضوًا في البريكس للانضمام إلى البنك.

ويلاحظ بعض الخبراء، أن نموذج بنك التنمية الجديد لا يختلف عن نموذجي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إذ إنه مملوك لأعضاء البريكس، ولكن تم وضعه بديلا للنموذج الرأسمالي العالمي نفسه. بنك التنمية الجديد أقرض 33 مليار دولار لنحو 100 مشروع، وبلغ رأس مال البنك، الذي هو بمثابة بنك تنمية متعدد الأطراف تديره دول بريكس الخمس، حينها 50 مليار دولار مع احتمال بلوغه 100 مليار دولار في غضون عامين.

والدور الأساسي لهذا البنك هو منح قروض بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع البنيات الأساسية والصحة والتعليم، وما إلى ذلك، في البلدان الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى.

أما بالنسبة لصندوق الاحتياطي، فخُصص له مبلغ 100 مليار دولار تحسبا لأي أزمة في ميزان الأداءات. ويعد هذا الصندوق إطارا لتوفير الحماية من ضغوط السيولة العالمية.

وهذا تشمل المناقشات الاقتصادية، قضايا العملة، إذ إن العملات الوطنية للدول الأعضاء في المجموعة تتأثر سلبا بالضغوط المالية العالمية، خاصة الاقتصادات الناشئة التي شهدت تحريرا اقتصاديا سريعا ومرت بتقلبات اقتصادية متزايدة.

إضافة إلى ذلك، بدأ قادة دول بريكس، خلال القمة التي عقدت في روسيا عام 2015، مشاورات لنظام دفع متعدد الأطراف، يكون بديلا لنظام الاتصالات المالية بين البنوك العالمية "سويفت" (SWIFT)، من شأنه أن يوفر قدرا أكبر من الضمان والاستقلالية لدول مجموعة بريكس.

وأشار مراقبون أن بعض صانعي السياسات في أوروبا والولايات المتحدة يشعرون بالقلق من أن تصبح دول البريكس ناديا اقتصاديا للقوى الصاعدة التي تسعى للتأثير على النمو والتنمية العالميين.

وجدير بالذكر، أن مجموعة بريكس تضم اقتصاديات عالمية وهو ما خول لها أن تمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال عام 2021. وهذه الحصة آخذة في الارتفاع بالنظر إلى تنامي أهمية البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في قطاعات معينة على رأسها الزراعة والتعدين وعلوم الصواريخ.

لكن وفقا لإستراتيجية الشراكة الاقتصادية حتى عام 2025 لا تتمثل المهمة الرئيسية لمجموعة بريكس في احتكار السوق العالمية، بل في "تعزيز الترابط"، أي بناء العلاقات المتبادلة في جميع القطاعات من الاقتصاد إلى الاتصالات الإنسانية. ولا تتأخر الدول في بريكس الإعلان أن الهدف من اتحاد هذه الدول ليس مواجهة قوة أخرى، بل تحقيق منفعة متبادلة وطويلة الأمد. بالإضافة إلى :

العمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار.

السعي إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وكذا الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف.

التنسيق والتعاون بين دول المجموعة في مجال ترشيد استخدام الطاقة من أجل مكافحة التغيرات المناخية.

تقديم المساعدة الإنسانية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا يشمل معالجة قضايا مثل الأمن الغذائي العالمي.

التعاون بين دول بريكس في العلوم والتعليم والمشاركة في البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي المتقدم.

وتتوقع الدول الأعضاء للمجموعة أن تحقيق هذه الأهداف من شأنه أن يعطي زخما جديدا للتعاون الاقتصادي على مستوى العالم.

السعي إلى تحقيق نمو اقتصادي شامل بهدف القضاء على الفقر ومعالجة البطالة وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.

توحيد الجهود لضمان تحسين نوعية النمو عن طريق تشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وتنمية المهارات.

السعي إلى زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في مجموعة بريكس.

تعزيز الأمن والسلام من أجل نمو اقتصادي واستقرار سياسي.

الالتزام بإصلاح المؤسسات المالية الدولية، حتى يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر من أجل تمثيل أفضل لها داخل المؤسسات المالية.

 

رابعاً : هل هناك عملة دولية جديدة

ستسعى دول مجموعة بريكس إلى إطلاق عملة موحدة بينها تنهي بها هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي، إذ أعلن ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يونيو/حزيران 2022، مشددا على أن مجموعة بريكس تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء.

هذا الأمر أكده أيضاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يناير/كانون الثاني 2023، حينما قال إن مسألة إصدار عملة موحدة لدول مجموعة بريكس ستناقش في القمة المقبلة المقرر عقدها في جنوب أفريقيا نهاية أغسطس/آب 2023. وقال خلال مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الأنغولية لواندا، عقب الزيارة والمباحثات التي أجراها مع الرئيس الأنغولي، وقال "هذا هو الاتجاه الذي تسير فيه المبادرات، التي ظهرت قبل أيام فقط، بخصوص الحاجة إلى التفكير في إنشاء عملات خاصة داخل مجموعة دول بريكس، وداخل مجتمع دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي " . وهذه نقطة بالغة الأهمية على طريق تقليص هيمنة الدولر في المبادلات التجارة الدولية.

وفي ذات الاتجاه صرح رئيس البرلمان الروسي (الدوما) على هامش المنتدى الاقتصادي لرجال الأعمال الهنود، مطلع أبريل / نيسان / 2023، إن "مجموعة دول بريكس تخطط لإصدار عملة موحدة للتداول فيما بينها لكسر هيمنة الدولار باعتباره الوسيط الرئيس للتجارة والتسويات الدولية".

ولم تحسم بعد دول بريكس شكل العملة الجديدة، وتأتي العملات الرقمية ضمن الأفكار المطروحة لهذه العملة التي ستُنشأ على أساس إستراتيجي، لا على أساس الدولار أو اليورو، بل سيكون تأمينها بالاعتماد على الذهب والمعادن النفيسة.

وتسابق دول بريكس الزمن (خاصة روسيا التي تخوض حربا عسكرية ضد أوكرانيا وحلفائها الغربيين، وأخرى اقتصادية ضد العالم الغربي) لإصدار هذه العملة الموحدة، بالنظر للعقوبات القاسية المفروضة عليها من طرف الولايات المتحدة وعديد من الدول الأوروبية.

وتهدف هذه الخطوة إلى كسر هيمنة الدولار الأميركي وإنهاء تحكمه في الاقتصاد العالمي، وفي الوقت نفسه ترى دول بريكس في الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة مواتية لإصدار هذه العملة والاستفادة من التذمر المتزايد من السياسات الأميركية.

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

 

 

القضية العراقية

في شبكة العلاقات الدولية

 

ضرغام الدباغ

يتداخل الموضوع العراقي في جداول عمل دول كبرى وغير كبرى، وتكاد القوى الكبرى تتفق أن العراق بما يمثله من ثقل سياسي واقتصادي وعسكري، يمثل بيضة القبان في توازنات الشرق الأوسط.، ولدينا الأدلة المادية الكثيرة والشواهد التي تؤكد هذه النظرية. وهذه الحقيقة إذا وافقنا عليها، فهذا يعني أن العراق سيمثل الفقرة الرئيسة في جدول مناقشات وخطط الشرق الأوسط الحالية والمستقبلية.

ولدينا من المؤشرات الكثيرة التي تؤكد أن الغرب ينظر للعراق نظرة أرتياب وشك، حتى في العهد الملكي، وحتى بعد قام حلف بغداد في العاصمة العراقية، وبعد أكثر من 20 عاماً على الاحتلال الثلاثي (الأمريكي الاسرائيلي والإيراني) أتضحت خيوط كثيرة، ومن تلك أن الولايات المتحدة رغم متانة صلاتها بالكيان الصهيوني، إلا أنها لم تبلغ لدرجة أن يقاتلون بقواتها المسلحة، بل فعلت ذلك من أجل إيران، وأهدت الأيرانيين ثمار الفوز، على طبق من ذهب.

سمعت مرة من الملك الراحل حسين بن طلال، أنه حاول ويحاول مع الإدارة الامريكية أن يقنعهم بجدوى الصداقة مع العرب والمسلمين بلا جدوى، فالأمر (الكراهية عميقة لحد العداء) متجذر عندهم لدرجة ميؤوس التعامل معها،  والآن دعنا من العراق وأحداثه، سمعت مرة من وزير تركي يكلم وزيراً إماراتياً، أن الأمريكيين (خاصة) يفقدون موضوعيتهم حيال أي قضبة اسلامية، وعليك أن تحذر منهم لدرجة أن تخشى أن يسرقوا منك نعالك هذا الذي ترتديه ..! هذا مع العلم أن الجيش التركي قاتل في كوريا وفيثنام، في حروب لا ناقة فيها ولا جمل ، فالناقة والجمل هنا في تعقيدات بحر إيجة وفي ممر ناختشيفان ...!، والسعوديون ساروا مع الأمريكان والغرب حتى تعبوا، ولكنهم كانوا يتآمرون عليها حتى في قضايا ثانوية الأهمية. حسني مبارك يقول" اللي متغطي بالامريكان عريان " وضياء الحق يقول " التعامل مع أمريكا يسود وجهه كبائع الفحم ". وهؤلاء هم من أشد حلفاء الولايات المتحدة.

الغرب، والأمريكان خاصة، لا صداقات عندهم ولاتحالف ولا أئتلافات دائمية، هم يفهمون شيئاً واحداً الاستسلام دون قيد أو شرط، وللتأكد يقوم بإهانة حليفه يومياً ليتأكد من حسن الانقياد. ومن يرتاب بهذه النتيجة ننصح بمراجعة العلاقات الأوربية الأمريكية، والعلاقات ضمن الناتو. ولدى صناع القرار الأمريكي مستويات مختلفة للدول، لا ينبغي مطلقا تجاوزها، (بريطانيا غير فرنسا، وفرنسا غير ألمانيا، وهذه غير أسبانيا ) وخط المستوى المرسوم لنا بالغ السوء والانحطاط، يبقينا في حالة الضعف لدرجة الأنقياد، لا امكانية لقرار مستقل لدينا، ولا تفكير في قضايا الأمن القومي، ولا تطوراً اقتصادياً بدرجة يخرجنا من حالة التبعية.

في منطقتنا الموبؤة، (ولا يحمد على مكروه سواه)، نحن مبتلون بشتى أنواع الألغام البالغة السوء والتأثير، كيانان ملتحمان ديالكتيكياً بالغرب، وبالولايات المتحدة خصوصاً. إيران الكيان الذي تأسس عام 1935، وإسرائيل عام 1948. بمعنى أن الكيانان مصطنعان، غير موجودان في التاريخ القريب أو البعيد، حتى أن الغرب أجتهد في إيجاد تسمية لهما. فالكيانان مصطنعان، والوظيفة الأساسية لهما مناكفة العرب والمسلمين، وعدم السماح لهم بالتنمية والتطور ليصبحا شيئاً له وزنة في العلاقات الدولية، ناهيك عن التقارب بين البلدان العربية والاسلامية، فدقوا أسفينا يتمتع بالقوة والدعم الخارجي ليقوم بهذه المهمة على أكمل وجه.

 

وتكرست هذه العلاقة في بلاد شرقي زاغروس في العهد الصفوي وأكتسبت خصائصها المميزة، فالصفويون شيعوا البلاد الممتدة حوالي بحر قزوين لكي لا ينظموا تحت جناح دولة الخلافة الاسلامية (1501)، وقد لاقى هذا التوجه الأنشقاقي الدعم والتأكيد من جميع القوى ذات المصلحة في المنطقة والعالم، من الروس الذين يفضلون منطقة هشة تسهل السيطرة عليها، ومن الإنكليز الذين وجدوا في تعميق الأنشقاق في العالم الإسلامي ما يفيد مآربها. ولكن الحال تطور في عهد الدولة القاجارية(1796)، إلى علاقات تحالف له أسسه السياسية، ولهذا السبب دعيت فارس لحضور مؤتمر برلين وأدلت بدلو ودسائسها  مع المتكالبين على الدولة العثمانية، ونالت حصة صغيرة في مؤتمر برلين 1878وذلك بضمها لقضاء كوتور شرقي مدينة وان  (الدولة العثمانية). وبلاد فارس وجدت استقرارها المستند لوظيفتها منذ عام 1925 حين أزاح البهلويون النظام القاجاري وأسسوا نظاما جديداً تحت الرعاية البريطانية / الأمريكية تحت أسم جديد (إيران) اخترعه الإنكليز  ويعني في تفسير مقاطعه (بلاد الآريين) دام حتى عام 1979، حين أنبثق النظام الكهنوتي. 

أما إسرائيل، فقد وجدوا لفظة تعبر أن هذه هي بلاد بني إسرائيل، واليهود الذين كانوا قوما غير مرغوب بهم في أوربا، ولقوا الويلات في معظم الاقطار الأوربية المركزية(روسيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، أسبانيا)، فكانت المجر (هنغاريا) مرشحة لتكون وطنا قوميا لهم، ثم طرحت الارجنتين، ثم أوغندة، وأخيرا طرحت مدغشقر بقوة ودارت مفاوضات طويلة وتفصيلية، ولم يمنع تحققها إلا لأنها كانت مستعمرة فرنسية المحتلة آنذاك من الألمان (1939 ــ 1944)، وبعد الحرب طرحت بريطانيا فلسطين كوطن محتمل، وبذلك تضرب عدة أهداف بحجر واحد، منها * التخلص منهم ومن متاعبهم في أوربا كمكب نفايات، * وتشتيت الجهد العربي وتأثيراته السياسية والاقتصادية والثقافية، * زرع جرثومة في الأمن القومي، * وخلق قاعدة آمنة في قلب الشرق الأوسط.

تحالفت هذه القوى الثلاث: إيران، إسرائيل مع الولايات المتحدة كعنصر خارجي، والتحالف والأئتلاف في صيغته، يدلنا أنه قد يستغرق وقتاً غير محدد، ولكن كما لظروف عقده شروط، فلفضه أيضاً ظروف وشروط، مهما أستطال الزمن، وتعمقت العلاقة، والسياسة هي ممارسة للممكن، وما هو ممكن اليوم، ليس بالضرورة أن يبقى ممكناً أبد الدهر، والأمريكان حين قرروا اقتلاع نظام الشاه، كان حليفهم، ولكنهم وجدوا فيه رؤية أن يكون لنفسه مكانة عالمية ويتحالف مع الهند، حركة قرعت جرس الأنذار، فقرروا اقتلاعة تحت السيطرة (under control)ولكن دون أسقاط نظام الدولة الإيرانية ودون تغير في وظيفته الأساسية. وهذه تجربة تاريخية يمكن أن تتكرر.

النظام الإيراني أقل بكثير من لعب دور الدولة الكبيرة التي تتسع على حساب الغير، فهي بالكاد وبأستخدم مفرط لأساليب القمع السياسي والثقافي قادرة بالسيطرة على حركات شعبية واعدة تنذر بمستقبل غامض للدولة الإيرانية.  وقد حدث مرتان أن أنفصلت شعوب إيرانية :جمهورية مهاباد الكردية، وجمهورية أذربيجان الشعبية خلال أقل من قرن.

النظام الإيراني فشل في تنفيذ مهمته، والنجاحات التي حققها لم تبلغ النهاية الناجحة التامة خلال 45 عاماً خلت، رغم أنها أشعلت أوار حروب شاملة(8 سنوات مع العراق)، وحروب اهلية (اليمن ولبنان والعراق وسوريا) ومحاولة فاشلة في البحرين. ومحاولات تغلغل عقائدية في أقطار أخرى أنفقت فيها الأموال الطائلة ومغربات كثيرة، وتهريب سلاح ومخدرات، مارست فيها دور صانع المشكلات (trouble maker) أكثر مما هي دولة عقائدية لدبها برنامج سياسي / اقتصادي / اجتماعي مقنع وصالح للتعميم، والأن يحق لمشغلها / حلفاءها  أن يطالبونها بجرد للحساب.

تمر العلاقات الدولية الحالية بمرحلة أنعطاف وتمفصل، فالحرب الأوكرانية وإن لم تضع أوزارها بعد، إلا أن ملامح النهاية ونتائجها تلوح واضحة تقريباً، إلا أن فيما تبدو كمسلمات تلوح وهي بأختصار:

أن لا عودة إلى الوضع الدولي قبل فبراير / 2022.

روسيا والصين وكتلة لا يستهان بها(دول البريكس) يمثلون فريقاً مهماً على مسرح السياسة الدولية والأوربية خصوصاً.

السلام العالمي، التعاون الدولي شعارات لا يمكن تحقيقها إلا وفق سياقات وضمن نظام سياسي دولي، وأقتصادي جديد،

 ضعف متواصل، قد يفضي إلى نهاية نظام الأمم المتحدة، ونهاية لنظام برتون وودز  (1945) (الدولار كعملة وحيدة قابلة للتبديل بالذهب). المنتهي مفعوله عمليا منذ عام 1971 (Nixon shock) حين الغى امكانية تبديل الدولار بالذهب.

 

هذه المعطيات الهامة وتفاعلها، في الحياة السياسية / الاثتصادية العالمي تفرز تدريجيا واقعاً جديداً يفترض فيه أصطفافات جديدة، تلعب فيه المصالح الوطنية والاقتصادية دوراً مهماً، وستفرض الكتلة العربية بحجم (500 مليون نسمة) واقتصادات عملاقة، وعدد من الدول (الجزائر، مصر، السعودية، المغرب، دول مجلس التعاون الخليجي) والبلدان الأسلامية الكبيرة (تركيا، أندونوسيا، ماليزيا، باكستان، بنغلادش) دورا ريادياً، وستنكفئ إلى الخلف مكانة الولايات المتحدة، وحروب التدخل والوكالة والعقوبات، فنظام العلاقات الجديد يعتبر هذه الصفحات هي من عهود الاستعمار والإمبريالية والعولمة، أنطوت صفحتها. ودول أوربا المركزي (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، أسبانيا) تنتهج سياسة النأي بنفسها عن الصرعات التناحرية.

 

الواقع الدولي الجديد سيفرز معطيات جديدة كقواعد عمل، وأرجح أن على الدول أستخدام أقصى قدراتها وتعبئتها، لطي صفحة الخلف، وهذه المعطيات الجديدة يحق لنا اعتبارها كمحفزات لتطور في المجتمع العراقي، والمجتمعات العربية وفي عموم المنطقة، الأمر يبدأ هكذا، أن ضرورة ماسة  تطرح نفسها، لتطور جوهري في نظم الحكم، وفي المقدمة ننوه إلى صراعات اجتماعية / ثقافية مهمة تتواصل في في الكيان الصهيوني، تطرح في خطوطها وثناياها الحاجة الملحة التي قد لا تقبل التأجيل في تطور النظام إلى ما هو أكثر من خرافات دينية لاهوتية وإغراق في الغيبيات التي لا تسمن وتغني من جوع، هل يجوز في هذا العصر أن تعتمد دولة ما، الحلول بالدبابات والقنبلة الذرية، فيما يلمس الشعب مادياً فشل الدولة في حل الإشكالات.

والأمر نفسه بهذه الصورة أو تلك، يتكرر في إيران، فنظام ولاية الفقيه لم يلمس منه الشعب غير  محاولات التوسع الفاشلة، المعتمدة على الحركات الانشقاقيةوالميليشيات المسلحة، والمؤامرات الدولية، النظام غير مقنع، وسخط الناس يتصاعد، والرد هو تصاعد القمع، المعصوميات سقطت، والرموز المعممة أهينت علناً، والازمات تراوح في مكانها والنظام يحكم رص الحلقات المستفيدة من أنتهازيين ومنتفعين، وسذج يلعبون على عقولهم، يسبون الشيطان الأكبر والأصغر، وفي الواقع يتحالفون معها، الهدف هو واحد، أحكام السيطرة على البلاد والعباد.

العالم الخارجي وشبكة العلاقات الدولية تدرك أن السيطرة على الشرق الأوسط إنما يتحقق عن طريق دعم الكيان الصهيوني والنظام الإيراني، هذا هو السبيل بإبقاء هذه الأفران موقدة لتلتهم خيرات هذه البلدان وهي ليست كثيرة. وليبقى صوتها منخفضاً ناعماً لا يطرح الحلول الحاسمة والجدية، لا توجد مشاريع طويلة الأمد، لأن لا أحد يضمن الغد وتطوراته.

الشعوب تريد أفقاً لمشكلاتها السياسية وهي كثيرة، وحلول لمشكلات ثقافية وهي أكثر، وحلول للمشكلات الاقتصادية وهي الأكبر، والمشكلات لا تحل بالتهجير والاجتثاث والتجريف، والسجون السرية وتصفيات، ولكن ستبرز مشكلات طابعها اقتصادي أجتماعي ثقافي وهذه لا تحلها الشفلات والبلدوزرات ...!

العالم يتغير، وحاجات الناس تتطور، ويكمن النجاح في فهم كنهة التطورات الدولية، وبروز قوى عالمية جديدة، وهناك علاقات دولية جديدة هي مطلب الشعوب ، نعم هناك مقاومة ضارية من الغرب والولايات المتحدة، ولكن ما بدأ سوف لن ينتهي .. بل ستواصل، وما أستحق الأفول .... سيأفل، ومن هنا أركز على أن حجم الدخل الأجنبي في وطننا العراقي والعربي، سوف تحكم نهاياتها بفعل حكم الحركة المادية للتاريخ، وهذه ليست دعوة للأسترخاء، بل للأنتباه بدقة شديدة، فالصفوف الأولى هي للمتفوقين من يتوصلون للحلول الناجحة، ويتمتعون بدقة التحليل القائم على أسس علمية.

 

 

 

 

 

نهاية مخزية

للفرانكفونية .. وأمثالها ..!

ضرغام الدباغ

وملامح الهزيمة واضحة في وجهه وتعابير خطابه، اعلن الرئيس الفرنسي مكرون، في خطاب الهزيمة، أن فرنسا الأفريقية أنتهت بلا رجعة، ورغم كونه اعتراف مدو، إلا أنه متأخر. وكانت فرنسا تدق طبول الحرب وتؤلب الأفارقة على بعضهم، وتستعد في تحضير حملات عسكرية، والأن عليخم مواجهة الفشل ... ، وكانت بريطانيا قبلها أدركت أن عصر المستعمرات قد ولى، وتجميل وتزويق المستعمرين واساليبهم، لا يلغي الجوهر الرجعي للأستعمار الذي كان قبيحاً وقحاً بدرجة عجيبة في بيانات عصبة الأمم (تأسست عام 1919 / باريس) حين نص بصراحة أستعمارية استعلائية " حق الأمم المتقدمة بالاخذ بين الشعوب المتخلفة "، هم منحوا أنفسهم حق تقسيم العالم، وإبادة الشعوب ونهبها وسلبها. والتقاتل فيما بينها، وإبقائها في أحط درجات التخلف.

الآن أنتهى كل ذلك، وكل علامات التقدم والتحضر هي خداعة، فليس هناك أوغد منهم وأحط حجين يتعلق الأمر بالسلب والنهب واللصوصية، الآن سقطت الفرانكفونية، وهي تدوير سياسي خادع للأستعمار ... تمثل فيه فرنسا القلب الاستعماري لمنطقة التي تكون فيها هي بتسمية أنيقة أطلقوا عليها " المركز "، والخائبين من الراضخين، أتباع، أجرام تدور في فلك المستعمر، بتسمية يحاولون جعلها أنيقة ... أطلقوا عليها " الأطراف " . هؤلاء الذين يقفون عراة أمام أسيادهم، مأخوذين بخلاعة ووقاحة الغرب، مذهولين، مسطولين ... سكارى وما هم بسكارى..

الفرانكفونية كان لها مناصرين بيننا، وياللعار، فهرجوا (وعلى الأرجح لقاء ثمن مدفوع) لليبرالية، وهم في الواقع كانوا يمثلون الانقلاب الجنسي، والهيمنة بأساليب منحطة، والآن ماذا سيفعلون...؟

من المستبعد أن يصدروا بياناً، يعترفون فيه أنهم تعرضوا للتضليل ... فهؤلاء من أشباه المثقفين، لن تبلغ شجاعتهم هذا القدر، سيصمتون صمت الحملان ...! في آخر ذرة من احترام الذات ...!

لا تفوتنا في هذه المناسبة، أن نذكر المتوسعين الصغار في منطقتنا ونذكرهم بمصير فرنسا صاحبة الأمجاد الاستعمارية والثقافة والثراء، قد سقط، رغم ما يمتلكون من تكنولوجيا ومال وثقافة، ولديهمن خطاب ثقافي مع أنه مزور، ولكنه مرتب، فبالاحرى أنتم ساقطون، سقوطاً مدوياً، وأنتم لا تملكون من أسباب الفتح سوى التخلف، والخرافات والجهل، والقتل العشوائي، وكون عدد من الصبيان في خدمتكم مقابل بقشيش، لا يعني أنكم ستفلتون من المصير المحتوم.

كل شيئ في وقته يأتي محكماً بدقة، وحين تحكم الحتمية المادية التأريخية فلن يصمد أمامها جبال من الزيف والخرافات والجهل ... أنتبهوا ... أتعضوا ... لا يصح إلا الصحيح ...!

وملامح الهزيمة واضحة في وجهه وتعابير خطابه، اعلن الرئيس الفرنسي مكرون، في خطاب الهزيمة، أن فرنسا الأفريقية أنتهت بلا رجعة، ورغم كونه اعتراف مدو، إلا أنه متأخر. وكانت فرنسا تدق طبول الحرب وتؤلب الأفارقة على بعضهم، وتستعد في تحضير حملات عسكرية،  والأن عليخم مواجهة الفشل ... ، وكانت بريطانيا قبلها أدركت أن عصر المستعمرات قد ولى، وتجميل وتزويق المستعمرين واساليبهم، لا يلغي الجوهر الرجعي للأستعمار الذي كان قبيحاً وقحاً بدرجة عجيبة في بيانات عصبة الأمم (تأسست عام 1919 / باريس) حين نص بصراحة أستعمارية استعلائية " حق الأمم المتقدمة بالاخذ بين الشعوب المتخلفة "، هم منحوا أنفسهم حق تقسيم العالم، وإبادة الشعوب ونهبها وسلبها. والتقاتل فيما بينها، وإبقائها في أحط درجات التخلف.

الآن أنتهى كل ذلك، وكل علامات التقدم والتحضر هي خداعة، فليس هناك أوغد منهم وأحط حجين يتعلق الأمر بالسلب والنهب واللصوصية، الآن سقطت الفرانكفونية، وهي تدوير سياسي خادع للأستعمار ...  تمثل فيه فرنسا القلب الاستعماري لمنطقة التي تكون فيها هي بتسمية أنيقة أطلقوا عليها " المركز "، والخائبين من الراضخين، أتباع، أجرام تدور في فلك المستعمر، بتسمية يحاولون جعلها أنيقة ... أطلقوا عليها " الأطراف " . هؤلاء الذين يقفون عراة أمام أسيادهم، مأخوذين بخلاعة ووقاحة الغرب، مذهولين، مسطولين ... سكارى وما هم بسكارى..

الفرانكفونية كان لها مناصرين بيننا، وياللعار، فهرجوا (وعلى الأرجح لقاء ثمن مدفوع) لليبرالية، وهم في الواقع كانوا يمثلون الانقلاب الجنسي، والهيمنة بأساليب منحطة، والآن ماذا سيفعلون...؟

من المستبعد أن يصدروا بياناً، يعترفون فيه أنهم تعرضوا للتضليل ... فهؤلاء من أشباه المثقفين، لن تبلغ شجاعتهم هذا القدر، سيصمتون صمت الحملان  ...!

لا تفوتنا في هذه المناسبة، أن نذكر المتوسعين الصغار في منطقتنا ونذكرهم بمصير فرنسا صاحبة الأمجاد الاستعمارية والثقافة والثراء، قد سقط، رغم ما يمتلكون من تكنولوجيا ومال وثقافة، ولديهمن خطاب ثقافي مع أنه مزور، ولكنه مرتب، فبالاحرى أنتم ساقطون، سقوطاً مدوياً، ووأنتم لا تملكون من أسباب الفتح سوى التخلف، واتلخرافات والجهل، والقتل العشوائي، وكون عدد من الصبيان في خدمتكم مقابل بقشيش، لا يعني أنكم ستفلتون من المصير  المحتوم.

كل شيئ في وقته، وحين تحكم الحتمية المادية التأريخية فلن يصمد أمامها جبال من الزيف والخرافات والجهل ... أنتبهوا ... أتعضوا ... لا يصح إلا الصحيح ...!

 

 

أوكرانيا ... الصفحة

ما قبل النهاية

ضرغام الدباغ

بعد مسيرة مضنية زاخرة بالدماء والدموع، لعب فيها  الأوكرانيون (وهم من فروع القومية الروسية) دور حصان طروادة في المخطط الغربي للسيطرة على روسيا، أما موسكو فتمعنت وتريثت جيداً وهم يحاولون ثني إرادة الأميركان والناتو والغرب من خوض هذه المغامرة، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وحتى شباط ــ فبراير / 2022 . وهذا المسلسل يدور منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية / 1919(1)، وصولاً لعهد روسيا الاتحادية، والجائزة هي الموقع القيادي الاول في أوربا.  حيث مثلت قمة مؤتمر مينسك 2014 (2) ذروة في الجهد الدبلوماسي. والروس يواجهون مؤامرات الغرب ومحاولات توسع،  والمعسكر الغربي يتقدم بخطى مدروسة نحو الحرب، ورغم الاتفاقية الرسمية لإنهاء الحرب الباردة (مالطا / كانون الأول 1991)، والأتفاقات لإنهاءها، بموجبها فكك السوفيت الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو.

ولكن الغرب لم يوقف استفزازاته، بل ضاعفها. من ضم بلدان عديدة مجاورة لحلف الناتو، وإشعال فتيل بطيئ للأزمة لاوكرانية بدأت بإيقاد نبران ثورة اوكرانية أطلقوا عليها الثورة البرتقالية، وجاؤا بحكومة كراكوزات تفعل ما يمليه الغرب عليها، وأبتدأ العد العكسي وتدهور الموقف، ووضع الروس أمام معادلة صعبة للغاية، خياران كلاهما مر : أما الاستسلام لإرادة الغرب والأتيان بحكومة موالية للغرب في الكرملين أو الصراع المسلح بكافة أبعاده الشاملة، السياسية / الاقتصادية / وصولاً إلى حتمية الصراع المسلح لأن نوايا الغرب الكامنة هي التوغل في روسيا أو تفكيكها ...!. وتفكيك روسيا هو أسوء الخيارت، وبمثابة أنتحار، لذلك المنطق يوصل إلى قبول المواجهة، لأنها تنطوي (إن أستعديت للأمر جيداً) على أحتمال التعادل أو النصر ..!

الغرب أعتبر أنه قد كسب المعركة سلفاً قبل أن تندلع، أعتمادا على نظرية أن الروس لن يطيقوا صراعاً شاملاً من الغرب، وقد أعدوا للروس سيناريو يشبه السيناريو العراقي بخلق كتل عرقية وطائفية، وإثارة صراعات داخلية ستفضي لتقسيم روسيا، ولدى الكرملين معطيات وأدلة مادية تؤكد وجود هذا المخطط. وتصور الغرب أن روسيا تجمع هش سينهار مع أول طرقة على الباب الخارجية. ولم يقرأوا نصيحة السياسي الألماني العبقري أوتو فون بسمارك الذي نصح القيادات الألمانية وغيرها بعد خوض الصراع المسلح مع الروس، فالروس شعب كبير، صلب، شجاع، يعشق بلده، ويحتمل الأذى والألم وينتصر في معاركه، إذن أسباب صمود روسيا هي إنسانية قبل أن تكون تقنية. وهكذا صمدوا بوجه نابليون، والهتلرية، وكانوا المسمار الأمضى في نعش الأمبراطوريتان.

الروس أمة كبيرة وقوية في أوربا، وموقع القمة يتربعون عليه بجدارة منذ قرون كثيرة، ويبسطون نفوذهم  على شرق أوربا، لوحدهم، فيما غرب أوربا تتقاسم النفوذ فيه بريطانيا وألمانيا وفرنسا، أما الاولايات المتحدة فتطمع أوربا أكملها بشرقها وغربها، بل وشرق آسيا، والعالم بأسره.. حتى الفضاء الخارجي، ولا يقبلون أن يصدقوا أنهم قد تراجعوا، وسوف يواصلون التراجع عالمياً وفي جميع الساحات والقارات، فالقوى الواعدة أطلت وأبتدأت تحتل مواقع متقدمة، والأمر لن يقتصر على الروس والأوربيين، بل والهند أيضاً واليابان، وتركيا،  والبرازيل، وأندونيسيا، والباكستان .. والشرق الأوسط، والقائمة تطول وتكبر، فأبتدأت المؤامرات الأمريكية والغرب يتبعها بتردد  ولكن في النهاية الكل يطيع وينفذ إرادة أميركا،  وبريطانيا قبلت بدور التابع، وفرنسا وألمانيا يطيعان ولكن على مضض، مع تلميحات وتأشيرات، أن لهما موقفا خاصاً ...!

واليوم مؤاشرات النصر تلوح للروس على قاب قوسين أو أدنى، وإذا كنت متأكداً من هذه النتيجة، فغبري من المحللين السياسيين، وبالاحرى قادة حكومات ودول، يدركونها أيضا بوضوح. لأن الروس يعملون بتخطيط جيد، وبتحالفات قوية وبقناعات راسخة، وقد أنهارت مصداقية الولايات المتحدة، ولم يعد التحالف الغربي يتمتع بذات القوة والتماسك كأيام الحرب الباردة. والأوربيون سأموا دور الأنقياد لمشيئة الولايات المتحدة، والسعي في الحروب العبثية(فيثنام، العراق، أفغانستان)، ومن هنا أعتقد أن الأوربيون أدركوا مآل الأحداث، واليوم أكثر من ذي قبل، مبدأ أن الأمريكيون سيقاتلون الروس حتى آخر أوكراني ...! والقيادة الاوكرانية قدمت بلادها قرباناً للخطط الاستراتيجية الأمريكية الشاملة.

والأوكرانيون مغلوبون على أمرهم، فالقيادات النازية الجديدة التي تقود أوركرانيا في الخفاء والعلن، أرتضوا أن يلعبوا دور كبش الفداء، معتقدين أن الغرب سوف لن يتخلى عنهم أبداً، وبالطبع أن الغرب سوف لن يتخلى عنهم ولكن مع حذف صفة "أبداً ". فكل صفقة لها ثمن غال أو بخس..، وخاضعة بالتالي للبيع كما للشراء ...!

الموقف السياسي العالمي سيشهد تغيرات، والاحتمالات الواردة عديدة :

ستستولي روسيا على مناطق (؟) شرقي الدنيبر.

ستكون هناك حكومة اوكرانية موالية للروس.(بصيغة ؟)

سيشهد الناتو ضعفا في صفوفه.

ستشهد أوربا تغيرات واسعة، قد تغير من وضع الاتحاد الأوربي.

النظام الدولي السياسي / المالي سيشهد تغيرات كبيرة.

ستخطو القارة الأفريقية خطوات كبيرة نحو التحرر من الهيمنة الغربية.

أستخدام الأسلحة النووية، خيار أنتحاري لن يلجأ إليه حتى مالكوه، ولكن يمارس كمناورة،.

الغرب (الناتو) حتى بأستخدامه الأسلحة التقليدية لن يتمكن من هزيمة روسيا لمفردها وهذه حقيقة كبيرة جداً.

بحسابات الحجم السياسي والعسكري الروسي، لا يمكن الحديث عن أمن أوربي ومستقبل أوربا دون مشاركة روسية فعالة.

الاقتصاد الروسي، كبير بقدراته الحالية واحتياطياته، سيكون من الصعب على أوربا الغربية التخلي عن الاقتصاد الروسي .

 السلام العالمي، التعاون الدولي شعارات لا يمكن تحقيقها إلا وفق سياقات وضمن نظام سياسي دولي، وأقتصادي جديد، ونهاية نظام الأمم المتحدة، ونهاية تامة لنظام برتون وودز (الدولار كعملة وحيدة قابلة للتبديل بالذهب).

التاريخ السياسي " العلاقات الدولية" / الاقتصادي / العسكري، يفتتح فصلاً جديداً بعد صراع أوكرانيا.

 

بعبارة وجيزة : كلما طالت الحرب، ترتفع تكاليفها، وبالتالي يتغير الموقف على طاولة المفاوضات، ولكن مع التأكيد، أن الموقف لن يكون لصالح الغرب، ولن يعود للقطة ما قبل شباط / 2022.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

حروب التدخل في روسيا 1918 / 1919

أعداد جنود الحلفاء من 10 أمم، الذين كانوا موجودين في المناطق المشار إليها في روسيا:

هبط 600 جندي من القوات الفرنسية والبريطانية في أرخانجيلسك

عدد من القوات البريطانية في فلاديفوستوك

عدد من القوات الرومانية في بيسارابيا

23,351 جندي يوناني، انسحبوا بعد ثلاثة أشهر (جزء من فيلق الجيش الأول تحت قيادة الجنرال كونستانتينوس نيدر، الذي يضم فرقتين من المشاة الثاني والثاني عشر، في شبه جزيرة القرم، وحول أوديسا وخيرسون

13000 أمريكي (في مناطق أرخانجيلسك وفلاديفوستوك)

11,500 استوني في شمال غرب روسيا

2500 إيطالي (في منطقة أرخانجيلسك وسيبيريا)

2,300 صيني (في منطقة فلاديفوستوك)

150 أستراليا (معظمهم في مناطق أرخانجيلسك)

15000 جندي ياباني في المنطقة الشرقية

4,192 كندي في فلاديفوستوك، 600 كندي في أرخانجيلسك

بروتوكول : أتفاق مينسك

 

يتكون نص البروتوكول من اثنتي عشرة نقطة:

لضمان وقف فوري لإطلاق النار الثنائي.

لضمان المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

لا مركزية السلطة، من خلال اعتماد القانون الأوكراني «بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في مناطق معينة من ولايات دونيتسك ولوهانسك».

لضمان المراقبة الدائمة للحدود الأوكرانية الروسية والتحقق من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مع إنشاء مناطق أمنية في المناطق الحدودية لأوكرانيا والاتحاد الروسي.

الإفراج الفوري عن جميع الرهائن والمحتجزين بشكل غير قانوني.

وضع قانون يمنع مقاضاة ومعاقبة الأشخاص فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في بعض مناطق دونيتسك ولوهانسك أوبلاستس.

مواصلة الحوار الوطني الشامل.

اتخاذ تدابير لتحسين الوضع الإنساني في دونباس.

لضمان إجراء انتخابات محلية مبكرة وفقًا للقانون الأوكراني «بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في مناطق معينة من دونيتسك ولوهانسك أوبلاست».

سحب الجماعات المسلحة غير الشرعية والمعدات العسكرية وكذلك المقاتلين والمرتزقة من أراضي أوكرانيا.

لتبني برنامج الإنعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار لمنطقة دونباس.

لتوفير الأمن الشخصي للمشاركين في المشاورات.

المركز العربي الألماني -برلين

المراسلات

Dr. Dergham Aldabak : drdurgham@yahoo.de

الشاعر أرثر رامبو

 

ضرغام الدباغ

 

 

ولد الشاعر الفرنسي أرثر رامبو في بلدة شارلفيل شمال شرق فرنسا، عام 1854، وسرعان ما بدت عبقريته واضحة لمعلميه في المدرسة  ومحيطه الاجتماعي، فمنذ أن كان في السابعة من عمره، حيث أبتدأ كتابة الشعر، ولكن رامبو لم يعش طويلاً (37) سنة ليحصد المجد الثقافي، وكانت حياته ملؤها البوس والفاقة والعذابات. أنتهت في عام 1891، حين بدأ الشاعر يعاني من ألام مضنية في ساقه الأيمن. نقل رامبو إلى مرسيليا، حيث قرر الأطباء قطع ساقه، وأخيراً عاد إلى والدته وبلدته. ولكنه سرعان ما قضى نحبه في شعر تشرين الثاني / نوفمبر  نوفمبر من نفس العام (1891)،

في شهر آب من عام 1870 ، غادر رامبو شارلفيل، ووصل إلى باريس، ثم سافر إلى بلجيكا، حيث حاول ممارسة الصحافة. ولكن الشرطة أعادت الصبي القاصر لإمه إلى المنزل. لذلك، ومن هنا وحتى نهاية عمره، سيظل الأمر كذلك كما لو أنه كان يسعى لهدف غامض، يحاول رامبو ويسعى باستمرار بلوغه كأنه يبحث عن شيء ما. وفي هذه العملية تجديد دائم لثراءه تفكيره ونضجه الشعري.

بعد فترة قصيرة يقرر رامبو الهرب مجدداً إلى بلجيكا، وقد صارت بلدان أوربا الأخرى وليس فرنسا فحسب مرتعاً لتسكعه وكأنه يبحث عن شيئ، لم يكن يعرفه بدقة، شيئ يدور في آفاق النضج الفني الشعري الذي لا جدال فيه، وكان لابد له من محرك خارجي هائل، وهذا المحرك الخارجي وجد تجسيده في حدث تاريخي كبير وهو " كومونة باريس / 1871 "  وأستمد من الثورة قوتها، وتمردها.

وعن تطور نضجه كتب وهو في السابعة عشر فقط ..! إلى صديقه الشاعر  بول فيرلين رسالة مهمة، تنبأ عن وعي نضج مبكر جداً وتبلورات مهمة تحوّلت في ما بعد إلى بيانٍ حقيقي للشعر الحديث، لأنّه عبّر فيها عن نظريته الشعرية، التي تقول " إن على الشاعر أن يصل إلى مرحلة الرؤيا، وأن يغدو رائياً أو متنبئاً من خلال تحرير حواسه، وأن الشاعر يمكن أن يبلغ مستوى الرؤية، بفعل اضطراب طويل وهائل لجميع الحواس ".

ساهمت التحولات المهمة في تاريخ فرنسا الحديث. في أن يكتسب الشاعر نضجاً وأن تجد شخصيته المتمردة التبلور الذي كان يبحث عنه،  وتجسدت هذه في  كومونة باريس (1871). التي أصبحت ليس لدعاة الثورات الأجتماعية فحسب، بل والمتطلعون إلى آفاق فنية / أدبية أكثر رحابة وعمق. وهنا هجر بلدته الصغيرة الهادئة شارلفيل كأول رد فعل (Reaction)، وخاصة بعد الأنتكاسة التي أصابت الثورة (كومونة باريس) إذ راح يطالب أدباء فرنسا الكبار : فيكتور هوغو، وشارل بودلير وأدباء آخرين، بمواقف أكثر صلابة وفي ذلك التأثير للمؤثرات الجديدة على شخصيته وأدبه، والذي بدا في قصيدة " الحداد " والتي أعتبرت من أعمال رامبو الكبيرة.". كل شيء فيه يذكر بأعمال هوغو: الحبكة التاريخية للعصر العظيم الثورة الفرنسيةوالمحتوى الملحمي والشكل الملحمي والفكر الجمهوري والأسلوب الضخم" .

ويلاحظ متتبع سيرة الشاعر رامبو، أن تتطور نضجه تمثل في أستيعابه لمحصلة الأحداث والتجارب، بدا أن رامبو ، في وقت قصير ، قد أستوعب ذلك التطور في الاتجاه الأدبي... جاء ذلك في المرحلة الأولى من السيرة الإبداعية للشاعر ، والتي استمرت 18 شهرا - من 2 يناير 1870 ، تاريخ نشر أول قصيدة لرامبو ، حتى مايو 1871 (تاريخ هزيمة الكومونة). تمت الإشارة إلى كل خطوة من خطوات نموه الفني / الأدبي .

 

وبحلول عام 1870 ، كان رامبو قد أنجز أكثر من 10 قصائد، " حيث أصبح الاعتماد على التقليد الرومانسي ملموسا بشكل أكبر." . جسَد فيها القواعد الراسخة للنصوص الفرنسية "الصحيحة". مع الانتقال إلى المرحلة التالية من الإبداع .

تنتمي أربع أو خمس قصائد فقط إلى فترة الكومونة، وهي المرحلة الأحدث في عمل رامبو ، وتمثل المستوى الجديد الذي بلغه الشاعر، هذا حقا حقبة جديدة في تطور الشاعر. تتميز بالعمق والنضوج، رغم أن رامبو لم يكن بالكاد في السادسة عشرة من عمره!  اعتبر الشاعر هزيمة انتفاضة كومونة باريس، وانتصار عصبة فرساي، " كارثة عميقة ". حيث ظهرت القصائد التي كتبها رامبو في أيام الكومونة فقد  كانت هزيمة الانتفاضة تعني بالنسبة لرامبو  أنتكاسة للتطور الفكري / الثقافي بذات الوقت والمعنى ...! بعد انتكاسة الكومونة وقمعها الدموي، أعتقد رامبو أن عليه أن يكرس جهوده في العمل الفني، فأنجز مجموعة قصائد، أعتبرت من مرحلة الكومونة.

خلال هذه المرحلة الساطعة ...ويسميها بعض النقاد بمرحلة الرؤية، وهي المرحلة التي أشتد فيها تكاثف الوعي وعناصرة المكونة الداخلية والخارجية، " الرؤية "، كتب رامبو قصيدة "السفينة السكرى" ، التي انجزها في صيف عام 1871 (عام الكومونة) "السفينة السكرى" وفيها يحكي الشاعر رحلته في بحر الرؤية والسطوع، ثم يخبو ذلك الوهج بل ويتلاشى، حتى أن الشاعر يتنبأ بنهايته، ويطلق عليها السفينة، التي تقاوم الأمواج العاتية، تلك الرحلة التي منحها الشاعر قلوعه وأشرعته، ولكن الواقع الموضوعي مضطرب والبحارة ليسوا بدرجة الوضوح عند القبطان، وحيث لا تفيد مناشدتهم، فتمضي السفينة في رحلتها نحو المحتوم، ويعلن القبطان هزيمته، وينعي كل شيئ في أسى عاطفي  حزين، وأن نضاله كان عبثاً، وبأعتبار أن رامبو كان شاعراً وليس بقائد ثوري، يحلل الظروف الذاتية والموضوعية، تحليلاً ماديا ملموساً، بل يستسلم للداعي والاسف، وأفضل ما فعله، هو العمل على تقريب البحارة (الناس) للرؤية العميقة .. للوعي الساطع، وبها نفهم العالم وما يدور أفضل ....!

"قصيدته " السفينة السكرى " هي تشابك للعديد من العناصر، التفاؤل والتشاؤم، ولكن ثقة الشاعر بمهمته لم تنهار، وإن لحقها بعض اليأس، الشاعر يثق بالمستقبل وإن برؤية مضطربة، يجتاحه الحزن أن الموت الذي سيطبق به، وأن العالم سيتواصل بدون .. وهذا أمر ليس بالغريب تماماً، فلطالما تنبأ الوجوديون بموتهم، ومأساة أنهم سوف يشهدوا الفصول القادمة ..! ويرى بعض النقاد أن الرؤية في قصيدة السفينة السكرى، بمثابة علامة على تشكيل أحدث نظام شعري قائم على الانعكاس الرمزي للواقع.

فالشعر ليس مجرد ألفاظ وحتى معاني، بل ووظيفة الشعر في العصر الحديث حيث تقدمت الفنون بدرجة كبيرة، وصار مطلوباً لمهمة أخرى، وهي انه تحول من إطار إلى بنية لابد أنها تعبر عن الحركة الواسعة النطاق التي تدور في جوهر العمل الفني ويذلك فإنه  يتحول لمضمون، وهذه الحركة و هي عملية ديناميكية مهمة.

بعد قصيدته الكبيرة " السفينة السكرى " كتب رامبوا عددا من القصائد، حيث تحول الشاعر إلى التوهج في الرؤية، وأصبح قلما يكتب في مستوى ثقافي / أجتماعي، وفي سفراته الأخيرة في الشرق، صار يتطلع إلى آفاق جديدة، وصارت له أسطح رؤية لم يكن يعرفها، على الأقل بهذه الدقة في الرؤية الجمالية للروح كما أنه هناك رؤية جمالية الطبيعة، وبدا أن له رؤية غير تلك الرؤية الكلاسيكية للأدب.

واصل رامبو تسكعه وتجواله، متفاعلاً بين الحياة وظروفها، وبين رؤيته الشعرية، فغادر أوروبا عام 1880، متجهاً قبرص، وبدأ يتعرف على نكهة الشرق، فأوغل في ترحاله إلى مصر ، ثم إلى عدن، حتى استقر في مدينة هراري/ إثيوبيا ، حيث أقام طويلاً. وفي أفريقيا أنغمس في أمور حياتية (التجارة) ربما شعر بضرورة تكوين قدرة مادية يواجه بها تقدمه في السن، رغم أنه لما يزل في الثلاثينات من العمر، ولم يعد يمارس الكتابة، " والرسائل التي وردت منه في أوروبا ملفتة للنظر في جفافها وكفاءتها غير العادية، والافتقار المطلق للخيال وأي غنائية على الأقل".

 

لا أعتقد أن هناك قصيدة بعينها ترجمت إلى لغات كثيرة ومنها اللغة العربية، قدر ما وجدت قصيدة رامبو الشهيرة : " السفينة السكرى " طريقها للترجمة، وبالطبع هناك تفاوت أحيانا كبير في الترجمات (بحسب رؤية وتخيل المترجم للمشهد الشعري عدا القدرة المهارية للمترجم)، وكم تأسفت لأني لم أقدر على قراءتها بلغتها الأصلية (الفرنسية) رغم أني قرأتها لمترجمين فطاحل متمكنين من لغتهم الفرنسية، ثم قرأتها باللغة الألمانية، (قرأت ليس أقل من 12 ترجمة باللغتين العربية والألمانية لهذه القصيدة الرائعة) ولكني أظن أن اللغة الأصلية لها طعم خاص، ولا سيما هذه القصيدة الرائعة.

 

 

 

(السفينة السكرى) أغنية البحر

 

الشاعر الفرنسي : آرثر رامبو ( 1854 / 1891 )

 

عندما هبطت مع الأنهار العصبية

أحسست أن ملاحي قد تخلوا عني

كان ذو الجلود الحمراء قد سددوا حرابهم إليهم

وسمروها وهم يصرخون عرايا إلى الأوتاد الملونة

 

لم يعنيني أمر البحارة أجمعين

ولا إن كنت أحمل حبوب الفلمنك أو قطن الإنكليز

فلما أنتهي الضجيج وقضي على الملاحين

تركت الأمواج تسوقني إلى حيث تشاء

 

كنت في هدير المد والجزر المخيف طوال الشتاء

أشد تصميماً من أدمغة الأطفال... أجري وأطير

أشباه الجزر المقفلة في صخب الأعاصير ...

لم تعرف في حياتها أروع من هذا الفناء ...

العاصفة باركت صحوي في البحار

 

أخف من سدادة رحت أرقص فوق الأمواج

التي تدحرج كما يقال ضحاياها إلى الأبد

عشر ليال غير آسف على وهج المصابيح السخيفة

أعذب من لحم التفاح النيئ في أفواه الأطفال

غمرني الماء الأخضر وغسيل النبيذ الأزرق

وبقايا البصاق من هيكل قاربي الصنوبري

وأنتزع من يدي الدفة والمرساة

فرحت منذ ذلك الحين أستحم في قصيدة البحر

التي تومض بالنجوم وتفور كاللبن

وأبلغ السماوات الخضر التي يحدث في بعض الأحيان

أن يحصل فيها غريق، ووجهه شارد

وشاحب وخذلان

وحيث يحدث فجأة تحت وهج النهار

أن تصبغ الفضاء الأزرق بنشوة وأهازيج

أقوى من الخمر وأعمق من أي قيثار

 

ورحت اسبح بينما كان ينساب من حبالي الهشة

بعض غريق يغوص في النوم ورأسه إلى الوراء

 

وها أنا ذا سفينة ضائعة تحت ضفائر الخلجان

طوح بي الإعصار في أثير خال من الطيور

أنا الذي كانت المدمرات ولا سفن الهانزا

لتنتشل أشلائي السكرى بالماء

 

وأدخن وأخرج من خلال الضباب البنفسجي

أنا الذي رحت أشق السماء المحمرة كالجدار

أنا الذي رحت أجري وقد تناثرت على الأسماك الكريهة

كلوح مجنون تحف به أفراس البحر السوداء

رأيت الأرخبيل المتلألئ بالنجوم

وشاهدت الجزر التي يتلألأ فيها وهج

السماء الرحبة للملاح

 

أتنام منفياً في مثل هذه الليالي التي لا يسبر لها غور

يا ملايين الطيور الذهبية ... يا قوة المستقبل

لكني بكيت كثيراً ...

أنوار الفجر جارحة

كل الأقمار قاسية ... وكل شمس عذاب

 

نفحنى الحب المرير حتى أصابتني النشوة بالجنون

آه فلتنكسر يا قاع سفينتي

آه فليغمرني البحر

إن كنت لا أزال أشتهي من أوربا ما

فهو المستنقع المظلم البارد الذي يلقى فيه

طفل محنى عند الغسق يفيض قلبه بالحزن والشقاء

قارباً رقيقاً مثل فراشة الربيع

 

أيتها الأمواج بعد أن استحممت بأشواقك الفاترة

ما عدت أستطيع أن أمنع ناقلي القطن من الرحيل

ولا أجوس في غور الأعلام والمشاعل

ولا أن اسبح تحت العيون المفزعة.

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

 

  المراسلات

Dr. Dergham Aldabak : drdurgham@yahoo.de

 

 

دراسات ـ إعلام ـ معلومات

 

 

 

 

جهاز كاشف الكذب

 

د. ضرغام الدباغ

 

في العام الدراسي 1961/1962، كنا طلابا في الصف المستجد الدورة 18 / كلية الشرطة ببغداد، وكنا نتلقى العلوم العسكرية والمسلكية والقانونية على أيدي أفضل الأساتذة (دكاترة) (ويتولون تدريسنا المواد القانونية والانسانية) والضباط الركن(يدرسون التعبئة والتخطيط، ونظريات الرمي)، أو من ضباط الشرطة الخبراء الفنيين، ومعظمهم كان قد أوفد لدورات خارج العراق، بصفة خاصة للولايات المتحدة وبريطانيا، وعادوا للتدريس في الكلية.  وكانوا ينقلون لنا مشاهداتهم وانطباعاتهم عن الدورات التي اتبعوها هناك، وبعضهم كان يتحدث اللغة الإنكليزية بطلاقة.

ومن بين ما أسهبوا في شرحه كان جهاز كاشف الكذب (بالانكليزية / Polygraph)، الذي يعود أصل اكتشافه إلى عام 1921 في الولايات المتحدة، ولم يكن حتى ذلك الوقت (وأعتقد ما يزال) لم ينتشر في الكثير من البلدان، والأدق أنه رغم التطويرات التكنولوجية على الجهاز، إلا أنه لم ينجح (حتى الوقت الحاضر) في أن يكون مؤشرا قاطعاً في الدلالة الجرمية، وإذا كانت المحاكم تتردد، بل لا تعتبر الصورة والتسجيل الصوتي حتى قبل عشرات السنين، دليلا جرميا يعتد به، بأعتبار الامكانية التقنية المتوفرة في تزوير المبرز (صورة أو تسجيل صوتي)، فجهاز كاشف الكذب قد أثبت في كثير من الحالات المهمة، أنه أقل من أن يعتبر مؤشرا ومؤثرا على قناعة المحقيين او القضاة.

 

جهاز كشف الكذب أو البولي‌غراف polygraph، هو جهاز لقياس السجلات والقياسات الفسيولوجية المختلفة مثل ضغط الدم، النبض، التنفس، والعلامات التي تظهر على البشرة، والجلد عند توجيه الأسئلة للشخص المستجوب. ويعتقد أنه أثناء الإجابة عن تلك الأسئلة سوف تتولد استجابات فسيولوجية يمكن عن طريقها تحديد مدى صدق الشخص.

ـــ ومن الانتقادات التي توجه لجهاز كاشف الكذب ارتفاع تكاليف تشغيله، إذ يبلغ متوسط تكلفة إجراء الاختبار في الولايات المتحدة الأمريكية(في بداية الألفية الثالثة) أكثر من 700 دولار أمريكي، ويُعد جزءًا من صناعة تُقدّر قيمتها بملياري دولار أمريكي.

ــ وبصفة عامة جرى تقييم جهاز كاشف الكذب بوصفه جهاز لا يمكن الاعتماد على نتائج كدليل مؤكد، واعتبارها وسائل غير كافية وغير صالحة لتقييم الصدق.  لم يجد المجلس القومي للأبحاث في الولايات المتحدة أية دلائل على فعالية جهاز كشف الكذب، على الرغم من الزعم بصحة 90% من نتائج فحوصاته تقول جمعية علم النفس الأمريكية: " يتفق معظم علماء النفس على عدم وجود أي دليل يُذكر على إمكانية كشف جهاز المخطط المتعدد للأكاذيب بدقة عالية ".

ــ لكن، من الممكن للتفاعلات الفيزيولوجية التي " تميز " الكاذبين أن تظهر أيضًا عند الأشخاص الأبرياء الذين يخشون الكشف الزائف، أو عند الأبرياء الذين يبالغون بإظهار عواطفهم عند الإجابة على الأسئلة المتعلقة بارتباطهم بالجريمة. لذلك، قد يكون السبب وراء ظهور الاستجابة على شكل رد فعل فيزيولوجي مختلفًا. أوضح الفحص الإضافي لاختبار الكذب المحتمل إمكانية كون هذا الاختبار متحيزًا ضد الأشخاص الأبرياء. سيفشل أولئك الذين لا يستطيعون التفكير بكذبة متعلقة بالسؤال المطروح في الاختبار بشكل تلقائي.

 

ــ ويتضح أن كفاءة مشغلي الجهاز لها علاقة مهمة بالنتائج، وطبيعة الأسئلة التي يوجهها، وما إذا كان متحاملاً أو ودوداً مع المستوجب. في عام 1991، اعتبر ثلثا المجتمع العلمي الذين يملكون الخلفية اللازمة لإجراء الاختبارات على أجهزة كشف الكذب، بأن الجهاز هو عبارة عن علم زائففي عام 2002، أظهر تقييم أجراه المجلس الوطني للبحوث أنّه من الممكن " أن تحدّد اختبارات كشف الكذب المرتبطة بحادث معين، الصدق من الكذب بمعدلات أعلى بكثير من الصدفة، لكنها بنفس الوقت بعيدة جدًا عن الكمال ".

ــ وبصفة عامة تقر هيئا علمية عديدة، أن جهاز كاشف الكذب يفتقر كثيراً إلى درجة الصدقية الحاسمة التي توفرها طبعات الأصابع مثلاً، أو فحوصات الحمض النووي، أو الفحص التقني لسلاح الجريمة " ففي عام 2005، ذكرت الدائرة الحادية عشرة في محكمة الاستئناف بأن «جهاز كشف الكذب لم يحظ بقبول عام من المجتمع العلمي.  وهذا يوفر قداً كبيرا من الشكوك بنتائج جهاز كاشف الكذب.

 

ــ ويؤشر خبراء أن جهاز كشف الكذب يقيس الإثارة، والتي يمكن أن تتأثر بالقلق، ويقيس اضطرابات القلق (كاضطراب ما بعد الصدمة)، إضافة إلى قياس مستويات الهلع والخوف والارتباك ونقص السكر في الدم والاختلال في الوظائف العقلية والاكتئاب والحالات التي تسببها بعض المواد (كالنيكوتين والمنشطات)، وحالة انسحاب المواد (كالانسحاب الكحولي)، والعواطف الأخرى، بينما لا يقيس جهاز كشف الكذب " الأكاذيب". كما من غير الممكن للجهاز أن يميز بين القلق الناجم عن الكذب والقلق الناجم عن أي سبب آخر.

مكتب الكونغرس الأمريكي لتقييم التكنولوجيا

نشر مكتب تقييم التكنولوجيا التابع للكونغرس الأمريكي عام 1983 مراجعة لتكنولوجيا جهاز كشف الكذب، تضمنت ما يلي:

" لا يوجد في الوقت الحاضر سوى بعض الأدلة العلمية التي تثبت مشروعية فحوصات جهاز كشف الكذب. حتى عندما تظهر الأدلة على أنها تشير إلى إمكانية جهاز كشف الكذب في فضح الكاذبين بشكل أفضل من المصادفة، فإن معدلات الخطأ الكبيرة ممكنة جدًا، من الممكن للفاحص أن يدرس الاختلافات ويستخدم الإجراءات المضادة لإضفاء المزيد من المشروعية على اختبارات الجهاز "

الأكاديمية الوطنية للعلوم

في عام 2003، نشرت (NAS)، الأكاديمية الوطنية للعلوم " تقريرًا بعنوان " جهاز كشف الكذب ". وجدت الأكاديمية بأن غالبية أبحاث جهاز كشف الكذب كانت «غير موثوقة وغير علمية ومتحيزة»،

ـــ عند استخدام جهاز المخطط المتعدد كأداة فحص (في القضايا المتعلقة بالأمن القومي، بواسطة الأجهزة المختصة،)، ينخفض مستوى دقة الجهاز إلى المستوى الذي " يُعتبر غير كافٍ لتبرير استخدامه في الفحص الأمني الخاص بموظفي الوكالات الفيدرالية ". خلصت الأكاديمية الوطنية للعلوم إلى أنّه من الممكن أن يكون لجهاز كشف الكذب فائدةً محدودة، ولكن " لا أساس للتوقعات القائلة بأنه من الممكن أن تكون دقة جهاز كشف الكذب عالية للغاية". ومع ذلك، فإن الأجهزة الأمريكية خاصة، تميل بشدة لاستخدام الجهاز، واعتماد نتائجه الغير دقيقة.

عندما سئل ضابط وكالة المخابرات المركزية، ألدريش أميس، الذي أصبح فيما بعد جاسوسًا تابعًا لجهاز الاستخبارات السوفييتي (كي جي بي)، عن اختبار كشف الكذب الذي أجراه، تحدث عن النصائح البسيطة التي وجهها له مسؤوله السوفييتي مثل:  " احصل على مقدار جيد من النوم في الليل، والراحة، واسترخ خلال الاختبار. كُن ودودًا مع القائم على الاختبار، وحاول أن تبني معه علاقة، وكن متعاونًا، وحافظ على هدوئك ". بالإضافة إلى ذلك، أوضح أميس،  " لا يوجد سحر خاص لاجتياز الاختبار، جل ما عليك فعله، هو الثقة بنفسك، وبناء علاقة ودية مع المُمتحن، ابتسم واجعله يعتقد بأنك تستلطفه ".

 

المركز العربي الألماني  برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

هل يتجه العالم لتصفية آثار

ونتائج الحرب العالمية الثانية

ضرغام الدباغ

 

مثلت الحروب الاستعمارية نزعة هي في ظاهرها وجوهرها، وسياسة التوسع (Expansions policy) بهدف التوسع والضم والإلحاق، ونهب ثروات البلدان المستعمرة، بل وفي حالات كثيرة كان سكان وشعوب البلدان التي تتعرض للغزو الاستعماري يساقون بالسخرة كوقود لحروب وفتوحات وضحايا مجانية للحروب الاستعمارية.

وكما في معطيات الطبيعة، فكما هناك ما يطلق عليه في علم الجيولوجيا، الهزات الارتدادية (Aftershock)، كثيرا ما تقود الحروب الاستعمارية إلى حروب أخرى، ذلك أن المنتصرون في الحروب غالباً ما لا يحكمون العقل بقطف ثمار انتصارهم، فيبالغون في الاستيلاء على ما يملك المنهزم، من منقولات: ممتلكات مصانع، وأموال، يتحولون بعدها إلى تقاسم ما يمتلك من ثروات غير قابلة للنقل، أراض ومصادر ثروات طبيعية ومناطق استراتيجية، موانئ، منافذ بحرية، إطلالات استراتيجية ...الخ

وإذا كانت الثروات المنقولة والغرامات قضية يمكن أن تتجاوزها الدول بمرور الزمن، ولكن المناطق المستولى عليها (عبر اتفاقيات إرغام وإذعان) ستمثل عقدة يصعب حلها في العلاقات بين الدول، ولا سيما بعد زوال الظروف السياسية التي أدت إلى الصراع المسلح، وقيام معطيات وآفاق جديدة تستلزم العمل والتعاون السياسي/ الاقتصادي، وبالتالي العمل كفريق حيال مهمات ومستحقات حديثة، ستحول تلك العقد دون المضي  في قدما في مجالات التعاون، وستمثل عائقاً، وقد تقود إلى بؤر خلاف تحتمل التطور إلى أزمة، والأزمة قابلة للتصعيد إلى حالات ومواقف قد لا تنجح الدبلوماسية دائماً في نزع فتائلها.

في الأمم المتحدة هناك دوائر مختصة بدراسة الملفات العالقة، والتي تمثل قنابل موقوته قابلة للألتهاب والانفجار في أي وقت، ومن يقرأ هذه الملفات (وعددها ليس يسير) يلاحظ أولاً كثرة عددها، منتشرة في جميع القارات، وثانيا أنها تعود للعصور الاستعمارية والحربين العالميتين الأولى والثانية، فالمستعمرون حين أضطروا إلى مغادرة البلاد، خلفوا ورائهم مشكلات تستعصي الحلول، فيندر وجود أقليم في أوربا وآسيا (شبه القارة الهندية) وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، تخلو من هذه المشاكل، ورغم مرور عقود على بعض تلك المشاكل إلا أن الملفات الشائكة ما تزال على الطاولة يمكن تفعيلها وطرحها في أي وقت. وبعض الدول تعمد إلى إدراج تلك الملفات في جدول أعمال الأمم المتحدة لمجرد التذكير أنها لم تنسى ما فقد منها، ولا تريد التخلي عنها.

وكان الروس قد اضطروا في الحرب العالمية الأولى وبعد ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى، إلى عقد معاهد صلح إذعان مع ألمانيا (معاهدة صلح بريست)، تنازلوا فيها عن أراضي واسعة ومدن، وثروات طبيعية، ولكنهم في سياق تطور الحرب العالمية الثانية، تمكنوا من أستعادتها (مقاطعة برست)، وهناك مقاطعات أخرى تنازل عنها الروس بسبب قيام الكيان السوفيتي التي أستلزم بعض التعديلات الهامة، فتنازل الروس عن أقليم القرم (شبه جزيرة القرم) لصالح كيان لم يكن موجوداً، كما وافق الروس على إنشاء (أوكرانيا). وأستولى الاتحاد السوفيتي على مقاطعة بروسيا الشرقية وعاصمتها كونيغسبيرغ وأسمتها كالنينغراد، ولكنها اليوم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، قادت إلى تنازل روسيا الاتحادية في ظروف إنهاء الحرب الباردة عن أستونيا، وليتوانيا، ولاتفيا، وما فقد بالأمس يمكن الحديث عنه لاحقاً في وضع مسارات أوربية جديدة.في خضم توتر دولي، مسألة إعادة النظر في تلك التعديلات.

الأراضي الألماني التي انتزعت من كيان الرايخ ألالماني، في الحربين العالميتين الأولى والثانية  وهي كثيرة وفي جميع الاتجاهات وخاصة في بولونيا، حيث فقدت جزءاً مهما في الحرب العالمية الأولى، ثم في الحرب العالمية الثانية، فأنحسرت الحدود الألمانية إلى ما بعد نهري الأودر والنايسة. والكوريدور (الممر)، لصالح دولة بولونيا بما في ذلك مدينتان كبيرتان (بوزنان في الحرب الأولى، ومدينة / ميناء دانزنغ وستيتين في الحرب الثانية). كما خسرت المانيا في الحرب الأولى مدينة كبيرة (ستراسبورغ) لصالح فرنسا.

ومسألة أخرى تطرح نفسها بوصفها ملفا ساخناً، هي جزر بحر إيجة المتنازع عليها بين تركيا واليونان، وهي خرائط تقسيم تحمل في ثناياها فتائل أشتعال وتفجير الموقف، لأفتقاره لأسس ترسيم الحدود البحرية، فبعض الجزر اليونانية لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار عن البر التركي. بما يعيق سيادة البلاد على مساحات في مرمى البصر، ناهيك على المجال الاقتصادي البحري، مما ينذر بمشكلات حادة.  فهي خرائط لا تعني سوى الإمعان في إلحاق الأذى والضرر بالدول المنهزمة. واتفاقيات بحر إيجة لا يمكن أعتبارها إلا بوصفها قنابل موقوته.

وقد كان لتفكيك الاتحاد السوفيتي، على نحو ما جرى، يحمل في ثناياه ما يدور اليوم من انفجار الموقف في أوكرانيا، بما لا يستبعد أن يتحول الصراع إلى مديات أوسع في القارة، بدرجة اختلال ميزان القوى السكاني والاقتصادية. وكان لتصريحات وزير الخارجية البولونية التي عبر فيها عن مخاوفه وهواجسه، وأخرى لمسؤولين في دول البلطيق التي ضمت لحلف الناتو والاحاد الأوربي، دون حساب عناصر الموقف أو تفكير عميق سوى " تشكيل سداً / حاجزا قويا بمواجهة روسيا " وتطويقها بكيانات صغيرة _(لتلعب دور دول وسادة " Buffer Staet ") تمنعها من التفكير في المجال الحيوي المتاخم لها "لروسيا ".

وهذه الترتيبات تعني في رؤية واقعية، أنها خاضعة للتغير حال تغيير حدوث جوهري في إحدى عناصر ميزان (الوضع الجيوبولبتيكي/ الديمغرافي، الاقتصادي، القدرات العسكرية)، ولا سيما بعد حروب طاحنة، وعالمية النكهة، فمن الواضح أن حجم التدخل الغربي إن عبر منظمة الناتو، أو الاتحاد الأوربي في الصراع الروسي / الأوكراني، كان ينطوي على بعض هذه التغيرات أو كلها ....! وفي النهاية ليس هناك ما يطمئن كافة الاطراف غير قيام علاقات قائمة على الاحترام المتبادل لهواجس الأمن، والمصالح المتبادلة، وسلم يعم المنطقة والعالم.

ـــ أتفاقات وتفاهمات اقتصادية وثقافية هي ستحل بدل سياسة الاحلاف وسباق التسلح.

ـــ إبداء التفهم والاحترام للآخرين كي تحملهم على أحترامك.

ــ أحترام سيادة، وتقاليد، وثقافة الآخرين، بدل من فرض سياسة الشذوذ على أنها رقي وتحضر ...!

ـــ فرض التوسع وقضم الأراضي والاستيطان، وأتهام من يخالفها بالارهاب.

ـــ فليعالج كل أزماته، ولا يحاول تصدير أزماته.

ومن الملفت للنظر، أن الصراعات المسلحة في العصور الحديثة أصبحت مكلفة اقتصاديا وبشرياً بعد التقدم الكبير في الصناعات الحربية، وحتى في أنواع أسلحة الدمار الشامل الكفيلة بإبادة الحياة على سطح الكوكب الأرضي. وهي معطيات تدل على تعاظم الحاجة إلى نظام دولي جديد، خال من الاستقطابات، وإبادة أسلحة الدمار الشامل، وأحترام لقواعد القانون الدولي، وفض النزاعات بالوسائل الدبلوماسية.

 

 

 

لوحة الرسام البرتغالي فاسكو غار غالو

 

الفن يدين العنصرية

 

ضرغام الدباغ

 

 

فاسكو غارغالو هو رسام كاريكاتير برتغالي، ولد في عام 1977 في فيلا فرانكا دي زيرا، وهي بلدة هادئة في البرتغال. هورسام كاريكاتير ورسام صحفي مستقل ، ينشر أعماله في العديد من وسائل الإعلام الوطنية والدولية - يمكن رؤية بعض من أفضل الرسوم التوضيحية له في الصحف والمجلات مثل " مجلة Sábado"، "الجريدة الأول"، وفي الصحافة اليومية البرتغالية والدولية . وهو متعاون منتظم مع حركة الكرتون وشارك في العديد من المعارض والمهرجانات في جميع أنحاء البرتغال.

 

شارك في مسابقات الرسوم المتحركة الأوروبية الكبرى. وتلقى غارغالو في عام 2016، أربع تنويهات مشرفة:

ــ جائزة الأمم المتحدة / رانان لوري للكاريكاتير السياسي لعام 2016.

ــ مهرجان الرسوم المتحركة الأول في الكويت 2016.

ــ الطبعة 9 من د. Quichotte الدولية للكارتون المسابقة / Quo Vadis أوروبا / رحلة الأمل.

ــ "مهرجان العالم 18 بورتوكارتون".

ــ في عام 2014، حصل على جائزة خاصة في مسابقة "بينالي دي فكاهة لويس دي أوليفيرا غيماريش". ــ في عام 2009، فاز بجائزة ستيوارت، في فئة "صحافة الرسوم المتحركة".

ــ في عام 2005، فاز بجائزة الشباب التوضيح، في "القاعة الوطنية الصحافة الفكاهة" وحصل على تنويه مشرف في قاعة الكاريكاتير البرتغالية- الجاليسية". "الرسم من أجل حرية التعبير هو هدفه الأسمى!"

رغم أن اخطبوط الصهيونية يمتد إلى كل زوايا الأرض، فيشتري ضمائر بعض الناس، ويرهب بعضاً آخر، ويسن قوانين في بلدان أخرى يحمي بها الانحطاط الخلقي لهم، إلا أننا نشاهد بين فترة وأخرى، أعمالاً فنية رائعة تدين العنصرية وتشجب العدوان، وتقف إلى جانب المظلومين.

 

رسم للفنان البرتغالي فاسكو غارغالو (Vasco Gargalo) نشره في مجلة  سابادو (Sabado) الأسبوعية البرتغالية بعنوان :  المحرقةً وقد اثار حفيظة الصهاينة وغضبهم،  فشنوا على صاحبه حملة شعواء وطالبوا رئيس الصحيفة بطرده  ويمثل الرسم صورة نتنياهو وهو  يزج بتابوت يمثل الشعب الفلسطيني في أتون فرن وكأنه يقول للصهاينة اذا كنتم تعرضتم لمحرقة على أيدي النازيين فانكم ترتكبون مثلها او أسوء منها بحق الشعب الفلسطيني.

 

وفي عمله الفني هذا  أكد هذا الفنان التقدمي مرة أخرى بضميره الحي وإحساسه الإنساني المرهف في التعبير عن مآسي هذا الشعب الفلسطيني المناضل التي حلت به على يد ابشع احتلال عرفه التاريخ. ولهذا الفنان أعمال أخرى يقف بها إلى جانب الشعوب المناضلة، وقضايا التحرر .

 

ومؤشر آخر يشير إليه الفنان البرتغالي بذكاء يتمثل بالجملة الشهيرة "Arbeit macht Frei "  العمل يصنع الحرية ، تلك الجملة التي كانت تتصدر مداخل معسكرات الإبادة النازية، وتذكر اليوم بالمحرقة التي يشهر شعار مظلوميتها الصهاينة الذين تعرضوا للظلم على أيدي النازيين، ولكنهم في الواقع تعرضوا للاضطهاد في معظم الدول الأوربية، ولم يكن العرب يوماً من بين من اضطهدوهم، ونرى اليوم الصهاينة يمارسون الهولوكوست والمحرقة بحق العرب الفلسطينيين، وهذه اللوحة الفنية الرائعة، تدين المجرم العنصري، وتقف إلى جانب المظلوم.

 

تحية  للفنان التقدمي البرتغالي فاسكو غارغالو.

 

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

الليبرالية والديمقراطية

وحقوق الانسان

ضرغام الدباغ

استلمت مقالاً بعنوان (الديمقراطية والليبرالية هي الحل)، مع تعقيبات ممتازة لعدد من الكتاب، والمقال أرسل لي للمطالعة وإبداء الرأي، وتمكنت على عجل من توفير المعطيات التالية ولكل منها دلالاتها :

أن المقال على أهمية عنوانه ومادته لم يأخذ سوى 17 سطراً، أي أقل من نصف صفحة.

أستهلك بالتحديد 112 كلمة ..! 88 كلمة لمتن المقال .

المقال لم يستغرق سوى 4 جمل ...!

لم تتطلب الاستنتاجات سوى سطرين ونصف، (24 كلمة) ...!

جاء المقال هكذا بأقتضاب شديد في متنه، وصرامة في أفكاره واستنتاجاته، أقرب منه إلى قرار  حاسم فالبيان أو الإعلان يشبه في متنه واستنتاجه البراءات التي كانت تصدر خلال الستينات، غير الصيغة المفترضة للمقالات ذات الطابع الفكري، فإذا به (المقال) يشطب بسهولة على أفكار كثيرة هكذا وضع الجميع " الاستبداد العسكري والاستبداد الديني والانظمة الشمولية الستالينية ورأسمالية الدولة  ". في سلة واحدة وصفها بالفاشلة، مقابل الليبرالية التي هي الحل الأوحد. وكأنه قرار أتخذ من حاكم عسكري في دولة محتلة ..!

وهنا نود أن نؤكد، أن النظم السياسية في البلدان النامية، مرت وستمر في المستقبل بحالات وأنماط أنظمة، فليس هناك أمر نهائي، لا في اقطارنا ولا في دول أخرى، فكل المعطيات خاضعة للتطور، ولا يوجد نظام سياس على وجه الأرض غير خاضع للتطور، بوصفه صنع من الفولاذ، كما لا يمكن مقارنة نظام بآخر، وليس من الضرورة أن تتشابه الأنظمة، فهي نتاج موقف اجتماعي / اقتصادي/ ثقافي متفاوت، ويمثل أي نظام إجمالي تبلوراً له تعبيراته للموقف العام وحجم المنجزات ومحصلة للتجارب التاريخية في هذا البلد أو ذاك. ولذلك ليس من الضرورة لأي نظام سياسي أن يشبه أو أن يقارن بالنظم السياسية في بلدان أخرى.  البلدان. والبلدان النامية حرمت من التطور التدريجي في ظل أجواء استقرار وغالبا بسبب تدخل الدول "الليبرالية" أو أنها تعرضت لمخططات الإعاقة والتقويض، وأعتقد أن العراق وليبيا والسودان وسوريا واليمن، وأن مصر تعرضت وتتعرض اليوم دونما توقف لتدخل خارجي يستهدف وحدتها وأسس الدولة. ومصر بوصفها دولة قديمة استطاعت أن تنجو مما يدبر لها، وكذلك الجزائر، بل وتمكنت مصر والجزائر من تحقيق منجزات كبيرة نقلتها إلى مواقع متقدمة (مصر والسعودية من بين دول العشرين) والجزائر في موقع مقارب.

 

من خلال تجربتي بالعمل السياسي والبحث العلمي منذ مدة تتجاوز الستون عاماً، وإقامة تبلغ حوالي النصف قرن في بلد أوربي (ألمانيا)، نتعرف بسهولة على معوقات التنمية في أقطارنا، وهي معوقات يحرص الغرب الليبرالي بشتى الأساليب أن لا نتجاوزها وصولاً إلى العدوان المسلح، وهناك تجارب عربية عديدة أجهضت بسبب التدخل  الليبرالي الأجنبي: نهضة محمد علي الكبير والناصرية في مصر، والعراق في عهد الحكم الوطني. ورغم وجود أخطاء خلال التجارب، لم يكن هناك سبب مقنع لتدمير هذه البلدان سوى أنها قاربت بلوغ الخط الأحمر الممنوع تجاوزه. وهذا أمر توصلنا لمعرفته كما يعرفه الأوربيون بدقة تامة .

 

واليوم تواجه التجربة الجزائرية، والسعودية، والمصرية والتركية (يرجى ملاحظة تفاوت كنهة التجارب) في إحراز درجة التقدم الحاسم، وهي تسير بتؤدة كالسائر في حقل ألغام شديدة الانفجار، لماذا  ...؟ ببساطة من غير الجائز أن تتجاوز هذه الدول مرحلة يعتبرها الغرب الليبرالي " تهدد نفوذنا ومصالحنا  وسيصعب السيطرة عليها ..! " وقد تسنى لي قراءة المطالب الأمريكية من القيادة التركية (قبل الانتخابات الأخيرة بدقة تامة، عليها) ومن يقرأها لا يكاد يصدق أن تطلبها جهة تحترم ذكاء وكرامة جهة أخرى ..!(أبسطها.. يمنع التنقيب عن النفط والغاز في أراضيكم الوطنية) ومن يتذكر فقرات الحصار على العراق بوسعه أن يتعرف على صفاقة  الليبراليين ولا سيما في نسختها الجديدة في الولايات المتحدة. الأمم المتحدة تذكر في تقاريرها أن العراق كان على وشك مغادرة قائمة البلدان النامية، والآن نشاهد ما فعلت الليبرالية ببلادنا، فشكراً لسنا بحاجة لأدلة جديدة ..!

 

الدول القومية لم تكن فاشلة، الجزائر أستقلت عام 1961 وتعتبر اليوم قاطرة التنمية في أفريقيا، والعاصمة العراقية بغداد، لم تكن تتوفر يوم استقلالها على خدمات الماء والكهرباء، والرعاية الطبية،  وهناك عواصم كانت حتى السبعينات تقترب من كونها قرية كبيرة، اليوم تحفل بالجامعات، ومحطات التلفزة، والمستشفيات، والخدمات الأساسية، رغم صعوبة ظروف التنمية وعراقيلها. وإن حدث خلل ما فذلك بسبب أن أقطارنا تخوض تجربة فريدة من نوعها، وهي الفاقدة لاستقلالها مدة تزيد عن 8 قرون، تعرضنا فيها لشتى صنوف القمع من سلب ونهب وقتل وتصفيات، وإعاقة التنمية بأساليب إجرامية منها اختطاف العلماء وقتلهم ، ووضع العراقيل، ولم تتنسم عبير الحرية إلى بعد أن تركت الاحلاف الاستعمارية والمعاهدات الجاهرة (في خمسينات القرن المنصرم))، وتحررت الثروات الوطنية، وفي غمرة مساعيها، أسسوا كياناً عدوانيا تعسفيا في قلب الأمة، كيان معتدٍ توسعي استيطاني. ليمثل مشكلة لا حل لها تستهلك الجزء الأعظم من موازنات دول المواجهة ودول الدعم.

 

قرأت تقارير السفارة البريطانية في بغداد (10 / تموز / 1958 ــ 10 / تموز / 1959) فذهلت لحجم الكراهية والحقد وقلة الاحترام للشعب العراقي، وهم كانوا يستفيدون من العراق ويحلبوه، وينهبوه .. ونحن لم نؤذهم، ولم نلحق الضرر مصالحهم الوطنية، ولكننا لا نجد كلمة إنصاف واحدة في الكتاب ... وعلى الأغلب كافة الدول الليبرالية كذلك لماذا ...؟  والذين يدعون الليبرالية لا يطيقون من لا يأكل مثلما يأكلون، ولا يطيقون من لا يرتدي ثيابهم، ولا يتعاطى مع النساء كما يفعلون هم، والدعارة عندهم صناعة كاملة، أما من يخالف أنماط تفكيرهم فهو متخلف، وإرهابي، وغير متحضر ...فأين الديمقراطية في كل هذه ؟ أين حقوق الإنسان ..؟ الغرب يريد فرض أنماط حياته السياسية والاقتصادية، والثقافية والجنسية وحتى المزاجية التي أستغرق تطورها عقوداً طويلة على أمم العالم فرضاً، وهم يشاهدون تلاشي مجتمعاتهم، فليس سوى اعتمادهم البوليس والقضاء في إطالة أمد الليبرالية الساقطة.

 

أما في ميدان السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، انتهجت الليبرالية الغربية سياسات منها  العلاقات اللامتكافئة سياسيا واقتصادياً وثقافيا،  حتى صارت سياسة فرض والحصار والتجويع (وفي مرحلة القطبية الأحادية بالغت الليبراليون الجدد في أميركا استخدام القوة المسلحة، وسياسة الحصار، والعقوبات الاقتصادية في نظام العلاقات الدولية، جسدها الإعلان الأمريكي الصريح، " من ليس معنا فهو ضدنا "، والعمل صراحة على سياسة الرشوة والابتزاز والتهديد.

 

وتكشف مفردات النزاع في أوكرانيا، المزيد من جوهر الليبرالية الغربية. ويرى بعض المفكرين الغربيين أن الحرب الأوكرانية سرعت من انحدار الليبرالية، والحضارة الغربية نفسها إلى الحضيض،  وأشارت على نحو واضح ثقل التناقضات التي تعم المعسكر الغربي، والمشكلات الكامنة، واستحالة استقرار النظام العالمي بالقطبية الواحدة، مما يشير إلى أهمية نعدد الأقطاب العالمية كمدخل لعلاقات دولية أكثر عدلاً، فالعالم يرفض أن يضع مقدراته بإدارة ليبراليون جدد فاشيون يفرضون سياسة الأمر الواقع يديرون العالم  لمصالح شركاتهم واحتكاراتهم. ويرى جمهرة من الفلاسفة وعلماء السياسة (ومنهم في الولايات المتحدة) ان الليبرالية وتعبيراتها السياسية والثقافية هي في طور التدهور والانحدار " لأنها فقدت المصداقية في الداخل الأمريكي / الغربي والخارج، وإن المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية في الغرب وفي العالم أفقدت الليبرالية صلاحيتها ولم تعد تستجيب لتطلعات شعوب الغرب نفسها "، وأن الليبرالية في نسختها المتطورة لا تعني أكثر من وضع اللجام في عنق شعوب العالم، في ظل أزدراء تام للعدالة الدولية والعلاقات المتكافئة التي هي أساس القوانين ومن شروط التعاون الدولي. وكانت افتتاحية عصر الليبرالية والقطبية الأحادية، تتمثل بغزو أفغانستان، ثم العراق بعدوان همجي مخالف للقانون الدولي، رفضه حتى البلدان الأوربية الكبيرة (فرنسا ألمانيا إضافة لروسيا والصين)، ثم تدخل مسلح في ليبيا، ولكن الليبرالية الحديثة تعتبر العراق والكيان الصهيوني اللاهوتيان، نظامان ديمقراطيان وحيدان في الشرق الأوسط، مع وجود 157 قانون عنصري في الكيان الصهيوني ونظام عراقي يقيم نظاما قائم دستورياً على الفصل العنصري والطائفي. وكلا النظامان يستخدمان العنف المسلح  وبإفراط برعاية الليبرالية والاستخدام المنتهك لشعارات حقوق الإنسان.

الليبرالية الحديثة تعطي الأولوية للحرية الفردية غير المحدودة، والهدف هو الحيلولة دون قيام اتفاقات جماعية، ضرب من الحرية الفردية يغطس الإنسان في جملة هموم وهواجس، تضعه في موقع بعيد عن المسؤولية الاجتماعية، ومع  غياب الحدود الاخلاقية الجمعية (كل فرد هو كينونة بمفرده)، انهارت منظومة القيم وتمزق نسيج المجتمعات الغربية، وكان أبرز مظاهر ذلك تفكك الأسرة في الغرب وانتشار الشذوذ الجنسي وما نتج عن ذلك من تداعيات ديموغرافية، وتشير الاحصائيات الى أن العنصر الأبيض في الولايات المتحدة ستقل نسبته عن 50% من عدد السكان خلال السنين القادمة أي أن البيض سيتحولون إلى أقلّية، ونفس المصير ينتظرهم في أوروبا خلال العقود القادمة، بل أن بعض المفكرين الغربيين منذ شبنغلر 1936، تنبأوا بموت الغرب ويقولون إن "المرض داخلي  كامن وخطير ويتعاظم وهو من صنع أيدينا وأفكارنا وليس بسبب خارجي".

 

وبضرب من فجور منطق، تؤل الليبرالية، جرائمها، فالغرب أجاز استعمار العالم وتجارة العبيد، وتجارة الحشيش، باسم الليبرالية تغوّلت الرأسمالية وزاد الأغنياء غنىً والفقراء فقراً ومورس التمييز العنصري ضد السود والمهاجرين من غير "ذوي العيون الزرقاء"، وباسمها أعيقت التنمية في بلدان العالم الثالث وفرضت عليها شروط مالية مجحفة من خلال المؤسسات المالية الدولية. ويقر  أغلب المفكرين المنصفين الغربيين اليوم بحقيقة أن تاريخ الغرب الحديث مليء بالعنف المفرط والنفاق والمعايير المزدوجة، وإن النخب في الغرب استخدمت الليبرالية غطاء لهيمنتها، وأن مبادئ الثورة الأميركية (جميع البشر خلقوا متساوين، وحقوقهم غير قابلة للتصرف) ومبادئ الثورة الفرنسية (الحرية والاخاء والمساواة) لم تكن سوى شعارات براقة خادعة. ويخلص بعضهم الى القول إن "الليبرالية لم تكن إنسانية يوما، ولن تكون عالمية، وهي ليست حتماً تاريخية .

 

كما أن الليبرالية الاقتصادية المتمثلة بالرأسمالية الاحتكارية أهتمت بتوفير مستلزمات تراكم الأرباح، دون معطيات ومستلزمات  أجواء السلام والتنمية، بل كانت ولا زالت تؤجج الصراعات والحروب بين الليبراليين أنفسهم وبين بلدانهم والشعوب الأخرى. فتاريخ أوروبا منذ عصر النهضة هو عبارة عن حروب متواصلة، الحربان العالميتان الأولى والثانية وحرب كوريا، ثم الفيثنام، وأفغانستان، والعراق، ويوغسلافيا، وعدد من حروب الوكالة من بينها الحروب الإسرائيلية، وآخرها، وأخيراً، الحرب اوكرانية. وبأسم الليبرالية جرى إطلاق النزاعات والحروب العدوانية ويدل على ذلك حروبهم الأوربية وخارج القارة.. كما أن هذه الرأسمالية المحاربة لم تشجّع السلم الاجتماعي داخل الدول، بل أوجدت طبقات متصارعة، والمجتمعات الليبرالية التي تسود فيها نزعات العنف والقتل العشوائي حتى بين تلاميذ المدارس.

 

والليبرالية السياسية المتمثلة بالديمقراطية الغربية تعاني من منظومتين من المتناقضات: الداخلية  وتتمثل بتغليب إرادة النخبة على الإرادة الشعبية، فارتباط الديمقراطية الليبرالية بالرأسمالية وجماعات المصالح والبنوك وشركات صنع السلاح وأباطرة الإعلام جعلت من النظام الليبرالي الديمقراطي خاضع لمصالحهم ولذا تحولت أغلب الديمقراطيات الليبرالية في الغرب إلى نظم شبه ديمقراطية أو  حتى إلى نظم حكم الأقلية (أوليغاركية)، واللجوء إلى الكذب والتدليس وتزوير الحقائق وخداع الجمهور كما حدث في حرب العراق،  فضلاً عن تفاعلات داخلية عنيفة، تمثلت بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، تحوم حولها شكوك التزوير، ولذا فإن هذه الديمقراطيات الغربية تشهد حالياً أزمة حقيقية تهدّد استقرار نظمها السياسية. وتمثّلت أهم مظاهر هذه الأزمة في نمو الروح القومية والاعتزاز بالهويات المحلية، تشتد النزعات الانفصالية مي الكثير من الدول الرأسمالية كبريطانيا، واسبانيا، وفرنسا، وبلجيكا ، كندا وفي الولايات المتحدة تشتد النزعات العرقية: بيض ولاتين وسود وأمريكان اصليين (هنود حمر) وآسيويين، إضافة الى الاستقطاب الطبقي والاستقطاب الديني.

 

أما الأزمة الخارجية للديمقراطية الغربية فتتمثل في نفاقها الفضوح، فهي تدعو الى احترام حقوق الانسان مجرداً من أي اعتبار خاص بالجنس أو بالعرق أو بالدين أو الطبقة، لكنها في الواقع التطبيقي تنتهك حقوق الشعوب (من تجارة العبيد الى أبو غريب وغوانتانامو السجون السرية مرورا بإبادة الهنود الحمر وحروب الإبادة (فيثنام /أفغانستان/ العراق) وتستخدم التهديد والتعسف لفرض قيمها على العالم وعلى الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي، واستطاع الغرب فعلاً تمرير الكثير من المفاهيم الثقافية والاجتماعية اللّيبرالية في الوثائق الدولية مثل اتفاقيات حقوق الانسان والوثيقة الخاصة بالمرأة، واتفاقية حقوق الطفل وهي اتفاقيات تعارضها الغالبية من دول العالم بما في ذلك بلداناً أوربية..

 

الدول الغربية الليبرالية تسكنها هواجس، فهي تحصد نتائج رفض العالم لها، وتدهور الغرب هو نتيجة منطقية لفشل مشروعه الحضاري، والنظام العولمي ما هو إلا تطوير فاشل للرأسمال الاحتكاري، في محاولة فرضه عالمياً، ما هو إلا امتداد للاستعمار والامبريالية، فمحاولة شرعنة الأباحية والشذوذ، هو نقل رسمي لأمراض مجتمعاتهم المتفسخة، وتسويقها تحت لافتة حقوق الإنسان.   الحضارة الغربية، بكل الإنجازات العلمية والتكنولوجية والصناعية التي حققتها، تسير الآن نحو الانحسار، وأخذت تفقد تدريجيا مقوِّمات حيويتها ونشاطها وقدرتها على المنافسة والإبداع اللازم لاستمرارها، ولا تعترف النخب الليبرالية الغربية بغير إنجازاتها،. فهذه الصين نجحت نجاحاً منقطع النظير باعتمادها استراتيجية نابعة من تاريخها وظروفها، واعتمدت (اقتصاد السوق الاشتراكي) لتنمية اقتصادها و (نظام التشاور السياسي لتعاون مختلف الأحزاب تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني) لإدارة شؤونها السياسية.

 

وما تحقق في الصين يتكرر، وأن نماذج أخرى يمكن أن تنشأ في أرجاء أخرى من العالم ، على وشك أن تفرز نظاماً جديداً، ومراكز جديدة في الهند / ماليزيا والمنطقة العربية (السعودية / مصر / الجزائر، جنوب أفريقيا، البرازيل / الارجنتين، تنهض بدرجة أو بأخرى، في بلدان كثيرة خارج المجموعة الغربية كالهند وماليزيا وجنوب افريقيا والبرازيل والارجنتين. المنظوية في إطار (منظمة بريكس)

 وإن (المطالبة الدولية الواسعة النطاق تؤكد أن النظام الغربي ليس المثال الذي يحتذى به لدى شعوب العالم، ومن هنا التأكيد على عالم متعدد الأقطاب، وتعبير عن حيوية الحضارة الإنسانية وتعدد مناخاتها، وألوانها، تنبأنا أن النظام العالمي القديم يحتضر مهما برعوا في إنقاذه,

 

كبلدان نامية، وكأقطار عربية مدعون لتقييم المتغيرات المتسارعة في الساحة الدولية ويدعونا تداعي النظام الدولي الأحادي القطبية،  وأسسه الفكرية والسياسية، اعتماداً على عمقنا التاريخي وثرائنا الفكري وثقافتنا ومميزاتنا الجيوسياسية وقدرات علماؤنا، والطاقة الكامنة لأبناء شعبنا التي تجعل دورنا أساسيا في فترات التغيير الحاسمة لتشكيل نظام عالمي جديد، ومشاركة بقية الشعوب في انتاج البديل الحضاري الذي ينقذ البشرية مما آلت اليه أوضاع العالم في ظل وصاية وهيمنة الليبرالية الغربية. ولشدة غباء الليبراليون أنهم يعتقدون أن بوسعهم حمل جميع شعوب العالم في موقع الدونية الغاطسون فيه .

 

مؤسف أن نجد من بيننا من يميل لهم، و لأرائهم،  وأبقاؤنا في موقف التبعية بما في ذلك رؤيتهم لوضع المرأة ووصولاً للشذوذ الجنسي والعلاقات المثلية، والموقف من الأطفال ..هذه هي الليبرالية والتحرر، الدول الليبرالية والديمقراطية، هي من أنتج الاستعمار والإمبريالية والفاشية والنازية، والعولمة، كمعول هدم وإفقار ونهب حقيقي. ولا يصمد أمام إرادتهم الاستعمارية سوى أن تكون الدول قوية ومسلحة حتى الأسنان،  أو الصمود بلا هوادة، حتى يرغموهم على الفرار كما فعلوا في كوريا وفيثنام وأفغانستان، وجنوب أفريقيا وزمبابوي (روديسيا)، وصمود كوبا، وفنزويلا ..وغيرهم من الشعب ... شعوب هي ضحايا الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...!

 

الفاشية والنازية وصلت للحكم بالانتخابات، وكذلك شخصيات تافهة في قيادات ما يسمى بالليبرالية، إذا كان الأوربيون يضيقون ذرعاً بجور الولايات المتحدة ونظامها العولمي سراً وعلناً، وهم حلفاؤها وشركاؤها،  فماذا نقول نحن في البلدان النامية  ...؟ المبتلون بأطماعهم وجرائمهم ..؟ ترى هل علينا أن نهتف بسذاجة " فلتحيا الليبرالية " " هكذا حقوق الإنسان وإلا فلا ..! " السيدة أولبرايت تقول " فليمت نصف مليون طفل عراقي ... الأمر يستحق "، والوزير بيكر يتوعدنا (ونفذ وعده) أن يعيدنا للقرون الحجرية ..! هناك عشرات من العراقيين كتبوا رسالة لبوش يشجعونه على احتلال بلادهم ... معظمهم نادمون على ما فعلوا، عار لن يستطيعوا الدفاع عنه ... وهناك اليوم من يجد التبرير لما فعله الليبراليون في بلادنا ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــ   الدول المؤسسة لمنظمة بريكس

الصين، روسيا، الهند، جنوب أفريقيا، البرازيل

 

ـــ دول قدمت طلبا رسميا للانظمام :

الجزائر، الارجنتين، إيران، مصر، اندونيسبا، السعودية، سورية، تونس،

 

ـــ دول تجري حوارات للانظمام :

كازاخستان، نيكاراغوا، نيجريا، السنغال، تايلاند، الأمارات العربية المتحدة

 

 ملامح أساسية للعلاقات

 الدولية المعاصرة في ظل

 النظام الدولي الجديد

 

د. ضرغام الدباغ

 

بعد مسيرة حافلة بالتوتر خلال الحرب البارد بكل فصولها، توجت بعقد قمة في 3 و 4 ديسمبر 1989 على متن بارجة سوفيتية ترسو في مياه مالطا في البحر الأبيض المتوسط بين الرئيس السوفيتي والأمريكي جورج بوش، رسمت نهاية المعسكر الاشتراكي، من جهة، وانتهت من جهة أخرى حقبة مهمة من تاريخ العلاقات الدولية بأختتام مرحلة القطبية الثنائية لتبدأ مرحلة جديدة بهيمنة البلدان الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة كقطبية أحادية أطلق عليها (النظام الدولي الجديد) ثم أتخذ النظام تسميته الأشهر (العولمة).

من الثابت علمياً، أن التوسع والهيمنة يحكم طبيعة الرأسمالية، وقد تسعى الأقطاب الرأسمالية إلى تنسيق فعالياتها كي لا تصطدم ببعضها وتجنب ما قد ينجم عن هذا الاصطدام من آثار مروعة، وقد تعقد تحالفات وائتلافات، وقد تتفق فيما بينها على هذا الأمر أو ذاك مرحلة معينة، وتعقد المؤتمرات والاتفاقيات وتتقاسم فيما بينها(المصالح)، ولكن هذه الترتيبات ليست نهائية، وعندما يصل التنافس ذروة معينة، آنذاك سوف تسعى الأطراف المتنافسة تقاسم جديد، فتنهض تحالفات جديدة، وتدور صراعات تحمل بذور تطورها إلى صراع مسلح، حين يبلغ التناقض نقطة لن يكون بوسع نظام العلاقات السائد استيعابه، ويبلغ التناقض في المصالح درجة لا يمكن السكوت عنها، يتطور ذلك الصراع إلى درجته المسلحة بصرف النظر عن الخسائر، ومثل هذا التنافس يدور اليوم بشتى الصور، ظاهراً كان أم خفياً.

 

في هذه المقدمة المختصرة، مدخل لاستعراض المرتكزات والشروط الأساسية من أجل فهم دقيق للعولمة المؤشرات السياسية والاقتصادية، من خلال:

 

أولاً : إن العولمة هي مرحلة من المراحل التاريخية لتطور الرأسمالية، بل هي أكثرها تطوراً، إن اتحاد الدولة مع الشركات، الذي أنتج الدول الإمبريالية. مثل عبر تطوره اللاحق إلى العولمة تعبيراً لتطور هائل الذي بلغ مرحلة متقدمة في تطوره، عابر للحدود الدولية ليشمل العالم بأسره.

 

ثانياً : إن فعاليات الشركات المتعددة الجنسية قد تشابكت وتداخلت لتصبح من سمات الحياة الاقتصادية اليومية لمعظم شعوب العالم، وكذلك كثافة حركة رأس المال على الصعيد العالمي عبر شبكة هائلة من البنوك تغطي العالم .

 

ثالثاً : إن الموقف الاجتماعي الداخلي(بسبب شدة تمركز رأس المال المصرفي لارتفاع كلفة المشاريع، وارتفاع معدلات التضخم) أدى إلى وقوع الدولة وأجهزتها في قبضة الاحتكارات والبنوك ونفوذها وهيمنتها وغدت الدولة مسخرة بصفة مطلقة لخدمة هذه الشركات العملاقة وليس أدل على ذلك من أن الولايات المتحدة ومثلها الدول الرأسمالية الرئيسية وعلى الرغم من ثرائها الكبير، لا تعمل بمجانية العلاج حتى للفئات المسحوقة، بل أن تكاليف التأمين الطبي باهظة بحيث يعجز عن دفع نفقاتها فهناك،37 مليون أمريكي عاجز عن دفع نفقات التأمين الطبي عام 1990 وأن 20% من أصحاب الثروات يستحوذون على 90% من صافي الدخل القومي.

وفي مطلع الثمانينات بلغت شدة درجة تمركز رأس المال في الولايات المتحدة، لدرجة سيطرة ثمانية مؤسسات مالية كبرى هي: مورجان، روكفلر، ديبوت، ملبون، بنك أوف أميركا، بنك شيكاغو، بنك كليفلاند، بنك فرست ناشنال سيتي، بلغ رأسمالها المستثمر في السبعينات 218 مليار دولار.

 

رابعاً : أما على الصعيد الخارجي، ولأن اشتداد دولنة الاقتصاد(أي المزيد من جعله دولياً) جعل من ذلك العنصر الأساسي، السمة الأساسية للمرحلة وعنصراً مهماً في أقامة التحالفات الخارجية للدولة(الولايات المتحدة) التي تولت قيادة الإمبريالية الجديدة(العولمة) بفضل انفرادها بالهيمنة على العالم.

 

خامساً : مثل التنافس بين الأقطاب الرأسمالية عبر التاريخ وما يزال، فقرة أساسية في العلاقات بين الدول الرأسمالية وليس ظاهرة عابرة. وكثيراً ما وصل إلى ذروته(الصراع المسلح) وقد حدث ذلك في مراحل التاريخ دائماً (14,000 حرب ونزاع مسلح)، أن التنافس والصراع على مراكز النفوذ واقتسام العالم كان السبب الرئيسي في هذه الصراعات، وسوف يستمر هذا العنصر ملازماً للرأسمالية في كافة مراحلها. وربما تقلص أسلحة الدمار الشامل عدد الحروب وأتساعها ولكنها لن تمنع اندلاعها بأي صورة من الصور، ومن تلك ما تسمى الحروب بالنيابة (proxy war).

 

وتتميز العولمة بوصفها الناتج الطبيعي لتطور الرأسمالية لما بعد مرحلة الاستعمار الجديد ـ الإمبريالية، بسمات وملامح في هياكلها السياسية والاقتصادية، كما في توجهاتها على الصعيد العالمي ومن تلك:

 

أ / باعتبار أن عملية تمركز رأس المال المصرفي ماضية ومتواصلة لتكون في يد فئة قليلة من كبار الرأسماليين(مصارف، مؤسسات تمويل واستثمار) ترافق مع تعاظم نفوذها، الذي أنعكس بداهة على تأثيرها السياسي داخلياً وخارجياً. كما غدت القوة الأولى المهيمنة في البلدان الصناعية الرئيسية، فهي ليست المغذية الأولى للصادرات إلى الخارج الاستهلاك الداخلي فحسب، بل وتعدى حدودها إلى احتكارها لصناعة السلاح وأنشطة الفضاء الخارجي، فغدت الدولة نفسها الأداة الأولى لها، ويندر أن يخلو ملف من ملفات الدولة الخارجية من أهداف هذه الشركات العملاقة على رأس جدول أعمالها، وتصب معظم فعاليات الدولة السياسية / العسكرية في طاحونة مصالح الشركات.

ب / بناء على ذلك تراجع دور الرئيس والمؤسسات في اتخاذ القرارات مقابل تعاظم دور المؤسسات المالية وما انبثق عنها من إدارات وهيئات تحت عناوين ومسميات شتى، بل أن الشركات والبنوك، تدير معاهد دراسات وأبحاث سياسية وعلمية وغيرها. ويلاحظ أن القرارات تخضع لعملية طويلة نسبياً، ولكن في النهاية فهي تراعي بالمقام الأول مصالح االعمالقة الاقتصاديين.

ج / واستطرادا، فقد احتكرت الفئات العليا من ملوك الصناعات والبنوك السلطة، وجعلت العناصر الأخرى، عناصر مساعدة ثانوية الأهمية، وتلك صيغة فريدة في وصف الائتلاف السياسي / الاجتماعي الحاكم. وما يثير الدهشة أن هذه الأنظمة تسوق شعارات الديمقراطية في وقت تحتكر فيه السلطة بحدود ضيقة للغاية. ولكن باعتبار أن النظام الرأسمالي هو نظام قديم تاريخياً، والنظم الحالية أنما هي حصيلة تطور وخبرة قرون كثيرة، تطورت فيها أساليب وتقاليد العمل حتى بلغت هذا المستوى من ترويض العناصر المعادية لها، ووضع القوة البشرية في خدمتها، بما في ذلك نقابات عمال موالية لها.

د / الإقحام المتزايد لمعطيات الثورة العلمية التكنيكية وشيوع استخدام العقول الإلكترونية والروبوتات في الصناعات الثقيلة والمايكرو أليكتروتكنيك في المعدات الدقيقة.

و / وباعتبار حقيقة مؤكدة هي أتساع حجم وأهمية الاقتصاد الدولي وتكاثف نشاطاته وفعالياته لدرجة يصعب فيها ملاحقة ومتابعة الأصول والجذور لرؤوس الأموال والشركات، فقد غدا الاقتصاد عنصر الضغط الأساسي الذي تمارسه الدول الرأسمالية المتقدمة، إلى جانب وسائل الضغط الأخرى ومنها العسكري، كما يلاحظ وفي أطار تصدير رأس المال ودور الديون وفوائدها وأقساطها في اقتصاديات الدول النامية، الأمر الذي رفع من قيمة ونفوذ المؤسسات المال في دول المركز من جهة كما زاد من تبعية الدول المدينة من جهة أخرى.

ز / تبدي العولمة وأدواتها الثقافية( وهي كثيرة ومتنوعة، إعلامية وثقافية)العداء لكل ثقافة لا تستسلم لها بصفة تامة، بالاستفادة من الثورة التكنولوجية في دنيا المعلومات وشبكة الاتصالات الدولية والفضائيات، تقدمت العولمة بمشروع ثقافي لا يكن الاحترام للثقافات والمنجزات الحضارية، والقيم الثقافية/ الدينية للشعوب الأخرى، ويسعى في حملات غزو وتأثير سلبي وأضعاف وتهميش لتلك المنجزات بهدف أضعاف شخصيتها الوطنية والقومية وجعلها خيوطاً رفيعة في نسيجها الثقافي، وعدم الاكتفاء (كما فعل الاستعمار والإمبريالية) بجعل الشعوب توابعاً في خدمة اقتصادها العالمي، بل وتكريس تبعيتها نهائياً بإلغاء ملامحها وثوابتها الثقافية والوطنية والقومية، فقد أدركنا من تجربة الاستعمار والاستعمار الجديد، وأن العناصر الثقافية والروحية والقومية لعبت دوراً مهماً في الكفاح الوطني ضد الاستعمار والإمبريالية، لذلك تحاول العولمة تحطيم تلك العناصر في شخصيتها لتزيل عقبة مهمة لتحقيق هيمنتها التامة.

 

فالعولمة تهدف إذن إلى بصفة عامة إلى ترتيب مسرح العلاقات الدولية بهذه المؤشرات:

ـ عولمة الاقتصاد: إيجاد عالم بدون حدود اقتصادية وجعله عالماً واحداً فقط، وذلك يعني حرية الطرف الأقوى: الاحتكارات.

ـ الثورة العلمية التكنيكية: اندماج للعلم متزايد مع التكنولوجيا بوتائر متسارعة.

ـ استنفاذ الدولة لدورها التنموي وسقوطها التام فريسة بيد الشركات والمؤسسات المالية.

ـ مبدأ كفاءة وحرية السوق، فكرة تتبنى الحرية كمفتاح رئيسي لنظرية الحرية المطلقة للعمل الرأسمالي، بوصفه محركاً لعالم شامل مزدهر ومحفز للثورة العلمية( حرية السوق، خلوه من العوائق الافتراضية للدولة كقوانين الحماية).

ـ أطلاق موجة ثقافية على كافة الأصعدة السياسية/ التاريخية/ الفنية / الموسيقية ... الخ تؤدي في النهاية إلى خلق ثقافة سطحية لا تغوص إلى مشكلات الإنسان الحقيقية والعميقة ولا تعبر عنها.

 

تدل أحداث كهذه بالإضافة إلى فعاليات شتى منها معاقبة شعوب بأسرها: حصار وعدوان على العراق يستمر لمدة 12 عاماً، يعقبه هجوم شامل واحتلال مباشر وإدارة استعمارية، وحصار دام 8 سنوات على ليبيا، أسفر عن رضوخها للابتزاز،  وصمت حيال حصار غزة، والمجازر في سوريا، وتدمير العراق ومحاولات تفكيكه.

 

وتستهدف الولايات المتحدة بوصفها قائدة للمعسكر الإمبريالي الجديد وقطبه العدواني الشرس في توجهاتها عدد واسع من الأهداف على أسس مختلفة،  أسس أثينية / دينية، الإسلام والكونفوشية بدرجة رئيسية: إذ لا يخفي مفكروا العولمة العداء للإسلام بوصفها تيارات ثقافية تضم اتجاهات أخلاقية وتقاليد تناهض تقاليد العولمة وثقافتها المتفسخة، البلدان العربية بوصفها تمثل قدرة حضارية وثقافية واقتصادية مهمة، واعدة في المستقبل، والبلدان الإفريقية بوصفها هدف دائم للنهب الاستعماري والاستثمار، ومساعي الولايات المتحدة تكاد تكون مكشوفة تماماً في إشاعة الحروب الأهلية وتشجيعها، وشراء ذمم شخصيات سياسية ومحاولات أحداث انشقاقات وتمرد والتحريض على المذابح والمجازر.

 

ولا ترغب الدوائر السياسية أو الأكاديمية الغربية على حد السواء، حتى تلك التي توصف بالحصافة والعلمية والاتزان، الاعتراف بأن ما تشهده البلدان النامية في واقع الحال ليست سوى مخلفات المرحلة الاستعمارية وآثارها السياسية والاقتصادية والثقافية، في وقت يبدو ذلك ظاهراً للعيان دون أي فرصة للالتباس، فعلى سبيل المثال يتمثل السبب الحقيقي لعدد كبير من الصراعات المسلحة إلى قضايا الحدود العالقة، إذ كانت الإمبراطوريات الاستعمارية خططت الحدود بين الدول بناء على مصالحها الاقتصادية والسياسية / العسكرية، أو بناء على قدراتها العسكرية، وهكذا نشأت العديد من مشكلات الحدود التي تسببت في النزاعات المسلحة، كما أن السحق الثقافي والاجتماعي قطع مسيرة تقدم شعوب أخرى كثيرة، لذلك فقدت خصائصها الوطنية والقومية، وهي تكافح الآن من أجل استعادة لغاتها الوطنية وتقاليدها، والسيطرة على ثرواتها الطبيعية التي هيمنت عليها الدول الاستعمارية، وسط تناقضات لا حصر لها، جلها بسبب الحقب الاستعمارية وميراثها، أضافت العولمة ملامحها الجديدة من أساليب الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية.، وقد نجد اليوم دولاً مستقلة شكلياً، إلا أنها فاقدة لمرتكزات الاستقلال على أصعدة عديدة.

ويروج منظروا العولمة، أن العالم وبفعل التقدم الكبير في وسائل الاتصالات، حيث قامت شركات الطيران في أنحاء العالم قامت بنقل 3.13 مليار راكب على متن رحلاتها المنتظمة،  الطائرات(بلغ عدد المسافرين عام 1999 بواسطة النقل الجوي في العالم 1،580 أي ما زيد على المليار والنصف) وشيوع استخدام أجهزة الحاسوب (الكومبيوتر)، واستخدام الأقمار الفضائية في مجال الاتصالات والنقل التلفازي، والنقل المباشر لأنشطة أسواق السهم والسندات المالية(البورصة) عبر العالم، الأمر الذي مكن انتقال رؤوس أموال ضخمة بلمسة زر بين المصارف، وعقد الصفقات التجارية خلال أوقات قياسية، الأمر الذي جعل من العالم حقاً أشبه بقرية كبيرة، وعملت الأنظمة الرأسمالية على إزالة أية قيود أمام انتقال رؤوس الأموال السائلة أو بواسطة الشركات العملاقة، والتهديد بالعزل على من يخالف شروط الانتقال الحر للأموال، وتحقيق الأرباح وتحويلها، وبذلك أصبح العالم بأسره عبارة عن مزرعة للاستثمارات، تتوارى الإمكانيات المالية البسيطة أمام المنافسة الضارية، وأصبحت شعوب البلدان النامية أيدي عاملة زهيدة الثمن أمام الشركات العملاقة التي راحت تفرض شروطها في ظل من الهيمنة السياسية والاقتصادية المطلقة.

 

في نهاية الحرب العالمية الثانية، كان المذيع الأمريكي يتهيأ لنقل نشرة الأخبار، وأدلى بهذه الجملة: يتعين عليكم أيها السادة المستمعين الاستعانة بالخرائط لما سنتلوه عليكم من أنباء. ولا تخفي العولمة والنظام الدولي الجديد اليوم عن نواياهم بتغير الخرائط بل وأحداث تغيرات عرقية ودينية وفق رؤى(عصرية) تتلائم مع العولمة. وحتى زمننا المعاصر كلفت مرحلة تنفيذ خطوات العولمة مئات الألوف من القتلى، وأضعافهم من الجرحى، وتعترف منظمات غوث اللاجئين أن كارثة إنسانية قد حدثت ربما هي الأقسى منذ تشريد الفلسطينيين من بلادهم، فقد هجر الملايين من العراقيين من بلادهم إلى البلاد المجاورة، وإلى بلدان أخرى، مثلهم ملايين السوريين، وتجري أعمال تطهير عرقية وطائفية بصفة علنية في أكثر من بلد، وتجري فعاليات تحريض على الفتن والحروب الداخلية بهدف نهائي هو وضع خرائط جديدة للعالم تتناسب مع أهداف القوى المهيمنة على النظام الدولي الجديد(العولمة)، وليس من المستبعد أن تتراكم أسباب خلافات، وتتصاعد أزمات لتبلغ درجة توتر عالية يصبح معها أمر اندلاع نزاعات مسلحة ليس مستبعداً، فالمشكلات القادمة تحمل معها طابعها المتفجر:

الطاقة.

البيئة ومضاعفاتها: الاقتصادية/الجغرافية

ندرة المواد الخام.

إقامة مناطق محيطية للمراكز.

انتشار أسلحة الدمار الشامل.

الهجرة الشرعية وغير الشرعية.

الأمراض الفتاكة(الإيدز ـ أنفلونزا الطيور ـ إيبولا).

 

وإذا كانت النتائج الاقتصادية من تصاعد مديونية البلدان النامية، وتعاظم ظاهرة الفساد، والحروب الصغيرة والكبيرة، كما يعترف بذلك منظروا العولمة(برجنسكي: أن العالم لم يصبح أكثر أمناً، بالإشارة إلى تقرير سنوي حول النزاعات في العالم أن عام 2002 وحده شهد ثلاثة وعشرون نزاعاً مسلحاً راح ضحيته 125000 ألف إنسان، بالإضافة إلى 79 نزاعاً متوسطاً، تسبب في مقتل 100/1000 لكل منها، و38 نزاعاً سياسياً عنيفاً أدى كل منها إلى مصرع 25/100 شخصا، ولم تشخص إلا 35 دولة فقط في العالم تخلو من الصراعات السياسية العنيفة، أي أقل من ربع دول العالم) ويضاف إلى ذلك أرقام كبيرة عن ضحايا الصراعات المسلحة في أفغانستان وفلسطين وسورية والعراق.

 

وبسبب عنف العوامل الاقتصادية والسياسية والديمغرافية (السكانية) والصراعات والنزاعات المسلحة من حروب وحروب أهلية وأشباهها، تصاعدت أرقام الهجرات غير المشروعة من الدول الفقيرة صوب الدول الغنية، أو الدول الأكثر أمناً بما أصبح يمثل قلقاً حقيقياً لتلك الدول لتداخل العناصر البيئية والثقافية والاقتصادية والعرقية...  الخ، وتشير الإحصائيات إلى أرقام بالملايين من المهاجرين، في مقدمتهم للأسف اللاجئين من منطقتنا: الفلسطينيين والسورين والعراقيين.

 

لقد اضعف احتلال العراق مصداقية الأمم المتحدة إلى حد بعيد، وألحق الوهن بمؤسسات العدل الدولية، وقد عبر العديد من قادة الدول أن العالم قد أصبح أقل أمناً، وأن الاعتماد على الأمم المتحدة كمقر للدبلوماسية الدولية ولحل المشكلات بالطرق السلمية بات محفوف بالشكوك، وإن سيادة الدول لم تعد بمأمن، وتقود هذه الحقائق الجديدة إلى تساؤل مهم: ما لذي يمكن أن تفعله الدول الصغيرة لتبقي على استقلالها وأن تصون مصالحها السياسية والاقتصادية والثقافية وتبقي على بلدانها بمنأى عن المخاطر ؟

 

وبينما تؤيد الاتفاقيات الدولية ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتخذ بتاريخ 18/2/1972 كفاح الشعوب التي تتعرض للغزو والاحتلال ويعتبرها حقاً مشروعاً، سعت الولايات المتحدة راعية النظام الدولي الجديد، إلى وضع قواعد جديدة لمفاهيم الإرهاب تضع كل معارض أو مقاوم لخططها وفعالياتها السياسية والعسكرية في حقل الإرهاب، برغم أن ذلك لم ينل تأييد المجتمع الدولي، إلا أن أنها ماضية في تفسير أحادي لهذه العناوين، وتشن أنشطتها العسكرية بموجب تفسيراتها، وتضع ثقلها السياسي في مجلس الأمن في إقرار قررات تكيل بمكيالين، وتتسم بالقسرية كالحصار والعقوبات واستخدام مبالغ به للفقرة 7 من الميثاق الذي يجيز استخدام القوة المسلحة.

 

ويشبه العمل السياسي في العصر الراهن السير في حقل ألغام خطر، فالميدان ملئ بالمفاجئات، وعلى القوى المناهضة للإمبريالية الجديدة (العولمة) أن تستوعب حقائق العصر وأن تعمل بسياسات مرنة عندما يتطلب الموقف منها ذلك ولكن أن لا تتردد عن المواقف الصلبة الصلدة إزاء حقوقها الثابتة واستيعاب حقائق التناقض بين الأقطاب الإمبريالية وتشكل التحالفات والائتلافات فيما بينها، ورسم الطرق المؤدية إلى سلامة أهدافها الوطنية والقومية في هذه الغابة الشائكة المتشابكة من المصالح المتناقضة.

 

إذن فأهداف العولمة كثيرة ومتنوعة تشمل كافة اتجاهات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وكذلك هو المعسكر الذي يواجهه عريض وواسع، ولكن تشتت الإرادة، والآراء والقدرات ووعي القيادات يشوب صفوف هذه الجبهة ولكن ضراوة المعركة ونهم الإمبريالية سوف يسهم في تسارع عملية تبلور تشكل المعسكر المناهض للإمبريالية. وبقدر ما يسود التنسيق بين جبهاتها وتغليب التناقض الرئيسي أمام الخصم على التناقضات الثانوية في التفاصيل من أجل مواجهة هذا الخطر العاتي الذي لا يستهدف اقتصادياتها الوطنية كالاستعمار القديم، بل كيانها بأسره بكل مكوناته من دين ولغة وثقافة وعادات وتقاليد، بل وحتى الأمل بالمستقبل.

 

وبناء على هذه المعطيات، تثير (العولمة)الإمبريالية الجديدة عداء قوى ليست معادية للإمبريالية تحت عناوين وشعارات اجتماعية، بل ثقافية ووطنية بالدرجة الأولى. فقد كان الاستعمار يستثير ضده عداء عناصر واسعة من المجتمع، بما في ذلك عناصر من الإقطاع ورجال الدين، والفئات الوسطى الوطنية، فأن الجبهة المعادية للعولمة لا تقل جبهة العداء لها أتساعاً، لذلك فأن النضال المعادي لها الآن سوف يجد في صفوفه تيارات غير تلك التي ناضلت ضد الاستعمار والإمبريالية، منها قوى التحرر الوطني والديني والقومي، بالإضافة إلى الفئات الاجتماعية العريضة التي سترى في العولمة الجديدة(وذلك مهم) خطراً على مرتكزاتها الثقافية وأصولها وجذورها الفكرية وما يشكله ذلك من مخاطر على الروابط الوطنية والقومية تؤدي في المدى البعيد إلى تفكيك الكيانات الوطنية وأضعاف روابطها. وهي مخاطر عبر عنها بعض قادة البلدان الغربية كرئيس الجمهورية الألمانية الأسبق هورست كوهلر الذي قال بصراحة، أن العولمة تدمر وتسحق بشكل نهائي آمال الشعوب النامية.

 

وتشن القوى الغربية الهجوم على المنطقة بدواعي التصدي للإرهاب، وفي عداد ذلك يجري الطرق على التنوع الديمغرافي، والتناقضات الثانوية، وعلى الظواهر العارضة على حساب الجوهري، بهدف تجزئة القوى في المنطقة ليسهل لها التغلغل والتفتيت.

 

وتدرك الولايات المتحدة بوصفها قائد المعسكر الغربي سياسياً وعسكرياً، خطورة التورط المباشر مجدداً في الصراع المسلح وتداعيات مشاركة جنودها مباشرةً في المعارك مع أية قوى مسلحة من الميليشيات الموجودة في الساحة العربية والإسلامية، تركز استراتيجيتها على استخدام القوى المحلية بتقديم مغريات التسليح والدعم الجوي والعسكري واللوجستي والمالي، كتوريط القوى الكردية في الصراع الدائر وجعلهم رأس حربة هذه المعركة، كما يجري العمل على استخدام القوى العشائرية والمجموعات المعارضة، لتكون جزءاً من هذه الحرب فينأى الجيش الأميركي عن خوض المعركة مباشرةً، مستخدماً الطائرات من جانبه، ومستعيناً بادواته في المنطقة أو بمن يقبل بالتحالف معه... ويتعزز حينها الانقسام المحلي بين المجموعات الدينية والعرقية والإثنية، تمهيداً لإضعافها جميعاً ولزرع العداء فيما بينها لعقودٍ قادمة وسنوات طويلة. 

 

تدير الولايات الأمريكية الحرب تحت شعار الإرهاب الإسلامي، وتحت هذا الشعار، تنضوي أهداف عديدة، قريبة وبعيدة.

المصالح الأمريكية الاقتصادية والسياسية هي في مقدمة الأهداف وهي تعمل على عدة خطوط :

 

السعي لإبقاء البلدان العربية بموقع التبعية السياسية تحت شعارات التهديد بقواها المباشرة القصف البعيد، التدخل الجوي بدون طيار، التدخل المباشر عند الضرورة القصوى (الخطر الإسرائيلي ـ الإيراني).

السعي للحيلولة قيام تضامن عربي، وحدة عربية، تضامن إسلامي.

حماية لإسرائيل التي يتزايد عجزها من الوقوف أمام حركات مقاومة وتفاقم القوة الذاتية العربية.

إبقاء مصادر الطاقة العربية تحت هيمنة الشركات الأمريكية تنقيباً واستخراجاً وتسويقاً، والاستحواذ على الفوائض النقدية بشتى السبل.

 

وفق الأساليب الأمريكية الكلاسيكية في إدارة المعركة سياسياً / عسكرياً، بتشكيل حلف يتكون إطاره الداخلي القريب من دول وبلدان المنطقة، وإطاره الخارجي الدولي من دول كبرى وصناعية وحليفة، تلعب دون المساند والممون، والمشارك إن أقتضى الحال.

 

مثلت (داعش) بصرف النظر عن الأسباب الظاهرة والكامنة، أفضل وسيلة لإرهاب وتأليب الأنظمة القوى وخلق المبررات على كافة الأصعدة، لدفعها إلى معركة تتشكل مفرداتها تدريجياً (تفهم روسيا لأبعاد الحلف ..!)ويكتمل وضوحها في مراحل لاحقة، ولكن بعد أن تكون أيدي الجميع قد ساهمت فيها.

الولايات المتحدة بوسعها أن تصور المخاطر وتضع الحدود، وتمنح المكاسب والعقوبات، وفي هذا الإطار سوف تساهم العديد ممن يبدون الممناعة.

 

بقصد أو بدونه، سيمتد ميدان الصراع بين القوى الرافضة للإذعان الأمريكي وبين قوى التحالف مناطق ستمتد بين العراق وسورية ولبنان، وربما في مرحلة لاحقة أرض في دول أخرى. ومن المستبعد أن تحقق خيار القوى العسكرية الأمريكية الأولى(القصف من بعيد بالصواريخ/ الطائرات / الطائرات بدون طيار) نتائج حاسمة، وسيعول على القوى المحلية في إحراز مكاسب على الأرض، وهو من المشكوك حسمه.

 

وبوسع أي مختص بالشؤون الدولية  أن يدرك بسهولة أن النظام العولمي قد ولد معلولاً وينطوي على تناقضات، يحمل امراض موته واندثاره،  ناهيك عن الصعوبات الجسيمة العملية، في عالم يزخر بثراء فاحش، إلى جانب فقر مدقع، وحيث لا يمكن تجميع هذه التناقضات في تحت سقف واحد، إذن فالتناقضات ستقود إلى صراعات، ومن الخطل بناء بيت، أو نظرية قائمة على تناقضات جوهرية وصراعات، ومن المستبعد أن تتمكن أي قوة مهما بلغت درجتها أن تقود العالم، دون صراعات وحروب، وفي ظل تراكم الأسلحة وتقدم صناعتها، فليس المتوقع سوى حروب طاحنة لا تبقي ولا تذر، أو التسليم بعالم متعدد الاقطاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القيت في مؤتمر علمي/ النصف الثاني 2014

 

دراسات ـ إعلام ـ معلومات

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

 

اليسار العربي ...

 استشراف المستقبل

رؤية نقدية

 

ضرغام الدباغ

 

العالم العربي في غليان، وفي علم التاريخ يعتبر في مرحلة تمفصل (Epoch Transition)، إثر مراحل انتهى استحقاقها وأدت مهماتها وتؤذن بالرحيل، والمرحلة المقبلة تحتاج إلى خصائص جديدة، فكل شيء مطروح للاحتمالات، والقريبة منها و البعيدة جداً، بدرجة أضحى معها التنبؤ بنتائج العاصفة أمراً يصعب حتى على أبرع المحللين والمفكرين، ولكنه ممكن ..!

الأسباب بالطبع عديدة، منها مؤثرات موضوعية خارجية، ومنها مؤثرات ذاتية داخلية، وكلتا المؤثرات من الصنفين متوافرة بدرجة ثقيلة بحيث لابد أن تترك آثارها، وردود أفعال العديد منها خارج السيطرة، وهي الأخطر بطبيعة الحال.

المؤثرات الداخلية هي تلك المؤثرات المتوفرة غالباً في البلدان النامية (المتحررة حديثاً من الاستعمار والهيمنة الأجنبية) وتحمل نكهة المتوارث التاريخي، أضيف فوقها ما خلفته عهود الاستعمار والهيمنة الأجنبية، ومن تلك شيوع ليس أنماط وعلاقات الإنتاج المتخلفة فحسب، بل وسلسلة محكمة الحلقات متوارثة من العلاقات المتخلفة السياسية / الاجتماعية / الثقافية، بحيث تضيف المزيد من العراقيل أمام مناهج عمل قوى اليسار المحلية المتنورة في الغالب بفعل تماسات ثقافية مع قوى اليسار الإقليمية أو العالمية.(1)

في التاريخ العربي الوسيط والحديث، لم يكتب للحركات اليسارية (إن صح اعتبارها كذلك) إنجازات كبيرة، عدا تجربة المعتزلة، التي طالت لعقود، وحكمت كفكر المؤسسة السياسية، (المأمون 813 م ــ المعتصم 833 م ــ الواثق 842 م حتى خلافة المتوكل 847) أي نحو 34 سنة في غضون عصر ثلاثة خلفاء.

ثم حركة الخوارج التي استطال تاريخها، فاستطاعت أن تؤسس كيانات سياسية، بيد أن الغلو والتطرف الجامح حال دون أن تتحول التجربة إلى توجه سياسي راسخ. وكانت قد تأسست عام 655م، ثم بدأت بالتلاشي عام 861م، أي أن وجودها تواصل في العمل السياسي والفكري نحو 206 أعوام (2)

أما الحركتان / الانتفاضتان المسلحتان، الزنج (250 هـ / 270 هـ) والقرامطة (260 هـ / 470 هـ) فكلتاهما لم تتمكنا من الارتقاء إلى شروط الثورة. ولكن من الضروري الانتباه إلى نقطة نجدها مهمة في تحليل الحركات السياسية التاريخية، أن نقيم تحليلنا وفق القاموس السياسي لذلك العصر. وقد توصلنا إلى تشخيص حقيقة علمية من خلال تأملنا في تاريخ الفكر السياسي العربي القديم والوسيط، أن الفكر السياسي وصيغه وأشكاله وأدواته المعبرة، تتراجع وتتخلف بتخلف الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بصفة عامة، وبهذا المعنى نجد أن الحركات السياسية العربية قد تراجعت وتكاد أن تكون خمدت، وليس هناك ما يستحق تسجيله في تلك المراحل المظلمة، إلا إذا استثنينا بعض التحركات في الأرياف التي لم تكن تنطوي على أهداف سياسية مهمة أو عميقة، إذ كانت تعبر في الغالب عن استياء سكان الأرياف من الضرائب ومصادرة المواشي والمحاصيل.

اليسار العربي في العصر الوسيط لم يستطع أن يتحول إلى تيار كبير، بسبب شدة تأثير التيار الديني، وهو تيار بطبيعته لا يميل للتغيير، بل للحفاظ على التقاليد والأصول، من جهة، والتطرف الذي أودى بحركتين كادتا تتحولان إلى تيار قوي ونعني بهما: الخوارج والمعتزلة.

وفترة السبات المظلمة لم تنقطع فيها الحركة الفكرية والثقافية والعلمية فحسب، بل إن عطلاً شديداً أصاب الأجهزة والآليات المعنية بمتابعة التطورات التي كانت تدور في أماكن عديدة من العالم، وبذلك أصبحت بلادنا في عزلة تامة وسادت في معظم الأرجاء العربية الإرادة الأجنبية التي لم تكن تبدي التفهم لإرادة الشعب. ووفق هذه المعطيات، لم يكن ليسار حديث في الوطن العربي أن يظهر قبل ما اُستحسن (شخصياً )  تسميته "عصر النهضة العربي الثاني" والذي أرجح سريانه منذ أواسط القرن التاسع عشر (1850) وفق المؤشرات التالية:

كانت الثورة اللوثرية في الكنيسة (1500)، قد قادت إلى ثورة تحررية، وشيوع الأفكار الليبرالية، ونهاية لعصر المسلمات المقدسة.

 أفضى عصر النهضة (القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر) إلى عصر التنوير والثورة الفرنسية (1799)، ثم الثورة الصناعية (القرن الثامن عشر)، وبدأت الدول الصناعية الأولى تدشن عصر الاستعمار، فانطلقت الحملات الاستعمارية تجوب أعالي البحار، وليشتد الصراع على المستعمرات، فخلفت حزمة التطورات هذه تداعيات؛ إن في البلدان الصناعية وجيرانها من الأوربيين، في نهاية لتحالف الكنيسة والملوك، أو في بلدان المستعمرات، حيث أدى الاحتلال الأجنبي لها إلى آثار اقتصادية وسياسية بعيدة.

الإمبراطورية العثمانية، كانت تشهد انتقالاً بطيئاً من العهد الإقطاعي إلى بدايات التأثر بالأحداث الأوربية، ومن تلك تحديث نظم الدولة، وكان لهذه آثارها في الأقطار العربية باتجاهات سياسية واقتصادية وثقافية عديدة، لتتأجج المسائل الوطنية والقومية.

مؤشرات نهوض في مصر إبان حكم محمد علي الكبير (1805 ـ 1848)، والجامعة الأمريكية في بيروت 1866، والجامعة اليسوعية في بيروت 1875.

بدأ نشاط تعليمي ومعرفي بالتحرك في العراق وسورية وفلسطين، تمثل في افتتاح عدد من المدارس العليا والكليات، بعضها كان نتيجة لنشاط البعثات والكنائس المسيحية، كما بدأت السلطات العثمانية تولي للتعليم أهمية في أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين.

كان اشتداد تيارات التحرر في عاصمة الدولة العثمانية، وانتشار الجمعيات الثقافية والاجتماعية ذات الأبعاد السياسية، قد تغلغلت بين العرب المتواجدين في العاصمة للدراسة أو الخدمة في الجيش. فشهدت تلك المرحلة تشكيل العديد من الجمعيات الثقافية والسياسية العربية، سرعان ما انتقلت فروعها إلى الوطن العربي ولا سيما في سوريا (لبنان) والعراق ومصر.

مهدت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا 1918 ــ الانتشار للأفكار الاشتراكية.

وجدير بالملاحظة والتتبع، العلاقة الجدلية التي تربط هذه العناصر بعضها ببعض كعناصر مؤثرة كان لها تفاعلاتها ونتائجها كل في الزمن الذي حدثت به، وإن كانت دوائر تأثيرها تصل ضعيفة خافتة وبطيئة إلى العالم العربي، ولكن من الداخل أيضاً (داخل الوطن العربي) كانت هناك عناصر داخلية عديدة تحتدم، فالعهد العثماني نفسه كان يئن ويتداعى تحت وطأة تفاعلات داخلية وخارجية بدا النظام العثماني حيالها عاجزاً عن التطور وعن استيعابها، وكان عليه أن يقدم على قفزة كبيرة إلى الأمام ولكن قواه الذاتية لم تكن تكفيه للقيام بتلك القفزة، مع اشتداد المؤامرات الخارجية عليه في إطار التنافس الاستعماري بين الإمبراطوريات العظمى.

وعصر النهضة العربي سادته هواجس محاكاة الغرب مبهوراَ بالمنجزات الفكرية والعلمية، بل ذهب البعض إلى ضرورة محاكاته إلى درجة التماثل. وقد فات تلك الجهات أن التماثل ونقل التجارب بحذافيرها أمر مستحيل لصعوبات موضوعية قبل أن تكون ذاتية، بالإضافة إلى الحقيقة المؤكدة، وهي أننا لا يمكننا التخلي عن موروثنا الثقافي والحضاري الذي يمتد لبضعة آلاف من السنين، وأن محاولة من هذا القبيل قد تكون نبيلة المقاصد النهائية، إلا أنه محكوم عليها بالفشل، فهي نقل معلب لمنجزات لا تمت لنا ولموروثنا الثقافي والأخلاقي والاجتماعي، والقبول بها كما هي ونقلها بشكل آلي أشبه بزرع جسم غريب في جسد سوف لن يقبله، وأن محاولات إرغامية كهذه افتقرت للأصالة، فهي أشبه بمن يطفئ حريقاً شب في منطقة أخرى، ولم تستجب للإثارات المحلية لذلك لاقت الفشل في الوطن العربي من خلال تجارب عديدة، في حين توصلت أمة كاليابان مثلاً في المحافظة على القيم والموروث الثقافي مع تحقيق تقدم صناعي / علمي، رغم أن موروثنا الثقافي هو أكثر ثراء من الموروثات اليابانية.

اليسار العربي في العصر الحديث جاء مقطوع الجذور عن موروثات مجتمعه، وحاول أحياناً أن يكون نسخة مكررة عن اليسار الأجنبي بتنوع نسخه: الأوربي/ الآسيوي/ الأمريكي اللاتيني، وكان رواده في البلاد العربية من الانتلجنسيا الأجانب، ومن مثقفين سنحت لهم الظروف تعليماً استثنائياً نادراً، أو من خلال علاقات خاصة مع مؤسسات أجنبية. وبعض هذه الشخصيات نجدها معادية بضراوة للتوجهات الشعبية كالوحدة العربية (مع أن قوى اليسار في البلدان الأجنبية تناضل من أجل الوحدة الوطنية والقومية)، كما أن الإخلاص والتزمت للنصوص (الدوغماتية) أفقدها المرونة حيال الكثير من القضايا الجوهرية.

وكان تطور حجم التجارة الدولية بسبب نتائج الثورة الصناعية، قد أنتج محاولات الدول الصناعية البحث عن متعاونين يمثلون مصالحها الاقتصادية أولاً، ثم السياسية بطبيعة الحال. وهكذا نشأت في العواصم والمدن الكبيرة فئات كومبرادورية (Comprador) أصبحت وسيطة للقوى الأجنبية، المتطلعة للتوسع الاستعماري، وتوسيع نفوذها، وأصبحت تمثل ليس فقط قاعدتها الاقتصادية / الاجتماعية فحسب، بل وأفقها الثقافي أيضاً، فتولت فتح مدارس التعليم الخاص، والصحف والمجلات، وكونت محيط إشعاعها الثقافي / الفكري، وليس نادراً ما تكونت الشرائح المتنورة من هذه الفئات الاجتماعية، التي كانت تحاكي في محاولات فاشلة بالطبع تقليد المجتمعات المصدرة للتجارة والثقافة، بل وأصبحت ثقافة الأجنبي هي ثقافة الفئات الوسطى والعليا في المجتمع، وليس نادراً ما انعكست في فعاليات اجتماعية.

ناهضت الدول الصناعية / الاستعمارية هذه المؤشرات التي مثلت بوادر النهضة العربية الحديثة التي انطلقت في مصر أولاً، بحملة تعليم وترجمة ونهوض ثقافي، وإرسال بعثات للتعليم، في أجواء شجعت ظهور شخصيات ثقافية متنورة ذات أهداف نهضوية.

وبالرغم من أن محاولات النهضة العربية كانت تواجه بالعديد من العقبات المحلية والأجنبية، تمثلت الداخلية المحلية منها بالقوى الإقطاعية والرجعية التي رأت في النهضة ما يدفع بمواقعها ومكتسباتها إلى الخلف ويفسح المجال لبروز قوى جديدة تهدد مواقعها. وكان من الصعوبة بمكان بروز تيارات ثقافية وفكرية مستقلة عن الجو العام السائد. والعوامل الخارجية كانت تتمثل بتغلغل القوى الاستعمارية تجارياً وثقافياً حتى في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، بسبب ضعف الهياكل السياسية والاقتصادية والثقافية للسلطات العثمانية، وعدم قدرتها على مواجهة هذا النهوض الثقافي / الفكري الذي كان يهدد باقتلاع كل شيء حتى في عاصمة الدولة العثمانية نفسها، التي كانت تشهد تصاعد نشاط الحركات القومية الهادفة إلى بناء دولة قومية حديثة.

 

ومن جملة العوامل الخارجية أيضاً اشتداد واتساع نطاق الحركات الاشتراكية بأنواعها في بلدان أوربا الغربية: ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، بريطانيا، وسريانها إلى بلدان أوربا الشرقية وخاصة في: هنغاريا وجيكوسلوفاكيا، ثم في روسيا. ونقلت إليها جوهر النضال الاجتماعي في بواكير القرن العشرين. وفي مصادر تاريخ الفكر والحركات الاشتراكية الكثير من الوقائع والمفردات عن طبيعة انتشار الفكر الاشتراكي في الأقطار العربية، ومن ثم الأحزاب والحركات الماركسية، ومنها الحزب الشيوعي ويعود تاريخ تأسيسه إلى مرحلة العشرينيات والثلاثينيات، ثم حركة البعث العربي الاشتراكي، الذي بدأ بالانتشار من أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات، وتأسس بشكل نهائي في نيسان / 1947، كأول حركة (حزب) قومي اشتراكي. وكان قادة الحزب ذوي ثقافة فرنسية، إذ درسوا في باريس وهناك تعلموا مناهج الفكر الاشتراكي الديمقراطي، ولكن مع ظروف الواقع السياسي / الاقتصادي / الاجتماعي، كان لابد أن يكون التركيز على القضايا القومية، وقد حلت القضية الفلسطينية 1948 كقضية قومية ذات أولوية بعد عامين فقط من تأسيس حزب البعث 1947، وكانت إرهاصاتها تدور قبل ذلك بسنوات عديدة.

الأحزاب اليسارية / العمالية، تعاملت في موضوعات القضايا المحلية الوطنية / القومية بعقل وأحياناً برؤية أجنبية، في النظر إلى المشكلات المحلية بحلول حيادية أحياناً، وتخندقوا وراء هذه المواقف، على أساس الثوابت والمقاييس النظرية، وإذا كان الفكر الاشتراكي الديمقراطي / الماركسي متقدماً في قوته النظرية وعمق أفكاره، إلا أن الحركات التي اهتمت بنشر هذا الفكر كانت تنظر إلى مشكلاتنا الوطنية والقومية وتحللها بمنظار وعيون القوى الأجنبية، وقد تسبب هذا العجز في التطبيقات الإيديولوجية إلى خسارة نفوذ مهم كانت تتمتع به هذه الأحزاب في العديد من البلدان كالعراق وسوريا ومصر..الخ وحتى في خارج الإطار العربي في تركيا وإيران .

 

وكان لارتباط الأحزاب الشيوعية العربية بمنظمة (Comintern) أثره السلبي على تطور الأحزاب الشيوعية في المنطقة وحتى في أوربا، بل وفي العالم، اغتنمها أعداء المعسكر الاشتراكي والقوى الرجعية المحلية، وبالغوا في خلق صورة مفزعة للاشتراكية والشيوعية، واتخذت مساراً معادياً لليسار عموماً وللأحزاب الشيوعية خصوصاً. والعلاقة الوثيقة للأحزاب الشيوعية بالاتحاد السوفيتي أضرت بالحركة الاشتراكية ليس في منطقتنا العربية والشرق الأوسط، بل وفي أوربا الغربية (إيطاليا ــ فرنسا ــ أسبانيا)، وفي أوربا الشرقية لم تخلُ من إشكالات في (يوغسلافيا ــ ألبانيا ــ هنغاريا ــ جيكوسلوفاكيا ــ بولونيا). (3)

ضخمت أجهزة الإعلام والدعاية الرأسمالية وبالغت بتأثيراتها، سواء في البلدان الأوربية أو في أرجاء من العالم، وفي منطقتنا بصفة خاصة، وألحقت أضراراً جسيمة بحركة اليسار بصفة عامة. ومن جهة أخرى، تسببت هذه القراءة الخاطئة، والتفسير الخاطئ للمصادر الاشتراكية العلمية في العديد من المواقف المناهضة لآمال الأقطار وطموحاتها وحقوقها المشروعة السياسية والاقتصادية.

وقد اتخذت هذه القوى والأحزاب موقفاً لا يلين تجاه أعز تطلعات الجماهير:

موقفاً مناهضاً للمشاعر الوطنية والقومية حيال القضية الفلسطينية.

موقفاً مناهضاً لمشاعر الأمة في الوحدة العربية.

موقفاً مبالغاً في الإلحاد والإجهار به حيال عاطفة شعبية للدين. 

أما في المواقف السياسية فقد ارتكبت أخطاء كثيرة في العديد من الأقطار وفي حقب مختلفة، في الجزائر، ومصر، العراق وسورية، ومن تلك الأخطاء على سبيل المثال لا الحصر، مواقفهم في حرب التحرير الجزائرية، ومصر حيال ثورة 23 / تموز / 1952، وفي العراق حيال الحكم الوطني، وفي إيران في ثورة مصدق وبعدها، وفي التعاون مع الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي فهم خاطئ لطبيعة المرحلة التاريخية التي تمر بها مجتمعات الشرق الأوسط والوطن العربي بأسره، وحتى الخمسينيات كانت الطبقة العاملة العربية والشرقية عامة ضعيفة وقليلة العدد بصفة عامة، ليست بمستوى الطبقة العاملة في البلدان الصناعية، ناهيك عن وجود قوي للدول الاستعمارية سياسي / اقتصادي / عسكري حتى نهاية الخمسينيات، والعديد من الأقطار العربية لم تكن قد أنجزت (وبعضها لا يزال في مرحلة مهمات وواجبات ومستلزمات مرحلة التحرر الوطني)، الأمر الذي كان يحتم وضع برامج نضالية تتلاءم مع الموقف الاجتماعي / الاقتصادي في كل بلد، نعم هناك مشتركات، ولكن مع وجود خصائص . (4)

 

وثمة مشكلة أخرى واجهت حركة اليسار العربي وهي أن الاعتدال (النسبي) الذي تميزت به، ولا سيما في المرحلة (1963 ــ 1967) تحول بعد هزيمة حزيران 1967 وبعد اشتداد هبوب عاصفة التيارات الماركسية إلى حالة من الاندفاع نحو الماركسية، حتى أن الحركات القومية بدأت تسرع نحو الماركسية، بوصفها القلعة المنيعة المعادية للإمبريالية، وطالما نحن في صراع حياة أو موت مع الإمبريالية، فنتخذها منهجاً وسبيلاً للتحرر والتنمية، وطالما لا أحد يعطينا سلاحاً ندافع به عن بلداننا وأنفسنا،  فلنتحالف جذرياً مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، ولم يكن هذا يخلو من منطق، وهذا كان لب الزحف صوب الماركسية، وطالما هي ردة فعل فليكن بأتم صورة وأقواها، هكذا كان القاموس السياسي لتلك المرحلة: الاندفاع دون هوادة.

إلى هنا كان الأمر يبدو منطقياً وأن الرد على الهزيمة بتصعيد المقاومة الثورية، واليسار مقاومة وثورية في آن واحد، ولكن المشكلة كما هي دائماً: الخطأ في تسلسل القراءة والدراسة، والاسترشاد. الثورة والماركسية علم وعلم ليس بسيطاً، وقد صادفت أعضاء قيادات شيوعية لا يفقهون من الماركسية شيئاً. الديالكتيك والميتافيزيقية، والإمبريالية ونظريات النقود والأجور، ونظام الدولة موضوعات علمية تدرس في الجامعات، ومعظم قوانا تعاملت مع الأمر كمزاج وكرد فعل ووفق قناعات مسبقة. ولم نجد (إلا نادراً) دراسات   علمية تستحق الاعتبار قائمة على تحليل المجتمع تحليل علمي، ليصار إلى وضع سياسات نضالية. (5)

النتيجة كما هي تاريخياً، عندما لا يحقق التصعيد التراكم المطلوب، تلجأ القوى الثورية وتغطية لعجزها النظري والتطبيقي، إلى المبالغة والتطرف لدرجة مفجعة. وهذه حقيقة تاريخية معروفة، وهكذا أممت سلطات اليمن الديمقراطية (وهم حزب قومي أصلاً ــ حركة القومين العرب) زوارق صغيرة لصيادي أسماك فقراء، وثورة ظفار تحولت للماركسية وقاموا بإلغاء المهر وعقود الزواج، وشاهدت بأم عيني ذات يوم في الأردن شعارات "لنقم سوفيتات العمال والفلاحين". وندوة أقامتها حركة قومية جرى التحول للماركسية بالتصويت ..! وحزب شيوعي انشقّ، والجزء المنشق تطرف لدرجة أنه أنهى بداية كان يمكن أن تكون رائعة بتشخيصه الدقيق لمشكلات الحركة الشيوعية في ذلك البلد. كان هذا التطرف يحمل بذور النهاية. وتختزن الذاكرة صوراً مرعبة للتطرف الذي بلغ أحياناً مستويات جنونية، وهو سلوك معاكس للثورية، حتى أني استخدمت مرة مصطلح (شيوعيو الفجل) من الخارج أحمر قاني، ومن الداخل أبيض ناصع البياض ..!

والحق أن مثل هذا التطرف كان موجوداً في صفوف اليسار، وفي صفوف الأحزاب الشيوعية، وقد أنتج حالات أساءت للفكر الماركسي وللاشتراكية، ففكرة تصدير الثورة كانت أساساً من نتائج ثورة أكتوبر الاشتراكية، وما زالت بقايا الفكر التروتسكي قوياً في بعض بلدان أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، وقبلها كان التيار الفوضوي (قاده باكونين) الذي ظل سائداً في فرنسا وأسبانيا حتى الثلاثينيات، ولا تزال بقاياه موجودة، وكذلك تجربة الخمير الحمر في كمبوديا، وغيرها.(6)

 

اعتمدت بعض الحركات اليسارية على الفكر الماركسي ــ اللينيني كمنهج سياسي / أيدولوجي لها، و بعضها أنشقت عن حركاتها الأم، ولكنها لم تبلغ شأناً مهماً، وأخرى تطورت وغيرت دستورها ونظامها الداخلي واسمها، ولكن القفزة الكبيرة دون توفر المستلزمات أفقدها توازنها، والتطرف يقود إلى تطرف أشد ومبالغات، ومزايدات، حتى تسود الفوضى النظرية السياسية والتكتلات والخطوط المائلة والمتقاطعة. والحصيلة لم تحض أعمال مهمة في الفكر الاشتراكي الثوري واليساري لقادة ومفكرين أفذاذاً مؤهلين تمام التأهيل ليكونوا قادة كباراً، كالقائد المفكر عبد الفتاح إبراهيم، ومحسن إبراهيم، و جورج طرابيشي، والياس مرقص، وياسين الحافظ، ومحمد عابد الجابري، وأنور عبد الملك، وسمير أمين، وغيرهم.

ورغم الإسهامات الكبيرة لهؤلاء المفكرين، إلا أنها كانت (تقريباً) مسكونة بفكرة محاكاة الفكر اليساري الأوربي، وما عدا محاولات لا نعتبرها كافية، لم يُغطس في عمق المشكلات الفكرية العربية، ويؤسس على متابعة دقيقة وعلى أيدي مختصين لمصادر الفكر المادي العربي ويواصل عليها بتحديثها، فقد قرأنا مرة أن عالماً ماركسياً أوربياً صرح إما أن يكون ابن خلدون قد تأثر بكارل ماركس أو العكس..!  وكذلك ابن رشد الذي لعب دوراً مهماً في تأسيس الفلسفة المادية في أوربا.

لا ندعو بهذا المفكرين العرب إلى عزل الفكر العربي عن المؤثرات الخارجية، ولا أن يغطس في المورثات بحيث يصعب عليه التطلع بأفق واسع، وفهم العلاقة الوثيقة بين المنجزات الثقافية للإنسانية. إن توازناً دقيقاً يبدو هو المطلوب، وإلا فأي فائدة ترجى من مفكر يعيش في الشرق ويتأثر بكل مؤثراته، ويحاول علاجها بأدوات غربية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هوامش

 

التماس الفكري شأن حدث ويكثر حدوثه في إطار التبادل الحضاري والفكري والثقافي بين الشعوب، والأفكار تنتقل عبر وسائط عديدة، تعددت أساليبه في القرون الحديثة مع شيوع استخدام الراديو، واللاسلكي، والطباعة، وأضافت لها الوسائل الالكترونية كنتيجة للثورة المعلوماتية أبعاداً لم تعد معها نقطة واحدة بعيدة عن تحقيق الاتصال الفكري والثقافي معها.

تأسست حركة الخوارج في عهد الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب (رض)، (655 م ـ 35 هج/ 661 م ـ 40 هج)، وتواصلت في العصر الأموي والعباسي، حتى تلاشت تدريجياً في العصر العباسي الوسيط (833 م ـ  218هج / 861 م ـ 247هج )، ولكن دائماً مع بقاء شرائح من فئات الخوارج تحت مسميات شتى في شبه الجزيرة العربية، وشمال أفريقيا. وسموا بالخوارج رغم أنهم أطلقوا على أنفسهم (الجماعة المؤمنة)، بيد أن تسمية الخوارج طغت لدى المؤرخين العرب والمسلمين والأجانب. ويعتبرهم الأستاذ البرت حوراني: "أول حركة احتجاج على التضحية بالمبادئ في سبيل الغايات "

الكومنترن (Comintern) منظمة أسسها فلاديمير لينين عام 1919 في موسكو، وهي تنسق بين الاحزاب الشيوعية في العالم، وتهدف إلى إقامة النظام الاشتراكي / الشيوعي.

الأحزاب الشيوعية وخاصة العربية، بررت ووجدت الذرائع لمشكلات حدثت في الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، في حين أنها كانت تثير الدعايات بوجه الحكومات الوطنية في البلاد العربية لأنها مخالفة للتعاليم الاشتراكية / الماركسية، وتتساهل مع أمثالها أو أكبر منها في الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية:

 صلح برست: تخلى الاتحاد السوفيتي عن مساحات من أراضيه نتيجة الصلح مع ألمانيا لإنهاء الحرب العالمية الأولى، واستعادها بعد الحرب العالمية الثانية.

عصيان كرونشتاد شباط فبراير وآذار مارس 1921، تمرد قام به البحارة الشيوعيون السوفيت مطالبين بحقوق سياسية، في مطلع عهد السلطة السوفيتية، قام ستالين بقمعها بقسوة دموية.

قضية هونغ كونغ: مقاطعة صينية استولت عليها بريطانيا، لمدة 48 سنة حتى استعادتها الصين سلماً.

قضية تايوان. جزء من أراضي الصين اقتطعها نظام شان كاي شيك الرجعي الموالي للإمبريالية ولا تزال تحت سيادة هذه السلطة، وتأمل الصين الشعبية استعادتها ذات يوم سلماً.

مكاو المستعمرة البرتغالية حتى 20 ديسمبر 1999، (الآن منطقة إدارية خاصة تابعة لجمهورية الصين الشعبية).

الشيوعيون والكفاح المسلح في أميركا اللاتينية (بوليفيا مثالاً)، حيث ساهم الشيوعيون البوليفيون بصورة غير مباشرة بفشل ثورة غيفارا في بوليفيا، بداعي أنها (غير عمالية ورومانسية ثورية) وقاطعوها حتى لاقت مصيرها بالإبادة.

قضية القاعدة العسكرية الأمريكية في غوانتنامو. أراض كوبية تقيم عليها الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية، وتضم القاعدة حتى الآن معسكر الاعتقال الشهير.

مرونة البلدان الاشتراكية في بيع أراض من السيادة الوطنية بذريعة أنها تحسن من وضع الحدود مع الدول الغربية.

البلدان الاشتراكية: يوغسلافيا ألبانيا، هنغاريا، جيكوسلوفاكيا، بولونيا ورومانيا، وفي جميع هذه البلدان نشبت حركات (ثورات مضادة في الغالب إخراج وتنفيذ أجهزة المخابرات الغربية)، نتيجة لرفضها النموذج السوفيتي في الهيمنة وقيادة العالم الاشتراكي، أو لصعوبة تنفيذ النموذج السوفيتي خارج الاتحاد السوفيتي.

الفوضوية : تيار أسسه الروسي ميخائيل باكونين (1814  ـ 1876).  مناضل ومفكر روسي الأصل، ساهم في ثورات وانتفاضات في تشيكوسلوفاكيا، وبولونيا، ضد الأنظمة الرجعية عمل لفترة مع ماركس ثم اختلفا، صاحب نظرية ضد السلطة والسلطوية، وأعتبر أن الدولة والكنيسة هم ألد أعداء الشعب.

للأنصاف قرأت مرة دراسة مختصرة ولكنها مفيدة للحزب الشيوعي العراقي في أوائل السبعينات (القيادة المركزية )، كما تعرفت شخصياً على قيادات شيوعية عربية على درجة من الكفاءة النظرية.

 

 

لماذا خسرت الولايات

المتحدة موقعها القيادي

ضرغام الدباغ

 

منذ عقود، والتراجع الأمريكي واضح وينبأ بالكثير، وهناك الكثير من المشكلات الجنينية التي كانت تنمو وتتفاعل داخل الامبراطورية الأمريكية، الداخلية منها والخارجية، وتنبأ بتدهور مضاعف ما لم تبادر الولايات المتحدة لإيقاف التدهور أولاً، ومن ثم اصلاح موطن الخلل، ولكن المسار التاريخي هو غالباً أقوى من إرادة البشر، ثم أن طبيعة التطور تشير أن الخلل كبير، وحاسم، وربما يفوق قدرة القيادات على تداركه.

المحلل السياسي ليس بفتاح فال، بمعنى أن بوسعه أن يؤشر حالة التراجع، ودرجته، ولكن تحديد موعد السقوط  وشكله، هذه ليست من اختصاصه. والكثير جداً من العلماء الأمريكيين وغير الأمريكيين، أشاروا لهذا بشكل تفصيلي في كتبهم ومقابلاتهم ومقالاتهم، منذ عقود طويلة خلت (منذ ثلاثينات القرن الماضي)، ولكني أعتقد أن غول الاحتكارات العملاقة الأمريكية، تجوع كلما التهمت أكثر، ولا تستفيد من دروسها، فالهزيمة في فيثنام كانت شاملة : سياسيا وعسكرياً وأخلاقياً، وكانت مقدماتها تلوح أمام القيادات الأمريكية قبل حلولها. فقد قرأت كتاباً في أواخر الستينات (عجز التقنية الامريكية في فيثنام، بيروت 1968) يشير فيه كاتبه (نغودين خاكفين) بلغة الأرقام والحقائق أن الهزيمة حتمية للولايات المتحدة، بطريقة علمية وذلك بسبب العجز المتراكم المتزايد للقدرة الامريكية في الحرب، حتى بعد الاستعانة بقوات الناتو .. ولشدة الخسائر المالية والعسكرية، والسياسية.

والكتاب الذي ألفه كاتب فيثنامي، قرأته بشغف في أواخر الستينات (1968) وهو كتاب صغير الحجم قرأته بعمق، ولذلك استطعت أن أتفهم بدقة، أن الأمريكان ماضون بسرعة أكبر ونتائج شاملة إلى الخسارة في العراق لأسباب مشابهة(سياسية/ عسكرية/ ويضاف إليها الاقتصادية والاخلاقية) فالحرب عام 2003 كانت حرباً عدوانية بصفة تامة 100% بحيث لا يمكن لأي منافق الدفاع عنها. بل وأن قطبا العدوان من القادة الأمريكان والإنكليز (بوش وبلير) اعترفا بصراحة تامة بالعدوان بعد أن وجدا أن الكذب صار مفضوحاً ولا سبيل للإنكار، والاعتراف بصراحته يستحق أن يحالا مع مجرمين آخرين إلى محكمة الجنايات الدولية والحكم عليهما بأقسى العقوبات (الاعتراف سيد الأدلة)، وعدم مثولهما أمام المحكمة، يؤكد أن هذه المحكمة هي أمريكية قد أنشأت لمحاكمة خصوم أميركا فقط، ومن يعصى أوامرها فحسب.

والحكومة الامريكية قد تتمكن بأساليب متعددة تدارك بعض الخسائر السياسية، في علاقاتها الدولية تستطيع أن تشتري صمت البعض، بالمال أو بالمواقف السياسية، أو بالابتزاز ولغة التهديد بالعقوبات الاقتصادية، ولكن حتى هذا له حدود معينة، فلم تنجح من حمل فرنسا وألمانيا على المشاركة في الحرب على العراق، كما أنهم لم ينجحوا في استحصال قرار من مجلس الأمن بشن العدوان.  الخسائر الاقتصادية تمكنوا من تدارك جزء منها بالاقتراض الداخلي، وإرغام حلفاؤها من دفع أموال الحرب، كما تمكنوا من تخفيف بعض الخسائر بالأرواح، بنكران الخسائر واعتبارها حوادث طرق، أو خارج ميادين القتال، أو نتيجة أخطاء تكنيكية، وفي الحرب على العراق اكتشفت بدعة جديدة، وهي أنها تقبل مجندين أجانب على أمل منحهم الجنسية لاحقاً، أو البطاقة الخضراء للإقامة (Green Card)، أو تأسيس شركات قتالية تقبل مرتزقة، ولا تعتبرهم في عداد القوات المسلحة، وبالتالي ضمن خسائرها.

ولكن لكل شيئ حدود، فحين يبلغ الاقتراض الداخلي حداً يعتبر غير مقبول، فبعد أن كانت كلفة الحرب شهريا 4.4  مليارات دولار سنة  2003، ارتفعت عام 2008 لتصل 12 مليارا شهريا. والاقتراض تسبب أن يتصاعد الدين القومي الأمريكي ليبلغ 14 ترليون دولار، وأعتبر أن ما نسبته 7,5% من الديون إنما هي سبب مباشر ومن نتائج الحرب على العراق. كما أن الخسائر بالأرواح لا يمكن تغطيتها إلى الأبد، فهناك جمعيات مدنية للمعاقين بسبب الحروب والمصابين بأمراض عصبية، وجمعيات المحاربين القدماء، التي لا يمكنها تزوير الحقائق واختزال أعداد القتلى، وبالإضافة إلى مجاميع من العسكريين من مختلف الرتب، أدركوا أنهم كانوا في مهمات إجرامية قتل وسلب وسرقة ليس إلا صاروا يبوحون بنا تختزن ذاكرتهم المريضة.

الولايات المتحدة تكابر، تنكر، ولكن في عالم ثورة الاتصالات والإعلام، لم يعد بالإمكان إخفاء الجرح الغائر عميقاً، أو إنكار الحقائق الساطعة، أن العراقيون ألحقوا هزيمة تاريخية بالولايات المتحدة. هزيمة مريرة هذه هي الحقيقة، ومن نتائج حرب العراق أن مكانة أميرا تراجعت على كافة الأصعدة، وبدت خسارتها لموقعها الدولي واضحاً

فقرار الانسحاب من العراق ومن أفغانستان ينطوي في جوهره على معان سياسية :

1. التسليم بخسارة الهدف العسكري والسياسي.

2. تقلص خيارت دوائر القرار إلى خيار واحد وهو : الانسحاب.

3. قبولها الحوار مع العناصر التي فشلت في إزالتها عن مسرح الصراع المسلح.

 

تقلص هامش الخيارات الأمريكية بات معروفاً حتى لحلفاءها المقربين، وحتى من ضمن عائلة الناتو، أن الولايات المتحدة عجزت عن طرح بدائل لما تصدت له بالقوة، وهذا الفشل ساطع في العراق وأفغانستان، وأما في فلسطين فالفشل شامل وكامل ومتواصل، فهي(الولايات المتحدة) لم تستطع منذ عام 1948 أن تبلور موقفاً ( متساهلاً ) يؤدي لإقامة سلام دائم، لأنها عاجزة عن كبح جماح حليف شره شرس لا يتراجع عن سياسية التوسع.

وعسكرياً، فالبرغم  من قدرات أميركا اللوجستية الهائلة (تنقل واسع النطاق على مستوى العالم) تتيح لها إمكانية إجراء مناورات بالقطعات، إلا أن تعدد مسارح العمليات وتنوعها طبيعة الصدامات الواقعة أو المحتملة، أشارت لعجز ليصعب تلافيه. في مشهد يعلن فشل الولايات المتحدة في حل أزمات بؤر التوتر عبر العالم، وهذا يعني بجلاء تناقض أهدافها مع إرادة وأهداف شعوب العالم.

وفي حرب العراق مورست هذه السياسة بشكل مكثف ومتنوع أكثر من ذي قبل بكثير، إذ ضغطت السياسة  الخارجية الأمريكية بتأثيراتها على أجهزة الإعلام في العالم، بما في ذلك أجهزة الإعلام في الوطن العربي بعدم نشر أنباء عن فعاليات المقاومة العراقية ضد الاحتلال في العر ق، فحاولت جهد إمكانها التقليل من شأنها، وعدم نشر الأنباء عن عملياتها والخسائر الأمريكية، والغاية هي عزل المقاومة العراقية من محيطها العراقي والعربي. ومحاولة بائسة لإخفاء حقائق الموقف في العراق، وأن خسائرها الحقيقية (الاقتصادية والسياسية) هي أضعاف ما أعلن عنه رسمياً (نحو 5500 قتيل)  فالخسائر الحقيقية هي أكثر 33,000 قتيل، وبالطبع أضعافهم من الجرحى والمعاقين.

وبالاستعانة بجملة من الحقائق والإحصاءات التي أجرتها مؤسسات ومعاهد بحث أمريكية غير حكومية أو شبه رسمية، في إطار حسابات الخسائر الأمريكية، ومن خلال تفاوتها الطفيف أو الكبير، نتأكد من حقيقة واحدة، أن المصادر الرسمية الحكومية لم تكن صادقة بنشرها الأرقام والمعطيات. وهذا بالطبع له هدف واحد وهو إخفاء أبعاد الهزيمة المنكرة التي تلقوها في وادي الرافدين.

 وفي مقدمة هذه المصادر تقرير لجنة بيكر ــ هاملتون وهو أول تقرير أميركي محترف رصين تضعه لجنة مستقلة من الكونغرس استعانت بـ183  خبيرا عسكريا ومدنيا، وتعترف لأول مرة بأن معدل الهجمات في أكتوبر/  تشرين الأول 2006 قد بلغ 180 هجوما يوميا وبخسائر 102 قتيل لنفس المدة.

وفي الإطلاع على تقرير أميركي آخر لا يقل أهمية يشير إلى حجم آخر من الخسائر، وهو تقرير مكتب المحاسبة الأميركي (G. A.O) الصادر بتأريخ 23 يوليو/  تموز 2008 عن الحرب في العراق، وينص التقرير على إجمالي الهجمات التي نفذتها المقاومة العراقية بـ  164  ألف عملية قتالية أعتبرها التقرير مهمة وعنيفة) مع إشارة في نفس التقرير إلى أن هذه الأرقام لم تشمل الهجمات شرق وجنوب البلاد).

إذا أضافنا 300 جندي أميركي قتلوا خلال فترة الحرب (لغاية أبريل/ نيسان2003 ) وكذلك القتلى من مرتزقة الشركات الأمنية البالغ عددهم  1315، يكون الرقم الإجمالي لقتلى الجيش الأميركي في العراق  32000 + 1615  = 33615 قتيل حتى  2008، يضاف لهم نحو 40 ألف معاق، ولا تذكر المصادر الرسمية الأمريكية أرقام دقيقة لعدد القتلى الذين قتلوا  "في حوادث غير قتالية "  كما تذكر التقارير الأمريكية غالباً، أو المنتحرين أو عدد الجرحى الذين ماتوا في المستشفيات الألمانية والذين لا تنص التقارير الرسمية الأمريكية على اعتبارهم  قتلى في قوائم خسائر الحرب.

ولا تقل الخسائر المادية أهمية في الحسابات النهائية، إن لم تكن أكثرها أهمية لا سيما في بلد يعد متربول الرأسمالية العالمية، كالولايات المتحدة الأميركية، حيث تعتبر الأرباح أو الخسائر مقياساً للعمل السياسي والاقتصادي. وفي بلد يلعب فيه الموقف في السوق في مقدمة الاعتبارات، فبعد أن كانت كلفة الحرب شهريا 4.4  مليارات دولار سنة  2003، ارتفعت عام 2008 لتصل 12 مليارا شهريا.

العبرة والاعتبار :

أن الولايات المتحدة تتمتع بتفوق في القوى ليس موضع جدال، ومن العسير أن تبلغه قوى أخرى منافسة لها أو حليفة. إلا أنها منيت بهزيمة منكرة في حرب العراق، وأفغانستان، بعدها ستقلع الولايات المتحدة من لعب دور الدركي العالمي. نعم ... الولايات المتحدة تمتلك وسائل نقل الحرب حيث يشاءون، بإمكانهم إقامة واستخدام عناصر ردع هائلة، وربما بوسعهم كسب حروب تقليدية، وبوسعهم إنزال ضربات مدمرة، يمتلكون روح وحشية تقتل عشرات ألاف الأطفال والنساء عمداً مع سبق الإصرار والترصد، ولكن وقد غدا من الأكيد المؤكد أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تقدم حلولاً سياسية محترمة، لأزمات عميقة.  ذلك أن الولايات المتحدة لا تمتلك صورة مشرقة تريده أن يحل بدل صور وطنية. الولايات المتحدة لا تمتلك أفكاراً ولا أنماطاً صالحة للتصدير. كل فكرة تصدير ثورة أو نظام أو أنماط حكم هي فكرة بائسة من أساسها، من نابليون، إلى نظام ملالي طهران، إلى الديمقراطية الأمريكية، وفي النهاية فليست هذه العناوين سوى شعارات لتبرر التوسع والاستحواذ والهيمنة السياسية والاقتصادية.

 

 

 

 

 

الكحال، طب

 العيون عند العرب

 

د. ضرغام الدباغ

 

صديقي وأخي العزيز ... الكحال العربي ... الأستاذ في طب العيون الدكتور نشأت متري حمارنة،  رغم بلوغه شأوا كبيرا في عالم طب العيون، إلا أنه كان يكتب ويصرح " أين أنا من أسلافنا الكحالين العرب الذي أسسوا علم طب العيون ونشروه في العالم ". وطبيباً بريطانيا يعالج عين أحد المرض العرب في لندن، ويقول له " لماذا تأتي إلى لندن وعندكم نشأت حمارنة ...! " . نشأت حمارنة نجم المؤتمرات العلمية العالمية لطب وجراحة العين، الكحال العربي، العالم الكبير، الشديد التواضع، والمناضل دون استراحة من أجل إعلاء مجد أمته العربية.

 

ليس هذا بغريب عن نشأت حمارنة الذي أنظم للعمل القومي العربي وناضل دون هوادة منذ مطلع الخمسينات في صفوف البعث العربي الاشتراكي، كان يبحث ويجمع، وقد يقطع مسافات بعيدة ليطلع على حالة، أو ليحص على كتاب. وله أصدقاء على امتداد الوطن من موريتانيا وإلى البحرين، ومن الموصل حتى عدن. كان يعشق أثنين فقط : البعث العربي الاشتراكي، وطب العيون.

 

لذكراه التي لا تغيب ... أهديه هذا البحث، فقد كان في بالي في كل سطر أكتبه ..... عزيزي ورفيقي نشأت لروحك الطيبة الرائعة هذا العمل المتواضع ....مع عميق الاحترام والود ...!

 

                                      ضرغام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

يشير مصطلح الطب الإسلامي العربي إلى مهنة وعلم الطب الذي تطور في العصر الذهبي للإسلام، والذي كتب بلغة عربية، حيث تأسس الطب الإسلامي نتيجة تفاعل الطب العربي القديم بعلوم وطب الحضارات الأخرى، ثم جاءت الترجمات للكتب الطبية من اللاتينية كعامل رئيسي في نشأة الطب الإسلامي، ثم كان للترجمات اللاتينية للأعمال العربية دورها في تطور الطب عالميًا في فترة نهاية العصور الوسطى.

 

(مستشفى عربي يرجح في العصر الوسيط)

 

امتاز المسلمون بالتزام المنهج التجريبي، سواء كان ذلك في التأليف والبحث، أو في التطبيق والممارسة المهنية، فلم يكتفوا فقط بالخبرات العملية وما توارثوه عن الأوائل، وإنما أضافوا أيضًا مهارات التشريح وكذلك علم وظائف الأعضاء، كما استخدموا منهج التشخيص، أيضًا بأسلوب العلة والمعلول وتجريب الأدوية، وفي هذا الموضوع نبذة عن تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية. البصريات وطب العيون في الحضارة الإسلامية.

 

وكان للعلماء العرب تطويرهم لطب العيون ومن أبرزهم العالم ابن الهيثم هذا التصور، وأثبت خطأ بعض النظريات الاغريقية  باستخدام جهاز بصري، كما أعانه تشريح ابن الهيثم العين على تأسيس نظريته الجديدة عن تكون الصورة والرؤية، حيث وضحها عن طريق إسقاط أشعة من الضوء داخل وسطين مختلفين في الكثافة، وبذلك أثبت صحة نظريته بإجراء التجارب المعملية.

 

وفي القرون اللاحقة نقل كتاب العالم العربي أبن الهيثم "المناظر" إلى اللغة اللاتينية، وبقي يدرّس لطلاب طب العيون طيلة تاريخ العالم الإسلامي، وفي أوروبا أيضًا حتى القرن السابع عشر، كما درس وشرح المسلمون أيضًا عيون الحيوانات، وقد اكتشفوا منها أن حركات مقلة العين تنتج عن انقباض في عضلات العين، في حين أن حركة الحدقة ناتجة عن انقباض وانبساط في القزحية، وهكذا تميز تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية عن غيره.

 

كانت الجراحة العينية مهمة في تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية، بهدف علاج بعض أمراض العين المستعصية، مثل الرمد الحبيبي وإعتام عدسة العين، فكان الأطباء يقومون بهذه الجراحات باستخدام جهاز لإبقاء العين مفتوحة أثناء إجراء العملية، مع مبضع دقيق جدًا، يستأصل الأجزاء المثلثة الشكل على القرنية. وقد كانت تلك الجراحة تُجرى برفع الجزء المصاب باستخدام خطافات دقيقة، وكانت هذه العمليات مؤلمة للغاية للمرضى، كما أنها معقدة بالنسبة للجراح ومساعديه، حيث اعتبر الأطباء المسلمون إعتام عدسة العين مرضًا ناتجَا عن خلل في الغشاء السائل الذي يملأ بين العدسة والبؤبؤ، حيث تجرى بعمل شق دقيق في بياض العين، ثم إدخال أنبوب رفيع لإزاحة الإعتام جانبًا، ثم تغسل العين بعد الانتهاء بمحلول ملحي، كما تضمد بقطعة قطن مغمورة في محلول زيت الورود الممزوج ببياض البيض.

 

 

(طبيب العيون العربي أبن الهيثم)

 

تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية كان طب العيون من التخصصات القديمة في تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية، حتى أن طبيب العيون كان عضو الشرف في مهنة الطب زمن الدولة العباسية، وقد احتل مكانة مرموقة في المجتمع، وقد اهتم العلماء المسلمون في القرون الوسطى بالجمع بين تحصيل العلوم النظرية والممارسة العملية، وتشمل صناعة الأدوات الجراحية الدقيقة، ووصل عدد الأدوات الجراحية المستخدمة في جراحة العيون إلى العشرات آنذاك، وكان من ضمن بعض الأدوات ما سمي "إبرة الحقنة"، والتي ابتكرها عمار بن علي الموصلي، حيث استخدمت كأداة استخراج وشفط سائل العدسة المعتمة أو السّاد من العين، وقد كانت هذه عمليّة شائعة.

 

وهكذا اشتهر الأطباء المسلمون في طب وجراحة العيون خاصة، وذلك اعتمادًا على ما تركه ابن الهيثم من أعمال ومؤلفات، حيث يقول تشارلز سنجر: "إن كتاب المناظر في البصريات متطور جدًا عن كتب وعلوم اليونان، وليس له مثيل أبدًا بين مؤلفات اليونانيين كافة".وقد كان المسلمون في تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية يسمون طب العيون بـ "الكحالة"، ويسمى المشتغلين به الكحّالين، وقد ترجم المسلمون ما وصلهم من أعمال في علم الكحالة من حضارات الهند واليونان والروم، ولكن عملوا على تطوير أشكال من العمليات لم يأخذوها عن غيرهم؛ فقد احترفوا في سحب المياه الزرقاء من العين، رغم ما يكتنفها من الصعوبة حتى اليوم، ومع ذلك فقد كانت نتائج هذه العمليات مضمونة إلى حد كبير، كما ابتكروا عمليات جراحية لسحب المياه البيضاء أو الساد، واخترعوا لها ست طرق، حيث كانت تتم بواسطة الشفط، وابتكروا لذلك أنبوبًا زجاجيًّا دقيقًا يدخل في مقدمة العين، ويفككون به العدسة المعتمة، ثم يتم شفطها، وقد كانت هذه الجراحة هي أحدث الجراحات لعلاج الساد في ذلك الحين، ورغم الفرق في المعدات، فقد كان هناك شبه كبير بين تلك العملية والعمليات التي تجرى في العصر الحديث .

 

 

طب العيون في الحضارة الإسلامية، لم توجد في البداية طريقة واحدة معينة للتدريب، كما لم توجد تخصصات رسمية في مختلف مجالات الطب، لكن الأطباء كان كل واحد منهم أقرب للتخصص في مجالات معنية أكثر من غيره، من خلال خبرته وشهرته في معالجة بعض الأمراض أو بعض الجراحات، ورغم ذلك كان من المهم للطبيب أن يطلع على أعمال وخبرات أسلافه، مثل كتاب "تحوير العين" من تأليف يوحنا بن ماسويه، الذي يبدو أنه أقدم عمل متخصص في طب وجراحة العيون، ثم أعمال حنين بن إسحاق المعروف في العالم الغربي بكتابه "أطروحات العين العشر".

 

في وقت لاحق من تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية لم يعد يُسمح بامتهان الطب إلا بالنجاح باجتياز فحص في كتب التخصص المعتمدة في ذلك الحين، للتأكد من سَعَة اطلاع الطلاب النظرية والخبرات العملية في الطب، وذلك للوثوق بمهارتهم وقدرتهم على التشخيص الصحيح والعلاج، وعلى سبيل المثال فقد روى ابن أبي أُصَيْبعة في كتابه "عيون الأنباء" بأن الخليفة المقتدر بالله 295 - 320 هـ / 907 - 932 م العباسي قد عهِد سنة 319 هـ / 931 م إلى الطبيب الكبير سنان بن ثابت بامتحان طلبة الطب في بغداد، بعد حادثة وفاة أحد الناس بسبب جهل وقلة خبرة أحد الأطباء، حيث حدَّد لكلِّ تخصص ما يصلح له، وقد بلغ عددهم في مدينة بغداد وحدها جوالي ثمانمائة طالب، عدا عن مَن استُغني عن فحصه باشتهاره بالاحتراف فيها.

 

إسهامات المسلمين في طب العيون أنتج الأطباء المسلمون العديد من الأعمال في تخصص طب العيون وجراحتها ومعالجتها عبر تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية، وكان من أشهر تلك الكتب في الكحالة: "عشر مقالات في العين" لحنين بن إسحاق، ويعد نقطة البداية في علم الكحالة، كما تطورت كتب الكحالة بواسطة اثنين من أكثر الكحالين شهرة، وهما أبو القاسم عمار بن علي الموصلي 400هـ / 1010 م  وعلي بن عيسى الكحال 430هـ / 1039 م، فالأول كان خبيرًا في طب وجراحة العيون وكان من أكثر أطباء العيون إبداعًا، كما ألّف فيها كتابه المسمى "المنتخب في علاج أمراض العين"، حيث اشتغل بمهنته في القاهرة، والثاني فقد اشتهر بحذقه في مهنة الكحالة وأيضًا بكتابه الشهير "تذكرة الكحالين"، وكذلك كتاب "رسالة في تشريح العين وأمراضها الظاهرة وأمراضها الباطنة"، حيث اشتغل بمهنته في بغداد، ويعده بعض المؤرخين الغربيين بأنه أكبر طبيب للعيون في العصور الوسطى، حيث ترجم كتابه إلى اللاتينية.

 

 

ومن المراجع الأخرى الشاملة في أمراض العيون في تاريخ طب العيون في الحضارة الإسلامية كتاب الطبيب صلاح الدين بن يوسف الكحّال "نور العيون وجامع الفنون" الذي ألفه حوالي سنة 697 هـ / 1297 م، ويعد أكبر مرجع شامل في طب العيون، كما اشتمل على فصول في وصف العين والإبصار، وأخرى لأمراض العيون وأسبابها وأعراضها، وكذلك نصائح للحفاظ على صحة العيون، بالإضافة لذكر أمراض الجفون والقرنية والحدقة، وأنواع الأدوية المستخدمة لعلاجها، وأما أفضل عالم كتب عن العيون في الجانب الفيزيائي فهو بن الهيثم 430 هـ / 1038 م، حيث تميز وصف العين بدقة، كما كتب وبحث في أمور البصريات وطبيعة البصر، وقال: "إن الضوء يدخل العين ولا يخرج منها، وأن شبكية العين هي مركز الرؤية، ويتم نقلها إلى الدماغ عبر العصب البصري، وأن وحدة الرؤية بين كلا العينين ناتج عن تماثل الصور المسقطة على الشبكيتين

قد لمع الأطباء المسلمون في طب وجراحة العيون بالأخص، معتمدين على ما خلفه ابن الهيثم في هذا المجال من أعمال ظلت مرجعًا في هذا المجال حتى بداية العصر الحديث.

يقول تشارلز سنجر:"كتاب ابن الهيثم المناظر في علم البصريات متقدم جداً عن علم اليونان في هذا الموضوع، وليس له نظير قط بين مؤلفات اليونان جميعاً"درس أيضًا المسلمون أعين الحيوانات، وعرفوا منها أن حركة مقلة العين سببها انقباض عضلات العين، أما حركة الحدقة فسببها انقباض وانبساط القزحية. وقد وضع علي بن عيسى الكحال كتابًا سماه "رسالة في تشريح العين وأمراضها الظاهرة وأمراضها الباطنة"، ترجم إلى اللاتينية، وكان له أثره على علم طب العيون في أوروبا في العصور الوسطى. كما وضع صلاح الدين بن يوسف الكحال كتابه "نور العيون وجامع الفنون" الذي يعد أكبر مرجع جامع في أمراض العين، واشتمل على وصف العين والإبصار، وأمراض العين وأسبابها وأعراضها، وكيفية الحفاظ على صحة العين، إضافة إلى الأمراض التي تصيب الجفون والملتحمة والقرنية والحدقة، والأدوية المستخدمة في علاجها.كان للجراحة أهميتها في علاج أمراض العين المستعصية كالرمد الحبيبي وإعتام عدسة العين. ومن المضاعفات الشائعة لمرض الرمد الحبيبي إصابة أنسجة في قرنية العين، وقد اعتقد الأطباء المسلمون أن تلك الإصابة هي سبب المرض، لذا لجأوا إلى كحت تلك الأنسجة جراحيًا. كانوا يقومون بتلك الجراحة عن طريق "استخدام جهاز يبقي العين مفتوحة خلال الجراحة، ومبضع رقيق جدا للاستئصال" تقنية أخرى كانت تستخدم لعلاج مضاعفات الرمد الحبيبي، تسمى "الظفرة" (بالإنجليزية: pterygium)‏، كانت تستخدم لإزالة الأجزاء الثلاثية الشكل من الملتحمة البصلية على القرنية. كانت تلك الجراحة تتم عن طريق رفع الجزء المصاب بخطافات صغيرة، ثم القطع بمبضع صغير. كانت كلتا الجراحيتين مؤلمتين للغاية للمرضى ومعقدة التنفيذ بالنسبة للطبيب أو مساعديه.اعتقد الأطباء المسلمون أن إعتام عدسة العين ناجم عن الغشاء السائل الذي يقع بين العدسة والبؤبؤ. تتم الجراحة بإجراء شق صغير في بياض العين بمبضع، وإدخال أنبوب دقيق لدفع إعتام العدسة جانبًا. وبعد انتهاء الجراحة، تغسل العين بمحلول ملحي، وتضمد بقطعة من القطن غمست في محلول من زيت الورود وبياض البيض. كان هناك قلق من أن يعود الإعتام من الجانب ليعتلى العدسة مجددًا بعد العملية، لذا كان ينصح المرضى بأن يستلقوا على ظهورهم لأيام بعد الجراحة.

 

(الصورة : تشريح العين في المصادر الطبية العربية)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

هناك بحوث وكتب كثيرة عن بواكير الطب العربي، وطب العيون، وقد أعتمدنا على مصدرين من أكثر المصادر رصانة.

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

على حافة النهاية

 

ضرغام الدباغ

1

مؤشرات وبداية

في أواسط الشهر التاسع أيلول/ سبتمبر، وأنا عادة أستعد لأشهر الخريف، فالخريف يعني فيما يعنيه، أن الحياة ماضية في التجديد، ومؤشرات الرحيل ظاهرة بدرجات متفاوتة، فالأشجار حتى المعمرة منها، الباسقة والقوية منها، أزف وقت رحيلها، فتنفض أوراقها الصفراء الذابلة، التي حان وقت سقوطها، تتوهج صفراء منذ أسابيع ولكنها لا تتساقط بسهولة، بل وحتى في رحيلها تمنح الحدائق في المدن والغابات منظرا جميلاً، وبالنسبة لي، معظم الاحداث المؤسفة حدثت في الخريف.

 

وهذه المرة في خريف 2023 كنت في اسطنبول والأمر ابتدأ معي بألم في الجانب الأيسر من الرأس، حسبته في اليوم الأول على أنه مجرد صداع، ولكن في الأيام اللاحقة والصداع يلازمني ولا يزول، ولا يزيد بشدته، فالأمر على الأرجح شيئ آخر .... فما هو الشيئ الآخر ...؟ كان هذا المؤشر الأول وصفارة الإنذار التي لم نتعامل معها بما تستحق من الأهمية، رغم أني كنت قد قرأت منذ وقت بعيد، أن كل ما يصيب الأنسان بعد الأربعين من العمر، عليه أن يأخذه مأخذ الجد والاهتمام ... فأربعون عاما من العمل المتواصل دون لحظة استراحة شيئ يستحق الانتباه، القلب ينبض والدماغ يستقبل ويبعث بمؤشرات، هذا غير أعضاء مهمة تعمل على أفضل ما تكون عليه التكنولوجيا .... الكبد والكلى، والرئة، والمحرك الكبير ... القلب ... أنها تكنولوجيا دقيقة للغاية، ولكن ليس هناك شيئ أبدي

 

توفي جدي وهو في حوالي المئة من العمر، بسرطان في الدماغ، وتوفي والدي بسرطان الدماغ ايضاً، إذن فليس من المستبعد أن يصيبني نفس الشيئ، وأنا في الثامنة والسبعين من العمر، (فأنا من مواليد 6 / تموز ــ يوليه / 1944) ووالدي أصيب وهو السبعينات من العمر، ولكني اذكر أني حين قرأت مذكرات والدي بعد وفاته (كان يواظب على كتابة يومياته منذ شبابه وحتى وفاته) ، فوجدت أن مستوى خطه يتراجع بشكل ملحوظ، وهو صاحب الخط الجميل الأنيق .. حتى أصبح خطه قبل وفاته مجرد خربشات لا تكاد تفهم، ثم كفت قدرته نهائيا وتوقف قبل وفاته بأشهر عن القدرة على الكتابة. ولكن مستوى خطي انا لم يتأثر باللغتين العربية والألمانية، لذلك استبعدت أن أكون مصابا بالسرطان، ولكن مع ذلك فالأمر يستبعد أن يكون شيئاً بسيطاً وعابراً .

 

ولكن حدث يوم ( 18/ سبتمبر) أن سقطت على الأرض، واستبعدت زوجتي أن يكون الأمر بسيطاً لذلك قصدنا مستشفى تركي، ولكني بدأت أتحسن في اليوم الثاني والثالث حتى بدون تناول علاج، ولكن لا خلل ملحوظ في حركة الساق واليد،، لذلك صممت على الخروج من المستشفى، وكانت زوجتي مضطرة للذهاب إلى برلين، لذلك سافرت على عجل (7 / نوفمبر) على ان ألتحق بها بعد أيام بحسب توفر بطاقة السفر(تمكنت من الحجز ليوم 16 / نوفمبر). وفي يوم 8 نوفمبر تفاقمت حالتي الصحية بحيث فقدت القدرة على النطق، وتحريك رجلي اليمنى، وذراعي الأيمن بدرجة شبه كلية، وفي 9 / نوفمبر لم أكن أستطيع أن أتكلم مع زوجتي في الهاتف فلم يكن بوسعي تلفظ كلمة واحدة بالعربية أو بالألمانية، أدركت زوجتي في الهاتف من برلين أنني في وضع محرج، فأسرعت بالقدوم بطائرة الفجر من برلين يوم الخميس (10 / نوفمبر) .

 

توصلنا لأسباب وجيهة إلى ضرورة السفر لبرلين، وتمكنا فعلاً ولو بصعوبة إيجاد مقاعد على طائرة الظهيرة (هناك 5 طائرات يومية من إسطنبول لبرلين يومياً) يوم السبت 13 / نوفمبر. وكانت مجازفة بدرجة معقولة ان نتعرض لجلطة جديدة اٌقسى من الثلاث السابقات، وقد تكون القاضية.

2

في برلين / مستشفى الشارتيه

على كل حال وصلنا برلين بعد ساعتان ونصف من الطيران، وبدا أن المحنة وضعت في طريق الحل، وأخذت من كرسي الدفع من باب الطائرة إلى سيارة تاكسي ومن باب المطار إلى البيت، وفي الطريق سألتني زوجتي، كيف سنصل إلى البيت / الشقة، وفي باب العمارة، أقترح سائق سيارة التاكسي الشاب التركي أن يساعدني بالوصول إلى الشقة ... يا له من اقتراح أخوي جميل، وفي اليوم التالي 14 / نوفمر بدأت الاتصالات عبر الهاتف، طبيبي العائلي أحيط علما وأرسل خطابا بواسطة البريد الالكتروني إلى إدارة مستشفى الشارتية (Charite) التي طلبت منا الحضور الفوري، وخلال دقائق كانت سيارة إسعاف مع طبيب اخصائي وممرض مختص في البيت وعاتبونا على التأخير ....!

فورا إلى الشارتية، وهي عبارة عن قلعة طبية، لها شهرة عالمية بجميع أقسامها، ومباشرة إلى قسم الجملة العصبية (Neurologie Abteilung)وبدون تأخير شخص الإصابة بعد تصوير شعاعي (CT Scan) جلطتان خفيفتان، وثالثة قوية، والأمر بحاجة إلى تدخل فوري وسيتم خلال دقائق.

لم أكن بوارد الرؤية والسماع وتشخيص ما يدور، ولكن شعوراً قويا كان يملأ كياني أنني بين أيدي خبيرة، لاحقا أخبرتني زوجتي، أن كبيرة الأطباء في المستشفى كان تقف فوق رأسي، وتسرع بنفسها لأخذي إلى قسم الاشعة، ثم تأخذ نتائج التحاليل والتهيؤ للعملية بنفسها تدخل وتخرج في غرف القسم، وهي تخفف من وقع الأمر على زوجتي، وقالت لها " أنظري يا سيدة الدباغ .... زوجك بحالة خطرة، فهو مصاب بثلاث جلطات، وجمجمته مليئة بالدم ..والخيارات أمامنا ليست كثيرة، وسنجري له عملية فوراً ستستغرق 6 ساعات، وسأفعل المستحيل لإنقاذه، ولكني أصارحك أن احتمال نجاح العملية هو 75% ، ولكني سأنجح ..... سأنجح... وسأعيده لك حياً ..."

أما أنا فكنت في عوالم أخرى، لا علاقة لها بالجلطات الدماغية، عوالم لا أختارها بنفسي، ولاأختار شخوصها، بل هي تفرض نفسها، صحيح أسمع كلمات، ولكني دماغي عاجز عن ربطها وتجميعها، فأنا لا أفهم ما يدور بدقة حولي، ولا أستطيع التفوه ولو بحرف واحد ....! ولكن دماغي المجروح والمتعب ما زال يطلق إشارات عدم الاستسلام ... يفكر ....! ويعانق من يريد .. البعيد عني 12 ألف كيلومتر. ليس ببعيد كثيراً ... آه منك ... فأنت أينما حللت في دمي ..!

كانت العينان تعملان بدرجة معقولة، ولكن تسجيل الاحداث في الذاكرة يبدو ضعيفاً، كنت أشاهد ما هو يقع تحت ناظري، ولكني لست متأكداً من قدرتي على تخزين المشاهد وربطها ببعضها واستخراج الصورة المنطقية، وكنت أعرف انني في الشارتيه، وأنهم يدخلوني في غرف ومختبرات، ويفحصون كل شيئ، وأسمعهم يحدثون زوجتي ويسألونها كثيراً، ولكن قدرتي على تخزين (save) ما اسمع ضعيفة جداً، أو لنقل معدومة، ولكن زوجتي تحفظ كل شاردة وواردة، وبوسعها استعادة شريط الاحداث صورة وصوت بدقة عجيبة ..

 

شعرت أنهم يأخذوني على السرير النقال إلى مكان ما، الطبيبة البروفسورة تدفع السرير بنفسها ...! ومعها زوجتي ..، قالت لي فيما بعد " كنت أشعر أنهم يسابقون الزمن .." أدخلوني لمكان ما .. شاهدت رجلاً يجلس على طاولة وكومبيوتر .. حاول أن يمازحني .. ولكني كنت مجرد كومة لحم لا غير .. لم أفهم بدقة مرامه، ربما أراد أن يبعث في هذه الكومة بعض الأمل .. كان يكلمني وهو لا ينتظر مني إجابة، حتى دخولي غرفة العمليات (في تلك اللحظة لم أكن أفرق بين هذه وتلك) كنت أسمع صوت زوجتي تحدث الفريق الطبي، بقيادة البروفسورة الطبيبة التي لعبت دورا كبيرا في إعادتي للحياة ... ثم لم يعد بوسعي سماع أو رؤية شيئ، دون ألم ودون إحساس دقيق مما يجري ...ولكني كنت أعرف من أنا وتذكرت في تلك اللحظات صور أهلي ووطني، ومرت في ذاكرتي المنهكة صور أخرى متلاحقة ... كنت أني على شفا النهاية ولم يكن بوسعي تحريك أي جزء من جسمي ... ربما زرقت بعدة أبر ... لا أدري ... ثم لا شيئ.....

 

كان معرفة الزمن قد أصبح ضربا من العبث، أو معرفة ما يدور بدقة، ويصح القول تماماً أني كنت لستة ساعات خارج الحياة ... وأنا أسجل الكثير مما دار بناء على ذاكرة زوجتي، والغريب أنها تتذكر كل شيئ بدقة تامة نص الحوارات .. وحتى ملامح وجهي و... تقول أنني كنت أحاول الحديث فلا أقدر .. أريد أن أقول شيئاً ولكني غير قادر على لفظ الكلمات .. وأحاول ذلك مرات ومرات ... تقول " كنت أشعر انك تتعذب، لأنك تريد قول شيئ ما قد يكون مهماً بالنسبة لك، ولا تقدر ..! فينتابك الغضب والعصبية ... وتجهش هي بالبكاء ... كنت أسكت أنا رأفة بها وبنفسي ...فأخاطب نفسي " ضرغام ... كنت عاقلاً وأفهم ما أنت فيه.. ومت بجلال قدرك ". ولكني أريد قول بضعة كلمات هي خلاصة حياتي .. ولكني عاجز عن التلفظ .. هو شعور مؤلم أكثر من الألم نفسه ...كنت أريد القول " بلغوا سلامي .. ومحبتي واحترامي ...أنا لست آسفا على شيئ ... سأقابل أصدقائي ورفاقي .. الذين قضوا في سوح العمل .. اريد أن أعانق (ع) وأقول له ... " لقد بقيت مخلصاً لأخر ثانية من عمري ..! سأموت وأنت وأسمك فمي وقلبي ... ولكن ليس بوسعي ان أنطق حرفا واحداً .... هذا هو الألم وليس شيئاً آخر ...!

 

في لحظة معينة .. ليس بوسعي ان أسجل ..ظروفها، حاولت أن أقرأ في نفسي شيئ من القرآن .. ولكني كنت اتوه بين الكلمات .. وكان ذلك يؤلمني... أحاول أن أستوعب ما يجري بالنظر إلى الغرفة / الصالة وبوسعي أن أتذكر أني وجدت نفسي في غرفة مليئة بالمعدات الطبية / الالكترونية، التي تقدم قراءات، وإضاءة خافتة من أجهزة كثيرة تحيط بسريري .... وأمامي نافذة أدركت أنها تمكن من يريد رؤيتي من غرفة مجاورة .. أدركت أنها إذن أنها ربما غرفة العناية المكثفة (Intensiv Station) في لقطة لا أتذكر متى وكيف وأين ... اقتربت زوجتي مني وقالت لي " ضرغام، أجروا لك عملية وأنت الآن في العناية المركزة " قالت لي فيما بعد، أنها قالت للمشرفين " دعوني اراه لثوان فقط أنا أعرفه أفضل منكم، سيغضب وينفعل ما لم يدرك ماذا يجري ويدور " فتركوها أن تقف امامي على بعد ثلاثة أو أربعة أمتار، تلفظت بهذه الكلمات فقط وانسحبت ... حتماً كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، نحن الآن في 15 / نوفمبر، حتماً ... برؤية مفككة أرت أن أقول لها مشفقا عليها من التعب، " أذهبي للبيت ...". ولكني كنت عاجزا عن إخراج الكلمات ..

 

وكنت قد قلت لزوجتي بكلمات متناثرة، حين كان ما يزال بوسعي تلفظ ذلك ولو بتعثر بالنطق " أنظري .. أنا الآن في 78 من العمر ... ثقي لقد شبعت من الحياة، في العمل وفي النضال من أجل ما آمنت، وإن مت فأنا لم اسيئ لبشر في حياتي، وعملت بكل طاقتي لوطني وشعبي، ولكني أريد أن أعيش من أجلك ... أشعر أنك بحاجة لي "

 

قالت لي زوجتي فيما بعد " كنت أتمنى من الله أن تبقى حياً، ولو في حالة الشلل التام، وعدم القدرة على الحديث، .. أن تبقى على قيد الحياة فقط ... ضرغام لا تمت رجاء ...!".

لم اكن أستوعب بدقة ما تقول، ولكني لاحظت أنبوبا يمتد من رأسي حتى أعلى صدري بلون أحمر أدركت أنه مليئ بالدماء، وبصعوبة تشكلت صورتي على النافذة الزجاجية .. أنا راقد على السرير، ولفافة ليست كبيرة تربط جمجمتي، وخرطوم مطاطي يتدلى من الجانب الأيس، وحين حاولت بيدي اليسرى السليمة أن ألمس رأسي، أدركت أن هناك أنبوبا ثانياً ويتدلى منه كرة زجاجية بحجم رمانة صغيرة، أو حبة ليمون مليئة بسائل أحمر.. لابد أنه دمي .... فيما بعد أخبرتني زوجتى أنها ثلاث كريات بنفس الحجم مليئة تقريباً بالدم ... ثم علمت أنهم حفروا ثلاث حفر في جمجمتي ليسيل منها الدم خارجاً، ولست أدري إن كانوا قد سحبوا كمية أخرى من الدم ... ولكني لاحقا (في الأيام اللاحقة) تعرفت على صحفي ألماني (رئيس تحرير صحيفة محلية) بنفس حالتي تماماً تتدلى من جمجمته ثلاث كريات حمراء.....

إذن فاتنا قطار الموت ..... وتركني على رصيف المحطة بالانتظار .....!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*)

الشاريتيه طاقمه الطبي (غير الإداري والهندسي) مؤلف من أكثر من 200 بروفيسور و4000 طبيب متخصص ذو كفاءة عالية يغطون كافة المجالات والتخصصات، 13 بروفسور حصلوا على جائزة نوبل ، ويدرس الطب في مستشفى الشارتيه 7500 طالب وطالبة مسجلون في الشاريتيه اليوم. وتتعامل مع 1،080،000 عيادات خارجية و 128،000 مرضى مقيمين في 3،500 سرير سنويا 14،400 أشخاص يعملون في مواقعها الأربعة في برلين .

 

المعلومات من الموسوعة الألمانية والأرقام تعود لعام 2021 / 2022

 

 

 

 

 

 

 

(الصورة : إحدى أقسام مستشفى الشارتيه / برلين )

 

3

برلين / مستشفى الفيزيوثرابي

 

عشرة أيام بعد العملية وربما أحد عشر يوماً، 24 ــ 25 / نوفمبر / 2022 رفعت الكرات الزجاجية، وبعد فحوص عديدة، رأى الأطباء أن العلاج الجراحي قد حقق أهدافه، ولكن يجب أن نبقى تحت العلاج الفيزياوي (Physio-therapie)   مستشفى خاص لم أكن قد سمعت بمثله من قبل، نقلت بسارة اسعاف متخصصة إلى المستشفى الفيزياوي التابع لمستشفى الشارتية الكبير، ويبعد عنه نحو 3ـ 4 كيلومتر، ويضم أطباء من مختلف التخصصات، يراقبون سير وتطور العلاج، لضمان عدم حدوث انتكاسة، وفي حالة أي تراجع في تواصل الشفاء يعاد فورا للمستشفى الكبير، ولكن هذا الاحتمال ضعيف، فالمرضى الخارجين من عمليات ثقيلة أو معقدة، يودعون على الأرجح للعناية الفائقة في هذا المستشفى.

العناية الفائقة تعني، فحص الدم يوميا ولأكثر من مرة، وقياس الضغط، والسكر، والوزن، وتفحص الأقدام والأيادي، وأي مؤشر ..! وموضع العملية الجراحية، ويراقبون كل شيئ بدقة تامة بما في ذلك الإقبال على الطعام، وتطور القدرة على الحديث والسير بالعكاز الرباعي،  فكل جزيئة في الجسد تحت السيطرة، والفحص اليومي ولعدة مرات في النهار والمساء يومياً.

 كل هذا يفعله طاقم مؤهل، مدرب، بكل لطف وتهذيب عال، واحترام لوضعك الصحي، وللأزمة التي تمر بها ..وشاهدتهم يفعلون ذلك مع مرضى بحالات صعبة، يحممونهم ويغسلون أطرافهم، بصبر، يعاملون المرضى بمحبة، وغالبا ما يطعمونهم بأيديهم، ويحتملون منهم ما ينجم من أوضاعهم ... كنت أدهش وأنا الذي عشت في ألمانيا سنوات طويلة.... يا لدقة هذا النظام .. ما أروعه، رئيس الأطباء يجلس على الأرض ويضع قدم المريض في حجره ويفحص أصابع قدمية بكل عناية ودقة، بلا استنكاف ولا تقزز، وأنت تكاد تعتقد أن هذا الشخص هو ممرض، أو خادم، فإذا به رئيس قسم أو رئيس الأطباء .. فتأمل ...!

بعد أن يتأكد الأطباء أن كل شيئ على أفضل ما يرام، يحال للعلاج الرياضي، فهناك قسم  يعمل فيه مدربون مهمتهم إعادة أعضاء الجسد الخاملة منذ فترة طويلة وإعادتها إلى الحركة وفق منهج مدروس بدقة، وهناك صالات تضم معدات كل فقرة منها تختص بالتعامل مع عضلة معينة، أو جزء من الجسد وتأهيله لإعادته للحياة بطرق علمية، وباستخدام أمثل للوسائط والعدد الرياضية، لإيصال المريض إلى درجة يستطيع المريض الاعتماد على نفسه بأعلى درجة ممكنة.    

حين تشاء الظروف   ويدخل الإنسان إلى مستشفى يتخصص بالعلاج الفيزيائي/ يكتشف أن القضية العلاجية ليست فقط إجراء عملية، وينتهي كل شيئ ... فأنا حين دخلت  مستشفى العلاج الفيزيائي كنت بالكاد أستطيع السير بضعة خطوات معتمداً على مسند معدني ذو أربعة ركائر، وهو يعادل عملياً أربعة عكازات يمكن استخدامه بالسير بخطى بطيئة وبحذر لبضعة أمتار فحسب، ولكني في المستشفى الفيزيائي، أحرزت تقدما سريعاً بحيث صار بوسعي أن استخدام الحمام لوحدي، وأمارس التدريب الرياضي بأشراف المدرب، وبالطبع يدرك المدرب، بسني الثامن والتاسع والسبعون، لا يدور في خلده أو في خلدي أن أساهم بفعالية رياضية متقدمة،  فبالنسبة لي السير لبضع مئات من الأمتار، ولو بعكازة، ولكن بدون ألام ، أو تشنج،  او القدرة على ممارسة أنشطة عادية هو كاف،

كان أطباء القسم قد خططوا لإقامة طويلة في المستشفى  تقارب الشهر أو أكثر، ولكنهم عندما وجدوا استجابة  مني طيبة، ففي اليوم العاشر خرجت أنا ومدرب الرياضة ومشينا حول الغابة التي تحيط بالمستشفى، وأقسام أحرى داخل محيطه، وهو يسألني بين الحين والآخر إن كنت قد تعبت .. ولما كان كل شيئ على ما يرام، احالوني لمستشفى آخر أقل كثافة في المراقبة الصحية والغذائية، ومستوى الاستيعاب العقلي، وبدأوا معي من الصفر تقريباً، في القراءة والكتابة، وفهم واستيعاب ما أسمع. فعلوا ذلك بصبر، وباحتراف مهني عال للغاية، في وكانت كافة المؤشرات وخاصة السكر والضغط، ومؤشرات المستوى الفيزيائي جيدة جداً تقرر احالتي بعد 10 ــ 12 يوماً  لمستشفى (العيادة اليومية) للعلاج الطبيعي،

 

 

4

برلين / مستشفى تاغس كلينيك

8 / ديسمبر ــ كانون الأول ... في مستشفى / العيادة اليومية (Tagsklinik) :  ويقع هذا المستشفى ضمن نطاق المجمع الطبي التابع للشارتية أو بإشرافه، ولا يبعد سوى نحو 200 متر عن المستشفى الفيزيائي،  والذي يضم عدد من الأطباء، المختصين بالصحة العامة، والتغذية وخبراء تأهيل بدني، يحال إليه المرضى الذين مروا بمرحلة صعبة (عمليات دقيقة) وهم بحاجة لإشراف دقيق في تناول العلاج، أو في نوعية الغذاء، لذا يقدم المستشفى وجبة الفطور، ثم وجبة الغداء، وهي وجبات مشبعة، والقهوة والشاي والفواكه في أوقات متفرقة، ونسبة السعرات الحرارية (kalori)مدروسة بحسب حاجة كل مريض بلا زيادة ولا نقصان، فالغذاء الذي يقدم في الوجبات يختلف في قوامه من مريض لأخر بحسب وضعه الصحي،.

حالما يلتحق المريض بالمستشفى، ينسب بالالتحاق بمجموعة تتألف عادة من 6 ـ 7 أفراد يجلسون في غرفة ولكل طاولته ومعدات شرب الشاي والقهوة، والمياه المعدنية متوفرة دائماً. رجال ونساء  محالين من مستشفيات(غالبا ممن تجاوزا الخمسين من العمر)، بعد تلقيهم العلاج والرقود في المستشفى، وفي الانتقال إلى هذا المستشفى الذي يتميز أساساً أن المرضى لا يرقدون فيه، بل يداومون من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة 16,00 (الرابعة عصراً) وتنقلهم سيارات (باصات 6 ــ 8 راكب)، من بيوتهم للمستشفى، وبالعكس. فالمرضى لا يرقدون في المستشفى إلا نادراً، ولا أعلم ما هي تلك الحالات التي توجب الإقامة في المستشفى، ربما أن المريض قد يعاني من مشكلات معينة في السكن، أو لا يتوفر شخصاً يساعده في البيت.

وبتقديري أن هناك إلى جانب التأهيل العلمي المتقدم والممتاز، للأطباء ومساعدين الأطباء، وجهودهم الكبيرة في إطار التأهيل البدني والعقلي، لست على اطلاع تام كيف وما هو المستوى الذي تلقاه العاملون، ولا شك أنه مستوى متقدم، فكافة تصرفاتهم تنم عن خبرة عميقة وتجارب كبيرة تمكنوا من وضعها في إطار علمي، واستفادوا منها، وها هم يقدمون الخدمات الممتازة  للناس.                                                                                                                                                                                                     

المجموعة (Grupp) التي يلتحق إليها المريض لديهم برامج علاج مختلفة، فالعلاج الذي تبدأ الساعة الأولى 9 صباحاً، وحتى الساعة الرابعة عصراً، تشتمل على استعادة اللياقة البدنية والقدرة على المسير بمساعدة آلية (عكازة ــ عجلة دفع ذات إطارات، يمكن استخدامها للجلوس أيضاً) والفكرة الأساسية للعلاج هي إيصال المريض لمستوى يستطيع الاعتماد على نفسه سواء كان يعيش بمفرده، أو مع شخص آخر في السكن. ولكن بصفة عامة يعاني أفراد المرضى من صعوبات في الحركة. بسبب إصابات لحقت بهم من خلال حوادث، أو الوضع الصحي للمريض بسبب التقدم في السن. ومن المهم أن نذكر، لا يعتبر المرء طاعناً  في السن في ألمانيا، فالإنسان في سن السبعين في السن، أو في الثمانين،  ولا يعتبر شيئاً استثنائيا إلا إذا تجاوز المائة عام في عمره.                                      

يبدأ برنامج المريض (كل حسب وضعه الصحي) فهناك أنواع من التدريبات، البدنية وتسمى فيزيوثرابي، تهدف لاستعادة أجزاء الجسد لقدراته الحركية،  وهناك العديد من الوسائل المنتقاة بعناية ودراسة دقيقة لحالة المريض، ومن التمارين ما تتم من حالة الجلوس أو الرقود، أو باستخدام معدات وتقنيات رياضية، أو تمارين من الحركة، تبدأ بصعود وهبوط السلالم، أو المسير، أو السباحة، والشباب أو الشابات اللاتي يقمن بدور المدرب، كلهم من خريجي معاهد درسوا لا يقل عن ثلاث سنوات، في تخصص الفيزيوثرابي.

وهناك من التدريبات ما تعيد إلى الذهن قدارته، وهذه مثيرة فعلاً للاهتمام، إذ يحاول المدرب أن يعيد للمريض قدرته على التذكر من خلال تمارين منتقاة بعناية فائقة وبأسلوب علمي، كيف ..؟

ابتداء يتعرف العاملون على القدرة الذهنية الحالية للمريض،  وإذا كانت قد تراجعت (وهي سبب وجود المريض في هذا المكان) ، فإلى أي مستوى ..؟ ومن أين نبدأ ..؟  

يتحاور الخبير، أو الخبيرة حول موضوعات مختلفة، ثقافية واجتماعية وفنية(بحسب مستوى المريض الثقافي والدراسي)، ومنها يتعرف كم فقد المريض من قدرات، ثم طريقة لفظ الكلمات، وهل يستطيع أن يدير حواراً طويلاً، وهل صوته وحديثه مفهوم ...! وبعدها سيحاولون أن يتعرفوا على خط المريض ... وهل تراجع، هل يتقدم وبأي مستوى ...؟

فيما يحاول الخبير / المدرب البدني أن يتعرف على نقاط الضعف في الجسد، وفي الحركة، فمثلاً أنا أعاني منذ سنوات كثيرة (منذ 2005) من ضعف في السمع (الأذن اليمنى) وهم حاولوا أن يعرفوا هل تراجعت القدرة السمعية، وما هي درجة تأثيرها على التوازن والسير. ركزوا كثيرا على طريقة صعود السلالم ... وضرورة أن أمسك بيدي حاجز السلم، ولا أنسى مطلقا مدربة في العشرينات، تتوسلتني بعين دامعة " رجاء .. رجاء سيد دباغ .. رجاء أنتبه حين تصعد السلالم، لا تستعجل رجاء، وأمسك الحاجز .." كانت البنت تعاملني وكأنني والدها .. بمحبة واحترام ولطف بالغ ...! وحقا أنا أتذكرها الآن فعلاً كلما هممت بصعود الدرج ...!

المريض يشعر تماماً أن الأطباء والممرضين يفعلون كل شيئ أو لتحسين وضعه الصحي، مع الممنونية (With pleasure ) بل شاهدت بنات صغيرات (مدربات) يدللن مرضى ومريضات مسنات بطريقة عاطفية، ويجلبن الابتسامة لوجوههن المتعبة، هذا عمل يفوق ما يطلبه الواجب مقابل الراتب .... هو عمل إنساني رفيع مبهر ... كنتا أقف معقود اللسان عاجز عن التعبير حيال ما يبذله حفنة من الشباب والشابات يديرون مؤسسة كبيرة في حجمها وانتاجها .. .لا أثر ولو لمليمتر واحد للرأي الشخصي، أو السياسي، أو الثقافي،.... ما هذا..؟ أهو النظام أم التقاليد، أم هو نتاج تدريب رائع لهذا الكادر الذي يقوم بواجبه بأروع ما يمكن .... كل شيئ يدور حسب المنهج ولا خروج عليه قدر أنملة، هذه المؤسسة تدور كساعة رولكس بالغة الدقة.

كافة الفرق، والمدربين كانوا يعملون وفق خطة موحدة يكمل جهد بعضهم، البعض الآخر .. حتما الجهد التنسيقي بين أعمالهم موجود يتمثل بالمديرة ونائبتها، ورئيسة الممرضات(معظم الكادر العلاجي من النساء)، ينسقون فيما بينهم، ويضعون لكل مريض برنامج يراجعونه بين فترة وأخرى ليقفوا على التطور ومدي استجابة المريض ... وهذا لا يدور في نطاق هذا المستشفى (تاغس كلينيك) فقط، بل بين المؤسسات الثلاث الذي تعاملت معها، وفي النهاية يكونون صورة قد لا أعرفها عن نفسي، ولكن مجموعة الأطباء والخبراء والمدربين في المستشفيات الثلاث وكأنهم فرقة موسيقية يعزفون سمفونية رائعة .... وخلال أيام العلاج يكونون فكرة دقيقة جدأً عن المريض، صحته، قابلياته، ثقافته، معنوياته، أبعاد شخصيته، وقدرته على تحدي المرض ..قوة إلإرادة  عنده على الحياة،

جماعة مطبخ المستشفى صاروا يعرفوني، وصاروا يعدون لي طعاماً خال من لحم الخنزير، والألمان يعلمون ذلك ويسمونه (Halal)  "حلال" ويقدمونه بود لي، لفم لأقل لهم شيئاً، فهم عرفوا كل شيئ خلال الدقائق الأولى لحلولي في المستشفى ,,, لا أستطيع بكلمات صغيرة، سواء في العاملين في " تاغس كلينيك " أو في الشارتية عموماً.

نعم كنت مشتاق للحياة العادية، أن أتمكن من الذهاب للمطاعم، أن أجلس في مكتب، أن أحاول أستعادة قدراتي الكتابية، أن أشتفل بالكومبيوتر ..ولكني حين غادرت  مستشفى تاغس كلينيك .. عز على فراق هذه الملائكة ..!

بعد خروجي يوم 7 / كانون الثاني ــ يناير / 2023 بأسبوع ذهبت لمستشفى تاغس كلينيك، مع زوجتي، وشعرت نفسياً أنني مدين لهذه المؤسسة، لأني خرجت أسير على قدمي ..! أخذت معي باقة زهور كبيرة، استقبلتني المدير في صالة المستشفى عندما علمت بأني قد حضرت لتحية العاملين، خرجت من غرفتها بسرعة وعبرت عن شكرها لزيارتي وقدمت لها شكري العميق وللعاملين من أطباء ومساعدين، وعاملين، ووضعوا باقة الزهور على طاولة واضحة في صالة الاستقبال مع بطاقة تشير إلى هذه الزهور هي هدية من الدباغ وزوجته للعاملين والمرضى في المستشفى.

Description: Description: Ein Bild, das Text, Gelände enthält.

Automatisch generierte Beschreibungنحن نتعرف على الناس، يتفاعلون معنا، يشعرون بآلامنا، يحاولون جهدهم إخراجنا من الأزمة الصحية التي نشعر بها... حريصون على صحتنا، يهمهم رأينا بخدماتهم، ويودون بلطف أن يسمعوه .. أنا سأقوله بوضوح وأخشى أن لا تكفي الكلمات للتعبير .. لذلك سأختصرها. بكلمة واحدة ....

" شكراً شارتية ... شكراً مستشفى فيزيوثرابي، شكراً تاغس كلينيك ... شكراً جزيلاً ".

Danke Charite, Danke Physiotherapie, danke Tags Klinik... vielen Dank ."

Thank you Charite, Thanks physiotherapy, thanks Tags Clinic... Thank you very much      ."

 

أفلام تفتقر للواقعية

ضرغام الدباغ

أشاهد، عرضاً مشاهد من الأفلام يقدمها الانترنيت ، والشائع في هذا العصر، افلام تحرض الشباب على القوة وامتلاك القوة البدنية الخارقة، وحتى بدرجاته الخرافية، فتشاهد بطل الفلم يمتلك قدرات غير عادية بدرجة تنطوي على السخرية، مشاهد قفز ولقطات أكروبات بعضها خيالي، والأفلام الأمريكية أيضاً زاخرة بمشاهد من هذا النوع، ولكن السينما الالكترونية تسهل ترتيب تلك اللقطات، فيبدو لك البطل رامبو الجندي السابق في القوات الخاصة الأمريكية يجترح البطولات الخيالية، الغير معقولة، رغم أن تاريخ القوات الخاصة الأمريكية يفتقر إلى المنجزات المهمة ذات الطابع الأسطوري، ولكن الشبان والمراهقون لا يبحثون عن المعطيات التاريخية.

ولكن الأفلام الهندية يغلب عليها هذا الصنف أو لنقل في الكثير منها، وهم يقلدون الأفلام الأمريكية والصينية، وفيما يحاول المخرج الهندي أن يقدم عملاً يحاكي به الأفلام الأمريكية والصينية، فيأتي إنتاجه شيئا يبعث على الضحك، فالعمل الصيني فيه مبالغة ولكن العمل الهندي يتحول من أفلام القوة والعنف إلى شيئ يثير المرح ..

 يكتب منتجوا بعض الأفلام عبارة تحذيرية هي عبارة عن نصيحة ثمينة لمن يقدرها حق تقديرها  النصيحة هي : " لا تجرب هذه اللقطات في البيت ". .... بعبارة وجيزة " هذه الألعاب ليست سوى خيالات محمومة ..... الهدف الابتدائي لها هو التسلية، أما الهدف الأبعد فهو خلق جيل سطحي الأفكار شرس، لا يهتم بالقضايا الاجتماعية العميقة من حيث جذرها الاجتماعي / الاقتصادي. منتجوا الأفلام هم فئة الغالب فيهم اليوم هم قناصوا أرباح وليسوا أتباع مدرسة فنية، ويجدون في أعمالهم توافقاً مع توجهات قادة المجتمع البورجوازي، الرأسمالي الغربي، وأعمالهم ما هي إلا قنابل دخانية لصرف الأنظار عن ما يدور جوهريا في المجتمع ...... والتقدم التكنولوجي هو لخدمة أرصدتنا وليس للتثقيف الفني ....!

لا أعتقد أن في مشاهدة هذه الأفلام هدفاً تربوياً مهماً، رغم أنها تنطوي على مفاهيم اجتماعية، إلا أن العنف المفرط هو ما يجعل الشباب يقبلون على مشاهدتها ... الامر يستحق بتقديري اهتمام التربويين وعلماء الاجتماع,.... لا تلعبوا ألعابا صعبة فتتورطون بالنتائج .....!

 

3 / نيسان / 2023

 

 

 

صراع سياسي في روما :

 بدء أفول موسوليني

 

د. ضرغام الدباغ

 

 

كانت لهزيمة دول المحور تداعياتها، إذ احتلت قوات الحلفاء في صيف عام 1943 جزيرة صقلية وعلى اثر ذلك تصاعدت حملة الانتقادات في صفوف الحزب الفاشي الإيطالي ضد سياسة موسوليني، ترى هل يستطيع الدوتشي الصمود ؟

*             *                *                 *

كانت الأخبار الواردة من الجبهات مقلقة. ففي 11/ حزيران ـ يونية / 1943 هاجمت قوات الحلفاء جزيرة بانتليريا الإيطالية، ذات المكانة الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط المقابلة للسواحل الأفريقية، والتي كانت تعد من الأهداف الصعبة المنال، وبعدها بأسابيع فقط، ابتدأت الحملة على صقلية، وأستقبل السكان القوات الأمريكية والبريطانية كمحررين. وفي 18/ تموز ـ يولية عاشت روما أولى الهجمات الجوية الكثيفة القوية التي ألحقت أضرار فادحة في العديد من أجزاء المدينة وأثارت الرعب بين السكان.

 

وفي هذه الظروف الصعبة تنادت الشخصيات القيادية في حزب موسوليني لعقد اجتماع أزمة للمجلس الفاشي الأعلى، وهو أعلى هيئة قيادية في الحزب الفاشي (يحكم إيطاليا منذ 1922)، وكانت هذه الهيئة لم تعقد مؤتمرها منذ عام 1939، وكل شيء كان يشير إلى أن نجم موسوليني الدكتاتور الذي سطع في إيطاليا منذ 21 عاماً قد بهت وبدا خافتاً وينذر بالأفول ! لذلك أخذت الحيرة حيناً والتردد تهيمنان على الدوتشي(وهو لقب موسوليني) وعلى تصرفاته كما تنتابه حيناً آخر العصبية والهياج.

 

وهنا بدأ خطراً آخر يهدد موسوليني:

الملك عمانؤيل الثالث الذي كان حتى هذا الوقت يبدي الولاء للحزب الفاشي، ها هو قد ابتدأ بإقامة الصلات السرية بواسطة وزير بلاطه أكواروي مع رئيس أركان الجيش أمبروزيو، وبدأ بترتيب الخطط من أجل عزل موسوليني. وقد ابتدأ الأمر على أنه تنظيم معارضة داخلية ضمن صفوف الحزب الفاشي ضد قيادة وديكتاتورية موسوليني.

 

وكان من أبرز الذين تصدوا لهذه المهمة هو دينو جراندي عضو المجلس الأعلى والمتصدي الأول لحملة الانتقادات الموجهة ضد موسوليني، الذي أخبر الملك بالخطاب الذي قد أعده تحريرياً ليكون مشروع قرار للاجتماع الذي سيعقد في 24 / تموز ـ يوليو، والذي بموجبه سوف يعزل الدوتشي.

لكن ترى هل سيستسلم موسوليني لمحاولة العزل هذه ببساطة ؟ ولم يكن الأمر مضموناً حتى لو كان لدى جراندي الأكثرية في المجلس الفاشي الأعلى لتمرير وإنجاح مقترحه. وبهذا يمكن القول أن خصوم موسوليني كانوا يلعبون لعبة خطرة، وذات نتائج مجهولة !

 

ليلة المؤامرة

في 24 / تموز ـ يوليه / 1943، وهو يصادف يوم السبت، خيمت حرارة صيفية فوق روما، فيما كان التوتر يسود أعضاء المجلس الفاشي الأعلى، كان جراندي بحاجة حتمية إلى رفاق يتحالفون معه من أجل عرض مشروعه، لذلك لم يكف عن أجراء المحادثات الموثوقة مع القادة الآخرين للحزب الفاشي، بل وحتى صهر موسوليني (زوج أبنته) جالبازو شيانو، أبدى المعارضة للدوتشي.

 

في الساعة 1700  (الخامسة مساء) أنعقد اجتماع 28 من أعضاء المجلس الأعلى يرتدون ملابسهم الرسمية السوداء في قاعة الاجتماعات في القصر الذي يعمل فيه موسوليني في ميدان فينيسيا، على مرمى حجر من المبنى الروماني التاريخي الفخم، الكابيتول، وكانوا يريدون طي الصفحة الفاشية ويضعون نهاية لهذه الحقبة. ولم يكن معلوماً لديهم حتى اللحظة (علم فيما بعد) أن جراندي كان قد استعد لليلة الخناجر الطويلة (1) بمسدس وقنبلة يدوية، ولكن لم يحدث ما يستحق هذا الحذر، بل أن موسوليني كان يدرك بعمق وهو السياسي الذكي والمثقف الظروف والتهديدات، لذلك فهو تردد في اعتقال خصومه.

 

وفي مجرى جلسة المساء الدرامية، واجه الدوتشي حملات لا رحمة فيها ضد سياساته وشخصه. وقد أتهمه جراندي، الذي كان العنصر الأساسي في الاجتماع، أتهمه بأنه قد خان من خلال شخصه وتصرفاته المبادئ الأساسية للفاشية، وطرح للتصويت مقترحاً: تقديم موسوليني للقضاء.

 

وكان هذا القرار يقوم على قاعدة: دعوة الملك هو رأس البلاد الأعلى في إطار الحقوق الدستورية، وكذلك بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى تحمل هذه المسؤولية. وقد رأى جراندي في ذلك الإمكانية الوحيدة، إلى جانب الحكومة، في الحيلولة دون خطر الانهيار العسكري للبلاد، وفي التمهيد لمفاوضات وقف أطلاق النار وإقامة الهدنة.

 

وحاول موسوليني مع رفاق حزبه الحيلولة دون الوصول إلى مثل هذه النتيجة، وأن لا ينسحب من جانب واحد من التزامات التحالف ومواصلة الحرب إلى جانب ألمانيا. ولكن شيانو(وزير الخارجية وصهره) أحبط هذه الفكرة بالإشارة بأن ألمانيا تخدع إيطاليا منذ بدء الحرب، وهي في الجانب المخان وليس الخائن !

 

تسعة عشر صوتاً ضد الدوتشي

عندما حاول موسوليني بحلول منصف الليل إنهاء الجلسة وتأجيلها، من أجل كسب الوقت، أعلن جراندي، بأنه سوف لن يترك أحداً يغادر القاعة قبل اتخاذ القرار، وهنا أعلن موسوليني عن فترة استراحة لكي يتسنى له إجراء مشاورات، والتصدي لمؤامرة خصومه، ولكن الدوتشي كان ما يزال تحت وطأة شعور، بأنه سيتعامل مع حملة الانتقادات الموجه ضده وينته منها. وحيال مقترح جراندي، حاول موسوليني اللجوء إلى التحايل بأن يسحب العناصر التي لم تقرر موقفها إلى جانبه بقوله: " إن مفتاح الأزمة في رأسي، ولكني سوف لن أفصح عنه " وعندما أجري التصويت لم يعد هناك من شك: ففي الساعة 2،45 فجراً كانت نتائج التصويت 19 صوتاً لجراندي مقابل 9 أصوات لموسوليني، لقد خلع الفاشيون زعيمهم، وأنتهي الاجتماع دون أن يتمكن الدوتشي من اتخاذ قرار ضد المؤامرة.

 

المحاولة الأخيرة لموسوليني

كان معظم المتمردين ال19 ضد موسوليني يعتقدون بأنهم سيتعرضون للاعتقال، ولذلك فقد بادروا إلى الاختفاء في اليوم التالي عند أصدقائهم ومعارفهم، فيما كان موسوليني ما يزال يعتقد بإمكانية حل الأزمة سياسياً. والمبادرة الوحيدة التي قام بها حيال هذا الوضع، هو طلبه من الملك تقديم موعد المقابلة التقليدية معه إلى يوم الأحد في الساعة 1700، وقد تم إبلاغه، بأن البلاط يعول أهمية على أن يحضر موسوليني مرتدياً الملابس المدنية.

 

مضت سيارة موسوليني في الوقت المحدد بدقة باتجاه فيلا سافويا، وهو مقر بلاط الملك في روما، دون تحسب للوضع غير الطبيعي، وقد جلب موسوليني معه بعض الأوراق التي تثبت أن التصويت على قرار المجلس الفاشي الأعلى ليس مهماً، وكان يريد أن يقنع، أو يحمل الملك فيكتور عمانؤيل الثالث، أن يسلمه القيادة العامة للقوات المسلحة التي كان قد استلمها منه منذ قيام القوات المسلحة الإيطالية بغزو اليونان عام 1940، وأن يعيدها إلى الملك. واعتقد موسوليني إن هذا الإجراء سيجعله حر اليدين في ميدان السياسة الداخلية.

 

كما أن الدوتشي أعتقد أن إعادة شاملة لتأسيس مجلس الوزراء الذي سيكون واجبه الرئيسي إنهاء الحرب، وهو، موسوليني، كان يأمل أن يجنب إيطاليا الاندحار العسكري. وقد تحدث موسوليني في ذلك هتلر في إمكانية التوصل إلى سلم منفصل على الجبهة الشرقية، الأمر الذي سيعزز مكانة المحور في الجناح الجنوبي ضد الحلفاء.

 

التفاوض

أرغم الملك فيكتور عمانؤيل الثالث موسوليني على الاستماع إليه ولم يمنحه الفرصة للحديث، بل ابلغه باختصار، بأنه وبسبب الموقف العسكري المتأزم والمتدهور، والتطورات التي جرت خلال 24 ساعة المنصرمة، أحداث ترغمه على خلعه من منصب كرئيس للوزراء، وأنه قد عين المارشال بادوليو كخلف له. وفي هذه اللحظة فقط أدرك الدوتشي بأنه قد خسر المعركة من أجل السلطة، ونهض خارجاً يرافقه الملك صامتاً.

 

وكان مستشارو الملك عمانؤيل الثالث قد أقنعوه، بأن اعتقال موسوليني سيكون بسيطاً ودون ضجة أو مقاومة، وكانت منطقة القصر وما يحيط بها قد استعدت لمثل هذه الحالة، والسيارات المرافقة للدوتشي كانت كالعادة أمام البوابة الرئيسية، خارج مكاتب القصر، فيما استدعي سائق سيارة موسوليني بحجة مكالمة هاتفية، حيث ألقي القبض عليه.

 

وعندما أراد موسوليني التوجه إلى سيارته، تقدم إليه ضابط برتبة رائد يحمل غدارة، وأدلى بهذه الكلمات: " أن جلالته قد أمرني أن أتولى حماية سيادتكم " وطلب إليه أن يصعد سيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر.

 

لم يبدي موسوليني أي مقاومة، ومن مدخل جانبي غادرت العربية موقف السيارات لقصر فيلا سافوي إلى هدف مجهول. وبهذا الأسلوب السياسي/ ألتآمري غادر موسوليني المسرح السياسي الذي هيمن عليه لمد 21 عاماً.

 

مصرع موسوليني

أثارت إنباء سقوط موسوليني الفرحة والابتهاج بين صفوف الإيطاليين، ولكن النهاية المفاجئة للديكتاتور لم تكن تعني نهاية قريبة للحرب، بل إنها قسمت البلاد من الشمال والوسط والجنوب الإيطالي الذي حرر من قبل قوات الحلفاء ولكن بخسائر فادحة. وفي 12 / أيلول ـ سبتمبر / 1943 تمكنت وحدات من القوات الخاصة الألمانية من مداهمة السجن في جرانزازو وتحرير موسوليني. الذي نجح بتأسيس حكومة تابعة للألمان في جاراداسا لمواصلة الحرب.

 

ولكن كل شيء أنتهي في نهاية ابريل 1945 عندما القي القبض عليه مع عشيقته من قبل الأنصار، واعدم رمياً بالرصاص.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) ليلة الخناجر الطويلة، هي الليلة التي صفى فيها هتلر خصومه في الحزب النازي الألماني والعبارة هنا للتشبيه ـ المترجم)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المصدر

Wie geschah es Wirklich

Reader Digest  /  The Beste

1990 Stuttgart

 

 

المركز العربي الألماني

برلين

لعبة الشطرنج الأخيرة

 

ضرغام الدباغ

 

بعد أيام .. سيتم الاحتلال عامه العشرون ... وماذا بعد ....!

الاحتلال ومن معه ومن خلفه ومن يهرول في ركابه لم يستطيعوا تفسير وتبرير العدوان الذي سيسجل بأسمائهم وفي تاريخهم بحروف بارزة، فشلوا في تحقيق أي شيئ برغم أن تحت تصرفهم نحو ترليون و250 مليار دولار، وقتلوا واغتالوا في المحاكم  (الصورية) وخارجها عشرات بل مئات الألوف، وشردوا الملايين بين مهاجر ونازح، وباعوا الصناعة العراقية كحديد خردة، جرفوا البساتين والحقول والاراضي الزراعية، وفاق ما يرتكبون كل ما هو مدون في قانون العقوبات، من جنايات، وجنح، والعيب والحرام.

ومع كل ذلك لم يتمكنوا من العراق ومن شعبه ... دمروا بأنفسهم شرفهم الوطني ...

هل لأن العراقيين أتحدوا وقاوموا هذا التعسف التاريخي..؟ هل لأن العراق لقمة أكبر من بلعومهم ..؟ نعم، ولكنهم فشلوا قبل كل شيئ، لأن مشروعهم مستحيل وغير تاريخي، فشلوا لأن كل من وضع يده في هذا قدر الاحتلال، لم يعد نظيفاً، ولأنه مشروع يفتقر للنظافة... وبالتالي الاحتلال لم يستقطب إلا من أمثاله، وبضعة ممن خدعوا ثم استفاقوا وتابوا ..

كنت أتجاذب وصديق لي أطراف الحديث، نتجول في الأفكار والمواقف، وما يشاع ويقال هنا وهناك، والأيام حافلة بالأخبار، ومنها ما يدور في العلن، وأكثرها من وراء الستار، وخطر ببالي الفيلم المشهور، " التانغو الأخير في باريس " (Last tango in Paris) وتوصلنا هو وأنا، أن الموقف بات في غاية التأزم، وكما يقال بالبغدادية " قفلت الدومنة "، فقلت لصديقي يبدو أنها " آخر لعبة شطرنج ".

لماذا آخر لعبة شطرنج ...؟

إنها  اللعبة الاخيرة، لأنه لم يعد هناك لاعبين كثر في الميدان، كلهم تعبوا، وقد تعددت الساحات والميادين وضاقت الخيارات والعبارات، والبطل الوحيد الصامد صمود الجبال الرواسي هو الشعب العراقي، اليوم ينسحبون ليس لأنهم شرفاء، بل لأنهم عجزوا عن تحقيق ما يريدون،  ولأنهم يحاولون غسل ولو سنتمتر مربع واحد من عارهم، العار الأمريكي في العراق يخرسهم عن الأدعاء بالنزاهة، والديمقراطية وحقوق الإنسان، والمخرج الكبير يقلب عينيه في أكثر من مكان وزاويا العالم، فبعد أن كان يعتقد أنه سيحكم العالم بنظام عولمي محكم، لم يستغرق الأمر أكثر من عقدين أو ثلاثة، صار يبحث عن الأمن على سواحل بلاده ...! ولهذا فهو مضطر لوضع أولويات وخطوط جديدة .. خطوط خضراء، وبنفسجي، وصفراء، وحمراء، نتفاوض في بعضها، وقد نتبادل في أخرى، ونتأهب في أخرى، ولكن في الخطوط الحمراء نقاتل ..! ومن تلك أنه أبلغ حلفاؤه أن ليس بوسعه مواصلة تأمين السقف السياسي والعسكري لمغامرتهم، فليبحث كل عن مصالحه بطريقته، فحليفه الصهيوني يقنع نفسه أنه باق ... وهو يعلم أن صفارات التنبيه أطلقت تحذيرها ...وحليفه نظام الملالي أصابه الإنهاك، وقد اشتعلت النيران في بيته وتلابيبه .. وضاقت المساحات عنده، فراح يرمي بصره شرقا وغرباً لعل هناك من ينقذه يخلصه من ولو بتكلفة مناسبة، تبقي رأسه فوق سطح الماء .....

يا شعبنا العظيم .... لله درك .. ما أعظمك ..

ناضلت بعنفوان وصبر كما في كتب الأساطير ..

أتحدوا .... أتحدوا .... أتحدوا ...

الاحتلال ينهار، وصنائعه يفرون والمجد لكم التاريخ لكم، والعراق لكم ...!

 

 

الصراحة المرة

 

ضرغام الدباغ

 

في الصباح الباكر، كنت أستقل الباص في عاصمة أوربية ، حين صعد شاب أفريقي يبدو عليه التعب والإرهاق، حتى أني ظننت أنه قد أسرف في تناول الكحول، ولكنه يحمل آلة موسيقية داخل علبتها، على الأرجح من نوع الأورغ (نوع صغير يوضع على طاولة)، وأختار أن يجلس بجانب شاب أوربي أبيض البشرة أشقر وسيم، لا يزيد عن بداية العشرينات، وراح يحدثه بصوت مرتفع " ها ... أنت أبيض اللون وهذا يجعلك تمتلأ فخراً وكبرياء .. أليس كذلك ..؟ "

الشاب الأوربي كان مهذباً فأجابه، " لا ليس كذلك، ولكننا في الصباح الباكر ونفتقر لشهية الكلام ".

فرد عليه الأفريقي " لا ..لا ... أنت تشعر بالغرور، وإلا فلا شيئ يميزك عني، بل أنا أثقف منك وأعمل بجد كل يوم طيلة الليل وحتى مثل هذا الوقت من الصباح فأنا عازف أورغ ".

وراح الشاب الأوربي يحدثه بهدوء وصبر كما شاهدت الأفريقي يعطيه بطاقته الشخصية ويتحدثان عن تواصل العلاقة بينهما.

فتأملت مقلباً الحديث على وجوه مختلفة. فأن تشاهد شبان أفريقيين في عواصم أوربا الغربية الأنيقة المترفة أمراً اعتيادياً، والأمر يتجاوز في جوهره مسألة توفير قوة عمل زهيدة السعر،إلى وجود اجتماعي / ثقافي، وصرنا نشاهد ظاهرة حالات زواج بين أفريقيين شبان وشابات، وأوربيين شباب، إلى جانب رفض عنصري من جانب أفراد من اليمين .. الأمر كله يجعلك على ثقة بأن المستقبل القريب للخمسين سنة المقبلة في عالم الغرب ينطوي على توجهات عنصرية، وقد تحمل في طياتها أحياناً على نزوع لاستخدام العنف ضدهم.

ومن جهة أخرى، حين نقرأ ونشاهد أفلاما وثائقية عن أفريقيا، يحملنا على التنبؤ بأن هناك مستقبلاً للقارة الأفريقية هي غير ما كان مخطط لها من الغرب الرأسمالي : أن تكون منبعاً للخامات الطبيعية، ومنجماً للقوى العاملة الزهيدة الثمن، أفريقيا تهرول نحو مستقبل آخر، وهناك صراع خفي / علني يدور في القارة السمراء، بين قوى أفريقية تطرح تصوراً جديداً لأفريقيا يحمل التقدم والتطور والتنمية .. ولكن حتى ذلك الوقت سيتواصل رسو القوارب التي تحمل المهاجرين من كافة الأعمار يفلح الكثير منها في الرسو على سواحل أوربا في البحر المتوسط، ولكن أيضا يبتلع البحر يوميا المئات منهم .

الغد الأفريقي مقبل بالتأكيد .... سيشرف حتماً وملامحه تبدو من الآن واضحة، الغرب يفقد ثقته بنفسه، فلم يعد التفوق الأبيض الغربي من المسلمات . والأوربيون بدورهم صاروا مقتنعين أنهم تجاوزوا الذروة، وصارت خلفهم، فهناك الكثير من الأسباب المقنعة والعنصرية أحدها، بأن وهج الحضارة الغربية في أفول، والقضية سنوات فحسب. والأفارقة (وربما غيرهم) صاروا لا يخفون دفء حرارة العلاقة مع الصين وروسيا، ورؤية روس وصينيين في المدن الأفريقية صار من المظاهر الطبيعية.

والصحف الأوربية تصدر يوميا وهي تحمل صور وكاريكاتور عن الولايات المتحدة التي تدمر أوربا بسياساتها الرعناء، فلا يدع سبباً واحداً للتعاطف مع الغرب التي أثخن شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بجراح الشفاء منها ليس بسيط، ولكنه ممكن .. وقد أدركت الشعوب بداية الطريق.... ومن سار على الدرب  وصل ....!

 

 

لغز الطائرة الماليزية

Andreas Sieler

كتابة : أندرياس زيلر:

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

على الرغم من مرور تسعة سنوات على اختفاء الطائرة الماليزية الرحلة MH370 التي كان على متنها 239 شخصاً،  ليس بوسعنا سوى القول أنه لما يزل من غير الواضح تماما ماذا  حصل وكيف وأين. وليس هناك سوى شيئ واحد مؤكد، أن الطائرة قد تحطمت  بعد ساعات من إقلاعها من كوالالمبور، كما أنه لا جدال في مسألة : كيف ولماذا تتحطم طائرة ذات تقنية عالية وتتحول إلى لغز في تاريخ الطيران الحديث.

 أختفاء الطائرة : الرحلة رقم MH370

ومن المؤكد أن طائرة البوينج 777-200 التي كان على متنها 227 راكبا واثني عشر من أفراد الطاقم قد أقلعت من كوالالمبور في 8 مارس 2014 في الساعة 0:42 صباحا. بعد 20 دقيقة ، وصلت الطائرة إلى ارتفاع الطيران الرحلة، وبعد 20 دقيقة أخرى بعثت بآخر رسالة لاسلكية، حتى ذلك الحين كل شيء طبيعي. ولكن بعد ثوان، حدث أن تم (من بين أشياء أخرى)، إيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال، واختفت الطائرة MH370 من شاشة الرادار.

وحدث العديد من التغير في مسار تحليق الطائرة، فمن التحليق فوق ماليزيا،وشمال اندونيسيا، ثم ساعات من الطيران بأتجاه الجنوب، (افتراضاً) فوق المحيط الهندي، حيث سيتم لاحقاً تفسير بيانات الأقمار الصناعية، ومنها يشتبه معظم الخبراء أن موقع تحطم الطائرة هو اقصى غرب أستراليا.

في الدقائق التي اختفت فيها الطائرة ، كانت قد انتقلت من المجال الجوي الماليزي إلى المجال الجوي لفيتنام. ويبدو أن الأمر استغرق وقتا طويلا على نحو غير عادي حتى تم الانتباه لاختفاء الطائرة وإطلاق الإنذار، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن مراقبي الحركة الجوية تصرفوا بإهمال، وفقا للتقرير النهائي لفريق دولي من الخبراء "فريق التحقيق الماليزي في المرفق 13 لمنظمة الطيران المدني الدولي الماليزي".

 

تقرير غير واضح عن الرحلة   MH370: هل كان هناك تلاعب في الأنظمة؟

وإذا القينا نظرة فاحصة على التقرير النهائي الصادر في عام 2018، ، فإن هناك شيئا واحداً يبرز ، أنه لا يوجد شيئ واضح ونهائي على الاطلاق. إذ كانت المشكلة الرئيسية للمهنيين في التحقيق في الحادث، هي عدم وجود قطعة من بدن الطائرة لفحصها والتحقق فيها.وحتى يومنا هذا لا يمكن استبعاد حدوث خلل ما في الطائرة. ومع ذلك، فمن المحتمل حسبما يذكر التقرير أن فقدان الاتصال حدث بسبب " إيقاف تشغيل الأنظمة يدويا، أو بسبب انقطاع التيار الكهربائي". وهذا يشير التلاعب (Manipulation) في صياغة التقرير الذي ركز على طاقم الطائرة والركاب.وأن لا وجود لتشوهات خطيرة.

 

ومن بين عشرات القطع من حطام الطائرة التي جرفتها أمواج المحيط الهندي على السواحل الأفريقية،تم تشخيص ثلاث قطع بعائديتها للطائرة المنكوبة، وسبعة قطع بأنها " شبه مؤكدة" وعشرون قطعة بأنها " مشتبه بها "، وتؤكد الأجزاء هذه أنها تعود لطائرة البوينغ الرحلة (MH370) وأنها قد سقطت وتحطمت،كما تشير البيانات أن الطائرة مكثت في الجو لمدة سبع ساعات.

ويختتم التقرير إلى أن اختفاء طائرة الرحلة (MH370)، والعمليات الواسعة في البحث عنها كانت حدثاً غير مسبوق في تاريخ الطيران، ويشير إلى ضرورة إدخال تحسينات لضمان سرعة تحديد الحدث وموقعه في المستقبل، ووجود أليات " لتعقب أي طائرة تخرج عن خط الرحلة لأي سبب من الأسباب "، وان يكون موقع أي طائرة مدنية تجارية معروف دائماً، وعدم قبول افتراضات أخرى.

الغموض : أين يمكن أن تكون الطائرة ؟

لكن كيف يمكن أن يحدث لكي تغادر طائرة مسارها وتختفي خلال ثوان؟

في البدء ، يتم تسجيل مسار الطائرة بواسطة ثلاثة أنظمة:

من الأرض،

ثم من الطائرة نفسها ومن الفضاء.

ومن خلال الرادار الأرضي(يسمى الرادار الأساسي ).  حيث يتم إرسال إشارات من الطائرة وهذه اقابلة للقياس ماديا "، يوضح روبرت إرتلر، رئيس الاتصالات الخارجية والصحافة الألمانية (Deutsche Flugsicherung (DFS))، أن ذلك يتم بدقة  متناهية عند الطلب.

وهذا يعني أن المجال الجوي في ألمانيا يخضع لمراقبة مستمرة حتى ارتفاع حوالي أحد عشر كيلومترا. وما لا يستطيع الرادار قياسه هو ارتفاع الطيران، وهنا يأتي دور ما يسمى بالرادار الثانوي، جهاز الإرسال والاستقبال للطائرة. يقول إرتلر: "نرسل استفسارا وهناك إجابة من الطائرة". تشمل البيانات، من بينها، الارتفاع والسرعة. "ثم هناك الامكانية لتحديد الموقع عبر الأقمار الصناعية" ، إذا كان هناك العدد الكافي  منها ".

وقد تم إيقاف تنشيط جهاز الإرسال والاستقبال في رحلة الطائرةMH370. يتم ذلك من قمرة القيادة. ، ويوضح إرتلر. "الطائرات العسكرية تفعل شيئا كهذا والأمر يتعلق بالسرية". أما في حالة MH370 ، يصعب تفسير ذلك: "كقاعدة عامة، لن تقوم طائرة تنقل الركاب بإيقاف تشغيلها بشكل نشط". وهناك ثغرات حتماً في المراقبة الرادارية فوق المحيط الهندي، كما هو الحال مع مراقبة الأقمار الصناعية. وبالتالي، عجزت الأنظمة الثلاثة من تقديم أي بيانات.

 

تؤشر لنا هذه المعطيات، من خلال الأحداث المحيطة برحلة الطائرة MH370إلى أنه لا ينبغي أن ينحصر البحث عن الخطأ في المقام الأول في الجانب التكنولوجي، ولكن أيضاً في الخطأ البشري. وحتى في دوائر الخبراء، يجري تفسير البيانات الموجودة متباعدا في بعض الأحيان وأحياناً في اتجاه نظريات المؤامرة أحياناً.بل أن بعض الخبراء يشككون حتى في أن الطائرة قد طارت جنوبا (جنوب المحيط الهندي) على الإطلاق. كما تسبب كتاب "اختفى" للصحفية الفرنسية فلورنس دي شانجي، التي تشكك في وجود موقع سقوط وتحطم مختلف تماما، وتسبب كتابها في ضجة كبيرة.

 

ولم تسفر سنوات من عمليات البحث من قبل عدة ولايات وشركة "Ocean Infinity" الأمريكية لم تسفر عن أي نتائج. في العام الماضي، ولكن شركة Ocean Infinity أعلنت عن خطط لاستئناف البحث.

 

ووفقا لتقارير نشرت في وسائل الإعلام، سيتركز البحث بعد ذلك على منطقة في المحيط الهندي اختارها مهندس الطيران ريتشارد جودفري كموقع تحطم محتمل. تصدر جودفري عناوين الصحف عدة مرات في السنوات الأخيرة ، إذ طور المهندس المتقاعد في أوقات فراغه نوعا من نظام تتبع الطيران.ببساطة، يحاول من خلاله تحديد موقع الطائرة عن طريق تحليل ما يسمى إشارات الهمس لشبكة راديو الهواة المخزنة في قاعدة بيانات. تتداخل  ببيانات الطائرات مع انتشار هذه الموجات اللاسلكية.

 

وينظر بعض الخبراء، إلى النتائج التي توصل إليها المهندس جودفري العام الماضي(2022) على أنها بصيص أمل في العثور على الطائرة، خاصة أنه قام بتضييق موقع تحطم محتمل إلى منطقة صغيرة جدا. كما قال جودفري في البودكاست "الطب الشرعي للطيران"  ما حدث للرحلةMH370؟" (تجدها على موقع flugforensik.de) من خبراء الطيران بنيامين دينيس وأندرياس سبيث أوضح  كما يعتقد، أنه اكتشف بطريقته المسار الذي سلكته الرحلةMH370. كما يدعي أنه قدم "ملاحظة مثيرة للاهتمام": ووفقا لذلك، فقد حلقت الطائرة بصورة منتظمة لمدة 20 دقيقة قبالة سومطرة قبل أن تتحول جنوبا. "حتى الآن  يفترض المحللون أن طائرة الرحلة MH370 كانت تطير جنوبا مباشرة. ولكن لماذا تحلقالطائرة هذا الوقت الطويل في الانتظار؟ ، على سبيل المثال، هل كانت بأنتظار أتصال أرضي. أو ربما كان هناك تفاوض ما مع الحكومة الماليزية....؟

يمكنك القيام بذلك عندما تطاردك طائرة أخرى أو عندما تريد شراء الوقت للتفكير في الخطوة التالية ، "يقول جودفري. "ولكن إذا جعلت طائرة تختفي، فلن تضيع الوقت والوقود في الانتظار" ، أوضح المهندس جودفري في البودكاست (الموقع عن شؤون الطيران في الانترنيت).

النظرية الأكثر شيوعا حول سبب اختفاء طائرة الرحلةMH370 يعتبرها الخبراء أيضا من ضمن الأسباب، هي  نظرية انتحار الطيار. والتي غالبا ما يتم الاستشهاد به كمؤشر، أنه كان قد مارس سابقا دورة على جهاز محاكاة الطيران المنزلي الخاص به والتي كانت مشابهة للدورة الأخيرة المفترضة لطائرة الرحلةMH370. كما ذكرت "مجلة نيويورك" قبل سنوات على أساس وثائق سرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي. ولكن، كما تشير التحقيقات الإضافية والتقرير النهائي، لا يوجد دليل أو دافع للانتحار في البيئة الخاصة للطيار(الأسرة أو العمل).ولماذا يجب أن يحلق هذه الساعات السبع بدلا من يحطم الطائرة على الفور؟ وإذا كانت النتائج التي توصل إليها المهندس جودفري صحيحة، فإن المناورة التي انطلقت من سومطرة لا معنى لها في حالة الانتحار المخطط له. لذلك فان هذه النظرية حافلة بالعديد من علامات الاستفهام.

 

ولكن هل يمكن أن يتكرر مستقبلاً حادث"اختفاء" طائرة ، كما في حالة طائرة الرحلةMH370...؟ وإلى أوضح ريتشارد غودفري قبل عام في مقابلة مع صحيفة "نويه زيورشر تسايتونغ" أن منظمة الطيران العالمية "إيكاو" قد أصدرت مرسوما "بأن جميع الطائرات يجب أن تكون مجهزة بنظام تتبع دائم يعمل بشكل مستقل عن جميع الأنظمة الأخرى على متنها". ومع ذلك، سوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتم تجهيز جميع الطائرات به.

ومنذ وقوع الحادث للرحلة MH370، تسعى منظمة الطيران المدني الدولي جاهدة إلى تحسين تموضع الطائرات عن طريق إشارات تحديد المواقع دقيقة بدقيقة. وفقا للتقارير، تعتمد بعض شركات الطيران أيضا على تدفق بيانات الصندوق الأسود. من الواضح أنهم يحاولون التعلم من سوء الحظ. كما منذ ذلك الحين(منذ حادث الرحلة MH370)، أصبحت الملاحة عبر الأقمار الصناعية "أفضل وأكثر كثافة" كما يقول الخبير روبرت إرتلر، ويستبعد احتمال اختفاء طائرة في ألمانيا. أو فوق المحيطات الكبيرة، حيث يصل لا يصل الرادار والرادار الثانوي إلى حدودهما، تماما: "اما إذا لم تكن مجموعة الأقمار الصناعية بحيث يمكنها تحديد الموقع بشكل مثالي ، فقد يتكرر يحدث شيء من هذا القبيل مرة أخرى. ومع ذلك أود أن أصف احتمال أن نشهد شيئا كهذا مرة أخرى بأنه لا يكاد يذكر".

 

المركز العربي الألماني

برلين

إيران : عرف

الحبيب مقامه فتدلل

 

ضرغام الدباغ

إيران نووية ... إيران غير نووية ... إيران نووية ... إيران غير نووية ..... نووية ... غير نووية ... إيران نووية ...وبالاتفاق ... إيران نووية منذ سنوات ... أن تكون إيران نووية أمر تدارسوه بعناية شديدة، وتوصلوا للقرار الصعب منذ سنوات وهم ساعدوها تقنياً وسياسياً ورسموا لها خريطة هضم النووي .. وجعله أمرا واقعاً... وهم يفكرون الآن  بمرحلة ما بعد الإعلان النووي ...

لماذا يريدون إيران نووية ....؟ وبماذا يفيدهم ذلك ...؟

المؤشرات تشير أن قرار النووي الإيراني جاءهم من الخارج ... من الجهات الداعمة ... والولايات المتحدة في المقدمة ... ووزعت الأدوار بدقة تفصيلية، ونوتة العزف أمام الجميع بدرجة متفاوتة حسب الدور الموكل له، والكل يتصرف وفق إشارات المايسترو بدقة بالغة، الخطأ مهما كان صغيراً غير مقبول وغير محتمل.

الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي ليسوا في وارد أحتمال عداء قوى كثيرة، ولكن عداء العرب والإسلام بدرجة أساسية. بتعميم  مثير للدهشة، كل العرب وكل المسلمين دون استثناء... يجب اقتلاع  الظروف والمعطيات على أنواعها للحيلولة دون قيام كيان عربي موحد، بل وحتى القطع المجزأة، ينبغي أن تكون هشة وتتألف من عناصر ضعيفة... مالعمل....؟ والتقدم المقبول هو زحف السلحفاة أو أبطأ ...!

كياناً صهيونياً هو الخيار الأفضل، كيان مسلح بقوة ضاربة عاتية وأن يكون دركي الحارة هو الخيار المفضل، وتولت بريطانيا وفرنسا تسليحه وتأهيله، ولكن بعد حرب حزيران / 1967، وجدوا أن المهمات الثقيلة المطلوبة من هذا الكيان تفوق قدرة بريطانيا وفرنسا، فأستلمت الولايات المتحدة الدور القيادي الحامي للكيان والآخرون يلعبون على الهامش في لعبة توزيع الأدوار السياسية، أنا أقبل، أنت ترفض، والآخر يتحفظ، والبعيد يعتب، ولكن النتيجة واحدة من الأربعينات وحتى اليوم ..! وسمحوا لها بالتسلح النووي دون أن يثير طرف ... أي طرف مجرد اعتراض بسيط ..!

بعد تأميم النفط وحرب تشرين الأول / 1973،  بدأت التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تفرز معادلات صعبة ومعقدة،  ولم يعد الكيان الصهيوني بوسعه السيطرة على مفردات الموقف، وحتى سلاحها النووي لا يحكم السيطرة على الموقف، بوضوح أن الأمر بحاجة لعنصر جديد يدخل صلب معادلات الشرق الأوسط ويحدث فيها تفجيرات وتخريب هنا وهناك، فكان نظام الملالي خير من يمثل هذا العنصر، سيدخل المنطقة في نفق مظلم أسود لتدوم عقوداً طويلة وتحدث خسائر كبيرة وتعيق التنمية السائرة إلى نتائج حتمية لا محال: قدرات مالية هائلة، وعلم ومعرفة، وقوة بشرية لها قابلة التعلم والتطور. إذن عناصر التقدم موجودة بل هي في تطور دائم.، والنتائج قادمة

في الثمانينات، أكتشف الأمريكان أن تعويلهم على الملالي بدرجة كبيرة لم يكن في محله، وبالغ خبراء الأمن في قدرة الملالي، ووصل نظامهم إلى عتبة الانهيار التام، فأوقفوا الحرب التي استطالت لثمان سنوات، وأستلم الأمريكان بصفة علنية ومباشرة إدارة العمليات العسكرية، وبعد 13 سنة من الحصار والقتال، أدرك الأمريكان مرة أخرى أن التدخل العسكري غير المباشر غير مجدي، والأمر يستدعي حربا شاملة ومباشرة لحل العقدة الرئيسية (العراق)، وهكذا خلقت المعطيات نفسها في حرب 2003.

أدرك الأمريكان والغرب هذه المرة أن نظام الملالي لا تتوفر فيه شروط قلب الشرق الأوسط بصفة كاملة، فالملالي لا يمتلكون ما يتصدر حملتهم من كعطيات سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية، فنظامهم قائم بقضه وقضيضه على خرافات، بدأ حتى المغفلون والسذج إدراكها، وتصدير الزناجيل هو أفضل صادراتهم، وأكثر من ذلك فأن نظامهم نفسه صار مرشحاً للتداعي والانهيار، وأن تشرق على الشعوب الإيرانية نفسها أفاق جديدة.

الأمر هنا صار يحتمل أمرين ....كيف ..؟

الأول : أن تشطب فكرة تمزيق بلدان وشعوب الشرق الأوسط، وهذه مستحيلة أن يدعون أمة من نحو نصف مليار عربي ومليار مسلم يتماسكون، يتضامنون، واقتصاد هائل تحت تصرفهم وقدرات علمية كبيرة وثقافية، ملامح لكيان سياسي / اقتصادي كبير، والغرب لا يقبل بوجود أقوياء وعشاق حرية، فهم لا يقبلوها من الروس المسيحيين الارثودوكس، والصين البوذيين، فكيف يقبلونها من عرب ومسلمون ..؟

الثاني : أن النظام الإيراني المؤسس عام 1935 وصممت له الخارطة السياسية التي تضم نحو 60% من شعوب غير راغبة في الانضمام لإيران، لكونها تمتلك خصائص قومية خاصة بها، أو لكونها أقتطعت من أوطانها لتؤسس بريطانيا وأميركا الكيان الإيراني الذي ستكون له مهامه وواجباته، في الأساس منها، خلق المتاعب السياسية في حوض الخليج العربي، وفي منطقة جنوب شرق آسيا(مجموعة البلدان التركية).. وأن أي تغيير في هذه الهيكيلية الحساسة من شأنها أن تحدث تغيرات كبيرة (ما لم نقل جذرية) في عموم المنطقة، لغير صالح الغرب.

الأمر أصبح من الأهمية بمكان، وعدم السماح بسقوط النظام الإيراني، فالوضع الحالي الإيراني بنبأ بتشظي إيران حال سقوط نظام الملالي. ولكن كيف نحافظ على النظام الذي ينفق موارده الاقتصادية على التسلح، والتآمر والتدخل في الأقطار المجاورة، بحيث غدا أن خروجه من إحداها سيتسبب بسقوطه ...!

كان قرارهم هو : إيران نووية، لعل في هذا سيكون إحدى مقومات القوة بيد الدولة،، ولكنهم سيكتشفون أن هذا وهم آخر وخطأ سياسي وفكري يقع فيه المخطط الأمريكي، إذ لا يمكن للدولة استخدام الأسلحة النووية داخل حدودها ... كما أنها لا تستطيع أن تجعل لتدخلها مخالب نووية .

إيران ليست مهددة بتدخل خارجي، فإرادة الشعب الآذري الجنوبي في الاتحاد مع الجزء الشمالي من وطنه هي إرادة وطنية، وينطبق ذات المقياس على العرب والأكراد والبلوش، وربما اللور أيضاً... فقد تعرفت مرة على قيادي في حزب اللور فإذا به يستنكف أن يحسبوا على الفرس ...!

وأعتقد أن الهم الإيراني وهواجسه هي هموم وهواجس بريطانية وأمريكية وغربية عموماً، والغرب لا يريد أن يرى مقابلة دول قوية عديدة، هو الآن يعاني من أتساع قوتها الأتراك، والعرب، والبلوش، فكيف إذا ضمت لها أجزاء أخرى ..؟ وأي نظام في إيران : قاجاري، بهلوي ، ملالي، هو أفضل من أن يسقط النظام وتنشأ قوى جديدة يصعب على الغرب جمعها على طاولة واحدة والتفاهم معها.

أما قصة الشيطان الأصغر والأكبر وجمهورية إسلامية، فهذه من بين الخرافات والاساطير التي لا محل لها سوى لدى من لا يفهم السياسة إلا بناء على أمزجة ... النووي الإيراني لعبة جر حبل يمارسها الغرب بشغف ومهارة، لحوالي 20 عاماً  خلت وهم يلعبون هذه اللعبة .... وللأسف هناك من يصدق أن الغرب لا يريد لإيران أن تمتلك السلاح النووي.

 

 

ماذا حدث في الصين الشعبية

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

كان القائد لين بياو، يعتبر الشخصية السياسية والعسكرية الأكثر أهمية في الصين. وكان مقدراً أن يصبح خليفة الزعيم ماوتسي تونغ، وإذ به يختفى ذات يوم من على المسرح السياسي دون إيضاحات ولم يعد يشاهد بعدها !

لين بياوهو  : (1907 - 1971) أحد القادة الشيوعيين الصينيين ساهم في الصراع على السلطة في الصين وشغل عدة مناصب عسكرية هامة اشتهر بانتصاراته على اليابانيين وهزيمته للوطنيين في الحرب الأهلية الصينية ودعمه لكوريا الشمالية في الحرب الكورية ضد قوات الأمم المتحدة وفييتنام الشمالية في حرب فييتنام

ولد لين في 5 / كانون الأول ــ ديسمبر /  1907 في مقاطعة هوبيه ابناً لصاحب مصنع وتخرج من أكاديمية وامبو العسكرية عام 1926 وصعد سلم الترقيات سريعاً في أثناء الحملة الشمالية من تموز ــ يوليو 1926 حتى أبريل 1927 ليصبح رائد في أقل من عام بعد ذلك فر من الجيش الوطني لينضم إلى الشيوعيين

في 8  / أيلول ــ سبتمبر 1971/ شرع لين في عمل عسكري للاستيلاء على الحكم واغتيال ماو إلا أن منافساً له كشف خطته مما مكن ماو تسي تونغ من الاحتفاظ بالحكم فحاول لين الهروب برفقة أسرته إلى الاتحاد السوفيتي ولم تعلن الحكومة الصينية إلا أواخر عام 1972 أن لين وأسرته قد لقوا مصرعهم في 13 سبتمبر 1971 عندما تحطمت الطائرة التي تقلهم في أندرخان (undurkhan) بمنغوليا

إنها من الفصول النادرة للصراع السياسي في جمهورية الصين الشعبية، والقائد لين بياو لم يكن شخصية عابرة في التاريخ السياسي الحديث للصين، فهو من القادة التاريخيين ممن رافقوا الزعيم ماو في مسيرة تحرير الصين وفي قيادة الحزب، ومن ابرز قادة الثورة الثقافية (في ستينات القرن المنصرم) وشخصية مهمة في الزعامة الصينية.

اختفى هذا القائد دون إيضاحات كافية للشعب، ولأصدقاء الصين قبل خصومه، ترى أكانت نهاية درامية للثورة الثقافية التي لم يجري لها تقييم موضوعي عادل، أم ترى أن القائد لين بياو أراد استباق العاصفة، وعندما فشل أراد الهروب ففشل مرة أخرى ؟

هذا التقرير قد يلقي بعض الأضواء على هذه الحادثة التاريخية المهمة كخلفيات وكحدث ثم كنتيجة !

 

 

 

 

 

 

حين أرخى الظلام سدوله على ميدان تيان آمين، وفي فترة ما بعد الظهيرة، بدأت مكبرات الصوت بإذاعة موسيقى ومارشات عسكرية، وأجرى الآلاف من الطلاب والجنود تجربة مسيرة الأول من أكتوبر/ تشرين الأول حيث سيجري الاحتفال بمناسبة الذكرى الثانية والعشرون لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. ولكن الهدوء عاد الآن إلى عاصمة الملايين، بكين، وقد خلت الساحة تقريباً منهم. ولكن سرعان ما عاد ضجيج الدراجات البخارية يحرك هدوء المساء فيما تقاطرت عربات الليموزين السوداء أمام البناية الكبرى لنواب الشعب، التي تقل الشخصيات السياسية البارزة في جمهورية الصين الشعبية والحزب الشيوعي الصيني، يدخلون البناية بخطوات مسرعة، وكان رئيس الوزراء زهاو من بين الحاضرين أيضاَ هذا الاجتماع المسائي، ولكن الغائب الأكبر كان: لين بياو وزير الدفاع ونائب الزعيم ماو، وخليفته المعلن، والرجل الثاني في البلاد.

 

وفي نفس الليلة، كانت طائرة نفاثة من طراز ترايدنت قد أقلعت من مطار بيداهي (حوالي 240 كم شرقي العاصمة بكين)، وحلقت باتجاه الشمال وقطعت حوالي الساعة الثانية فجراً الحدود مع جمهورية منغوليا الشعبية، لكنها وبعد نصف ساعة هوت الطائرة وتحطمت على الأرض. وعثرت فرق الإنقاذ بين حطام الطائرة على بقايا بدلات عسكرية للقوات الجوية الصينية، ووثائق ممزقة وأسلحة وجثث متفحمة.

 

هذا ما حدث في 12 أيلول ـ سبتمبر 1971، ولكن ما ظل في طي الكتمان هو: كيف حدث ذلك ؟ وما هي مداخلات الحادث ؟

 

أهو صراع على السلطة ؟

وما لفت الأنظار في المرحلة التالية، أن وزير الدفاع لين بياو قد اختفى مع عدد من الضباط من الرتب العالية، من دائرة الأضواء، ولم تعد تذكر أسمائهم. كما أن الوكالة الرسمية للأنباء الصينية (شيخنوا)، لم تقدم إيضاحاً عن ذلك، بيد أن المراقبين الغربيين رجحوا أن صراعاً قوياً على السلطة يدور خلف الكواليس، وهو افتراض أثبت صحته فيما بعد.

وكان الصراع على السلطة قد ابتدأ قبل ذلك ببضعة أعوام، عندما أعلن ماوتسي تونغ الثورة الثقافية عام 1965 التي لم تهدف إلى تعبئة الوعي الثوري لدى الشباب فحسب، بل وفي الوقت نفسه، عبرت عن محاولة لإعادة ترتيب صفوف القيادات حيال تفشي اتجاهات ومجموعات براغماتية كانت تحيط بالزعيم ماو.

وعلى نقيض ماوتسي تونغ، طرح ليوشاوشي مبادئ: الأجر حسب العمل، والملكية الأرض المحددة للفلاحين، واستخدام جزئي لاقتصاد السوق. وفي مطلع صيف عام 1966 تمكن من حشد عدد كاف من أنصاره في الحزب من أجل تحقيق هذه التوجهات وإنجاحها، ثم لإبعاد الزعيم ماو من قيادة الحزب الشيوعي. ومن أجل أن يتمكن هذا المشروع من النجاح، اقتحمت قوات لين بياو وسيطرت على العاصمة وعلى مقر قيادة الحزب، وعزلت كبار أعوان ليو شاوشي الذي أختفى عن المسرح السياسي.

 

أيديولوجية أم أنتاج سلعي ؟

أدخلت الثورة الثقافية الصين الشعبية في أجواء فوضى الحرب الأهلية، ولم تجد نهاية لها، إلا بعد تدخل الجيش كقوة منظمة، وأخذ العسكريون على عاتقهم واجبات الإدارة، وسيطروا وأداروا المحافظات والموظفين المحليين، ومارسوا هيمنتهم على الموضوعات الأساسية، وعلى الواقع العملي الاقتصادي اعتماداً على الايدولوجيا، فيما مثلت موضوعات الثورة الثقافية الخلفية النظرية لها. وكان المعارض الرئيسي لهذه التوجهات هو رئيس الوزراء زهاو، الذي طالب بإنهاء الصراع الأيديولوجي غير المجدي، والاهتمام عوضاً عن ذلك بسياسة تهدف إلى رفع الإنتاج وإعادة الكثير من الكوادر الحزبية التي طردت خلال الثورة الثقافية إلى وظائفهم.

 

واجه لين بياو وقادة آخرين من القيادات العسكرية، هذا الانقلاب الجديد في التحرك السياسي، بمقاومة شرسة، ووجدوا أن الوقت قد حان لكي يجعلوا من الجيش القوة الحاسمة في الآيديولوجيا والسياسة. وعندما أنعقد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في ابريل ـ نيسان /1969 كرس لين بياو كخليفة رسمي للزعيم ماو، وقد بدا هذا الهدف قد أصبح قريباً، وبعد عام ونصف فقط كان قد تمكن لين بياو من تهديد زهاو ومجموعته بزجهم في السجن.

 

حركة سياسية

ترى أي دور كان لماو في هذا الصراع من أجل السلطة ؟ ها كان حقاً يدعم لين بياو، أم أنه تحول إلى زهاو ؟ قراران أوضحا إلى جهة أنحاز الزعيم ماو.

كان القرار الحاسم الأول: كان ذو طبيعة سياسية داخلية حيث ألغى ماوتسي تونغ منصب رئيس الدولة الذي شغله منذ البدء ليوشاوشي، وكان لين بياو يأمل أن يشغل بنفسه هذا المنصب، وكان كوزيراً للدفاع أقل درجة بروتكولياً من غريمه زهاو. وبهذه الخطوة قوض ماو قرار عام 1969 إلي كان قد كرس لين بياو كخليفة له وكرجل ثان في الدولة كنتيجة لذلك.

والقرار الحاسم الثاني: كان ذو طبيعة سياسية خارجية، حيث دعا رئيس الوزراء زهاو باسم الزعيم ماو الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لزيارة الصين، فقام لين بياو على النقيض من توجه رئيس الوزراء زهاو، وطالب بالتصالح مع الاتحاد السوفيتي.

كان ذلك في متأخر صيف 1971، عندما أختفي لين بياو، وكان ذلك يدل بوضوح على تحول الزعيم ماو عن رفيق كفاحه في المسيرة الكبرى والحرب التحرير.

571 ضد B52

حتى وإن لم يكن هناك إيضاح رسمي، تسربت الأنباء والتقديرات، وأفضل تلك اللواقط هي صحف هونك وكونك التي كانت ومنذ أكتوبر 1971 كانت قد ذكرت، أن لين بياو كان في عداد ركاب الطائرة الصينية التي سقطت على أراضي جمهورية منغوليا الشعبية حيث كان يحاول الهروب إلى الاتحاد السوفيتي بعد محاولة أخفقت للانقلاب على ماوتسي تونغ. وفي عام 1973 ظهرت في الأوراق السرية للحزب الشيوعي الصيني بأنها كانت محاولة انقلاب، هكذا كتب بدقة.

سوية مع ضباط كبار، كان لين بياو وأبنه لين ليغة والذي كان ضابطاً برتبة رفيعة في القوات الجوية الصينية قد أتخذ القرار بالقيام بانقلاب على الزعيم ماو، وكانت خطة الانقلاب قد اتخذت الاسم الرمزي تمويهاً(المشروع B52) وكان الرقم والحروف qi yi zw وهو ما يعني "انتفاضة مسلحة" عندما يغير طريقة اللفظ. وكان الرمز الكودي للزعيم ماو هو أيضا  B52، وهو ما يطابق أسم الطائرة القاصفة الأمريكية الشهيرة أيضا، التي يعتبرها الصينيون المزعج الأكبر .

وكان المتآمرون يعدون ماو بوصفه " الطاغية الأكبر في تاريخ الصين " ويمضون إلى القول، أن B52 لم يبق من عمره سنوات كثيرة، والأعوام الأخيرة شهدت الأعداد لمرحلة ما بعد وفاته، وهو لا يثق بنا، ومن الأفضل أن تحمل المعارك الأخيرة أفضل من انتظار أم يزجوا بنا في السجن. ومن أجل كسب هذه المعركة الأخيرة، فإن كافة المعارك مشروعة: القصف، الغاز السام، الأسلحة البايولوجية، الخطف، القتل والحوادث ذات الإخراج الجيد، في المقام لابد من إبعاد ماو عن السلطة.

كان قد تم الإعداد والتخطيط لثلاث ضربات ضد الزعيم ماو، كان أخرها نسف القطار الذي يستقله وتفجيره في رحلته التفقدية إلى شنغهاي، والضابط الذي كلف بتنفيذ العملية، أصيب بالرعب قبل تنفيذ المهمة. بل أن الطيارون الذين اختيروا لقصف الفيلا الصيفية للزعيم ماو في شنغهاي ترددوا في ذلك ووضعوا الجبس في عيونهم ليصابوا بالتهاب في العين وبالتالي ليصبحوا في وضع لا يسمح لهم بالطيران. والمحاولة الثالثة والأخيرة جرت ليلة 12 / سبتمبر ـ أيلول، حيث كان أحد الضباط المتواجدين في مقر إقامة الزعيم ماو في بكين بواجب الساعي الخاص الذي ينقل الرسائل الخاصة للزعيم ماو، أبدى الحراس الشكوك حوله ولما جرى تفتيشه وجدت لديه الأوامر الخطية باغتيال الرئيس ماو. بعد ذلك كان قد غدا واضحاً، أن محاولة الانقلاب قد فشلت بصفة نهائية، ولم يعد أمامهم سوى الهرب.

 

خائن في العائلة ؟

في غضون ذلك سرت في صفوف القيادات الحزبية العليا أعلى درجات الإنذار، وكان من العسير التنبؤ أي وحدات عسكرية هي مع أو ضد الزعيم ماو. كما لم يكن واضحاً بدقة مدى عمق الخطط لدى الانقلابيين.

قرر رئيس الوزراء زهاو، فيما بعد، أن لا أحد في بكين كان على علم دقيق بخطط الانقلابيين. وفي 12 / سبتمبر ـ أيلول، لم تكتشف خطط المتآمرين إلا لاحقاً بعد الإطلاع على الملفات والتخطيطات التي كان المتآمرون قد أعدوها. وكان قد تناهى إلى الأسماع من الإشاعات الدائرة الزعم أن لين دودو ابنة لين بياو من زواجه الأول، كانت قد أطلعت رئيس الوزراء زهاو على خطط المتآمرين وأيضا على خطة هروب والدها في حالة فشل المؤامرة.

كان لين بياو وزوجته ياكون ونجله لين ليجو وبعض كبار القادة العسكريين، قد انسحبوا إلى بايداهي، والانتظار من هناك خطوات تنفيذ خطة المشروع 571 وتطوراته، حيث وصلتهم أخيراً أنباء فشل الانقلاب. ولاحتياطيات أمنية، كان لين بياو قد أمر بتحضير ثلاثة طائرات نفاثة من طراز ترايدنت (طائرة نقل ركاب بريطانية الصنع) التابعة لسلاح الجو الصيني، وكان رئيس الوزراء زهاو على علم بذلك، لذلك أصدر أمراً بمنع الإقلاع من كافة مطارات الصين.

ولكن لين بياو نجح في حمل موظفي ومستخدمي المطار على تعبئة الطائرة بالوقود، وفي اللحظات الأخيرة حاولت عربة وقود صهريج إعاقة الإقلاع بوقوفها في المدرج، ولكن قائد الطائرة نجح بحركة بارعة من رفع الطائرة إلى الأعلى متفادياً عربة الصهريج، والإقلاع بها باتجاه الشمال، ويرجح أن يكون هدف الرحلة: الإتحاد السوفياتي. وكان على متن الطائرة: لين بياو وزوجته وابنه وخمسة من كبار القادة العسكريين.

 

فشل الهروب

لم يكن حظ المتآمرين جيداً، فقد هوت الطائرة وتحطمت على الأرض، شرقي العاصمة المنغولية أولان باتور. والأسباب ظلت مجهولة. وبموجب المعطيات الرسمية المنغولية، أن الطيار قد أمتنع عن سلوك خط ووجهة طيران صوب الإتحاد السوفياتي، وبناء على ذلك فقد حصل أطلاق نار على متن الطائرة، هوت على أثرها وتحطمت على الأرض.

 

أراء أخرى تتناقض مع هذا العرض، إذ تفترض نقص الوقود في الطائرة لم يوصلها إلى هدفها، إذ تعمد رجال الخدمات في مطار بيدايهي عدم تعبئة الطائرة بالوقود تماماً، كما تناهت إشاعات تقول أن طائرات مقاتلة صينية أطلقت النيران على طائرة لين بياو وإصابتها مما أدى إلى سقوطها، ثم وكاحتمال أخير: أن تكون قوات الدفاع الجوي المنغولية قد قامت بإسقاط الطائرة.

ولكن من المؤكد أن لين بياو كان في عداد ركاب الطائرة ولقي حتفه فيها عندما تحطمت، وقد تمكن الأطباء السوفيات الذين فحصوا الجثث، أن يتثبتوا من ذلك، والتأكد من جثته وتشخيصه بدقة. وأخيراً فإن كافة الجثث لم تعاد إلى الصين، بل دفنت في مكان سقوط الطائرة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

Wie geschah es Wirklich

Reader Digest  /  The Beste

 

1990 Stuttgart

 

 

 

 

لقاءات مع ثلاثة

 قادة في الجيش العراقي

 

د.  ضرغام الدباغ

 

 

العميد الركن هاشم عبد الجبار

اللواء الركن سيد حميد سيد حسين الحصونة

اللواء الركن إسماعيل العارف


التقيت هذه الشخصيات العراقية المعروفة، وبعض وكان تعرفي عليهم بشكل شخصي وتكونت بيني وبينهم صداقة قوامها الثقة والاحترام، ومن خلالها تحدثوا لي بما لا يتحدثون به ربما مع الآخرين، وقد احتفظت لسنوات كثيرة ما أباحوا به لي من قبيل الحفاظ على أسرار الأصدقاء، ولكني اليوم وأنا أشعر بأن النهاية لم تعد بعيدة، وإن ما أدلى به هؤلاء القادة هي من حق التاريخ العراقي، وهم قادة لهم بصماتهم في تاريخ العراق السياسي والعسكري. وقد تسلسلت في استعراض الأحداث بحسب تعرفي عليها وليس بسبب القدم العسكري الذي أحترمه وأقدره، ولكني هنا في مجال سرد للأحداث التاريخية.


* العميد الركن هاشم عبد الجبار :

 

اشتغلت لفترة وجيزة إلى جانب عملي الأساسي كمستشار في سفارة الجمهورية العراقية في برلين / جهورية ألمانيا الديمقراطية، كقنصل بسبب الشواغر في الملاك، ومن بين مهام القنصل هي إصدار وتمديد جوازات سفر المواطنين العراقيين، ولم يكونوا في تلك الأيام بأعداد هائلة كما هي عليه اليوم، وحتى مع إضافة برلين الغربية التابع لألمانيا الغربية، إلا أننا كنا تسهيلاُ لأمور المواطنين نتعامل معها في سفارتنا، لم تكن الأعداد كبيرة، ربما بضعة مئات فقط.


ذات يوم دخلت علي سكرتيرتي الألمانية (النصف الثاني من 1975)، تخبرني أن مواطناً عراقياً يريد تجديد جواز سفره، وأعطتني الاستمارات، ولما قرأت الأسم وإذا به : هاشم عبد الجبار. فطلبت منها أن يتفضل إلى مكتبي ريثما ننجز جواز سفره احتراماً وتقديراً له. وعندما دخل على الرجل وهو متوجس بعض الشيئ، نهضت من كرسي تقديراً وصافحته ورحبت به. وطلبت له فنجاناً من القهوة.


وفي فترة إعداد الجواز علمت أنه يسكن في مدينة بوتسدام القريبة من برلين (40 ـ 45 كم) أعزب وغير متزوج. وبعد دقائق أرتاح من طريقة تعاملي معه، وأنا أظهر له الاحترام، فهو على كل حال أحد قائد إحدى القطعات الهامة في جيشنا العراقي (آمر اللواء العشرين مشاة) بصرف النظر عن الأحداث السياسية التي رافقت أسمه وتاريخه العسكري. فتلك أحداث مضت والرجل في شيخوخته، وهو إنسان وطني ومعاد للأستعمار، ومحب لوطنه العراق وهذه أهم الاعتبارات.


عندما شعر بالراحة التامة صار يحدثني عن تاريخه العسكري، وإنه يعرف معظم القادة العسكريين العراقيين وخاصة الذي عملوا في خلايا الضباط الأحرار، ولم يظهر عاطفة خاصة تجاه عبد الكريم قاسم،  وملاحظاته عنه لم تكن إيجابية، ولكنها ليست سلبية، اكتفى بالمرور السريع، وهي إشارة إلى عدم رضاه التام. ولكنه أبدى ملاحظات سلبية جداً بحق الرئيس المشير الركن عبد السلام محمد عارف، ومن ذلك سباب وشتائم بألفاظ مقذعة.  


وعندما أنهينا الجواز سلمناه له بكل احترام، ورجوته أن يزورني كلما تردد إلى برلين، وقد فعل ذلك بعد فترة وجيزة، إذ قام بزيارتي للمرة الثانية، وقمت تجاهه بكل الاحترام الذي يستحقه، إلا أني لاحظت بأنه كان متعباً(صحياً) وأبديت استعدادي لأي خدمة يطلبها، من السفارة أو مني شخصياً.


وبعد فترة قصيرة، ربما لم تتعدى بضعة شهور، جاءت سكرتيرتي لتخبرني أن هناك سيدة ألمانية تطلب مقابلتي، وهي صديقة العميد الركن هاشم عبد الجبار وكان قد توفي قبل أيام قليلة فحسب. وعندما دخلت على السيدة الألمانية لاحظت أنها تبلغ حوالي الستين من العمر، والحزن يكسو موقفها وملامحها وثيابها، واستقبلتها بود واحترام، وطلبت لها الضيافة من القهوة. وعرفتني بنفسها أنها صديقة المرحوم هاشم عبد الجبار، وأنه كان يسكن في بيتها، وأنها رغم معرفتها بحالته الصحية السيئة، فوجئت بوفاته، إذ فارق الحياة وهو في ترامواي المدينة. وقالت لي أنه كان ممتناً جداً من تعاملي معه كمسؤول في السفارة أو بشكل شخصي، وطلب منها أن تراجعني في حال حاجتها لشيئ، فأكدت لها ذلك.


وهنا أخرجت بعض النقود(قليلة)، من العملات الألمانية والعملة الصعبة، وقالت أنها كانت بحوزته وهي تريد إعادتها، فقلت لها أن بوسعها الاحتفاظ بها، ولكنها رفضت بصورة قاطعة، ولكنها، (ولن أنسى ذلك أبداً من الناحية الإنسانية) نظرت إلى بعيون يترقرق الدمع فيها: ولكني يا سيدي المستشار أريد منك شيئاً واحداً فقط، وإذا رفضت ذلك فإني سوف أتفهمه بدقة، أن هاشماً كان قائداً في جيشكم وليس ملكي أنا، فأيدت قولها نعم أن هاشم عبد الجبار كان أحد قادة جيشنا الوطني، وأنا أحترمه وأقدره كثيراً، أخرجت صورة من حقيبة يدها، وإذا بها صورة للعميد الركن هاشم عبد الجبار قد ألتقطها ربما في ستوديو بابل بقيافته العسكرية الأنيقة التامة ويضع أوسمته على صدره ويعتمر السدارة العسكرية، قالت لي ودموعها تجري على وجهها، " أتسمح لي بالأحتفاظ بهذه الصورة ..؟ إنها الشيئ الوحيد الذي بقي لي من هاشم " ..


وأمام هذا الوفاء الرائع لم يكن لي سوى أن أوافق على طلبها، وأكدت عليها أن تراجعني إن كانت بحاجة إلى شيئ، إلا أن السيدة غادرت بأحترام وشيعتها إلى باب السفارة تقديراً لوفاءها لضابط عراقي هو أحد قادة جيشنا الوطني.


* اللواء الركن سيد حميد سيد حسين الحصونة.

 

أثناء خدمتي في السلك الدبلوماسي، وفي سفارة الجمهورية العراقية ببرلين / ألمانيا الديمقراطية كمستشار في السفارة، تصادف وجود الأخ والصديق والرفيق العزيز المرحوم عبد الله غركان الحصونة كمدير لمكتب الخطوط الجوية العراقية في برلين.


وأخي عبدالله كان من ضباط الجيش العراقي أحيل لأسباب سياسية للعمل في وظائف مدنية في الخطوط الجوية العراقية في أستامبول وبرلين. وهو أبن عم اللواء الركن سيد حميد سيد حسين، وصهره(زوجة الأخ عبدالله هي كريمة السيد حميد الحصونة)، وعندما كان السيد حميد يريد الحضور إلى برلين كان الأخ عبدالله يطلب مني أن أرتب دعوة من السفارة للسيد حميد وهو ما كنت أفعله بسرور.


والحق أن السيد حميد الحصونة وبعد أن تعرفت عليه بصورة جيدة، وجدت في الإنسان الفاضل المثقف، المخلص للعراق، ويتمتع بلطف معشر، يجد القدرة على التلائم معنا وكنا نصغره سناً بكثير(ربما بثلاثين عاماً) ويقرأ باللغة الإنكليزية ولديه أفكار تستحق الاستماع. وبعد تلك المعرفة التي تحولت إلى صداقة بحيث زارني في برلين حتى بعد نقل الأخ عبد الله إلى بغداد، وبالضبط تابعنا معاً بأسف هو وأنا ومن تلفاز بيتي ببرلين، نقل وقائع زيارة الرئيس أنور السادات إلى الكيان الصهيوني. تلك الأجواء الصداقية وفرت إمكانية أن أتقدم إليه بسؤال وأنا كنت قد أنهيت الماجستير في التاريخ  السياسي المعاصر، فسألته أن يروي لي بالضبط ما يقال عن أوامر الزعيم عبد الكريم قاسم لأحتلال الكويت وعن امتناعه أو تلكؤه من تنفيذ الأمر، وأخبرته إن شاء أن لا أكتب ذلك يوماً في كتاب أو مذكرات وما شابه، وإن شاء أن ننسى الموضوع. فقل لي بالعكس أنه يقدر كوني مؤرخ سياسي شاب وأنه يثق بنزاهتي بصورة تامة وأنه من هذا المنطلق سيروي لي قصة اوامر الزعيم عبد الكريم قاسم بأحتلال الكويت.


وابتداء لم يخفي محبته واحترامه للفريق الركن عبد الكريم قاسم(وتلك رتبة الزعيم يوم مصرعه)، لجهتين: احترام الرتبة الأدنى للرتبة الأعلى، ثم العلاقة الشخصية التي كانت تربطهما. وروى لي بعض من ذكرياتهما الشخصية البحتة التي تدل على صداقة بين الرجلين. وأن الزعيم كضابط قائد كفوء لا يجادل أحد في ذلك، وكصديق شخص رائع ووفي . ولما قلت له : وفي السياسة. أجابني: أنا لا أفهم فيها ولا أستطيع أن أقدر، قالها مبتسماً وكأنه يريد التخلص من إجابة لا يريدها إخلاصاً لذكرى الزعيم وهذا ما أكبرته فيه.

 

وعن الأمر المزعوم الذي أصده الزعيم بأحتلال الكويت أجاب : ثق يا أخي، وأقسم لك أن الزعيم لم يصدر مثل هذا الأمر، ولو أنه أصدره كيف لي وأنا العسكري منذ أول صباي أن أتمرد عليه ولا أنفذه، وكيف يقبل مني الزعيم هذا التمرد ولا يحاسبني عليه وهو القائد الفذ للقوات المسلحة. بل وبعد أن أنهيت خدمتي كقائد للفرقة الثالثة، نقلني إلى منصب محافظ ديالى، وأستمر على تقديره ومحبته لي.


سيد حميد الحصونة كان يعيش في القاهرة، وقد تعرض لحادث على أيدي موظفين طائشين، ولكنه وكما أخبرني أنه أرسل رسالة إلى الرئيس أحمد حسن البكر يشكو فيه ضيق الحال ويرجوه بصرف راتبه التقاعدي، فأمر الرئيس البكر بذلك وصرفت له رواتبه وهو في القاهرة.

 

السيد حميد كان يتمتع بصحة جيدة، ويسير مسافات طويلة، ويقرأ كثيراً، ودقيق الملاحظة صافي الذهن، وعندما بلغنا وفاته في لندن وهو في رحلة شخصية لزيارة ولده الطبيب الذي يدرس هناك، كان الأمر مثار دهشتنا وهو قضاء الله وما تدري نفس ماذا كسبت وما تدري نفس بأي أرض تموت. استقبلنا جثمان اللواء الركن سيد حميد سيد حسين الحصونة، من مطار بغداد الدولي بتشيع عسكري مهيب شارك فيه الكثير من رفاق السلاح وفي مقدمتهم الشخصية الوطنية الكبيرة اللواء الركن ناجي طالب(الوزير ورئيس الوزراء) إلى مثواه الأخير في النجف الأشرف. فعلى روحه الطاهرة الطيبة ألف سلام. 


* اللواء الركن إسماعيل العارف.

 

تعرفت على اللواء الركن إسماعيل العارف (الوزير والسفير، والدكتور فيما بعد) تعرفت عليه في ألمانيا وكنت دبلوماسياً مجازاً لدراسة الدكتوراه في العلوم السياسية عام 1982 والرجل قائد عسكري كان منذ مطلع حياته مهتماً بالعمل الوطني ويفكر بمستقبل بلاده، ثم أنه شغل مناصب مهمة في الجيش منها منصب الملحق العسكري في واشنطن، ووزير التربية في مطلع الستينات، ثم سفير للجمهورية العراقية في براغ، وفيها أكمل دراسة الدكتوراه، وأحيل على التقاعد وسكن في الولايات المتحدة قرب أولاده الذين درسوا هناك واستقروا فيها.

 

والرجل على ثراء تجربته الشخصية والسياسية في الحياة، يحاذر من إقامة العلاقات، ولكن بمرور الوقت وبعد لقاءات كثيرة، تحولت علاقتنا إلى صداقة كنا نتجاذب أطراف الحديث في موضوعات شتى، وبالطبع منها ذكرياته عن منظمة الضباط الأحرار. وإذا كان العارف قد ذكر الكثير مما يعرفه في كتاب له بهذا الخصوص، إلا أن هناك ما يستحق أن يسجل من مذكراته، لا سيما أنه كان يعتبر من بين أصدقاء الزعيم عبد الكريم قاسم المقربين.


أخبرني أنه كان قد تعرف على الزعيم عبد الكريم قاسم منذ فترة طويلة سابقة ل 14 / تموز / 1958 وما شد علاقتهما بربط قوي هو تقاربهما في الأفكار الوطنية، كما في العلاقات الشخصية، وسألته فيما إذا كان قاسماً ذا أريحية في العلاقة الشخصية، فأبدى عظيم شوقه لصديقه القديم، مترحماً على روحه وكان يسميه كرومي قائلاً : " من ...؟ كرومي ...؟ وهل تحلى جلسة ليس فيها كرومي الورد ...؟ " وتأخذه صفنة طويلة وكأنه ينظر إلى الأفق تكسو ملامحه حزن عميق ... أستطاع وإن ليس بسهولة، الإعراب عنها وتصويرها وأنا أحترم فيها عمق التجربة والمشاعر، وأساعده لنضع ملامح الصورة  ... نعم حزين على الماضي وما حصل، وكأنه ينظر للمستقبل ويقول ما نهاية هذه الصراعات بين العراقيين وهم أخوة في الدين والوطن والقومية ...؟ ولمصلحة من تدور هذه الصراعات ..؟


كان يستطيع أن يكون موضوعياً وعلمياً، ولعل دراسته للدكتوراه أعانته في ذلك، أن يعيد تقيم كل شيئ، منذ العمل في منظمة الضباط الاحرار والانقلاب على الملكية، ومرحلة الزعيم عبد الكريم قاسم، وهي مراحل كان هو فيها نافذ الرأي والموقف، والتجربة والزمن كفيلة بإجراء تعديلات على ما كنا نظنه ثابتاً ومستقراً كالأرض والجبال الرواسي، ليس هناك من الثوابت في السياسة سوى العراق والأمة والمصالح الدائمة وسوى ذلك زائل يتكرر ويتغير كل بضعة عقود.


روى لي أن ما حدث في الموصل كانت نقطة مفصلية، وإعدام الضباط القادة كانت الغلطة الأكبر التي ارتكبها قاسم، أرتكب تلك الغلطة تحت ضغط من عناصر كانت تحوم حوله، فالجميع يدرك أنها كانت أحكام مسيسة، لم يقبل بها حتى إثنان من أعضاء المحكمة ممن تخلصوا من الضغوط العقيد فتاح سعيد الشالي، والرائد إبراهيم عباس اللامي، وكان الوزير العارف في سفرة عمل خارج العراق، ويقول كنت الاحظ من بعض حاشية الزعيم التحريض على إعدامهم، لذلك وقبيل سفري بيوم واحد جلبت المصحف وجعلت قاسماً يقسم عليه أنه سوف لن يعدم الضباط القادة، وأكد لي بأنه سوف لن يفعل، وسافر العارف وعند عودته إلى العراق عن طريق بيروت التي أضطر للمبيت فيها ليلة واحدة ليأخذ الطائرة العراقية، وقبل مغادرتهم بيروت بوقت قصير أخبره مرافقه أن الإعدام قد نفذ بالقادة، وتوجه العارف من المطار إلى مقر الزعيم فور وصوله بغداد، والمظاهرات تعم العراق، ويقول، سألته بربك لماذا فعلت ذلك ... ألا تعرف ما هي قيمة رفعت الحاج سري وناظم الطبقجلي ..؟ ألا يكفي أن العشرات من الضباط الوطنيين إعدموا وقتلوا وسحلوا .. 


يستطرد العارف، أن الزعيم كان يقابله بالصمت مطأطأ الرأس وكأنه يدرك فداحة الخطأ الذي أرتكبه، ولكن لات ساعة مندم ... وبرأي العارف فإن الزعيم قد أرتكب غلطة العمر ... 


بقول العارف أدركت ومعي الكثيرون أن قاسماً قطع الجسر بينه وبين الضباط الأحرار وسلك طريقاً آخر بأختياره أو مرغماً وأنه رسم نهايته بيده، ومنذ ذاك طبعت الكثير من التصرفات وفقد النظام هويته، وصار حكماً فردياً محضاً لا غير. عبد الكريم فاسم يصلح أن يكون قائداً عسكرياً من طراز رفيع، وهو صديق شخصي رائع، يخدم ضيوفه بيده، ولكن الحكم سلب عقله، وهو الزعيم الأوحد يحكم كل هذا العراق من شماله إلى جنوبه كما يمليه عليه ضميره وسعة مداركه العقلية فقط، وهو غير مؤهل قطعاً لأن يحكم دولة ويحدث التحولات المطلوبة. وحتى رفاق الثورة بدأوا يستشعرون فداحة أن يكون العراق بخير ومستقبله واضح وزاهر بهذا الأسلوب ...


توفي إسماعيل العارف في الولايات المتحدة تغمده الله بوافر رحمته، ورحم الله كل قائد عراقي مخلص عمل وكان قصده خير العراق وأزدهاره، بلا تعصب بلا تشدد، ولنأخذ العبرة من تلك الأحداث كلها، فوطننا اليوم محتل، والسيادة فيه مهلهلة، والبلاد يعبث بها من يشاء مسلوبة منهوبة وقد فقدت استقلالها الذي شيد  بالغالي والنفيس، ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

 

 

 

 

يوليوس فوجيك

 ضرغام الدباغ

 

يوليوس فوجيك مناضل تشيكي، أعتقل وحوكم محاكمة صورية على يد المحتلين النازيين لبلاده، وحكم عليه بالموت بواسطة قطع الرأس بالفأس، وهي طريقة إعدام كانت تنفذ في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وربما دولاً أوربية أخرى، وفوجيك الذي ولد في 13 / 2 / 1903، واغتيل بهذه الطريقة بتاريخ 8/ 9/ 1943 في إحدى سجون برلين، أي كان له من العمر 40 سنة ونصف(ستة شهور)، ويوم مقتله لم أكن قد ولدت بعد، ترى هل كان فوجيك يعلم، أن مذكراته سوف تترجم إلى اللغة العربية، على يد عراقي. حقا الأبطال لا يموتون، فذكراهم تبقى خالدة في سفر الشعوب...!

 

 

إهداء

إلى المناضلين في بلادنا وفي الوطن العربي والعالم

إلى من يقدم روحه رخيصة من أجل المبادئ

إلى الشهداء من أجل الحرية

تحية ووفاء إلى بعض من رفاقنا، أصدقائنا، رموز جيلنا:  سليمة خضير الصريفاوي، مؤيد الملاح، عبد الصاحب الرماحي، أحمد العزاوي، صبحي محمد داؤد، عبد الكريم مصطفى نصرت، عبد الودود عبد الجبار، سليم عيسى الزئبق، وليد محمود سيرت، طراد نصر الله، ثجيل جديح الشحماني، شوكت أدهام الحديثي، وريحان خزعل (أبو لؤي)، سكران، خالد، وداد، معن وهيب، محمد عبد الطائي، عزيز حميد السامرائي، عبد الحسين عبد الأمير، مجدي جهاد ...وغيرهم مئات واليوم ألوف، قوافل تضخ للوطن الحبيب دمائها ...

إلى هؤلاء جميعاً ... لن ننساكم أبدا   

                       

ضرغام

مقولات يوليوس فوجيك

 

ــ إن منظر الإنسان وضميره عندما لم يعد نقياً، هو مفزع أكثر من رؤية جسد يتألم من العذاب

ــ أيها الضعيف المنهار، كأن هناك حياة أخرى تعيشها إن استطعت أن تبيع حياة أحد الرفاق ..!

ــ كنت أتوقع وأنتظر الموت، ولكن ليس الخيانة

ــ نعم هذا كان رجلاً عندما كان لديه عمود فقري

ــ هو لم يتجنب الرصاص عندما كان يناضل في الجبهة الأسبانية، ولم يخن عندما عاش تجربة الاعتقال في فرنسا، ولكنه يقف الآن ممتقع الوجه أمام أحد رجال الجستابو الذي يمسك بيده هراوة، يحاول أن يتماسك، ولكن كم كانت شجاعته سطحية، بحيث ضربات معدودة فقط أدت به إلى الانهيار، سطحياً مثل قناعته، كان قوياً في الحال الاعتيادي، عندما يكون محاطاً بالتعاطف، كان قوياً لأن قناعاته كانت تحركه، ولكنه الآن معزول عنها، وحيد، يهاجمه الأعداء، ترى هل فقد قواه نهائياً، لقد فقد كل شيء لأنه ابتدأ يفكر بنفسه، وأن ينقذ جلده، لذلك ضحى برفاقه، لقد سقط في الخوف، والجبن قاده إلى الخيانة، إن الجبان قد يفقد أكثر من حياته، لقد ضاع، فر من جيش المجد، وألحق بنفسه عار الخيانة والقذارة.

ــ الزنزانات لها عيون، إنها تنظر إليك عندما تمضي إلى الإعدام، وأنت تعلم أن عليك أن تمضي رافعاً هامتك لأنك مناضل ولا يجوز أن تمضي بأقدام متثاقلة مترددة، إنها أخوية دموية، ولكنك تدخلها طواعية، وبدون المساعدة الأخوية، فسوف لن يكون بوسعك تحمل هذا المصير.

ــ المخلص سيبقى صامداً، والخائن سيخون، الضعفاء سيصابون بالحيرة، والأبطال يناضلون. في داخل الإنسان تستقر غالباً عوامل القوة والضعف، الشجاعة، الخوف، التماسك، الاهتزاز، النقاء، القذارة، وإلى جانب بعضهم البعض، ولكن هنا، لا يمكن إلا لأحدهم البقاء، أو عندما يحاول أمريء، ويا للعجب، أن يرقص بينهما، فإنه سيكون عجيباً، كالذي يريد أن يرقص بريشة صفراء على قبعته، وبيده عصا ملونة في مسيرة جنائزية.

ــ وبتقديري أنهم قتلة، قتلة ذوو طبيعة بشرية، يتكلمون التشيكية وبأيديهم الهراوة والحديد

ــ كل من عاش بإخلاص للمستقبل وسقط من أجل الأشياء الجميلة ومن أجلكم، هو عملاق قدَ من الصخر، كل من أراد أن يبني من تراب الماضي سداً ضد طوفان الثورة، إنما هو مخلوق مصنوع من خشب

ــ بوسعكم أن تنتزعوا منا الحياة، أليس كذلك جوستي(زوجته ورفيقته في النضال) ..؟ ولكن ليس شرفنا وحبنا ...!

ــ الرفاق الذين سيبقون أحياء بعد هذه المعركة، والذين سيأتون إلينا، إنني اشد على أياديهم من لأجلي وجوستي، فإننا قد نفذنا الواجب. ومن أجلكم سوف نموت

ــ " أيها المار من هنا .... عندما تذهب إلى اسبرطة، أعلن هناك: أنك رأيتنا راقدين هنا ... كما يأمرنا به القانون ......."  (*)

ــ وما هي الحياة بالمقارنة مع مجد البطولة ...!!

ــ حياة الأفراد غير مهم بعد تمت مصادرة بلد بأكمله وحياة شعبه.

ــ " إن هذا سوف لن يفيدكم بشيئ، سيسقط الكثيرون منا، ولكنه سوف يقضى عليكم ".

ــ المجد ينادي الدماء بنشوة، والوحشية تقدم لها الجماجم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(*) كلمات خالدة لأبطال ملحمة أسبرطة، مدونة اليوم محفورة على صخور المرمر

 

لمحة من صورة الموقف

ضرغام الدباغ

 

من المفاهيم المهمة التي أفرزتها القضية الأوكرانية، والتي ربما لم ينتبه لها الكثيرون، سهواً من القراء أو تعمداً من الكتاب من رجال الإعلام  والصحافة.

أصنفها " القضية الأوكرانية "، لأنها لم ترتقي بعد للدرجة التي تريدها الولايات المتحدة، التي تؤهل تدخلها المباشر الذي ما برح يتطور ويتقدم من الدعم اللفظي، إلى درجة التدخل المباشر بقواته المسلحة وقوات حلفاءها، فالولايات المتحدة قد خططت لحرب طويلة الأمد ذات طابع لتدرج في الصراع بما لا يشكل مفاجئة في تطوره من حيث زج السلاح أو أتساع دائرة الصراع السياسي / العسكري، فقدرت 10 شهور لترسل صواريخ باتريوت (وهو أعلى ما وصلته تكنولوجيا السلاح المضاد للطائرات) وتزجها في الصراع العسكري، في اتساع لحجم التدمير والخسائر البشرية والاقتصادية، وهو أمر لابد وقد أدركته القيادة الروسية واستعدت له.

المخطط الأمريكي يهدف إلى إرهاق روسيا بحرب طويلة اعتماداً على موارد اقتصادية وقدرات لا تنضب(مبالغ بها) ، وهيمنة أمريكية على الاقتصاد الدولي(قطاع الطاقة في المقدمة) وتماسك حلف الناتو، والمعسكر الغربي بصفة عامة وهي توقعات متفائلة.                

فيما يتوقع الروس أن الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي ما برح بالتراجع حتى قبل اندلاع القضية الأوكرانية، سيواصل تراجعه بخطى أسرع، وأن دعم حلفاء أمريكا من المعسكر الغربي (بدرجات متفاوتة) سيتراجع دعمهم وصولاً لدرجة شكلية من الدعم، كما الداخل الأمريكي سيضجر من معطيات الحرب وحجم تصاعده وتكاليفه، كما يتقلص الوضع الأوكراني نفسه، وتتراجع قدرات القوى الأوكرانية الساعية للقتال.

تعتقد الولايات المتحدة أن انتصارها في أوكرانيا سيوقف تدهور مكانتها، بل وربما سيصعد من أسهمها. ويعزز من هيمنتها العالمية، وروسيا تعتقد أن صياغة أسس دولة أوكرانية من تجمع نازي، وقوى أوكرانية متعصبة، وأخرى لا يمكن اعتبارها حتى ديمقراطية وفق الإيقاع الغربي، فهذه لا تهم الولايات المتحدة كثيراً فما يهمها هو صياغة أسس دولة معادية لروسيا بشراسة، والإتيان بحكومة مثيرة للمشاكل (troublemaker) والهدف هو إيقاف تقدم وتطور روسيا الاقتصادي والتكنولوجي بنتيجة نهائية أن لا تكون هناك دولة أو دول بوسعها أن تقف بوجه هيمنة الولايات المتحدة والحيلولة دون نهوض تحالف دولى تقوده الصين وروسيا.

القوى الكبرى قد حسمت أمرها وتنضوي في تحالفات بهذه الدرجة من القوة أو تلك، وأخرى تفكر بالأمر وهي غاطسة في مشاكلها السياسية والاقتصادية، وإذا كانت روسيا والصين تقف بالكاد وبشق الأنفس بوجه الولايات المتحدة، فماذا تفعل الدول الأقل قوة وبأساً والصغيرة  ...؟

فهناك من قيادات الدول من يعتقد أن ليس سوى تحالفات وائتلافات تحمي وجود أي شعب وكياناته وممتلكاته من الطغيان الغربي، فالاجتياح وليس بضرورة توفر الغطاء القانوني الذي يمنح الشرعية الدولية لأي عمل هجومي على دول ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، وهناك سابقة غزو وتدمير العراق في عدوان واضح وصريح . هناك من الدول من هو سقف طموحاته واطئ، يخطط أن لا يقع في مواضع النزاع والصراعات، ولكن هناك دولاً تعتقد أن لها أسس لوجودها، وتريد صيانة حقوق ومصالح شعبها، ولكن أمام حقيقة أن الولايات المتحدة يمكنها اجتياح أي دولة حتى لمجرد تعكر مزاجها، وتهاجم دولاً صغيرة أو كبيرة، حتى لذرائع وهمية ويمكنها أن تجد آخرين وأن تظهر الاحتقار للقانون الدولي، وتستخدم هي بنفسها أسلحة محرمة دولياً ضد سكان مدنيين (كما فعلت في العراق)، فكيف ستحمي هذه الدول استقلالها ومصالحها ...!

دون أدنى ريب أن سياسة التوسع الأمريكية تتخذ أساليب خطرة باعتمادها المتزايد للقوة المسلحة، واستخدام متزايد لأسلحة خطيرة فتاكة، وأن هذه السياسة ستقود إلى تصعيد في التسليح، فماذا ستفعل بلدان صغيرة، ودون شك وبدون عناء كبير نتوصل إلى :

تصاعد التسلح بصفة عامة في العالم.

الجنوح إلى سياسة التحالفات العسكرية .

الميل إلى امتلاك أسلحة دمار شامل (نووي، بايولوجي، كيمياوي).

الميل إلى إنتاج أسلحة فعالة : صواريخ بالستية، طائرت مسرة ذاتياً (درونات).

قيادة أي دولة في العالم ستجتمع وتفكر فعليها الإجابة على سؤال مصيري : مالعمل للحفاظ على الاستقلال الوطني وضمان حماية المصالح الوطنية ؟

إما الاستسلام النزوات الأمريكية في كل شيئ ومجال صغيراً كان أم كبير، فقد حدث مرة أن أتصل رئيس جمهورية الولايات المتحدة برئيس جمهورية الفلبين وطلب منه رفع الحضر على سراويل الجنز في الفلبين ! وأن طلب الرئيس الأمريكي جون كندي، هاتفياً حاكم كندا، بناية معينة كمكتب لشرطة طيران بان أميركان في مدينة مونتريال !!!

مالعمل ... فالخيارات المطروحة حادة، وغير مستحسنة، ولكن بالمقابل أن تترك البلدان مصائر شعوبها للشهية الأمريكية فهذه قصة لا نهاية لها، ويلتهم الديناصور الأمريكي كل شيئ ولن يبقي سوى الفتات للشعوب، وحتى هذه الفتات سوف تلتهمها أقلية من أبناء البلاد ستكون بمثابة غيلان صغيرة تعمل كخدم للمصالح الأمريكية. وتدير المصالح الأمريكية سفارات هي أشبه بإدارة المستعمرات سوف يقررون حتى تعيين مخاتير القرى، أما الحكومات الوطنية فيأتون بأشخاص هم عبارة عن كركوزات ودمى لا تملك من أمرها شيئاً ولا تملك أي مستوى ....... هذا هو المطلوب وهذا لم يعد من الأسرار فهم يعلنون صراحة، أن العولمة (Globallisierung)  كنظام دولي جديد لا يعني سوى أن العالم عبارة عن قرية صغيرة ونحن قادته ....!

إنها مرحلة ينبغي أن يتنطح لها قادة محنكون أكفاء ......واتحاد القوى العالمية بوجه الاستعمار بألوانه الجديدة .... واتحاد القوى الشعبية في البلدان وعدم السماح لقوى العولمة بالتغلغل  في المجتمعات واتخاذها مسميات وشعارات مختلفة بعضها تنضح خزيا وعاراً مكشوفاً .... كالإبراهيمية والتجديد، واتخاذ براقع دينية وطائفية....

حذار ... حذار .... فالعولمة هي استعمار بأساليب جديدة وإمبريالية جديدة أهدافها أكثر عمقاً وبنهايات أتعس... حذار فقد تمكنوا بما يمتلكونه من قدرات مالية من شراء بعض النفوس الحقيرة وبعضها قيادات انهارت أمام إغراء المال والنفوذ فأرتضت أن تخون شعبها ... أيها الأحرار أتحدوا

 

البروليتاريا الرثة

Lumpenproletariat

 

ضرغام الدباغ

  

هو مصطلح أطلقه كارل ماركس، في وصف تلك الفئة التي هي دون مرتبة الطبقة العاملة ولا تمتلك مواصفاتها الطبقية وطبيعتها التكوينية ولا وعيها الاجتماعي، وبالتالي لا يرتجى منهم موقفا ثوريا في نضال الطبقة العاملة الثورية،بل قد تمثل في بعض الأحيان عائقا في مجرى النضال الطبقي، لأنها فئة لا تملك وعيا طبقياً ولذلك فقد تقع فريسة بيد الرجعية.

 وقد تتمثل البروليتاريا الرثة في الفئات الاجتماعية المنحلة في قاع المجتمع، ويشكل الفلاحون، النازحون للمدن، بأمل أن يجدوا شروطاً معيشية أفضل جزءا مهماً منهم، وحين يخيب ظنهم وأملهم، يتحولون إلى مجاميع من السراق، والأشقياء، والرعاع (Mobs)، وحين لا ينصفهم المجتمع، ولا يعتني بهم، يلجأون إلى أساليب غير شرعية. كالسرقة والدعارة والمقامرة، والتهريب وأعمال الشقاوات، وقد يشكلون في المدن مجاميع لها سطوة، ولكن دون قيمة اجتماعية. كتل بشرية تحاول أن تحصل على قوتها بأي وسيلة، لتواصل حياتها بأتباع أساليب غير قانونية، لأن القانون والنظام لا يحقق لهم أفقاً لحياة كريمة.

 وفي تشخيص الموقف الاجتماعي للبروليتير الرث، قد يعتبر بعض الكتاب أنه ذلك الفرد الذي لا يمتلك دخلا " كراتب شهري " وقد يذهب البعض إلى أعتبار العمال المياومين (فئة من العمال الموسميين، المرتبط بعمل زراعي محدد، كجني الفواكه أو المحاصيل، أو أي عمل وقتي)، ويتسع مفهوم البروليتاريا الرثة كثيراً ، وقد يقبل تعريف لينين لهم بقوله" هي فئة لا يمكن اعتبارها على الطبقة العاملة، كما لا يمكن أعتبارها من فئات المعدمون والسراق " (1)

 ومبكرا تنبأ لينين أن تطور الرأسمالية سوف تطرح نماذج أكثر . وتتميز البروليتاريا الرثة بحكم ابتعادها عن  (الطبقي/ السياسي) عن الطبقة العاملة ونضالها الطبقي، لأن تكون قوة محتملة بيد البورجوازية وأدواتها، وقد يصطف لجانبها مقابل قوته اليومي فيعمل ضد الطبقة العاملة الحقيقية.

 وبمقاربة مشابه عن كارل ماركس يعتبر البروليتاريا الرثة " أنها فئة تقع خارج علاقات الانتاج الرئيسية، فهي من جهو لا تملك أدوات الإنتاج، ولا هي في موضع بيع قوة عملها ". والحقيقة أن وضع البروليتاريا الرثة، المؤثر أحيانا، يرغم على حساب وزنها الاجتماعي والسياسي. والتطورات التي تتمثل بزج متواصل للتكنولوجيا ومعطياته، تدفع إلى البطالة بأعداد متزايدة من العمال في المدن، وبتأثيرات مقاربة في المدن الصغيرة والأرياف، وهذه لها تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

 ومن النتائج المباشرة للإقحام المتزايد للتكنولوجيا في الصناعة، أنها تقذف بأعداد متزايدة من البشر إلى البطالة، والبطالة الدائمة، تخلق، بما في ذلك فئات بدأت تبرز في المجتمعات الرأسمالية حتى المقدمة منها، كالمشردين (من هم بلا مأوى) والبطالة المقنعة، وأشباه البطالة، كالعمال الذين يعملون بأجرة يومية وحسب القطعة(الدين يوصلون وجبات الطعام " Delivery " )، أو البوابين والخدم، وفئة تعمل كحماية شخصية (Bodyguard)، وهذه مهن مؤقتة، لا يتمتع القائمون بها بأي كفاءة علمية ومهنية.

 العمل في ظل التطور التكنولوجي، له مؤثراته الاجتماعية والنفسية، وليس بمستغرب الانتشار الواسع للمدمنين على تناول الكحول والمخدرات .. وهذا سيقود بالضرورة إلى اختلال التوازن الأسري، وتزايد نسب الطلاق، والعزوف عن الزواج والإنجاب، مما قاد إلى تراجع الولادات وتراجع التنمية السكانية. وأعداد السكان، واضطرار  الإدارات إلى اللجوء إلى الهجرة المنظمة أو العشوائية لسد الفجوات السكانية.

 والهيكيلية الاجتماعية اليوم في الدول الصناعية، قد تغيرت، وفي بعض الاحيان بدرجة مهمة، عما كانت عليه قبل ثمانون عاماً أو أكثر، فالحدود بين الطبقات لم تعد حادة كما كانت، على الرغم من أن تمركز رأس المال يتكاثف بأيدي أعداد قلية من البشر، أو الأسر. وبرغم ذلك، فإن من يمكن تسميتهم بالبروليتاريا الرثة ليسوا بحدود ومواصفات محددة.

 ويتجه بعض علماء الاجتماع إلى تسمية أمثال هؤلاء من البروليتاريا الرثة، بالفئات  الطفيلية "  " Parasitic   " وهي إشارة كافية إلى وصف الوسط الاجتماعي لهذه الفئات، وضررها على الاقتصاد وعلى المجتمع. ولكن المعالجة بتقديرنا لا ينبغي أن تتجه لاجتثاثهم بأستخدام وسائل ارغامية، بل بالسعي لنقلهم عبر التعليم والتدريب إلى مستويات إنتاجية جديدة

 وقد يطلق على البروليتاريا الرثة كلمة الرعاع (Mob) وهذه تطلق على مثيري الشغب في الشوارع، ولعل في هذا ما ينسب للبروليتاريا الرثة من أعمال مماثلة، تطلق على اللصوص ومن سلب الناس، والقتلة المأجورين. ومن المعروف أن السياسين قد يستغلون عناصر من أمثال هذه الفئات. ومن المعروف أن المخابرات الأمريكية (CIA) استفادت من خدمات الرعاع والبروليتاريا الرثة، في إسقاط حكومة د. مصدق عام 1954 في إيران التي أقدمن على تأميم النفط.

 والحقيقة أن لمثيري الشغب (Trouble maker)  دورا بدأ يتزايد منذ مرحلة ما بعد الثورة الصناعية، والتغيرات في الهياكل السياسية أواخر القرن التاسع عشر، في أن تستغل فئات سياسية قدرة مثيري المشاكل على خلق الفوضى. في إطار الصراعات السياسية. وقد نعتهم المؤرخ هيبليت تاين Hippolyte Taine في كتابه "تكوّن فرنسا المعاصرة "  بالكسولين، والمخادعين، والطفيليين، والمغامرين، والأشقياء، والمتمرسين والجريمة،.. ودهماء المدن،.. والفلاحين الكارهين دفع رسوم الدخول، والمشردين، والمهربين، والهاربين من العدالة، والهائمين الأجانب، والمجرمين. (2)

 

البروليتاريا الحقيقية، هي الطبقة العاملة التي تفتقر لوسائل الإنتاج وللملكية الخاصة، وقوتها العضلية هي وسيلتها للتعيش، ولكنها تتميز بكونها طبقة ثورية قادرة على العمل والتنظيم، والنضال من أجل إلغاء المجتمع الطبقي من أجل تحقيق العدالة البشرية التي هي حلم الإنسانية.

 

البروليتير الحقيقي حين يتألق يتصدى لتمثيل طبقته وأنتزاع حقوقها، في حين أن البروليتاريا الرثة، هي الفقراء حين يفسدون، يصبح عصا قمع بيد الفئات الفاسدة في المجتمع، وحين لا يكونون في مصلحة أهلهم، حين يتاجر بالمخدرات ليتغلب على فقره، حين يسرق ليسد ثغرة في كيانه(فقره) أو حين يقتل مقابل المال، فيصبح مجرماً، أو الدعارة، وحكينها يعرض البروليتير نفسه كسلعة سهلة بيد من يمتلك المال. وجزء من تكاليف الإنتاج.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

1. الموسوعة الألمانية

2.  ابتهال مبروك مقال نشر في 2021-02-09

 

المركز العربي الألماني برلين

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

معطيات تاريخية

 قادت لمستقبل مظلم

 

ضرغام الدباغ

 

السؤال الاهم ليس ان كانت هذه الانتفاضة الإيرانية (هي العاشرة) ستنهي نظام الملالي في طهران، لأن النظام ساقط تاريخياً، شرعيا وعرفيا، وكل المبررات المطروحة ليست اكثر من ذرائع لمواصلة وضع الكيان الايراني في شبكة المؤامرات الدولية وقد كتبنا مرارا أن الكيان الإيراني كان أسس (عام 1935) خصيصاً  لموجهة تطورات الموقف في المشرق العربي، بعد أن ثبت لمن خططوا معاهدة سايكس بيكو بعد 15 عاما في تطبيقاته العملية، أن ثغرات وأبعاد فات المخططين للمعاهدة حسابها بدقة، وأدركوا أن أنهم بصدد مواقف مواجهات كبيرة مقبلة، وأبرز تلك الأبعاد هي أقتصادية، متمثلة بالأهمية الواعدة للطاقة في المشرق العربي، وأن المنطقة العربية مقبل على تحولات سياسية واقتصادية وثقافية كبيرة ستضعها في مقدمة مناطق البؤر التحررية المناوئة للأستعمار وقد تنبأوا ذلك من خلال ثورة العشرين والثورة السورية العظمى والثورات والانتفاضات المصرية، الليبية، فكان لابد من خلق كيان صهيوني في فلسطين، وضرورة تأسيس كيان في هذه المنطقة المضطربة عرقيا (فرس" أكبر الاقليات"، آذريون / تركمان، كرد، لور، واقتطاع الأقليم الغني بموار النفطـ لمنع تشكيل بحيرة عربية وضم النفط الاحوازي للنفط العربي" واقتطاع جزء من افغانستان (بلوشستان" وأقامة كيان سياسي يمتد من تركيا وحتى البحر العربي) ومن جهة اخرى سيكون حاجزا لمنع توسعات محتملة للأتحاد السوفيتي وللافكار الاشتراكية التي كانت توعد بأنتشار واسع في تلك الارجاء، ولم يوقف الثورات الاشتراكية في تلك الارجاء إلا التدخل الاستعماري الكثيف وبشق الأنفس. لاحظ كم جوهرية هذه المعطيات.!

هذه كانت إذن ضرورات أستطلعها الانكليز والامريكان مبكراً بوصفهم قادة المعسكر الأستعماري الجدد الناتج عن الحرب العالمية الأولى. العالم كان يدار أستعماريا بشكل كامل، فالقارة ألأسيوية لم تكن تعرف دولا مستقلة إلا أمبراطورية اليابان وأفريقيا دولة ليبيريا، وأميركا اللاتينية كلها مستعمرة، فقط أوربا كانت دول مستقلة الغربية منها أستعمارية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، البرتغال، هولندة، إيطاليا)، لذا قرر الإنكليز التفاهم مع ضابط مغمور (بهلوي) لم يكن أكثر من سائس خيل في البلاط القاجاري، وسلموه نظاما ملكيا، برعايتهم وحمايتهم، وأسسوا دولة أحتاروا من أين يجدوا تسمية لهذا الكيان الغير مطروق في التاريخ، (إيران) حتى وجد الانكليز هذه التسمية تجمع بين الآريين والنهاية الاسيوية التقليدية( ان) وسيكون هذا مقنعاً للفرس العمود الفقري لهذا الكيان بوصفهم الأقلية الأكبر وقد تشيعوا لسبب واحد وحيد هو أن لا يخضعوا لدولة الخلافة العثمانيةالمركزية فجمعوا هذه القبائل المتناحرة في كيان سياسي واحد بقيادة قاسية شرسة، واجهت الانتفاضات والثورات الكردية والآذرية والعربية والبلوشية اللورية التركمانيةـ ولم يسقط النظام الإيراني وليس الدولة إلا بفعل ثورتين أثنين قام بها الفرس، إحداها عام 1954 بقيادة الحركة الوطنية الإيراني بقيادة د. محمد مصدق الأكاديمي الرصين، ذو الأفكار التحررية القريبة من الاشتراكيةـ فتوجس الغرب منه خيفة، وحين اقدم مصدق على تأميم النفط، قال الانكليز رضا بهلوي تنحى وسافر إلى المنفى مؤقتاً ريثما نتدبر الأمور، والشاه القليل المواهب الذي يفتقد لقاعدة سياسية او شعبية أو عسكري، ترك البلاد هاربا إلى روما. ولم يعد إلا بعد أنقلاب تمثيلي، أعدته المخابرات الأمريكية فعاد الشاه خائفا وطائعاً  .. ولكن إلى حين ...!

الحركة الثورية الثانية كانت حين تململ الشعب الإيراني إذ بلغ فساد النظام الشاهنشاهي الذروة. والغرب يعلمون بدقة فساد الشاه ولدبهم مؤشرات في استقيال الشاه في المانيا الغربية، وتظاهرات الإيرانين ضد استقباله، ومن استنكار دعوة الرئيس الأمريكي كارتر لأستقباله في الولايات المتحدة بمظاهرات عارمة، أن بضاعتهم الفاسدة على وشك ان تسقط، ولا مانع لديهم، ولكن من هو المقبل ..؟ العسكريون بطبعهم مجازفون استبعدا من الاحتمالات، اليساريون من نقابة العمل التي بادرت وأشعلت نيران الثورة، وايدتها ثورات العرب الاحوازيين. يستحيل القبول بهم. الحركة الوطنية الإيرانية مقسمة ولم تحسم خياراتها، والوطني البارز د. شاهبور باختيار، أخطأ بأخياره العمل خارج التفاهمات، وأختار العمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتفاهم مع الشاه المنهار.

يبدو لنا أن الولايات المتحدة في إطار التفاهم الأمريكي / الإنكليزي بحسب ما لديهم من تداخلات عالمية، قرروا أن أفضل من يمكن عمله هو التصدي للتيار اليساري المتصاع في العالم، هو الأتيان بحواجز دينية معادية للأشتراكية، فلا شيئ يسقط النظام البولوني الاشتراكي المنخور من فساد القيادات الاشتراكية (عدد من أعضاء المكتب السياسي لحزب العمال البولوني)، لها ولاءت للأجهزة  الغربية في الخفاء ومن الوجود الشعبي القوى للكنيسة الكاثوليكية، فلا أفضل من أستخدام الكنسية بمواجهة الاشتراكية، فجيئ بالبابا البولوني كحبر اعظم للفاتيكان، وهو ما منح زخم قوي للتمرد البولوني وقيادته منظمة التضامن، وفي نفس الوقت كانت ثورة جنوب أفريقيا قد بلغت الذروة وجيئ بالقس ديزموند توتو رجل الغرب مرشحا للقيادة، وفي إيران بدا رجل الدين الفارسي الساخط والذي يلتف حوله الغوغاء ويتصف بالبرغماتية والمماطلة وكان يجيد الحوار وأعطاء الوعود لمنظمة مجاهدي الخلق، وللحركة الوطنية الإيراني بعد فصل بختيار وادار الحوار حتى مع الاكراد والحزب الشيوعي الإيراني، وهكذا بدا الخميني المطلوب المناسب للمخابرات الامريكية التي تولت إقامته بضاحية باريس في فيلا اجره الأمريكان له، وقدمت له التسهيلات يوم عودته لطهران على متن طائرة الجمبو التابعة للخطوط الجوية الفرنسية بحماية المقاتلات الأمريكية.

وبمعارضة وزارة الخارجية الامريكية وموقف غير حازم من السي آي أي(CIA) ورأي مرجح للرئيس كارتر الذي يكره شخصيا الشاه، بإنهاء عهد الشاه، فتفوق رأي الاستخبارات العسكرية الامريكية وعهد لجنرال من سلاح الطيران حنرال طيار روبرت هويزر(G. Robert Huyser) بتنفيذ المهمة ومنع الجيش إلإيراني من إنقاذ النظام وحفظ امن البلاد. وهو ما تم فعلاً في شباط / فبراير / 1979. وللخميني مهمة واحدة هي إغراق البلاد في بحر العداوات وتصفية الاجواء مبتدأ بالشيوعيين فأتهمهم بالتهمة المفضلة لمعادي الشيوعية بأنهم جواسيس موسكو، ثم تصفيات دموية للفصائل الكردية، ما لبث أن أبعدت كتلة مهدي بزكان، ثم الشيعة " الليبراليون" أول وزير خارجية للثورة قطب زادة، بعدها التيار التقدمي الشيعي المتمثل بمجاهدي خلق، واخيرا وليس آخرا كتم صوت الليبرالي التحرري (الرئيس ابو الحسن بني صدر ) الذي اعتقد بفكرة قديمة دارت في الكنيسة الاثودوكسية، وفي كذلك في الاسلام بأسم " الحركة الدهرية". وهي محاولة تجسير الهوة بين الدين والفلسفة (Schoolastic) "السكولاستية"، وناصبه الخميني العداء حتى تمكن بني صدر من أنقاذ نفسه في اللحظة الاخيرة، بالفرار إلى فرنسا وتوفي فيها. واغتيل آخر رئيس وزراء شرعي شاهبور باختيار، وأراد الخميني بعقله الحاقد توجيه لطمة للرئيس كارتر للوزارة الخارجية الأمريكية باحتجاز لا معنى له لطاقم السفارة الأمريكية، ولكن مع أختلاق الأسباب والمبررات للحرب مع العراق، ابتدأت مرحلة جديدة.

كان الخميني قد أوهم الامريكان أنه سيسقط النظام العراق بسهولة وهو أمر أسعد الأمريكان، ولكن بعد 8 سنوات من الحرب، كاد النظام الإيراني أن يسقط، قال لهم الأمريكان " قفوا هذه مهمة لن تقدروا عليه " وبمخطط دقيق ومدروس أجل الخميني معاركه العربية الأخرى لأنها تقع في مناطق حساسة، والعراق جدار صلب وعال ولا يمكن اسقاطه بسهوله وهو في المخطط الأمريكي منذعام 1973، فبدأت صياغة الخطط وتجنيد المشاركين واستنباط الذرائع، وللأسف أن يشارك عديد ممن ينبغي ان يضمهم الخندق العربي، أنظموا لجبهة العدو، واليوم يدرك الجميع انهم كانوا في عناصر في المخطط وفداحة ما ارتكبوا من خطأ، ولكن لات ساعة مندم ، فقد أسقطوا بأيديهم السد العالي وتفضلوا النتائج. وأميركا في تاريخها لم تقاتل من أجل حليف، ولكنها قاتلت في العراق على حسابها وخسرت الكثير جدأ وستخسر المزيد.

حسن نصر الله اللبناني اوهم بغداد بأنه قائد مقاومة، ولكنه كان يتفق سراً مع الإسرائيليين على حراسة الحدود. ثم توالت المؤامرات الأمريكية بتفاصيلها المعرفة تقريياً حتى يومنا الحالي، حين أتضحت المؤامرة الأمريكية / الأيرانية بأبعادها الكاملة .

اليوم العرب والمسلمون يواجهون خيارأ واحداً، أنت عليك أن تكون في خدمتنا بلا حدود، ونتدخل في شؤونك بلا حدود ونبتزك بصراحة بلا حدود، وبصراحة فجة لماذا .. لأن عبد الناصر كان قومياً، وصدام بعثياً، والسعودية تريد أن تنمو بدون موافقتنا، ودعم اللغم اليمني / الحوثي ليتسيد الساحة ويمثل تحديا دائميأ للخاصرة السعودية، والبحرين كذلك، ولنقسم سوريا، وندمر ليبيا، وندعم إسلاميوا الجزائر، ونعبث بشمال أفريقيا. والأدوات الأمريكية/الإيرانية، قائمة كبيرة نسبياً متفقة شكلياً، متناقضة جوهريا، ويبدو أن معسكر العدو قد اشتغل جيداً وأغدق الأموال بسخاء، ورغم واقعيتي الشديدة في السياسة، إلا أن بعض الأسماء التي باعت شرفها الوطني بصراحة أدهشتني بشدة ..!

الصراع الروسي / الغربي في الساحة الأوكرانية ستحسم قريباً، وهناك تقسيم دولي جديد، العالم سيشهد انبثاق أكثر من قطب، وزمن الأيديولوجيات ولى، والمصالح الاقتصادية / القومية / الطائفية ستكون هي دليل الكتل الرأسمالية حسب نظرية فرانسيس فوكويا  وصامويل هينتغتن، وهما ينظران لعالم التسيد الأمريكي ولكنه انتهى بكارثة دموية، أمريكا ستنكفئ في قارته، ومعها بريطانيا وكندا وأسترليا ونيوزيلندة، وهذا تصفيف أولي قابل للتعديل،

أوربا ستبقى في قارتها وصفوفها غير مترابطة، فخلاف الآراء متعدد وواسع، وروسيا ستكون القوة الأكبر في أوربا مع تحالف وثيق مع الصين وقوى آسيوية ... ومن بين هذه القوى الصاعدة، تتصاعد قوى عربية هي مصر والسعودي والجزائر، ويحتمل المغرب.، فأين العراق، وأين من باع الأوطان من أجل الكرسي في سورية ولبنان، واليمن .؟ ألا تعتبرون من عبرة رفعت الأسد الذي حلبوه  ثم طاردوه في أروقة المحاكم ..!

نظام الملالي ساقط ومنتهي،  لأن قوامه مؤسس على خطأ، نظام سياسي قائم على غيبيات، وشعب يدرى أنه أضاع عقوداً ثمينة في حروب توسع مستحيلة، بلد مهشم عرقيا وطائفياً ونظام يتدرع بالطائفية والعرقية، إليس في هذا تناقض غريب ..؟ يعتقدون أن بوسعهم بمعسول الكلام خداع الجميع، وإن بحر السياسة عميق والتأمر والخبث يصلح في جميع المراحل... وفي النهاية حين لا يعد هناك فائدة ترتجى، يقذفون بهم إلى سلة النفايات، فأنت لست قويا ولا كبيرا ولا تعرف كيف تدبر أمورك، منذ 43 عاما وأنت في السلطة ولم تنجح في موقعة إلا حين دفعنا نحن تكاليف نجاحك ...فانت لست أثمن من الشاه البهلوي الأول عباس والثاني رضا، وكلاهما مدفونان في خارج إيران.!

من خواطري، أني ذات يوم سألت صديقا حميماً وكان يعمل مدرسا للمنطق في حوزة النجف، قلت له " أخي الكريم، هل تخبرني بربك لماذا سقط وأندثر النظام الفاطمي بعد أن أتسع وبلغ شأنا عظيما في إحدى مراحله واليوم لا تجد شيعي واحد في تلك الساحات ؟" فذهل الرجل وقال " لا والله لا أعرف أخبرني رجاء " قلت " سأخبرك غداً لتفكر  بالجواب"، وفي اليوم التالي بكر بالقدوم عندي وطالب الجواب " قلت بأختصار " لاحظ أن الفاطميين / الاسماعيلية خانوا الدين والأمة وتحالفوا مع الصليبيين، هل عرفت رباط السالفة ...؟" تطلع إلى بعمق ... " طبعا دكتور ... طبعاً كل شيئ مفهوم".

والله بصدق أنا آسف على أصدقاء عراقيين وعرب أعرفهم، كانوا تقدميين وقوميين، وبعضهم ماركسيين، ومثقفين " يمكن وصف هؤلاء هكذا للأسف " اليوم باعوا أنفسم إما مقابل الامان أو المكاسب، أو أنهم مثقفين مزورين. أو أي شيئ آخر، لكنهم للأسف سقطوا .. شر سقطة ..جماهير الشيعة العريضة الواسعة ستشعر أنه تعرضوا لعملية غش وتدليس منقطعة النظير دامت لقرون ... الشيعة العراقيون عرب وعراقيون ...

ملالي إيران سيسحلون في شوارع طهران من عمائمهم، ... العمل السياسي الإسلامي سيسقط بما ذلك الاحزاب السياسية السنية، بعد أن فعلت الكثير وساهمت بخداع الناس البسطاء والسذج من الناس، واساؤا للإسلإم بشكل عميق, وأساءت لدول وشعوب المنطقة واعتدت على سيادتها بتفويض وتوجيه من الغرب، وبعد زوال نظام الملالي سيحتاج إصلاح الأوضاع لوقت غير قصير، ولكن الإسلام باق بقوة الرافض التحزب والجهل والطاعة العمياء بغباء.

المرتكزات الحقيقية للوجود المادي هي: العراق باق وموحد، وعربي الهوية، هذه هي المرتكزات الحقيقة الثابتة، وسيعاد إعماره مره بنظام سياسي متقدم يراعي الشروط السياسية والاجتماعية بالنكهة العربية الاسلامية الأصيلة وليس تقليداُ لتجربة أخرى ولا بأهواء طائفية, في مقدمة الشروط لكل عمل هو الأبتعاد التام عن علاقة خارجية مؤثرة على القرار الوطني، وسوى ذلك فهي مداولات داخلية. سنتوصل بطريقة قانونية سلمية ان نتفهم بعضنا، طالما نحن متفقون على الثوابت بلا تعصب ولا تطرف ولا غلو .... فليتخل الجميع عن أوهام السيطرة وعن الأعتقاد بأنه الأوحد على حق، وأن الجميع ... الجميع هم مواطنون من أكبر رأس وحتى أبسط عامل وفلاح ... لا يوجد فرد ولا جهة بمقدورها أن تقرر شؤون البلاد،

 

 

 

الكوزموبوليتيك أعلى

 

مرحلة للعولمة / الإمبريالية

 

د. ضرغام الدباغ

 

أولاً : الكوزمو بوليتية

أعترف بأني لم أكن أفهم السبب الجوهري للإصرار الغربي (الأمريكي خاصة)على تمرير، بل وفرض تشريعات وقواعد دولية ذات طابع اجتماعي، ذات طابع إنحلالي تفكيكي، ولكن اهتمامي تكاثف بعد ظهور واضح للمساعي الامريكية العلنية منها والخفية، في تشجيع ظاهر وخفي للمثلية الجنسية، وتمهيد لتشريع دولي للجنس الثالث، وفي هذا الاتجاه أيضاً قانون " اتفاقية استامبول للمرأة"، إذ لا يمكن قبول التبرير والتبسيط الشديد لمرامي هذه التوجهات التي تشهد مساجلات أقرب إلى التنازع حول فقرات وبنود تبدو في ظاهرها بسيطة، وعادية، وتدعو إلى حماية المرأة وحقوقها وهي توجهات إيجابية في ظاهرها، وهو ما دفع الكثير من الدول الموافقة عليها والتوقيع بالأحرف الأولى عليها (اتفاقية استامبول)،  ولكن حين أحيلت هذه المشاريع إلى لجان متخصصة، أحجمت العديد من الدول المصادقة النهائية عليها.

 

وتركزت ردة الفعل الأمريكية الغاضبة بشدة على رفض البلدان الإسلامية، رغم أن بلدان أوربية مسيحية عديدة قد رفضتها (بلغاريا، هنغاريا، التشيك، لاتفيا، ليتوانيا، سلوفاكيا، بولونيا)وغير أوربية أيضاً، إلا أن الولايات المتحدة كقائدة للمعسكر الغربي، تفترض أن الممانعة من الدول غير الإسلامية هو "خلاف" يمكن حله في المستقبل على يد حكومات "متفتحة / متساهلة" ولكن الاعتراض الإسلامي هو جوهري في مداه القريب والبعيد، كما يخشى من سريان مفاهيمه إلى مجتمعات ودول أخرى.

 

فكرت وتأملت طويلاً، عن الأسباب الجوهرية لهذا الإصرار على قانون المرأة والانفتاح التام للمثليين، وفي شرعنة حقوق لهم، بما في ذلك عقود الزواج، وحق المعيشة المشتركة، ثم منح المثليين الحق في تبني أطفال، من دور الأيتام والمجهولي النسب، وتغير مهم في قوانين الأرث، وتسهيل عمليات التحويل الجنسي (من ذكر لأنثى وبالعكس)، والقبول بما يسمى بالجنس الثالث (من المدهش أن إيران في مقدمة الدول التي تبيح التحول الجنسي)، وتشريعات وقوانين أخرى، ستحول المجتمعات إلى حقل تجارب، وبعد النهاية الرسمية للعائلة فإن الأبواب مشرعة لتحولات ستجعل من العائلة لا قيمة ولا أي اعتبار، سوى تحويل البشر إلى قطعان عاملة، ولكن ما هو الهدف الجوهري من كل ذلك ...؟

 

الغرب الذي يوظف أموالاً وجهوداً سياسية كبيرة، فهو  لا يستثمر المال والوقت هدراً، بل هو يفعلها من أجل أهداف سياسية واقتصادية، يأمل منها أنها ستعزز سيطرته العالمية ولتواصل الولايات المتحدة لعب دورها كمتروبول قيادي عالمي، ضمن توجه واسع له عناوينه الرئيسية وبمفرداتها، وفي مجموعها تمثل ملامح التوجه الجديد للرأسمالية العالمية في ضمان مواصلة هيمنتها ودورها القيادي، ومواجهة التحولات المحدقة التي على وشك أن تعرض نفسها بوضوح تام على مسرح السياسة الدولية ومن تلك : 

تشجيع الظواهر الانقسامية في الدول الكبيرة، بما يحول دون قيام أنظمة وكيانات قوية، يمكنها مواجهة التغول الأمريكي على المدى القريب والبعيد.

وهذا يستدعي مشروعاً يستهدف تدمير روسيا وتقسيمها (بصرف النظر عن حجم مخاطره)، وحرمان الصين من حليف قوى وقوة عظمى في آسيا / أوربا.

تشجيع الأقليات العرقية والدينية في الصين ومنحها الأمل في الانفصال والهدف هو تفتيت الصين.

والولايات المتحدة في سعيها للهيمنة على العالم لا تستبعد في خططها إضعاف  لألمانيا وفرنسا الدولتان الرأسماليتان، بدرجة تنهي الاتحاد الأوربي ككيان سياسي، منافس للولايات المتحدة في قيادة العالم الغربي / المسيحي.

ولكن الخطط والبرامج الأمريكية لا تغفل عن استخدام التوجهات الاجتماعية  بأعتبارها الحسام الفيصل، فالبرنامج الاجتماعي يهدف إلى تدمير المكونات الثقافية والاجتماعية للشعوب ولا سيما الأمم الكبيرة، كالهند، والدول الإسلامية، وشعوب هذه الدول تعد بالمليارات. وتجني الولايات المتحدة من هذه التوجهات، أولا أن لا تعلو قوة في العالم سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية، أو ثقافية ما يمنح شعوبا وأمما في العالم ملامحها وشخصيتها المميزة. وبالتالي تحويلها إلى أفواه فاغرة، وشهوات مستحكمة بالبشر تفقدها إرادتها في ظل فقدانها لروابطها الوطنية والقومية.

 

وهذه توجهات تم إحاطتها وتغليفها بشعارات لزجة تفضلها الولايات المتحدة : كحقوق الإنسان، والديمقراطية ولا سقف لحرية الإنسان، وحرية الاختيارات الجنسية، ولكن في واقع الأمر هي مشاريع تمهد الأرض لخططها التوسعية، ولكي لا تجد أمامها من يواجهها ويفضح مرامي مخططاتها معارضاً.

 

وحين تلمست الولايات المتحدة أن هناك معارضا قويا كروسيا الاتحادية، والصين الشعبية، قسمت المواجهة الحالية وخصصت كأولوية المرحلة للمواجهة مع روسيا، التي أدركت بالطبع بصورة مبكرة أهداف الدعايات الديماغوجية، فتصدت القيادة الروسية لفضح جوهر هذه التوجهات، وأنها تستهدف إنهاء قدرة الإنسان على المواجهة، ولخصت القيادة الروسية ذلك بما يلي :

 

الغرب تخلى عن قيم الأسرة والعائلة، والمجتمع الروسي لن يتقبل التوجهات الغربية والأنماط السلوكية الشاذة،وولا يعتبره تطورا حضاريا ذات قيمة.

هل جننتم ؟ تريدون خلق صنف جديد عدا الذكر والأنثى !

كلا للجنس الثالث، كلا للمثلية.

هل تريدون نشر قيم الغرب في روسيا ويكون لدينا جنس ثالث؟ كلا لا ولن نقبل ذلك.

القوة هي التي ستحدد المستقبل السياسي في العالم.

 

ولم تبالي الولايات المتحدة أن تكون أوكرانيا وبضعة ملايين أوكراني ضحية لخططها التوسعية، وأن تكون ساحة للمعارك الحربية، لأحدث الأسلحة الفتاكة، وراحت تمد فئات النازيين الجدد في أوكرانيا بأحدث الأسلحة، دون اكتراث لحجم الخسائر البشرية والاقتصادية.

 

ولكن الموقف من التوجهات الكوزموبوليتية لم تقتصر على بلدان شرق أوربا، بل ها هي الأزمة تطل مع أي تحولات اجتماعية في الأقطار الأوربية، بل تحمل التوجهات الجديدة في أوربا الكثير من الاحتمالات، في تشكل رأي عام دولي كبير يعارض الثقافة الكوزموبوليتية، وأقرب وأوضح مثال على تخبط الغرب الرأسمالي المسيحي هو ما سينجم عن تشكيل حكومة يمينية من مواقف حاسمة ضد الثقافة الكوزموبوليتية، وهي توجهات واعدة في العديد من الأقطار الأوربية الغربية، وهذا ما رشح من خطاب رئيسة الوزراء الإيطالية الفائزة بالانتخابات من توجهات واضحة :  

 

لماذا الغرب الرأسمالي يبذلون جهود هائلة ضد الهوية التي تحدد كل شخص، ليكون الإنسان بلا هوية ولا جذور كمستهلك مثالي ...

كل ما يميز الإنسان أصبح عدواً، لا يريدون أن تكون هوية لكل شخص، يريدون تحوي البشر إلى قطعان مستهلكة.

يريدون تدمير الهوية الوطنية

الهوية الدينية

الهوية الجنسية

الهوية العائلية.

 

سنتوصل بمزيد من البحث   عن جذور المساعي لنشر قواعد الثقافة الكوزموبوليتية

تمهيداً لفرضها على العالم

ثانياً : الكوزمو بوليتية : المواطن العالمي مجتمعات بلا هوية

 

كلمة الكوزموبوليتسم (cosmopolitanism) أو (Kosmopolitismus) هو مصطلح، أفضل ترجمة له للغة العربية هي " المواطن العالمي " وهو مصطلح ظن الناس أنه خرافي، وسوف لن يأتي يوم نعيش فيه المجتمع العالمي الموحد، أو الوطن العالمي الموحد، الديانة الموحدة، القومية الموحدة، العائلة الموحدة، وبالتالي حكومة موحدة للكون بأسره. ونحن هذه الحكومة العالمية، وستفرضها بقوة الناتو، والأمم المتحدة، ومصرف النقد الدولي.(1)

 

ويعتبر الكوزموبولتيين أن جذر الفكرة تنحدر من الفلسفة الرواقية التي وضع أسسها ديوجين، الذي يعتبره البعض أنه كان مشرداً يحمل بيده شمعة ويطوف باحثاً عن الحقيقة في العهد الاغريقي، "ويطرح نموذج دوائر هيروكليس الممثلة للهوية التي تنص على أنه ينبغي لنا أن نعتبر أنفسنا دوائر متحدة المركز، تدور الدائرة الأولى حول الذات ثم مباشرة العائلة، الأسرة الممتدة، مجموعة الأشخاص المحليين، مواطني الدولة وأبناء البلد، ثم الإنسان عمومًا. يشعر البشر داخل هذه الدوائر، بشعور من " التقارب " أو "التحبب" تجاه الآخرين، عندئذ تصبح مهمة مواطني العالم " رسم الدوائر بطريقة أو بأخرى باتجاه المركز، ما يجعل جميع البشر أشبه بسكان مدينتنا، وهكذا ". (2)

 

حسناً ولكن من سيحكم هذا العالم .. الجواب البديهي هم الأقوياء، الأقوياء بماذا ..؟ بالسمعة النزيهة مثلاً، أو التمسك بأهداب الشرف والخلق الممتاز ... وسؤال كهذا ينم عن الجانب المرح في شخصية السائل ..! وميله للمزاح .. والإجابة الصحيحة هي طبعاً، الأكثر قوة وثروة، ومن يتملكه الفضول ليسأل لماذا الأكثر ثروة، والجواب مرة أخرى، لأن الأكثر ثروة هو بداهة الأكثر قوة وعدة وإلا لما صار شيخاً للحرامية وزعيماً للحكومة العالمية.

 

الشخصية الكوزموبوليتية تفسر كل تصرف بمقدار اقترابه من التسليم بمزيد الاحترام لمصطلح المواطنة العالمية وللحكومة العالمية، فسيعتبر عدم الأنظمام للمعسكر العالمي الموحد هو ضرب من ضروب الغباء والحماقة، قبل أن يصفها بالتمرد، وربما استطراداً إلى الإرهاب. وهذا يشمل جميع الأمم قاطبة، وأبتداء من أصغر الظواهر والملامح إلى أعلاها وأكبرها. " قد يعتمد مجتمع المواطنة العالمية على " الأخلاق الشاملة " وهذه مصطلح ذرائعي، يشمل العلاقة الاقتصادية المشتركة أو الهيكل السياسي الذي يضم جميع الأمم باختلافها. في مجتمع المواطنة العالمية، يشكل جميع الأفراد الذين ينتمون إلى أماكن مختلفة (مثل الدول القومية)، علاقات تستند على الاحترام المتبادل.

 

ويقترح أحد مفكري الكوزموبوليتيا على سبيل المثال:  إمكانية وجود مجتمع المواطنة العالمية، يدخل فيه الأفراد من مواقع وظروف مختلفة (المادية والاقتصادية إلخ) في علاقات تستند على الاحترام المتبادل رغم اختلاف معتقداتهم (الدينية والسياسية وما إلى ذلك). حُددت بعض المدن والمواقع المختلفة (جغرافيًا) سابقًا أو حاليًا، على أنها تمتلك سمات «المواطنة العالمية»، لكن هذا لا يعني بالضرورة اعتناق وإيمان جميع أو معظم سكانها بالفكرة الفلسفية المذكورة أعلاه. بدلاً من ذلك، يمكن تسمية سكان تلك المدينة بـ«المواطنين العالميين» لمجرد عيش الكثير من الأشخاص من خلفيات عرقية وثقافية أو دينية مختلفة على مقربة والتفاعل مع بعضهم البعض ". (3)

 

الكوزموبوليتيا تتفاعل إيجابياً مع الأفكار، والعقائد، ولكن بشرط واحد هو أن تبدي تلك المجموعة اعترافها التام بالمواطنة العالمية والحكومة العالمية، وأنها سوف تندمج (ربما في مرحلة لاحقة) وتتلاحم مع الفكرة العالمية لدرجة أنها تتلاشى في غياهبها.

 

والمواطنة العالمية هذه تشترط (فيما تشترط) على الألتحام التنظيمي، العقائدي، الاخلاقي، ولكن يستحق الملاحظة والأنتباه، أنها لا تعد البشر بحياة مماثلة في تقاسم الثروات والرفاهية.

 

مجتمعات بلا هوية

جوهر فكرة الكوزموبوليتانية هي أن الإنسان حيثما كان إنما هو كائن ينتمي لعالم واحد، وبالتالي أن المواطنة العالمية تسعى لتأسيس حكومة عالمية، انطلاقا من مبادئ العولمة.

 

ولكن الكوزموبوايتية لم تفلح في إقناع العالم، أن البشر حيثما كانوا في أقطارهم هم متحدون بذات الشروط السياسية والاقتصادية والثقافية والاخلاقية، وحيث لا يمكن الزعم مطلقاً بأن أي من المجتمعات والثقافات هي الأصلح والأفضل، ذلك أنها (الثقافات والمجتمعات) هي نتاج عوامل تاريخية عديدة، وبعضها موضوعية خارج عن إرادة البشر. لا يمكن أن تكون متحدة، وهذه ليس إلا فكرة خرافية، تخفي ورائها السعي لهيمنة عالمية مطلقة يصعب تحقيقها على أرض الواقع.

 

وفكرة الهيمنة العالمية من خلال المواطن العالمي(الكوزموبوليتس) فكرة طوباوية (خيالية)، فواقعيا نجد أنه تصطدم (وبشدة) مع أفكار أساسية بشرت بها الإمبريالية، ومن ثم العولمة، حيت تتناقض مع الدجيمقراطية بأوسع معانيها، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي من أولى مبادئها، أحترام التوجه الثقافي / السياسي للفرد والمجتمع سواء في البلد الواحد أو في العالم، في حين أن الكوزموبوليتية تهدف إلى صياغة ثقافة سياسية /ثقافيةــ أجتماعي / اقتصادية،  وإذا كان منظروا الكوزموبولتية يستبعدون الإجراءات القسرية ففي ذلك نسف علني لما قد يتسلل من مفاهيم تستحق الأنتباه لمشروع الموزموبولتية.

 

والطوباوية في الكوزموبولتيك المعاصرة، فاقت ما تخيله ديوجين، وتتجاوز طوباوية توماس مور (1478 ـ  1535)( Utopie) فإذا كانت طوباوية القرن السادس عشر، خيالية محضة، تخيل فيها توماس مور حزيرة لم توجد، تسودها قوانين خيالية جوهرها إنساني حيال ماكان الفقراء يعانون (" فقد أعدم 72 ألف متشرد تحت حكم هنري السابع، وشنق 300 ـ 400 متشرد سنوياً تحت حكم الملكة اليزابث".(4)

 

ويصف المفكر برتراند رسل أفكار توماس مور بكونها خيالية، اتخذت شكل رواية من أحداث سفينة غرقت في بحر أو محيط مجهول(ربما المحيط الأطلسي)، وأقيمت دولة على أرض جزيرة خيالية، ويصف مور دولة هذه الجزيرة وصفاً أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. ومن ذلك " لها مساكن متماثلة ويستطيع المرء أن يدخل أي منها، كل شخص يرتدي نفس الثياب، مع تميز ثياب النساء والمتزوجات من غير المتزوجات، ورئيس الدولة ينتخب مدى الحياة، ولكنه يعزل إذا أساء العمل، والجيش مؤلف من المرتزقة".(5)

 

ومن جملة الأفكار الاجتماعية التي تستحق الإشارة إليها هي " أن دولة يتوبيا تمتاز فيها الملكية بالاحترام، وبدافع من مفهوم الملكية الخاصة. ولكنه يعود ويثني على أفكار أفلاطون في الملكية الجماعية بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، ويعتبر الملكية العامة هي النظام الاقتصادي لليتوبيا". وتبدو أفكار مور تضم تشابه في ثناياها على أفكار أفلاطونية فيحدد سكان اليتوبيا بخمس وأربعين مدينة تحيط بها أراض متساوية، ترسل كل أسرة عدد متساوي من أفرادها للعمل في الأرض. والعوائل محددة وكذلك عدد أفرادها ومنازلها، ويتناولون الطعام بشكل جماعي. ثم يقترح مجلساً للشيوخ منتخب ويناقش المجلس قوانين اليتوبيا. ولا تحتل السياسة الخارجية إلا قدر ضئيل من أهتمام مور ولكنه إجمالاً يسعى إلى السلام ويبغض الحرب.(6)

 

ولا نجد الكوزموبوليتة أقل خيالية من اليوتوبيا، وإذا علمنا أن بين اليتوبيا / الطوباوية، والكوزموبوليتي / (Globalisation) أكثر من 500 عام، فإننا سنجد الفارق يتمثل فقط في شكل النظام والدولة، وقدرة الدولة الصناعية الجبارة، أما لجهة وهم الاعتقاد والتصور، فالمفكر توماس مور كان أكثر إنسانيا وتخيل أنه باليوتوبيا ينقذ ألاف المشردين من الموت، ولم يتخيل أن الجنسية المثلية لحل لأزمات الإنسانية.

 

الكوزموبوليتيا إذن لا تعد بكلمة واحدة عن اقتسام الثروات على نحو عادل، فهذه سيقربهم من المحرمات الكبرى(الاشتراكية)، ولا يتحدث عن مجتمعات لا عرقية وهذه تضعهم على مشارف مدن ودول المساواة والعدالة الاجتماعية، ولا حديث عن مراحل الاستعمار والإمبريالية، ونهب الشركات المتعددة الجنسية، ونهب المعادن والثروات الطبيعية، فهذه سياسة ستمارس بالسياط، أو بالقنابل النووية والبلاكوتر ، وجيوش الناتو من أجل فرض سياسة هي من تفاصيل الكوزموبوليتيا.

 

هذه هي بأختصار الكوزموبوليتية، الرأسمالية في أعلى مراحلها، الإمبريالية تحاول أن ترتدي وجهاً يلائم مسرح العلاقات الدولية المعاصر، تدمير شامل للبشر، مقال صعود إنسان جديد بلا خلق ولا قيم ولا أخلاق، وبلا ولاء لأي كائن أو كيان إلا من يمنحك راتبك الشهري وإيجار شقتك المريحة، ومقابل ذلك تمارس كل ما لا يسئ للكيان الكبير، تخرج الصباح للعمل وتعمل بأنضباط تام، كأي ماكنة، وتنبس ببنت شفة، وتعود لبيتك وتمارس حياتك كما تشاء، ولا يهمنا درجة الانحلال التي تسبح فيها. الوطن، الدين، العائلة، القومية، الثقافة الوطنية، هذه خرافات لا معنى حقيقي لها .....

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هوامش

 

 

1. الموسوعة الدولية. الأنترنيت.

2. نفس المصدر

3. نفس المصدر

4. بابي، جان: القضايا الأساسية للاقتصاد السياسي للرأسمالية، ص46

5. رسل، برتراند: حكمة الغرب، ص38

6. الطعان، د. عبد الرضا: تاريخ الفكر السياسي الحديث، ص211

 

 

 

 

 

 

 

ثالثاً : كيف نواجه الكوزمو بوليتك

 

في مطلع الثمانينيات، عرضت القناة الثالثة في تلفزيون ألمانيا الاتحادية وضمن البرنامج الثقافي (أيرنا) ندوة مهمة كان يديرها ويحضرها عدد من العلماء الألمان من اختصاصات شتى، ينتمون إلى جامعات ومعاهد ومؤسسات علمية مختلفة. وموضوع الندوة الذي كان البحث يدور حوله هو (حماية الثقافة واللغة الألمانية) واستطراداً، عناوين ومفردات أخرى مهمة في الحياة الاجتماعية الألمانية عن تسلل ثقافات أجنبية. فقدم العلماء الألمان معطيات دقيقة مدعمة بالإحصائيات تعبر عن حجم هذا التسلل الذي أعتبر في وقته كبيراَ. وخلاصة ما دار في هذه الندوة الهامة، أن اللغة والثقافة الألمانية تواجه خطراً لا يستهان به في المستقبل القريب والبعيد. وبعد عقد من السنوات أو أكثر، يقول رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية في كلمة له أمام مؤتمر البرلمانيين الدولي: " إن على شعوب العالم أن تأخذ حذرها مما يسمى بالثقافة العالمية التي تدمر الهوية القومية والثقافية للشعوب" (1). وبعد ذلك اتخذت الدولة الفرنسية قراراً بمنع استخدام ألفاظ أجنبية في اللغة الفرنسية، منها كلمات بسيطة وشائعة.

 

ويحق لنا هنا أن نتساءل ونتأمل، إذا كان شعباً كالألمان أو الفرنسيين، ذوو الأمجاد الثقافية والاقتصادية والحضارية عامة من جهة، وقربهم من ثقافة وحضارة الثقافات المتسللة إليهم من جهة أخرى، يطلقون نداء التحذير ويتخذون الإجراءات المضادة، فما هي إذن المخاطر التي تتعرض لها أمم وشعوب هي في الواقع شبه عزلاء، لهجمة شرسة عاتية لا تبقي ولا تذر..؟ وإذا كانت الثقافة العربية تمتلك دروعاً ومعدات، وحصوناً منيعة، ترى ماذا يمتلك شعب بوركينافاسو مثلاً كي لا يفقد آخر ما يمتلك من مقومات الهوية الوطنية والقومية..؟ وهو لا يمتلك أساساً الكثير منها بسبب تعرضه لقرون طويلة، ولا يزال، للاستعباد وعمليات صيد وقنص للبشر، ونقلوا إلى قارات أخرى واستخدموا كعبيد هناك، أو تجنيدهم في الحروب والغزوات الاستعمارية لضم وإلحاق بلداناً أخرى إلى ممتلكات الدول الاستعمارية.

 

ولابد لنا بادئ ذي بدء أن نؤكد على حقيقة مهمة، هي أن النظام الرأسمالي لا يهتم كثيراً بالثقافة بوصفها نشاطاً أو موقفاً إنسانياً رفيعاً يسمو فوق نزعات النهب والاستعباد، وما هو إلا نشاط ترفيهي يهدف إلى التسلية، وفي هذا المجال يكتب المفكر الأمريكي جون نيف الأستاذ بجامعة هارفارد قائلاً: " منذ ظهور الصور المتحركة والمجلات والراديو والتلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين، شاعت فكرة مؤداها أن مستوى النجاح مرهون بعدد القراء والمشاهدين، وهكذا أزداد توجه وسائل الإعلام إلى تلبية طلبات ذوي المستويات الثقافية المتدنية الأفق بحجة أن هذه هي الوسيلة الأنسب لزيادة الأرباح. وهكذا أبتدع أصحاب الصحف ورؤساء تحريرها أناساً يتصفون بالفراغ الفكري والابتذال واللامسؤلية والشهوة ".(2)

 

وقد غدت هذه التوجهات في أعلى مراحل تطور نظام الدولة الرأسمالية الاحتكارية خطوة على طريق دمج شعبها وشعوب أخرى ضمن نسيجها الاقتصادي والسياسي بالدرجة الأولى، وتكريس هذا الواقع من خلال قطع الأواصر التي تعبر عن كيانها وشخصيتها المستقلة واحتقار تقاليد وعادات الشعوب الأخرى وثقافتها وموروثاتها. والهدف النهائي هو : استنزاف قدراتها الاقتصادية وقوة العمل البشرية فيها، وأخيراً جعل هذه الشعوب والبلدان توابع ثقافية وسياسية، ولكن بالدرجة الأساس، جعلها وسطاً اقتصادياً تابعاً لا يمتلك أي طاقة روحية للنهوض، وإسناد دور نهائي لها في تقسيم العمل العالمي، يتمثل بتصنيع المكونات الثانوية أو الإمداد بالمواد الخام، أو ميداناً لنشاطات الشركات المتعددة الجنسية، وهذا الأمر لم يعد مقتصراً على منطقة واحدة، بل أنه موجه إلى أقطار العالم كافة لاسيما البلدان النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وفي هذا المجال يكتب الأستاذ البرازيلي كاردوز قائلاً : " هناك تبعية تنجم بالنتيجة، وهي تبعية متعددة الأوجه، سياسية واجتماعية وثقافية وعسكرية، بل أن عمليات التشكل الطبقي والفئوي تتأثر بالتبعية بشكل بالغ ".(3)

 

والحق فأن مثل هذه الفعاليات ليست جديدة تماماً في سياسة الدول الإمبريالية، فالشركات المتعددة الجنسية مثلاً وأساليب تغلغل رأس المال الاحتكاري معروفة منذ عقود غير قليلة، وكذلك فاعلية التأثير الثقافي الذي مارسته الدول الاستعمارية منذ فترة طويلة حتى في فترات ما قبل الحرب العالمية الأولى وما بعدها، حيث انتشرت المؤسسات التعليمية الأجنبية حتى على مستوى الجامعات والمراكز والمعاهد الثقافية والإصدارات من الصحف والمجلات، بل وتأسيسها لدور النشر في مراكز عديدة من العالم منها أقطارنا العربية، وهذه المساعي مشخصة بدقة في العديد من البلدان النامية، وفي هذا المجال يكتب المفكر والمناضل الفرنسي / المارتنيكي فرانز فانون   عام 1961، أن الاستعمار يهدف في جملة ما يستهدفه، نسف المقومات الثقافية القومية للشعوب المستعمرة قائلاً: " أن الاستعمار لا يكتفي بتكبيل الشعب ولا يكتفي بأن يفرغ عقل المستعمر من كل شكل ومضمون، بل هو يتجه أيضاً إلى ماضي الشعب المضطهد فيحاول بنوع من فجور المنطق أن يهده وأن يشوهه وأن يبيده. إن هذه المحاولة التي يحاولها الاستعمار إذ يجرد فيها تأريخ البلدان المستعمرة السابق على الاستعمار من كل قيمة، إنما تتخذ اليوم دلالاتها".(4)

 

وإذ لا يمكننا تجاهل الدور الثقافي والعلمي التنويري الذي مارسته هذه المؤسسات الأجنبية، لابد لنا من ذكر حقيقة موضوعية، أنها لم تكن تفعل ذلك هبة منها لوجه الله، بل كان ذلك ضمن مخطط له صفحاته التفصيلية، وبصفة خاصة، تسابق الفرنسيون والأمريكان والإنكليز والإيطاليون، فتنافست هذه الأطراف فيما بينها، بدا في بعض مراحله تناحرياً من أجل إحراز النفوذ الثقافي، وليس أدل على ذلك، حجم الأنشطة والفعاليات الثقافية التي كانت تتنازعها تيارات الثقافة الأنكلوسكسونية والفرانكفونية، بل وفي مرحلة ما بين الحربين العالميتين، حيث كانت إيطاليا تسعى لتكريس نفسها كقوة عالمية، والهيمنة على البحر الأبيض المتوسط وجعله بحيرة (رومانية)، استخدمت بدورها المدفعية الثقافية، ففي العام 1937 سجل تصاعد مثير للدهشة رقم المدارس الإيطالية في مصر إلى 64 مدرسة تضم أكثر من 10 آلاف طالب، مقابل 39 مدرسة بريطانية تضم 5 آلاف طالب! (5)

 

وجدير بالذكر والإشارة، أن هذه الأطراف الاستعمارية والإمبريالية أدركت أن أحد مكامن قوة الأمة العربية هي في لغتها، فسعت دون هوادة إلى إضعاف أسس هذه اللغة وذلك بمحاولات إبدال الحروف العربية باللاتينية كمقدمة لتحجيم تطورها و إضعافها وتلاشيها على المدى البعيد، فحاولت ذلك في مصر ولبنان وإلى فرض اللغة الأجنبية على عرب شمال أفريقيا وبلاد الشام وإحلال الثقافة الفرنسية فيها، والإنكليزية في مصر والسودان والأردن، وقد بذلت مجهودات كبيرة في هذا الاتجاه، إذ سجلت نجاحا محدوداً تمثل بخلق نخب مشوهة، ولكنها في الإجمال باءت بالفشل الذريع.

 

ومن جملة مساعي الدوائر الثقافية الاستعمارية كانت ولا تزال تهدف إليه، إحلال اللهجات المحلية بدلاً من الفصحى، وكذلك في محاولاتها لإبراز خصائص معينة في ثقافة كلا قطر وتقديمها بشكل يطغي على الخصائص الموحدة للثقافة العربية وفي مقدمة ذلك اللغة العربية الفصحى، فسعت إلى الفينيقية في لبنان وإلى القبطية في مصر واستغلت في مساعيها المحمومة والخبيثة كل مكامن الضعف والثغرات، أو سعت بنفسها إلى خلقها وأحياء المتلاشي منها واستنهاض الضعيف فيها واستخدمت لهذه الغاية عناصر مرتدة، ارتضت للأسف التعاون مع الأجنبي لأسباب شتى، وربما أعتقد قسماً من هؤلاء(تحت ضغوط شتى) أن اعتناق ثقافة أجنبية هي ثقافة قوى عظمى ستمنحه قيمة مضافة.

 

واليوم إذ تشتد أوار الحملة الإمبريالية بكافة صفحاتها على بلادنا العربية ليست الجبهة الثقافية إلا صفحة منها، ربما الأكثر بروزاً بسبب تعاظم شأن الثقافة العربية والمجتمعات العربية، وذلك أمر لا نخفي سرورنا منه، ففي مطلع القرن العشرين كان الجانب الثقافي يأتي بعد الجانب السياسي والاقتصادي لعدم خطورة المستوى الثقافي العربي آنذاك، وكان التناقض الرئيسي الذي يلهب قضايا النضال الوطني والقومي، هو الاحتلال المباشر بقبعته ذات الريشة الحمراء يختال في شوارع مدننا، كما كان النضال ضد الوجود العسكري والقواعد الأجنبية والكفاح لاستعادة ما استولى عليه الأجنبي من مصادر الثروة القومية، كان شعار التحرر الوطني والقومي في المرحلة اللاحقة، والعامل الثقافي كان خلف هذه الأوليات، ولربما أيضاً بسبب ضعف الوعي الثقافي، أو بسبب تعطش الجماهير إلى الثقافة بغض النظر عن مصدرها، فقد بدت براقة وجذابة، وكان مستوى تخلف المجتمعات العربية موجعاً لذلك ارتضت الجماهير السم المداف في عسل الكلام.

 

وعلى الرغم من بدائية من بدائية التنظيم والوسائل والتنسيق، كان رد فعل الجماهير قوياً غريزياً وعفوياً في كثير من الأحيان، فقد أخفقت كل تلك المساعي على ضخامتها من جهة، وضعف جبهتنا السياسية والثقافية من جهة أخرى، وهزمت شر هزيمة ومن المؤكد أن لذلك أسبابه. ففي دراسة عميقة لحجم الفعاليات الاستعمارية في مؤلف هام صادر عن جامعة لايبزج بألمانيا عـام  1972 (6)، يشير إلى سعة الهجمة الاستعمارية وضخامتها مع غياب مواجهة حقيقية بينها وبين الثقافة العربية التي كانت قد نهضت لتوها في مطلع القرن العشرين من سبات عميق أستغرق قرون طويلة، منذ سقوط بغداد عام 1258 ، وفي غياب حكومات أو ممثلين للإرادة العربية، تصيب الدهشة كل من يطلع على تلك التفاصيل، إذ كيف استطاعت هذه الأمة الصمود  وإلحاق الهزيمة بتلك القوى المتفوقة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وهي على هذا النحو من الضعف والتشتت ..؟ 

 

ليس هناك من إجابة منطقية سوى أن الجذر الثقافي لهذه الأمة بالغ العمق وثقتها بنفسها هائلة وعلى درجة كبيرة من الثراء الروحي والنفسي، يمنحها كل ذلك قدرة غير محدودة على امتصاص زخم الهجوم والتسلل الدخيل، في مطاولة أصابت بالعجز اعتي الإمبراطوريات والغزاة على مر التاريخ والعصور.

 

والهجوم الجديد الذي تواجهه الثقافة العربية والمتمثل بالعولمة Globallisatioin ليس الأول من نوعه، وأغلب الظن سوف لن يكون الأخير طالما تعيش على وجه الأرض حضارات وثقافات متعددة، وهو في الواقع مواصلة لعمليات تأثر وتسلل واقتحام وغزو ودس، اختلفت فيه الأساليب والهدف واحد، من الهيلينية Hellenism، إلى الغنوصية، إلى الإسرائيليات، إلى الشعوبية، إلى الفرانكفونية والانكلوسكسونية وعصر الاستعمار وما انطوى عليه من تحديات ثقافية، هذه المواجهات لم تتوقف قط، ربما اختلفت الأساليب والأشكال، وربما هناك تفاوت في قوة وزخم الهجوم إلا أنها لم تكف ولم يتغير الهدف الرئيسي فيها، ألا وهو جعل أقطارنا وثقفتنا جزء من نسيجها الاقتصادي أولا، ثم السياسي والثقافي وتدمير الملامح الرئيسية لهويتنا تسهيلاً لأهدافها الشاملة.

 

وفي الواقع، فأن الثقافة العربية قد ازدادت قوة وثراء من خلال مواجهاتها لهذه التيارات، فقد تفاعلت الهيلينية مع الثقافة العربية ويبدو ذلك بوضوح في أشكال العمارة والأثاث وفي النظم، وبالمقابل تلقت الهيلينية تأثيرات الثقافة العربية، بل أنها تحمل ملامح شرقية وعربية، كما استفادت الثقافة العربية من الثقافة المسيحية والغنوصية التي اعتبرت نفسها وريثة الثقافة اليونانيةـ وبالتالي مدارسها الفلسفية والفكرية الشهيرة.

 

والتيار الشعوبي الذي بدا قوياً عارماً في بعض مراحله أستفز أقلام المثقفين العرب لتفنيد أباطيلها ومزاعمها واعتبرت مساجلات الكتاب العرب في ردودهم على الشعوبية، قطع أدبية وسياسية نادرة، وقد استفادت من هذه المواجهات باتجاهين: فهي من جهة ازدادت خبرة وعمق وتجذرت في تربتها أكثر فأكثر، ومن جهة أخرى استفادت من التعرف بدقة على منجزات تلك الحضارات فازدادت رؤيتها شمولية وأتساعه.

 وبهذا الصدد نذكر، بأن هناك أجداث 60 مليون هندي من سكان أميركا الأصليين قتلوا في حملات إبادة منظمة على يد القادمين الجدد من أصل 80 مليون، كما قتل 200 100 مليون أفريقي أسود، اختطفوا وتعرضوا لحملات صيد البشر من أوطانهم الأفريقية ونقلوا كعبيد إلى أمريكا، ودفنوا في براري الغرب الأمريكي حيث استصلحوا الأراضي تحت سياط المستوطنين في عبودية جماعية.(8)

 

نعم إن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أمة كبيرة وقوية في عملية تاريخية فريدة من نوعها، تجمع فيها سكانها بين مجرمين ومغامرين وشذاذ آفاق وباحثين عن فرص حياة جديدة، استولوا فيها على أراضي تزخر بكل الثروات وأبادوا فيها شعوباً، ولكن هل استطاعت الولايات  المتحدة تقديم مثل وقيم أخلاقية..؟ وإذا كان التقدم والثراء لا يخدم الإنسان وكرامته وأخلاقه فماذا إذن..؟ وعلى هذا التساؤل يجيب البروفسور الأمريكي جون نيف قائلاً : " لقد أدى ذلك إلى تدهور في الذكاء الفطري والفطنة والذوق" (9) وكذلك: " وهكذا عولج كل ما هو مخجل وأخفيت حقيقته حتى صار شيئاً محترما ً" (10) و " وكانت النتيجة تغليف العقل وتجريده من إنسانيته بوسائل متعددة إلى أن أصبح غير قادر على أن يقدم سوى القليل من الخدمة للإيمان والإنسانية والإدراك المتكامل للسعادة التي كانت لوحدها قادرة على تخليص الناس من أسر الدعاية ".(11)

 

أخبرني مرة دبلوماسي أوربي، كان قد عمل في سفارة بلاده في بروكسل (بلجيكا)، واستطاع أن يتوصل بدقة، أن أصل ثراء كل العائلات البلجيكية هي من حقب النهب الاستعماري في أفريقيا، فأي حضارة يمكن أن يشيد على القتل والتهب والسرقة وهذا ما يفسر انحدار مجتمعات الدول الاستعمارية إلى مستويات مرعبة من الجريمة والإباحية والمخدرات والفساد السياسي والحكومي والأمراض الجنسية الفتاكة.

 

نعم، لقد كانت منجزات عصر النهضة Renaissance رائعة على صعيد العلوم وفتحاً إنسانياً كبيراً وكذلك الثورة الصناعية، إلا أن البورجوازية الأوربية في الدول الصناعية المتقدمة اتجهت إلى قمع الطبقة العاملة في بلدانها أولاً، ثم إلى سحق الشعوب من القارات الأخرى، فخرج المشروع من إطاره وهدفه الإنساني الذي بشر به رواد عصر النهضة. فالمستعمر الأوربي مضى إلى قارات آسيا وأفريقيا والأمريكيتين وهو يحمل السلاح وليس شمعة ديوجين، ويفرض نظاماً استعماريا ينهب ثرواتها الطبيعية وليجعلها أسواقاً لمنتجاته من جهة، وليسلب من جهة أخرى تلك الشعوب مقومات وجودها، من لغة وعادات وتقاليد صناعية بدائية، وتطور كانوا قد أحرزوه ومكتسبات غير بسيطة في معظم الأحيان.

 

وبهذا المعنى، فالاستعمار يعد مسئول تماماً عن سحق حضارات وثقافات كان يمكن لها أن تتطور تطوراً طبيعياً وفد فعل الاستعمار ذلك من أجل فرض أنماط ثقافية وحضارية لتخدم أهدافه بأساليب القمع والقسر فنجم عن ذلك اختلال في أطراف المسالة، فلا الشعوب تمكنت من تطوير حضارتها، ولا المستعمر استطاع أن ينتقل بها إلى مستوى حضاري راق، وتلك لم تكن من غاياته، وجل ما تحقق هو مجتمعات شوهاء فقدت الكثير من أصولها وجذورها وألوانها، وخير مثال على ذلك هي أفريقيا ثم أميركا.

 

وبطبيعة الحال، فأن الهجمة الثقافية الحالية تتميز بملامح عديدة ينطوي البعض منها على ما هو جديد في أسلوبه وأدواته، وابتداء لابد لنا من تشخيص أبرز الظواهر على مسرح العلاقات الدولية المعاصرة، وتحليل الاتجاهات المختلفة وعناصر الموقف الموضوعية منها وأبرزها:

 

أولاً: ـ ظاهرة القطبية الأحادية: ويتمثل هذا العامل باستفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالدور القيادي في الحياة السياسية الدولية واستخدامها لأساليب التهديد والترغيب، وللأمم المتحدة (كشرعية دولية) ومجلس الأمن لتحقيق أغراضها وأهدافها السياسية والاقتصادية، وفرض أنماط اجتماعية وثقافية.

ثانياً: ـ ظاهرة عولمة الاقتصاد: ويتمثل هذا العامل بتسارع وتائر حركة رأس المال المالي (المصرفي) وأتساع حركة الاستثمارات ليصبح العالم بأسره فعلاً سوقاً واحدة بقبضة الشركات المتعددة الجنسية في تعاظم متزايد لدورها.

ثالثاً: ـ الإمبريالية في مرحلة جديدة: ويتمثل بدخول دولة الاحتكار الرأسمالي (الإمبريالية) في مرحلة جديدة، ويتمثل داخلياً باشتداد التمركز المالي وذلك بميل رؤوس الأموال خوض غمار المشروعات الكبرى وقيام الاحتكارات العملاقة في فروع الإنتاج المهمة من جهة، والإقحام المتزايد للأجيال الجديدة من التكنولوجيا المتمثلة بالحاسبات العملاقة والروبوتات و الميكروالكتروتكنيك، والتطور الهائل في وسائل الاتصالات والنقل وفي وسائل العلام المرئية والمسموعة والمقروئة.

 

أما العناصر الذاتية في الحياة السياسية والثقافية العربية، فأبرزها :

 

أولاً: ـ المستجدات في العلاقات الدولية: أثرت المواقف المستجدة على مسرح العلاقات الدولية، على مفردات الموقف السياسي في الأقطار العربية، فهيمنت الولايات المتحدة وإرادتها السياسية، قادت إلى انهيارات(لا سيما في النصف الأول من عقد التسعينات)، مع ملاحظة:

 

 آ   ـ المساعي الفرنسية لبلورة موقف أوربي متميز يلتقي ولكنه قد يختلف أيضاً مع التوجهات

      الأمريكية في تصورها لأزمات للشرق الأوسط.

 ب ـ فشل الولايات المتحدة في طرح مشروعات سياسية وثقافية للشرق الأوسط بسبب المبالغة

      في استعراض القوة وأتباع سياسة الكيل بمكيالين، وتجاهل إرادة وكبرياء أقطار المنطقة و مصالحها.

ثانياً: ـ مشكلات أمام الثقافة العربية: على الرغم من النداءات والمؤتمرات والاجتماعات ولقاءات اتحادات الكتاب والأدباء والصحفيين والمؤتمرات الفنية على تعدد اختصاصها، ولقاءات المسؤولين عن الثقافة والإعلام والقنوات الفضائية والمهرجانات المسرحية والسينمائية والموسيقية، فأن الثقافة العربية ما تزال تعاني الكثير من مشكلات ومعوقات الانتشار، ومن سيف الرقابة، وعدم رعاية المطبوع العلمي التخصصي، وصعوبة انتقال المطبوعات بين الأقطار العربية، وضعف الأجور والمكافئات للعلماء والكتاب، الخلافات السياسية بين الحكومات العربية وانعكاساتها، هيمنة أجهزة الرقابة على المطبوع العربي والأجنبي، نعم هناك الكثير من الظواهر الإيجابية، ولكن ما زال هناك الكثير ما ينبغي التأكيد عليه، وفي مقدمة ذلك رفع القيود عن الكتاب وانتشار المطبوع العربي سواء كان كتاباً أو صحيفة أو مجلة، وكذلك المادة الثقافية، أفلام ورقوق سينمائية أو أعمال فنية وموسيقية.

 

ثالثاً: ـ لهذه وغيرها، شهدت الحياة السياسية العربية تخلخلاً وضعفاً أنعكس بشكل واضح على المستوى السياسي و الاقتصادي والثقافي، فانتهكت كثير من المحرمات الثقافية واعتبرت مجرد وجهات نظر قابلة للطرح والمناقشة، لا سيما تلك التي تتعلق بالتعامل مع العدو الصهيوني فكرياً وثقافيا تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بالتعاون مع الولايات المتحدة، في حين تمارس من جهتها التطرف التلمودي وسياسة القضم والهضم. وقد شهدت محاولات التطبيع الثقافي جولات ونزالات تعيد إلى الأذهان تلك المساجلات التي كان يقيمها رموز الثقافة العربية بوجه الشعوبية ودعاتها، تلك التي أفادت الثقافة العربية وأكسبتها القوة، فما أشبه الوقائع والنتائج المرتقبة..!

 

وبتقديرنا فأن الجانب الأخطر من الهجمة الإمبريالية على بلادنا يتمثل بالدرجة الأولى بالإخضاع السياسي وذلك ما يسلب القدرة على التطلع إلى المستقبل بحرية واستقلال، أي قمع المشروع النهضوي العربي وفي مقدمة فقرات هذا المشروع :

تقليص حجم التبعية الاقتصادية: وفي تفاصيله الجانب الغذائي(الأمن الغذائي).

تقليص حجم التـخلف العلـمي: وفي تفاصيله التكنولوجي.

تقليـص التـبعية الاجتماعـية: وفي تفاصيله الحفاظ على شخصية مجتمعنا العربي الإسلامي.

تقليص التبـعية الثقافــــية: (الأمن الثقافي)، وفي تفاصيله مفردات التطور الثقافي ـ الحضاري، والسعي لرفع إسهام ثقافتنا العربية في الثقافة الإنسانية العالمية في إطار العمل المشترك مع الشعوب والأمم لأن يكون هذا العالم أكثر إنسانيا وأكثر رخاء وعدالة، والكف عن اضطهاد الإنسان للإنسان، والأمم الغنية القوية للأمم الأقل ثروة وقوة، عالم التعايش السلمي والتعامل القائم على التكافؤ، عالم يشعر فيه أي إنسان، إن أي تقدم علمي بسيط في أقصى بقعة في العالم ينتمي إليه مباشرة، ولكنه يشعر بالمقابل أن أي صفعة يتلقاها أي إنسان ظلماً في العالم يوجعه ويدمي كبرياءه وكرامته.

تلكم هي بتقديرنا أبرز مهمات المثقف العربي المعاصر، وسلاحه في ذلك الكلمة والريشة والأزميل والنوتة وكل عمل إبداعي.

 

والثقافة العربية إذ تواجه تحديات مختلفة، عليها أن تشخص واجهات عملية التسلل، وأن تفرق بدقة بين عملية تفاعل الحضارات وحتميات التطور، وهو أمر لابد منه، بل لا نريد الابتعاد عنه،  وبين تيارات تريد أن تفرغ الثقافة العربية من خصائصها وتحرمها من التطور الذاتي، وعزلها عن تاريخها وإدخال عناصر جديدة غريبة عليها لتندغم في تيارات تصب في النهاية في طاحونة النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي، كمقدمة لجعل بلادنا وسائر البلدان النامية مجرد توابع تدور في فلكها، وبهذا المعنى فأن تيار العولمة Globalization، ليس سوى مرحلة جديدة من مراحل تصاعد النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي، أنه مرحلة الإخضاع النهائي لشعوب الأرض لسلطان الرأسمالية الإمبريالية، باعتبار أن التقدم التكنولوجي والثورة في وسائل الاتصال والمواصلات جعلت من العالم قرية كبيرة، وبلغت فيها الرأسمالية مرحلة خيالية من تمركز رأس المال المالي.

 

وفي المرحلة الحالية تتميز فيها هيمنة الولايات المتحدة بوصفها متروبول الرأسمالية العالمية وتأبى أن تغادر هذا الموقع القيادي ولا تقبل المشاركة فيه، تهدف إلى تعميم ضرب من الثقافة التي لا تلامس جوهر مشكلات الإنسان، ثقافة سطحية تتعامل مع غرائز الإنسان وتشجع فيه روح التفوق والتسلط الفردي والنزوع المطلق نحو الثروة وإحراز النفوذ والهيمنة، وإطلاق لنزعات الجنس الشاذة، أن إنسان العصر الذي قدم منجزات كبيرة بفضل تراكم التجربة والعلم، تضعه في قمقم مشكلاته الذاتية لتخلق منه إنساناً نرجسياً على استعداد لفعل أي شيئ، حتى القتل الجماعي من أجل إشباع نزعاته، إنها نزعات وثقافة وتربية اجتماعية تهدف في النهاية إلى خلق الإنسان الكوزموبوليتي (الإنسان العالمي) Kosmopolit، الذي لا جذور له ولا يؤمن بقضية أو وطن بل بالمصالح والأرباح المادية وأي غرابة في ذلك؟ أليست البراغماتية Pragmatism، وهي جوهر الفكر السياسي الفلسفي للرأسمالية، التي لا تؤمن إلا بالنتائج بصرف النظر عن الأساليب وأخلاقياتها. والإنسان الكوزموبوليتي هو حيوان انتهازي منافق قد يتحول في أي لحظة إلى آلة شرسة مدمرة مكن أجل تحقيق مصالحه الذاتية، وهذا هو سر انحطاط الحياة الاجتماعية في الغرب الرأسمالي لاسيما في الولايات المتحدة، ونجد أصدائها الخافتة في بلادنا حيث تروج لها أجهزة الأعلام الغربية وصنائعهم وأدواتهم، يمكن إيجازها  بما يلي:

 

آ ـ محاولات لإفساد الوعي تقوم بها الحملة الإمبريالية ودفع الإنسان إلى زاوية مصالحه وهمومه الذاتية.

ب ـ عمل مدروس لإسقاط الالتزام بالشعارات العامة، الوطن، الشعب، الدين، القومية، والشعارات ذات الطابع الاجتماعي.

ج ـ العمل على خلق أنماط حياة تضم مظاهر الانحلال والفساد.(12)

 

وتيار العولمة هو جزء من هذه المرحلة، إخضاع العالم للثقافة الرأسمالية، وللمنطق الإمبريالي، ليس بقصد أن تنعم الإنسانية جمعاء بالمنجزات الحضارية والثقافية والعلمية، بل أنه فكر شمولي يهدف وضع شعوب العالم في خدمة الرأسمالية، فهو ليس مشروع خير، بل هو يهدف إلى صهر ثقافات أمم أخرى وإلغاء مميزات كياناتها، ولا يتميز هذا التيار بقدرة واسعة على التكيف والتلون وإمكانية الإصابة بالصدمة الثقافية، ولهذا التيار أعوانه سواء من الحلفاء الطبقيين، أو من المصابين بالصدمة، وممن انهار أمام الترف الرأسمالي، فاختار هذا المثقف أو ذاك الفنان أن يحل مشكلاته الذاتية(مالياً ودعائياً)وكأنه عندما أتجه صوب آفاق الفكر والثقافة والفن والإبداع، إنما كان يبحث عن خلاصه الذاتي، وليس نضالاً والتزاماً بقضية الفن والأدب والثقافة، وهي خدمة الوطن والجماهير والالتزام بقضاياها. إن ضرباً كهذا من (المثقفين)، قد تحولوا نهائياً إلى موظفي علاقات عامه ومروجي سلع وإعلانيين Propagandist مهما أسبغوا على أنفسهم الصفات وحاولوا الاختفاء والتخفي.

 

لن يخيف فوكوياما ولا هنتغتن أحداً، وليست هذه دعوة للاسترخاء بقدر ما هو نداء إلى المثقفين العرب لأن يستلهموا من تاريخ أمتهم وتراثها وموروثاتها ويؤسسوا فوقها، فاعلين متفاعلين مع الثقافة الإنسانية العالمية، فنحن جزء من هذا العالم وتلك حقيقة مادية موضوعية، وقد كنا مؤثرين فيه بدرجة كبيرة، ولابد أن نتأثر فيه بدورنا، ليس مطلوباً الانبهار أمام منجزات الغرب لدرجة فقدان الرشد كما ليس مقبولاً بذات الدرجة أقفال الأبواب والشبابيك، فمن الواضح أننا مستهدفون، وكياناتنا السياسية(المجزءة المشرذمة للأسف)وثرواتنا الطبيعية واقتصادياتنا الوطنية، ووضع الألغام في مجتمعاتنا، وأخيراً الجهاز على ثقافتنا القومية، أو جعلها صدىً باهتا، أو صورة سلبية للثقافة الرأسمالية الشوهاء، وحيال الانبهار والمنبهرين، لابد من وضع خطة مضادةً، ولابد أن تكون هذه الخطة مرنة متفتحة لا تبدي التعصب، كما لن يقودنا الغضب إلى ردود أفعال متشنجة، أن إهانة رموزنا أو التقليل من احترامنا لن يدفعنا إلا إلى المزيد من التمسك بقيمنا الصالحة، ولكننا سوف لن نخطو خطوة واحدة قائمة على الغضب أو تفتقر إلى النضج، وأعلموا أيها المثقفون العرب أن هدف أعدائكم هو جركم إلى ردود الأفعال الغاضبة، وأهملوا حفلة الشتائم والإهانات، ولا تنساقوا وراء ردود الأفعال.

 

لابد للمثقفين العرب من أداء دورهم، وهو الدور الذي يقوم على حراسة المنجزات الثقافية والحضارية وتطويرها من أجل أن تسهم ثقافتنا العربية في الحضارة العالمية، وزيادة حصة هذا الإسهام. والمثقفون العرب مدعون إلى التفاعل فيما بينهم وإنضاج مواقف موحدة حيال التيارات التي تقف ورائها القوى المضادة لحركة التقدم العربية وصياغة برنامج يؤكد على:

 

ـ الانفتاح على الحضارات والثقافات الأخرى والتفاعل معها بإرادتنا على أساس من المبادئ والأخلاقيات الإنسانية التي تمتاز بها الحضارة العربية الإسلامية من جهة، وحماية أجيالنا من أوبئة تسللت إلى مجتمعاتنا التي تروج الإباحية والمخدرات والأمراض الجنسية والشذوذ ومظاهر الفساد الأخرى. 

ـ العلماء العرب مدعون اليوم، كل في اختصاصه إلى إيجاد العلاقة بين المستوى الحالي للعلوم، وبين ما توصل إليه العلماء العرب في عصور الازدهار، أي تجسير الفجوة بين عصور الازدهار وما أعقبها من سبات بعد انحطاط الحضارة العربية، وبين المرحلة الحالية لكي نتحرك على أرضية صلبة ونواصل البناء على أساس متين. لقد آن للجامعات والمعاهد العربية وقد بلغت مرحلة النضج في العمل والتعامل مع المنجزات الحديثة في العلوم، وصياغة نظريات عمل عربية. أن كثير من الجامعات الأوربية تعتبر أعمال العلماء العرب هي الأساس في العلوم التي تطورت فيما بعد على أيديهم في مختلف المجالات العلمية والإنسانية.

 

ـ الابتعاد عن التطرف والتعصب ومعاداة الثقافة الأجنبية لمجرد كونها أجنبية فذلك سيقودنا إلى العزلة، فالأمم الأخرى قد تمكنت من تقديم منجزات رائعة أغنت الثقافة الإنسانية، فكيف لنا أن نتجاهل أعمال فكرية وفلسفية، فنية / أدبية، موسيقية وسينمائية، عدا التقدم الكبير في مجال العلوم الطبية والإنسانية.

 

ـ إبداء الاحترام التام لحقوق الأقليات الدينية والقومية المتواجدة في البلاد العربية، وبهذا تحافظ الثقافة العربية على إحدى مميزاتها وهي ابتعادها عن الصيغ الشوفينية، وتواصل الثقافة الإسلامية في منح الأمان والحرية الأقليات الدينية الداخلين في ذمة الرسول(ص) والخلفاء الراشدين والمسلمين عامة.

 

قلبنا أراء كثيرة كتبت حول الثقافة العربية والتحديات التي تواجهها : العولمة ـ الإنترنيت ـ القنوات الفضائية، وللأسف لابد من القول، أن معظمها أحادي الجانب، أي أنه يركز على جانب واحد من المشكلة، وعلى الأغلب بتهويل وفزع يقطع الأنفاس. ومن أجل بحث مجز لكافة جوانب المسألة، لابد من البحث بدقة وتفصيل، وبحث الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالدرجة الأولى. نعم، نحن نواجه مشكلات من نوع جديد وبأساليب وطرق متفوقة وغير معهودة. ولكن لابد لنا بادئ ذي بدء ألا نضع أنفسنا في موقع معاد للتطور، إذ من المؤكد أن كثير من هذه الأبعاد أو التحديات تحمل إمكانيات العمل في اتجاهين أو أكثر، منها ما قد يفيدنا، ولكن بالطبع مع وجود السلبيات والأضرار وكذلك الأخطار..! ولكن لماذا لا نفكر في الإفادة من الإنترنيت طالما أصبح حقيقة راهنه ! هذه الموسوعة الهائلة من المعلومات بسعر زهيد !إن القنوات الفضائية ومحطات التلفزة الدولية تنطوي على الكثير من الأضرار في مجال تنشئة الأجيال الصاعدة والسموم السياسية، ولكن ألا ينبغي أن يدفع ذلك مؤسساتنا الفنية، السينمائية والتلفازية والإذاعية وغيرها على الارتقاء بمستوى برامجهم والإكثار منها، وأجراء تبادل نشيط للأعمال السينمائية والتلفازية بين الأقطار العربية خاصة وربما حتى الإسلامية؟ وهناك الكثير من الاتفاقيات والمطلوب تنشيطها وتفعيلها.

 

وأعمال أو تعاون مشترك سيقودنا إلى مزيد من تشذيب اللهجات المحلية العربية اقتراباً من الفصحى، بل أن هذه العملية قد تساهم حتى في تعزيز الوحدة الوطنية ضمن القطر العربي الواحد، وما يجري ألان يدور بصورة عفوية أو لأسباب تجارية، يمكن أن تتحول إلى عملية منتظمة. ففي ألمانيا(وهي بلاد مشدودة قومياً) ، لهجات عديدة قد تنعدم إمكانية التفاهم بين لهجاتها، ولكن اللهجات المحلية في طريقها إلى الانقراض، بل هي متلاشية في أوساط المثقفين والإعلاميين والفنانين وقد حلت محلها الألمانية الفصحى.

 

إننا نبحث هذه المشكلات في إطار الحرص على ثقافتنا ومجتمعاتنا، ولكن للأسف أن هناك في  صفوفنا من هو معاد أصلاً للثقافة ولكل فروعها، من فئات وعناصر رجعية، تعيش في هذا القرن بأجسادها، فيما تغفو رؤوسها في القرون الميلادية الأولى! ولاشك أن وجود هذه العناصر، إذا لعبت دوراً مؤثراً (ويبدو أنها تلعب مثل هذا الدور للأسف مرة أخرى) يزيد في الطين بلة والمشكلة تعقيداً. إذن فبين صفوفنا من يسهل التسلل عبر خطوط دفاعاتنا التي تعتمـد بالدرجة الأولى على رد الفعل الغريزي وعلى ثراء الأمة الروحي بدرجة كبيرة.

 

إن الإمبريالية لا تحاربنا بالعولمة(كأداة سياسية واقتصادية وثقافية)، إنها قبل ذلك تمد خراطيمها في أجسادنا وتنهش ثرواتنا بفعالياتها الاقتصادية، وتحاربنا بالطائرة والبارجة وحاملة الطائرات، وبطائرة التجسس اليوتو..وللإمبريالية بين صفوفنا كعرب وكمسلمين حلفاء وأصدقاء في السر والعلن، ولابد أن يدركوا أن هذا الهجوم ليس مناورة، بل هو في غاية الجدية وأنه سوف لن يوفر أحداً، وهو ليس كلام صحافه لا وزن له، فالإمبريالي الفاشي فوكوياما ليس بقالاً في حارة مانهاتن بنيويورك، بل هو مستشار لوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يقرر علناً وليس في ندوات سريه. إن الصدام القادم هو مع العرب المسلمين(قال ذلك في أعقاب انقضاء الحرب الباردة)، وإنه آت لا محالة، وكذلك البروفسور الشوفيني الرجعي صامويل هنتغتن، HANTIGTON، الأستاذ في معهد الدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد، وهو الآخر ينتمي إلى الأوساط التي تنضج الفرارات السياسية في أميركا، يكتشف فجأة (هو وليس نحن) أن النظام الرأسمالي يؤمن بالتفوق العرقي ويدعو إلى حروب عرقية، وكأن الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية كانت في المريخ، ولم تكن من ضروب الأنظمة الرأسمالية. بل إن النظام السياسي في الولايات المتحدة يتجه حثيثاً إلى هذه المواقع بسبب الأزمات التي يمر بها النظام الرأسمالي الاحتكاري داخلياً وخارجياً، لذلك فهم يطلقون النداءات المشحونة بالحرب والإبادة، لكنهم يتحولون فجأة إلى مدافعين عن (الديمقراطية) و(حقوق الإنسان) عندما يتعلق الأمر بالبلاد العربية والإسلامية أو الصين الشعيبة أو كوريا الشمالية أو كوبا، وهناك من يصفق لهم إعجاباً أو نفاقاً أو كيداً بجار له يضمر له الحسد.

 

 

 

إننا نطرح على المثقف العربي أن يعمل وفق الحديث النبوي الشريف " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان" حديث )، أن يكون في مقدمة أمته، قلماً حراً شريفاً، وليس مروجاً لسلع فاسدة يريد مصدروها أن يستولوا على عقولنا أولاً ثم تاريخنا، بل ومستقبلنا أيضاً. أن يكون جزء من درع بلاده وأمته، وجزء من مسيرة التحرر والظفر، وليس عضواً في جوقة مهرجين، وفي معسكر أعداء بلاده وأمته.

 

إننا كمثقفين وكمؤسسات ثقافية وحكومية اعتمدنا لحد ألان على الرد العفوي والدفاع الغريزي، ورصيدنا الحقيقي ومسـتودع أسلحتنا المضادة، هو ثراء هذه الأمة وعمق أسسها وجذورها لم يعبأ في المعركة بعد، ولكن فوق ذلك نحن بحاجة إلى تشخيص وتخطيط دقيق وإقامة صلات حقيقية مع الجماهير، فهي القوة التي تحمي أسوار الأمة، تحمي ماضيها وحاضرها وترسم لها خطوط المستقبل.

 

 

هوامش

 

 

1 ـ الأدهمي، د. محمد مظفر: العولمة والهوية الثقافية، في آفاق عربية، بغداد/1997

2 ـ نيف، جون      : الحرب والتقدم البشري ، ص 460              بغداد/1990

3 ـ كادوز، ف.هـ  : العالم الثالث يفكر لنفسه ، ص 59               بغداد/1981

4 ـ الطعان، د.عبد الرضا  : الفكر السياسي في العراق القديم،ص 51   بغداد/ ـ

5 ـ Rathmann, Pof.Dr. Lother : Geschichte der Araber, Teil 3 s.68 leipzig 1974      

6 ـ                                                                         Ebende Teil 4

7 ـ Alwin, M. Joseph : The American Heritage Book of Indian, P11 USA  1961     

8 ـ مهدي، سامي : الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، الموقف الثقافي، بغداد/1997-7

9 ـ نيف، جون   : نفس المصدر، ص521

 11ـ نيف، جون  : نفس المصدر، ص 512

12 ـ علوش، ناجي: دور المثقف العربي في مواجهة التحديات الراهنة، في الموقف الثقافي،

                      بغداد/ 1997-7

 

 

المركز العربي الألماني برلين

 

المراسلات

 

 Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

لماذا أنهار الغرب

 

ضرغام الدباغ

 

هناك مصدران مهمان، يبحثان في سقوط الإمبراطوريات العظمى في التاريخ: الأول وهو الأهم هو كتاب العلامة العربي الكبير أبن خلدون والذي لا غنى مطلقا عن دراسته وهو " المقدمة " والكتاب الآخر وهو حديث نسبياً وهو للعالم البريطاني / الأمريكي باول كنيدي (  Paul Kennedyصعود وسقوط القوى العظمى

 

لنتأمل ونتخيل، وفاة الاتحاد الأوربي، وأعتقد أنه قد توفي، ولكن إصدار شهادة الوفاة سيستغرق وقتاُ لا أستطيع تقديره ..! وسوف لن يكون هناك بيان يصدر فيه هتاف وصراخ .... كلا .. الناس هناك لا يحتفلون ولا يحزنون بالصراخ والضجيج ..! بل سيتم الأمر بهدوء، وبطريقة توحي لك أنهم استبدلوه بصيغ أخرى ... ولكنه في جميع الأحوال توفي ولا قيام بعده ولا ينفع نطس النطاسون مهما برعوا، في إعادته للحياة ..

 

الحلم الذي حلم به الرئيس الفرنسي ديغول والمستشار الألماني أديناور، والذي أستغرق بناؤه منذ بداية خمسينات القرن الماضي، ثم توالت عملية الطبخ على نار هادئة على يد خلفاؤهما بهدوء لكي لا يثيروا هواجس الآخرين .. الآخرون الذين يرمقون قيام أتحاد كبير، ستشكل كتلة كبيرة في توازنات القوى السياسية / الاقتصادية / العسكرية في العالم، فأن تتقاسم العالم بين طرفين شيئ، وبين ثلاثة أو أربعة أطراف شيئ آخر، وهو أمر غير مستحب للولايات المتحدة، التي ستتهم الأوربيين بقلة الضمير والوفاء، أما (الأطراف) القوة العظمى الأخرى فهي الاتحاد السوفيتي والروس فهم يتقنون العزف على أوتار السياسة الأوربية فسترى أن التناقضات والصراعات ستعم الحلفاء الرأسماليون اليوم أو غداً بينهم، فالتاريخ العالمي لا يعرف حروبا إلا تلك التي كان التوسع وإعادة التقسيم وكسب المزيد من النفوذ والمكاسب ديدنها، دعهم يشعرون بالأمان، فسترى أن الصراع سينشب بعد وقت قصير، وقصير جداً.

 

لماذا توفي الاتحاد الأوربي، وكان يمنح صورة وردية، حين بلغ اليورو في بعض أيامه، دولاراً ونصف الدولار، ولكن تلك كانت في مرحلة انغماس (انحطاط) الولايات المتحدة في حروبها الدون كيشوتية في أفغانستان ثم في العراق، حيث كانت تحرق يوميا مئات الملايين من الدولارات لحروب عبثية لا معنى لها .. حينها انحط الدولار أسوء انحطاطه، وبلغت أوربا قمة ازدهارها، فكان رد فعل الولايات المتحدة، أن القارة الأوربية قد تمثل ثقلاً في التحالف الغربي / المسيحي العريض، وبالتالي فإن نفوذ الولايات المتحدة ماض في التقلص ضمن محيطها، إضافة للتقلص البطئ على الصعيد العالمي بتعاظم  قوة الصين، ومساعي الروس في استعادة هيبة وسطوة الاتحاد السوفيتي، عبر هيمنتها على أسواق الطاقة في أوربا.

 

بغباء مثير للدهشة، راحت الولايات المتحدة تدمر علاقاتها مع دول وكتل كان يفترض أن تحرص عليها اشد الحرص، فخسرت كتلة كبيرة في العالم تربو اليوم على مليار ونصف من البشر المسلمين منتشرين في جميع قارات العالم، وخسرت بسبب جموحها الشديد نحو الهيمنة في أوربا حلفاء وأصدقاء، وتسببت الاعتداءات والحروب التي شنتها على أمم وشعوب كثيرة، وميلها الشديد نحو النهب والسطو،  فالأطماع و السعي نحو السيطرة، ما أفقد العالم الغربي وحدته، ولم ينجم عن استخدامها القوة المفرطة إلا أسوء العواقب بنتيجة إجمالية ملحقة الضرر بالمصالح الأمريكية الاستراتيجية.

 الغريب أن لا تستفيد الولايات المتحدة من تجاربها ونكساتها، الولايات المتحدة لا تقبل بعلاقات صداقة، تحالف، بشروط متكافئة، وحين حاولت بريطانيا وفرنسا أن تتصرفا كقوتين عظميين عام 1956، وشنتا بالتحالف مع العدو الصهيوني العدوان على مصر، بدون استلام الأذن والموافقة من الولايات المتحدة، تلقيا عقابا صارماً قاسياً قذف بهما إلى الوراء كدرجة ثانية من القوى العظمى.

 

الولايات المتحدة كانت هي الساعي من إضعاف الاتحاد الأوربي بدرجة لا تقوى على امتلاك إرادتها، بل وقامت الولايات المتحدة بقيادة تكتلان ضمن الاتحاد الأوربي ضد محاولات ألمانيا وفرنسا في جعل وتطوير الاتحاد الأوربي إلى كيان سياسي / اقتصادي / عسكري قادر على المواجهات. وأسست الولايات المتحدة لها أكثر من رأس جسر في أوربا لهذا الغرض : بريطانيا، النرويج، بولونيا، وربما فلندة أيضاً، بدرجة دعت مؤسسات وشخصيات فرنسية وألمانية، التصريح أن معركة أوكرانيا هدفها هو إركاع ألمانيا وفرنسا ..!

 

ما هي ملامح الموقف الحالي (النصف الأول من عام 2022) في الاتحاد الأوربي ...؟

 

1. انسحاب بريطاني رسمي.

2. الاتحاد يوجه عقوبات لخروج المجر (هنغاريا) وإيطاليا من موقف الاتحاد حيال الأحداث الأوكرانية.

3. مظاهرات في العديد من البلدان تطالب بالانسحاب من أوربا (ألمانيا، فرنسا، جيكيا.

4. تلميحات تصل لدرجة التصريح، في شخصيات ومصادر في فرنسا وألمانيا، أن الحرب في أوكرانيا الهدف الأساسي منها تدمير فرنسا وألمانيا ...!

5. إحياء سياسات العسكرة والتسليح،

 

ولنتأمل كيف وماذا وبأي احتمالات وأي سيناريو، ومفردات سيتم هذا الأمر ..

 

تفسخ الاتحاد الأوربي بشكل تام، بعد أن ستقاتل الولايات المتحدة في أوكرانيا على حساب الأوكرانيين، وستحسب ما تمكنت من ذلك، دولاً أوربية، المتروبولات الرأسمالية الصغيرة تقاتل رغماً عنها من أجل المتروبول الأكبر.

تبقى ألمانيا وفرنسا (مؤقتاً) والنمسا، وهولندة وجيكيا وسلوفينيا ضمن الاتحاد الأوربي (كتلة البلدان الألمانية).

أن تنجح قوى اليمين في عدة دول أوربية بالوصول للحكم، فتنشأ تحالفات جديدة مناهضة للفاشية والنازية والعنصرية.

ستكون أميركا غائبة عن المسرح الأوربي، مع وجود بصمات غير فاعلة لها في: بريطانيا، النرويج، بولونيا.

بعد غياب الوجود الفاعل للولايات المتحدة في أوربا، سيشجع قيام أنظمة تميل للتعاون مع روسيا، وخاصة في شرق أوربا.

تشكيل تحالفات سياسية بين قوى:

الأحزاب الشيوعية السابقة، الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية وخاصة (ألمانيا، فرنسا، النمسا، إيطاليا، أسبانيا).

التكتل الروسي / الأرثودوكسي (روسيا، بيلوروسيا، صربيا، وربما: اليونان، بلغاريا، رومانيا، سلوفاكيا أوكرانيا، عدد من الجمهوريات الصغيرة بعد أن تتضح الصورة الأخيرة).

تكتل البلدان اليمينية (في حاول نجاحها بالوصول للحكم).

 7. ستشهد الولايات المتحدة، في الداخل (هي الآن في مرحلتها الجنينية) تحركات وانشقاقات وصراعات أثنية وطائفية، ستتبلور بين أقطاب رأسمالية بكيانات مختلفة، ولكن بجوهر اقتصادي.

8. باختصار شديد .. الأزمة الأوكرانية أطلقت عمليات سياسية واقتصادية، وصراعات خفية وعلنية، والموقف سوف لن يعود إلى ما كان عليه قبل شباط / 2022، ولكن العملية تفضي إلى تضاؤل قيمة أوربا سياسيا واقتصاديا وعسكرياً.

 

هذه مرتسمات عامة، تحتمل التأخير أو التقدم، وشدة الظروف ستعمل على منح النتائج أبعاد جديدة .... ولكن التحولات انطلقت ولا تحتمل العودة

 

 

 

مشكلات الجرف

 القاري التركي / اليوناني

 

د. ضرغام الدباغ

 

بحر إيجة هو أحد أفرع البحر المتوسط طوله 643.5 كم وعرضه 322 كم، يقع بين شبه الجزيرة اليونانية والأناضول، يتصل ببحر مرمرة عن طريق مضيق الدردنيل، وتطل عليه تركيا واليونان.

 الموقع الجغرافي

يقع بحر إيجة بين اليونان من ناحيتي الغرب والشمال، وتركيا من ناحية الشرق، وجزيرة كريت إلى الجنوب. ويسمَّى أقصى جزء جنوبي من بحر إيجة بحر كريت. ويغطي بحر إيجة مساحة تبلغ 179,000 كم². ويبلغ طوله حوالي 640كم، وعرضه أكثر من 320 كم في أعرض جزء له. ويربط مضيق الدردنيل، الذي يقع في الشاطئ الشمالي الشرقي، بحر إيجة ببحر مرمرة.

 

الجزر

تقع جزر عديدة ـ تسمَى الأرخبيل اليوناني ـ في جميع أرجاء بحر إيجة. وتشكِل تلك الجزر مجموعتين رئيسيتين هما السيكلادية، والسْبُورادية. وقد حققت جزر بحر إيجة الجميلة شهرة في التاريخ الإغريقي والأساطير الإغريقية. وبعض تلك الجزر براكين قديمة، مكوَّنة من الحمم، بينما يتكون بعضها الآخر من الرخام الأبيض النقي. والجزر الأكثر أهمية هي : دِلوس وإيوبوي وساموس ولِسبوس ولِمنوس وباتموس ورودس. وتشكِل الجزر الدوديكانية (Dodecanese ) وأكبرها جزيرة رودوس، جزءا من المجموعة السبورادية. وقد انتزعت إيطاليا الجزر الدوديكانية من تركيا عام 1912 وبقيت تحت السيطرة الإيطالية، إلاً أنها ضمت لليونان بعد الحرب العالمية الثانية. وتشكِل جزر الأرخبيل اليوناني مجتمعةً مساحة تبلغ حوالي 6,470 كم².

 

تنقسم جزر بحر إيجه إلى سبع مجموعات

 

جزر بحر إيجه الشمالية.

ايوبا.

سپورداس الشمالية.

سايكلادس.

الجزر السارونية  أو  Argo-Saronic Islands    .

دوديكانس (أو سپورداس الجنوبية).

كريت.

 

الوضع السياسي للجزر

مثلت مشكلة جزر بحر إيجة بوصفها من مخلفات الحرب العالمية الأولى، بؤرة صالحة للألتهاب، فالكثير من هذه الجزر قريبة جداً من الساحل التركي (بضع مئات من الأمتار)، ومعظمها صغيرة لا تصلح لإقامة السكان، ومع ذلك تصر اليونان بالتمسك بها، بل وتسليحها وهو أمر مخالف للأتفاقية الخاصة بالجزر التي تنص على إبقاءها غير مسلحة.

 

الجزر اليونانية منزوعة السلاح في بحر إيجة

تحيط العديد من الجزر اليونانية الصغيرة (أغلبها ضئيلة الحجم) بتركيا من الحدود الجنوبية الغربية لها، ومع أحتمال تواجد مصادر الطاقة (النفط والغاز) تزايد اهتمام جميع الأطراف بها، وتريد اليونان أن تخلق منطقة بحرية اقتصادية واسعة لهذه الجزر، تمثل أضعاف مساحتها، تاركة لأنقرة مساحة اقتصادية ضئيلة لا تتناسب مع طول سواحلها على البحر المتوسط.

 

وكانت اليونان ودولاً غربية أخرى احتلت أجزاء من تركيا عقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وبعد تحرير البلاد من الاحتلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، فقدت تركيا عدداً كبيراً من الجزر، عبر عدد من المعاهدات ومنها معاهدة لوزان التي وقّعها أتاتورك، بعضها لصالح اليونان، والبعض الآخر لصالح إيطاليا، إذ قامت تركيا بتسليم جزر بحر إيجة لإيطاليا، مقابل تعهد روما بنزع السلاح في الجزر القريبة من الحدود التركية. 

 

وأثر هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، انتقلت السيطرة على هذه الجزر إلى ألمانيا خلال ألعمليات في الحرب العالمية الثانية، وبعد الهزيمة في الحرب سلم الألمان هذه الجزر للبريطانيين، الذين سلموها بدورهم إلى اليونان، وتم تثبيت ذلك في معاهدة السلام بين الحلفاء وإيطاليا عام 1947، مع إنكار حق تركيا في الجزر رغم كونها انتزعت من الدولة العثمانية بالأصل، وتشكل امتداداً جغرافياً طبيعياً للأناضول. وبالتالي فأغلب هذه الجزر نقلت ملكيتها لإيطاليا، ثم ألمانيا، فبريطانيا، ثم أخيراً اليونان.

 

وبأعتبار أن التنقيبات البحرية عن مصادر الطاقة في بحر إيجة ترجح وجود كميات اقتصادية من النفط الخام والغاز، فأبتداء منذ الألفية الثالثة، اكتسبت الجزر في بحر إيجة أهمية سياسية / استراتيجية، اقتصادية / عسكرية مضافة، مما رفع حدة التوتر في العلاقات بسبب الوضع الجغرافي للجزر وبعضها يقترب بمئات الأمتار فحسب من الجرف القاري التركي، يتيح لليونان غلق بحر إيجة، ولا يترك لتركيا سوى ممر ضيق جداً ملاصق للأرض التركية ويحرمها الكثير من المزايا الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وزاد من شدة التوتر وتجاهل المصالح التركية، حين عمدت اليونان إلى تسليح الجزر بما يخالف الأتفاقية الدولية.

 

تصاعد التوتر السياسي حول الجزر

 

ـــ الخميس 10 فبراير/شباط 2022، وزارة الخارجية التركية تعلن أن تركيا ستبحث مسألة السيادة على جزر بحر إيجة ما لم تتخلّ اليونان عن تسليحها، مؤكدة أن سيادة الجزر ستكون موضع شك ما لم توقف اليونان تحركاتها.

 

ـــ أرسلت أنقرة رسالتين إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاك اليونان وضع الجزر منزوعة السلاح في بحر إيجة، مشيرة إلى أن هذه الجزر منحت لليونان بموجب اتفاقيتي لوزان وباريس للسلام بشرط نزع سلاحها، لافتة إلى أن أثينا قد بدأت انتهاك ذلك منذ الستينيات.وعلى مدار سنوات، ظلت قضية جزر بحر إيجة مصدراً للخلاف والتوتر بين أنقرة وأثينا،

ـــ وفي سبتمبر/أيلول 2020، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن اليونان سلّحت 18 جزيرة بشكل مخالف للاتفاقيات

 

الوضع القانوني الدولي لجزر بحر إيجة منزوعة السلاح

يمكن تلخيص الصكوك القانونية التي تحدد وضعاً منزوع السلاح لجزر بحر إيجة الشرقية من منظور تاريخي على النحو التالي:

معاهدة لندن لعام 1913: تُرك مستقبل جزر بحر إيجة الشرقية لقرار الدول الست في المادة 5 من معاهدة لندن.

قرار عام 1914 من ست دول: تم التنازل عن جزر ليمنوس، وساموثريس، وليسفوس، وخيوس، وساموس، وإيكاريا وغيرها، اعتباراً من عام 1914 إلى اليونان بموجب قرار عام 1914 من الدول الست (بريطانيا العظمى، فرنسا، روسيا، ألمانيا، إيطاليا، النمسا، المجر) بشرط إبقائها منزوعة السلاح.

معاهدة لوزان للسلام لعام 1923: في المادة 12 من معاهدة لوزان للسلام تم تأكيد قرار الدول الست لعام 1914. نصت المادة 13 من معاهدة لوزان على طرق نزع السلاح عن جزر ليسفوس وخيوس وساموس وإيكاريا. وفرضت بعض القيود المتعلقة بوجود القوات العسكرية وإقامة التحصينات التي تعهدت بها اليونان كالتزام تعاقدي بالمراعاة النابعة من هذه المعاهدة.

حددت اتفاقية المضائق التركية الملحقة بمعاهدة لوزان الوضع منزوع السلاح لجزيرتي ليمنوس وساموثراس. ونصت على نظام أكثر صرامة لهذه الجزر، نظراً لأهميتها الحيوية لأمن تركيا، لقربها من المضائق التركية.

اتفاقية مونترو (Montro) لعام 1936: لم تحدث اتفاقية مونترو أي تغيير في الوضع منزوع السلاح لهذه الجزر. مع البروتوكول الملحق بالاتفاقية المذكورة، تم رفع الوضع منزوع السلاح عن المضائق التركية لضمان أمن تركيا. لا يوجد في اتفاقية مونترو أي بند يتعلق بعسكرة جزيرتي ليمنوس وساموثريس.

معاهدة السلام بباريس لعام 1947: تم تأكيد وضع جزر بحر إيجة الشرقية منزوعة السلاح مرة أخرى في عام 1947، بعد فترة طويلة من معاهدة لوزان. تم التنازل عن "جزر دوديكانيز" من قبل دول الحلفاء لليونان، بشرط صريح، أن تظل منزوعة السلاح، وهذه الجزر  على مرمى حجر من الساحل الجنوبي الغربي لتركيا.

 

اليونان تنتهك الاتفاقات الدولية بشأن الجزر

كان تجريد جزر بحر إيجة الشرقية من السلاح بسبب الأهمية القصوى لهذه الجزر لأمن تركيا. إذ ترى تركيا أن تفسير هذه المعاهدات يجعل هناك صلة مباشرة بين امتلاك اليونان السيادة على تلك الجزر ووضعها منزوعة السلاح. وتقول إنه "لا يمكن لليونان ، في هذا الصدد، عكس هذا الوضع من جانب واحد تحت أي ذريعة ".

وتقول وزارة الدفاع التركية إن المعاهدات الدولية المذكورة أعلاه سارية، وبالتالي فهي ملزمة لليونان، وتحظر بشكل صارم عسكرة جزر بحر إيجة الشرقية، وتحمل التزامات ومسؤوليات قانونية على اليونان.

وتقول الوزارة مع ذلك، على الرغم من احتجاجات تركيا، فإن اليونان كانت تنتهك وضع جزر بحر إيجة الشرقية، من خلال عسكرة الجزر منذ الستينيات، في انتهاك لالتزاماتها التعاقدية. زادت هذه الأعمال غير القانونية لليونان بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وأصبحت نزاعاً حيوياً بين البلدين. وتتهم أنقرة أثينا بتجاهل النداءات العديدة التي وجهتها تركيا لليونان باحترام وضع هذه الجزر منزوعة السلاح.

من جهتها، قدمت اليونان تحفظاً على الاختصاص الإجباري لمحكمة العدل الدولية بشأن المسائل الناشئة عن التدابير العسكرية المتعلقة بـ" مصالحها المتعلقة بالأمن القومي"، بهدف منع إحالة النزاع حول عسكرة الجزر إلى محكمة العدل الدولية.

 

التبرير اليوناني لعسكرة الجزر اليونانية منزوعة السلاح

تحاول وجهة النظر الغربية التقليل من أهمية هذه المعاهدات، إذ تقول إن مسألة الوضع منزوع السلاح لبعض الجزر اليونانية الرئيسية معقدة بسبب عدد من الحقائق. تم وضع العديد من الجزر اليونانية في شرق بحر إيجة، وكذلك منطقة المضائق التركية تحت أنظمة مختلفة من نزع السلاح في معاهدات دولية مختلفة. وقد تطورت الأنظمة بمرور الوقت، ما أدى إلى صعوبات في تفسير المعاهدات.

وتقول اليونان إن من حقها عسكرة جزرها في نفس السياق مثل بقية أوروبا، حيث توقف تطبيق قانون نزع السلاح على الجزر والأقاليم مع إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو، أي وقف نزع السلاح من جزر بانتيليريا الإيطالية، ولامبيدوزا ولامبيون ولينوسا وألمانيا الغربية من جانب الناتو، ووقف نزع السلاح من بلغاريا ورومانيا وألمانيا الشرقية والمجر من جانب حلف وارسو، ووقف نزع السلاح فنلندا. من ناحية أخرى، تدين تركيا هذا الأمر باعتباره عملاً عدوانياً من جانب اليونان، وخرقاً للمعاهدات الدولية.

ولكن يجب ملاحظة أن السياق العام مختلف، فوقف تطبيق نزع السلاح كان مرتبطاً بالصراع بين الكتلة الشرقية الأوروبية بزعامة الاتحاد السوفييتي والكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، وهو نزاع جد بعد الحرب العالمية الثانية، بينما النزاع اليوناني التركي أقدم، والمعاهدات التي فرضت عدم عسكرة الجزر اليونانية جاءت لتنظيم هذا النزاع.

 

أبعاد الصراع التركي اليوناني في البحر المتوسطـ

 

مرت العلاقات التركية اليونانية ، بفترات من المد والجزر منذ استقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية عام 1832م ، نشأت هذه الخلافات التاريخية بينهما بسبب الحدود البحرية ، وملف جزيرة قبرص ، بالإضافة إلى خلافات جديدة تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز في منطقة حوض شرق البحر المتوسط وإيجة

حصلت اليونان ، بموجت معاهدة لوزان عام 1923م ، على مجموعة من الجزر في منطقة إيجة ، لا تبعد هذه الجزر عن الحدود التركية في منطقة إيجة سوى كيلومترين ، بل امتد الصراع إلى منطقة حوض البحر المتوسط الموجود فيها جزيرة قبرص، وذلك مع سيطرة تركيا على 37% من الجزء الشرقي لجزيرة قبرص عام 1974م ، التي أصبحت عقبة أمام تحسن العلاقات بين البلدين منذ عقود .

تركيا ترى أنه من غير المنطقي المطالبة بجرف قاري 40 ألف كيلومتر لجزيرة ميسالصغيرة ، وأن هذا الأمر مخالف للقانون الدولي .

تواصل تركيا كفاحها ؛ للدفاع عن حقوقها النابعة من القانون الدولي في المنطقة، وقد اشتد الصراع شرقي البحر المتوسط ، اعتبارًا من عام 2000م ، في أعقاب اكتشاف حقول الغاز، لتشرع دول المنطقة في تحديد نفوذها البحري .

بيد أن الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها قبرص اليونانية مع كل من مصر عام 2003، وإسرائيل عام 2005م ولبنان عام 2007، هي بداية الصراع الحقيقي في حوض البحر المتوسط، حيث تجاهلت حقوق القبارصة الأتراك، رغم عدم التوصل إلى حل لأزمة الجزيرة القبرصية، الأمر الذي عارضته تركيا وقبرص التركية بشدة ، بل واعتبرته أنقرة انتهاكًا صارخًا لجرفها القاري .

لقد اعتمدت قبرص اليونانية في هذه الاتفاقيات التي عقدتها مع دول المنطقة بشأن تحديد الحدود على مبدأ المسافة المتساوية، المعتمد لدى بلدان اليابسة ، إلا أن هذا المبدأ ليس قاعدة معتمدة في تحديد حدود الجرف القاري ، والمنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدان . في المقابل ينص القانون الدولي وقانون البحار التابع للأمم المتحدة على مبدأ التقاسم المتساوي، في تحديد الجرف القاري والمناطق الاقتصادية الخالصة، وعلى أن الجزر تنال مساحات أقل من بلدان اليابسة بحسب مبدأ " الإنصاف " .

تحاول اليونان السيطرة على جميع الموارد الاقتصادية في حوض البحر المتوسط ، وحصار تركيا في شريط ضيق رغم أنها أكثر الدول إطلالًا على بحر إيجة والمتوسط  متذرعة بجزيرة " كاستيلوريزو "  باليونانية و " ميس"  بالتركية، وتبلغ مساحتها 10 كيلومترات مربعة ، وتبعد عن البر اليوناني نحو 580 كيلومتر، وتتبع لها عمليًا بموجب اتفاقيات دولية ، وتبعد عن البر التركي نحو كيلومترين، وتطالب اليونان بجرف قاري لهذه الجزيرة 40 ألف كيلومتر، لكن تركيا ترى أنه من غير المنطقي المطالبة بجرف قاري40 ألف كيلومتر لهذه الجزيرة ، وأن هذا الأمر مخالف للقانون الدولي .

كانت شركة " نوبل إينرجي " (ومقرها تكساس)  أول من أعلن عام 2011  اكتشاف الغاز قبالة قبرص في حقل " أفوديت "  الذي يقدر احتضانه 4.5 تريلون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ، واستمرت قبرص بالاتفاق مع دول عدة دون الرجوع لتركيا .

عام 2014م أعلنت تركيا " قواعد الاشتباك "  في حوض المتوسط ، وأشارت من خلالها إلى استعدادها للتصدي لأي محاولة للتنقيب في جرفها القاري والمياه الإقليمية لقبرص اليونانية دون اتفاق معها، وإثر ذلك اعترضت سفن حربية تركية سفينة التنقيب التابعة لشركة " إني " الإيطالية المتعاقدة مع قبرص اليونانية في حوض البحر المتوسط ، لأن البوراج تقوم بمناورات عسكرية في المنطقة عام 2018م .

تُعتبر الاتفاقية التركية الليبية ، مكسبًا سياسيًا وقانونيًا مهمًا لتحركات تركيا في البحر المتوسط ، رغم أنها لا تعتبر الحل النهائي للخلافات القائمة

تُعتبر الاتفاقية التركية الليبية ، مكسبًا سياسيًا وقانونيًا مهمًا لتحركات تركيا في البحر المتوسط، رغم أنها لا تعتبر الحل النهائي للخلافات القائمة بشأن مناطق النفوذ البحرية في المنطقة .

في الآونة الأخيرة وصلت العلاقات بين البلدين ، إلى التصادم المباشر في المنطقة، إثر إعلان تركيا إخطارا يُعرف باسم " نافتكس"  لإجراء مسوح اهتزازية في منطقة من البحر، بين جزيرتي قبرص وكريت في 21 من يوليو / تموز من العام الحالي ، تحت إطار مُذكرتي التفاهم التركية الليبية، اعتبرت اليونان هذه التحركات محاولة للتعدي على جرفها القاري، أي الجرف القاري التابع لجزيرة " ميس "، وترى أنقرة أن هذا مخالفًا للقانون الدولي وقانون البحار .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 المصادر

1. الموسوعة الألمانية.

2. بحث كتبه الطالب العربي محمد عبد الكريم العلي.

3. كونسيريتوم : اتحاد مالي بين بنوك أو شركات من أجل هدف مشترك

 

المركز العربي - الالماني

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

 

مصير نظام ولاية الفقيه

 

ضرغام الدباغ

 

 

الأجراس تقرع ... فالمستحقات التاريخية قد أزفت، والصخب يعلو، تسمع حتى من به صمم، أن العالم بأسره على شفا متغيرات عميقة، ومن  لا يمتلك حساً تاريخياً سيفوته التحرك وفق الإيقاع الصحيح، وقد يخسر المباراة، ومن لا يؤمن بالشعب وبحركة التاريخ، سيقع في أوهام يحيكها بنفسها، ثم يقع فيها كشراك هو وليس غيره، وسيكون خارج جدول المباريات.

 

عام 1985، كنت ببغداد في جلسة مع 3 أصدقاء مخلصين، يمكنك التحدث أمامهم دون تحسبات، أن التيار السياسي الديني الإيراني قوي، لأنه يستولي على ذهن قليلي الثقافة والتعليم، وهم للأسف الأكثرية في إيران(وفي مجتمعات الشرق عموماً وإن بنسب متفاوتة)، قلت لأصدقائي، أن التيار الديني سيحكم إيران لنحو نصف قرن إلا إذا حدث أمر ما بتأثير خارجي. والتأثير الخارجي دائماً مؤثر في إيران. ومن يقرأ التاريخ بعلمية، يعلم أن المخابرات الأمريكية أسقطت حكومة د. مصدق عام 1954 أسقطت بواسطة مصارعي الزورخانات، ومدلكي الحمامات، وشقاوات وزعران البازار.

 

خلافاً لما يعتقده الكثير، وتروج له دوائر الغرب (مع معرفتها بأنه خطأ) أن إيران كيان سياسي حديث، والتاريخ لم يعرف كياناً بهذا الاسم إلا عام 1935، والمساحة خلف جبال زاغروس تناوب على الهيمنة عليها شعوب كثيرة من بينها الفرس، وبينهم سلالات تركمانية وآذرية/ تركية، وتسمية إيران تلفيق ابتدعته بريطانيا لتأسيس كيان يكون تماماً تحت خدمة مشاريعها السياسية. وله وظيفة واحدة، أن يقف حاجزاً بوجه الاتحاد السوفيتي، ويلعب دور المشاغب صانع مشاكل (Troublemaker) في الشرق الأوسط.

 

والغرب لا يهتم كثيراً من يقود الدفة، يهمه أن يقودها صوب أهداف يحددها هو، وفي حالة الفشل، أو ضرورات أخرى تحكمها السياسة، يمكن استبدالها بشخص آخر، ليس شرطاً ماذا يرتدي، عساه يرتدي مايوه سباحة، المهم أهدافنا ..! وهذه لعمري ممارسة صحيحة للبراغماتية ...! والغرب هو صانع الكيان السياسي المسمى إيران، لذلك هو من يحدد شكل وطبيعة الأهداف المقبلة، ومن سيلعب دور البطولة والأدوار الثانوية.

 

نظام الملالي كان خير من يحكم هذه الرقعة الجغرافية المستولى عليها والتي يمثل الفرس فيها الأقلية الأكثر تأثيراً، والكيان الذي أسسوه كان مهمته سلب العرب إقليم الاحواز لكي لا يصبح الخليج العربي بحيرة عربية، ولكي لا يضاف احتياطي نفطي هائل للأمبراطورية النفطية العربية. واقتطعوا بلوشستان من أفغانستان، لكي لا يضيفوا قوة 5 ملايين إضافية على قوة سكان افغانستان 40 مليون نسمة،  أما الآذريون فيمثلون حجارة سنمار في البيت الإيراني، إذا اقتلعت، وهي ستقتلع يوماً، للالتحاق بالوطن الآذري في الشمال، ينهار الكيان الإيراني بأسره، وتكون نقطة انطلاق لفعاليات تركية في عموم منطقة أواسط آسيا.

 

بوجيز العبارة، إيران كيان خلق لأغراض وغايات الدول الاستعمارية، ولهذا فأن مصيره بصرف النظر عن هوية النظام الذي يحكمه (قاجاري، شاهنشاهي، ولاية فقيه)، هو بنسبة كبيرة بيد وإرادة الدول العظمى. ونظام الملالي (ولاية الفقيه) الذي  تأسس عام 1979 تحت إشراف ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية هو مقبول ومدعوم ومسكوت عنه وعن جرائمه، طالما هو منفذ مطيع (كمحصلة) للتوجيهات، ولكن في اللحظة التي تصبح الخسائر أكثر من الأرباح، وأضراره أكثر من منافعه، تكون نهايته قد حلت.

 

نظام ولاية الفقيه نظام رجعي في فحواه وسداه، لذلك فهو معاد للتاريخ، ومعاد للتقدم ... وهذا العداء يتمثل بجلاء بالنتائج المادية لما يطلق عليه بالثورة الإسلامية، فهو في عداء مستحكم بكافة الشعوب المجاورة، فالنظام لا ينتج سوى الصدامات الدموية وأدواته من القوى والتشكيلات التي قائمة على مذهب التوسع بالقوة، ومنع عمليات التطور التاريخية في التنمية، ويصر على تصدير الخرافات الغيبية التي تتعارض مع جوهر التقدم والتنمية، وقمع دموي للقوى التقدمية في الداخل الإيراني وفي دول المحيط، وهذه النتيجة السوداء تضعه كمساعد أول للهجمة الإمبريالية على مشاريع التنمية والتقدم، وأن حالة العداء لا تتعدى الشعارات اللفظية، وأن النظام الإيراني (ولاية الفقيه) يقف في مقدمة المعوقات الحقيقية لمساعي بلدان وشعوب المنطقة في التحرر والتنمية.

 

الشعب الإيراني بكافة مكوناته، لأنه في الواقع مقدمة ضحايا هذا النظام المتخلف الدموي، هو في مقدمة من أدرك الطبيعة التراكبية للنظام، وهو ليس سوى أداة من أدوات حرف المسيرة التاريخية عن طريقها، لذلك يقدم الشعب الإيراني التضحيات بسخاء من أحل الخلاص من نظام الملالي، وما انتفاضته الحالية (أيلول / 2022) إلا حلقة في سلسلة ثورته التي ستتوج بالنصر .. كثمرة مستحقة للنضال الوطني، فالجماهير تهتف في الشوارع الإيرانية " آزادي " حرية .   والنظام يقمعها بوحشية وحراب  ما يسمى بالحرس الثوري، تحت وطأة غبار الخرافة والتخلف الولاءات الغير شرعية.

 

سينتهي كل هذا يوماً .... ويصبح من الماضي، والنظام الاسود الذي تريد أن تصدره بدعم الإمبريالية العلني والخفي سيرتد يوماً مدحوراً .. وستعيش الشعوب مرحلة جديدة من البناء والتعمير والتعاون المثمر المفيد سياسيا واقتصاديا وثقافياً. يوم سيأتي حتماً مهما غلت تضحيات النضال.

 

الزيادة كالنقصان

 

ضرغام الدباغ

 

 

هذا المثل / الحكمة، العربية الرائعة، وفي السياسة يقابلها التطرف (وقد كتبنا عن مخاطر الانزلاق للتطرف في مجال السياسة)، والزيادة مبالغة والمبالغة مأزق لا يقل ضررا بل ويصل لدرجة الخطورة وسوف أشرح ذلك.

 إذا أردنا أن نصل بسرعة فائقة لبيان جوهر أمر ما نقصده، يمكن أن نضرب مثلاً بنوع من الأدوية التي تسمى "المنقذة للحياة"، " life-saving medicines " وتحدد الوصفات التي تحتوي على الاستخدام الدقيق جداً للدواء، فقرة تنص، أن المريض وفق درجة حالته، عليه أن يأخذ نصف حبة، أو ربع حبة، أو نصف حية، أو حبة، أو حبة ونصف أو حبتين، وحين يأخذ نصف حبة يجب أن تقسم الحبة إلى نصفين متساويين بدقة تامة، وأي زيادة ولو بالمليغرام الواحد قد تكون مميتة ..!

 وكمثال أقرب أن هناك من أنواع الدواء ذا فعالية شديدة، ما أن يتناوله المريض يكون فعالاً في الشفاء، ولكن حبتان أو أكثر قد تؤدي إلى وفاته ..! وكم سمعنا وقرأنا من المشاهير انتحروا بتناول كميات كبيرة من حبوب العلاج ...!

إذا كان المثالان أعلاه واضحان بدرجة حاسمة، فإن الزيادة والنقصان في التعامل الإنساني يقترب أيضاً من الحسم بهذه الدرجة. وسأضرب بعض الأمثلة. فألتهام كمية كبيرة من الطعام اللذيذ سيؤدي للتخمة، ومراجعة المستشفى، وربما بحالة خطرة، كذلك فأن المحبة المفرطة وتدليل الطفل هي أفضل طريقة لإفساده وتدميره، والأم وأحيانا الأب يفعلان ذلك بدوافع المحبة الزائدة .. ولكنهما لا يدركان فضاعة ما يفعلان وغالبا بسبب الجهل.

 

بوسعي أن أضرب الكثير من الأمثلة المدهشة، الاجتماعية والصحية والتربوية. ولكنني أريد هنا أن أتوجه للموضوعات السياسية، فأقول، أن الزيادة في السياسة هي المبالغة، والمبالغة في الشيئ تعني التطرف فيه، وقد نصل إلى ذات النتائج العكسية كما في العملية الاجتماعية والتربوية. فالتطرف اليساري، يؤدي إلى موقف يميني، والتطرف في اليمين، يقود إلى الرجعية، والقبول بالبراغماتية كدليل نجاح أسليب العمل، سيؤدي إلى التنازل عن المبادئ، واليساري حين يصبح براغماتياً، يحلل لنفسه ما يتناقض مع الآيديولوجيا. فبحر السياسة فيه تيارات ودوامات مغرقة مهلكة.

 

أريد القول، أن على الذي يتعرض لموقف مهم وحاسم، عليه أن يقيم توازناُ بين الواقع الموضوعي ومعطياته، وبين المصالح العليا التي يريد السياسي تحقيقها ومعضلاتها. وإذا كان تحقيق المصالح العليا هي الهدف الاستراتيجي العام، فعلى السياسي أن يضع خططه، بحيث لا يتعرض موقفه إلى مأزق، بحيث يضطره التنازل عن جزء (غير معروف حجمه)، ولكي تكون خطواته موزونة مدروسة بعمق، (والسياسي المتمكن من مهنته)، عليه أن يدرس ردود فعل  الطرف المقابل/ الأطراف، وحتى ردود الفعل المحتملة، وتفاصيل الموقف برمته بكافة عناصره.

 

وإذا كنت تمتلك عناصر القوة، فلا تبالغ في أستخدامها، ولا تظهر التطرف والغلو، ولا تميل إلى إطلاق التصريحات السخية فكلمة لا داع لها قد تتسبب لك بمشكلة، أنتق عبارت حديثك، وتأمل دائماً موقف خصمك، وضع نفسك مكانه، ودع له فرصة ليجلس على طاولة المفاوضات، والخصومة حالة مؤقتة، والأفضل أن تتمكن من أن تحيلها إلى تعاون ومراعاة مصالح الطرفين.

 

استخدام القوة ستكون سببا مؤكداً أن تستخدم القوة ضدك وربما بقوة مضاعفة، وعليك أن تعلم أن لا أحد يسلم بحقوقه، ويتنازل عنها بالقوة، وحتى الأتفاقات تحت الإرغام هي اتفاقات لا أمد طويل لها، وضعت بكم ظروف سياسية، وسيعاد النظر بها في ظروف سياسية، بل وقد تخسر أكثر منها ...

 

 

الأمم المتحدة

 

ضرغام الدباغ

 

للحق لا يمكن وصف تراجع أداء الأمم المتحدة بالجديد ، فقد تعاملت الولايات المتحدة بوصفها دولة المقر، دائماً على أن الأمم المتحدة والمنظمات الاقتصادية الدولية تعمل (غالباً) وفق مشيئتها، ولاسيما المنظمات الاقتصادية،(صندوق النقد الدولي " IMF  " والبنك الدولي للتنمية والاعمار ." IBRD ") وقد نشرنا قبل سنوات، أن الأمم المتحدة كانت تتلقى " التعليمات " من وزارة الخارجية الأمريكية حتى في أعز أيامها،  وليست هناك سوى مرات نادرة خرجت فيها الأمم المتحدة عن إرادة الولايات المتحدة، ولا سيما في تلك التي تختص بالقضية الفلسطيني،. وفي المقدمة القرار التاريخي الذي وصف الصهيونية بالعنصرية.

تشهد الأمم المتحدة في تاريخها على مستوى الأمناء العامون (9 أمناء) قدرتها في عملية اختيار الأمين العام، ثم بممارسة نفوذها خلال عمله، وفي قضية التمديد له ولاية جديدة (استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد إعادة انتخاب الدكتور بطرس غالي لولاية ثانية)، وهناك شكوك تحوم حول مصرع الأمين العام الثاني السويدي داغ همرشولد بحادث طائرة مدبر، لأن مصرعه (أيلول / 1961) كان ضرورة في مسار القضية الكونغولية.

وكان التعامل مع الأمم المتحدة يجري على أنها تقع تحت نفوذ الولايات المتحدة،  وحتى في مرحلة ذروة الحرب الباردة كانت الأمم المتحدة تعمل بتوجيه من وزارة الخارجية الأمريكية ونجد تلميحات وتصريحات، بهذا الصدد، ومنها موقف الأمم المتحدة أبان الأزمة الكوبية (تشرين الأول / 1962)، ورغم ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة على منح تأشيرة الدخول (الفيزا) إذ كانت تلجأ إلى المماطلة والتسويف، ولكن دون الامتناع الصريح.

منذ عام 1989 وحتى نيسان / 2003 ناصبت الولايات المتحدة العراق حالة العداء،  وكانت منظمة الأمم المتحدة للأسف إحدى الأدوات السياسية الرئيسية التي استخدمتها الولايات المتحدة في العدوان على العراق، باستخدامها المنظمة كأداة لاستصدار القرارات المبنية على أدلة مزورة، أو بممارسة الضغط  السياسي والرشوة.

ومن المؤسف القول أن اختيار الأشخاص لمنصب الأمين العام كان أمرا يخضع للعوامل السياسية، وعلى الأرجح بالقدر الذي يتيح للولايات المتحدة ممارسة الضغط على الأمانة العامة، وبعض الأمناء العامون من أميركا اللاتينية وأفريقيا، كانوا عرضة للضغط السياسي والمالي، فلم يتمكنوا من أداء واجبهم بعيدا عن الضغط الأمريكي إلا نادرا. أما فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، فقد كانت عبارة عن فرق تجسس واضحة بصورة تامة، تابعة للولايات المتحدة، وفيما بعد، كشفت الأحداث اللاحقة أن هؤلاء لم يكونوا سوى عملاء لوكالة المخابرات الامريكية، سواء المواطنون الأمريكيون منهم، أم من حملة الجنسيات الأجنبية المختلفة، فقد عملوا وفق عقود مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

أما خلال الأزمة الأوكرانية الحالية (شباط / 2022 فصاعداً) فقد تجلت الهيمنة الأمريكية على المنظمة بأوضح صورها، حين امتنعت عن منح وزير الخارجية الروسي التأشيرة اللازمة للهبوط في مطار نيويورك، من أجل حضور الجلسات العامة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، كما بدا واصحاً أن الأمين العام نفسه ليس سوى ضحية للتهديد والأبتزاز، وليس بوسعه أتخاذ حتى القرارات البسيطة.

تطرح هذه المعطيات وغيرها، التي تعطل عمل المنظمة الدولية، وتخرجها من إطار العمل الجماعي، إلى الضرورة الحاسمة لاستبدال المقر العام للأمم المتحدة، إلى بلد يستطيع مواجهة الضغوط الأمريكية، كفقرة أولى في الملف الدولي الذي يحمل عنوان ... " الحاجة الماسة لإصلاح جذري لمنظمة الأمم المتحدة ".

 

هل يتجه العالم لتصفية آثار

 

ونتائج الحرب العالمية الثانية

 

ضرغام الدباغ

 

مثل التوسع هدف الحروب الاستعمارية في ظاهرها وجوهرها، التوسع والضم والإلحاق، ونهب ثروات البلدان المستعمرة، وفي حالات كثيرة كان سكان وشعوب البلدان التي تتعرض للغزو الاستعماري يستخدمون جنوداً بالسخرة ووقوداً لحروب وفتوحات استعمارية، وضحايا مجانية للحروب الاستعمارية.

وكما في معطيات الطبيعة، هناك ما يطلق عليه في علم الجيولوجيا، الهزات الارتدادية (Aftershock) فكثيرا ما تقود الحروب الاستعمارية إلى حروب أخرى، ذلك أن المنتصرون في الحرب غالباً ما لا يحكمون العقل بقطف ثمار انتصارهم، فيبالغون في الاستيلاء على ممتلكات المنهزم، من منقولات: ممتلكات مصانع، وأموال وذهب، يتحولون بعدها إلى تقاسم ما يمتلك من مصادر ثروات غير قابلة للنقل، أراض ومصادر ثروات طبيعية ومناطق استراتيجية، موانئ، منافذ بحرية، إطلالات استراتيجية ...الخ

وإذا كانت الثروات والغرامات قضية يمكن أن تتجاوزها الدول بمرور الزمن، ولكن المناطق المستولى عليها (عبر اتفاقيات الإذعان) ستمثل عقدة يصعب حلها في العلاقات بين الدول، ولا سيما بعد زوال الظروف السياسية التي أدت إلى الصراع المسلح، وقيام معطيات جديدة وآفاق جديدة تستلزم العمل والتعاون السياسي/ الاقتصادي، وبالتالي العمل كفريق حيال مهمات ومستحقات حديثة، ستحول تلك العقد دون المضي  في قدما في مجالات التعاون، وستمثل عائقاً، وقد تقود إلى بؤر خلاف تحتمل الالتهاب والتطور إلى أزمة، والأزمة قابلة للتصعيد إلى حالات ومواقف قد لا تنجح الدبلوماسية في نزع فتائلها.

في أروقة الأمم المتحدة (ولابد من قول أنها لم تنجح تماماً في حل المشكلات وبؤر التوتر)هناك دوائر مختصة بدراسة الملفات العالقة، والتي تمثل قنابل موقوتة قابلة للألتهاب والانفجار في أي وقت، ومن يقرأ هذه الملفات يلاحظ أولاً كثرة عددها، وثانيا أنها تعود للعصور الاستعمارية والحربين العالميتين الأولى والثانية، فالمستعمرون حين اضطروا إلى مغادرة البلاد، خلفوا ورائهم مشكلات تستعصي الحلول، فيندر وجود إقليم في أوربا وآسيا (شبه القارة الهندية) وأفريقيا وأمريكا اللاتينية(جزر المالوين / فوكلاند)، تخلو من هذه المشاكل. ورغم مرور عقود على بعض تلك المشاكل إلا أن الملفات الشائكة ما تزال على الطاولة يمكن طرحها في أي وقت، وتلقي بظلالها القاتمة على العلاقات بين الدول.

وكان الروس قد اضطروا في الحرب العالمية الأولى وبعد ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى، إلى عقد معاهد صلح إذعان (معاهدة صلح بريست) مع ألمانيا، تنازلوا فيها عن أراضي واسعة ومدن، وثروات طبيعية، ولكنهم في سياق تطور الحرب العالمية الثانية، تمكنوا من استعادتها، وهناك مقاطعات أخرى تنازل عنها الروس طوعا، (فنلندة، بولونيا)، أو بسبب قيام الكيان السوفيتي التي استلزم بعض التعديلات الهامة، فتنازل الاتحاد السوفيتي (طوعاً) عن أقليم القرم (شبه جزيرة القرم) لصالح اوكرانيا وخلق كيان لم يكن موجوداً، وافق الروس على إنشاؤه (أوكرانيا). ولكنها اليوم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، تطرح جمهورية روسيا الاتحادية في خضم توتر دولي، مسألة إعادة النظر في تلك التعديلات.

في أوربا مسألة أخرى تطرح نفسها بوصفها ملفا ساخناً، هي جزر بحر إيجة المتنازع عليها بين تركيا واليونان، فهذه أخذتها من تركيا (بعد الحرب العالمية الأولى)رغم أن معظمها لا يبتعد علن الساحل التركي سوى مئات الأمتار أحياناً، وهو ما يخالف القانون الدولي، ومنح بعضها الآخر لإيطاليا، وبعد الحرب العالمية الثانية اعتبرت إيطاليا من الدول المنهزمة، أخذت منها الجزر وسلمت لليونان، ولكن القرار الدولي نص أن تكون الجزر وكثير منها غير مأهولة، أن تكون غير مسلحة، ولكن اليونان أخذت تدريجيا مستفيدة من أجواء التوتر الدولي، تسلحها وتعتبرها من ضمن ملكيتها، وتضمها للمناطق الاقتصادية لها، بما قد تتوفر بها والمياه المحيطة بها من ثروات طبيعية، وهنا تتفاقم مشكلة من غير المستبعد أن تقود لنزاعات دولية.

وتعسف المنتصرون في ختام الحروب، قد يتجاوز في مداه ما هو محتمل ومقبول، لذلك يشتهر المثل " الحروب تلد حروب أخرى ". والمقصود بنتائجها وآثار ها الجائرة، وهذه تجلت بشكل متعسف في معادة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى في أوربا والشرق الأوسط، ومن تلك إضعاف ألمانيا بدرجة متطرفة وسلبها أراض وطنية عريقة تاريخياً  مثل بروسيا الشرقية، فدولة بولونيا لم تكن موجودة قبل الحرب العالمية الأولى، ولكن بأراض اقتطعت من روسيا وألمانيا تأسست دولة بولونيا كما أن دولة جيكوسلوفاكيا لم تكن موجودة، وكذلك دولة المجر ويوغسلافيا.

وإذا كانت الحروب فرصة للتوسع، وتحقق الدول المنتصرة من خلالها إرادتها ليس في التوسع فحسب، بل وإضعاف الدول المنهزمة إلى أقصى درجة ممكنة بحيث لا تشكل خطرا في المستقبل القريب والبعيد. ولكن لا شيئ كالسياسة موضوعة قابلة للتغيير والتطور، فالضعيف لن يبقى ضعيفاً إلى الأبد، وكذلك الصغير، فهذه معطيات قابلة للتغيير، وتطرح نفسها كمستحقات بعد تغير ملموس على مسرح العلاقات الدولية.

والحقيقة أن كل من هذه الملفات تحتاج لبحوث معمقة ولكن ما نريد قوله، أن النظام العالمي بدأ يتفتت، والدول التي سلبت منها أراض بنتيجة الحروب العالمية(الأولى والثانية) تلمح اليوم مطالبة بتسويات جديدة، وأن المنتصرون تعسفوا كثيراُ وألحقوا أضرارا جسيمة آن اليوم وقت تصحيحها. فالأراضي الألمانية التي انتزعت من ألمانيا وضمت لبولونيا خاصة، اليوم تلمح الحكومة البولونية أن ألمانيا ترمقها بعين المطالب بعودتها للوطن الألماني.  وكذلك تركيا تطالب بجزرها في بحر إيجة القريبة من سواحلها، وهي مطالب تبدو عادلة وتستحق إعادة التسوية.

وكما في أوربا، فهناك ملفات وبؤر قابلة للأشتعال في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، من مخلفات الحربين العالميتين، والعهود الاستعمارية، تم تصفية بعضها، ولكن ما تزال أخرى مطروحة تنذر بهبوب العواصف .

هذه ملفات نعد قراءنا بأن نبحث كل منها على حدة. في اليوم من الملفات التي وضعت تحت المجهر ...!

 

 

الشهور القليلة المقبلة ستحدد

 مسارات السياسة الدولية

 

ضرغام الدباغ

 

نشر الصديق الصحفي البارز ليث الحمداني في جريدته الورقية " البلاد " التي يصدرها في كندا / اونتاريو، العدد 245 / آب / 2022 الصفحات 28 / 29. مقالا في غاية الأهمية، مترجماً عم المجلة الامريكية المشهورة "    Foreign Policy  " السياسة الخارجية ". للكاتب ميشائيل هيرش (Michael Hirsh)  والمقال بعنوان

 "We are now in a Global Cold War  "  وقدمها مترجمها للعربي بعنوان " العالم مقبل على حرب باردة جديدة، وهذه ملامحها " ووضع لها عنوانا فرعيا " ربما تكون الحرب الباردة قد أنتهت قبل ثلاثة عقود، ولكن هناك نوعا آخر مختلفا تماماً من الحرب الباردة يبدأ الآن ".

ورغم أن كاتب المقال، وهو متمرس في الكتابة والتحليل، إلا أنه لم يفلح في إقناع القارئ لماذا قررت الولايات المتحدة تصعيد التأزم وصولاً إلى الحرب الباردة / الساخنة في بدايتها (أوكرانيا)، ولم يتمكن من تقديم ذريعة واحدة سوى توجيه  مصطلح غير معروف في السياسة " نظام سلطوي " ولكن لم يقدم لنا ولو مفردات بسيطة ما هو النظام السلطوي ..؟ مع أننا نعلم أن كل نظام لدية سلطات، لا يوجد نظام بلا سلطة، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها، ولكن هذه لوحدها ليست مثلبة تستحق لا حروب باردة ولا حروب ساخنة  ..!

 ويضع الكاتب حدوداً لستار حديدي جديد من ماريوبول / البحر الاسود في أوكرانيا، وحتى تايبيه في تايوان  (فيه ثغرات واسعة)، لا يقوم على أساس عرقي ولا أيديولوجي، ولا ديني. ولكن القارئ اللبيب يقرأ بوضوح بين السطور، أن الولايات المتحدة لا تريد أن " تسمح " بقيام دولة كبيرة تنافسها، أو مجموعة دول وإن مثلت هذه الكتلة الأكثر سكانا ومساحة، وفي الحجم الاقتصادي، والولايات المتحدة والغرب عموماً (وإن بدرجات متفاوتة)، والكاتب لا يذكر " بالطبع " أسباب هستيريا الولايات المتحدة الحقيقية في تخبطها في منطقة المحيط الهادئ وحتى أوكرانيا.، فنراه يذك ذرائع شبه وهمية ويتبنى ما يطرحه المتحدث بأسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي :

 " أنه انعكاس لمخاوف جلفاءنا المماثلة بشأن الممارسات الاقتصادية السيئة، وأستخدام العمالة القسرية، وسرقة الملكية الفكرية والعدوانية ليس في المنطقة ولكن في أرجاء العالم ".

 وكل كلمة في هذه الجملة ليس لها مدلول محدد دقيق يستحق أن يكون أساساً لموقف دقيق. فماذا يعني مثلاً الممارسات الاقتصادية القسرية ...؟  فأنا متخصص بالعلاقات السياسية الدولية ولم أسمع أو أقرأ مصطلح الممارسات الاقتصادية القسرية، وهل مارس أحدا غير الولايات المتحدة وحلفاءها ممارسات اقتصادية سلبية ..؟ والعدوانية في جميع أرجاء العالم، فهل بالامكان ذكر مكان في أميركا اللاتينية وأفريقيا تدخلت فيها الصين أو روسيا بشكل عدواني ..؟

 

الصدام بين الاتحاد السوغيتي والغرب بقيادة الولايادة المتحدة، كان صراعا آيديولوجياً وبين الرأسمالية والاشتراكية، ولكن ما هو سبب الصراع بين الصين وروسيا والغرب ..؟

 وكاتب بمستوى هيرش، ومجلة بوزن فورن بوليسي، تنحدر لهذا المستوى الضعيف في تقديم (argumentation) علمي يقنع القراء، وليس طرح لا يرتفع عن مستوى نشرة إعلامية، من مستوى إعلام منحدر. ونشر مقالة كهذه وفي مطبوع عرف بالرصانة، لا يدل سوى على وضع محرج يجد الغرب والولايات المتحدة نفسها فيه بدرجة خاصة.

 الكاتب يعتبرها خطوة خطيرة جداً أن تعقد الصين اتفاقية مع دولة جزر سليمان، لرسو السفن وتقديم الخدمات لها، والولايات المتحدة تعتبر هذا توسعا خطيراً ولا تعتبر قواعدها الكثيرة في المنطقة أمراً مقلقا للأمن والسلم. رغم أنها شنت الحروب العديدة في منطقة المحيط الهادئ قديما وحدثاً " الفلبين، اليابان، كوريا، فيثنام، كمبوديا، لاؤوس ".

 في الولايات المتحدة يعتبرون تقدم أن الصين وروسيا الاقتصادي وفي ميدان التجارة العالمية تهديد وخطر داهم ...! والمقياس في تقييم أوضاع أي دولة هو قبولها بالهيمنة الأمريكية المطلقة، وهو ما لا تقبله حتى معظم الدول الأوربية نفسها، كفرنسا، وألمانيا ...

 حسناً أن يتيقن الكاتب هيرش وغيره، أنهم في الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبوا جريمة العصر، بتدميرهم العراق بدون سبب، وكذلك ليبيا، وحتى أمعنوا بتدمير أفغانستان، وبعدها ليكتشفوا أن كل ما فعلوه كان خطأ فادحاً ... وماذا بعد ...؟

 ــ إذا كان طرفا دولياً ينتهج عقيدة مغايرة أو مخالفة للولايات المتحدة، يضع نفسه في موضع الخصوم.

ـــ إذا انتهجت دولة سبيلاً سياسيا / اقتصاديا/ اجتماعياً غير ما تفعله الولايات المتحدة، فأنت تضع نفسك في موضع الخصم.

ـــ إذا وجدت دولة مصلحة لها مع دولة لا ترضى عنها الولايات المتحدة، فقد وضعت نفسها في موضع المعاداة.

 والتقرير يشير بوضوح إلى أن احتمالات أن تتجه المساعي الصينية / الروسية إلى إنتاج نظام دولي جديد، هو أمر مرفوض تماماً من الولايات المتحدة، والنظام الدولي الذي لا تقبل بغيره نظاماً، هو ما يظمن أن يكون الدولار العملة الوحيدة للتبادل الدولي، وأن تقرر ما يصلح وما لا يصلح من قواعد للتجارة الدولية، وسقف القوة العسكرية، وبمعنى آخر الهيمنة المطلقة، ولا تقبل إلا بالقليل جداً من المشاركة حتى من طرف حلفاءها الغربيين.

 ويورد الكاتب هيرش مقولات مسؤولين أمريكيين، وكتاب،  ويكتب أحدهم (فيليب زيليكو) مسؤول في إدارة الرئيس السابق بوش الأبن حرفياً " إن الحاجة إلى نظام عالمي دولي جديد هو بكل وضوح هراء. وأن النظام الدولي القديم " بعد الحرب العالمية الثانية" ما يزال صالح للعمل رغم بعض الكوارث ، كوريا وفيثنام/ وكارثة غزو العراق 2003 ".

 ويضيف الكاتب، أن تاريخ الولايات المتحدة لم يشهد في مجال السياسة الخارجية كارثة أكبر من غزو العراق، وهي من بين "الذرائع التي اعتمتد عليهها بوش في حرب أوكرانيا وع أحداث ليبيا وسوريا والعراق وهذه جميعها تمت بدون معايير قانونية ".

 ويعترف ميشائيل هيرش، أن مهما أختلف الرؤساء الامريكان بين جمهوري وديمقراطي، فإن الأيادي الآثمة التي ارتكبت تلك الجرائم ما تزال طليقة، بل وتواصل الولايات المتحدة المضي في نفي الأساليب، المخالفة للمعايير القانونية والدولية والانسانية.

 مهما حاولت الولايات المتحدة، فإن النظام الدولي الذي تهيمن عليه وتضبط إيقاعه لم يعد تحت سيطرتها وهيمنتها، وتتزايد الرقعة الجغرافية التي تفلت من النظام الإمبريالي / العولمي وأعداد البشر على ظهر الكوكب خارج إشعاع سيطرتها، التي تتقلص باطراد متواصل، ولن تجدي كثير سياسة إشعال الحرائق، والشعارات الديماغوجية " حقوق الإنسان، الديمقراطية " ففي الواقع ليس هناك من يعادي هذه المثل الإنسانية أكثر من الولايات المتحدة نفسها، ومن المستبعد أن تنصت إلى صوت الحكمة  التي يطلقها فلاسفة ومصلحون، والازمة الأوكرانية ستكشف حقيقة، أن الشعوب التواقة للحرية والعدالة والتنمية بعيداً عن أيادي النهب والاستغلال ويتسع المعسكر المطالب بالتغير ... وليست هناك قوة بوسعها إيقاف عجلة التاريخ.

 

سيناريو الحقد الاسود

 ضرغام الدباغ

 

نزل الخميني (1/ شباط / 1979) في مطار طهران بطائرة فرنسية، وسرب طائرات أمريكية تقوم بحماية طائرته في الأجواء التركية والإيرانية، وفي جيبه برنامج يتضمن أمر واحد فقط : أحرق المنطقة ابتداء من العراق.

والمبالغة شأن فارسي تقليدي (شاهنشاه أريا مهر، الاميرة شمس الشموس، آية الله، حجة الإسلام والمسلمين)، لذلك كان الخميني قد تعهد لمن كان يقابله من رجال المخابرات الأمريكية " أسقطوا لي نظام الشاه والسافاك، ودعوا موضوع الشرق الأوسط بعهدتي، فسوف نشعل أوار حرائق لا تنطفئ .. وأحقاد دموية لا تجف. فقط أوصلوني لطهران " ..

ورغم أن الأمريكان لهم ولع بالاحصاء والرياضيات، إلا أنهم استمتعوا بهذا العرض السخي، المبهج لأقصى درجة، ولم يحقق الدور الذي تأسست بموجبه إسرائيل، والتي أوكل لها هذه المهمة بالتفاهم مع منظمة الصهيونية العالمية، لم يحقق النجاح المطلوب بصورة تامة، وفكر دهاقنة الولايات المتحدة، أن إيران يمكنها أن تلعب هذا الدور حين تلعب على الوتر الديني / الطائفي، فلربما أن يكون له صداه في بلدان شتى، وسنلعبها نحن على أساس نرفع لواء منح الأقليات حقوقها وديمقراطية وحقوق إنسان.. وهو ما سيقسم الوطن العربي .. وبهذا نضمن السيطرة والهيمنة ونضمن حقول نفط وغاز لا تنضب.

أعتقد الأمريكان أنهم وجدوا المعادلة السحرية، واكتشفوا حجر الفلاسفة، وحين بدأ الحلف الثلاثي بالعمل، وأقيمت غرفة العمليات .. وابتدأت الفعاليات .. أقام الأمريكيون العديد من عمليات التمويه (Camouflage) وكانت فاتحة تلك الخطط، جر العراق إلى حرب، ولكن العراق فاجأهم مفاجئة كبيرة، إذ لم يصمد فحسب، بل وأذاق الفرس السم الزعاف في حرب لن ينسون أهوالها.

الخميني، ترك وصية حاقدة، ووضع متابعة مشروعه التوسعي لصالح الغرب، واضعا نفسه في خدمة المصالح الإمبريالية، بهدف واحد وهو تدمير بلاد العرب والمسلمين، ولكنه فشل، ومات، وحقده يفور في قلبه. وهو حاقد على العراق، وقبله مات الشاه البهلوي، فأبوه لم يصمد أمام مناورات الحرب العالمية الثانية، وأبنه (محمد رضا) لم يصمد أمام متغيرات السياسة الدولية، وأسقط الامريكان نظامه وهم من أسس ملكه، وقدموا له الحماية، ولكنهم قذفوا به كجرذ ميت لا يجد مكانا يدفن فيه .. فلم يأويه سوى ملك عربي شريف كريم (السادات) آوى جثمانه ليدفن بجانب أبوه. أما ورثة الخميني لم يجدوا أفضل من متابعة مجون الحروب بحثا عن نصر تائه. ولن يجدوا حلفاء  أفضل (أميركا ، إسرائيل) يماثلونهم حقداً وبغضا بالعرب المسلمين، فأجتمع هذا الثلاثي الأسود، والسواد ليس سواد البشرة، بل هو سواد القلوب والمقاصد والأساليب ...! الفرس من خلفاء، يعتقدون أن الغرب قوي وسيمكنهم من تحقيق ما تصبو له أنفسهم المريضة، ولكن ها 44 عاما قد انصرمت، وحسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر.

وهكذا اجتمعت رغبة وإرادة أكثر ثلاث قوى كارهة للعرب وللمسلمين في العالم، وفي علم السياسة عندهم لا توجد أخلاق ومبادئ عند هذه الاقوام، فهذه مصطلحات عفى عليها الدهر، فكل شيئ مادي أو معنوي له سعر، يمكن التفاهم عليه. فعندما تلاحظ أنهم مختلفون، نعم هم مختلفون، وبأعتباره تحالف لا أخلاقي فكل طرف يريد الأكثر، ويتهاوشون، نعم لإنهم نهابون، ولكنهم علينا متفقون، وأياك .. ثم أياك أن تغشك الكلمات والوعود، وما عليك سوى بالوقائع المادية الملموسة، وسوى ذلك أبخرة وغازات .. أبتعد عنها .. أسمعها كدبلوماسي، ولكن إياك أن تصدق حرفا واحداً.

في جدول أعمال الثلاثي الأسود (الامريكي / الإسرائيلي / الإيراني) بند واحد، وهو " تدمير العراق " . قد يختلفون ويتكافشون، ولكنهم في قضية ذبح العراق لا يختلفون، قد يتهارشون، ويتهاوشون، ويتنابحون، ولكنهم في قضية تدمير العراق أحباب، وهذه قضية مألوفة بين الأمم التي تعتبر الاخلاق تقليعة قديمة، ولا حديث سوى عن المصالح.

والإسرائيليون عقدتهم قديمة، ولأسباب تتعلق إيمانهم بالخرافات، يعتقدون أن نهاية دولتهم تأتي من الشرق، ومن بلاد الرافدين. والفرس أنتهوا أكثر من مرة في العراق، وعلى أيدي العراقيين، وهم أجلاف وهمج ماتت مشاريعم قديما وحديثاً عندنا، لأنها مشاريع توسعية عدوانية نهابة، أما أميركا هذا الكيان الذي لا أب ولا أم له، فهم كيان عنصري، طائفي، فخططه تجمع بين المصلحة النهابة (طاقة واقتصاد ومصالح استراتيجية)، والحقارة في رغبتهم الخلاص من يهود العالم وجمعهم في مكان بعيد وأختاروا له فلسطين كمكب نفايات.

المخطط فشل في صفحته الدموية (حرب الثمان سنوات) وخرجت إيران تلعق دمائها، وقد أضافت لمحنها ومصائبها مصيبة جديدة، وخلال سنوات الحرب، كان الفرس يمنون حلفاءهم الأمريكان والإسرائيلين، بمعارك مليونية مقبلة، وساعدهم الأمريكان في معركة الفاو معتقدين أنه ستكون مسمارا في خاصرة العراق،  ولكنه صار مسماراً في نعشهم، وهنا فهم الأمريكيون قدرات حليفهم، وقالوا لهم بعد 8 سنوات (تحديداً بعد معركة الزبيدات) " كفى ... نحن سندير المعركة، سيسقط نظامكم إن واصلتم الحرب " .

وسكت الفرس وهم يبتلعون النار تحرق قلوبهم، كيف لا .. وقد أكلوا هزيمة تاريخية ستكتب في كتب تاريخ العالم، ولهذا لم يصدقوا أنفسهم من الفرحة حين كلفهم الأمريكان والصهاينة بمهمة ثانوية جداً، هو أن يحموا خطوطهم الخلفية وأن أن يعكروا مياه البحيرة بأن يستخدموا نفوذهم الديني وليصدر المرجع الأعلى فتوى بلزوم التعاون مع العدو ...! وفعلها ... ولكنه قبض نظير الخيانة 200 مليون دولار ..!

وأن تفرح بإنجاز غيرك .. عيب وعار.. ولكن هل سيفهمون العار في هذا اليوم ..! عيب أن تتمنفخ بقدرة غيرك، ودورك الحقيقي هو تنظيف مخلفات الحفلة ... لو كان لديهم ذرة من ناموس لخجلوا وأستحوا .. وتجنبوا ذكر وقائع البطولة والمجد ولأكتفوا بدورهم الذي قبلوه لأنفسهم وهو المسبات والشتائم وصب اللعنات .... ولكن ... إن شئنا أن ننظر إلى ما تحت جلودهم .. لوجدت أن دودة تهرش في جلودهم كرهاً لا ينتهي وحقداً لا يبرد، وغيرة وحسد من شعب الصحاري (هكذا يحاولون أن يبردوا قلوبهم)  ولكن شعب الصحاري غير عطشان، ولا جائع، ولا يرتدي أسمال الثياب، متعلم مثقف، مؤمن ... وهذا يزيد في نار الحقد اضطرماً وهياجاً ......

كيف يعالج الإنسان السوي الذكي مثل هذه الأوجاع الداخلية،  ببساطة شديدة نقول : " أنظر وأمتع نظرك بالأشياء الجميلة، في الطبيعة ومن صنع الإنسان لوحات وتماثيل وصور فوتوغرافية، وجمال الطبيعة، أسمع الشعر والأدب والموسيقى الرائعة، والعطور  التي ما تدخل خياشيمك تنقلك لدنيا وبساتين وحقول .. تذوق لذيذ الطعام .. ثم .. اقرأ .. اقرأ .. اقرأ ، إذ يقول الله سبحانه وتعالى في أول كلامه " اقرأ بأسم ربك .. قال ربك .. اقرأ ولم يقل ألطم  واشتم وألعن .. وإذا قرأت ستعرف أن هناك من الكتب  لو أنفقت كل حياتك تقرأ لما كفت سنوات عمرك وعمر جيرانك لتقرأها كلها .. كتب تاريخ، واقتصاد، وسياسة، وفلسفة، وعلوم صرفة، ومتاحف وأعمال ... يا إلهي .. أتترك كل هذا وتذهب للشتيمة واللعن والسب الذي لا يساوي فلساً واحدا، بدليل أنك تسب منذ مئات السنين ولا فائدة من سبابك، فلماذا لا تجرب أن تترك هذه السوالف التي لا تودي ولا تجيب ...! ولا تطيل شارباً كما يقول المثل العراقي .....!

الولايات المتحدة الامريكية  اليوم في أسوء وضع تمر به بتاريخها .. كل شيئ يتداعي ويوشك على الانهيار، الوضع الاقتصادي، الوضع السياسي الداخلي،  العلاقات مع أوربا (الاتحاد الاوربي) علاقات الناتو،  علاقاتها مع التجمعات والكتل ... تمضي من سيئ إلى أسوء وهي تحصد في الواقع ما زرعته من دسائس وتآمر وتدخلات ونهب علني. وهي الآن في وضع ستأمر فيه صنيعتها إيران بأختلاق مشاكل في الشرق الأوسط  ضد البلاد العربية والإسلامية، مستنفرة كل عملائها المحليين المكشوفين منهم والاحتياطيين، وهو دورها التقليدي والتاريخي ... ولكنها ستفشل هذه المرة أيضاً، والامريكان لا يذرفون دمعة مجاملة واحدة على وكلائهم وفق نظرية " الحمار يموت بأجرته " .

ولكن الفرس اليوم بوضع غير مريح، فهم يعانون من المشاكل الداخلية السياسية والاجتماعية، ومشاكلهم في البلدان التابعة لا تقل حرجاً .. ونرجح أنهم سوف لن يتدخلوا في المراحل الأولى من الصراع المرتقب، بل سيأمرون ذيولهم .. ثم ليروا ما ستسفر عنه الصدامات ...

كثيرا ما أقرر بيني وبين نفسي أن أركز اهتمامي بالشؤون الثقافية والفكرية وأن لا يكون لي تماس كثير بالشؤون السياسية التي تهب على منطقتنا العربية، بيد أن أني أشعر أن ألسنة لهيبها تلسعني وأنا في بيتي وسط برلين، ولأني للأسف صرت مقتنعاً، أن جبهة العدو (وهي واسعة وعريضة) قد استعدت بدرجة عالية،  وهيأت مسرح العمليات بذلت جهوداً كبيرة جداً، ونحن نعاني من ضعف في صفوفنا (والأسباب ذاتية وموضوعية)، وبعضنا أصبح عوناً للمعتدين، حتى أصل لقناعة تامة، أن أحد فقرات  الأتفاق السري بإنهاء النظام الدولي القديم تأسس بالاتفاق بين القوى الدولية على تصفية ما تطلق عليه الدوائر الغربية " عقد الشرق الأوسط " وأن مرحلة التفوق الأمريكي وضعت على رأس جدول أعمالها تصفية قضايا الشرق الأوسط وفي المقدمة القضية الفلسطينية كعنصر أساس ومحرك لسائر القضايا الأخرى.

 

وعلى أساس دراسة أوضاع المنطقة دراسة دقيقة، جرى تقسيم الأدوار، والأدوار الفعلية فيه كانت للولايات المتحدة، وإسرائيل، وأعطي دور من ينظف الميدان لإيران. ورغم أنه لا يتسم بالاحترام، ولكن الفرس أعتقدوا أنه سيعود لهم بالمكاسب على أية حال. والقدرات الفارسية مدروسة بعناية تامة، والغرب يتعامل مع العقل السياسي الفارسي منذ عهود عديدة ويعلمون بدقة مداخل ومخرجات السياسية الإيرانية، ومنذ نيف وأربعة عقود يتعاملون معها مباشرة في أحداث ساخنة وصاخبة ما تزال مفرداتها تدور حتى يومنا هذا.

 

لم يكن القانون الدولي يوماً محترماً يوم من الأيام، والغرب الاستعماري / الامبريالي / العولمي، ولا يتعامل بمقايس ومفاهيم الشرف والعدل، والاخلاق، والحلال والحرام، وهو اليوم أكثر توحشا من أي يوم مضى،  ودول عظمى كروسيا والصين بالكاد تحافظ على نفسها، والغرب يتحرش بها ويستفزها يومياً بصور وأساليب مختلفة، هم يمتلكون القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية فماذا يعطلهم عن استخدام هذه القوة العظمى ... لا شيئ، وهو يستخدمون مصطلحات وعبارات: حقوق الإنسان، الديمقراطية، السلم العالمي، المجتمع الدولي، القانون الدولي، بطريقة  مرنة مطاطة، لا تلائم إلا مقاساتهم.

 

في ظل النظام الدولي الأحادي القطبية، وفي ظل انهيار المعسكر الاشتراكي، وكتلة عدم الانحياز، والكتلة الأفريقية، وضعف كتلة المؤتمر الإسلامي، لم يعد هناك شيئ غير الناتو يصول ويجول وتصاعد نهج قمعي في السياسة الدولية والتهديد والاستخدام القوة. ونحن أمامهم أهدافا سهلة، وبعضنا ما يزال يفكر بعقلية الستينات والسبعينات في أفضل الأحوال .. والناتو بقيادة الولايات المتحدة باتت تتخذ من الذرائع أسبابا للتدخل هنا وهناك في جميع أرجاء العالم والنتائج تدمير مزيد من الدول والشعوب، وآخر ضحايا الناتو كانت أوكرانيا ...!

 

مقابل تراجعنا في الإداء، نواجه شراسة متنامية متصاعدة للقوى المعادية وما أكثرها، فالكل يجد خطورة داهمة في أمة عربية قوية ستمثل خطرا جسيماً يهدد مصالحها، الجميع يعتبر أن التطور الحضاري على أصعدته : الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي خطرا داهماً، ويتصرف الجميع بردود فعل متفاوتة في شكلها وطبيعتها، ولكنها تتفق في السلبية.

 

كتبت مرة في تعليق على مقالة كتبت بأسلوب شيق، فجاءت  توصيفا دقيقا للإجرام ومجزرة العراق (ستسجل في التاريخ هكذا.!) مؤامرة سرية يحرص المشاركون فيها عدم الاعتراف بتفاصيلها الحقيرة: وبمناسبة مرور 20 عاما تقريبا على بدء مجزرة العراق  :

 

" أن قوى الاحتلال الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية كانت تعمل بتنسيق وتفاهم تام، ولكن بكفاءة متفاوتة بالطبع، وبهمجية لكل منهم طابعه الخاص، لا شك أن الاميركان سفلة ولكن بأصول، والإسرائيليين سفلة وتعطش للانتقام، ولكنهم يدرسون جريمتهم بدقة، أما الفرس فهم سفلة من نوع نادر وحوش وحيوانات، حاقدة كالأفاعي والعقارب .. ".

 

كل هذا سياسات تعتمد على التآمر والحلول الغير التاريخية، أميركا تفعلها لأنها قوة غريبة عن المنطقة وكلما أقتتل طرفان فهي من سيجني الفائدة  وهي فائدة مؤقتة، بعد سيلوي عنقه ويمضي، وكذلك الصهاينة، ولكن من سيقع في شر أعماله هم الفرس ... فسيبقون بسواد الوجه أبد الدهر ... والعاقبة للمتقين ...

 

 

إعادة استكشاف

 

لديمقراطية الغرب ..؟

 

ضرغام الدباغ

 

 

هل الغرب الرأسمالي ديمقراطي حقاً ... ؟  ألم يحدث في التاريخ كثيراً وما يزال يحدث، أن يبالغ أحدهم  بالتهريج ليغطي على حقيقة صارخة كامنة فيه ...؟  أو يجيد التمثيل حتى تتحول لحرفة لديه ... في تهريج يختلط فيه بعض من الحقيقة بكثير جداً من إتقان دور : الدولة " كأداة للقهر الطبقي ".

 

هل الديمقراطية هي تبادل سلمي للسلطة أم هي قبل ذلك نظام اقتصادي، الطبقة المسيطرة تقول للمجتمع دعونا ننهب، وهذا بأسم الحرية والديمقراطية، وستصلكم حصصكم، ولا يحتج أحد منكم وإلا سيسجل ذلك على أنه إرهابي ؟

 

الأنظمة السياسية في أوربا (العالم الرأسمالي) انبثقت من رحم تطور الأنظمة السياسية الأوربية، مثلت التعايش بين : الكنيسة، الأمراء، الملوك، أمراء الاقطاع. حتى عصر النهضة الذي قد قاد في تطوراته اللاحقة، بحكم الاستكشافات الجغرافية، إلى عصر ازدهار التجارة عبر البحار (الميركانتيلية ـ Mercantilism)، ثم إلى الثورة الصناعية، وهنا بدأت سطوة  الكنيسة والكهنوت بالتلاشي والاضمحلال ولكن ليس بصفة حاسمة، بل في تراجع مكانتها التراتبي في التحالف الثلاثي الذي يقود الدولة والمجتمع والاقتصاد المؤسسة الدينية، الملوك والقياصرة، ونبلاء وأمراء الإقطاع، وسيتواصل التراجع دون توقف حتى الإنهاء الكامل لنفوذ القوى الأخرى.

 

وأمام غياب نصوص مسيحية مقدسة من الإنجيل أو أقوال للسيد المسيح عامة عن وجود حدود واضحة بين سلطة الله والدين التي تمثلها الكنيسة ورجال الدين، وسلطة البشر الدنيوية التي يمثلها الملك، وحيث لا ينبغي الجمع بين السلطتين، فتلكم كانت المشكلة التي تثار. فكل من السلطتين تطمحان للمزيد من الصلاحيات وقد أشير بالرموز إلى السلطتين بنظرية السيفين، غلاسنوس ) Glasnia ( سيف الكنيسة وسيف الدولة، ولكن التطور التاريخي كان يشير إلى تقدم سلطة الملوك وإلى تراجع سلطة الكنيسة، وعبثاً كانت تجري محاولات البابوات في استعادة هيمنتهم ونفوذهم الآخذ بالانحسارفقد اندثرت نهائياً فكرة السلطة الكلية للبابوات التي أطلق عليها أولترامونتيه (Ultramontis) (التأييد لسلطة البابا المطلقة) وكانت تسعى إلى إخضاع الكنائس الكاثوليكية حيثما كانت لسلطة البابا في روما، ودافعوا عن حقه في التدخل في الشؤون الدنيوية للدولة.

 

وكانت نظرية السيفين(غلاسنوس) تنطوي على غموض في توزيع السلطات والاختصاصات، وعلى عدم الاستقرار نتيجة للتنافس بين السلطتين على النفوذ والهيمنة. وكان هناك بالطبع من يروج لفكرة أن يجتمع السيفان في يد واحدة، الملك أو الكنيسة. ولكن من الواضح أن الحركة كانت تدور لصالح الملوك، لذلك كانت الكنيسة وفلاسفتها يرفضون فكرة اجتماع السيفين في يد واحدة، لأنها ستعني سلطة الملك المطلقة وتضاؤل دور الكنيسة قائلين: " من المستحيل على السيفين أن يجتمعا بيد واحدة، فما منحه الله ليس لأحد سواه أن يأخذه".

 

ولكن تطور الفكر الاقتصادي الليبرالي وصار الكتاب المقدس للأنظمة البورجوازية، وفي مقدمة هؤلاء المفكران الإنكليزيان، آدم سمث (1723 ــ 1790)  الذي وضع شفرة الأنظمة الديمقراطية بقاعدته الشهيرة " دعه يعمل دعه يمر " وهذه قاعدة اقتصادية لا علاقة لها بنظم تبادل السلطة. (سنة 1776) حين أصدر كتابه (بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم)، حيث ضمنه مبدأ أنصار "المذهب الحر/الطبيعي" الأساسي: دعه يعمل دعه يمر، الحرية التامة لاقتصاد السوق وابتعاد الدولة عن التدخل. والمفكر الآخر هو دافيد ريكاردو (1772ـ 1823).

 

إلا أن الأمر لم يبق كذلك بشكل خالص، فاندلعت الخلافات على كافة الصعد وفي المقدمة التنافس الاستعماري، ثم التنافس على الثروة والنفوذ، وتشكلت مراكز رأسمالية، والأمر في جوهره لم يعد في إطار التنافس الحر الخال من الأطماع.

 

تبلور الفكر الليبرالي

كانت أوربا متعبة من الحروب الدينية / الطائفية، والبورجوازية الصاعدة تعد المجتمعات بالكثير من المنجزات والتقدم، ولكن هذا الأمر كان يتطلب دولاً قوية واستبعادا للعناصر التي تمثل العوائق أمام التقدم، ولم تكن تلك العناصر سوى الكنيسة والإقطاع الذي كان بدوره يترنح تحت وطأة التحولات الجديدة، حيث هجر أعداد غفيرة من الفلاحين الريف متجهين صوب المدن للعمل في الورش والمانفكتورات (Manufactour) التي بدأت أعدادها تتزايد ويتحول البعض منها إلى معامل يدوية كبيرة يعمل فيها أعداد غفيرة من العمال، والذين سيصبحون في المراحل المقبلة الرقم الصعب في المعادلة الاجتماعية وشأناً سياسياً مهماً.

 

وكانت الليبرالية Liberation (قوة التحرر) الكلمة السحرية التي شاعـت في الأعـمال والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية على حد السواء، حتى غدا مفهوماً عاماً. " فالليبرالية بهذا المعنى هي أن يمتلك الإنسان ذاته، وبنفس الوقت القواعد المتعلقة بازدهاره وهيمنة سلطته على العالم بإخضاع الطبيعة والسيطرة عليها ". وعبر آدم سمث (أحد أهم مفكري تلك المرحلة)، أن المصالح الخاصة للأفراد تتناسق فيما بينها، والمصلحة الشخصية هي المحرك لمسيرة الإنسان وبالتالي لمسيرة العالم، وإن كل إنسان طالما أنه لا يخرق قواعد العدالة، سوف يترك حراً بشكل مطلق في أتباعه لمصلحته الخاصة كما يروق له. وقد جسدت هذه النظرية قاعدة  " دعه يعمل دعه يمر".

 

هذا النظام الرأسمالي تأسس على بقايا عصور الملوك (تمكنت بعض الملكيات من مسايرة هيمنة البورجوازية الصناعية: بريطانيا (كندا، استراليا، نيوزيلندة)، هولندة، بلجيكا، الدنمرك، السويد، النرويج)، وبإزاحة شبه شاملة لسيطرة ونفوذ الكنيسة، ثم بتقليص كبير لأمراء الاقطاع، ومنهم من تحول إلى الصناعة، والمضاربات العقارية، ولكنهم فقدوا تدريجياً نفوذهم السياسي بالكامل.

 

انطلقت الليبرالية، كتيار، كمارد أفلت من قمقمه، فلم يحده إطار وصار التحرر شعاراً وحركة وسوف تلد الثورات والانتفاضات، والتحولات الخطيرة على كافة الأصعدة، بل سوف تتغلغل إلى الكنيسة ذاتها وستخلق فيها التيارات، فقد كانت الليبرالية تياراً ثقافياً، أندفع فيه بحماسة أدباء وفنانون في تمجيد الإنسان وقدراته والإبداع الفني، أكدت فيه، أنه لا يمكن للإنسان أن يعمل إذا كان مقيد اليدين، كما لا يمكنه أن يبدع وأن ينجز طالما كان مقيداً بقيود الفكر والإرادة والحركة.

 

وقد سعى الليبراليون إلى تحطيم فكرة الحق الإلهي للملوك، وسوف لن تقبل بسلطة مطلقة للملك، إلا أن تكون مقيدة بالدساتير، فهذه مسيرة قد انطلقت ولا سبيل لإيقافها، وليست المسألة سوي وقت فحسب. وستكون تلك من مهام المرحلة المقبلة، وكذلك تحرير الإنسان وإنهاء الهيمنة الدينية وتسلطها على الدولة والمجتمع والأفكار. كما كانت لهم أهدافهم السياسية التي تمثلت بالمساواة، حق الملكية الخاصة واحترامها، حرية الرأي والمعتقد والتفكير، حرية النشر، إبعاد الكنيسة عن التدخل بشؤون الدولة، احترام حقوق الإنسان، والإعلان بأن حقوق الإنسان والتحرر هي من الحقوق الطبيعية، طلب العلم والمعرفة، هي من حقوق المواطن الأساسية، حرية التجارة وعدم تدخل الدولة في الفعاليات الاقتصادية(وفي ذلك مذاهب اقتصادية شتى)، حرية الملاحة في البحار، المطالبة بنظام عالمي للقوانين وصولاً إلى القانون الدولي.(2)

 

في نهاية المطاف تبلور الموقف: النظام البورجوازي(الرأسمالي) لم يكن ليقبل وجود شركاء ولا حتى بنسب بسيطة، الكل أو لا شيئ، وعلى هذا الأساس لم تقبل بالنظم الأخرى، كالنظم الاشتراكية، حتى بعد بدأ النظام الاشتراكي (الأنظمة الشيوعية، قبلت بتعديلات على نظامها منها إلغائها شعار " ديكتاتورية البروليتاريا" ) ولكن الأنظمة الرأسمالية العالمية كان في غضون ذلك قد استكملت بناء نظام المتروبولات، المراكز والنظم المحيطة، بعد أن كانت قد استكملت بناء كياناتها السياسية بكافة تفاصيله ومفرداته، بما يهدف إلى شيئ رئيسي وسواه تفاصيل تحتمل المناقشة، هو أن يكون النظام رأسمالياً وفق قواعد وقوانين النظام الرأسمالي قولاً وفعلاً.

 

من ذلك مثلاً أنها لم تكن (الدول الرأسمالية القيادية) لتقبل اعتبار النظام الألماني (العهد النازي) رأسمالياً بصفة تامة (رغم أنه كان رأسماليا في لحمته وسداه)، وكذلك النظام الإيطالي الفاشستي (عهد موسوليني)، أما عندما أبدى هذا النظامان الرغبة والإرادة في التوسع و دخول ميدان القوى العظمى على أسس قومية، وتعديل خارطة توزيع القوى، قادت تحالفات سياسية لإنقاذ خارطة المصالح، فكانت بريطانيا وفرنسا ضامنتان لسيادة بولونيا، منعاً لتوسع ألماني في أوربا سيعدل ميزان القوى في أوربا وفي العالم، فأندلعت الحرب العالمية الثانية مع القوى الفاشية والنازية، رغم أن النظامان (النازي الألماني والفاشي الإيطالي) كانا رأسماليان تقود الاحتكارات الاقتصاد ..

 

كافة الحروب العالمية والإقليمية هي حروب توسع قامت بها الأنظمة البورجوازية، أو بدفع منها، أو كأثر من آثار سياستها الاستعمارية. الاشتراكية لا تلجأ للحروب لأنه يخالف طبيعتها، كما يخالف منهجها في البناء والاعمار. وحتى التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان كان بقوة محدودة ولدعم الحكومة الوطنية بوجه التدخلات التي قامت بها الدول الغربية بحجة دعم المسلمين، ولكن التاريخ أثبت زيف هذا الزعم، وها هي الولايات المتحدة وحليفاتها يسحقون أفغانستان بلا هوادة. 

 

النظام الرأسمالي بعد قرون كثيرة، أدرك أن الزمن والممارسة تكشفان عن ثغرات، ولذلك يصلح نفسه والثغرات التي تنشأ بمرور الوقت (ويفعل ذلك بصورة متواصلة)، حتى أصبح له نظام حديدي مدعم بقوة القانون. ونظام متقن البناء في الداخل، وفي الخارج السياسة المحيطية العالمية يمنحون بها الحق لأنفسهم بالتدخل في أرجاء العالم كافة وجعل ذلك كبديهية تحت شعار (المصالح).

 

من يعتقد أن الدول الغربية تسمح بالنشاط الفكري والحريات (الديمقراطية) بشكل مطلق فهو واهم، بل هناك نظام صارم جداً للأحتجاج، وسبله وأشكاله، وللتظاهر، وإصدار البيانات، وتوزيعها، وتأسيس الأحزاب والجمعيات، وكل هذه الأنشطة الاجتماعية وغيرها تدور وفق نظام دقيق، ويواجه من يخالفه بإجرات قانونية قاسية. هناك حرية واحدة مقدسة في الدول الرأسمالية، هي مطلقة وليست نسبية، وهي العمل الاقتصادي والربح بلا حدود، ولكن مع الخضوع لقواعد العمل : القوي مالياً بوسعه أن يأكل الأضعف مالياً في إطار منافسة يحرسها القانون، لذلك تفلس سنوياً ألاف الشركات وتستسلم لمن أكبر وأقوى منها.

 

في المجتمعات الرأسمالية يدور الأمر بأعلى درجات الدقة والانضباط، وكلها تقدمت الدولة الرأسمالية، كان نظامها السياسي يبدو " ديمقراطيا " أكثر  لأن أجهزة الدولة وهياكلها الآساسية، صممت بطريقة تخلو من الثغرات، وفي الواقع يبتعد عن الديمقراطية أكثر، والنظام السياسي فيها راسخ بقوة القانون والأنظمة التي لا تدع ثغرة مهما كانت بسيطة، ولها تجارب تاريخية في قمع أي حركة ديمقراطية شعبية، الدولة ومؤسساتها من أصغر دائرة إلى أكبر كيان هو لخدمة الرأسمال، الدولة ماكنة ممتازة، ذات قدرات هائلة، والفقرة المهمة الوحيدة، عهو أن يطول عمر النظام ويتسع داخليا، ويتمدد خارجياً، لا أحد يسحق الديمقراطية سوى الدول الرأسمالية، ولاأحد يمتهن الإنسان وحقوق إلى الدول الرأسمالية، وكلما كان النظام راقيا ومتقدماً، يتفنن بسحقه الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

البشرية سوف لن تعرف السعادة قبل أن نشهد نهاية نظم أحتكار الدولة الرأسمالية، ومن يريد أن يتأكد .. فليراجع تاريخ الحروب الاستعمارية وحروب التدخل والتوسع وحروب الوكالة، وأعداد الضحايا (بالملايين) على أيدي الدول الديمقراطية

 

ارقص على موسيقانا ... وإلا ....!

 

 

ضرغام الدباغ

 

لست ممن يرمون الناس جزافا بالكذب أو الغباء، رغم أن بشراً من هذه الأصناف تتواجد دائما وللأسف بوفرة، وتصادفني أحيانا حالات تستحق التفكير بعمق، ترى لماذا ترتكب هذه القوى الكبيرة أخطاء بسيطة جداً، يمكن بسهولة تلافيها، لماذا تعمد جهات كبيرة يفترض أنها تقود عمليات سياسية واقتصادية كبيرة، تلجأ للكذب، وأحيانا للكذب المكشوف، بما لا يليق بوزنها وقيمتها، في حين يمكن تجنب الكذب مهما كانت درجة الاضطرار إليه، فالكذب يفسد أي عملية مهما كانت جميلة وجذابة، ويحيلها إلى ركام أسود مقزز .

 

قرأت مرة (عام 1971) بحثا ممتازاً عن الاستراتيجية، صادر عن معهد دراسات وبحوث أمريكي، الجانب النظري فيه ممتاز، ولكن الجانب العملياتي، يحاول الباحث أن يبرر الأخطاء الاستراتيجية لمعارك وملفات خاضتها الولايات المتحدة، ثبت خطأها ودفعت ثمناً باهضاً لخسارتها (الملف الفيثنامي)، وبدراسة ملف النزاع الكوري (الذي أفضى إلى قيام كوريتين وما تزال بؤرة صراع ساخنة ). وكنت في تموز / 2011 قد كتبت دراسة ونشرتها، تنبأت فيها أن الصين ستصبح القوة الأولى لا محالة، وبدون استخدام الأسلحة النووية، ولا حتى التقليدية، التقدم أساسه اقتصادي / اجتماعي، وستنجح القيادة الصينية بتطبيقات خلاقة، أن تتجاوز نفسها، وتتمكن من نشر فلسفة سياسية / اجتماعية، لتتحول البلاد بأسرها إلى ماكنة للإنتاج، وتتصدر بيانات التقدم والتنمية والتقدم، والإنتاج العالمي والتجارة.

 

لم يكن اكتشافي عام 2011 هذه الحقيقة، معضلة علمية صعبة، بل كان الأمر باد للعيان بوضوح تام حين دراسة المعطيات الاقتصادية العلمية وبتحليل الواقع الموضوعي السياسي، وليس بموجب أحكام الهوى ... ستظهر هذه النتيجة شاخصة أمامنا بوضوح تام.

 

أرجح أن القيادات السياسية، والكيانات الأكاديمية في الغرب الرأسمالي وخاصة في الولايات المتحدة كانت تدرك هذه المعطيات حتى قبل هذا التاريخ ومنذ زمن بعيد. وهناك فلاسفة تنبأوا بهذا الحال مبكرا فكتبوا ونبهوا، ولكن اليوم ليس يوم فلاسفة وعقلاء، بل جنون المال والثروة وكل ما يستهوي السير وراء  حفنة من الأوليغارشيا..! فقد كتب الكثير من الفلاسفة والمفكرين عن انهيار الحضارة الغربية ونهايتها وأشهر تلك الأعمال ما كتبه العالم الألماني اوزفالد شبنغلر عام 1926 من أفكار في كتاب " تدهور الحضارة الغربية "، والكاتب الأمريكي باتريك بوكانن في مؤلفه الهام " موت الغرب / 2001 " غيرهما، بل أني أميل اليوم للاعتقاد أن أحداث الاتحاد السوفيتي كانت مدروسة بعناية فائقة، تحت شعار " أن نجري عملية كبيرة تحت السيطرة "، وخاب أمل الغرب بخلق حالة من الفوضى في خضم عملية التحول الكبيرة جداً، ويفلت زمام الأمور إلى ما تتمناه من تفتيت للأتحاد السوفيتي، وربما إذكاء صراعات لا نهاية لها، ولكن القيادة الروسية تمكنت بسرعة من تدارك الموقف واستعادت السيطرة على البلاد.

 

أرجح أن الغرب كان قد توصل مبكرا ً إلى ما نراه اليوم من أحداث ... ولكن لماذا لم تضع الخطط المناسبة لتلافي هذه النتيجة، أو تقليص آثارها، فما نشهده اليوم هو تراجع يومي على جميع الأصعدة، وأحياناً بتراجع غير منظم، لنقل أشبه بالهزيمة. ترى أليس هناك عقلاء وحكماء يتدبرون المواقف قبل أن تتأزم وتلعب على حافة الانهيار ..؟ أم أن الولايات المتحدة ذاتها تعاني من مشكلات وأزمات ظاهرة وخفية تجعل من الممكن بروز مثل هذه الظواهر الغير معهودة في الدول العظمى، ولكن الولايات المتحدة ذاتها تمر بمراحل من الضعف وسريان ظواهر التراجع العام في الأداء.

 

سياسة عداء الإسلام والعرب عداءأ مطلقا هو خطأ فضيع آخر، ويدل على قصر نظر. إذ دخلوا في تناقض جوهري يصعب التلائم معه، منه التزام الكيان الصهيوني التزاما مطلقا، هو خطأ فضيع تدفع ثمنه الولايات المتحدة الآن، والآتي أعظم،  واختراع كيان أسمه إيران (عام 1945) لم يكن موجود لا في التاريخ ولا في الجغرافيا، بمهمة واحدة .. أن يكون مع إسرائيل دركي الغرب في منطقة تعج بعناصر القوة والتطورات الواعدة الكبيرة ... كان بدوره خطأ عانت منه الآن وستعاني المزيد في المستقبل، أخطأت الولايات المتحدة في سياساتها في جنوب شرقي آسيا (في كوريا وفيثنام واليابان والصين وكمبوديا.. وغيرها)، ودقت أسفينا من العلاقات الدموية مع شعوب تلك المنطقة يجعلها مكروهة ومحتقرة من شعوبها قبل أنظمتها ..!

 

وما يقال عن آسيا يتكرر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بأساليب وصور مختلفة، وأكثر من ذلك، فحلفاءها في قلب معسكرها (أوربا) يترددون كثيرا في قبول الهيمنة التامة الأمريكية، مشكلات وسوء فهم وتفهم عميق، وأزمات توتر وسياسات تنذر بحروب طاحنة لا تبقي ولا تذر (حروب يوغسلافيا : الصرب، كوسوفو، البوسنة، أوكرانيا ) ...!

 

تركيا الحليف المخلص في الناتو، المشارك في كافة المعارك، والمسخر لأفضل قواه بخدمة استراتيجية الناتو، يكتشف أن الولايات المتحدة لا يهمها مطلقا هواجس الأمن التركي، دولة بحجم سكانها ومساحتها وقدراتها وحجم جيشها، لا تمتلك وسائط دفاع يعتمد عليها، فتتفضل عليها الولايات المتحدة وترسل بضعة بطاريات صواريخ باتريوت، وحين تريد ممارسة الضغط تسحبها بقرار انفرادي لتدع الأجواء التركية مفتوحة غير آمنة، وترفض أن تبيعها أسلحة دفاع جوي، وحين تشتري تركيا السلاح (SS400) من مصادر أخرى، تغضب وتشطب مشاركتها ببرنامج صناعة طائرة الشبح (F35) وترفض تسلميها حصتها من الانتاج، بل وترفض حتى إعادة المال المدفوع سلفاً ... فأي جور وطغيان هذا ...؟ وعليك أن تحتمله برحابة صدر ..!

 

الولايات المتحدة تزعم أنها حليفة للملكة العربية السعودية، وقد يصدق بعض الناس هذا الزعم، ولكن في الواقع لم تبق وسيلة لم تتبعها الولايات المتحدة في التآمر على السعودية، لإرهاقها وتهديد أمنها الاستراتيجي، وبعض تلك التدخلات علني لا يحتاج اكتشافها ذكاء .. حين تدع قوى أخرى تقاتل بالنيابة عنها. تقدم المساعدات العسكرية لمصر، ولكن هذه المساعدات تهف إلى : يمنع منعا باتاً أن تتعامل مع غيري، وإلا العقوبات جاهزة " والسياسة الامريكية تهدف إلى خلق مشكلات وأزمات لمصر أمنية وسياسية واقتصادية، وحتى أزمات عميقة جداً كالمشاركة بأزمة سد النهضة ..! المطلوب أن تبقى مصر ضعيفة، مفككة، تمتثل لتعليمات وأوامر الإدارات الامريكية ..!

 

" يمنع عليك أن تتقدم اقتصادياً بدرجة تخرجك عن الحاجة لنا ...! "

" ليبق تعاملك التجاري مع دول بعينها في حدود تافهة وإلا ...".

" قدراتك العسكرية يجب أن تكون بحدود معينة ...".

" هواجس الأمن القومي لبلادك نحن نقدرها وليس أنت ..".

" تدخل واسع النطاق لا حدود له في ميادين اقتصادية واجتماعية وثقافية  لا تخطر على البال ..".

" التعامل لا يجري بمبدأ المعاملة بالمثل ... وهناك خرق لا ينتهي لمبادئ السيادة الوطنية ".

 

الخلاصة ... ماذا تهدف أميركا بهذه السياسة الدولية الخرقاء ..؟

هل تتوقع أن تكسب أصدقاء ..؟ هل تتوقع أنها تكسب الحلفاء ..؟،  هل تتوقع أن يتعاطف معها جمهور عالمي واسع النطاق ...؟، هل تتوقع أن يحترم الناس المواقف الامريكية ..؟

 

كلا .. هذه إجابة شاملة وما تحصده الولايات المتحدة اليوم هو نتائج سياسة اعتمدت على القوة وممارساتها الغاشمة في شتى أرجاء العالم .. وتزعم فوق هذه أنها حامية للقانون الدولي، والديمقراطية وحقوق الإنسان ..!  ولا تريد أن تصدق أن هذا عصر مضى وقته ... وأن البشرية مقبلة على فجر بلا استعمار ولا إمبريالية ولا عولمة ولا فاشية ولا نازية .. فهذه منتجات رأسمالية مكانها هو براميل النفايات .. العالم ليس قرية يا سادة القصر الأبيض، ليقوده مختار أمريكي .. هذا كان حلم أنقضى سريعاً ....

 

 

أبن أبي الربيع

 

ضرغام الدباغ

 

في إطار تقديمنا لمفكرين وعلماء طرقوا الفكر السياسي الاسلامي مبكراً وأبدعوا، بل ومثل العديد منهم مصادراً للفكر السياسي العالمي الحديث

 

* ابن أبي الربيع :

 

هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي الربيع، وقد تناهى إلينا أسم هذا العالم ومؤلفه الوحيد المعروف(وربما له أعمال أخرى مفقودة) من خلال طبعة حجرية وجدت في القاهرة طبعت عام 1286 هج في 152 صفحة من القطع الكبير.

 

ولا تعوزنا المعلومات عن سيرة وحياة هذا العالم فحسب، بل وكذلك زمن تأليف مصنفه الشهير " سلوك المالك في تدبير الممالك " ونرجح أن لهذا العالم أعمالاً أخرى مفقودة، ويدل على ذلك عمق فكره الفلسفي السياسي وإطلاعه الدقيق على أعمال غيره من العلماء. فقد وجدنا أن تاريخ هذا المصنف كما ورد في صدر الطبعة الحجرية، يعود إلى عصر الخليفة العباسي الثامن (المعتصم) سنة 227 هج/ 842 م ، فيما يرجح مؤرخون آخرون، أنه يعود إلى عهد آخر الخلفاء العباسيين، الثامن والثلاثين، المستعصم المتوفى عام 656 هج/ 1258 م وبين التأريخين هناك 429 سنة، ومن الصعوبة القطع أي من الوقائع هي الأرجح، فقد أنقسم المؤرخون والمستشرقون على أنفسهم بصدد هذه المسألة.

 

وهذه الواقعة ليست الوحيدة في ثنايا الفكر السياسي العربي الإسلامي، فهناك قضايا مشابهة عديدة أبرزها: المصنف الموسوم " قانون السياسة ودستور الرياسة " حاول محققه وهو باحث نابه، التوصل بشتى الأساليب إلى معرفة هذا المصنف الهام، ولكن مساعيه لم تصادف النجاح، وهكذا صدر الكتاب يحمل عنوانه ولكن لمؤلف مجهول...! بيد أن زمن هذا المصنف واضح على نحو ما، (بين 759 هج/ 763هج)، فقد أهداه مؤلفه إلى السلطان شاه شجاع قائد الدولة المظفرية (وعاصمتها أربيل) التي حكمت بلاد فارس وكرمان وأذربيجان وأصفهان وتبريز من سنة 718 هج/ 795 هج، وهي سلالة عربية الأصل والانحدار التي سكنت خراسان مع بداية الفتح الإسلامي لها، وتعاقب على حكم الإمارة المظفرية، المنظوية تحت لواء الخلافة العباسية، سبعة سلاطين خلال 78 عاماً.(1)

 

والمصدر الوحيد  المتاح لنا من أعمال أبن أبي الربيع وهو مصنفه الشهير: سلوك المال في تدبير الممالك " ومحقق الكتاب وهو أستاذ فلسفة عراقي معروف (د. ناجي التكريتي) يرجح أن الكتاب مقدم إلى الخليفة العباسي الثامن والثلاثين،  المستعصم بالله الذي قتل على يد هولاكو عام 1258/ ونهاية الدولة العباسية، لسببين أثنين:

 

الأول: ينطوي الكتاب على نضج فكري / فلسفي سياسي عميق يستبعد أن يكون قد جاء بعد الكندي والفارابي.

الثاني : أن الاتجاهات السياسية في فكر أبن أبي الربيع، متأثرة بالفلسفة اليونانية التي جرى ترجمتها بشكل واسع النطاق في عهد الرشيد والمأمون، كما أن أسلوب كتابة أبن أبي الربيع متأثر بدرجة كبيرة (ويثبت د. ناجي التكريتي ذلك) بكتاب يحي بن عدي المتوفي سنة 365 هج/ 975 م وقد نقل عنه أبن أبي الربيع أسلوب الجداول والتشجير، كما أن مقاطع عديدة من الكتاب تكاد تكون متماثلة مع مؤلف بن عدي.(2)

 

ويضم الكتاب أفكار فلسفية / سياسية مهمة، يتفق فيها أبن أبي الربيع مع علماء عصره وغيرهم من العرب المسلمين أو من غير العرب، من أن الإنسان اجتماعي بطبعه، وأنه لا يكفي الواحد منهم بالأشياء كلها. ثم ينتهي إلى حقيقة مهمة في الفلسفة السياسية قائلاً" فقد تبين مما ذكرنا أن الناس مضطرون إلى تدبير وسياسة وأمر ونهي، وإن المتولين لذلك ينبغي أن يكونوا أفاضلهم " وهنا يستحق الإشارة إلى أمرين أثنين:

 

الأول: أن أبن أبي الربيع يعتبر العمل السياسي هو حتمية لالتقاء واجتماع البشر.

الثاني : أن يتصدى لهذا العمل أفاضل الناس.(3)

 

ثم يتطرق أبن أبي الربيع إلى موضوعة لا تقل أهمية، إذ يقول : أن أركان الدولة هي أربعة، ويودعها المهام القضائية، والتنفيذية، والأجهزة التي تشكل كيان الدولة فيما يبقى الخليفة والشريعة مصدراً وحيداً للتشريع :(4)

 

1 . الملك (الرئيس).

2 . الرعية (الشعب).

3 . العدل (مبدأ العدل وأجهزة العدالة).

4 . التدبير (السلطات التنفيذية).

 

وفي إشارته : إن على الملك (الحاكم) أن يعمل على أشغال رعيته لكي لا يجدوا وقتاً للتفكير في مفسدة (5)، وتوجه فيها أبن أبي الربيع إلى مرتبة فلاسفة السياسة، لما بعد ميكافيلي، فهو يجعل السياسة أداة بيد الحاكم. ولا غرو، فمفكرنا يستشهد بالآيات القرآنية بأسلوبه الخاص، وآثار الفلاسفة الإغريق، أفلاطون وأرسطو تبدو واضحة وكذلك أعمال فلاسفة عرب ومسلمين، بالإضافة إلى الإبداع الذاتي في طرقهم الحثيث لأفاق الفلسفة السياسية. فنحن إذن أمام ثلاثة مصادر رئيسية لمفكر مثل أبن أبي الربيع وربما آخرون غيره من هذا المستوى أو ما يقاربه، وهي :

 

1/ الشريعة (الكتاب والسنة والاجتهاد). 2/ منجزات الفلسفة. 3/ الإبداع الذاتي.

 

ثم نقرأ لأبن أبي الربيع ملاحظة واضحة ومهمة تزيد من قيمة مصنفه على المستوى العلمي وبها يكتسب ثقة ومصداقية في إشارته الواضحة إلى اقتباسه من أعمال وكتب علماء آخرين، وتلك لا تنقص من أهمية كتابه، بل تزيد من درجة علميته ورصانته.(6)

 

ومثله مثل الفارابي تقريباً، يركز أبن أبي الربيع على ضرورة أن يكون الملك أو الرئيس حكيماً عالماً، ويضع ذلك في المرتبة الأولى من صفات الملك، إذ يقول:" أن يكون له قدرة على جودة التخيل " ولكنه من جهة أخرى يؤكد على قدسية مكانة الملك بقوله " إن الله هو ينصب الحكام " ثم يقول في مكان ثالث وبوضوح " أكبر " إن الله جل جلاله لما خص الملوك بكرامته ومكن لهم في بلاده ودخولهم عبادة أوجب على علمائهم تبجيلهم وتعظيمهم وتوقيرهم، كما أوجب عليهم طاعتهم " (7)

 

فهو إذن يقبل النظام الملكي الوراثي، إذ يشترط في الملك أن يكون من أهل البيت المالك، قريب النسب ممن ملك قبله، وحسب الاتفاق(ولي العهد) ولكن أبن أبي الربيع يبقى السؤال حائراً، ماذا وكيف مع الملك أو السلطان الجائر..؟وأقصى ما يقبله أبن أبي الربيع، هو أن يتجه العلماء إلى الملك بالنصح والإرشاد و " تزين العدل وتقبيح الجور واستهجانه" ولكن على الرعية الطاعة في جميع الأحوال.(8)

 

وفي إطار الفكر السياسي لأبن أبي الربيع، نجد أهمية كبرى لدور مؤسسات الدولة وتحديداً الوزارة، والمؤسسات التي تعتمد عليها الدولة، القضائية منها والتنفيذية، فهو يؤكد أن أهم المؤسسات والشخصيات في الدولة :

1 . وزير عالم : ويصفه بالشريك في الحكم ويعادل في عصرنا الراهن رئيس الوزراء.

2 . الكاتب : ويعادل في عصرنا الراهن الوزير أو المدير العام.

3 . الحاجب : ويعادل في عصرنا رئيس ديوان الرئاسة.

4 . قاض : ويمثل الجهاز القضائي.

5 . الجند : الجيش.

6 . قائد الشرطة : رمز السلطة التنفيذية.

7 . العامل : المحافظ. (9)

ويضع أبن أبي الربيع مهما التخطيط الاقتصادي وتقدير موارد الدولة(الدخل القومي) وتحديد مصادرها من مصدرين رئيسيين:

1 . الأموال الشرعية، وهي معروفة وثابتة.

2 . الأموال التي تفرضها الدولة لأحكام الضرورة والاجتهاد.

ثم أنه يتقدم باقتراح صائب، هو أن يتكافأ الأنفاق، أي أنه يسعى لأن لا تصاب ميزانية الدولة بالعجز.(10)

 

وإن شئنا بكلمة ختامية أن نقيم هذا المصنف الهام نقول: إن المشكلة الرئيسية فيه تكمن في عدم التثبت بصورة دقيقة وحاسمة من تاريخ تأليفه. فالباحثون الذين يرون أنه كتب في زمن الخليفة المعتصم لهم حججهم وأسانيدهم، ومن يرى أنه كتب في زمن الخليفة المستعصم (وذلك رأينا أيضاً) ولهم أسانيدهم كذلك، ومن الصعب القطع بصورة تامة بتاريخ تأليفه، ولكن من المؤكد أن للكتاب قيمة فلسفية وسياسية كبيرة وهو يبحث في السياسة والفلسفة والأخلاق والإدارة والشريعة، بل وحتى في تخطيط المدن، وذلك ما دعى بعض العلماء العرب المعاصرين بوصفه " أبن أبي الربيع، رائد الفكر السياسي الإسلامي الأول".(11)

 

وأي كانت أراء الباحثين، فإن هناك إجماعاً، بأن هذا النص هو من أفضل النصوص الفلسفية العربية الإسلامية وأن مؤلفه من خيرة العلماء الذين أشغلوا في الفلسفة السياسية.(12)   

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

1. لمؤلف مجهول : قانون السياسة ودستور الرئاسة ، ص7

2. التكريتي، د. ناجي : الفلسفة السياسية عند أبن أبي الربيع ، ص 8

3. أبن أبي الربيع : سلوك المالك في تدبير الممالك ، ص175

4. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص176 / 192

5. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص187

6. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص86 / 88

7. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص93 / 175 / 174

8. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، 174 / 178

9. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص193

10. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص191

11. شرف، محمد جلال : الفكر السياسي الإسلامي

12. التكريتي، د. ناجي : الفلسفة السياسية ، ص80

 

المركز العربي – الالماني

حصيلة واستنتاجات

 

الموقف في أوكرانيا

 

ضرغام الدباغ

 

تثير الوقائع الحربية في معارك أوكرانيا انتباه القراء والمشاهدين بدرجة رئيسية ، وأنظمة الأسلحة، وحجم الدمار، وتساقط الضحايا ولا سيما في صفوف المدنيين ..وهذه مؤثرة بدون شك ولها أهميتها، ولكن مع تواصل العملية العسكرية في أوكرانيا نتوصل بدورنا إلى مجموعة معطيات / نتائج / حقائق سياسية مهمة، وبتقديري هي الأهم من أعداد الطائرات والدبابات التي تخوض المعارك الحربية ودمرت في هذا الجانب أو ذاك ... كما أن أعداد القتلى مؤسفة بطبيعة الحال، ولكن هذه طبيعة الحروب في كل زمان ومكان، فالحروب هي ممارسة سياسية ولكن بوسائل العنف، لتحقيق هدف عجز الدبلوماسيون من تحقيقه، وبعد أن ينجلي غبار ودخان المعارك، سيعود الدبلوماسيون ليبحثوا على طاولة المحادثات ما سينجم عنها وضع جديد على الأرض ومؤشرات سياسية  مهمة.

وبتقديري ما يستحق التأشير لحد الآن (أواسط آب / أوغست / 2022) هو :

لا يتمتع الجانب الأوكراني (بحسب معطيات وجداول توازن القوى) بالقوى والقدرات التي تؤهله خوض صدام سياسي / عسكري طويل المدى مع دولة عظمى كروسيا، وجيشها المؤهل لخوض حروب عالمية. ويدل تصميم القيادة الأوكرانية على مواصلة الحرب وعدم إبلاء الأهمية اللازمة للجهود الدبلوماسية، ويؤشر بوضوح تام، أن وراء القيادة الأوكرانية  قوى أكبر بكثير من امكاناتها، تدعمها، بقصد وبقدر ما يطيل الصدام السياسي / العسكري، وليس بقدر ما يحسم الصراع السياسي / العسكري، وتصميم وإصرار تلك القوى يشير إلى عمق رغبتها بتأجيج الصراع المسلح، دون أن بادرة أو مبادرة تجنح للدبلوماسية والسلم .

الدعم السياسي واضح جداً من خلال قيام الولايات المتحدة بحشد سياسي داعم يتألف من الاتحاد الأوربي ونفوذه أو مجموعة الدول السبع وحجم تأثيرها العالمي. ويهدف هذا الدعم الكبير: سياسياً إلى استخدام أوكرانيا (أرضا وشعبا وقدرات)، والهدف هو خلق معركة تسحب فيه روسيا لصدام عسكري، يستهدف في نهايته إضعاف روسيا بدرجة كبيرة، أو ربما تفتيتها، مخطط ينفذ وفق مراحل منذ إسقاط الحكومة الاوكرانية المعتدلة (2004)، على أيدي متطرفين وغلاة الأوكرانيين من النازيين الجدد. ولم يحبط هذا المخطط، إلا قراءة مبكرة دقيقة للقيادة الروسية لمآل تطور الموقف السياسي / العسكري، ولا سيما بعد التعثر المتعمد للاتفاقيات التي عقدت في مينسك (عاصمة بيلاروسيا) 2014 (روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوربي)، وإجهاض الأهداف البعيدة للمخطط، بل ربما أن روسيا تأخرت قليلاً إذ كانت تعول (بدرجة ما) على رغبة الأوربيين العميقة بالسلم في أوربا بتجنب الصراع المسلح، على أمل أن يتمكنوا من حمل الولايات المتحدة على الحلول السياسية / الدبلوماسية. لكن الولايات المتحدة نجحت باستخدام حجم نفوذها السياسي والاقتصادي في أوربا، بسحب الحلفاء الأوربيين (في الناتو والاتحاد الأوربي) إلى جانبها في موقفها حيال روسيا.

سايرت روسيا المساعي الدبلوماسية وشجعتها، على أمل تجنب الصدام العسكري، ونتائجه المكلفة سياسيا واقتصاديا وبشرياً، والروس خير من يعلم ويلات الحروب. ولكن معطيات كثيرة تجمعت أمام القيادة الروسية تشير في مجملها، أن لابد من التصدي لمخطط يهدف نقل زج عميق لروسيا أمام خيارات صعبة. وتواجد غربي بحجم كبير في أوكرانيا، لدرجة أصبح السكوت حيالها ينطوي على مجازفات يمكن تقدير أبعادها بالخطر المتفاقم المتصاعد..

دعم مالي / اقتصادي كبير وغير مسبوق، تمثل من خلال ضخ مئات المليارات من الدولارات، وأقل من هذا الحجم من الدعم المالي كان سينقل أوكرانيا لو قدم لها، إلى مستوى غير الذي كان عليه الاقتصاد الاوكراني الضعيف والمنهك. وهذا مؤشر واضح أن الولايات المتحدة والغرب عموماً لا يفكر بأوكرانيا وشعبها، بل بأهداف سياسية / استراتيجية توسعية. وضخ كميات هائلة من العتاد العسكري تفوق قدرات أوكرانيا على إيفاء أثمانها، والهدف هو واضح هو إغراق أوكرانيا بالديون،  وإدامة لساحة معركة تأمل الولايات المتحدة أن تفضي إلى نتائج سياسية مؤاتية لاستراتيجيتها. ورغم أن المعركة لم تنته بعد، إلا أن البنوك الأوربية والأمريكية حددت أهدافها بالاستيلاء على الشركات ومرافق الإنتاج الاوكرانية، مقابل الدعم المالي والعتاد الحربي.

أظهر مسار العمليات السياسية والحربية هشاشة العالم الغربي، والطابع الانتهازي للتحالفات بين أطرافه الكبيرة (خاصة) واتصالات تدور في الخفاء، لا تخلو من نوايا سرية غير معلنة بوضوح. وتكتلات (الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، استراليا) تنشأ في ظل التحالف الكبير، تشير أن الولايات المتحدة ليست واثقة بدرجة كافية من حلفاء أوربا، ولا سيما فرنسا وألمانيا. بل هناك تصريحات أوربية أن الولايات المتحدة تريد إضعاف القوة الأوربية الرئيسية (فرنسا، ألمانيا) وإظهار صورة موقف أن أوربا بدون الولايات المتحدة غير قادرة عن الدفاع عن نفسها، وعن الحضارة الغربية / المسيحية.

تسعى الولايات المتحدة إلى خلق معسكر موال لها في أوربا، قاعدته بريطانيا وبولونيا، وعدد من جمهوريات البلطيق، وبلدان شرق أوربا التي تعول على التعامل الاقتصادي مع الولايات المتحدة. كما أن بعض القيادات الأوربية غير مطمئنة للقوة الأوربية المتمثلة بفرنسا وألمانيا. فالولايات المتحدة تسعى عبر الأزمة الاوكرانية إلى استعادة مجدها القيادي في العالم الغربي وأوربا، نعم هي تريد حلفاء تحت قيادتها، ولكن ليس بمرتبة شركاء .

هذه المؤشرات ومفردات أخرى تصعد من حجم هواجس دول الاتحاد الأوربي ولا سيما بعد أن تهاوت اقتصادات دول عديدة منها بدرجة تقارب الإفلاس والانهيار (اليونان، أسبانيا، ايرلندا، إيطاليا وغيرها) وهو ما دفع بريطانيا (بتحريض من الولايات المتحدة) إلى مغادرة الاتحاد الأوربي، ودول أخرى توشك أن تفعل نفس الشيئ. 

يتواصل تبلور تحالف صيني / روسي يضم لحد الآن كوريا الشمالية، وبيلوروسيا، وهو معسكر يمكن أن يتوسع، وبتكاثف دعم دول عديدة في القارات: آسيا، أوربا، أميركا اللاتينية، يمكن أن يتطور إلى تحالف سياسي / اقتصادي / عسكري. فهناك العديد من الدول ترفض المشاركة في العقوبات على روسيا، مع مؤشرات مهمة في رفض الهيمنة الأمريكية.

ساهمت الحرب الاوكرانية بتسريع إنضاج وإبراز ملامح تقسيم عالم جديد. ومختصر الموقف هو: أن اقتصادات عملاقة تبرز في العالم (مجموعة العشرين: آسيا وتمثلها:  الصين، وإندونيسيا، واليابان، السعودية، كوريا الجنوبية، أفريقيا وتمثلها جنوب أفريقيا فقط وهو تمثيل متواضع،   ولكن هناك اقتصادات كبيرة واعدة (مصر والجزائر) وأميركا الجنوبية  فتمثلها  الأرجنتين  والبرازيل،  وأوروبا تمثلها أربع دول من الاتحاد الأوروبي  وهي: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، إضافة إلى روسيا وتركيا وأمريكا الشمالية تمثلها الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، وقارة أستراليا تمثلها  أستراليا.) . (*)

رغم أن بدائل الطاقة الأحفورية (Fossile energie) من الطاقة المستديمة النظيفة غير الملوثة كالطاقة الشمسية والرياح، ومساقط المياه، هي قيد الاستخدام والبحوث في هذا المجال تحرز تقدماً، إلا أن الأزمة الاوكرانية أظهرت الأهمية الحاسمة لمنتجات الطاقة الاحفورية كالنفط والغاز، وهو ما عزز مكانة المملكة العربية السعودية كعنصر قيادي في الكارتل العالمي النفطي أوبك، ودورها الحاسم في سوق النفط العالمي وأسعاره وهو عنصر مؤثر جدا على الاقتصاد والأزمة الاوكرانية في مواجهة الحصار الاقتصادي الغربي على روسيا، وإمداد الصين بالطاقة في خضم أزمة تابوان.

أكدت ألازمة الاوكرانية أن (الطاقة الاحفورية) النفط والغاز سيبقيان لأمد غير محدد الشكل الأساسي للحصول على الطاقة الآمنة وبسعر مناسب. وأن استخدام المحطات النووية لإنتاج الطاقة ستكون مصدر خطر داهم ذو آثار بعيدة وعميقة، كما حدث من خلال القصف المتعمد ولعدة مرات المحطة الكهرونووية زابوروجيه الأوكرانية التي تدار من قبل روسيا، والتي قصفت بأوامر مباشرة من لندن وواشنطن.

تسبب الصراع في بدايته في إرباك في الاقتصاد الروسي، ولكن ذلك لم يستغرق وقتا طويلاً. إذ شهد الروبل الروسي تدهوراً، ولكن ما لبث إلى النقيض، إذ تصاعد سعر صرف الروبل مقابل الدولار بعد أن كان وقت التدهور قد بلغ 150 روبل مقابل الدولار.، ولكن بحلول أيار / مايو تصاعد الروبل ليبلغ 55 مقابل الدولار. بعد اتخاذ القيادة الروسية قرارات مهمة، بطلب الروبل مقابل أثمان الغاز المصدر، وربط الروبل بالذهب وتحديد سعره. كما لعب التحالف الصيني / الروسي ومجموعة " بريكس " عززت من موقف الاقتصاد الروسي وساهمت في تضاؤل وطأة العقوبات الاقتصادية االغربية على روسيا. (**)

ويمكن تفسير جزء من الانتعاش، من خلال الوضع المالي الأقوى الذي تجد روسيا نفسها فيه بفضل الارتفاع الحاد في الإيرادات من صادرات النفط والغاز والانخفاض الحاد في الواردات. وتتوقع "وكالة بلومبرغ المختصة بالشؤون الاقتصادية" أن تكسب روسيا ما يقرب من 321 مليار دولار (292 مليار يورو) من صادرات الطاقة في عام 2022، بزيادة أكثر من الثلث عن العام الماضي، إذا استمر عملاؤها الرئيسيين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، في شراء النفط والغاز الروسي.

ستقود هذه المعطيات إلى تطورات سياسية / اجتماعية جديدة، والقوى الجديدة كانت إلى ما قبل أقل من قرن واحد عبارة عن مستعمرات، أو بلدان تحت النفوذ الاستعماري، وهذه التطورات تبدأ بتشكيل كتل اقتصادية (مجموعة شنغهاي) ثم بفكرة إيجاد عملات عالمية جديدة كالروبل الروسي واليوان الصيني. أو ربما عملة عالمية جديدة ...الولايات المتحدة استخدمت اعتماد الدولار بطريقة ألحقت الأضرار بنفسها وبالاقتصاد العالمي، والاقتصادات الناشئة سحبت من الاقتصادات المتقدمة كالولايات المتحدة وألمانيا واليابان، مكانتها المتفردة، ودخلت ميدان التجارة العالمية بقوة. الزيادات السكانية، وانتشار منتجات الثورة العلمية التكنيكية، خلقت ظروفا جديدة اقتصادية وسياسية، وانتشار التصنيع بشتى مراحله، بدأ يخلق عالما جديداً وتأثيرات جديدة. فالكيانات الصغيرة لم تعد صغيرة، والفقراء لم يبقوا فقراء (أو تقلص فقرهم) وها هم يطرقون ميدان العلاقات الدولية بقوة .(***)

سيكون لتفاعلات الحرب الاوكرانية السياسية والاقتصادية أبعاد كبيرة، وسيقود إلى المزيد من الضعف للأتحاد الأوربي، ومؤشرات ذلك قد ظهرت مبكراً بتراجع قيمة اليورو .. وهناك من يعتبره " انهياراً " إذ تراجع سعر اليورو إلى ما دون الدولار، للمرة الأولى منذ 20 عاما، في خطوة يراها مراقبون ستؤثر على المدخرين وستزيد من حدة أزمة تكلفة المعيشة في أوروبا. وقد تقود إلى مشكلات سياسية / اجتماعية.

مع تواصل العمليات العسكرية، من غير المستبعد أن يشهد العالم تصعيداً مدروساً، أو تلقائياً وبروز معطيات جديدة تطرح سقفا جديدا وأبعاد سياسية جديدة يرفع سقف التفاوض.

طالما الصراع العسكري يتواصل، فالاحتمالات مفتوحة على خيارات عديدة، وإن كان توازن القوى وفرص النجاح متاحة أمام روسيا أكثر مما هي مع أوكرانيا. والعالم يزخر بقوى جديدة، صاعدة تأخذ مكانها في العلاقات الدولية، وقد ولت عهود الهيمنة والاستفراد بقيادة العالم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) مركز ستاندرد تشارترد

توقعت المؤسسة المالية البريطانية " ستاندرد تشارترد " في أحدث نشرة لها صدرت يوم 9 / أيار / 2019، عن نمو اقتصاديات الدول العشرة الأولى في مقدمة الاقتصاد العالمي حتى عام 2030  وكما يلي:

 

الصين في المرتبة الأولى

الهند في المرتبة الثانية.

الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثالثة.

اندنوسيا في المرتبة الرابعة.

تركيا في المرتبة الخامسة.

البرازيل في المرتبة السادسة.

جمهورية مصر العربية في المرتبة السابعة.

روسيا الاتحادية في المرتبة الثامنة.

اليابان في المرتبة التاسعة.

 ألمانيا الاتحادية في المرتبة العاشرة. 

ويقول خبراء مؤسسة ستاندرد تشارترد أن التوقعات الاقتصادية على المدى البعيد تعتمد على مبدأ رئيسي، هو أن حصة الدول من النمو الاقتصادي العالمي ينبغي أن تكون متقاربة مع حصصها من سكان العالم.

 

(**)  مجموعة بريكس: البلدان الأسرع نموا في العالم : البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا ".

 

(***) منظمة شانغهاي للتعاون :هي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أورواسيوية. تأسست في 15 يونيو 2001 في شانغهاي، على يد قادة ستة دول آسيوية، هي الصين، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا،  وطاجيكستان، وأوزبكستان

 

برلين : 18 / آب / 2022

 

 

زيارة بايدن الفاشلة

 

ضرغام الدباغ

 

 

أستبعد تماماً، أن تقوم الإدارة الأمريكية الحالية (لكن ربما في المستقبل) بتحليل زيارة الرئيس بايدن ونتائجها للمنطقة وإدارك العوامل الجوهرية ليس لفشل لزيارة الرئيس بايدن، بل لعموم الترجع الأمريكي وعلى العديد من الاصعدة.

 

ليس الوطن العربي فقط من يتململ، فقبلهم الحلفاء الأوربيين يبدون سرا وعلنا ضيقهم وتبرمهم من السطوة الأمريكية، رغم أنه يركبون قاربا واحداً، الضيق بلغ ذروته حين ينوه قادة أوربيون " وهم لا يفعلون ذلك عادة، فلديهم قابلية مدهشة على كتم الغيظ " معبرا عن إدراك الأوربيين أن أمريكا سوف لن تستطيع تدمير روسيا، بل هي تريد أن تدمير أوربا وإذلالها وإركاعها...!

 

إذا كان الأوربيون المساهمون في الجانب الاوربي للحضارة المسيحية، والمتشاركون مع الولايات المتحدة في السراء والضراء قد ضاقوا ذرعاً بالسطوة والهيمنة، فما يفعلون في أفريقيا الذين يتجهون صوب معسكر الصين / روسيا، وبلدان الشرق الأوسط الذي أتعبته الولايات المتحدة وأنهكته في نزاعات وصراعات وتوترات لا تخمد بلغت حد أستخدام القوة المسلحة، وحرب اوكرانيا هي الثانية في غضون عقدين، بعد الحرب اليوغسلافية. هذا غير الصراعات والحروب خارج القارة وزجهم في توترات وأشباه الحروب، وهو ما يهدد استقرار البلدان الأوربية، وتضيف لها هموما ومشكلات فوق ما تعانيه هي من متاعب. فسياسة الغرب (بقيادة الولايات المتحدة) أوصلت لأوربا ملايين المهاجرين من مناطق الصراعات والتوتر، من الفيثناميين، والأفغان، والإيرانيين، والعراقيين، والسوريين، وهو وضع ينذر بالعديد من المشاكل وعلى أصعدة عديدة.

 

يصعب على صناع القرار معرفة ما تريده الولايات المتحدة، وهي في النهاية تريد بسط الهيمنة التامة، وحكومات تدار بالهاتف، وبالبرقيات ...!  وحتى الأنظمة الحليفة لها لا تسلم من التآمر والدس والخبث وتشك بالجميع، فليس من حليف يضمن أن الولايات المتحدة لا تتجسس عليه، ولا تخلق بؤر للنفوذ داخل الدول الصديقة، وتشتري الشخصيات السياسية كجواسيس، ففي الوقت الذي تتظاهر فيه أنها حليفة للمملكة العربية السعودية، تغض الطرف ... لا بل تغمض عينيها عن أعمال تخريبية كثيرة مورست ضد المملكة، بل ومولت بعض عمليات التخريب في اليمن وتدفع للحوثيين الرواتب والمساعدات، وتسمح بإبقاء طرق امداهم بالسلاح مفتوحاً وتغمض عينيها عن عمليات تخريب بالصواريخ والدرونات .. وفي غير اليمن أيضاً، وهناك بعض التخريبات يستبعد أن تكون بلا تنسيق ..!

 

لماذا ... الإجابة بسيطة ولأمر لا علاقة له بالاخلاق ..

الولايات المتحدة لا تحب أن تتحالف مع أقوياء لأنها ستخشى على المركز القيادي ...

الولايات المتحدة لا تحب أن تتحالف من من يحافظ على كرامته ...!

الولايات المتحدة تحاول أن تتحالف مع أطراف وعندهم جرح مفتوح (أزمة) لكي تلعب دور المضمد ..!

الولايات المتحدة لا تفضل أن يكون حلفاؤها مرتاحين، لأن الراحة مجلبة للمشاكل برأيها ..!

مبدأ الربح والخسارة يسود علاقاتها السياسية، ولكن هناك مرجحات لكفة الميزان: الدين، العرق. المنظرون لفلسفة السياسة الخارجية الأمريكية : فوكوياما، وهينتغتن، عبارة عن شوفينيين عنصرين معادين للمبادئ الإنسانية.

لا تحتقر الولايات المتحدة شيئا بقدر احتقارها لحقوق الإنسان ...

 ولكي تخفي احتقارها الواضح، نصبت نفسها (بدون طلب من جهة) مدافعا عن حقوق الإنسان.

الولايات المتحدة تدعم لدرجة التدخل المسلح، الأنظمة الرجعية والثيوقراطية، والطغيانية، والدول المتوسعة بالسلاح، والعنصرية،  وتزعم أن هذه الدول ديمقراطية.

درجة رضوخ أي نظام حكم التعليمات والأوامر الامريكية هو من يحدد درجة " ديمقراطية / حقوق الإنسان ".

 

بعد كل هذه المقدمات السريعة، هل من المستغرب أن تفشل زيارة بايدن العربية، وهو القادم وفي جعبته إملاءات ... وكاد أن يطلب من القادة العرب أن يحاربوا في أوكرانيا ...! وتمويل الحملة ضد روسيا، لماذا ..؟ وبوقاحة لا حدود لها يعاتب على مقتل صحفي، قيل له نعم أنه قتل خطأ، وحوكم القتلة ونالوا جزاءهم، ولكن هذا لا يرضي بايد، فهو يريد أن يستخدم الملف كأداة ضغط سياسية، وعيل صبر مستمعيه، فقيل له لماذا لا يبدي حرصا مماثلا بقدر 1% على صحفية أمريكية الجنسية قتلت على أيدي الصهاينة ..؟

تعالوا نشكل حلف عسكري معاد لإيران بقيادة إسرائيل ...هل هناك وقاحة أكثر من هذا الطلب ..؟ وفي نفس الأسبوع الصهاينة يوسعون بناء المستوطنات ..!.

ضاعفوا ضخ النفط لإضعاف روسيا، ولتخفيض أسعار البنزين في الولايات المتحدة ...

 

عدا بلاهة بايدن، ومن يراه يترحم على طغاة الشرق الأوسط .... هل يقبل بايدن والولايات المتحدة الاستماع إلى هواجس الآخرين .. هل هم مستعدون لمراجعة سياساتهم الفاشلة في العالم كله وليس في الشرق الأوسط .... أين فعلتم طيب لتحصدوا الطيب ...؟ ألا يشاهدون ويلمسون أنهم محتقرون في العالم كله ..؟

الولايات المتحدة قوية ... نعم، وثرية ... نعم أيضاً، وقوة عظمى .. نعم للأسف، ولكن لا أحد يحترمكم ..لا تسأل عن الحب فالقضية ليست غراميات ... أنتم لم تحترموا مشاعر ومصالح كل شعوب العالم لذلك لن تجدوا من يقف بجانبكم حين تحين ساعة الهول ....

 

)

 

 مقالات سابقة

 

زيارة بايدن الفاشلة

 

ضرغام الدباغ

 

 

أستبعد تماماً، أن تقوم الإدارة الأمريكية الحالية (لكن ربما في المستقبل) بتحليل زيارة الرئيس بايدن ونتائجها للمنطقة وإدارك العوامل الجوهرية ليس لفشل لزيارة الرئيس بايدن، بل لعموم الترجع الأمريكي وعلى العديد من الاصعدة.

 

ليس الوطن العربي فقط من يتململ، فقبلهم الحلفاء الأوربيين يبدون سرا وعلنا ضيقهم وتبرمهم من السطوة الأمريكية، رغم أنه يركبون قاربا واحداً، الضيق بلغ ذروته حين ينوه قادة أوربيون " وهم لا يفعلون ذلك عادة، فلديهم قابلية مدهشة على كتم الغيظ " معبرا عن إدراك الأوربيين أن أمريكا سوف لن تستطيع تدمير روسيا، بل هي تريد أن تدمير أوربا وإذلالها وإركاعها...!

 

إذا كان الأوربيون المساهمون في الجانب الاوربي للحضارة المسيحية، والمتشاركون مع الولايات المتحدة في السراء والضراء قد ضاقوا ذرعاً بالسطوة والهيمنة، فما يفعلون في أفريقيا الذين يتجهون صوب معسكر الصين / روسيا، وبلدان الشرق الأوسط الذي أتعبته الولايات المتحدة وأنهكته في نزاعات وصراعات وتوترات لا تخمد بلغت حد أستخدام القوة المسلحة، وحرب اوكرانيا هي الثانية في غضون عقدين، بعد الحرب اليوغسلافية. هذا غير الصراعات والحروب خارج القارة وزجهم في توترات وأشباه الحروب، وهو ما يهدد استقرار البلدان الأوربية، وتضيف لها هموما ومشكلات فوق ما تعانيه هي من متاعب. فسياسة الغرب (بقيادة الولايات المتحدة) أوصلت لأوربا ملايين المهاجرين من مناطق الصراعات والتوتر، من الفيثناميين، والأفغان، والإيرانيين، والعراقيين، والسوريين، وهو وضع ينذر بالعديد من المشاكل وعلى أصعدة عديدة.

 

يصعب على صناع القرار معرفة ما تريده الولايات المتحدة، وهي في النهاية تريد بسط الهيمنة التامة، وحكومات تدار بالهاتف، وبالبرقيات ...!  وحتى الأنظمة الحليفة لها لا تسلم من التآمر والدس والخبث وتشك بالجميع، فليس من حليف يضمن أن الولايات المتحدة لا تتجسس عليه، ولا تخلق بؤر للنفوذ داخل الدول الصديقة، وتشتري الشخصيات السياسية كجواسيس، ففي الوقت الذي تتظاهر فيه أنها حليفة للمملكة العربية السعودية، تغض الطرف ... لا بل تغمض عينيها عن أعمال تخريبية كثيرة مورست ضد المملكة، بل ومولت بعض عمليات التخريب في اليمن وتدفع للحوثيين الرواتب والمساعدات، وتسمح بإبقاء طرق امداهم بالسلاح مفتوحاً وتغمض عينيها عن عمليات تخريب بالصواريخ والدرونات .. وفي غير اليمن أيضاً، وهناك بعض التخريبات يستبعد أن تكون بلا تنسيق ..!

 

لماذا ... الإجابة بسيطة ولأمر لا علاقة له بالاخلاق ..

الولايات المتحدة لا تحب أن تتحالف مع أقوياء لأنها ستخشى على المركز القيادي ...

الولايات المتحدة لا تحب أن تتحالف من من يحافظ على كرامته ...!

الولايات المتحدة تحاول أن تتحالف مع أطراف وعندهم جرح مفتوح (أزمة) لكي تلعب دور المضمد ..!

الولايات المتحدة لا تفضل أن يكون حلفاؤها مرتاحين، لأن الراحة مجلبة للمشاكل برأيها ..!

مبدأ الربح والخسارة يسود علاقاتها السياسية، ولكن هناك مرجحات لكفة الميزان: الدين، العرق. المنظرون لفلسفة السياسة الخارجية الأمريكية : فوكوياما، وهينتغتن، عبارة عن شوفينيين عنصرين معادين للمبادئ الإنسانية.

لا تحتقر الولايات المتحدة شيئا بقدر احتقارها لحقوق الإنسان ...

 ولكي تخفي احتقارها الواضح، نصبت نفسها (بدون طلب من جهة) مدافعا عن حقوق الإنسان.

الولايات المتحدة تدعم لدرجة التدخل المسلح، الأنظمة الرجعية والثيوقراطية، والطغيانية، والدول المتوسعة بالسلاح، والعنصرية،  وتزعم أن هذه الدول ديمقراطية.

درجة رضوخ أي نظام حكم التعليمات والأوامر الامريكية هو من يحدد درجة " ديمقراطية / حقوق الإنسان ".

 

بعد كل هذه المقدمات السريعة، هل من المستغرب أن تفشل زيارة بايدن العربية، وهو القادم وفي جعبته إملاءات ... وكاد أن يطلب من القادة العرب أن يحاربوا في أوكرانيا ...! وتمويل الحملة ضد روسيا، لماذا ..؟ وبوقاحة لا حدود لها يعاتب على مقتل صحفي، قيل له نعم أنه قتل خطأ، وحوكم القتلة ونالوا جزاءهم، ولكن هذا لا يرضي بايد، فهو يريد أن يستخدم الملف كأداة ضغط سياسية، وعيل صبر مستمعيه، فقيل له لماذا لا يبدي حرصا مماثلا بقدر 1% على صحفية أمريكية الجنسية قتلت على أيدي الصهاينة ..؟

تعالوا نشكل حلف عسكري معاد لإيران بقيادة إسرائيل ...هل هناك وقاحة أكثر من هذا الطلب ..؟ وفي نفس الأسبوع الصهاينة يوسعون بناء المستوطنات ..!.

ضاعفوا ضخ النفط لإضعاف روسيا، ولتخفيض أسعار البنزين في الولايات المتحدة ...

 

عدا بلاهة بايدن، ومن يراه يترحم على طغاة الشرق الأوسط .... هل يقبل بايدن والولايات المتحدة الاستماع إلى هواجس الآخرين .. هل هم مستعدون لمراجعة سياساتهم الفاشلة في العالم كله وليس في الشرق الأوسط .... أين فعلتم طيب لتحصدوا الطيب ...؟ ألا يشاهدون ويلمسون أنهم محتقرون في العالم كله ..؟

الولايات المتحدة قوية ... نعم، وثرية ... نعم أيضاً، وقوة عظمى .. نعم للأسف، ولكن لا أحد يحترمكم ..لا تسأل عن الحب فالقضية ليست غراميات ... أنتم لم تحترموا مشاعر ومصالح كل شعوب العالم لذلك لن تجدوا من يقف بجانبكم حين تحين ساعة الهول ....

 

تدهور حالة الديناصور

 

ضرغام الدباغ

 

هل يسقط ديناصور عملاق بسهام صيادين هواة .. كلا بالطبع، أم بأفخاخ لا تصلح إلا لصيد الأرانب وما شابه من المخلوقات الصغيرة الضعيفة ... لا بالطبع ... إذن كيف يصرع الديناصور ...؟

 

منذ القدم لا يتوقف هذا الصراع، الديناصور الشريف ليس انعكاس لضوء وظل قوة أجنبية، ولا صدى لصوت نشاز، ولهذا فقط طال عمره ومشروعه، ولكن الصيادون لا يكفون عن محاولاتهم، وأخيرا أهتدوا لفكرة نجاحها يتطلب الصبر، فأشتروا منه كمية كبيرة، وباشروا مهمتهم القذرة .. الديناصور الشريف يمكن أن يصرع، يقتل / تأتي نهايته وبأسباب وأساليب متعددة ... فإذا كان من المستبعد أن يقتل بسهم يطلق من قوس، فالديناصور ينتزعه من جلده بسهولة دون أن يخلف إلا جرحا طفيفاً، يعالجه الديناصور بيسر، وحتى بوسائل بدائية، وفي النهاية يخلف ندبة يستبعد أن تمثل إعاقة له، إلا إذا كان سهماً مسموماً أو إذا ما أحدث جرحا غائراً به شيئ من العمق، فآنذاك تكون الندبة ليست بسيطة .. وقد تمثل إعاقة بدرجة ما ... ما هي هذه الدرجة ..؟ هذا السؤال المهم ...!

 

الديناصور حين يكون فتي سريع الحركة، دقيق الملاحظة والانتباه، لا تصعب عليه القفزات إن أضطر لها، أو حتى للسباحة لمسافات متوسطة وطويلة، وهو في سنين شبابه لا يحتاج للكثير من المعارف، فشبابه وفتوته تعوضان سائر مستلزمات النضال والبقاء بطلاً في الميدان وقد يخترع خلالها الحلول للمعضلات حين تواجهه .. كما أنه لا يحتاج للتمارين الرياضية للإبقاء على قابلياته تلك .. وقد تكفيه المطالعة البسيطة يجتاز بها المصاعب. علاج الجروح تبدو بسيطة، فقوة بدنه والتغذية الممتازة تجعل من معالجة جراحه أمراً غير معقداً.

 

ولكن مع تقدم السن، وكثرة المعارك التي تلحق به جراحاً وبعضها غير بسيط، سيحتاج بالتأكيد لعناية طبية دقيقة، وإلى مساعدة أبناء القبيلة من الديناصورات الفتية، ولكن الديناصور إذا أهمل تربية ورعاية أبناؤه، فقد يفرون إلى الغابات ويعيشون مع البلابل بل وبعضهم يتعلم التغريد والشدو ... وما عادوا يتذكرون أسلوب معالجة الجروح .. أحد الديناصورات الخنفشارية (الله لا يعطيه العافية) نصح الديناصور الكبير  أن يبعد هؤلاء الديناصورات التي قد تثير المتاعب .. " لا نحتاجهم مولاي " مبسطاً الحياة في الأدغال المخيفة المحيطة بهم بأنها قضية سهلة ولا تحتاج إلا لمن يتقن طقطقة وفرقعة الأصابع، وإطلاق الصفير، وإبداء قدر من السفاهة وقلة الحياء، فهذه ضرورية في هذا العصر .. مولانا هذا زمن وحضارة الديسكو ..ورفع الساق اليسرى عاليا ما أستطاع ذلك خلال الدبكة الضرورية. وهز الخصر، وفعلاً أستبعد الموظفون الإداريون من يتسم بالقوة من الديناصورات، وبعضهم نعرض للإهانة علنا في ساحة البلدية .. وعدد منهم مات كمداً ..! وأستبقي كل من يحسن الدبك والهبك، وأكل النبك وفرقعة الأصابع .. والضرب على الدنبك ..! وهناك من آثر الصبر والصمت واحتمال كل شيئ من أجل الولاء القديم المتجذر للعشيرة .. ومنهم الفقير إلى الله كاتب هذه السطور ..!

 

الديناصور اهمل العلاج، وفي البداية لم يبدو ذلك أمرا خطيراً، ولكن بمرور الأيام تفاقم العجز، وهذه قاعدة عمل وحسابات الحياة، وعدا هذا يبدو الديناصور متعافيا، وقد انتفخت أوداجه، وصار له كرش صغيرون، يطلق عليه تحبباً " كرشون " وهو يعتقد جازماً أنها من علامات الصحة والعافية ... ولكنه لا يدرك أنه أصبح ثقيل الحركة، وفي البداية لم تمثل هذه مشكلة ، إذ يجلبون له ما يتنقل به من عربات فخمة ولكن فيما بعد أعتاد على لعبة قبيحة وهو أن يحمله ديناصور شاب قوي، بكل فخر واعتزاز فأصبحت ميزة الديناصور الممتاز أن يكون حمالاً، تؤهله للترفيع إلى الدرجات العليا .. ولم تعد المزايا الأخرى مهمة، فكثر عدد الحمالون ...!

 

أكتشف الديناصور أنه أخطأ حين عالج الجرح في قدمه، لأنه يركب العربات ويحمله الديناصورات الجدد، وبدلاً من أن يستخدم مضاد للألتهابات، وضع حفنة من رماد وصفها له دجال هائم في البراري يعالج  الجهلة والمفلسين .. وهكذا صار الديناصور يعرج قليلاً في مشيته .. ولكن تكائر الإصابات على مر السنين، مع توفر حيوانات سخيفة في الجوار، صحيح هي تافهة لا قيمة لها، ولكنها تصبح مؤذية إذا أتفقت مع ضباع المنطقة، وبحكم تعدد الإصابات تكثر الالتهابات ... ومن جهة أخرى يعتقد الديناصور الأعظم أنه عبقري في مهمة قيادة سفينة عملاقة .. وهو الذي لم يجرب قيادة حتى شختورة صغيرة .. 

 

لما بدأت أخطاء الديناصور تكثر، حدث أن نصحه صديق صدوق بأن ينتبه لحاله، وإلا الكارثة ستحدث، فلطمه عظيم الديناصورات على فمه ضربة أفقدته ثلاثة من أسنانه الأمامية .. بحيث صار يلفظ السين شين ... ولكن الديناصور الأكبر مع ذلك أستبقاه ليضحك عليه حين يأمره : قل سلام فيلفظها ذاك " شلام " فيضحك الديناصور حتى يستلقي على قفاه... الديناصور أعتبرها مسألة عادية لا أهمية لها .. ولكي يريح رأسه من ثرثرة من يغمزون من طرف قناته .. رفس جميع الديناصورات على مؤخراتهم، وشتمهم قائلاً " تعتبرون أنفسكم عباقرة .." انتظروا قسماً لأجعلكم تهترأون في بيوتكم ..".

 

قلنا بعض الديناصورات مات هماً، وأخرون لبسوا الدشاديش وراحوا يهتمون بالحديقة المنزلية، وأشتروا الأنابيب المطاطية وراحوا يسقون الحديقة فرحين مستبشرين بالسلامة أولاً وبالاكتشاف الفضيع ثانياً والحمد لله على هذا الحال وكل حال، وبالشكر تدوم النعم. وإذ اكتشفوا أن بدراهم بسيطة يستطيعون يوفرون شراء الطماطة والباذنجان، والخيار ... وتأسفوا لأن هذا العمر ضاع هدراً، وأنهم تعلموا زراعة الحديقة مؤخراً، وتبين لهم أن الديناصور الكبير عبقري فعلاً وقولاً، فهو بهذا يوفر مبالغ كبيرة للاقتصاد الوطني ...

 

ذات يوم أصيب الديناصور برجة في الدماغ، إذ ارتطدم رأسه بجذع شجرة قوية، أثر ضرطة قوية من ديناصور سخيف قليل تربية وتهذيب، معروف في المنطقة بقلة أدبه ... وأكتشف أنه لم يبق من يعالجه من الصدمة، فجميع الذين بقوا حمالين لا خبرة لهم بالعلم والفهم ....

 

تذكر الديناصور مسرحية كان قد شاهدها، أن مدينة فر سكانها للمهاجر من ظلم طاغية أذاقهم المر العلقم، وأودعوا مفاتيح بيوتهم لدى عجوز ائتمنوها عليها، وصار الملك الجبار يصرخ يريد الخدم والحشم والمرافقين والجمهور، فلا يسمع غير الصدى، وهتف بعلو صوته : أين الهتافة واللكامة والذي يطقون الأصبع ويدبكون، فقيل لهم لم يبقى منهم أحد ....سوى العجوز حافظة المفاتيح ..

 

 

مالعمل ...؟

 

سؤال فضيع .. مثير للمتاعب ...

 

الفكر القومي / الإسلامي ....

 

ضرغام الدباغ

 

 

هذه المنطقة، الوطن العربي الكبير، كبيرة وإن جن جنون المفترون، ومات بغيظهم الشعوبيون، نحن نكتب أشعارا رائعة قبل 1700 عاماً بمقايس اليوم ويوم كانت شعوب كثيرة ما تزال تلعب على الأشجار، نحن نعزف على القيثارة ونعلم الشعوب الموسيقى، ونرسم، ونؤسس حضارة لها أبعادها وشخصيتها. قبل عصر النهضة (الرينسانس) بأربمعمائة عام ....!  واليوم يواصل أدباؤنا وفنانونا وعلماؤنا السير إلى الأمام والتقدم والعمران الذي وضعنا نحن فلسفته على يد أبن خلدون .. أمه تنهض رغم الألغام والعراقيل والمعوقات .. الأزمة في جوهرها عندهم وليست عندنا وسيكون لنا مجلس وديوان في رحاب الحضارة والتاريخ ..وهذا يميتهم غيضاً ...! نتعرض بين حقبة وأخرى، لمحاولات، تبدو في وقتها ويومها ذات شأن، ولكنها تتلاشي وتضمحل ولا يبقى منها سوى الدهشة ..!.. في ساحة التاريخ الفسيحة سيزول من هو طارئ، ويبقى الأصيل ويزدهر ...

 

               *                *              *

صفة فريدة : الالتحام بين الفكر القومي العربي والإسلام

 

واستطراداَ في مناقشة فكرة الدولة القومية، نتيقن أنها ليست فكرة إقطاعية. ولو كان الأمر كذلك لكانت أوربا قد أدركته خلال عصور الهيمنة الإقطاعية الطويلة على المجتمعات الأوربية، كما أنها ليست بورجوازية، فلو كانت كذلك فكيف أنتبه لها أبن خلدون بهذه الدرجة من الوعي. أن فكرة الدولة القومية هي جزء من الوعي السياسي لأي شعب يحس ويشعر بكيانه ويدرك أبعاد وحدود بلاده ومصالحه الحيوية والاقتصادية في المقام الأول. كما يشعر بلغته وتميزها، وثقافته وتأريخه. فقد كانت حقيقة تاريخية قد ترسخت منذ العصور البابلية والآشورية، أن جبال الأناضول شمالاَ وجبال زاغروس شرقاَ مثلت الحدود الطبيعية لمنطقة كانت على الدوام مرتعاَ لشعب سام يتألف أساساَ في معظمه الغالب من أقوام هاجرت من شبه الجزيرة العربية ، منذ أن جفت شبه الجزيرة، واستوطنت أحواض الأنهر وذلك قبل لا يقل من 5 ألاف سنة قبل الميلاد، ومضت تواصل تثبيت ألوانها الثقافية، وتكتسب ملامح محددة بمرور الوقت، أنماط معيشة واقتصاد، ثقافة ولغة، عادات وتقاليد، شدتها مفردات الحياة وأحداث تاريخية إلى بعضها البعض. وقرأنا في الألواح البابلية لأول مرة كلمة عرب، عربو، أرابيا، بحدود ألف قبل الميلاد فصاعداَ.

 

ويكتب الفيلسوف الهنغاري المعاصر جورج لوكاس شيئاَ يقارب ما نذهب إليه : من أن لا قاعدة نهائية للمسالة القومية، فهذه تتشكل وتتكون وتنعقد شروطها وصفاتها بصورة قد تتفاوت من مكان لآخر ومن مرحلة لأخرى، فيقول : " وعلى نقيض الوضع في إنكلترا أو فرنسا حيث كان التوجه السياسي لأمة قد تحقق فعلاَ بشكل أساسي عندما طرح التصور الاقتصادي للرأسمالية، مسألة الثورة الديمقراطية البورجوازية (القومية) على جدول الأعمال. ولكن تطور ألمانيا قد انطوى على تناقض، وهو أن المجتمع البورجوازي الناشئ كان عليه أن يحقق الوحدة القومية أولاَ وأن تحقيق الوحدة القومية أصبحت المسألة المحورية من ثورتها الديمقراطية البورجوازية ".

وحول المسألة القومية أيضاَ، وانطلاقاَ من فكرة أننا لا يمكننا أن نحكم أو أن نقيم أحداث جرت قبل ألف وأربعمائة عام بمقاييس اليوم، إذ لا بد من الأخذ بالاعتبار، الظروف الموضوعية والذاتية لتلك الأزمنة، والأمر كذلك فعلاَ، فيقول الأستاذ البريطاني (اللبناني الأصل) البرت حوراني، إن فكرة القومية العربية الحالية اكتسبت قوة سياسية في القرن العشرين ولكن: " إذا ما توغلنا في الماضي نجد أن العرب كانوا دوماَ يحسون إحساساَ فريداَ خاصاَ بلغتهم، وأنه كان قبل الإسلام إحساس عرقي، أي نوع من الشعور بأن وراء منازعات القبائل والعائلات وحدة تضم جميع الناطقين بالضاد والمنحدرين من القبائل العربية.

 

 أين يتركز الهجوم المعادي على الأمة العربية ...؟

 

بعض الجهات المعادية (وهي جهات استعمارية عريقة) تمتلك خبرة طويلة في الأنشطة المعادية للأمة العربية، بحيث اكتشفوا نقاط القوة والضعف، وسياسة التصدي والإحباط للأمة مارسوها منذ القرن التاسع عشر، عبر بعثاتهم الاستكشافي / الاستخبارية، ثم عبر تغلغلهم السياسي، ثم احتلالهم، ثم في عهود الانتداب وبعدها، إلا عناصر القوة والضعف هذه عند الأمة غير ثابتة فقد تتعرض للتصاعد أو التنازل، كما يحدث أنهم يبالغون في تقديراتهم السلبية، أو يبخسون قدر بعض العناصر، كما أنهم وبوصفهم أجانب، لا يمكنهم مقياس قوة العناصر الروحية والمعنوية، والخصائص العميقة للفرد العربي، والدوائر الاستعمارية تميل إلى سماع وتصديق التقارير الاستخبارية حرفياً، فلا يمكنهم وضع تصور دقيق لنفسية الأفراد وانفعالاتهم، وحجم التأثير الديني لدى الناس. ومن خلال قراءة كثيفة لمصادر كثيرة ومن دول عديدة، قلما تجد من يتفهم أعماق الفرد العربي.

 وقد وجدت تلك الجهات ثلاثة نقاط قوة في هذا الجسم الممتد من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي، ومن عدن وحتى سفوح الأناضول، ثلاث نقاط وهاجة، إن كان إطفاؤها مستحيل فلنضعفها على الأقل، وأرجح أن الإنكليز والفرنسيون يدركون ذلك، ولكن الأمريكان بأعتبارهم سخفاء (بسبب ثروتهم وقواهم العسكرية) يعتقدون هذا ممكن. النقاط الثلاثة هي :

1. اللغة العربية، والعروبة.

2. القرآن والإسلام.

3. التلاحم بين الإسلام والعروبة.

 

ولهذا تحديداً (النقطة الأولى، اللغة والعروبة) تتبذل جهات عديدة جهوداً لإضعاف اللغة العربية كمقدمة لإضعاف اللحمة القومية، بوسائل عديدة، ولكنها مكشوفة، وقد جربت في العقود الماضية ولم تفض لنتيجة تستحق الذكر ... كان التركيز القديم يعتمد استبدال الحروف العربية بأخرى لاتينية كخطوة أولى لفك شبكة الارتباطات. ولكن هذه الفكرة التي نجحت في تركيا ما بعد العثمانية ارتبطت بسلسلة تنازلات جوهرية عن الهوية التركية القومية والدينية، لذلك لم تلق نجاحاً كبيراً، بسبب أن من تصدى للفكرة كانوا مفضوحين في ارتباطاتهم وعداءهم للأمة والإسلام معاً، وفشلت الخطة لتناقضها الشديد.

 

الفكرة الأخرى وهي تطبق حالياً، استخدام تدريجي خافت بلا ضجة ولا صخب، في استخدام اللهجات المحلية، بل والمبالغة بها. وهي تطبق دون ضجيج بلا رد فعل ملموس من أجهزة الثقافة العربية. وهذه ستفشل ليس بسبب مقاومتنا لها، لا .... ولكن بسبب المناعة الذاتية في اللغة ومكونات الأمة ..  فهو مخالف للمنطق والتاريخ. ويذكر مؤلفوا كتاب موسوعة تاريخ العرب (7 أجزاء)، من جامعة لايبزغ بألمانيا ما نصه : " وإذ يمكننا الانطلاق من حقيقة: أن اللغة العربية واللهجات، إنما تعود في أصلها إلى عائلة اللغات السامية، ومنها لنثبت ونقرر: أن كافة المجاميع السكانية التي تتحدث اللغة السامية، إنما كانت قد نزحت عبر العصور من براري وواحات شبه الجزيرة العربية إلى مناطق المراعي على حافات الأراضي الصالحة للزراعة في شمال وشرق الصحراء العربية السورية. وهذا التجول والتحول من البداوة إلى التحضر والمدنية كانت، كما يشهد بذلك اهتمام الكتاب والمفكرين، عبارة عن حركة مستمرة لا تعرف التوقف ".

 

أما المحاولات لتحريف القرآن الكريم وإدخال نصوص مدسوسة، فهي محاولات لم تتوقف منذ فجر الاسلام، وجهات كثيرة حاولت التحريف، وفي المقدمة حاول اليهود تحريف القرآن، وهناك طبعات من القرآن محرفة، بعدها حاولت أطراف أخرى طباعة القرآن وإدخال تحريف، كان بعضها متقن الصنع، والبعض الآخر واضح جداً ومكشوف، والمحاولات لن تتوقف حتى يومنا هذا.

 

لم تتوقف المحاولات المتفاوتة في حجمها وقوتها، للنيل من اللحمة بين العروبة والإسلام. ورغم وجود أحاديث عديدة للرسول (ص) تؤكد على هذه اللحمة، إلا أن المحاولات تفعل كل شيئ، حتى الاستناد إلى توصيفات وتعبيرات دينية، منها نعلم أن فك عرى العروبة عن الإسلام، وبالعكس هو جهد قديم حديث، وإن يشتد في هذه المرحلة لإضعاف العروبة والإسلام كلاهما

 "  إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل، فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما، وقسم قريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير ما أنا منهقال الهيتمي في مبلغ الأرب "

 "   يا سلمان؛ لا تبغضني فتفارق دينك. قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله! قال: تبغض العرب فتبغضني  "

 "   حب قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني   . "

 " العرب الذين دخلوا في الإسلام وحملوه إلى الناس وعلموه الناس وصاروا قدوة في الخير، كالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من العرب ومن حمل الإسلام معهم من العجم، فهؤلاء لهم فضل ولهم مزية من العرب والعجم. فـالصديق وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة وغيرهم من الأنصار والمهاجرين لهم فضل عظيم، وهكذا من تبعهم بإحسان في حمل العلم والجهاد في سبيل الله حتى نشروا دين الله وعلموه الناس، سواء كانوا عرباً أو عجماً، لهم حق عظيم على المسلمين المتأخرين في الدعاء لهم والترضي عنهم وشكرهم على ما فعلوا، وحبهم على ذلك"

    ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ يوسف : ٣

 فالعرب أو العربي سمي كذلك لوضوح لغته وسلاستها وأصلها واتساعها وشموليتها ولذلك يقال أعْرَبَ أي وضّحَ وبيّنَ، فهي لغة البيان والوضوح. لهذا أنزل الله تعالى كتابه الأكمل بهذا اللسان المبين وأعاد الأمر إلى الأصل الأول.

 هذه الأمة ولغتها ودينها خالد حتى يرث الله الأرض وما عليها، وسوى هذا عبث وحرث في الماء  طائل منه

 

الاستحقاق التاريخي

 

كيف ولماذا انتهى حزب الاستقلال ..

 

ضرغام الدباغ

 

 

 

هي تجربة تاريخية كبيرة، مثيرة للإعجاب وللدهشة معاً. ومدهش أكثر أن لا يتطرق لها أحد  لا من بعيد ولا من قريب. وسأسوق ملاحظة هي أن لا أحداً من كتاب التاريخ المحترفين (أساتذة وعلماء)، أو من هواة تسجيل التاريخ (chronologie). أن يبحث فيها المختصون والباحثون، وهي تجربة مثيرة تستحق البحث التفصيلي، ومن المؤكد أن في ثنايا الأحداث الكثير من القصص الصغيرة والروايات التي تستحق عناية المدونين.

 ما أريد بحثه اليوم، هو ظاهرة التلاشي التدريجي لحزب الاستقلال في العراق.  وهي قضية بتقديري مهمة للغاية، وتستحق الدراسة والتمعن، لا سيما في الظروف الحالية. وهو تساؤل كبير: كيف ولماذا أنتهى حزب الاستقلال ... وحزب الاستقلال كان حزبا سياسيا رئيسياً في العراق، قاد التيار القومي التحرري لسنوات طويلة (من الأربعينات وحتى الستينات)، وكان يضم النخب الممتازة من الشباب والرجال الناضجين، والعديد منهم كان يمتلك قدرات فكرية وسياسية مهمة. وتميز بخط وطني / قومي، معاد للأستعمار، وله أهداف اجتماعية كانت جذابة وجديرة بالأهتمام. وقادة الحزب من أمثال : محمد مهدي كبة، ومحمد صديق شنشل، وفائق السامرائي، وآخرون، كانوا يتمتعون بالاحترام التام في كافة الأوساط لمكانتهم، وثقافتهم، ووطنيتهم الخالصة، وبعدهم التام عن الطائفية المقيتة، وعن المناطقية والعشائرية، فكانوا يمثلون بحق خطاً وطنيا تحررياً لا تشوبه شائبة.

 وكمعظم الحركات التاريخية، لم يولد حزب الاستقلال بمرسوم حكومي، ولا برعاية أجنبية من دولة قريبة أو بعيدة، بل أنحدر من تجمع وطني معاد للاستعمار قومي الاتجاه، هو نادي المثنى الذي نشط بصفة خاصة في مطلع الأربعينات، دعماً للحراك الوطني العراقي عام 1940/ 1941، وتأسس حزب الاستقلال (كانون الأول / 1945) في ظروف عصيبة بعد فشل حركة مايس 1941 (واقعيا كان كتيار موجود في المجتمع العراقي)، أبان حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات البريطانية. ومثل حزب الاستقلال  آنذاك التجمع الوطني القومي العراقي النظيف الذي يجمع العناصر الوطنية العراقية في عمل موحد ضد الاستعمار وقوى الانتداب البريطاني مؤكداً على الوحدة الوطنية العراقية ووحدت التوجه صوب الاستقلال، وصيانته والدفاع عنه. وكان نادي المثنى في الوقت نفسه يضم بين جناحيه في ذلك الوقت المبكر الشخصيات الوطنية / القومية الساعية للاستقلال كالسيد رشيد عالي الكيلاني، ومحمد يونس السبعاوي، ويحضى بتأييد الضباط الوطنيين وفي مقدمتهم ضباط المربع الذهبي العقداء الركن الأربعة (الشهداء فيما بعد) : صلاح الدين الصباغ، محمد فهمي سعيد، كامل شبيب، محمود سلمان.

 

كان حزب الاستقلال يفتقر إلى الوضوح النظري، ومتانة الجانب التنظيمي، ورؤيته السياسية لم تكن عميقة بحيث تقنع الجماهير، وتدفعها إلى تنظيم حديدي، وهو ما حال أن يكون حزب الجماهير الشعبية في الشارع الملتهب، ورغم وضوح خطه القومي، إلا أن الحزب أفتقر للجانب الآيدولوجي، وبدا هذا النقص في حينه مهماً، ولكن الحزب الذي كان يحترم قواعد العمل الديمقراطي، كان موقفه المعارض واضحاً كل الوضوح، بدرجة كان مشاركا بالأنشطة الوطنية، حتى توجها بالانظمام إلى جبهة الاتحاد الوطني، التي تأسست عام 1956 من : الحزب الشيوعي العراقي، حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب الاستقلال، الحزب الوطني الديمقراطي، الحزب الديمقراطي الكردستاني  التي كانت بتقديري، هي أفضل حالة تحالفية متقدمة شهدها العراق في تاريخه.

 

ومن سوء الحظ، أن لا تتولى جبهة التحالف الوطني الحكم والسلطة الفعلية في العراق، لمدة انتقالية معينة (سنة أو سنتان) تمهيداً لنظام ديمقراطي انتخابي برلماني، في غضون ذلك الابتعاد عن كل فكرة متطرفة وعن الاتجاهات التوتالية، وترسيخ سيادة الدولة والقانون، والابتعاد عن صيغ العنف في العمل السياسي، وبتقديري أن حزبين كانا في وارد مثل هذه السياسات البناءة، هما : حزب الاستقلال، والحزب الوطني الديمقراطي.

 

ولكن الساحة في العراق وفي المنطقة كانت ملتهبة بشعارات ثورية، والتطرف كان يتسيد المواقف النظرية والسياسية، ويبدو لي أن حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي كانا سابقان لعصرهما، ومتأثران بالحياة الحزبية في البلدان السابقة في التجربة.

 

حزب الاستقلال كان حزبا قوميا رائداً، ولكن الحزب لم يكن لينظر إلى عمق الواقع، وتنقصه الرؤية العريضة، في تشخيص الأوضاع والتطورات، وفي تحليلها، وأفتقر للمؤتمرات، تخلق التفاعل الضروري، فكان يبتعد عن المسرح السياسي العراقي...وبأسف أقول: كان الحزب بتضاؤل دوره وأهميته ... يتلاشي تدريجياً ويندثر.

 

وما أن أطلت أحداث شباط / 1963، ونهاية حكم الزعيم كانت ذلك يؤشر آخر تواجد لحزب الاستقلال الذي كان وجوده بعد 14/ تموز / 1958 شكلياً في الساحة السياسية العراقية وأصبح أثراً بعد عين بعد أن تواجد على الساحة نحو عقدين من الزمان (20 عاماً).

 

في هذه العجالة أريد التنويه : أن الأحزاب التي تعبر عن إرادة وتطلعات الجماهير، لا تسحق بالإرهاب، فقد يلحق بها الإرهاب بعض الخسائر، ولكن من جهة أخرى هناك مكاسب، إذ يتجذر الحزب بين الجماهير إذا كان ملبيا لطموحاتها، والطموحات هي الرؤية العصرية المتجددة لمشكلات اليوم، كيف نتصدى لمشكلات الوطن والأمة، ما هي جوهر المشكلات، وكيف نضع لها الحلول المناسبة، الحديث العام والعائم ... المشحون بعبارت ملتهبة لا تصيغ واجبات ومهمات وآليات العمل السياسي ... 

 

سيقول لي أحدهم ... أنك تلمح لشيئ ولا تصرح به ...!

 أقول: أنا لا ألمح، بل أصرح ..... أنظروا إلى الساحة وتجدون ما ألمح له حاضراً ماديا ملموساً ...!

 

 

 

الدخالة عند العرب

 قضايا اللجوء السياسي والإنساني

 

د. ضرغام الدباغ

 

حين قرأت عن الدخالة عند العرب، وهو ما تمارسه اليوم الدول تحت بند " اللجوء السياسي "  بند غالبا ما يكون موجود في دساتير الدول، وهو حق من حقوق الإنسان على المجتمع الدولي، ولكن الدول تطبقه بتفاوت شديد، وكثيرا ما تتجاهله، وقد حدث وأن سلمت دول أشخاصا مطلوبين بقضايا سياسية، أعدموا في دولهم،، أو عوقبوا بشدة، أو تعرضوا لاضطهاد سياسي.

 

في التعمق في التاريخ السياسي العربي، وجدنا أن موضوعة  اللجوء السياسي والإنساني، تصلح أن تكون مدخلاً لدراسات قانونية / سياسية، وإنسانية / اجتماعية عميقة في التاريخ السياسي العربي في شتى العصور، قديما وفي العصر الوسيط والحديث.

 

وبادئ ذي بدء، أول ما يسجل على هذه الممارسة السياسية (الدخالة / اللجوء) العربية أنها لم تكن نتيجة لتشريع قانوني، بل هي كانت عرفاً سياسياً / اجتماعياً والأكثر من هذا أنها كانت ملزمة بدرجة كبيرة، بحيث أن من يخالف قواعد قبول الدخالة ولا يحترمها، يلصق العار بأسمه حتى بعد مئات السنوات، بل وحتى على أسم عائلته إلى الأحفاد. وقد تكون أحياناً العقوبة الأخلاقية أقسى وأمضى من العقوبة الجزائية، كعقوبة مخالفة قواعد الدخالة (اللجوء).

 

في الأزمنة العربية القديمة (قبل الإسلام)، تواجدت مجتمعات لم تكن تعرف أنظمة الحكم المتطورة، وخاصة في منطقة وسط شبه الجزيرة العربية، أو بالاحرى كانت هناك أنظمة حكم بسيطة، تتمثل بمجلس القبيلة، ثم بمجلس أتحاد القبائل المتواجدة في منطقة يتوفر فيها الماء وامكانية الرعي، بقيادة القبيلة الأقوى، والأقوى كان يعني مباشرة بعدد الرجال القادرين على حمل السلاح، وبأعداد الأيل والمواشي، وتوفر أسباب العيش (ماء وكلأ) في المنطقة التي تهيمن عليها. واتحاد القبائل كان يعني بالدرجة الأولى بعدم السماح لأفراد أو كيانات أخرى بممارسة الرعي والسقي، وأيضا الدفاع عن المنطقة، ومعالجة المشكلات الكبيرة حيث يكون ذلك ضروريا ويحتاج لقرارات جماعية.

 

والدخالة كان بعبر عن نظام دقيق، من حيث قبول دخالة الأفراد، والمدة التي سيمكثها الدخيل (اللاجئ)، وشروط قبول الدخالة، وحقوق الدخيل. وربما فقرات أخرى يجري تحديها بدقة. والسبب هو أن بعض طالبي الدخالة ربما مطلوبين من قوى مهمة ذات سلطان وسطوة، قد يصعب على الجهة التي قبلت الدخالة تقديم الحماية لطالبها، ولكن في جميع الأحوال لا يعتبر الشأن المادي سبباً في رفض قبول الدخالة. وفي حالة رفض الدخالة، لا يبعد طالب الدخالة على الفور بل يمهل فترة معقولة، يهيأ فيه طالب الدخلة للسفر وطلب اللجوء من جهة أخرى،  وتسليم طالب الدخالة لا يجوز مطلقا بقوة القواعد الأخلاقية / الاجتماعية، ولا تجرؤ جهة على تسليم الدخيل ففي هذا عار كبير يلحق بتلك الجهة يلاحقها حتى بعد أجيال. أو بالعكس يمثل قبول الدخالة الصعبة، فخرا لصاحبها يحق له أن يفتخر بها جيلاً بعد جيل بالفخر والكرم والشجاعة.

 

ومن تلك على سبيل المثال، قبول الملك عبد العزيز بن سعود ملك المملكة العربية السعودية لدخالة الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني المطلوب من الحكومة البريطانية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، ورفض بشدة طلبات تسليمه، وقاوم الضغوط السياسية والتهديدات من الحكومتين البريطانية والعراقية.

 

ومن فقه الدخالة نتوصل إلى القواعد التي تحكم ممارسة هذا التقليد الاجتماعي المهم :

 

وتصنف الدخالة من حيث

التقاليد وأشكال التعبير الشفهي بما في ذلك اللغة، صيغة طلب الدخالةن، وصيغة قبولها.

التقاليد وأحكام القضاء العشائري

 

الدخالة :

 

 

الدخالة أو الدخل:

الدخالة أو الدخل أو الدخلة: هي اللجوء والاستجارة والدخيل هو المستجير وكانت العرب تفتخر بحماية المستجير ويعتبرون ذلك من القيم والمكارم بل أن عدم الوفاء بذلك من الخزي والعار حتى أنهم إذا غدر رجل بجاره أو من لجأ إليه أوقدوا النار في أيام الحج على أحد الأخشبين ثم صاحوا هذه غدرة فلان ليحذره الناس.. ولقد جاء عند ابن هشام في السيرة أن الرسول استجار بالمطعم بن عدي فأجاره وحماه. أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة قواعد محددة للاستجارة والحماية حيث وضح أن من دخل بيت أبى سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل تحت لواء ابن رويحة فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن هذه القواعد نجد عمل بادية الجزيرة العربية في هذا الشأن في العصور المتأخرة فمن يدخل بيت الشيخ فهو آمن ومن استجار بأي بيت فهو آمن أيضاً:

فمعنى الدخيل في اللغة من دخل في قوم وانتسب إليهم وليس منهم ولكنه عند البادية بمعنى المستجير أو طالب الحماية بأي طريقة أو زمان أو مكان أو صيغة ومهما كانت الدوافع والأسباب.

 

وهي قيام شخص او جماعة بطلب الحماية من شخص معروف (شيخ، وجه، أمير) أو أي شخص قادر على الحماية حتى لو كانت امرأة، نتيجة لمشكلة حصلت وفعلها هؤلاء الأشخاص أو شخص فاعل المشكلة مثلا قاتل تعرض للضرب لأحد الأشخاص أو أكل حقا أو خطف فتاه ودخل بها عند احد هؤلاء القادرين على الحماية وأحيانا يدخل احدهم لطلب حق أو دين من شخص منقو أو مماطل فيدخل لتحصيل حقه أو دينه .

 

ويتعهد قابل الدخالة بحماية دخيله والدافاع عنه بكافة قدراته المادية والمعنوية، وبعكسه سيتعرض لكسة في موقفه الاجتماعي، بما يقارب العار يلحق به وبأسرته وقبيلته. والدخالة هي دخالة على البيت، (الاسرة، العشيرة) وتجوز الدخالة حتى لو كان رأس البيت غائباً، ويتعهد قابل الدخالة بأخذ  حق الدخيل وحمايته حتى قضاء الغرض  (القضوة) والاعتراف بالذنب أو تحصيل الحقوق واعطاء كل ذي حق حقه .

 

وهذه المعطيات قد تتسبب بمتاعب ومشاكل لقابل الدخالة، ومن ذلك توفي الحماية الشخصية له وملازمة مقر السكن خوفا على الدخيل من التهديدات بسبب ما قام به الدخيل، وقد يكون مطلوبا بقتل، وقابل الدخالة يتحمل حمايته ومعه أسرته، ويتعهد بدعمه في تفاعلات قضيته، ذلك أن أصحاب الحق لا يتخلون عن حقوقهم وسيبقون يسعون في أثر الدخيل منتهزين فرصة لاسترداد حقهم.

 

أما قابل الدخالة فيعلم أن قبوله الدخالة تعني الدفاع عمن التجأ إليه، مهما كلفه ذلك من تضحيات. وتكون صيغة تقديم طلب الدخالة بقول الداخل " أنا داخل على الله وعليك" ويضع عقاله في رقبة من قبل الدخالة (راعي الوجه) أو بعقد طرف شماغه والدخيل، ويبقى الدخيل عند المدخول به " راعي الوجه " إلى أن تحل المشكلة . لحل المشكلة .

 

والدخيل نوعان :

1. دخيل ساعة وقوع حادث يستدعي الدخالة  :

وهو الدخيل التي تكون جنايته وليدة الصدفة. حيث يلوذ الذي فعل الجناية خلف احد الشيوخ أو الرجال المعروفين ويقول أنا دخيل الله ثم دخيلتك فيدخل عند الشيخ مدة بسيطة وهنا يكون الدخيل في مأمن فلا يتعدى عليه ولا يهان ما دام داخل عند احد الشيوخ .

 

2. دخيل بناء على تسلسل حادثة تلزم الدخالة :

هو الشخص الجالي المطلوب منه الدم فيدخل هذا الشخص هو واهله عند الشيخ حتى تنتهي قضيته ويحكم بها أو تنتهي بالصلح ويكون الشخص وأهله في مأمن من الثأر لأنه في وجه احد الشيوخ .

 

الدخيل عند حدوث مشكله كقضية قتل،  أو العرض يقوم شخص بالذهاب إلى شيخ القبيلة أو رجل معروف ويقوم بالدجالة عنده لحمايته حتى يتم الصلح وله حقوق وواجبات ويقوم الرجل بإخبار عشيرته لحماية دخيلهم حتى يتم طلبه من احد قضاة العشائر لمحاكمته علنا .

وكان الدخيل أحيانا يأتي مسرعا فيمسك بطرف شماغ الرجل الداخل عليه ويعقده ويقول له " داخل على  الله وعليك تلبي طلبي " فيقول له الرجل " وصلت وابشر باللي اقدر عليه " وبذلك يكون قد أعطاه عهد الأمان حتى لو كان قاتل اقرب الناس عليه .

 

وتهدف الدخالة إلى إزالة حدة التوتر بين سكان البادية وإلى إعادة سيطرة قواعد الحياة البدوية وتطبيقها لحل الخلافات والمنازعات الفردية والجماعية كما أنها تهدف إلى إعادة توازن المجتمع عن طريق إرغام الخصم القوي على إتباع الأعراف والتقاليد كما يفعل الخصم الضعيف سواء بسواء أي أنها ترمي إلى إحقاق العدالة بين أفراد البادية وعشائرها بغض النظر عن مدى قوة كل طرف.

 

وقد يكون الدخل أو الدخالة قولاً أو فعلا كأن يقول " أنا دخيلك أو داخل على الله ثم عليك " بل أنه قد يدخل مستجيراً على محل النساء والأطفال إذا كانت القضية خطيرة مما يثير النخوة والحمية لمساعدته وهناك من يأخذ عقال من يختاره مجيراً له من فوق رأسه ويضعه في رقبته ويقول " نحن دخلائك من كذا " أو " نحن في وجهك "،  وفي العادة يرد الشخص المقصود بعبارات تبشره بقبول الدخالة وبالحماية وطيب الإقامة .

 

والدخالة تعتبر طلباً ضرورياً للحماية فعندما يرتكب البدوي فعلاً ما ويخشى من اعتداء عشيرة المعتدى عليه فانه يدخل بوجه "دخالة " شيخ أو عشيرة معروفة من أجل الحيلولة دون الاعتداء عليه أو على أقاربه وممتلكاتهم حتى يتمكن الجميع من التعاون في إنهاء القضية وكذلك يلجأ البدوي للدخالة عندما يتهم بارتكاب جريمة ما وينكر ارتكابها فإنه يخشى الاعتداء عليه وعلى أقاربه وأموالهم ولذلك يلجأ إلى طلب الحماية بأن يدخل بوجه (دخالة / حماية ) أحد الشيوخ إلى أن يبت بأمر الاتهام سواء كانت النتيجة البراءة أم الإدانة، وقد تكون الدخالة ليس لهدف طلب الحماية وإنما لهدف طلب الحق سواء كانت القضية حقوقية أو جزائية أو غير ذلك ويلجأ إلى استعمال هذه الدخالة غالباً من يكون مركزه ضعيفاً تجاه الطرف الآخر وفي القضايا المالية قد تكون الدخالة مدفوعة القيمة كما تدل عليه الوثائق.

 

والغريب أن الدخالة قد تجري دون حاجة إلى موافقة المدخول عليه فلا يستطيع رد الدخالة سواء كان حاضراً أم غائباً لأن الدخالة كما يقول البدو (بلوى) أي أنها مصيبة لابد من قبولها ولذلك يدعون الله أن يعين المقصود على بلواه وذلك تطبيقاً للقاعدة (الدخل إلزام) بل أن البدوي يمكن له أن يدخل على أي طفل أو امرأة من عائلة الرجل الذي يريد أن (يدخل بوجهه) فيعتبر دخيلاً على ذلك الرجل.

 

وهناك من يدخل على الأموات فقد يلجأ بعض البدو إلى قبور بعض الشيوخ أو الفرسان فيمنعون أنفسهم من اعتداء الآخرين حيث إن البدو يقدرون الأموات كما يقدرونهم أحياء فكأن من لجأ إلى قبره ميتاً قد دخل عليه وهو حي ولأهل صاحب القبر المطالبة بحقوق الدخيل على ميتهم وهذا وإن كان نادراً إلا أنه سبق حدوثه

 

بل وحدث إن من العرب من أجار الحيوان أو الطير حين يلجأ إلى بيته فيمنع الآخرين من الاعتداء عليه ويعمل على حمايته على طريقة (دخل الدخيل وسلم) كما حدث للشاعر محمد العوني وهو في الكويت سنة 1317ه عندما دخل بيته أحد الخرفان هارباً من الجزار الذي أراد ذبحه فسلم لصاحبه قيمته وتركه عنده لأنه اعتبره دخيلاً عليه مستجيرا به تجب حمايته حتى وإن كان حيواناً بل أنه أودعه عند أحد البدو واخذ عليه عهدا بأن لا يمسه بسوء حتى توافيه منيته.. كما أن ابن عريعر منع الاستيلاء على بيض طيور الحبارى بمعنى أنه أجارها في أراضيه ومنع الاعتداء عليها وصيدها. وكان كليب وائل يجير الطير .

 

ويستدل من هذه المعطيات أن نظام الدخالة العرفي (الغير مكتوب)كان يوفر للدخيل الأمن والكرامة، ولكنه بنفس الوقت يسعى لحل الإشكاليات بطريقة الحوار والتراضي، هو نظام توارثته الاجيال، ويطبقونه بغير إرغام أو لجوء للقوة والعنف. والتحكيم في قضايا الدخالة كان يمر عبر قنوات الحوار والتفاهم، وتجنب الردود والاحكام العنيفة. ولكن لابد من الاقرار أن نظام الدخالة أصبح يعتريه الضعف مع اتساع نفوذ الدولة وسلطانها وبسط سيطرتها على كامل أرجاء البلاد.

 

دخالة الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني على الملك عبد العزيز السعود.

من أهم حوادث الدخالة في تاريخ العرب : يعتز المرء بالحديث عن خصال ومواقف الملك عبدالعزيز " رحمه الله ". وقد أفاض الشعراء في مدحه والكتاب في ذكر أفضاله ومآثره والمؤرخون في تسجيل مواقفه على أنصع صفحات التاريخ، ولكن حادثة قبوله دخالة الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني تمثل دون ريب واحدة من أنصع الصفحات في إجارة المطارد، وحمايته.

 

كان رشيد علي الكيلاني قد تمكن بعد فشل ثورته على البريطانيين في العراق تمكن من الوصول إلى ألمانيا، وحل ضيفا عليها، ولكن بعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا ومصرع هتلر،  تمكن الزعيم العراقي من مغادرة ألمانيا إلى فرنسا، بمساعدة مواطنون عرب سوريون، وغادرها بحرا بأوراق سفر مزورة إلى لبنان، ثم إلى سورية، ومنها إلى المملكة العربية السعودية عن طريق (قريات الملح) وكان أميرها عبدالعزيز السديري.

 

كان مع الكيلاني رجلان سوريان هما جميل الجابي وشخص آخر وكان الكيلاني متنكرا ويتحدث بلهجة تقارب لهجة أهالي دير الزور موطن رفيقيه الآخرين وكان الجميع ينتحلون شخصية تجار قادمين إلى المملكة وأبرق السديري إلى الملك عبد العزيز مستأذنا في السماح لهم بدخولهم كتجار فأذن لهم ودخلوا البلاد وكان وصولهم إلى الرياض في يوم كان فيه عبد العزيز على وشك السفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج واستقبلهم الملك في مجلسه وبعد أن سلموا عليه وتناولوا القهوة دار حديث حول التجارة ثم استأذن الجابي من الملك قائلاً: الآن انتهت مهمتنا وبقي الأمر بينك وبين هذا الرجل وانصرف هو ورفيقه السوري تاركين عبد العزيز والكيلاني وحدهما قال الكيلاني: هل عرفتني يا عبدالعزيز؟ أنا رشيد عالي الكيلاني ورقبتي دخيلة رقبتك.


وأجابه عبدالعزيز بكلمته المعروفة (حسبي الله وحسبك يارشيد) ثم أضاف: إذا تكون التاجر السوري ولا تفلت كلمة واحدة منك خلاف ذلك. واستدعى الملك ابنه الأمير سعود وأوصاه أن ينزلهم في قصر الرياض ثم أن يقوم بتعريف تجار الرياض عليهم كتجار سوريين وحذره من أن يتسرب الخبر بأي شكل من الأشكال.

 

وأبرق الملك إلى ابنه الأمير فيصل (نائبه في مكة المكرمة آنذاك) بأن يحضر وبصحبته السفير البريطاني للقائه في (عفيف) وهي محطة في منتصف الطريق بين مكة المكرمة والرياض. وعندما اجتمعوا في (عفيف) قال الملك عبد العزيز للسفير البريطاني: (بصفتك ممثل الحكومة البريطانية عندنا وقد رضينا بك أن تكون وسيط خير في شوؤنكم أقول لك الآن إن رشيد عالي الكيلاني في الرياض في ضيافتي وحماي وعليك أن تتصل بحكومتك باللاسلكي وتطلب منها ألا تسلك مسلكا لا يجب سلوكه وفيك البركة.

 

وقام السفير بالاتصال بحكومته لإبلاغها النبأ وبعد فترة وجيزة عاد بالجواب إن الحكومة البريطانية تحذر من التدخل في أمر الكيلاني وأنها تطلب تسليمه في الحال كمجرم حرب وبدون قيد أو شرط ولا تقبل بغير ذلك. وانتفض الملك غضبا وتملّكَتْهُ ثورة جارفة لهذا الموقف من البريطانيين وتناول سيفه في جواره وصاح وهو يلوح به أمام السفير الكيلاني في بيتي وبين أسرتي وكل من يطلب الكيلاني كمن يطلب برأسي وأنا دون رأسي ورأس الكيلاني هذا السيف ارجع من حيث أتيت وانهارت أعصاب السفير البريطاني أمام هذا الموقف البالغ الصلابة.

 

فأخذه الأمير فيصل إلى صيوانه الخاص ملاطفا ومهدئا ومبسطا له الأمر وواعدا بحل المشكلة بنفسه ثم طلب الفيصل من السفير أن يخابر حكومته وأن يقول لها (إن الكيلاني شخص واحد بمفرده لا حول له ولا قوة ولا أنصار ولا مال ولا رجال وأن المملكة مستعدة لأن تسلم الحكومة العراقية خمسة أشخاص ذوي مال ورجال و مراكز مرموقة كبديل عن الكيلاني بل وإن المملكة مستعدة لقبول كل ما تحكم به الحكومة العراقية بل وإن لكم الخيار التام في كل ما تتصرفون به حيال هؤلاء الخمسة. وتساءل السفير من هم هؤلاء الرجال وأجابه الفيصل اختاروا أربعة من إخواني وأنا الخامس.


وبينما السفير في ذهول لموقف الفيصل بعد موقف عبدالعزيز أضاف فيصل: أما غير ذلك فوالله لن يسلم الكيلاني وفي الأسرة السعودية امرأة واحدة بقيت على قيد الحياة.


وأسرع السفير يتصل بحكومته مبلغا لهم هذا الموقف المذهل ورأيه في الموقف وبعد ساعات كانت إذاعة لندن تذيع على الملأ أن رشيد الكيلاني لا تعتبره الحكومة البريطانية مجرم حرب وأن الأمر يتعلق بالحكومة العراقية التي حكمت إحدى محاكمها عليه وأن بريطانيا لا دخل لها بالأمر، وانتهى الأمر وعاش الكيلاني معززا مكرما بين الأسر السعودية كواحد منها

 

بعد لجوء رشيد عالي الكيلاني إلى الملك عبدالعزيز عام 1945، أصر الإنجليز على تسليمه إليهم بدون شرط فأجابهم: " والله، ثم والله، ثم والله، إن رشيد عالي سيظل عندي آمنا مطمئنا ما بقيت وما بقي أحد من آل سعود، والله لو جاء الإنجليز بأساطيلهم وصفوا بوارجهم من لندن إلى جدة، فلن يأخذوه ما دمت حيا".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

                            

  عدة مواقع في الانترنيت منها :

 

1. عهد صليبي،  الدخيل.. ما له وما عليه4 / أبريل /  2020 .

 

2. متعب بن صالح الفرزان:  من شواهد التميز لدى الملك عبد العزيز.

 

 

المعهد الألماني العربي  للدراسات السياسية /  الدبلوماسية و قضايا التنمية

 

Deutsch-Arabisches Institut für Politische/Diplomatische Studien und Entwicklungsfragen

German-Arab Institute for Political/Diplomatic Studies and Development Issues  

 

ضربتان قاسيتان

 

ضرغام الدباغ

 

تلقى التحالف الغربي العريض (أوربا ــ الولايات المتحدة) في غضون يومين أثنين، ضربتان قااسيتان، وما هي سوى افتتاحية وتنبأ بأكثر من ذلك ربما في القريب العاجل.

الولايات المتحدة قائد المعسكر المالي / السياسي / العسكري، حامل لواء الديمقراطية كذباً وزورا وبهتاناً، ولكن الكذب المدعوم بقوة عسكرية خارقة، وبتفوق مالي، وسياسي، يجعل الأكاذيب حقائق والأباطيل واقعا موضوعياً، ولكن قواعد الحياة تغير قواعد اللعب، فالصغير لن يبقى صغيراً، والضعيف لن يبقى للأبد ضعيفا ، وهكذا تطرح التعاملات مستوى جديداً من العلاقات ... وبناء على ذلك يتعين من كان يعربد على عرش العالم أن يكف عن عربدته، وأن يتقبل التحولات التاريخية ...وربما أن يدفع ثمن طغيانه ..

 الحدثان هما .. تدهور الموقف السياسي في فرنسا (9/ حزيران) يضع كافة الاحتمالات ممكنة، حيت تتصاعد مكانة قوى يمينية ويسارية، بدرجة ستفقد القوى التقليدية (تحالف قوى المال والدولة) مما ينضج إمكانية حدوث تحولات حاسمة على الصعيد الداخلي والخارجي، وحين نقول الخارجي، نقصد أن هناك شكلان أو كيانان مهمان للعمل الخارجي هما : الاتحاد الأوربي، وتحالف الناتو .

 وعنونت صحيفة "لوفيغارو" افتتاحيّتها "قفزة نحو المجهول". أما مجلة "دير شبيغل" الألمانية فعنونت "فرنسا صوّتت وعاقبت ماكرون". حلّ تحالف الرئيس الفرنسي في الصدارة لكن بدون أغلبية مطلقة وهُزم عدد من وزراء حكومة إليزابيت بورن كانوا مرشحين للانتخابات.

 لم تمنح هذه الانتخابات الأغلبية لأي حزب، وقد اتّسمت بتحقيق اليمين المتطرّف تقدما كبيرًا وبتأكيد انقسام المشهد السياسي إلى ثلاث كتل: الوسط بقيادة إيمانويل ماكرون (245 نائبًا، تحالف معًا ..! )، واليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن (89 نائبًا، حزب التجمّع الوطني) وتحالف اليسار بدءًا باليسار الراديكالي وصولًا إلى الاشتراكيين (135 نائبًا) بقيادة جان لوك ميلانشون (الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد).

ورأت صحيفة "لوفيغارو" أن فرنسا "تقوم بقفزة نحو المجهول السياسي. زلزال في الجمعية: فرق متناحرة تثير ضجيجًا ستستقر في المجلس وتحوله إلى قدر يغلي... إن نقاشنا الديموقراطي برمّته (...) سيتأثر بشكل عميق"..

 

في الولايات المتحدة،  صرحت سيدني باول : (*)

صرحت بما يلي :

من مصلحة الرئيس بايدن أن يعترف بالخسارة وينسحب (يستقيل) بدلاً من أن يسجن مدى الحياة.

لدينا دليل قاطع على سرقة 7 ملايين صوت من الرئيس دونالد ترامب.

و10 ملايين صوت غير قانوني لبايدن.

وعدة ملايين صوت أدلى بها الموتى لصالح بايدن.

وسنقوم بتقديم جميع الأدلة.

 

هذا التصريح ليس من سياسي يجازف من أجل الصعود، بل الدعي العام الفيدرالي السابق، وأبرز محامية في الولايات المتحدة، ويستحيل أن تلفق أي من هذه الاتهامات.

 

ما معنى وقوة هذه الضربة، وهناك سابقة في تاريخ الولايات المتحدة هي فضيحة وترغيت، حين تلاعب ريتشارد نيكسون بنتائج الانتخابات، وأضطر للاستقالة، يوم كانت الولايات المتحدة تهتم بشيئ أسمه " حفظ ماء الوجه ".، ومن المستبعد أن تحافظ إدارة بايدن المتهالكة صحيا وماديا بإجراء يحفظ ماء الوجه .. بل يرجح أنهم سيعمدون للكذب، والاحتيال والتدليس، ليقلبوا النتائج .. هذا ممكن، ولكن ما هو ليس بالامكان، هو مسح عار التزوير والخيانة من وجه النظام المهترئ، النظام لم يعد باقيا على سدة الحكم إلا بالكذب والتزوير والاحتيال ... وليس نادراً باللجوء إلى تصفيات بأشكال مختلفة، فم يشتط به الخيال ليصنع فلم كرامبو وسسوبر مان لا يصعب عليه أن يحتال ... مجرد حيلة ...!

 

الوهم الكبير الذي صنعته الصحافة المأجورة، وهوليود، وحفلات الأباطيل يتهاوى ... والكذب لم يكن ينطلي على الجميع، فالكل يعلم أن النظام الديمقراطي / رأسمالية الدولة الاحتكارية، أنتجت الفاشية في إيطاليا، والنازية في ألمانيا، وفرانكو في أسبانيا، وحكم الجنرالات في اليونان، ونظام سالازار في البرتغال، وأنظمة طغيانية في أميركا اللاتينية، وأنظمة كثيرة في آسيا وأفريقيا،  النظام ( الديمقراطي ) يستطيع بدقة وحرفية عالية أن يحيك أكاذيبه وتحايله كما يصنع الأفلام الخرافية، والألعاب السحرية. الآن كل هذا يهتز بشدة وآيل للسقوط،

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(*) سيدني باول ” المدعي العام الفيدرالي السابق.

مارست سيدني باول المحاماة في الدائرة الفيدرالية الخامسة منذ عقود؛ وكانت محامية رئيسية في أكثر من 500 من قضايا الاستئناف. وحاليا فإنها تتولى دعاوى الاستئناف الفيدرالية ذات الصبغة التجارية المعقدة إذ يلجأ إليها الأفراد والشركات وحتى الحكومات في هذا النوع من القضايا.

سيدني باول” رئيسة سابقة للأكاديمية الأمريكية لمحامي الاستئناف ورابطة المحامين بالدائرة الفيدرالية الخامسة، وهي عضو في معهد القانون الأمريكي، حديثا ألفت كتاب  Licensed to Lie” “/ مرخص له بالكذب” والذي أثار ضجة كبرى بفضحه الفساد في وزارة العدل الأمريكية

 

 

حرب مع السمندر

 

ضرغام الدباغ

 

حرب مع السمندر هو عنوان لرواية عميقة جداً، كتبها الكاتب التشيكي كارل تشابك  التي صدرت عام 1938. وبتقديري هذه الرواية هي من بين أفضل الروايات في تاريخ الأدب.

ولد كارل تشابك (Karel Capek) في شهر كانون الثاني / يناير عام 1890، في مدينة سفاتونوفيكس التشيكية، وتخرج من جامعة تشارلز في براغ، وتوفي في شهر كانون الأول / ديسمبر من عام 1938 في العاصمة براغ بعمر 48 عاماً ...!

ويعد تشابك من رواد الأدب التشيكي الحديث، وأعماله تتوزع بين الأدب الواقعي والنقد الاجتماعي والخيال العلمي، وهو أول من أستخدم كلمة " الروبوت " (الإنسان الآلي). وهو شقيق الكاتب والرسام جوزف تشابك، وقد تعاونا معاً في بعض المؤلفات. وتصف الموسوعة الألمانية كارل تشابك بأنه : روائي، مخرج، مصور، وكاتب مسرحي، وكاتب خيال علمي، وكاتب للأطفال، وكاتب وفيلسوف.

لا أضع شخصيا هذا العمل في حقل روايات الخيال العلمي قدر إجادة الكاتب الكبير تشابك على توظيف تصور أستخدم فيه حيوان السمندر للتطورات الاقتصادية / الاجتماعية / الديمغرافية التي حدثت لاحقاً، وهو يضع أسماء ومسميات، ويترك للقارئ الفطن وضعها في مكانها الصحيح، إذن فالكاتب يطالب القراء بالتفاعل في وضع مرتسمات المستقبل بطريقة فنية رائعة.

لا أنكر أني تأثرت كثيرا بقراءة هذه الرواية عام 1966، وقرأت وصفاً لكاتب يصف تحليلاً لهذه الرواية الكبيرة، يسرني أن أنقله حرفياً للقراء وللأسف وجدته في موقع لم أجد فيه أسم الكاتب.

 

حرب السمندرات

يكتشف قبطان السفينة "كاندون بادونغ" فانتا ، التي تعمل في صيد اللؤلؤ على ساحل سومطرة، بشكل غير متوقع خليج ديفل الرائع في جزيرة تاناماس. وفقا للسكان المحليين، تم العثور على الشياطين هناك. ومع ذلك ، يجد القبطان مخلوقات ذكية هناك - هؤلاء هم السمندر. هم أسود، متر ونصف في الارتفاع ويبدو أنهم يشبهون الأختام. يقوم القبطان بترويضهم من خلال المساعدة في فتح الأصداف برائتهم المفضلة - المحار، ويقبضون عليه جبال من اللؤلؤ. ثم يأخذ Vantach إجازة في شركة الشحن الخاصة به ويسافر إلى وطنه، حيث يلتقي مع مواطنه، رجل الأعمال الناجح G. X. Bondi. تمكن الكابتن فانتاهو من إقناع الرجل الغني بالشروع في المغامرة الخطرة التي يقدمها، وسرعان ما يبدأ سعر اللؤلؤ في الانخفاض بسبب زيادة الإنتاج بشكل حاد.

في هذه الأثناء، بدأت مشكلة السمندر تثير اهتمام الرأي العام العالمي. في البداية كانت هناك شائعات بأن فانتا ينقل الشياطين في جميع أنحاء العالم، ثم تظهر المنشورات العلمية والعلمية الزائفة. خلص العلماء إلى أن السمندر الذي اكتشفه الكابتن فانتا هو نوع منقرض من Andrias Scheuchzeri.

يدخل أحد السمندر حديقة حيوان لندن. بمجرد أن تتحدث إلى الحارس، وتقدم نفسها باسم أندرو شيخستر، ثم يبدأ الجميع في فهم أن السمندر مخلوقات ذكية يمكنها التحدث، وفي لغات مختلفة، القراءة وحتى العقل. ومع ذلك، فإن حياة السمندر، التي أصبحت إحساسًا بحديقة الحيوان، تنتهي بشكل مأساوي: يفرط الزوار في تناولها بالحلويات والشوكولاتة، ويصبح مريضًا بنزلات المعدة.

قريبا، اجتماع للمساهمين في شركة تصدير المحيط الهادئ تشارك في استغلال السمندر. يكرم الاجتماع ذكرى الكابتن فانتاخ، الذي توفي بسكتة دماغية ويتخذ عددًا من القرارات المهمة، على وجه الخصوص، بشأن وقف إنتاج اللؤلؤ والتخلي عن احتكار السمندرات، والتي تتكاثر بسرعة بحيث يستحيل إطعامها. يقترح مجلس إدارة الشركة إنشاء نقابة سمندر عملاقة لاستغلال السمندر على نطاق واسع، والتي تخطط لاستخدامها في أعمال البناء المختلفة في المياه. يتم نقل السمندر في جميع أنحاء العالم، واستقرارهم في الهند والصين وأفريقيا وأمريكا. صحيح أن هناك إضرابات في بعض الأماكن احتجاجًا على طرد القوى العاملة البشرية، لكن الاحتكارات تستفيد من وجود السمندر، لأن هذا يسمح بتوسيع إنتاج الأدوات اللازمة للسمندر والمنتجات الزراعية. كما يتم الإعراب عن مخاوف من أن السمندر سيهدد الصيد ويقوض شواطئ القارات والجزر بجحورها تحت الماء.

وفي الوقت نفسه، فإن استغلال السمندر على قدم وساق. حتى التخرج من السلمندر تم تطويره: قيادة، أو مشرفين، أغلى الأفراد ؛ ثقيل، مصمم لأصعب عمل بدني؛ تيم - "الشغل" العادي وهلم جرا. يعتمد السعر أيضًا على الانتماء إلى مجموعة أو أخرى. كما تزدهر التجارة غير المشروعة في السمندل. يخترع الجنس البشري المزيد والمزيد من المشاريع الجديدة التي يمكن استخدام هذه الحيوانات في تنفيذها.

بالتوازي، تعقد مؤتمرات علمية لتبادل المعلومات في مجال علم وظائف الأعضاء وعلم النفس من السمندر. تتكشف حركة التعليم المدرسي المنهجي عن السمندر المربى، وتنشأ نقاشات حول التعليم الذي يجب تقديمه إلى السمندر، واللغة التي يجب أن يتحدثوا بها، وما إلى ذلك. . يتم اعتماد التشريعات المتعلقة بالسمندر: نظرًا لأنهم يفكرون في المخلوقات، يجب أن يكونوا هم أنفسهم مسؤولين عن أفعالهم. بعد نشر القوانين الأولى بشأن السمندر، يبدو أن الناس يطالبون بالاعتراف بحقوق معينة للسمندر. ومع ذلك ، لا يخطر ببال أحد أن "مسألة السمندر" يمكن أن تكون ذات أهمية دولية كبيرة وأنه سيتعين على السمندر التعامل ليس فقط مع المخلوقات الفكرية ، ولكن أيضًا مع جماعة سمندل واحدة أو حتى أمة.

وسرعان ما يصل عدد السمندرات إلى سبعة مليارات، ويقطنون أكثر من ستين بالمائة من جميع سواحل العالم. ينمو مستواهم الثقافي: يتم نشر الصحف تحت الماء، وتظهر المعاهد العلمية حيث يعمل السمندر، ويتم بناء المدن تحت الماء وتحت الأرض. صحيح أن السلمندر أنفسهم لا ينتجون أي شيء، لكن الناس يبيعونهم كل شيء حتى المتفجرات لأعمال البناء تحت الماء والأسلحة لمحاربة أسماك القرش.

سرعان ما يدرك السمندر مصالحهم الخاصة ويبدأ في صد الأشخاص الذين يتطفلون على مجال مصالحهم. واحدة من الأولى هي صراع بين السمندر والفلاحين الذين تناولوا الطعام حول الحدائق، الذين لا يشعرون بالرضا عن كل من السمندر والسياسات الحكومية. يبدأ الفلاحون في إطلاق النار على نهب السمندر، الذي يخرجون إليه من البحر ويحاولون الانتقام. بالكاد تمكنت العديد من شركات المشاة من إيقافهم ، انتقامًا من تفجير الطراد الفرنسي Jules Flambo. بعد مرور بعض الوقت، تعرضت سفينة البخار البلجيكية Udenburg ، التي كانت في القناة الإنجليزية ، للهجوم من قبل السمندر - اتضح أن السمندر الإنجليزي والفرنسي لم يتشاركا شيئًا فيما بينهما.

على خلفية انقسام البشرية، يتحد السمندر ويبدأ في التقدم بمطالب بالتنازل عن مساحة المعيشة لهم. كدليل على القوة، أقاموا زلزالًا في لويزيانا. يطالب السمندر الأعلى بإخلاء الناس من سواحل البحر التي أشار إليها ويدعو الإنسانية ، جنبا إلى جنب مع السمند، لتدمير عالم الناس. يمتلك السمندر حقًا قوة كبيرة على الناس: يمكنهم حظر أي ميناء، أي طريق بحري وبالتالي تجويع الناس. لذلك، يعلنون حصارًا كاملاً للجزر البريطانية، وتضطر بريطانيا إلى إعلان الحرب على السمندر كرد فعل. ومع ذلك ، فإن قتال السمندر أكثر نجاحًا - حيث بدأوا للتو في إغراق الجزر البريطانية.

ثم يتم عقد مؤتمر تسوية عالمي في فادوز ، ويعرض المحامون الذين يمثلون السمندر تلبية جميع شروطهم، واعدًا بأن "فيضان القارات سيتم بشكل تدريجي وبطريقة لا تؤدي إلى إثارة الذعر والكوارث غير الضرورية". في غضون ذلك، تجري الفيضانات على قدم وساق.

وفي الجمهورية التشيكية تعيش وتعيش عموم Pondondra ، البواب في منزل G.X. Bondi ، الذي لم يتمكن في وقت من الأوقات من ترك الكابتن فانتاخ على أعتابه وبالتالي منع وقوع كارثة عالمية. يشعر أنه هو المسؤول عن ما حدث، وهو يرضيه فقط لأن جمهورية التشيك تقع بعيدة عن البحر. وفجأة رأى رأس السمندر في نهر فلتافا ...

في الفصل الأخير، يتحدث المؤلف إلى نفسه ، محاولاً التوصل إلى طريقة ما على الأقل لإنقاذ البشرية، ويقرر أن السمندر "الغربي" سيخوض حربًا على "الشرقية" ، ونتيجة لذلك سيتم إبادةهم بالكامل. وستبدأ البشرية في تذكر هذا الكابوس كفيضان آخر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش

السلمندر حيوان من فئة العضايات .... (من أصناف السحالي) ربما تتواجد بأحجام وأشكل مختلفة إلا أنها متقاربة في الشبه وهناك أنواع ضخمة منها في الجزر الاندنوسية شرسة ومفترسة للحيوانات الأخرى،.

 

وكلمة السمندر كتبت بالعربية بطرق عديدة، فقد كتبها البعض " السلمندر " وكتبها " السمندل " وبكتبها البعض " السمندر " كما آثرنا نحن كتابتها وفقا لترجمة الكتاب إلى اللغة العربية . وكانت قد صدرت للمرة الأولى من دار نشر حكومية في براغ / تشيكوسلوفاكيا، وهي غير متواجدة حاليا في الأسواق، هناك إعلان عنها لبيعها بواسطة الانترنيت.

 

والسمندر هنا في رواية كارل تشابك (كتبها في الثلاثينات) ترمز إلى مرحلة تنبأ الكاتب أن الرأسمالية الاحتكارية ستبلغها في أ‘لى مراحل تطورها، التي ستكون البداية لأنحدارها وتدهورها في عموم سياق تدهور الحضارة الغربية التي تلوح مؤشراتها بكل وضوح.

 

ترجم الكتاب  للغة الألمانية،  أعتقد لمرات عديدة إذ يمكنك إيجاده في المكتبات بسهولة نسبياُ وهناك حيوان السحلية ويطلق عليه بالألمانية (Salamander )  ولكن في الترجمة الألمانية ارتأى المترجم أن يستخدم كلمة (Molchen)  البريص، أو السحلية، ولكن هناك كلمة أخرى بذات المعنى وهي السلمندر. وعامة يكون شكل السلمندر هكذا يمكن بألوان وأحجام مختلفة

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

حرب مع السمندر

 

ضرغام الدباغ

 

حرب مع السمندر هو عنوان لرواية عميقة جداً، كتبها الكاتب التشيكي كارل تشابك  التي صدرت عام 1938. وبتقديري هذه الرواية هي من بين أفضل الروايات في تاريخ الأدب.

ولد كارل تشابك (Karel Capek) في شهر كانون الثاني / يناير عام 1890، في مدينة سفاتونوفيكس التشيكية، وتخرج من جامعة تشارلز في براغ، وتوفي في شهر كانون الأول / ديسمبر من عام 1938 في العاصمة براغ بعمر 48 عاماً ...!

ويعد تشابك من رواد الأدب التشيكي الحديث، وأعماله تتوزع بين الأدب الواقعي والنقد الاجتماعي والخيال العلمي، وهو أول من أستخدم كلمة " الروبوت " (الإنسان الآلي). وهو شقيق الكاتب والرسام جوزف تشابك، وقد تعاونا معاً في بعض المؤلفات. وتصف الموسوعة الألمانية كارل تشابك بأنه : روائي، مخرج، مصور، وكاتب مسرحي، وكاتب خيال علمي، وكاتب للأطفال، وكاتب وفيلسوف.

لا أضع شخصيا هذا العمل في حقل روايات الخيال العلمي قدر إجادة الكاتب الكبير تشابك على توظيف تصور أستخدم فيه حيوان السمندر للتطورات الاقتصادية / الاجتماعية / الديمغرافية التي حدثت لاحقاً، وهو يضع أسماء ومسميات، ويترك للقارئ الفطن وضعها في مكانها الصحيح، إذن فالكاتب يطالب القراء بالتفاعل في وضع مرتسمات المستقبل بطريقة فنية رائعة.

لا أنكر أني تأثرت كثيرا بقراءة هذه الرواية عام 1966، وقرأت وصفاً لكاتب يصف تحليلاً لهذه الرواية الكبيرة، يسرني أن أنقله حرفياً للقراء وللأسف وجدته في موقع لم أجد فيه أسم الكاتب.

 

حرب السمندرات

يكتشف قبطان السفينة "كاندون بادونغ" فانتا ، التي تعمل في صيد اللؤلؤ على ساحل سومطرة، بشكل غير متوقع خليج ديفل الرائع في جزيرة تاناماس. وفقا للسكان المحليين، تم العثور على الشياطين هناك. ومع ذلك ، يجد القبطان مخلوقات ذكية هناك - هؤلاء هم السمندر. هم أسود، متر ونصف في الارتفاع ويبدو أنهم يشبهون الأختام. يقوم القبطان بترويضهم من خلال المساعدة في فتح الأصداف برائتهم المفضلة - المحار، ويقبضون عليه جبال من اللؤلؤ. ثم يأخذ Vantach إجازة في شركة الشحن الخاصة به ويسافر إلى وطنه، حيث يلتقي مع مواطنه، رجل الأعمال الناجح G. X. Bondi. تمكن الكابتن فانتاهو من إقناع الرجل الغني بالشروع في المغامرة الخطرة التي يقدمها، وسرعان ما يبدأ سعر اللؤلؤ في الانخفاض بسبب زيادة الإنتاج بشكل حاد.

في هذه الأثناء، بدأت مشكلة السمندر تثير اهتمام الرأي العام العالمي. في البداية كانت هناك شائعات بأن فانتا ينقل الشياطين في جميع أنحاء العالم، ثم تظهر المنشورات العلمية والعلمية الزائفة. خلص العلماء إلى أن السمندر الذي اكتشفه الكابتن فانتا هو نوع منقرض من Andrias Scheuchzeri.

يدخل أحد السمندر حديقة حيوان لندن. بمجرد أن تتحدث إلى الحارس، وتقدم نفسها باسم أندرو شيخستر، ثم يبدأ الجميع في فهم أن السمندر مخلوقات ذكية يمكنها التحدث، وفي لغات مختلفة، القراءة وحتى العقل. ومع ذلك، فإن حياة السمندر، التي أصبحت إحساسًا بحديقة الحيوان، تنتهي بشكل مأساوي: يفرط الزوار في تناولها بالحلويات والشوكولاتة، ويصبح مريضًا بنزلات المعدة.

قريبا، اجتماع للمساهمين في شركة تصدير المحيط الهادئ تشارك في استغلال السمندر. يكرم الاجتماع ذكرى الكابتن فانتاخ، الذي توفي بسكتة دماغية ويتخذ عددًا من القرارات المهمة، على وجه الخصوص، بشأن وقف إنتاج اللؤلؤ والتخلي عن احتكار السمندرات، والتي تتكاثر بسرعة بحيث يستحيل إطعامها. يقترح مجلس إدارة الشركة إنشاء نقابة سمندر عملاقة لاستغلال السمندر على نطاق واسع، والتي تخطط لاستخدامها في أعمال البناء المختلفة في المياه. يتم نقل السمندر في جميع أنحاء العالم، واستقرارهم في الهند والصين وأفريقيا وأمريكا. صحيح أن هناك إضرابات في بعض الأماكن احتجاجًا على طرد القوى العاملة البشرية، لكن الاحتكارات تستفيد من وجود السمندر، لأن هذا يسمح بتوسيع إنتاج الأدوات اللازمة للسمندر والمنتجات الزراعية. كما يتم الإعراب عن مخاوف من أن السمندر سيهدد الصيد ويقوض شواطئ القارات والجزر بجحورها تحت الماء.

وفي الوقت نفسه، فإن استغلال السمندر على قدم وساق. حتى التخرج من السلمندر تم تطويره: قيادة، أو مشرفين، أغلى الأفراد ؛ ثقيل، مصمم لأصعب عمل بدني؛ تيم - "الشغل" العادي وهلم جرا. يعتمد السعر أيضًا على الانتماء إلى مجموعة أو أخرى. كما تزدهر التجارة غير المشروعة في السمندل. يخترع الجنس البشري المزيد والمزيد من المشاريع الجديدة التي يمكن استخدام هذه الحيوانات في تنفيذها.

بالتوازي، تعقد مؤتمرات علمية لتبادل المعلومات في مجال علم وظائف الأعضاء وعلم النفس من السمندر. تتكشف حركة التعليم المدرسي المنهجي عن السمندر المربى، وتنشأ نقاشات حول التعليم الذي يجب تقديمه إلى السمندر، واللغة التي يجب أن يتحدثوا بها، وما إلى ذلك. . يتم اعتماد التشريعات المتعلقة بالسمندر: نظرًا لأنهم يفكرون في المخلوقات، يجب أن يكونوا هم أنفسهم مسؤولين عن أفعالهم. بعد نشر القوانين الأولى بشأن السمندر، يبدو أن الناس يطالبون بالاعتراف بحقوق معينة للسمندر. ومع ذلك ، لا يخطر ببال أحد أن "مسألة السمندر" يمكن أن تكون ذات أهمية دولية كبيرة وأنه سيتعين على السمندر التعامل ليس فقط مع المخلوقات الفكرية ، ولكن أيضًا مع جماعة سمندل واحدة أو حتى أمة.

وسرعان ما يصل عدد السمندرات إلى سبعة مليارات، ويقطنون أكثر من ستين بالمائة من جميع سواحل العالم. ينمو مستواهم الثقافي: يتم نشر الصحف تحت الماء، وتظهر المعاهد العلمية حيث يعمل السمندر، ويتم بناء المدن تحت الماء وتحت الأرض. صحيح أن السلمندر أنفسهم لا ينتجون أي شيء، لكن الناس يبيعونهم كل شيء حتى المتفجرات لأعمال البناء تحت الماء والأسلحة لمحاربة أسماك القرش.

سرعان ما يدرك السمندر مصالحهم الخاصة ويبدأ في صد الأشخاص الذين يتطفلون على مجال مصالحهم. واحدة من الأولى هي صراع بين السمندر والفلاحين الذين تناولوا الطعام حول الحدائق، الذين لا يشعرون بالرضا عن كل من السمندر والسياسات الحكومية. يبدأ الفلاحون في إطلاق النار على نهب السمندر، الذي يخرجون إليه من البحر ويحاولون الانتقام. بالكاد تمكنت العديد من شركات المشاة من إيقافهم ، انتقامًا من تفجير الطراد الفرنسي Jules Flambo. بعد مرور بعض الوقت، تعرضت سفينة البخار البلجيكية Udenburg ، التي كانت في القناة الإنجليزية ، للهجوم من قبل السمندر - اتضح أن السمندر الإنجليزي والفرنسي لم يتشاركا شيئًا فيما بينهما.

على خلفية انقسام البشرية، يتحد السمندر ويبدأ في التقدم بمطالب بالتنازل عن مساحة المعيشة لهم. كدليل على القوة، أقاموا زلزالًا في لويزيانا. يطالب السمندر الأعلى بإخلاء الناس من سواحل البحر التي أشار إليها ويدعو الإنسانية ، جنبا إلى جنب مع السمند، لتدمير عالم الناس. يمتلك السمندر حقًا قوة كبيرة على الناس: يمكنهم حظر أي ميناء، أي طريق بحري وبالتالي تجويع الناس. لذلك، يعلنون حصارًا كاملاً للجزر البريطانية، وتضطر بريطانيا إلى إعلان الحرب على السمندر كرد فعل. ومع ذلك ، فإن قتال السمندر أكثر نجاحًا - حيث بدأوا للتو في إغراق الجزر البريطانية.

ثم يتم عقد مؤتمر تسوية عالمي في فادوز ، ويعرض المحامون الذين يمثلون السمندر تلبية جميع شروطهم، واعدًا بأن "فيضان القارات سيتم بشكل تدريجي وبطريقة لا تؤدي إلى إثارة الذعر والكوارث غير الضرورية". في غضون ذلك، تجري الفيضانات على قدم وساق.

وفي الجمهورية التشيكية تعيش وتعيش عموم Pondondra ، البواب في منزل G.X. Bondi ، الذي لم يتمكن في وقت من الأوقات من ترك الكابتن فانتاخ على أعتابه وبالتالي منع وقوع كارثة عالمية. يشعر أنه هو المسؤول عن ما حدث، وهو يرضيه فقط لأن جمهورية التشيك تقع بعيدة عن البحر. وفجأة رأى رأس السمندر في نهر فلتافا ...

في الفصل الأخير، يتحدث المؤلف إلى نفسه ، محاولاً التوصل إلى طريقة ما على الأقل لإنقاذ البشرية، ويقرر أن السمندر "الغربي" سيخوض حربًا على "الشرقية" ، ونتيجة لذلك سيتم إبادةهم بالكامل. وستبدأ البشرية في تذكر هذا الكابوس كفيضان آخر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش

السلمندر حيوان من فئة العضايات .... (من أصناف السحالي) ربما تتواجد بأحجام وأشكل مختلفة إلا أنها متقاربة في الشبه وهناك أنواع ضخمة منها في الجزر الاندنوسية شرسة ومفترسة للحيوانات الأخرى،.

 

وكلمة السمندر كتبت بالعربية بطرق عديدة، فقد كتبها البعض " السلمندر " وكتبها " السمندل " وبكتبها البعض " السمندر " كما آثرنا نحن كتابتها وفقا لترجمة الكتاب إلى اللغة العربية . وكانت قد صدرت للمرة الأولى من دار نشر حكومية في براغ / تشيكوسلوفاكيا، وهي غير متواجدة حاليا في الأسواق، هناك إعلان عنها لبيعها بواسطة الانترنيت.

 

والسمندر هنا في رواية كارل تشابك (كتبها في الثلاثينات) ترمز إلى مرحلة تنبأ الكاتب أن الرأسمالية الاحتكارية ستبلغها في أ‘لى مراحل تطورها، التي ستكون البداية لأنحدارها وتدهورها في عموم سياق تدهور الحضارة الغربية التي تلوح مؤشراتها بكل وضوح.

 

ترجم الكتاب  للغة الألمانية،  أعتقد لمرات عديدة إذ يمكنك إيجاده في المكتبات بسهولة نسبياُ وهناك حيوان السحلية ويطلق عليه بالألمانية (Salamander )  ولكن في الترجمة الألمانية ارتأى المترجم أن يستخدم كلمة (Molchen)  البريص، أو السحلية، ولكن هناك كلمة أخرى بذات المعنى وهي السلمندر. وعامة يكون شكل السلمندر هكذا يمكن بألوان وأحجام مختلفة

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

غير صالح للحكم

 

ضرغام الدباغ

 

الكلمة الأولى باللغة الألمانية (Regierungsunfähigkeit)، غير صالح للحكم، والثانية باللغة الإنكليزية، (incompetent governmen) وفي اللغتين تعطي ذات المعنى الحرفي والسياسي، وفي اللغة العربية أفضل ترجمة كما أعتقد هي " غير صالح للحكم " أو " فاقد أهلية الحكم " .

وحين تطرح هذه الجملة القصيرة الصغيرة، بحق حكومة ما، أو شخصية سياسية سيادية (رئيس دولة، رئيس حكومة، وربما رئيس مجلس النواب)، فأنها تعني الكثير جداً، وربما من بين ما تعنيه، نهاية عهد الشخصية المعنية بالمرتبة السيادية، أو نهاية الحكومة رغم سريان مدة صلاحيتها .

والجهة التي تطلق هذا الوصف على الشخصية أو الجهة المقصودة، عليها أن تتيقن بدقة أبعاد هذا الوصف، وأن تمتلك من الأدلة والبراهين لتقدمها بهذا الطلب ..

 

ضرغام الدباغ

 

 

غير صالح للحكم

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

تعريف هذا المصطلح، وهو في الأدب السياسي لا يعتبر توصيفا أدبياً معنوياً، بل هو توصيف مادي لشخص، (أو حكومة عاجزة)  عن القيام بمهام المنصب، بسبب عجز مؤقت أو دائمي، لأسباب ذاتية (بسبب أوضاعه الصحية أو عوامل أخرى تحول دون ممارسته لمهامه)، أو لأسباب موضوعية بسبب وضعه القانوني، (أو وقوعه تحت ظروف قاهرة تمنعه عن أداء مهامه / المترجم). ويستفاد من مؤشرات تاريخية، أن هذا المصطلح يقود غالبا إلى تغير في السلطة.

وفي رؤية متواصلة، فإن وصم الحكم أو شخصية مسؤولة بعدم الأهلية للحكم، غالبا له علاقة بأداء الحكومات. أو الأحزاب. والأسباب في هذه الحالة تكون قوية، وغالبا مما له علاقة بأصول عمل المؤسسة.حيث يجري البحث في الأسباب الموجبة (لوصم شخص أو جهة بعدم الأهلية والكفاية) وإيجاد سبب توجيه الوصف. وهنا أيضا احتمال  بالادعاء على حكومة بعدم الكفاية والأهلية،  مبعثه الصراعات السياسية ونتيجة له، ليخدم كهدف ضمن الصراع السياسي ليقود في النهاية إلى التبديل في السلطة.

  تاريخياً  كانت الأسباب الموجبة لاستخدام هذا المصطلح، بحق الأفراد نتيجة لوضع إعاقة جسدية أو عقلية، والعقلية كالإصابة بالاكتئاب،  أو مرض عقلي، أو وضع صحي معيق لأداء المسؤول، كالإصابة بالسكتة الدماغية (وهي ما تقود غالبا إلى شلل تام أو جزئي معيق للحركة / المترجم) أو الإصابة بفقدان البصر (العمى). ومع في العصور الوسطى كان يصار اللجوء إلى إحداث إعاقة متعمدة بالشخصية السياسية المنافسة، من أجل إبعاده عن مسرح التنافس، كسمل العيون (فقأ العين لتعطيل النظر) أو لإرغامة بصورة ما على الابتعاد عن التنافس.

وإحدى المشكلات الشائعة في تحديد العجز، أو عدم القدرة والأهلية على الحكم في الأنظمة الملكية، هي تحديد الجهة التي لها الحق في تحديد عدم القدرة أو الأهلية بالحكم.وهذه المسألة المهمة التي لم تتم الإجابة عليها بطريقة صحيحة وقانونية إلا بعد ظهور الأنظمة البرلمانية، إذ تثار هذه القضية بمجرد اكتشاف حقيقة أن الشخص المعني(الملك) غير صالح للحكم. واستبداله، أو تعيين وصاية على العرش، إذا كان المرشح تحت السن القانونية / الدستورية.. وهناك أسباب أخرى أو بسبب غياب الملك لفترة طويلة (غالبا بسبب الحرب)، وهذه لا تعني أنه غير أهل للحكم.

وبمعنى أوسع، يقال عن مؤسسة معينة " غير مؤهلة للحكم " إذا أظهرت تلك المؤسسة (بلاط، رئاسة دولة، حكومة، قيادة حزب ..الخ )، إذا بلغت من العجز عدم الاقتدار للتوصل إلى قرارات، أو تنفيذ مقررات، أو بسبب عدم قدرتها الحصول على الأغلبية البرلمانية، وأيضا بسبب خلافات حادة (وربما انشقاقية / المترجم) داخل المؤسسة، ولا صيما في قرارات يكون الإجماع فيها شرطاً لاتخاذ القرار. ومثل هذا الوضع يقود للتغير عبر تغير الإطارات (القيادات).

ومن الحالات الخاصة للعجز عن الحكم، هو عدم قدرة حكومة البلاد على ممارسة الحكم في حالة حدوث هجوم مسلح،  ولهذا الغرض في ألمانيا مثلاً هناك مادة في دستور البلاد : المادة رقم  a) 115 ( الفقرة (4) التي تنص في حالة ظروف طارئة، تسمح بصورة تلقائية بالانتقال لحالة الدفاع.

 

شخصيات غير صالحة للحكم.

ـــ تعرض ملك القوط الغربيين وامبا (Wamba/ 672 ــ 680) لتسميم، ثم أصيب بمرض مميت، ووفقا لتقاليد ذلك العصر، ونتيجة لذلك أصبح غير أهل للحكم، فأنسحب من الحياة العامة ليعتكف في دير، حيث مكث لمدة سنتين، توفي بعدها. 

ـــ من أجل تجنب التقاسم التقليدي للسلطة عند الفرانكيين، قام الملك تشارلز الأصلع  بتسمية ولديه: الأصغر كارلمان، والآخر لوتار كرجال دين. ولكن فيما بعد ثبت أن هذا الإجراء لم يكن ضرورياً، ولم يعيش من أولاده السبعة سوى لودفيغ وهو أكبرهم سناً  .

 

ـــ سمل العين (الحاق الاذى بالعين وإفقاده البصر).

ــ أصيب ملك إيطاليا برنارد بالعمى في عام 818 بعد ثورته ضد عمه الإمبراطور لودفيغ الورع، وبالتالي مما أفقده قدرته على الحكم. مات الملك بيرنارد بعد يومين من إصابته بالعمى.

ــ تم القبض على الدوق هوغو فون الألزاس في عام 885 ، وأُصيب بالعمى ثم نُقل إلى قصر Prüm Abbey كإقامة إجبارية، باعتباره غير قادر على الحكم.

ــ الإمبراطور لودفيغ الثالث بافاريا / ألمانيا : تعرض للسمل وإفقاد البصر، من قبل خصمه بيرينغار من فريولي في 905 وفقد نتيجة لذلك  اللقب الإمبراطوري ؛ ولكنه مع ذلك، احتفظ بمملكته الموروثة في منطقة بورغوندي السفلى.

 

بعد السكتة الدماغية (السكتة الداغية إن لم تقتل صاحبها تصيبه بالشلل)

ــ أصيب الملك لويس السابع ملك فرنسا بجلطة دماغية عام 1179 نجم عنها أصابته بالشلل في جانب واحد. بعد أسابيع قليلة توج ابنه فيليب ملكًا. توفي لودفيغ السابع بعد عام تقريبًا.

ــ عانى دوق بافاريا فيلهلم الأول من سكتة دماغية عام 1357 ، ثم اعتُبر مريضًا عقليًا وغير قادر على الحكم وسُجن حتى وفاته عام 1389.

ــ أصيب دوق بوغيسلاف الرابع عشر من بوميرانيا (أمارة بشمال شرق بولونيا والمانيا) بجلطة دماغية عام 1633. نظرًا لأنه لم يكن لديه ورثة ، فقد وضع دستور عام 1634 ، والذي حاول من خلاله تأمين حكومة بوميرانيا أثناء مرضه وبعد وفاته. توفي عام 1637، وتم تقسيم بوميرانيا بعد ذلك بين السويد وبراندنبورغ ، خلافًا لنوايا الدوق.

ــ عانى الملك فريدريش فيلهلم الرابع ملك بروسيا (1840-1858) من عدة سكتات دماغية عام 1857 ثم سلم الحكم لأخيه فيلهلم عام 1858. يشار إلى هذا التغيير في العلم على أنه نهاية عصر رد الفعل وبداية العصر الجديد.

بسبب أمراض أخرى

ــ  الملك جورج الثالث. من بريطانيا العظمى (1760-1820) لم يكن قادرًا على الحكم من عام 1811 بسبب مرض خطير (ربما البورفيريا)، يشار إلى السنوات حتى وفاته في التاريخ البريطاني (والأسلوب) باسم ريجنسي.

 

بسبب المرض العقلي

ــ  الملك شارل السادس / فرنسا. (1380-1422) كان يعاني من نوبات جنون أحيانًا،  منذ عام 1392، عانى من متاعب عصبية بسبب المؤامرات المحكمة التي نشأت نتيجة لمرض تشارلز بلغت ذروتها في الحرب الأهلية في أرماجناك وبورغينيون (1410-1419)

ــ الملك هنري السادس/ إنجلترا (1471) لم يكن قادرًا على الحكم اعتبارًا من مارس 1454 بسبب مرض عقلي، وتم خلعه عام 1461 ، لكنه أعيد ملكا في 1470-1471 وقتل أخيرًا في برج لندن. بعد فترة وجيزة من مرض هنري، اندلعت حروب الورود ، وشلت إنجلترا لمدة ثلاثين عامًا.

ــ الدوق الأكبر لودفيغ الثاني ملك بادن/ ألمانيا (1852-1856) أعتبر مريضًا عقليًا وترك الحكومة لأخيه فريدريش، الذي خلفه في عام 1856. توفي لودفيج بعد ذلك بعامين.

ــ الملك أوتو ملك بافاريا (1886-1916) أعتبر غير قادر على الحكم بسبب مرض عقلي، كان تحت وصاية الأمير ريجنت لويتبولد (1886-1912) ولودفيغ (1912-1913)، الذي أُعلن في النهاية ملكًا لبافاريا دون الإطاحة بأوتو.

 

بسبب الاكتئاب

ــ الدوق ألبريشت فريدريش / بروسيا : أصيب بأزمة كآبة بعد فترة وجيزة من توليه السلطة عام 1571، الأمر الذي أجبر سيده، الملك البولندي ستيفان باتوري، على تزويده بشخصية إدارية لإدارة أعماله عام 1577، والذي حل محل ألبريشت فريدريش بعد عام. توفي ألبريشت فريدريش نتيجة اضطرابات عقلية عام 1618. سقطت دوقية بروسيا في يد أمراء براندنبورغ، التي مثلت جزءاً من مملكة بروسيا .

ــ مع الملك تشارلز التاسع / فرنسا (1560-1574) ، الذي كان تحت تأثير والدته كاترينا دي ميديشي طوال حياته، أدت أحداث يوم القديس بارثولوميو 1572، الذي أمر به هو نفسه، إلى صدمة أدت إلى حالة الاكتئاب. توفي عن عمر يناهز 23 عامًا بسبب فقدان الوعي (دوران)، قبل أن يؤدي ذلك عجزه الفعلي عن الحكم.

 

لأسباب سياسية (على الأرجح)

ــ الملكة جوان ملكة قشتالة : (1504-1506)، والمعروفة باسم جوان المجنونة،  اعتبرت غير مؤهلة للحكم كما قيل بسبب مرضها العقلي، لذلك تمكن والدها، الملك فرديناند ملك أراغون (1479-1516) من تولي زمام الحكم. الوصاية على كل أسبانيا، ومع ذلك ، يمكن الافتراض أن جوانا لم تكن مجنونة بأي حال من الأحوال ، ولكنها حُرمت من السلطة من قبل والدها ولاحقًا من قبل ابنها تشارلز الخامس - وقد سجنت جوان في دير سانتا كلارا في قلعة تورديسيلاس، حيث توفيت بعد 48 عامًا تقريبًا.

ــ السلطان العثماني مراد الخامس (ولد21 / أيلول 1840، وتوفي 29 / آب 1904)  هو خليفة المسلمين الخامس بعد المائة، وسلطان العثمانيين الثالث والثلاثين والخامس والعشرين من آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة (30بويع عفي أيار/ 1876 وخلع بعد ثلاثة أشهر في  31 /آب / 1876). وخلفه أخوه السلطان عبد الحميد الثاني، ومكث في السلطة ثلاثة أشهر فقط بعد أن طرأ اختلال في قواه العقلية، وبويع أخوه الأصغر عبد الحميد الثاني بالخلافة، ونقل مراد الخامس إلى قصر جراغان حيث تابع حياته فيها كسلطان سابق حتى وفاته عام 1904

ــ تم إعلان ملك بافاريا لودفيغ الثاني، أعتبر، "مختل عقليًا" و "غير قابل للشفاء" في عام 1886 بتحريض من الحكومة دون تحقيق ، بناءً على إفادات الشهود. بعد أربعة أيام مات في بحيرة شتارنبرغ.

ــ تنازل ملك بلجيكا بودوان عن العرش عام 1990 على أساس "عدم الكفاءة" ليوم واحد من أجل أن يسمح للبرلمان بسن قانون الإجهاض كان يعرض تشريعه، وبعد يوم واحد ، أعاد البرلمان بودوين ملكًا.

 

المركز العربي الألماني - برلين

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

الحكمة في

 

اتخاذ القرار الصحيح ...!

 

ضرغام الدباغ

 

ما هو الموقف الصحيح ...وكيف نتوصل إليه ...؟

هل هو الموقف الذي يلبي مصالحك بصورة تامة ....؟

أم هو القبول بالأمر الواقع مهما كانت نتائجه..

أم أن السياسي المحنك قادر على صياغة الموقف الأفضل الملائم لمصلحته.

 

تحقيق المصالح الوطنية البعيدة المدى / الشاملة، أو الأهداف التكتيكية، هو هدف العمل السياسي وأداته المختصة المحترفة هي الدبلوماسية. ولكن ينبغي فحص كل حالة بدقة تامة وتفصيلية بواسطة موظفون سياسيون مختصون وبالاعتماد على مصادر دقيقة. وتبلغ الدقة درجة رفيعة حين يتمكن السياسيون، والموظفون الأكفاء قياسها باستخدام الرياضيات العالية، ووسائل أخرى منها طريقة تبادل الأدوار، للتوصل إلى أدق نتيجة ممكنة، وعلى ضوء نتائج الفحص والجرد والتدقيق الذي يشترط أن يكون على درجة عالية جداً من النزاهة، والابتعاد عن الانفعال وأحكام الهوى، تصاغ قرارات تضمن (بدرجة كبيرة) نجاح المسعى السياسي. أو باستخدام المؤثرات. وفي حالات كثيرة تحول ظروف موضوعية وذاتية دون الحصول على كامل الأهداف، والأقل من النجاح التام هو أيضا نجاح، وإبقاء الطريق سالكاً للمساعي السياسية، هو أفضل من قطع الجسور وأقفال أفق العمل.

 

القبول بالأمر الواقع ونتائجه، هي الفقرة الأخيرة في قائمة الممكن، وهنا يقدم  السياسي / الدبلوماسي البارع أفضل ما يمكن من المساعي السياسية بأستخدام أساليب عمل مدروسة، حيال العجز التام في تحقيق موقف لصالحه، مستخدما ثقافته وتجربته وحكمته، في تقليص حجم الخسارة، بالقدر الممكن، ومحاولة تليين مواقف الطرف/ الأطراف المقابلة، وإعادة صياغة الموقف، والنتائج، بصبر وتوءدة، ولا تبخس قيمة أي جهد يمكن أن تصحح وتعدل النتائج النهائية مهما كانت بسيطة، فهذه الدرجة البسيطة ستشكل ربما القاعدة التي ترتكز عليها فعاليات ومجهودك اللاحق في تصليح الموقف.

 

نسعى ..البشر والحكومات لتحقيق الأفضل ..والأفضل هو كامل برنامجك ومخطط وما تريد، ولكننا وخاصة في عالم اليوم، يصعب الحديث عن مصالح لا تصطدم أو تحتك، أو تمس مصالح الآخرين، أفرادا كانوا أو حكومات، وحتى حين تسكن في شقة بمفردك،  سيسألونك أت كنت تحتفظ بكلب أو حيوان في الشقة، فذلك قد يزعج بعض الجيران بدرجة ما، وسوف لن يسمح لك بأن ترفع صوت التلفاز أو الراديو بعد الساعة العشرة مساء، وتصرف الأولاد يجب أن يضبط بدقة، والبعض يستاء أن حضرت وجبة لها رائحة الطبخ نفاذة ...الخ إذن الحديث عن تحقيق برنامجك ومصالحك قضية لا تخلو من صعوبات، وعليك ان تخطط لتنفيذ مشاريعك بصبر، ولا بأس على مراحل لكي لا تبدو طموحا جموحا حيال الآخرين فيخشونك ويخشون مخططاتك  ..!

 

المهم هو أن تحقق درجة من النجاح وتحقيق تقدم بأي نسبة من برنامجك، هو أمر جيد ..

مثال مهم : حسب الظروف السياسية والعسكرية المعروفة إلى أدت إلى نتائج سلبية، تمكن العدو من احتلال كامل شبه جزيرة سيناء البالغ مساحتها (60088 كم مربع)، بأستثناء جزء من محافظة بورسعيد الواقع على الجانب الشرقي لقناة السويس (بورفؤاد)، وتحديدأ منطقة صغيرة لا تتجاوز بضعة كيلومترات (رأس العش)، تمركز فيها فصيل من القوات الخاصة / الصاعقة (30 جندي)، وحين أراد العدو إتمام سيطرته على سيناء (1 / تموز / 1967) صمد فصيل الصاعقة وقاوم إرادة العدو ومنعه من تحقيق هدفه وتواصلت القوات المسلحة المصرية في المنطقة، وهذه المنطقة أصبحت رأس جسر لعمليات تحرير سيناء في حرب اكتوبر / 1973.

 

والسياسي الحكيم هو الذي يمكنه التوصل إلى قرارات صحيحة، أو خالية من الأخطاء أو قليلة الثغرات، ويستعين السياسي بخبراء ومساعدين ومستشارين اخصائيين، وصناعة القرار ليست عملية عشوائية، بل هي أشبة بورشة تمر بمراحل ودوائر عديدة وقد تستغرق وقتاً طويلاً، وبمرور الزمن، ومع ارتقاء الاقتصاد إلى مستويات عالية  من الأهمية في العلاقات الدولية، توجب على القادة السياسيون متخذو القرار السياسي، الاعتماد بدرجات أكبر على العلماء والخبراء، وإعطاء فسحة أكبر للمداولات، وتغيرات في المادة موضوعة التداول، فإن طرأ تحسن بدرجة معينة، تعدل الخطط المقابلة، وإن ازداد سوءاً فسينعكس على أوساط متخذي القرار وسيبرر أتخاذ قرارات صلبة.     

 

التفكير في البدائل 

بتقديري أن للسياسي أن يلجأ للمناورة وأن يجيد هذا الفن ... بل من الضرورة أن يضع السياسي في حساباته مواقف بديلة، أن أصطدم قراره أو مشروعه بموانع صلبة، فمن أجل تجنب الفشل وتراجع العزم والاندفاع، فهو يمكن له أن :

يعيد صياغة مشروعه ليبدو أقل أستفزازاً للآخرين، وأكثر مقبولاً.

أن يقبل بتجزئة برنامجه إلى مراحل.

أن يطمئن الجهات (وهناك طرائق عديدة) التي تعتقد أن في برنامجه هواجساً لها.

أن يشرك آخرين في برامجه ويشعرهم أن من مصلحتهم دعم مشروعه.

أن يتقبل بواقعية أن مشروعه لا يلقى القبول اللازم، أو نه سيصادف عراقيل جمة، أو خسائر أكثر من الفوائد، لذلك عليه أن يحدث التغير المناسب في جدول أعماله وخططه لكي يكون مقبولاً.

أن يتقبل أخيرا إذا لاحظ أن أمام المشروع موانع جمة، عليه أن يجد البديل، وقد يكون البديل لا يصيب الهدف، ولكنه سيقذفك بالقرب منه، أو يبقيك لاعباً في الميدان.

 

ــ ليست هناك نظرية سياسية تقام على أساس " أنا والآخرين في الطوفان " مصالحي أنا ومصالح الآخرين في الجحيم "، هذه طروحات لا علاقة لها بالسياسة.

ــ حتى إذا كنت قوياً بدرجة خارقة وقادراً بقواك الذاتية المادية والمعنوية، على فرض إرادتك، عليك أن تحسب ردود الفعل في الملعب وعلى أطرافه القريبة ولكن البعيدة أيضاً.

ــ من الضروري أن يكون كل موقف يقام على أساس مراعاة القانون وقواعد التعامل، وحتى الجوانب الأخلاقية رغم ضعفها في عالم اليوم ...!

 

الدبابة الحديثة تزن 50ــ 60 طناً من الفولاذ، طائفتها مكونة من 4 جنود مدربين تدريبا ممتازاً، سعرها بين 4 ــ 5 مليون دولار، تحمل 50 ــ 60 قنبلة متنوعة : خارق للدروع، مهداد ضد المباني والموانع، منثار ضد الأفراد، وربما أنواع حديثة، مزودة بمقدرة مدى، وجهاز للرؤية الليلية، ولكن بوسع سلاح خفيف يديره جندي واحد لا يستغرق تدريبه أكثر من يوم واحد، بقاذف لا يتجاوز سعره 100 ــ 300 دولار أن يدمر هذه الدبابة بصاروخ لا يتجاوز سعره 80 دولار. وعلى قائد الدبابة أن يحسب في عمله أن يطلق النار وينتقل فورا بلا تأخير إلى موقع بديل يختاره سلفا، وإلا فسيتلقى مقذوفاً يدمره بعد ثوان.

المقاتل يفعل ذلك بحسه القتالي العالي، وربما بتجاربه، ولكن السياسيون لا يرون ذلك عيانياً، لأن ذلك هو في فلسفة العمل السياسي لا يشاهد بالعين المجردة، ولا يدرك إلا بأستخدام العقل ..

 

لاحظوا (والأمثلة على الممارسات السياسية كثيرة)  درس ألقاه الرسول محمد (ص)، متنبئاً بحدوث فتن سياسية : " ستكون فتنة، القاعد فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي ". و " سيروا على سير أهونكم ..!".

ثم لاحظوا الذكاء الفطري عند أعرابي نطقها بصراحة البدوي الذكي، حين سأل مع من هو في النزاع  بين علي بن أبي طالب ومعاوية: فقال "  اللقمة مع معاوية أدسم ، والصلاة وراء علي أتم، والجلوس على التل أسلم ".

 

ولاحظوا عمق الفكرة في قول معاوية " لا أستخدم سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أستخدم سوطي حيث يكفيني صوتي ".

 

ولاحظوا أخيراً الحنكة في موقف فرقة المرجئة من الخلاف بين علي أبن أبي طالب ومعاوية :

 

نرجئ الأمـور إذا كانـت مشـبهة               ونصدق القول فيمن جار أو عندا

وما قضى الله من أمر فليس له مرد           وما يقضي من شيء يكـن رشدا

أمـا عـلي وعثـمان فإنـهما                      عبدان لم يشركا بالله منذ عبدا

يجزي علي وعثـمان بسعيهما                  ولست أدري بحق أية وردا

الله أعلـم ماذا يحضـران به                     وكل عبد سيلقى الله منفرداً

 

ويقول عمرو بن العاص أن " الحكمة والذكاء ليس في معرفة الخير من الشر، فهذه قد يتعرف عليها حتى المبتدأ، ولكن الذكاء في أختيار أهون الشرين ".

 

ثم لنلاحظ كيف تعامل أثنان من الرؤساء الأمريكان حيال قضية الحرب في فيثنام :

عرض المستشارون في القصر الأبيض على الرئيس ليندون جونسون 1964، بعد أن تفاقم الوضع في فيثنام وغطست الولايات المتحدة في مستنقعات فيثنام، خياراتهم المقترحة وكان على الطاولة خياران: الأول إما قصف فيثنام الشمالية (هانوي) بالسلاح النووي ولهذا تداعياته السياسية والعسكرية، أو تطبيق خطة تدمير شامل بالأسلحة التقليدية، وغير التقليدية الخفيفة (غازات، رش الكيمياوي على الغابات وإبادتها، قنابل عنقودية، ونابالم) وسميت الخطة " النيران المتدحرجة " (Rolling Thunder). فأعتقد الرئيس جونسون أن الخيار النووي الأول ستكون له تداعياته الخطيرة جداً غير مرغوبة، فلجأ للخيار الثاني وجرى تنفيذه.

حين تسلم الرئيس ريتشارد نيكسون (1969) كانت الحرب في فيثنام في أسوء مراحلها، تأكد الرئيس بفطنته (وهو من أكفأ وأثقف الرؤساء الأمريكان) أن لا حل عسكري لهذه الحرب، وأن تكاليفها باهضة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فأيقن أن الأمر بحاجة لاتخاذ قرار كبير، وصعب، وتسليم بالحقائق، وهو ما عبر عنه بالتفاوض في باريس مع الثوار الفيثناميين (1973)، والانسحاب من هذا البلد.وهذا الخيار على صعوبته، إلا أنه كان الممكن الوحيد، وتم الوصول إليه بطريقة سياسية / قانونية. واتخاذ الموقف الصحيح العب، هو موقف كفوء وذكي، ويدل على حكمة وبعد نظر، خير من المضي في طرق المهالك.

 

هل تعين الأجهزة الالكترونية القائد السياسي اليوم ...؟

نعم بالتأكيد، فأجهزة الحاسوب / الكومبيوتر (PC) المعبئة بطريقة ممتازة بشى المعطيات الممتازة، ستكون مصدرا هاما لرفد القادة السياسيين في منح قراراتهم أبعاداً جديدة ومزيد من الإنضاج. بل يحملنا هذا على الجزم، أن فريقا مدربا وكفوءا بإدارة قديرة هي اليوم من أشد الضرورات.

 

ختاماُ، نقول للسياسيين، عليك أن تعلم أنك لست وحيداً في هذا العالم، وما يفيدك قد يلحق الضرر بالآخرين، وأي تدخل بسيط (حتى ارتفاع درجة الحرارة درجتين فقط) قد تتدخل في مسار جهدك وخطط قد تغير النتائج. متخذي القرارات ينبغي أن يكونوا على إلمام كامل وشامل في شتى الاتجاهات المؤثرة على قراراتهم، لكي يأتي قرارهم أقرب للصواب

 

لوبي السلاح في

 

 الولايات الأمريكية المتحدة

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

كثير من الناس يهون جمع السلاح وعرضه ... والأمريكيون لا يكتفون بذلك، بل ولدى الغالبية من الأمريكيين مشجب سلاح صغير في البيت، وغالبا ليس للاحتفاظ كهواية، بل واستخدامه، وهذا ما يفسر حجم الجرائم العائل في الولايات المتحدة. ويجمع الخبراء أن السبب الرئيسي هو سهولة حصول المواطن الأمريكي على السلاح، الخفيف وحتى المتوسط منه (رشاشات حربية متوسطة)، بسهولة بالغة وكأنك تشتري الخبز ..! ولكن  ربما حتى الثقيلة.

 

وحين نلاحظ ظاهرة خطيرة تلحق الضرر الفادح بالمجتمع الأمريكي ولكن مع ذلك تجارة السلاح تزدهر ويباع علانية فالظاهرة لها أبعاد مختلفة، ويقف وراءها رجال متنفذون وقوى كبيرة، سياسية ومالية، واجتماعية بحيث تستطيع الصمود أمام حملات تهدف إلى تقليص تجارة السلاح ولو جزئياً، بل وأبعد من ذلك فصناعة وتجارة السلاح لها لوبي قوي في الكونغرس الأمريكي، وجمعيات أشهرها : " الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة "  (National Rifle Association of America). وهدفها الصريح المعلن هو " حماية حقوق حمل السلاح في الولايات المتحدة، وقد تأسست هذه الجمعية عام 1871 ويقع مقر الجمعية في واشنطن. وتتعرض الجمعية بين حين وآخر إلى محاولات لحلها، ولكنها بفعل القوة الخفية والعلنية التي تقف خلفها، تحبط هذه النوايا، فالجمعية قوية بقوة القوى المالية التي تمارسها. وهذا المقال يقع ضمن تلك المحاولات الفاشلة لتحجيم تجارة السلاح. إذ تريد ولاية نيويورك (الأكثر تضررا من تجارة الأسلحة) أن تحل جمعية المدافعين عن تجارة السلاح،والمدعي العام للولاية يتهم قوى الفساد في اللوبيات وهو ما يزعج الرئيس ترامب.

 

 

مأزق لوبي السلاح في أميركا

 

تقرير كتبه : فراوكة شتيفانيس/ نيويورك

في صحيفة فرانكفورتر الغماينة (Frankforter Algemeir)

التاريخ : 7 / آب ــ أوغست / 2020

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

 

كان أمرا مروعا ما حدث في ولاية نيويورك، حين وجه الرئيس دونالد ترامب توبيخاً للمدعي العام للولاية  الذي كان لتوه قد رفع دعوى ضد منظمة (NRA) (National Rifle Association of America).

منظمة البندقية الوطنية الأمريكية. وكان هناك تعهد بأن تتولى المنظمة (وهي يمينية الاتجاهات)، بأن تكون جزء من حملة المرشحة ليتيتيا جيمس (Letitia James) والتي ربحت الانتخابات قبل عام. وتواصل السيدة جيمس أسلوبها الهجومي الذ كان سلفيها (أيريك شنايدرمان / باربرا اندروود) ينتهجانه. وفي عام 2019 نجحت بالفعل بحل مؤسسة عائلة ترامب بدعاوي الفساد. وقد كلفت المرافعات الرئيس مليوني دولار، لذلك كان رد فعل ترمب ضعيفا في أحداث شركة (NRA).

 

ولكن المرشحة جيمس النيويركية كانت واثقة بأن ما بين يديها يكفي ضد لوبي جمعية السلاح، من عمليات الارتشاء والاحتيال مما تكفي لحل المنظمة لعدة سنوات. فهناك الادعاء على قادة منظمة (NRA) وخاصة المدير التنفيذي الفيدرالي واين لابير الذين قاموا بسحب أموال التبرعات والإيرادات الأخرى لاستخداماتهم الشخصية.، ونتيجة لذلك خسرت المنظمة على مدى سنوات ثلاث، 64 مليون دولار، كما يعتقد أن لا بيير نفسه وقع عقداً مع (NRA) يضمن العقد له دفع 17 مليون دولار إذا غادر العمل. كما أستلم مكتب المدعي العام في واشنطن العاصمة  دعوى تخص بتحويل أموال من رصيد المنظمة. كما قامت المنظمة بتأسيس لوبي (تجمع يرعى المصالح) ضد قوانين الأسلحة الفيدرالية الصارمة.

 

كان رئيس المنظمة لا بيير قد حول المنظمة وموارده إلى مكاسب شخصية له. فحول لحسابه مئات الألوف من الدولارات من أجل السفر وشراء الهدايا والطائرات الخاصة. وبوسع ولاية نيويورك أن تسجل وتفتح دعوى ضد جماعات اللوبي، لأن المنظمة المؤسسة قبل 148 عاماً كمنظمة غير ربحية. ووصفت رئيسة رابطة اللوبي كارولين ميدوز الدعوى القضائية بأنها مناورة سياسية لا أساس لها، ورفعت بالمقابل الدعوى ضد ولاية نيويورك.

 

تخضع الاجراءات ضد منظمة (NRA) وفق القانون المدني، ولكن المدعي العام لم يستبعد أن تتحول إلى إجراءات جنائية، ويمكن أن يستمر النزاع لسنوات ملحقا المزيد من الأضرار السياسية لمجموعة الضغط (اللوبي). فقد تبرعت قوى الضغط بمبلغ 54 مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية وللمرشحين الجمهوريين الآخرين، ولكنها الآن تعاني من صراعات داخلية ومن سوء الإدارة.

 

وكانت جيمس تحقق قبل 16 شهراً في موارد المنظمة، إذ أرسل مكتب المدعي العام إلى أنصار المنظمة (من مؤيدي حرية السلاح)، مذكرات استدعاء تنفيذية. وكان أوليفر نورث (الضالع في قضية إيران كونترا / المترجم)، من الذين تم استدعائهم للتحقيق معه بشأن الإطاحة بالسكرتير الفيدرالي لا بيير الذي دفع ثمن صراعه  على السلطة بخسارة منصبه. و السيد نورث يعتبر من بين الشخصيات اليمينية البارزة في الولايات المتحدة، والذي أشتغل مستشاراً عسكرياً لمجلس الأمن القومي في عهد الرئيس رونالد ريغان، وكان شخصية رئيسية في قضية إيران كونترا في منتصف الثمانينات

 

ففي ذلك الوقت جرى فيه نقل عائدات مبيعات الأسلحة الأمريكية لإيران، وقدمت لمقاتلي الكونترا الذين يقاتلون النظام الساندينستي في نيكاراغوا. ولم يكن بوسع لا بيير الرئيس السابق للمنظمة (NRA) وسائر الشخصيات القيادية في المنظمة  الذين ادينوا فعل شيئ وتركوا ليسقطوا. ولم يكن واضحاً تماماً ما إذا كان المال قد تحويله من أجل حملات سياسية ولأغراض الإثراء الشخصي كما يتكهن بعض المراقبين. وبسبب ذلك أيضاً فقد تم التشدد في قواعد جمع التبرعات الحزبية في السنوات اللاحقة. (*)

 

ولاية نيويورك لديها أسبابا وجيهة لمحاربة لوبي السلاح.  ففي الولاية قوانين سارية ضد السلاح أكثر صرامة من سائر الولايات الأخرى. مع أن قانون ولاية نيويورك لا يزال يسمح بنص صريح : " أن " ميلشيا مسلحة تسليحاً جيداً " هي الأساس الفعال للمجتمع، وأن حق المواطن في حمل السلاح هو من الحقوق الأساسية للمواطنة ولا يجوز إلغاء هذا الحق ".

 

ومن أجل الحصول على السلاح يحتاج المرء إلى رخصة بشراء وبحمل السلاح، وفي ولاية نيويورك يحظر بيع الأسلحة الهجومية (assault weapons)، والتي تشمل معظم البنادق نصف الآلية، ولكن مع ذلك يمكن للمجرمين والراغبين بالأسلحة الهجومية الحصول عليها من الولايات الأخرى، وتشير الكثير من الجرائم أن السلاح ما يزال منتشراً في المدينة.

 

تقدم الرئيس ترامب الذي كان لحد الآن قد أوقف محاولات أصلاح بعيدة المدى لقانون الأسلحة بمقترح بسيط لحل الأزمة بين المنظمة (NRA) وولاية نيويورك " أعتقد أن الحل يكمن في نقل المنظمة إلى ولاية تكساس حيث بوسعهم أن يعيشوا حياة جيدة وجميلة للغاية ". وقال ترامب للصحفيين معززا رأيه " كنت أقول لهم منذ وقت طويل أن عليهم الانتقال إلى تكساس حيث القوانين المحلية أكثر ملائمة. أما حاكم ولاية أركنساس آسا هاتشينسون فقد عبر بقوله " إذا كانت ولاية نيويورك لا تحتمل منظمة (NRA)، فعلى المنظمة التحرك جنوباً  حيث تجد المزيد من الاحترام، وسيجدون الاحترام التام في اركنساس  ". ولكن رجال القانون يؤكدون أن المنظمة لا يمكنها أن تجري مثل هذا الانتقال طالما أن هناك دعوى قضائية مفتوحة ضدها  في نيويورك .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هوامش

(*) هذه أشارة يفهم منها بوضوح أن قضية إيران غيت لم تكن فضيحة سياسية فحسب، بل وقضية فساد تطال كبار الموظفين في الإدارة الأمريكية.

 

المركز العربي الألماني برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

المركز الألماني العربي

 

DETSCH ARABISCHES ZENTRUM

 

د. ضرغام الدباغ

 

 

بتاريخ 17 / 10 / 2006 ، توجهت برفقة صديق إلى مكتب تسجيل الشركات والجمعيات في حي نوي كولن ببرلين، وقدمت طلباً بأسمي لتأسيس كيان بأسم : (Deutsch Arabisches Zentrum) المركز الألماني العربي بتخصص : دراسات، معلومات، نشر. وخرجت من المبنى بعد 14 دقيقة وبيدي سد تسجيل المركز.

وكانت باكورة عمل المركز، إصدار نشرة أسبوعية باللغتين الألمانية والعربية عن أهم الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية التي حدثت في ألمانيا خلال أسبوع، وقمنا بتجميع نحو 450 عنوان ألماني، ومثلهم باللغة العربية، أي بين 900 / 950 باللغتين، نقوم بأرسال النشرة الألكترونية لهذه العناوين السياسية الصحفية، الثقافية، الاكاديمية، بواسطة الأنترنيت. وبأعتراف جهات كثيرة أن النشرة كانت عملاً ممتازا لجهة الاخراج الفني والمحتوى العلمي / الاعلامي لهذه النشرة. ولم يكن يساعدني في هذا العمل الكبير والشاق سوى فتاة ألمانية ذكية تحسن الانكليزية والفرنسية إضافة للألمانية بالطبع.

 

ولكن للأسف لم نجد التشجيع الذي كنا نأمله، والسبب الرئيسي هو أن الفضاء الالكتروني يعج وبكثافة بالنشرات التي تصدرها مؤسسات صحفية عملاقة وبقدرات مالية هائلة، وصحفية / فنية خارقة، وليس من مجال لجهة ناشئة وبأمكانات هي في الواقع لا شيئ سوى الحماس والإرادة على تقديم شيئ. ولكننا اضطررنا للتوقف، وتعديل خطة العمل، وانصرفت الفتاة الألمانية إلى عملها، وقررت مواصلة العمل وتوزيع النشرة مجاناً خدمة للثقافة العربية، إضافة أن وجدت في العمل متعة النشر والإنتاج الثقافي، وعدد من الأصدقاء صاروا متابعين للنشرة، وهكذا قررنا أن نواصل إصدار نشرة شهرية " إجمالي الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية في ألمانيا خلال شهر ....". وقد تواصل صدور هذه النشرة وتوزيعها مجاناً منذ عام 2005 ولحد الأن (16 عاما متواصلة).

 

ثم أني أضفت إلى النشرة شهرية، بحوث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في ألمانيا وأوربا، والقضايا حول التاريخ العربي / الإسلامي، والعلاقات العربية الألمانية، وقضايا تحدث في أوربا أجدها مهمة، أو ترجمة بحوث أعتقد أنها ضرورية لأطلاع المثقف العربي. وتصدر هذه البحوث والدراسات  بمعدل مرة أو مرتين شهرياً دون تحديد موعد محدد، وقد صدر البحث رقم 1 وكان حول التجديد في الثقافة الأوربية،  العدد رقم 300 صدر يوم 22 / 4 / 2022، أي ان البحوث تصدر منذ 16 عاماً أيضاً، والبحث رقم 300، هو بعنوان " ملفات عراقية أمام العدالة الدولية "

 

وفي أواسط عام 2021 أضفت لفعاليات المركز، إصدار كتب الكترونية، بسبب الصعوبات في النشر المطبوع ورقيا، وتوزيعه. وقررت أن أبدأ بنشر الكتب التي قمت بتأليفها ونشرها منذ عام 1984، في بغداد وبيروت ودبي، وعمان، ولندن، وكندا، فقررت إعادة نشرها وتوزيعها مجاناً، وكذلك الكتب التي قمت بترجمتها عن الألمانية، ليبلغ مجموع ما نشرت من كتب صادرة عن المركز الألماني العربي نحو 63 كتاباً مؤلفا ومترجماً وزعتها على مئات العناوين البريدية، نحو 1200 عنوان، والعديد من هذه العناوين تقوم بإعادة  بتوزيعها، لذلك يصعب معرفة العدد الذين وصلتهم هذه الكتب مجاناً في الوطن العربي، وفي أرجاء العالم، فأنا أستلم رسائل كثيرة جداً من كافة أقطار العالم .. وحسبي أن أقوم بخدمة الثقافة العربية، مجاناً ودون مكاسب شخصية. ولكني أتلقى الشكر والامتنان من شبان من اليمن، وموريتانيا والجزائر والمغرب ... وطلاب دراسات عليا من مختلف الأقطار العربية ...  وهذا ما يشعرني بالرضا ..!

 ولعل من المفارقة القول، أني أدير هذا المركز من غرفتي ببيتي في برلين، ولدي طاولة كتابة واسعة، وكافة مستلزمات العمل الالكتروني، كومبيوتر عملاق ذا استطاعة عالية جداً، وبكفاءة غير عادية، وجهاز تصوير، وطابعة ليزرية، وأجهزة حفظ ذات قدرات كبيرة (1000 غيغابايت)، واشتراك قوي بالانترنيت (سرعة عالية) بأجرة معقولة.

 وبمرور الوقت تعلمت وتطورت آليات إنشاء النشرة، بحيث لا تستغرق مني إلا وقتا قصيرا جداً، كما أني اعتدت الترجمة من الألمانية إلى العربية بسهولة، ولكن مع تقدم العمر وتراجع الصحة وقوة النظر، صرت أعاني من التعب بسرعة، ومن بطء وصعوبة في الترجمة،  ولكني قررت أن لا أتوقف ابداً .. وأن أواصل العمل حتى آخر دقيقة من عمري. لن يصيبني تعب في خدمة الأمة، فقد أوقفت حياتي من أجلها .. لذلك سيواصل المركز الألماني / العربي الإرسال ....

 منذ سنوات طويلة تراودني فكرة إنشاء معهد دبلوماسي، وبحوث سياسية وتنموية، وهي مجازفة محسوبة، لأنه سيكون المعهد العربي الوحيد خارج سلطة الأنظمة العربية. ومعهد سيعلم الشباب العربي الدبلوماسية وتهيئة كوادر سياسية وفنية وإدارية للدولة. وقد توفقت في طرح الفكرة على علماء عراقيين معروفين بكفائتهم ومكانتهم العلمية، وممن كانت لهم خدمة دبلوماسية مرموقة في وزارة الخارجية العراقية.  فوجدت الجميع متحمسين مثلي على التعليم المهني البحت بعيداً عن التوجهات السياسية / الحزبية،  والهدف الوحيد هو نشر الثقافة السياسية / الدبلوماسية بوسائل علمية، استناداً لأرقى المناهج التعليمية في العالم.

 المركز الألماني العربي الذي يعمل بدون ضجة، وبدون دعم من قوى عربية أو أجنبية وهذا محط فخري واعتزازي، وأود التنويه أنني لم ألقى الدعم لا المادي كما نوهت ولا حتى المعنوي، بل حاول أحدهم الالتفاف على هذا العمل وإنهاؤه .. أو تسخيفه (تلاعب ضروري للغة ..!) ولكني كنت فاطن للمحاولة ففشلت في مهدها ....!

 

16 عشر عاماً .....

192 نشرة شهرية...

304 بحث ودراسة ...

65 كتاب صدر عن المركز ....

 

شكراً ....!

 

شكراً لمن تابعنا ... شكراً لمن تعاطف معنا ...  وسوف نواصل العمل بلا هوادة .....!

 

 

أوربا بعد أوكرانيا

 

ضرغام الدباغ

 

في السؤال : هل خلقت الأزمة الأوكرانية معطيات جديدة في أنماط التفكير والسلوك في أوربا .. ستكون الإجابة : نعم بالتأكيد، وفي السؤال هل مثلت الأزمة الأوكراني قنبلة انفجرت فوق طاولة أوربا الفسيفسائية، وبعثرتها، بدرجة يصعب لم شعثها كما كانت أول مرة .. الإجابة نعم بالتأكيد ..!

 

بداية لا توجد أوربا موحدة وفق المفهوم الرياضي /السياسي للكلمة. لأنه لا توجد أمة أوربية أصلاً، سواء كأعراق أو ككينات سياسية وثقافية، فهناك من الدول لم تنظم بعد إلى الاتحاد الأوربي، وهناك دول ضمن الاتحاد ولكنها بنظرية "إكمال العدد". وبالإمكان شكليا وبروتكولياً ضبط الإيقاع، وكذلك دبلوماسيا إلى حد ما، نعم هناك هموم مشتركة، وهناك أمكانية لقيام أو تطوير المصالح المشتركة، وتطوير ما هو قائم، ولكن في الواقع العملي هناك تفاوت بديهي في  المصالح، وهناك من لا يود أن يجد اتحادا أوربيا متيناً قوياً، وهناك مجموعة من الأفكار والآراء والمواقف وليتبلور في النهاية قائد اقتصادي (ألمانيا)، وقائد سياسي (فرنسا) وعلى أساس هذا التفاهم الألماني / الفرنسي القوي اقتصاديا بوجود القاطرة الألمانية، والقوي سياسيا بوجود فرنسا الدولة العظمى، يقاوم  الاتحاد الأوربي عوامل ضعفه واحتمالات انهياره.

 

بريطانيا غادرت الاتحاد الأوربي، بعد أن مثلت الدور الموالي لأميركا، ولا يزال هنا في الاتحاد الأوربي " متعاونون " يعكسون المصالح الأمريكية في الاتحاد الأوربي، والسؤال الأكبر والأخطر، هو لماذا لا تريد الولايات المتحدة للاتحاد الأوربي أن ينهض ككيان له وزنه السياسي / الاقتصادي في الحياة السياسية الدولية. لأن يكون لهذا الكيان رؤيته للعلاقات الدولية الحالية والمستقبلية، وهي رؤية تخلف كثيراً أو قليلاً من الرؤى الأمريكية للالتزامات السياسية والعسكرية والاقتصادية لما يسمى بالعالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وتخشى الولايات المتحدة أن يكون للرؤية الأوربية تأثيرات تتعارض مع رؤيتها للعلاقات مع الصين وروسيا، فالولايات المتحدة تحبذ أن تتواصل أجواء التوتر وسباق التسلح، والمناورات على حافات الأزمات الملتهبة .. والإبقاء على المواجهة مع هذا المعسكر الافتراضي (الصيني ــ الروسي)  وهذا ما سيتيح لها مواصلة قيادة العالم الغربي وفرض إيقاع المواجهة على شتى الأصعدة وهو سيضمن لها بالتالي دور المايسترو لقيادة التحالف الغربي.

 

وبالطبع يدرك الأوربيون تماماً، أن مرامي الولايات المتحدة  ليست إنقاذ أوكرانيا، فالاتحاد السوفيتي هو من جعل من أوكرانيا دولة لأول مرة في تاريخها، ومنحها أراض شاسعة من الأراضي الوطنية الروسية، وبعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي منحها حق الاستقلال، كل هذا وأوكرانيا لم تكن تخشى على أمنها، حتى وضعتها أميركا بتخطيط وتصميم في هذا المأزق لأن تكون ساحة مواجهة مع روسيا، على أمل أن:

تستنزف سمعة روسيا، وتحاصرها سياسياً وتشهر بوجهها العقوبات.

 تثير مخاوف دول صغيرة. وتحثها على الالتحاق بالناتو لتضع نفسها تحت قيادتها فعلياً.

إرهاق روسيا دولة وجيشاً واقتصاداً في معركة طويلة ساحتها الرئيسية أوكرانيا، مع احتمال أن تتسع المعركة وهو أمر مرغوب به أميركيا وتتمناه  .

أن تدعو بلدان أوربا الغربية لمزيد من الإنفاق على التسلح، وبالفعل دفعت الدول الرئيسية كفرنسا وألمانيا مئات المليارات للتسلح، والتسلح إنفاق لا طائل منه. وبالفعل نشبت الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار في بلدان كانت مرفهة كألمانيا مثلاً.

 

ولكن أوربا، مع تصميمها بالطبع على رفض أي توسع روسي غرباً، فمع توغلها شرق أوربا سيجعل من روسيا شريكا أوربيا بحجم عدد السكان والموارد والقوة العسكرية، يؤهلها للعب دور القائد، وبتحالفه مع الصين تتضاعف قدراته ... ولكل قدرة استحقاقها في الميدان ... وهنا تبدأ الحاسبات بالعمل ...!

الأوربيون أذكياء، وخبراء بالسياسة على مسرح العلاقات الدولية وما خلف الكواليس، وها هم يناورون بذكاء، ويمارسون لعبة توزيع الأدوار بطريقة لماحة ذكية، فهذه الدولة ترفض العقوبات على روسيا، وأخرى تعتذر لحاجتها الماسة لتوريدات الطاقة (غاز ونفط)، وأخرى توع أن الرأس العام المحلي ضاغط على الحكومة، وآخر يعتذر بسبب مشكلات اقتصادية لا قبل له بها .... وكلام كثير جداً ..! ودول وافقت على الدفع بالروبل ...!

 

لا شك أن الأوربيون في مأزق، وأميركا تلعب دور البلطجي، وقد ضاقوا ذرعاً بأميركا وبدورها القيادي الاستعلائي، ولكن بالمقابل فإن الخطر القادم من الشرق مثير للقلق أيضاً ..المرحلة المقبلة سترجح إحدى الكفتين، والأوربيين يتركون المسالك مفتوحة لكل الاحتمالات ... بالطبع لا يرغبون بتحدي علني لأميركا ولكنهم سوف لن يدعوها تسوقهم كالخراف لحروب وتجعل أوربا ساحة مواجهة مع روسيا. الناس هنا (في أوربا) يريدون السلام، والجيل الذي عاش الحرب العالمية الثانية ما يزالون يذكرون أهوالها. والسياسيين يعتقدون أنه يمكن التوصل لحلول سلمية، والدبلوماسية بوسعها أن تجد الحلول لكل معضلة، والحرب ليست من بين الحلول، ففي ظل الأسلحة الحديثة ، الحروب الشاملة انتحار، والانتصار وهم ..!

 

من أجل هذه المعطيات وأخرى ربما كامنة، هناك سياسة أوربية جديدة ..وتبلور لشخصية أوربية بمستحقات مرحلة ما بعد كورونا ... وأوكرانيا ...!

 

مؤشرات ومعطيات

 لحقائق الموقف

 

ضرغام الدباغ

 

حدثني صديق، عمل في الستينات وزيراً في أكثر من حكومة عراقية واحدة، أنه ذهب للولايات المتحدة للدراسة بعد حل الوزارة التي كان عضواً فيها، ولإجادته الإنكليزية بشكل تام، كان قد أقام علاقة صداقة شخصية / عائلية مع السفير الأمريكي ببغداد وزوجته. وحين وصل واشنطن للدراسة، التقى صديقه القديم الذي كان قد حل في إحدى الدوائر المهمة القريبة من مراكز القرار، وأسر صديقنا العراقي بين الجد والمزاح،  بما يلي: لدي صناع القرار الأمريكي 3 هموم لا حل لها (حتى ذلك الوقت أواسط السينات) :

 

أن يجدوا صديقا عربيا لا يريد تصفية إسرائيل.

أن تصنع أميركا سيارة تضاهي الفولكس فاغن.

كل ما يرسلون مبشرين لأفريقيا، يتزايد عدد المسلمين في القارة السمراء.

 

في أواخر الثمانينات صرح المرحوم الملك حسين بن طلال بعد عودته من زيارة للولايات المتحدة، أنه لا يستطيع أن يفهم لماذا لا تريد الولايات المتحدة أن تتفهم المصالح العربية.

عام 2004، صرح الملك الأردني  عبد الله بن الحسين، أن هناك هلالاً شيعياً سيظهر في الشرق الأوسط وسيعمل على تغير حقائق سياسية وجغرافية.

عام 2005 التقيت في برلين بصديق قريب من مواقع القرار في إحدى الدول العربية، فجاءه نداء هاتفي، وكان من وزير خارجية بلاده، وانتحى عني ليتحادث معه، وبعد أن أنهى المكالمة، وعاد ليجلس رأيته متغير الوجه مرتبكاً، فتمتم بأسى " الأمريكان أعطوا العراق للشيعة ". ولم يكن بوسعه أن يتحدث بأكثر من ذلك، كما لم يكن الظرف مناسباً أن أسأله المزيد.

كولن باول لم يكن دبلوماسياً، بل هو ضابط محترف (عمل كرئيس لأركان الجيش)، أدلى بتصريح لا يدل على احتراف دبلوماسي بقوله "  أن المؤسسة الدينية ستحكم العراق " وهذا قبل نهاية ولاية السيد أياد علاوي للحكومة العراقية.

صرح السيد أياد علاوي لمقربين منه، أنه أخبر السفير الأمريكي بسرور، أن قائمته العلمانية تصدرت نتائج الانتخابات، وفوجئ عندما أجابه السفير الأمريكي بجفاء.. " ومن قال لك أننا نريد علمانيين في الحكم ..؟ ".

بتاريخ 25 / 10 / 2016، نشر موقع أورينت نت،  " كشف بروفيسور إسرائيلي خفايا المخطط القذر الذي تنفذه الولايات المتحدة الأمريكية وشريكتها روسيا وبالتعاون والتنسيق مع إيران في كلاً من سوريا والعراق، عبر تطبيق مشرع طائفي ممنهج يهدف إلى "اقتلاع السُنة" من المنطقة، وتوطين المكون الشيعي، وذلك في غفلة وتخاذل وعجز من العالم الإسلامي والعربي ".

علمت من صحفي عربي مطلع، أن الولايات المتحدة الأمريكية وبهدف تحويل منطقة الشرق الأوسط الملتهبة دون توقف، إلى منطقة آمنة وضمن مناطق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، من خللا خطة طويلة الأمد، بتحويل العرب السنة إلى أقلية تحت القمع والسيطرة، بتقديم الدول العربية : العراق، سوريا، لبنان، واليمن، للهيمنة الإيرانية، ولما كانت هذه أشبه بعملية جراحية معقدة للتاريخ والجغرافية، عليه ستغض الولايات المتحدة والغرب النظر عن الأساليب اللاإنسانية وجرائم الحرب من خلال إطلاق يد إيران وأذنابها، وبعض الفصائل الكردية، ولكل من هب ودب ليأكل مجاناً من المائدة السياسية والاقتصادية والديمغرافية. 

تم إنقاذ البحرين فقط من هذه القائمة، بناء على إصرار سعودي رضخت له الولايات المتحدة. والمدهش حتى إيران لم تعد تتكلم بحرف واحد عن إيران .. والأمر إشارة من المايسترو ... الشيطان الأكبر ...!

اعتراف امريكي بدعم الحوثي ففي أحدث وأخطر تصريح أمريكي اعترفت أمريكا رسميا بدعم الحوثيين في اليمن حيث صرح جنرال أمريكي رفيع المستوى لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أمريكا تدعم الحوثيين في اليمن لمحاربة الإرهاب الإسلامي وأن أمريكا هي من سلمت اليمن للحوثيين وهي من تدخلت لإنقاذهم وحالت دون سقوطهم بوضع الخطوط الحمراء حول صنعاء والحديدة وصعدة ومنعت الجيش اليمني من التقدم وفتحت ميناء الحديدة لدعم الحوثيين بمختلف أنواع الإسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وفي المقابل ساهمت في إفشال عمل الحكومة الشرعية وتفكيك الجيش اليمني ومنع تزويده بالأسلحة الثقيلة المتطورة !!! وحول شعار الحوثيين "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" قال الجنرال الأمريكي أن هذا مجرد شعار لا حقيقة في أرض الواقع ونحن نتواصل مع الحوثيين عبر القنوات الخلفية وهم شركاء وحلفاء لنا في محاربة الإرهاب الإسلامي وأشار الجنرال الأمريكي إلى وجود اتفاقية مع الحوثيين ، حيث نص أول بند من الاتفاقية، على تمكين الحوثي من اليمن مقابل قيامهم بضرب الإسلاميين في جزيرة العرب، كما نص البند الثاني على أن يقوم الطيران الأمريكي بدون طيار «الدرونز» بإسناد جوي لدعم الحوثيين، أما البند الثالث فينص على أن تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بدفع تكاليف الحرب ودفع رواتب المقاتلين الحوثيين ورعاية أسر القتلى الحوثيين وعلاج جرحاهم ، وذكر أن الحوثيين اشترطوا على أمريكا سرية هذا الاتفاق !!!

 

هذه أعلاه هي المعطيات الستة بشكل تجريدي، دون إضافات أو تعديلات. وإليك التحليل لها:

 

الملك الأردني هو الوحيد من صرح علناً عن هواجسه، وأغلب الظن أن العديد من الملوك والرؤساء العرب أحيطوا علما بالمشروع الأمريكي بعد احتلال العراق، ولكني أرجح أن روسيا تعلم بالخطة تفصيلاً وبوقت مبكر وكذلك بعض الزعماء الأوربيين.

الدول العربية التي أحيطت علماً، بعد الاحتلال هي من الدول المقربة للسياسة الأمريكية، ولكن طلب منها عدم إبداء الممانعة، أو تشجيع القوى العراقية المقاومة للمشروع، ونفذت هذه الدول كل ما طلب منها، وإن بغير حماس.

سربت جهات معينة بالمخطط إلى القيادة السورية، التي لم تجد أن بوسعها مقاومة المشروع أو عرقلته، ولكنها احتاطت بالاسراع بمغادرة المعسكر العربي، والالتحاق بإيران التي أوكل إليها تنفيذ الفصول الرئيسية (الأكثر قذارة) من المشروع بعد احتلال العراق.

الولايات المتحدة، وبتأييد متحمس أو متردد من بعض الأوربيين، ولكن بحماس من الإسرائيليين،  على تطبيق المخطط، والمشروع على الورق ينص بتحويل العرب السنة إلى أقلية، أو قوة تحت القمع الدموي بحسب ظروف كل بلد، فظروف العراق هي غير ظروف سوريا، وغير ظروف لبنان. كما أن سعار القتل عند الإيرانيين المبالغ به، ربما اعتبرته أميركا أكثر من المطلوب، ولكنها جوهريا لم تكن تمانع الهدف النهائي للتغيير. والمخاوف الأمريكية والإسرائيلية من أن ابتلاع دول لصالح إيران سيحولها بالإضافة للقدرات النووية، سيحولها إلى لاعب مهم في الشرق الأوسط، وقد تحاول الخروج عن نص الاتفاقات أو تحاول تحويرها، وهم (أطراف التحالف) سيحاولون إعادة (وليس أكثر) إيران إلى رشدها بالعقوبات والتهديد، فهدف المخطط هو إزالة خطر محتمل، وليس خلق قوى جديدة، تنظم للتحالفات الدولية التي في أفق الرؤية الاستراتيجية الأمريكية.

الولايات المتحدة تريد ذلك لأسباب مختلفة. هناك توجه يميني حاد في بعض الدوائر الأمريكية، وهناك قوى خفية (اليمين المتطرف) المعادي للإسلام والسود، والأجانب وترى فيهم الخطر المقبل على أميركا عبر عنها الكتاب: صمؤيل هينتغتون، وفرانسيس فوكوياما، وآخرون. وأميركا هي قاعدة للعمل الكنسي للبيوريتان (Puritanismus) وهم فئة بروتستانتية متطرفة.  ينتمي لها الرئيس بوش وديك شيني ورامسفيلد. وإضافة لذلك، الغرب كله يريد أن يتخلص من اليهود، بدليل ما يزالون حتى اليوم يضطهدونهم في أوربا، لذلك أتخذوا من فلسطين مكب نفايات ... وتخلصوا منهم، ثم مآرب أخرى صغيرة، وهي اتخاذهم من إسرائيل قاعدة عمل ونشاط آمن في منطقة تعج بالأعداء.

كل هذه المعطيات هي سياسية، والسياسة تعني السعي لتحقيق المصالح، وبالتالي فإن الأمور عرضة للتغير بتغير المصالح. هذه قاعدة سياسية عامة، وعلى القارئ / الباحث وضعها نصب عينيه لدى حل الإشكالات السياسية.

أتخذ صناع القرار قرارهم بالاعتماد على قواهم وتفوقهم السياسي والاقتصادي والعسكري، وبأستفرادهم لوحدهم بقيادة العالم، بأستخدام مفرط للقوة المسلحة، وهذه جميعها ليست قدرات نهائية، وهذه المعطيات خاضعة للتغيير ولا سيما السياسية.

الدول الأوربية الرئيسية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) ليست بدرجة واحدة من التأييد للخطة الأمريكية ولكنها ليست في موقف معارضته.

بتقديرنا : أن الولايات المتحدة سوف تتدخل فعلياً في حالة واحدة " إذا  داهم خطر حقيقي النظام الإيراني " ونقصد بالخطر هو عندما تتغير تركيبة النظام وليس هوية الحاكمين. فالوضع الإيراني بشكله الحالي ضرورة سياسية / استراتيجية أمريكية سواء بنظام الشاه أو الملالي، أو أي جهة أخرى لا تغير من خريطة إيران وطبيعة نظام الحكم وفق التوليفة الحالية. (الفرس / الشيعة يحكمون إيران). وبغير هذا النظام فستكون هناك قوى كبيرة وستنشأ خارطة ليست وفق المصالح الامريكية، على الأقل من الآن وحتى أمد قصير .. ربما قصير جداً .!. وسوف تتعامل معها الولايات المتحدة واقعياً، أما البشر ومصائرهم فهذا آخر ما تفكر به الولايات المتحدة .. حتى لبضع ثوان ...

الأمريكيون قبل عقدين وأكثر، لم يكونوا ليعتقدوا أنهم سيفقدون القدرة على السيطرة على الشرق الأوسط، وحين بدأت ملامح المقبل تلوح لهم، اعتقدوا أن مراكزهم الرئيسية في الشرق الأوسط : إسرائيل ــ إيران تكون. الضامن القوي للمصالح الغربية.

 

ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، ومبكراً، وإدارة جوقة موسيقية ضخمة تنطوي دائماً أن يكون أحد العازفين أقل مقدرة من زملاؤه، فالمعطيات في العالم وفي الشرق الأوسط بدأت تمنح مؤشرات جديدة للمخططين الأمريكيين ومن تلك :

ـــ السجال الاستراتيجي الحاد مع التحالف الصيني / الروسي وتراجع مستوى الأداء الأمريكي، والهيمنة الأمريكية.

ـــ خروج تركيا من دائرة القوى المضمونة.

ـــ لم تنجح إيران في أن تكون قوة سياسية واقتصادية وعسكرية مؤثرة، وواصلت أسلوبها (الإرهاب والتخريب) وأعتمادها المفرط على سياسة صانع المشاكل  (Troublemaker).

ـــ لم تنجح الولايات المتحدة في تكتيل مجموعة دول حليفة في الشرق الأوسط بسبب إصرارها على جمع المتناقضات، وفشلت عسكرياً في أفغانستان، وفشلت بسبب تراجع قوتها الاقتصادية، ووجود حالة عداء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.

ـــ فشل إسرائيل في أن تكون قوة قادرة على بسط السيطرة، بسبب تنامي القوى المحلية (مصر/ السعودية / فلسطين). برغم الحشد الهائل الغير مسبوق تاريخياً، فشل الجهد الأمريكي وحلفاءه، بسبب لا تريد الولايات المتحدة الاعتراف به. لأن الحليف الأول (إسرائيل) قوة توسع فاشلة فشل سياسيا وعسكرياً في تحقيق مشروعه، لأنها كوكتيل دولة غريبة / شرقية، ولا تمتلك قدرات التوسع، وفشل الحليف الثاني الرئيسي (إيران)  لم تنجح في مشروعها الغيبي الغبي في التوسع وأفتقارها التام للقدرات السياسية والاقتصادية والثقافية.

ربما أدركت الولايات المتحدة، أو أنها في سبيلها للإدراك أن:

 

" حسابات الحقل لا تنطبق على حسابات البيدر "

 

 

   

أسود الرافدين

 

ضرغام الدباغ

 

  

استناداً إلى الكثير جداً من المصادر الدقيقة، أن الأسد كان موجودا في العراق حتى بعد 1920، وقد قرأت في مصادري عن تاريخ العراق القريب، أن الجنود الإنكليز قد شاهدوا الأسد خلال حملة احتلالهم للعراق، وبالتحديد بالقرب من مدينة الناصرية،  ويروي سكان منطقة الفرات الأوسط والجنوب، قصصاً وحكايات عن الأسد، ويطلق عليه تسمية " أبو خميس " وبنقل عنه أنه الأسد يحترم المرأة ولا يهاجمها. ويحكى أن الأسد شاهد إمرأة تسبح في نهر الفرات فأحترم عريها وغض بصره وأنصرف.

 والأسد في عالم الحيوان يعتبر ملك الغابة " ملك الحيوانات "، وهذا متعارف علية في الأدب العالمي وفي شتى المجتمعات. ومن المؤكد أن هذا لا يحدث دون أسباباً منطقية، متفق عليها. فالأسد في عالم الحيوان له شخصية مهابة بسبب قوته العضلية وليس بسبب شراسته. والأسد يعيش في مجاميع أسرية، ومن المعروف عن الأسد أنه لا يخرج لصيد حيوانات ضعيفة وسهلة، بل يدع الإناث تقوم بهذا العمل، ولكنه ينهض لقتال الحيوانات الشرسة الصعبة، كالجاموس والنمر. والأسد يأكل طعامه من الغنيمة ولا يشاركه أحد، وبعد الفراغ من طعامه ينسحب لتأتي الإناث والأشبال .والأسد لا يصطاد إلا حين يكون جائعاً ... ولا يأكل من الجيف. وهو ليس بقاتل أو مغتصب، إذن للأسد أخلاق الفرسان.

     قرأت مرة  أن البشر لهم طباع الحيوانات التي تعيش في جوارهم أو مألوفة في مجتمعاتهم. والبشر أذكى من الحيوانات قطعاً، لذلك يربى الكلاب لمزاياها في الشجاعة والوفاء، والبشر يحذرون من العقارب ويطلقون عليها بالخبث، فيما البشر يعلمون أن الأفعى لا تتحرش بالبشر إلا إذا لقت منها الأذى ,,.!

 إذا كانت أخلاق الحيوانات تشابه مع أخلاقَ الإنسان، مشابهةً وثيقة في بعض الأحيان مع اختلاف قابلياتهما العقلية كثيرًا، فالإنسان، وإن كان يختلف عن الحيوانات اختلافًا عظيمًا في ميدان العقل،  يَقْرُب منها في ميدان العاطفة والحياة.

 يشاهد المتتبع ويقرأ الكثير في مصادر تاريخ العراق، أو تلك الأخبار التي ترد في مذكرات الشخصيات العراقية والأجنبية، وحتى في صور وتماثيل وجداريات في المتاحف الوطنية أو الأجنبية، ما يفيد أن الأسود كانت منتشرة بصورة كثيفة في العراق من شماله حتى جنوبه. فلدينا تماثيل كثيرة وجداريات تدل على وجود الأسود في شمال العراق في مناطق عاصمة الآشوريين، وكذلك في مناطق وسط العراق والجنوب حتى الناصرية وربما البصرة، في حين لم نسمع بوجود الأسود في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

 في عام 1957، كان والدي يشغل منصب مدير شرطة لواء الموصل، وقد صادف أصدقاء للوالد نمراً مرقطاً بالغاً كبير الحجم في الجبال القريبة من منطقة قضاء عقرة. وقام الوالد بتكليف بعض المختصين بتحنيطه وتعبئته بالتبن وربما أقمشة، وأتقنوا صنعه، ثم جيء بنمر آخر صغير الحجم، ولكن لم يحسنوا تحنيطه كالأول فتلف خلال بضعة سنين . ثم أن ضابطاً صديقا لي أخبرني أنه شاهد بنفسه نمراً مرقطاً خلال عمله في منطقة دربندخان / محافظة السليمانية في أعوام السبعينات.

 الأمر يكتسب بعض الغرابة حين نلاحظ أن الأسود لم تكن معروفة في البلاد العربية، شبه الجزيرة، وسورية الكبرى، وحتى تركبا. النمور بأنواعها من القط الوحشي إلى الفهد، إلى النمر المرقط كانت متوفرة حتى في شبه الجزيرة العربية وجبال عمان، والعراق وإيران وربما تركيا.

 وعدا اللوحات الكثيرة، والجداريات، فهناك الأخبار الموثوقة والمصورة المعاصرة. شاهدت مرة لوحة لأحد ولاة بغداد يصطاد أسداً في ضواحي مدينة بغداد وكانت عاصمة ولاية العراق.

 فقد قرأت في مذكرات الضابط والشخصية السياسية العراقية، اللواء الركن إبراهيم الراوي،  أنه كان مرة في سفرة من بغداد لأسطنبول حيث الكلية العسكرية التي التحق إليها والمسير بقوافل من بغداد إلى الفلوجة بمحاذاة نهر الفرات عبر سورية إلى تركيا، يقول خرجنا من بغداد صباحاً وقبيل الظهر وصلنا إلى منطقة عكركوف، ويبدو أنها كانت تبعد عن بغداد التي كانت تنتهي في ضاحيتها علاوي الحلة ... يقول في عكركوف توقفت القافلة وسمعنا  صياحاً وهرجا ومرجاً، ونظرنا فإذا بأسدين من الذكور على درجة كبيرة من ضخامة الجثة  يتقاتلان بشراسة .. وتوقفت القافلة وأستعد حراسها ورجالها للموقف، إلا أن القتال بين الأسدين انتهى وواصلت القافلة سيرها إلى سوريا ثم إلى اسطنبول.

 

 

 

بواية عشتار الأصلية في متحف بيرغامون ببرلين / ألمانيا)

 ويستمتع زوار متحف برلين بمشاهد النسخة الأصلية لبوابة عشتار الشارع (شارع الموكب) الذي تنتشر على جانبية جداريات الأسود، في متحف بيرغامون (Pergamon) وإلى جانب المنظر المهيب للشارع الموكب والإنجازية الرائعة للجداريات، يتساءل زوار المتحف، كيف حافظت هذه اللوحات على ألوانها وأصباغها بعد ألاف السنين ... (5 ـ 6 ألاف سنة). وفي هذه عبقرية أخرى للفنان العراقي.

   

(الصورة: أحد الولاة العثمانيين يصطاد اسداً بالقرب من بغداد)

  

ثمة تمثال مبهر لملك آشوري يربي شبلاً، والتمثال يتصدر مدخل جامعة أمريكيو وأعتقد أنها جامعة شيكاغو ... والتمثال رائع ويزخر بالمعاني وما ترمز إليه. والملك الآشوري يمسك بيده اليسرى الأسد، وبيده اليمنى بالكتاب .. وهو دليل نحن نمتلك القوة، ولكن مع الحكمة ...! فيا لها من عبرة بليغة.

  

   

الصورة: مدخل جامعة أمريكية: ملك أشوري بيده شبل أسد

 

   

وثمة جدارية أخرى موجودة في متحف لندن، ذات قيمة فنية عالية، تمثل ملكا آشوريا يصطاد الأسد باستخدام السهام، ولاحظ العربة القتالية ودواليبها.

 نصل إلى العبرة من هذا العرض، هو أن الأسد لعب دورا في حياة العراقيين، فهم كانوا يصطادونه، ويتشبهون بقوته العضلية، ويتغلبون عليه، وهذا كان مبعث فخرهم

 يحكى أن الخليفة العباسي المعتصم (ولد سنة 179 هجري وتوفي بمدينة سامراء في 18 من ربيع الأول سنة 227 هجرية.4  من فبراير سنة 842 ميلادي)  وهو أبن الخليفة الرشيد، تولى الخلافة بعد أخوه المأمون، كان شجاعاً قوياً يربي في بستان بيته الأسود، وذات يوم افلت أسد من قفصه، وهاجم الخليفة، فكان له حارس شجاع، وجه ضربة هائلة لرأس الأسد جعلته يخر على الأرض مغشيا عليه .. فما كان من الخليفة إلا وأن قرب هذا الضابط الشجاع.

  

 

   

(الصورة: ملك آشوري يصطاد الأسود، جارية في متحف لندن)

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

ضرغام الدباغ

التجديد .... احذروا الألغام ..!

 

ضرغام الدباغ

 

هناك أنواع عديدة من الألغام تستخدم ضد أهداف مختلفة وفي ظروف وأغراض مختلفة، فهناك الألغام ضد الأفراد، والألغام ذد الآليات، والألغام المضادة للدروع بأنواعها وأحجامها المختلفة، وهناك لغم له أسم طريف " مصائد المغفلين " وهذه يطيب لي أن أستخدمها في السياسة بناء على وظيفتها وليست تسميتها فحسب.

 

مصائد المغفلين هي عبارة عن ألغام صغيرة، وقد تكون صغيرة جداً، ولكنها شديدة الفاعلية. تزرع هذه الألغام " مصائد المغفلين " في أماكن لا تخطر على البال، يتعثر بها قليلوا الحذر كأن توضع في ظرف رسالة لا تثير الشبهات ....! فتقل من يحاول فتح الرسالة، أو تبتر أصابعه على الأقل جزاء عدم حذره...! أو خلف لوحة زيتية رائعة يتغافل من يريد أن يستولي عليها وينتزعها من مكانها على الجار فتنفجر وتودي بحياته. فالمغفلين يقتلون أو تبتر أجزاء مهمة منهم فيصبحون مقعدين يلازمون بيوتهم يتفرجون على التلفاز وعلى المسلسلات الدرامية وما أكثرها ...!

 

خلص ... انتهيت من التلميح ولننتقل للتصريح ..! ليست هناك عبارة، امتهنت، وأهينت حاول مستخدموها أن يغلفوها بما لا تحتمل كمصطلح أو عبارة " التجديد " فيضعون عليها كميات كبيرة من أصباغ وألوان التجميل لتبدو على ما غير عليه في الواقع ترويجاً لسلعة خربانة، تعبانة ... أو حتى مشبوهة .. وأحيانا لكي تنسجم مع منطوق المصطلح " تجديد " للسلعة التعبانة المنتهية الصلاحية (expired) وتكثر الاصباغ طرديا مع وعي الجمهور المتلقي، فيتقلب الأمر إلى مهزلة حقيقية. والمهزلة الأكبر حين يتولى الأمر " التصبيغ والتجميل .... التجديد " أناس لا قبل لهم ولا قدرة، فيصبح حالهم ككلمات الأغنية " لا تلعب بالنار تحرق اصابيعك " .

 

وإذا أسأنا الظن والعياذ بالله ولسنا ممن يسيئون الظنون بسرعة، نقول أن المجددين غير مؤهلين لهذا الدور، فهم كمبتدأ في الرقص، ويتنطح لرقص الفالس ... والجمهور المشاهد الأذكياء يكتشف بسرعة أنهم هواة في الرقص .. وفي حالتنا هواة في الرقص على الكلمات فيأتي التلفيق بدائيا ساذجاً وتلاعب وتحايل (Minipulation) بالكلمات، وقصة التجديد هذه مفضوحة المرامي والأهداف، فكل من يريد أن يدس لنا لغماً يهتف بلوعة " التجديد ... التجديد .." لماذا ... لأن التجديد ينطوي على أن يحاول أن يغير ما عجزت أسلحته فعله .. لهؤلاء نقول كلمة واحدة : " قولوا لنا إن كنتم تقدرون .. تجديد ماذا ..؟ " فهم إما لا يعلمون ماذا يقولون وهو الأرجح، ولكنها كلمة / لغم / قنبلة دخان لإعماء الأبصار نجزم أنهم لا يعلمون ماذا يعني التجديد، أو لا يجرأون على قوله، فمخرج الحفلة  أغبى منهم، ولم يخبرهم بتفاصيل الدور .. وهم مروجون لسلعة فاسدة، ضحى بهم المخرج  بسهولة ...

 

أسفا ً ... على المروجين ... وأسفي على من أبتلع الطعم

هكذا تحدث شولتس

 

ضرغام الدباغ

 

قرأت خطابا للمستشار الألماني أولاف شولتس، أقل ما يقال فيه، أنه خطاب لقائد يشعر بالمسؤولية في كل نصف حرف يتلفظه ..!.. ألمانيا في قلب الأزمة، وفي عين التيارات المختلفة، بين متطرف مع، ومتطرف ضد، وعلى القائد المحنك أن لا يكون مع ولا يكون ضد، هو عليه أن يصيخ السمع جيداً .. ينصت لدقات قلب شعبه، لا يكون شعبويا يبحث عن التصفيق، ولا من يقول له    والله إنك لشجاع، هو لا يريد أن يضع ألمانيا في موضع الخطر، فليكن صدره واسعاً يحتمل الدق والرفس ... أفعلوا ما تشاؤون، قولوا ما تريدون ، لن أعرض ألماني للخطر، لن أضحي بحياة مواطن واحد، لن أهدر مالا جمعه مواطنون بلادي بعرقهم .. بدمهم ودمائهم ودموعهم ... المكانة الاقتصادية التي عليها ألمانيا نتيجة جهد غير أعتيادي، يسهرون الليالي ويكدون في النهارات المثلجة، لكي يزدهر هذا البلد، ويأتي شخص يبحث عن أفاقا وردية كالاحلام ...

 الأحلام لست مهنتي، أنا أشاهد بدقة الأهوال مقبلة، الأفق يصطبغ بالدماء، وشباب بعمر الزهور يقتلون شر قتلة ... يجب أن أتأكد أن كل ألماني حين يضحي بيورو واحد، أنه يضعه في المكان المناسب، البشر ليسوا مشاريع قتل .. ومت يزج بلاده في المخاطر عليه أن يبحث عن المخارج.

 

للأسف الحياة وهذا العصر حاد بحقائقه الجارحة، حين يطلب مني أن أقذف ببلادي في أتون النار، يجب أن أفكر ملياً، أنا أقسمت بالاخلاص والولاء وخدمة الوطن وليس التبرع به ... والمواطنون ينتظرون مني أن أقودهم في حلكة الظلمة إلى حيث الأمان، وليس في مجاهل المجازفات ...

 

هذه مقتطفات من حديث المستشار الألماني أولاف شولتس ...

 

ــ في ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية  "نحن لا ننفّذ كل يُطلب منا"، مضيفا "لأني أقسمت عندما توليت المنصب على عدم إلحاق الضرر بالشعب الألماني".

 

ــ برلين التي تنتقد نهجها السلطات الأوكرانية، تتعرض كذلك لانتقادات على خلفية رفضها فرض حظر على الغاز الروسي لاعتمادها الكبير عليه. وتبرر برلين موقفها بأن حظرا من هذا النوع من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على اقتصاد البلاد.

 

ــ "خرجنا بدرس محوري من التاريخ الكارثي لبلادنا في الفترة بين 1933 و1945، وهو لا لتكرار الحرب أبدا لا لتكرار الإبادة الجماعية أبدا لا لتكرار الحكم المتسلط أبدا".

 

سيادة المستشار الألماني أولاف شولتس ............. تحية أجلال وتقدير لكم، شعبكم يحترمكم ..

 

 

ملفات عراقية

 

مفتوحة أمام العدالة الدولية

 

د. ضرغام الدباغ

 

بوصفي مؤرخاً مجازاً، أؤكد أن لا قضية / ملف عومل بغير عدالة وبجور منقطع النظير كالملفات التابعة المتفرعة من الملف العراقي الذي جرى التعامل  فيه منذ 1990 وحتى قبل أشهر (فبراير / 2022) أي نحو 32 عاماً.

 

وقد سبق لي وان وضعت كتاباً نشر  بعنوان " معاهدات جائرة " شرحنا فيه تأريخ أشهر 12 معاهدة ظالمة، لم تكن العدالة نبراس من عمل فيها وساهم وأقرها، بل كان التنكيل هو هدف مشرعوا وواضعوا المعاهدات بصرف النظر عن العناوين التي تمترسوا وراءها، والديباجات البراقة التي تصدرت المعاهدات، ولكنها في واقع الحال كانت تنكيلاً بالغ الأذى، وانتقاما سياسيا مثل موقفا ر يتسم بالنزاهة، ما كان يجب أن تنزلق إلية القوى التي ساهمت بهذه المعاهدات وفي مقدمتها وضع أسم وشعار المنظمة الدولية زورا وبهتاناً وأففتئاثاً على العدل والقانون والحقيقة.

 

وما أكدناه في مؤلفنا لم يكن يهدف بالدرجة الأولى تحليل المعاهدات  الأكثر جورا في التاريخ، بقدر ما نهدف إلى تأكيد جوهر المعاهدات وما سئول إليه في مجرى التاريخ. والمعاهدات الأكثر جورا بتقديرنا هي :

 

معاهدة فرساي.

صلح بريست.

معاهدة سيفر (1920)

معاهدة لوزان. (1923)

 اتفاقية سايكس بيكو.

 الانتداب البريطاني على العراق 1921.

معاهدة بوتسدام 1945.

 المعاهدات الجائرة بحق الصين

معاهدة كامب ديفيد.

10. أتفاق أوسلو.

11. تقرير دويلفر حول الأسلحة العراقية.

12     . الانتداب الأمريكي على العراق.

 

فالملاحظ أن معظم هذه المعاهدات كانت سبباً مباشراً لصراعات وحروب لاحقة، كمعاهدة فرساي التي وضعت خاتمة جائرة للحرب العالمية الثانية، وكانت السبب المباشر للحرب العالمية الثانية. وصلح بريست ألإرغامي، حين أرغم الاتحاد السوفيتي عن التنازل عن مقاطعات كبيرة ظلما، كانت سببا في المطالبة السوفيتية بإعادة الحق لنصابه. واتفاقية سيفر (10 / آب / 1920)، الظالمة بحق الأتراك التي قادت لحرب التحرير وبتصحيح الموقف في معاهدة لوزان (تموز / 1923)، والتي تضمنت الكثير من الفقرات الظالمة بحق تركيا، والتي هي اليوم مثار صراع سياسي يمكن أن يتطور لصراع عسكري، لتضمنه فقرات مخالفة للقانون الدولي في تحديد المياه الإقليمية. وهذه وضعت لأهداف سياسية لا علاقة لها بالحق والقانون والعدالة.

 

وبدن الخوض في تفاصيل  كثيرة، فالمعاهدات الأخرى كانت تمثل إرادة المنتصرين السياسية وليس الاستناد للحق والمنطق وقوة التاريخ والجغرافيا، ولهذا جاءت جميع المعاهدات والاتفاقيات تمثل الرغبة بالتنكيل والمبالغ به بحق خصوم سياسيين . وخدمة أهداف واستراتيجيات لدول عظمى بعيدة عن المنطقة، ولكنها " تحاول " أن تضمن سيطرتها ومصالحها على التطورات السياسية والاقتصادية لأطول حقبة ممكنة. 

 

واليوم أضيف لتلك الملفات إحدى الملفات العراقية التي بولغ من خلالها الانتقام من العراق ومحاولة إيذاؤه قدر الإمكان وباقصى ما يمكن حتى بأستخدام الغش والتدليس المفضوحين، والتي يمكن مقاضاتها أمام أسوء المحاكم .. ولكن هذا يصعب تحقيقه اليوم، لأن القوى القابضة على العدالة هي من تهين العدالة وتجعله سخرية للزمان، ولكن هذا لا يمكن أن يطول ويتواصل للأبد ... فليس من الضروري أن يبقى القوي قويا غلى الأبد، وأن أن يبقى الضعيف ضعيفا للأبد، والشعوب ستذهب منها سكرة الغضب والرغبة بالانتقام، وستحل محلها التفكير والتأمل في مآل الأحداث والبقاء في قفص الاتهام ودائر العار عذاب ما بعده عذاب يطال الأفراد والجماعات والمجتمعات.

 

ملف التعويضات الذي حدد تاريخ (22/ شباط / 2022) لإنهاء العمل فيه، هو أحد الملفات البالغة الظلم والجور التي فرضت على العراق تعسفاً وإرغاماً، وهو فرع من فروع الملفات العراقية الكثيرة (منها أعمال المفتشين/ الجواسيس) الذين عملوا تحت علم المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) للأسف عاثوا فساداً وتخريبا وتدميرا في العراق بأساليب يرفضها أكثر اللصوص أنحطاطاً،  منها مثلاً تدمير أثاث وسيارات لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل، ولكن هؤلاء المفتشون / الجواسيس اشتغلوا وفق نظرية فليخسر العراق ولو 100 دور إضافية، بهذه الدرجة من الحقد والحقارة كانوا يمثلون العدالة المنتهكة على ايديهم.

 

وبطيه تقرير موجز سريع عن أعمال التعويضات، أدعو المنظمات وجمعيات حقوق الإنسان والدوائر القضائية الاحتفاظ بها، فسيأتي يوم لا محال تثار فيه هذه الخروق للإنسانية والقانون والعدل.

 

هذه اللجنة المسماة لجنة التعويضات كانت تتلاعب بأموال العراق.... حددت 22 02 2022 موعداً لحل لجنة تعويضات العراق للكويت استمر عمل اللجنة 30 سنة. ثلاثة عقود من النهب المتواصل دون هوادة.

في عام 2001، قام صحافي نزيه  ألان غريش Alain Gresh فرنسي (من أصل يهودي مصري)، مدير تحرير صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الرصينة بتحقيق معمق عن تلك اللجنة، نشره في الصحيفة على صفحتين كاملتين. أبرزَ التحقيق نذالة اللجنة وتحيزها وتعمدها هدر أموال الشعب العراقي. جاء فيه:

أعضاء اللجنة كافة من 5 بلدان ناطقة بالإنكليزية: أغلبهم أميركان ومعهم إنكليز، أستراليون، نيوزلنديون وكنديون. عضوية اللجنة ممنوعة على الآخرين.

مصاريف اللجنة في حد ذاتها 500 مليون دولار سنوياً، تستقطع من بترول العراق. أعضاؤها يلهون ويمرحون ويستأجرون "شاليهات" في سويسرا للتزلج على الثلج على حساب الشعب العراقي (مقر اللجنة في جنيف). هذا فضلاً عن رواتبهم الباهظة. وعملهم أشبه بإجازة 5 نجوم مجانية.

السفير الكويتي ومساعدوه دائمو الحضور في مقر اللجنة، يطلعون على الملفات أولاً بأول ويمررون شكاوى بالواسطة، ويعترضون في حال عدم رضاهم عن ملف ما، فتستجيب اللجنة لمطالبهم.

في المقابل، غير مسموح بتاتاً للجانب العراقي الاطلاع على الملفات. يحيلون التقرير السنوي إليه قبل 3 أيام من المصادقة، وهو يضم آلاف الصفحات بالإنكليزي، بحيث يستحيل تحليلها في 72 ساعة. وحتى عند تقديم أي اعتراض أو طلب تصحيح، يجرى رفضهما تلقائياً.

اللجنة تغدق العطاء لأي طلب تعويض كويتي أو لشركة أجنبية عملت في الكويت.

المثال الأكثر "سوريالية": صاحب بقالة كويتي طلب 600 ألف دولار تعويضاً لهبوط مبيعاته خلال 6 أشهر من الاحتلال. فتمّ تعويضه.

الأنكى: قدم الطلب مرتين، مرة باسمه ومرة باسم ابنه. فتم تعويضه مجدداً. أي ما مجموعه مليون و200 ألف دولار! أي صاحب بقالة يربح 200 ألف دولار بالشهر؟

مثال آخر: شركة تنقيب أميركية متواضعة جداً طلبت 24 مليون تعويضاً عن تأخر عملها 6 أشهر. تمت الموافقة على 22 مليوناً. أكد ألان غريش، بعد التحقق، أن ذلك المبلغ يعادل ما لا يقل عن 4 سنوات عمل شاق للشركة في الظروف الاعتيادية.

 

إنها ورقة يانصيب رابحة للكثيرين... عدا عن العراقيين. واستمرت تدر الأرباح طوال 30 عاماً. ولكن لكل نهب نهاية ... ولكل مصيبة خاتمة ... وعبر الحياة تقول لا يهنأ أمرء  بما نال حراماً

 

 

 

 

المركز العربي الألماني برلين

 

المراسلات :

 

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

ملفات عراقية

 

مفتوحة أمام العدالة الدولية

 

د. ضرغام الدباغ

 

بوصفي مؤرخاً مجازاً، أؤكد أن لا قضية / ملف عومل بغير عدالة وبجور منقطع النظير كالملفات التابعة المتفرعة من الملف العراقي الذي جرى التعامل  فيه منذ 1990 وحتى قبل أشهر (فبراير / 2022) أي نحو 32 عاماً.

 

وقد سبق لي وان وضعت كتاباً نشر  بعنوان " معاهدات جائرة " شرحنا فيه تأريخ أشهر 12 معاهدة ظالمة، لم تكن العدالة نبراس من عمل فيها وساهم وأقرها، بل كان التنكيل هو هدف مشرعوا وواضعوا المعاهدات بصرف النظر عن العناوين التي تمترسوا وراءها، والديباجات البراقة التي تصدرت المعاهدات، ولكنها في واقع الحال كانت تنكيلاً بالغ الأذى، وانتقاما سياسيا مثل موقفا ر يتسم بالنزاهة، ما كان يجب أن تنزلق إلية القوى التي ساهمت بهذه المعاهدات وفي مقدمتها وضع أسم وشعار المنظمة الدولية زورا وبهتاناً وأففتئاثاً على العدل والقانون والحقيقة.

 

وما أكدناه في مؤلفنا لم يكن يهدف بالدرجة الأولى تحليل المعاهدات  الأكثر جورا في التاريخ، بقدر ما نهدف إلى تأكيد جوهر المعاهدات وما سئول إليه في مجرى التاريخ. والمعاهدات الأكثر جورا بتقديرنا هي :

 

معاهدة فرساي.

صلح بريست.

معاهدة سيفر (1920)

معاهدة لوزان. (1923)

 اتفاقية سايكس بيكو.

 الانتداب البريطاني على العراق 1921.

معاهدة بوتسدام 1945.

 المعاهدات الجائرة بحق الصين

معاهدة كامب ديفيد.

10. أتفاق أوسلو.

11. تقرير دويلفر حول الأسلحة العراقية.

12     . الانتداب الأمريكي على العراق.

 

فالملاحظ أن معظم هذه المعاهدات كانت سبباً مباشراً لصراعات وحروب لاحقة، كمعاهدة فرساي التي وضعت خاتمة جائرة للحرب العالمية الثانية، وكانت السبب المباشر للحرب العالمية الثانية. وصلح بريست ألإرغامي، حين أرغم الاتحاد السوفيتي عن التنازل عن مقاطعات كبيرة ظلما، كانت سببا في المطالبة السوفيتية بإعادة الحق لنصابه. واتفاقية سيفر (10 / آب / 1920)، الظالمة بحق الأتراك التي قادت لحرب التحرير وبتصحيح الموقف في معاهدة لوزان (تموز / 1923)، والتي تضمنت الكثير من الفقرات الظالمة بحق تركيا، والتي هي اليوم مثار صراع سياسي يمكن أن يتطور لصراع عسكري، لتضمنه فقرات مخالفة للقانون الدولي في تحديد المياه الإقليمية. وهذه وضعت لأهداف سياسية لا علاقة لها بالحق والقانون والعدالة.

 

وبدن الخوض في تفاصيل  كثيرة، فالمعاهدات الأخرى كانت تمثل إرادة المنتصرين السياسية وليس الاستناد للحق والمنطق وقوة التاريخ والجغرافيا، ولهذا جاءت جميع المعاهدات والاتفاقيات تمثل الرغبة بالتنكيل والمبالغ به بحق خصوم سياسيين . وخدمة أهداف واستراتيجيات لدول عظمى بعيدة عن المنطقة، ولكنها " تحاول " أن تضمن سيطرتها ومصالحها على التطورات السياسية والاقتصادية لأطول حقبة ممكنة. 

 

واليوم أضيف لتلك الملفات إحدى الملفات العراقية التي بولغ من خلالها الانتقام من العراق ومحاولة إيذاؤه قدر الإمكان وباقصى ما يمكن حتى بأستخدام الغش والتدليس المفضوحين، والتي يمكن مقاضاتها أمام أسوء المحاكم .. ولكن هذا يصعب تحقيقه اليوم، لأن القوى القابضة على العدالة هي من تهين العدالة وتجعله سخرية للزمان، ولكن هذا لا يمكن أن يطول ويتواصل للأبد ... فليس من الضروري أن يبقى القوي قويا غلى الأبد، وأن أن يبقى الضعيف ضعيفا للأبد، والشعوب ستذهب منها سكرة الغضب والرغبة بالانتقام، وستحل محلها التفكير والتأمل في مآل الأحداث والبقاء في قفص الاتهام ودائر العار عذاب ما بعده عذاب يطال الأفراد والجماعات والمجتمعات.

 

ملف التعويضات الذي حدد تاريخ (22/ شباط / 2022) لإنهاء العمل فيه، هو أحد الملفات البالغة الظلم والجور التي فرضت على العراق تعسفاً وإرغاماً، وهو فرع من فروع الملفات العراقية الكثيرة (منها أعمال المفتشين/ الجواسيس) الذين عملوا تحت علم المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) للأسف عاثوا فساداً وتخريبا وتدميرا في العراق بأساليب يرفضها أكثر اللصوص أنحطاطاً،  منها مثلاً تدمير أثاث وسيارات لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل، ولكن هؤلاء المفتشون / الجواسيس اشتغلوا وفق نظرية فليخسر العراق ولو 100 دور إضافية، بهذه الدرجة من الحقد والحقارة كانوا يمثلون العدالة المنتهكة على ايديهم.

 

وبطيه تقرير موجز سريع عن أعمال التعويضات، أدعو المنظمات وجمعيات حقوق الإنسان والدوائر القضائية الاحتفاظ بها، فسيأتي يوم لا محال تثار فيه هذه الخروق للإنسانية والقانون والعدل.

 

هذه اللجنة المسماة لجنة التعويضات كانت تتلاعب بأموال العراق.... حددت 22 02 2022 موعداً لحل لجنة تعويضات العراق للكويت استمر عمل اللجنة 30 سنة. ثلاثة عقود من النهب المتواصل دون هوادة.

في عام 2001، قام صحافي نزيه  ألان غريش Alain Gresh فرنسي (من أصل يهودي مصري)، مدير تحرير صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الرصينة بتحقيق معمق عن تلك اللجنة، نشره في الصحيفة على صفحتين كاملتين. أبرزَ التحقيق نذالة اللجنة وتحيزها وتعمدها هدر أموال الشعب العراقي. جاء فيه:

أعضاء اللجنة كافة من 5 بلدان ناطقة بالإنكليزية: أغلبهم أميركان ومعهم إنكليز، أستراليون، نيوزلنديون وكنديون. عضوية اللجنة ممنوعة على الآخرين.

مصاريف اللجنة في حد ذاتها 500 مليون دولار سنوياً، تستقطع من بترول العراق. أعضاؤها يلهون ويمرحون ويستأجرون "شاليهات" في سويسرا للتزلج على الثلج على حساب الشعب العراقي (مقر اللجنة في جنيف). هذا فضلاً عن رواتبهم الباهظة. وعملهم أشبه بإجازة 5 نجوم مجانية.

السفير الكويتي ومساعدوه دائمو الحضور في مقر اللجنة، يطلعون على الملفات أولاً بأول ويمررون شكاوى بالواسطة، ويعترضون في حال عدم رضاهم عن ملف ما، فتستجيب اللجنة لمطالبهم.

في المقابل، غير مسموح بتاتاً للجانب العراقي الاطلاع على الملفات. يحيلون التقرير السنوي إليه قبل 3 أيام من المصادقة، وهو يضم آلاف الصفحات بالإنكليزي، بحيث يستحيل تحليلها في 72 ساعة. وحتى عند تقديم أي اعتراض أو طلب تصحيح، يجرى رفضهما تلقائياً.

اللجنة تغدق العطاء لأي طلب تعويض كويتي أو لشركة أجنبية عملت في الكويت.

المثال الأكثر "سوريالية": صاحب بقالة كويتي طلب 600 ألف دولار تعويضاً لهبوط مبيعاته خلال 6 أشهر من الاحتلال. فتمّ تعويضه.

الأنكى: قدم الطلب مرتين، مرة باسمه ومرة باسم ابنه. فتم تعويضه مجدداً. أي ما مجموعه مليون و200 ألف دولار! أي صاحب بقالة يربح 200 ألف دولار بالشهر؟

مثال آخر: شركة تنقيب أميركية متواضعة جداً طلبت 24 مليون تعويضاً عن تأخر عملها 6 أشهر. تمت الموافقة على 22 مليوناً. أكد ألان غريش، بعد التحقق، أن ذلك المبلغ يعادل ما لا يقل عن 4 سنوات عمل شاق للشركة في الظروف الاعتيادية.

 

إنها ورقة يانصيب رابحة للكثيرين... عدا عن العراقيين. واستمرت تدر الأرباح طوال 30 عاماً. ولكن لكل نهب نهاية ... ولكل مصيبة خاتمة ... وعبر الحياة تقول لا يهنأ أمرء  بما نال حراماً

 

 

 

 

المركز العربي الألماني برلين

 

المراسلات :

 

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

الحرب السرية

  

د. ضرغام الدباغ

 

الحروب السرية

1

ضرغام الدباغ

 

الحرب عمل سياسي، بل مرحلة من مراحل تطور ملف سياسي معين، وهذه التسمية (الحروب السرية) التي بوسعي أن أقدم لها وأصفها وأثبت صدق وصحة أطروحتي، هي حروب تدور حين تهدف الدولة المحاربة إخفاء غاياتها الحقيقية، ربما لدناءتها، أو همجيتها، أو ربما لمقتضيات سياسية، وأهداف سرية، الإعلان عنها ينطوي على الضرر أكثر من الفائدة. وكنا قد تعرفنا على أصناف من الحروب، والقوى التي تدعي أنها مسالمة إنما تقيم التحالفات السرية والعلنية، وتعقد المعاهدات، وتبقى طي الكتمان في الخزائن الحديدية، كمعاهدة كامبل ــ  لندن/ 1905 ، أو معاهدة سايكس بيكو / 1919.

 

الحروب السرية  (Secret Wars) : هناك الحروب السرية، وهي خطط تفصيلية تضعها دولة ما تستهدف كياناً سياسياً، لإلحاق الضرر أو التدمير الشامل، ولكن دون إعلان حرب. لأغراض تكتيكية، وتتولي الأجهزة الاستخبارية تنفيذ مهام الحرب السرية، وتتولى تلفيق وترتيب اتهامات بحق الدول والأفراد المسؤولين، التحقق منها سيتطلب وقتاً طويلاً، ترزح فيه الدول المستهدفة في حقل الاتهام، وضغط سياسي وإعلامي واقتصادي تتكبد فيه خسائر مادية ومعنوية.

 

والحروب السرية قد تبدأ بحرب إعلامية، بتجميع مبررات عدوان، وشيطنة الطرف الفلاني، ثم تشجيع جماعات وكتل انشقاقية ودعمها بالمال والسلاح والتدريب، وفرض أنظمة معاقبة اقتصادية وآلية من أجل الإضرار بالاقتصادات الوطنية، وقد تقوم مجاميع عمل سرية بالقيام بعمليات تخريب واغتيالات، وصولاً إلى إقامة مناطق خارج سيطرة الحكومات الوطنية، وفي قائمة الأعمال التي تؤدي هذا الغرض واسعة وكثيرة، وجميعها تعتبر من وجهة النظر القانونية الدولية تدخلاً فاضحاً في الشؤون الدولية، تحضره القوانين والأعراف الدولية.

 

وللجهات المخططة عناصر خلقتها الأجهزة الأستخبارية، سيعتبر بعض ممن يقرأ هذه المقالة، أننا نعتمد على مصطلحات عفا عليها الزمن ... ولكننا سوف لن نترك هؤلاء دون أن ننزع عنهم أخر ورقة تين تستر عورتهم، سنثبت لهم بدقة متناهية، كيف أنهم مقاتلون في الطابور الخامس للثالوث الغير مقدس (أميركا إيران، إسرائيل)، لا داع بعد اليوم للمجاملات السخيفة، وليحدد كل موقعه، مقاتلاً كان، أو سياسياً، أو كاتباً، أو فناناً، هناك حلف، ولهذا الحلف أهدافه، ولكل حلف عناصره، يتشابهون ويختلفون، لا يهم، فلون البشرة لا يغير من جوهر الأمر شيئاً، والثالوث القديم الجديد : الإمبريالية الأمريكية، والصهيونية، الصفوية الفارسية.

 

ربما يستاء، أحد مثقفي الأمة المزورين، إن ساوينا نحن بين أمريكا وإيران الصفوية ؟ لماذا ؟

 

فليتكرم وليقل لنا (س)  لماذا إيران ليست أسوء من أمريكا ؟ ألم تعمل إيران وتساعد على أحتلال أفغانستان .. ؟ ألم ترسل إيران بقواتها لتقاتل المسلمين في الشيشان .. ؟ ألم تقف بالمال والسلاح مع أرمينيا ضد أذربيجان ..؟ ألم تعمل وما زالت تعمل إيران بقواتها المسلحة ومخابراتها وميليشياتها وعملائها في العراق؟ ألم يشاهد بعينه أمريكا تتفاوض مع إيران على أقتسام العراق ..؟ ألا يشاهدون المذابح اليومية للعراقيين والفلسطينيين في العراق ..؟ هل يستطيع المطايا الثقافية للحلف الثلاثي(واشنطن ـ تل أبيب ـ طهران) أن يقولوا لنا ما لفرق في النتيجة النهائية بينهم ..؟ هل يستطيع جوقة الشتامين أن يجدوا الفرق بينهم وبين سلفان شالوم وهنتغتن وفوكوياما وبين ألمع اسم بينهم ؟

 

النتيجة واحدة: شتم العرب والمسلمين، كيفما كان وبأي شكل كان، وتحت أي مسمى كان لا يهم .. المهم النتيجة، صيحة الموضة اليوم هي شتيمة العرب، في كوبنهاجن وطهران وتل أبيب وواشنطن، وحيث يعلو الديك على قمة المزابل .. المهم علو ... ويعتقد أنه يغيظ العرب والمسلمين .. إنكار ثقافتتهم، إنكار دورهم في الحضارة العالمية، مع أن العرب أول من كتب الحرف وأخترع الرقم الذي يستخدمونه...!

 

شتم العرب ... ثقافتهم، حضارتهم، دينهم، لغتهم ... المهم شتمهم ... قضية بكسب بها بعض المأجورون، وينالون مكافئات، وفرصاً للعمل ..وللأسف هناك من يعتقد أنه لا مجال ليشتهر إلا إذا شتم وأسرف في الشتائم، ولكن ولا حرف عن الذي يرقص على الأنغام الفارسية، ويلعب أدوراً صغيرة على المسرح الفارسي،  أليس هذا أمراً عجباً ..؟ ألا تدركون الآن كيف هي ملامح الشعوبية الجديدة، إحدى جبهات الحرب السرية على الإسلام ...؟ الحرب المتعددة الجبهات والأصعدة والوسائل ...!

 

بالطبع، ولو أحصينا الخسائر العراقية، والسورية واللبنانية واليمنية والليبية، والفلسطينية، والمصرية، والجزائرية والمغربية، الخسائر بالأفراد/ العسكريين، والأفراد المدنيين، وبالأسلحة والمعدات، وبالأموال المنقولة وغير المنقولة، لتبين لك أنها تقارب الخسائر في حرب عالمية. نعم هي حرب واضحة، وأحياناً تفلت منهم عبارات تؤكد هذه الحقيقة المخفية ..!

 

هذه المنطقة، وطننا العربي الكبير، كبير وإن جن جنون الحاقدون، ويموت بغيظهم الشعوبيون، ورغم الجهد الخطير المسعور الذي تبذله جبهة عريضة من الدول، إلا أن البلاد العربية تحرز تقدماً تحت القصف، نعم لقد كبدونا خسائر فادحة، وسنخسر المزيد منها قبل أن نلحق الهزيمة التامة بهم. كيف ستأتي الهزيمة ...؟ الهزيمة ستأتي حين سيبذلون أقصى قواهم، وكل قنابلهم، وكل أكاذيبهم، وكل عملاءهم، والاحتياطي المخفي لحد الآن (هم يزجونه في الحرب الآن).

 

ما نعيشه الآن محنة من المحن الكثيرة في تاريخ الأمة، ولكنها ستتلاشي وتضمحل ولا يبقى منها سوى الدهشة ..!... في ساحة التاريخ الفسيحة سيزول من هو طارئ، ويبقى الأصيل يزدهر ... ويمضي للمزابل من يستحق أن يمضي إليها من الممثلين المهرجين وخدم المعتدين .

 

 

 

 

أدلتي على الحرب السرية

2

ضرغام الدباغ

 

تكرر في الأيام الأخيرة سواء في المقال اليومي، أو في البحوث الصادرة عن المركز العربي الألماني. جملة " الحرب السرية على العرب والإسلام ". ولعل القراء يتساءلون إن كان ذلك نتيجة معلومات، ـو استنتاج عقلي، أو فيما إذا كانت لي مصادر على الرأي تؤيد ما أذهب إليه.

وفي الواقع مثل هذا الاستنتاج لم أتوصل إليه عشوائياً أو من خلال الاستماع إلى صوت الضمير، رغم أن أثق بضميري وأتجاهات الميل .. ولكنني كسياسي، لابد من وجود معطيات مادية قوية لتكون دليلي في أتخاذ القرار.

يعرف عن الغرب عامة، حرصهم ودقة تصريحاتهم وألفاظهم، ولكن ليس هناك معصوم، صحيح أن الأمر يدور في المواقع العليا، ولكن لا أحد يضمن عدم التسرب. ولكن الحديث عن سبب هذا العداء والكره للبلاد العربية والإسلامية أمر تكتنفه الألغاز والأسرار. وإذا كان الغرب: الولايات المتحدة وبريطانيا، وبدرجة أقل متفاوتة بقية الدول الغربية، كانت ترى في النظام الملكي العراق عام 1956 خطراً ينبغي الأنتباه له، ويترددون في بيع عدد 6 طائرات نفاثة للعراق الذي كان عضوا في حلف بغداد تحت إدارتهم وحماية لمصالحهم، فما بالك في مراحل قطعت الدول العربية أشواطاً في التقدم، ترى كيف يفكرون اليوم ..؟

 

إشارة الفريق الكسندر ليبيد

مبدئياً، الاتحاد السوفيتي، كان صديقا تقليديا للعرب، وإذا كان هناك سوء تفاهم، فهذه مسألة في العلاقات بين الدول يتحملها الطرفان. ولكن نحن نعلم أن رياح التغير، بل قل عواصف وأعاصير التغير ضربت الاتحاد السوفيتي نفسه، فكان أن أتخذ قرار (وبالطبع هناك تفاصيل كثيرة لسنا بصددها الآن) بحل الاتحاد السوفيتي نفسه، وهو حلم خصوم الاتحاد السوفيتي، ولست متأكداً أن كانت المفاوضات السياسية بين الاتحاد السوفيتي كقائد للمعسكر الاشتراكي، والولايات المتحدة كقائد للمعسكر الرأسمالي، كانت تنطوي على تفصيلات قادت لأتخاذ هذا القرار الكبير، ومقابل ماذا ؟ وقد علمنا مؤخراً أن المفوض السوفيتي (ميخائيل غورباتشوف) قبل بوعود غير مكتوبة ومبهمة بعدم توسيع حدود الناتو، ولكن الغرب لم يكتفي بضم البلدان الاشتراكية، بل وحاول دخول القفقاس (جورجيا)، وله تغلغل في أرمينيا، والضربة الكبرى في محاولاته المحمومة لضم أوكرانيا، وانكرت الولايات المتحدة تعهدها الشفوي الغامض. هذه مقدمة ضرورية لما للبيان اللاحق .

 

الجنرال (الفريق) ألكسندر ليبيد، هو أحد أشهر القادة العسكريين الشبان، شغل منصب نائب قائد قوات المظليين ثم سكرتير مجلس الأمن الروسي وكان مرشحا للرئاسة منافسا ليلتسين ولزعيم الحزب الشيوعي زيوغانوف وحصل على 15% من الاصوات عام 1996 وتحالف مع يلتسين في جولة الانتخابات الثانية لمنع زيوغانوف من الفوز وهذا ما حصل بالفعل فعينه يلتسين سكرتيرا لمجلس الأمن وبههذه المناورات السياسية الغير متقنة، فقد تدريجيا شعبيته كعسكري صارم ونزيه، يطلق الشعارات المدوية ضد الفساد، والمافيات. وبعد فترة شهور أقاله يلتسين (من المرجح لعدم توافقه مع الخط السياسي) ليصبح محافظا لمقاطعة كراسنودار وهناك سقطت المروحية التي كان يقلها. وأعتبر الحادث قضاء وقدر، وسط شكوك لدى الروس، وعدم تصديق المبرر.

 

 ما يهمني هنا، أني قرأت تصريحاً للجنرال ليبيد أستطيع أن أورده بالنص (تقريباً)، إذ صرح ليبيد محتجاً ومستاءاً من السياسة الروسية التي تسمح للغرب بتدمير روسيا وأصدقاءها، والسماح (أو بالاتفاق) على دخول منطقة الشرق الأوسط وشبهها كدخول مجنون إلى قاعة مليئة بالأشياء القابلة للكسر وتحطيمها.

 

في ذلك الوقت المبكر، ساورتني الشكوك، أن غورباتشوف الذي باع أقرب المقربين للاتحاد السوفيتي (إريش هونيكر/ سكرتير الحزب الاشتراكي الألماني الموحد)، ورفض استقبال قادة الدول الاشتراكية وتركهم للقتل (شاوشيسكو) أو للمحاكمات كالرئيس هونيكر والرئيس جيفكوف، ورفض قبله لجوء العديد من المناضلين، ألن يبيع العراق ...؟ بالطبع باع العراق وربما مجاناً .. فقد كان وزير خارجية الاتحاد السوفيتي شيفردنازة متحاملاً أكثر من الأمريكيين على العراق لأنه كان يطمع برئاسة جورجيا، ولكنه طرد منها شر طردة بمكائد غربية، فذهب تملقه أدراج الرياح .

 

مرجحاً ولست متأكداً ما إذا كانت مفاوضات مالطا (3 ـ ـ4 / ديسمبر / 1989)  بين الرئيس السوفيتي غورباتشوف والرئيس الامريكي بوش، قد تضمنت تفاهماً صريحاً بقيام الولايات المتحدة بإعادة رسم خرائط المنطقة دون تدخل روسي.

 

خطاب توني بلير في مجلس العموم

إذا قرأ سياسي محترف خطاب توني بلير، أو شاهده تلفازياً، وبقليل من القدرة على قراءة الوجوه، ندرك أن بلير كان يصطاد الأكاذيب من بحيرة سموم قاتلة . وتوني بلير أعتمد على نظرية ملفقة قانونيا وسياسيا بشكل ذريع، بإطلاقه مصطلح هلامي غير محدد (يحتمل الإضافة والتحميل والتأوبل) خطير، لدرجة أنه يبرر لأي دولة إعلان الحرب، هو" الإسلام السياسي تهديد أمني من الدرجة الأولى "..

 

ورغم أن هيئة الأمم المتحدة وهيئاتها القانونية لم تتوصل إلى تعريف مانع جامع لكلمة الإرهاب أصلاً، فأختراع مصطلح وإدراجه في بيان لحكومة لها خبرة وباع في السياسة الدولية والحروب، ينطوي على خطأ قانوني جسيم، تستحق حكومة المملكة المتحدة أن تحاسب عليه. إذ يمكن بالمقابل القول "الإرهاب المسيحي: أو اليهودي، أو البوذي، أو الهندوسي ..الخ ..

 

وتوني بلير هذا الذي أشتكى منه النواب البريطانيون وكذلك عامة الشعب، بأنه ذنب للسياسة الأمريكية، (ذنب بوش) زعم أمام مجلس العموم/ مستخدماً حزمة أكاذيب يرفضها العقل، زعم أمام البرلمان أن لدية أدلة مادية ثابتة على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وهذه تمثل خطورة على الأمن القومي البريطاني.

 

هذه المعطيات، تمنح مؤشراً أن هناك قرارا قد أتخذ في جهة ما، ولكن الغرب أختلف في تقدير حجم الخطر وطريقة التصرف حياله، والأسباب كان دون ريب، في إطار الحرب على العرب والإسلام لقطع الطريق لأي محاولة تقدم، والإفلات من الهيمنة. وبتقديرهم أن هذه ستود إلى بروز قوة عالمية عربي / إسلامية، ستكون قوة عظمى(بحجم سكاني وإنتاج اقتصادي) تفرض إرادتها في السياسة الدولية.

 

تصريحات الرئيس بارك أوباما

الرئيس أوبا خلال جولاته في الترويج لحملته الانتخابية، عقد لقاءات عديدة، منها مع الجماهير مباشر. وأذكر وأنا أتابع إحدى لقاءاته هذه أن قال بالحرف الواحد "أتعهد بمواصلة الضغط على العرب والإسلام"

هو لم يقل أتعهد بتصعيدها، ولكنه قال سأواصلها، فهو سيستلم الحكم من بوش الأبن، ولم يكن معقولاً أن يزايد على رئيس غزا بلدين(أفغانستان والعراق) ولكنه عهد حكمه شهد واقعياً أسوء الأحداث، وعرف عنه تصريحاته المعادية للعرب والمسلمين بشدة.

 

" لسنا في حرب مع العرب والإسلام "  هذه جملة أطلقها أكثر رئيس أمريكي بتاريخ الولايات المتحدة كرها بالعرب والمسلمين، وهناك بيت شعر للمتنبي يقول " يكاد المريب يقول خذوني " ولأن أوباما هذا من أب مسلم، فهو يبالغ في إظهار انتماؤه إلى كل شيئ عدا الإسلام، وصولاً لارتداء الطاقية اليهودية. وأبدل أسمه الإسلامي "مبارك" إلى بارك .. نعم هكذا يفعلون ..!

 

باراك أوباما، كان يريد أن يفتتح مرحلة جديدة في الحرب على الإسلام، فقرر أن يلقي خطاباً ساذجا قي هدفه .. إذ لا يريد أن يواجه المسلمين كتلة واحدة، فقرر أن يزور عاصمة إسلامية مهمة، فكروا باندونيسيا، ولكنه تراجع لأن والدته تزوجت بعد والده اندونيسيا مسلماً، وله أخ غير شقيق فيها، فألغيت الفكرة، وتقرر الذهاب إلى أنقرة أو اسطنبول، ولكنهم فكروا أن هذا قد يمنح انطباعاً أن تركيا موقع زعامة إسلامي، فقرروا أن يكون الخطاب في جامعة القاهرة. وبعد أن ألقى الخطاب، شنت الجيوش والطائرات المسيرة الأمريكية هجمات قتل عشوائي، فأرتكبوا جرائم إبادة فضيعة في العراق وأفغانستان. . فالخطاب كان يعني حرفيا " سنشن حربا بلا هوادة على العرب والمسلمين .. وسننظر في أمر العرب الذي يشهرون تحالفهم معنا ..!

إذن هناك حرب على المسلمين ونحن من يقرر نعفي من ونشمل بالقتل من ..!

 

تصريح روسي

حين اشتداد الأزمة الاوكرانية مطلع عام 2022، تراجعت العلاقات الروسية مع بلدان الغرب، أعضاء حلف الناتو. واللافت أن درجة تراجع العلاقات لم تكن بمستوى واحد، فالولايات المتحدة تمثل الطرف الأبعد في رفع درجات التوتر تليها بريطانيا، وألمانيا في الطرف الآخر،  وتليها  فرنسا، اللذان يحاولان إيجاد سبل هادئة لحل التناقضات، وعدم دفع الأمور تتجه للتصعيد، وفي هذا المجال سمعت رأياً أظن كان روسياً أو من الأطراف الداعية للتهدئة، فهناك فكرة في الغرب : دعنا لا ندفع روسيا للمزيد من الألتحام مع الصين ! وهنا تحديداً طرح رأي "ولا ننسي أن روسيا تحارب الإسلام مثلنا في سوريا وأفريقيا .!".

 

عزيزي القارئ ...

لا تعتقد أن الغرب مثقف ومتحضر ويترفع عن الدخول في مستنقعات الحروب الدينية، بل عليك أن تعلم أن الطوائف المسيحية، البروتستانت خاصة ومنهم فئة البيوريتان. (Puritans) الأطهار أو الأنقياء، هم أكثرهم تعصباً، وهؤلاء لهم اليد الطولى في السياسة الأمريكية، ولا يتورعون عن إشهار عدائهم للأرثودوكس، ومن غير المستبعد، أن تجدهم على هذه الدرجة أو تلك من العداء من الكاثووليكية.

 

قد تعتقد للحظة واحدة أننا نبالغ، وأننا معادون للغرب، وأننا نتوهم الكراهية ,,, حسناً فلنتفق على أمر بسيط جداً ولا يحتمل الخطأ ... وهو ... : أنظر .. أقرأ  ... فكر ... أين يقتل العرب والمسلمون وعلى يد أي قوى ...فهؤلاء هم أعداءك

 

ستجد أنهم يقتلون على يد الأمريكان، وإسرائيل وإيران ..... وفي الكثير من الإٌيضاح استهانة بذكاء الناس

 

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

  فرانشيسكو لارغو كاباليرو

 

القائد الاشتراكي الاسباني الكبير

 فرانشيسكو لارغو كاباليرو

 

ضرغام الدباغ

 

 

فرانشيسكو لارغو كالباليرو ( Francisco Largo Caballero) القائد التاريخي للعمال الأسبان،  الزعيم التاريخي لحزب العمال الاشتراكي الأسباني، ورئيس الاتحاد العام للعمال الأسبان، وزير العمل خلال عهد الجمهورية الأسبانية (1931 ــ 1933)، ثم رئيس وزراء أسبانيا (1936 ــ 1937) خلال الحرب الأهلية الأسبانية ولد عام 1869، توفي في المهجر / فرنسا عام 1946.

 نشأ في أسرة عمالية كادحة، وأمتهن العمل بالجس (من أعمال البناء) حتى أنه شارك بتأسيس نقابة العمال في مجال الجبس، وفي العشرينات من عمره أصبح نقابيا قيادياً، وابتدأ بالسن المبكرة اهتمامه بالشأن العام، حيث أنظم عام 1993 إلى الحزب الاشتراكي العمالي (PSOE) ع وفي غضون سنوات ستة فقط، وصل عام 1899 إلى مرتبة عضو في اللجنة الوطنية للحزب، ثم فاز في الانتخابات البلدية لمدريد عام 1905، بلغ سنه ال 35 عاماً فتفرغ للعمل النقابي والسياسي، وفي عام 1907 أنتخب كأمين الحزب الاشتراكي العمالي فرع مدريد. وفي عام 1908 أنتخب نائبا لرئيس أتحاد نقابات العمال العام، ولكنه دخل السجن لمدة 6 سنوات، بتهمة التهيج الجماهيري والعثور على ملصقات ثورية بداره.

 

 

 

(الصورة لارغو دي كاباليرو في شبابه)

 

وأبتدأ نجم كاباليرو السياسي بالسطوع، في العمل السياسي مساهماً نشيطاً وشجاعاً في الاحداث السياسية من تظاهرات وإضرابات، وأنتفاضات،وفي عام 1918 أصبح الأمين العام لأتحاد نقابات أسبانيا. وفي نفس العام اصبح عضوا في اللجنة القيادية لحزب العمال الاشتراكي. ودافع لارجو كابييرو عن تكتيك التدخل في كل من المؤسسات وفي التجمعات وفي مقالات الصحف، أي الضغط والمشاركة في جميع مؤسسات الدولة التي لها علاقة بـ "المسألة الاجتماعية" بحيث تمت الموافقة على القوانين الاجتماعية التي تحسنت ظروف العمل والمعيشة للطبقات العاملة - وتم الالتزام بها فيما بعد، دون التخلي عن هدفه النهائي " الاشتراكية "، مما يعني التحول الكامل للمجتمع. عندئذٍ شكلت تلك المبادئ التي حددت أساسًا لما أُطلق عليها في حقبة الجمهورية الاسبانية الثانية،  " الكابالارية"، والتي عرفها بعض المؤرخين بأنها إصلاحية ثورية.

 وبنتيجة العمل الثوري الدؤوب، خلال عامين تضاعف عدد المنتسبين أتحاد نقابات العمال من حوالي 100,000 في 1918 إلى 200,000 في سنة 1920، وهو الرقم الذي استمر إلى نهاية العقد. ولأنه الأمين العام لـلأتحادT فقد كانت مهمة كابييرو الرئيسية هي الحصول على عمل موحد مع القوى الثورية لتكون خطوة سابقة " لدمج الطبقة العاملة بأكملها في منظمة وطنية واحدة "، وهو الاقتراح الذي تمت الموافقة عليه في المؤتمر العمالي العام الثالث عشر 1918. وكان هذا في خضم حالة من الصراع الاجتماعي الشديد كما كانت السنوات التي تلت نهاية  الحرب العالمية الأولى، في مدريد حيث برز الاتحاد العام وفي كاتالونيا والأندلس، خلال ما سمى بالبلشفية الثلاثية. مع ذلك لم تنجح تلك المبادرة بسبب الاختلاف في الأيديولوجية (الفوضوية "اللا سياسية" مقابل "التدخل الاشتراكي") والاستراتيجية. بالإضافة إلى ظهور هجمات الجماعات المسلحة في كاتالونيا التي رفضها الاشتراكيون، والذي أدى إلى انفصال منظمتي العمال، على الرغم من أنه تم توقيع اتفاق بين النقابتين في 3 سبتمبر 1920، "للتعامل مع الإجراءات الرجعية والقمعية التي تقوم بها العناصر السياسية وأرباب العمل في إسبانيا"، لكن هذا استمر ثلاثة أشهر فقط بسبب رفض نقابات العمال دعم 50 % من البطالة في الإنتاج في جميع أنحاء إسبانيا استجابة للسياسة القمعية للحكومة وخاصة سياسة الجنرال مارتينيز أنيدو في برشلونة الذي عين حاكمًا مدنيًا لتلك المقاطعة في نوفمبر، فقام باضطهاد الفوضوية النقابية التي جلبت مرحلة جديدة النزاع المسلح في كتالونيا.

 والقضية الأساسية الأخرى التي اشغلت لارجو كاباليرو هي الانقسام الداخلي للاشتراكية الأسبانية بسبب النقاشات حول الاندماج في الأممية الثالثة التي أنشأها بلاشفة لينين في موسكو بعد انتصارهم في ثورة أكتوبر 1917. لقد كان لارجو كاباليرو أحد الزعماء الاشتراكيين الذين عارضوا بشدة دمج الحزب الاشتراكي العمالي، وأتحاد نقابات العمال في الشيوعية الدولية، انتهى الأمر بمغادرة الفصيل الثالث حزب الاشتراكي العمالي لتأسيس الحزب الشيوعي العمالي الأسباني  في نيسان 1921.

 طويلة هي تفصيلات نضال الاشتراكيين الأسبان المنقسم إلى حركات رئيسية، وكان القائد كاباليرو يعمل بهمة ونشاط لتوحيد قوى الاشتراكية الاسبانية في حرمة واحدة.:

الاتحاد العام لنقابات العمال الأسبان.

الحزب الشيوعي الاسباني.

الحزب الاشتراكي العمالي.

الأنارشيست (الفوضويين).

 اندلعت ثورة اليسار الشاملة بعد دخول ثلاثة وزراء من حزب سيدا CEDA اليميني في حكومة أليخاندرو ليروكس في أكتوبر 1934، التي تضامن معهم الاتحاد الوطني للعمل (CNT) فقط في ثورة أستورياس حيث قاد التمرد عمال المناجم الاشتراكيين والفوضويين والشيوعيين. كان لدى عمال المناجم أسلحة وديناميت وكانت الثورة جيدة التنظيم. أعلنت الجمهورية الاشتراكية في عدة مواقع، وتعرضت مواقع الحرس المدني والكنائس والمباني البلدية وغيرها للهجوم. وخلال ثلاثة أيام أضحت كامل منطقة أستورياس تقريبًا بيد عمال المناجم، بما في ذلك مصانع الأسلحة في تروبيا ولا فيجا. وفي غضون عشرة أيام شكل حوالي 30,000 عامل جيش أستوريان الأحمر. كانت هناك أعمال نهب وعنف لا تعزى إلى التنظيم الثوري. لكن القمع كان قويا جدا بحيث وجد الثوار مقاومة من الحكومة اعتبرت أن الثورة هي حرب أهلية على كل الحكم، ولا يزالون غير مدركين أن عمال المناجم بدأوا بالتفكير باحتمال القيام بمسيرة من ميريس  إلى مدريد.

 بعد قمع تلك الثورة اعتقل كابييرو باعتباره قائد لها في 14 أكتوبر. ثم رفعت عنه  الحصانة لغرض محاكمته،  وفي 10 نوفمبر اتهمته المحكمة العسكرية بارتكاب جريمة تزعم تمرد. فقدم الدفاع عنه في فبراير 1935 استئنافاً للمحاكمة في المحكمة العليا وليس أمام محكمة عسكرية بالنظر إلى وضعه كنائب ووزير سابق. تم الرفض من حيث المبدأ الاستئناف حتى إجراء محاكمة شفوية في نوفمبر 1935، فبقي كابييرو في سجن مدريد النموذجي مع زملائه الآخرين من القيادات الثورية، بحيث انعقدت اجتماعات المديرين التنفيذيين لكلا المنظمتين هناك. ونال تصريح بالخروج لمدة عشرين يومًا في أكتوبر 1935 بسبب مرض زوجته الخطير، حيث ماتت في 11 أكتوبر في مصحة تبادل العمال الاشتراكيين الذي أنشأه لارجو كاباليرو نفسه. وقد حضر الجنازة العديد من السياسيين. وما لبث أن تمت تبرئته تحت الضغط الشعبي وأطلق سراحه.

 بعد انهيار حكومة غيرال في 4 سبتمبر 1936، وفي خضم الحرب الأهلية تم تعيين كابييرو رئيسًا للحكومة، وهو أول شخص من حزب عمالي تولى هذا المنصب في إسبانيا. وتولى كذلك وزارة الحرب، حيث أعاد بناء الدولة جزئيًا من خلال دمج الميليشيات العمالية الاشتراكية والشيوعية والفوضوية في الألوية المختلطة. حاول لارغو كاباليرو القضاء على التطوع العشوائي وسلطة الميليشيات عند توليه قيادة الحكومة وإلحاقهم ليكونوا جهازا في إدارته، بدعم من الاتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي الستاليني. وبصرف النظر عن مجرى الأحداث، فقد كان همه الأكبر هو الحفاظ على الانضباط في الجيش المنظم حديثًا وابقاء سلطة الحكومة المركزية داخل المنطقة الجمهورية بأي ثمن، معتبرًا أنه بدون القوات النظامية ومدربة جيدا سيكون من المستحيل على الجمهورية هزيمة المتمردين.

 وحين آذنت شمس الجمهورية بالأفول، لم يكن يعد ممكناً البقاء على الأرض الأسبانية، فقطعان الفاشست المتوحشة تجوب البلاد في كل مكان،  والتي أنجزت هيمنتها على البلاد بدعم من القوى الفاشية العالمية (إيطاليا وألمانيا)، ولم يفعل الاشتراكيون بقيادة بلوم الذين كانوا يحكمون فرنسا شيئاً سوى الدعم اللفظي، في حين لم يقف مع الجمهورية داعماً بالقوة غير الاتحاد السوفيتي، الذي واجه صعوبات لوجستية بدعم الجمهورية، ووقفت البلدان الغربية الرأسمالية موقف الداعم الخفي للفاشست الأسبان (الفلانغ) ولفظت الجمهورية آخر أنفاسها في أواسط 1939، بعدها ليقوم الفاشست بتصفية كل من له علاقة بالجمهورية وبقواها اليسارية الثورية وخاصة : الحزب الشيوعي، الحزب الاشتراكي، اللاسلطويون / الأنارشيست (الفوضويون). فشهدت أسبانيا حركة نزوح واسعة إلى فرنسا بصفة خاصة، وكان كاباليرو من آخر النازحين.

 وبعد محاولات عديدة فاشلة للخروج من فرنسا الآيلة للسقوط بيد ألمانيا الهتلرية، إذ كانت الحرب العالمية قد نشبت، وبين أحتجاز وإقامة إجبارية من قبل سلطات فيشي(المتعاونة مع النازي)  التي رضخت أخيرا وسلمت القائد كاباليرو وكان يبلغ من العمر 72 عاماً، للجستابو النازي  في شباط / 1943، قاوم بجسده الواهن الاعتقال والترحيل هاتفاً " أقتلوني  ... أقتلوني " وأجري معه التحقيق في ليون من قبل كبير المحققين الألمان، ثم نقل إلى باريس، وبعدها في تموز / 1943 نقل إلى برلين، ووصل إلى معتقل النازية الشهير سكسنهاوزن في 31 / تموز / 1943 القريب من برلين في مقاطعة أورانينبورغ، بعد أنتهاء الجستابو (البوليس السري الهتلري) من التحقيق معه .

 وبالنظر لتقدم سنه  وتعدد أمراضه، كانت معظم إقامته في مستشفى السجن، وهذا ما أبقاه على قد الحياة حتى نهاية الحرب، وتحرير السجن من قبل الجيش السوفيت والقوى المتحالفة معه (الجيش البولوني الأحمر)،  وناقش الحلفاء معه أمكانية تعاونه مع نظام فرانكو، إلا أنه رفض وفضل العودة إلى باريس، حيث أقام عند أحد اصدقاءه القدامى.

 شارك في باريس في النقاشات التي كانت تجري بكثافة حول مستقبل أسبانيا،  إلا أن وطأة المرض اشتدت عليه، حتى توفي بعد جولات علاج ورقود في المستشفيات حتى توفي هذا القائد الاشتراكي التقدمي الكبير بتاريخ 23 / آذار

 وري جثمانه التراب في 27 / آذار  وسط حضور كبير للجنازة (تجاوز ال 20000 شخص)، وعدد لا يحصى من ممثلي النقابات السياسية والعمالية مع العربات والأعلام واللافتات، كانت تلك الجنازة أكبر من جنازة لأي قائد إسباني في المنفى.... حضر الجنازة القادة الاشتراكيون الإسبان القدماء ومعهم قادة الاشتراكية وممثل عن حكومة فرنسا، والعديد من السياسيين الأسبان المنفيين، وحضور الحكومة جمهورية المنفى برئاسة خوسيه غيرال. وكذلك حضر كلا من ميغيل مورا ودولوريس إيباروري وخوان نيغرين (من القيادات الشيوعية والاشتراكية) ودفنت جثته بمقبرة بير لاشيز في باريس، عند سفح الجدار الفيدرالي المخصص لشهداء كومونة باريس (وهذا تكريم كبير) ثم  نُقلت رفاته إلى مدريد سنة 1978 مع نهاية حكم فرانكو، حيث تم الاحتفال بدفنه بحضور حوالي 500,000 شخص دعوتهم المنظمات الاشتراكية (.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 إشارات وإيضاحات معلومة

1. قُبض على لارجو كاباليرو بمنزله في الساعة الثانية صباحًا، وأُرغم على مغادرة الفراش حيث كانت حرارته حوالي أربعين درجة بسبب إصابته بمرض التيفوس، ونقل إلى السجن. وكان كناليخاس يندد في البرلمان -وفقًا للحكومة- بوجود مؤامرة بدعم خارجي مقرها في بلباو»(Aróstegui - صفحة 89)

 

2. واقعيا تولى كابييرو منصب رئيس الاتحاد منذ سنة 1916 بعدما عانى إغليسياس من مشاكل صحية خطيرة. وترأس معظم دورات اللجنة الوطنية منذ ذلك العام»(Aróstegui - صفحة 122).

 

3. حضر لارجو كاباليرو الاجتماع التحضيري الذي عقد في برن في فبراير 1919 (حيث اتفق مع جوليان بستيرو الذي كان ذاهبا إلى العاصمة السويسرية لإعادة إعمار الأممية الثانية) وحضر مؤتمر أمستردام هذه المرة برفقة بستيرو لإعلان ولادة الاتحاد الاشتراكي الدولي الجديد في يوليو 1919»(Aróstegui - صفحة 168).

 4. من الواضح أن كاباليرو ادرك أهمية المشاركة النشطة في مهام المنظمات الدولية الرئيسية المكرسة لقضايا قانون العمل باعتبارها امتدادًا طبيعيًا للخط الإصلاحي للنقابة في إسبانيا. احتل التصديق على الاتفاقات من هذا النوع مكانًا مهمًا في عهده كوزير للعمل»(Aróstegui - صفحة 168)

 5. La Vanguardia, 26 de noviembre de 1935, p. 28La Vanguardia, 28 de noviembre de 1935, p. 25 y La Vanguardia, 1 de diciembre de 1935, p. 26

 6.  كان خروج لارجو كاباليرو من أسبانيا موضوع حملة واسعة من الصحافة الشيوعية ومن حزبه بالذات الذي أصدر مكتبه السياسي في 2 فبراير -قبل أربعة أيام فقط من خروج رئيس الجمهورية والحكومة أيضًا-قرارًا ذكر فيه:«يدين المكتب السياسي للطبقة العاملة والشعب الأسباني الفرار المخزي للسيد لارجو كاباليرو من أرض الوطن، الذي يحيط به مجموعة صغيرة من أعداء وحدة الشعب الإسباني [و] من تنظيماتهم، لقد فعل الكثير وتمكن بيده من تخريب عمل الحكومة وكسر وحدة شعبنا ومقاومته التي توجها الآن منهزما ومعه عمله الإجرامي»(Aróstegui - صفحة 671).

 7. من الأهمية التي عزاها نظام فيشي منذ اللحظة الأولى إلى تفاهم جيد مع أسبانيا فرانكو هو وضع شخصيات الجمهورية الأسبانية اللاجئة في فرنسا ذات أنشطة سياسية في سجن أو حبس في أماكن حراسة. ناهيك عن التعامل الإجرامي للمحتل النازي [في جزء فرنسا الذي كان تحت سيطرتهم المباشرة]. وبالتالي فإن وجود لاجئ بأهمية الرئيس السابق لحكومة الجمهورية الأسبانية والقائد الرمز للاشتراكية الأسبانية في إقليم فيشي لن يغفل عنه في أي وقت.»(Aróstegui - صفحة 691).

 8. تعرض في سجن ليموج "لمعاملة قبيحة" شملت العري والبرد والجوع وهو في سن السابعة والسبعين وحالته الصحية محفوفة بالمخاطر، واستمر على ذلك مدة واحد وثلاثين يومًا"، وهي ظروف غير ملائمة لعمره المتقدم الحالة الصحية والتمثيل السياسي والاجتماعي ".»(Aróstegui - صفحة 700).

 9. في كتاب "رسائل إلى صديق (مذكراتي)"، الذي نشر بعد مرور ست سنوات على وفاته، كرس كابييرو فصلًا طويلًا بعنوان "جحيم معسكرات الاعتقال الألمانية". "قصص الرعب لا تذكر شيئًا جديدًا بالنسبة إلى ما كان معروفًا عن معسكرات الاعتقال النازي، ولكن هناك مقاطع ذات أهمية بسبب التاريخ المبكر لكتابتها. يتحدث كابييرو بصراحة عن القتل بإطلاق النار أو الشنق أو الاستحمام بالغازات السامة وأفران المحرقة.»(Aróstegui - صفحة 714).

  المركز العربي الألماني برلين

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

هل ستنتج الأزمة الاوكرانية

 

نظاما عالميا جديداً

 

ضرغام الدباغ

 

 

ابتداء نتفق مع علماء العلوم السياسية والمحللين والباحثين أن أزمة أوكرانيا سوف لن تمر بدون نتائج كبيرة،  إن مباشرة أو غير مباشرة .. وهذه النتائج ستضاف إلى التراكم الذي يتواصل منذ 1990، أي منذ نهاية الحرب الباردة التي أفرزت النظام الدولي الجديد والذي أطلق عليه العولمة (Globalisation). الأزمة الاوكرانية ستصيب النظام العولمي إصابات بالغة، ولكن ليس الأزمة الأوكرانية هي الوحيدة التي أنهكت الديناصور الإمبريالي.

 

الحرب العالمية الأولى أنتجت نظام عصبة الأمم الذي شرعن الاستعمار صراحة وعلنية، وراحت الدول الاستعمارية القديمة والجديدة (ألمانيا وايطاليا والنمسا) تحاول مزاحمة الدول الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا)، وفي تفاعلاتها اللاحقة، قادت إلى الحرب العالمية الثانية، التي أنتجت معسكرين : اشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والرأسمالي بقيادة متروبول الرأسمالية الاحتكارية الولايات المتحدة الأمريكية. وسرعان ما تهاوى التحالف الدولي الذي هزم دول المحور " ألمانيا، أليابان، إيطاليا "، وبدأت الحرب الباردة بين معسكرين عملاقين.

 

الحرب الباردة انتهت، بتراجع الاتحاد السوفيتي الذي قرر حينها بعد قراءة دقيقة وجرد مادي للموقف السياسي والاقتصادي والعسكري، عدم مواجهة الولايات المتحدة وحليفاتها (الناتو)، وما ينتج عن الحروب من اقتسام نفوذ سياسي واقتصادي وحصد لمكاسب الفوز، جرى على نحو هادئ، ذلك أن القيادة السوفيتية قررت إنهاء الحرب سلميا وعلى طاولة مفاوضات بين الرئيس بوش الأب والسوفيتي غورباتشوف، مفاوضات مالطا (3 ـ 4  / ديسمبر / 1989)، ومن المرجح وجود ملاحق سرية في التفاوض السوفيتي / الأمريكي، ويفترض أن الاتحاد السوفيتي أقر بتسليم بعض مناطق نفوذه التقليدية للأمريكان، ومنها وفي مقدمتها الشرق الأوسط، وهو ما يفسر الهجمة الشرسة العدوانية الأمريكية على دول الشرق الأوسط.

 

بيد أن حسابات الحقل لا تنطبق غالبا على حسابات البيدر، فالغول الأمريكي الذي اعمته نشوة الانتصار، وأعتقد أن الدنيا بأسرها دانت له، وفي هذه اللحظة بالذات ابتدأ انحدار النظام الإمبريالي / العولمي، فشعور بالأستيلاء التام ومصادرة حقوق ومصالح الغير، سيؤدي إلى موقف جديد، أعداء وحلفاء، و سيقود بالضرورة إلى أن يعيد المهزوم حساباته جذرياً، وحتى الحلفاء أن يتوجسوا خيفة من تزايد طلبات المنتصر، وتجاهل لمصالحهم .. لذلك لا يمكن اعتبار سقوط أوكرانيا لوحدها سببا في سقوط النظام الدولي وبروز نظام دولي جديد فالأحداث التي جرت بعد عام 1990 وتراكمها هي حالتي قادت إلى موقف دفعت النظام العولمي إلى خنادق الدفاع  .. في تدشين لعملية سقوط بطيئة  النظام العولمي. فالنظام العولمي سوف لن يسقط بمعركة عسكرية نووية، ولا يسقط اقتصاديا بسهولة، فهو ما يزال له انياب ترليونية وصناعات فائقة الجودة ومتقدمة على أعتاب الثورة التكنولوجية الرابعة والخامسة.

 

ثمة ظاهرة مهمة جداً في العلاقات الدولية، وتتمثل في بروز التحالف الصيني ــ الروسي، تحالفا متيناً واعداً ينبأ بقيام قوة تتمتع بقوة سياسية واقتصادية وعسكرية لا يمكن تجاهلها، قوة سترغم النظام العولمي الأحادي القطب على إعادة حساباته، وأن مؤشرات التوازن الدولي (بكافة مقاييسه) لا تشير إلى تفوق النظام العولمي، وهذه الحقيقة الموجعة سترغم قائدة النظام العولمي على إعادة تقيمه الشامل للموقف، ومن ذلك قيام تحالف أوكس (AUKUS) الذي تشكل الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا عموده الفقري، والذي وضع نصب عينيه السيطرة على حوض الاطلسي والباسفيكي والهندي كهدف أولي .. حتماً وضعوا خطوط دفاعهم حيال العدو الافتراضي (الصين وروسيا) الذي تتطور قواه باستمرار.

 

الرئيس صدام حسين لم يكن قد تلقى علومه في جامعات راقية. ولم يكن قد درس الاستراتيجية، لكن مثله مثل ستالين والجنرال جياب هزم دولتين عظميين (فرنسا والولايات المتحدة) بدون أن يدخل كلية عسكرية ولا كلية أركان، والقادة العظام الذين لم تسنح لهم ظروفه ليتعلموا في مدارس راقية، ولو فعلوا ذلك لكانوا من المتفوقين والعباقرة في ميدان العلم.

 

وهناك نظرية معروفة تقريبا على نطاق واسع، وقال بها افلاطون، " أن العلماء والفلاسفة لا يصلحون أن يكونوا رؤساء دول ". لأن الرؤساء لا يتعاملون بالسياسة وفق معطيات علمية، بل يعملون في السياسة ونصب عينيهم تحقيق مصالح الدولة وقد ينطوي عملهم أحياناً على خطوات وأعمال يعتبرها العلماء من قبيل المغامرات، والمجازفات .

 

سمعت يوماً وشاهدت بعيني الرئيس صدام يتحدث أمام التلفاز وجمع من المراقبين، بما معناه :  أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ مميتاً وهاجمت العراق، فسيكون هذا العدوان هو بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية وسوف تظل تتدحرج إلى أن تصل القاع. وأني أعتقد أن الرئيس صدام كان سيعجز (لو سئل) عن تقديم الحجة العلمية / الفلسفية على مقولته الخطيرة، التي أطلقها على الأرجح في تنبؤ مدهش، ورؤية عبقرية للتطور وحتمياته التاريخية.  إذن كيف تنبأ الرئيس صدام بهذه النهاية الفضيعة للولايات المتحدة، وما نشهده الآن هو المقدمات الحتمية لمسار تاريخي.

 

النظام الرأسمالي " رأسمالية الدولة الاحتكارية "، تمترست وراء شعارات "الديمقراطية"، " حقوق الإنسان "، " حقوق المرأة" ، و" حقوق المثليين " ، وفي الواقع الموضوعي تمارس الولايات المتحدة ما يخالف معظم هذه الشعارات. فمن أبسط الملاحظات التي يكتشفها أي إنسان دون أن يحتاج لثقافة عميقة، أننا لم نشهد تغيراً النظام الرأسمالي حتى بعد حروب عالمية (الأولى والثانية)، أو ما يقرب منها(كوريا، فيثنام، أفغانستان، العراق)، حروب كارثية زجت بلدانها فيها، تسببت في خسائر بشرية ومادية يصعب حصرها. ورتبت أوضاعها الداخلية بحيث يستحيل أن يحدث تغير جوهري في السلطة. والنظام الرأسمالي العولمي أرتكب خطيئة كبيرة وجرائم خطيرة ضد الإنسانية في العراق وأفغانستان، والجرائم التي أرتكبها الكيان الصهيوني محسوبة على النظام العولمي الداعم المادي والمعنوي للنظام العنصري.

 

النظام الرأسمالي لا يستطيع الاستمرار إلا على وقع هدير المدافع، والتوسع ضرورة واختلاق الأزمات والتصعيد لدرجة الصراعات المسلحة مهنة دوائر الحرب، ليجري تنفيس احتقان الموقف وإيجاد أسواق، حيوية للنظام الرأسمالي هي وفق قاعدة " من لا يكبر ... يصغر " 

 

 

فن الذرائع

في إشعال الحرائق

 

ضرغام الدباغ

 

الولايات المتحدة تلعب دور مشعلة الحرائق ... انتهى العالم من الفاشية والنازية والعسكرتاريا اليابانية في تموز / 1945، ولكن الولايات المتحدة لم تكتفي من ملايين الضحايا المدنيين والعسكريين ممن ذاقوا ويلات الحرب العالمية الثانية ...(نحو 50 مليون ضحية) فبدأت الولايات المتحدة مباشرة بالابتزاز النووي، ولكن بعد أن كسر الاتحاد السوفيت ألاحتكار النووي، اخترعت الولايات المتحدة  مبدأ " الحروب بالوكالة ". ثم اخترعت مبدأ آخر، " العصا والجزرة "، ثم مبدأ اللعب على حافة الهاوية "، وقامت بربط العالم بشبكة معقدة من الأحلاف العسكرية (ناتو، سنتو، سياتو) التي تحمل صراحة شعارات التوسع، رافضة مبدأ التعايش السلمي، إلي يتقبل تعايش أنظمة مختلفة سياسياً في إطار من التعاون الإنساني، وشرعت تمارس سياسات العقوبات، والحصار، والحملات السريعة والتهديد والابتزاز.

 

وحين قبل الاتحاد السوفيتي خيار السلام على هذه السياسات، وأقدم على حل اتحاد الجمهوريات السوفياتية وحلف وارسو، ولكن الولايات المتحدة واصلت تعزيز حلف الناتو، وإظهار نواياها التوسعية، رغم أن روسيا والصين تحولتا للنظام الرأسمالي، ترى ما هو سبب مواصلة أجواء التوتر الدولي ...؟ لماذا تظهر الولايات المتحدة حالة العداء الشديد مع الصين وروسيا لدرجة اللعب على تخوم الحرب الباردة واحتمالات تحولها لحروب ساخنة ..! ترى هل هناك سبب جوهري كبير وحاسم لهذه الدرجة ..؟ هل هو تقاسم نفوذ سياسي واقتصادي جديد ...أم تحقيقاً لنبوءة فوكوياما وهنتغتن في رؤيته لصراع حتمي عرقي/ عقائدي مع الصين والكونفوشيوسية .. وهل تستحق هذه الذرائع حرباً عالمية جديدة وملايين من الضحايا الأبرياء ..؟

 

الولايات المتحدة والغرب عموماً يتذرعون بشعارات من قبيل " حقوق الإنسان " والديمقراطية " وحقوق الأقليات والمجاميع العرقية والدينية"، وتوفير الحياة الكريمة للمرأة وأخيراً الحرية التامة لمثليي الجنس ..! ..وبكل بساطة شديدة هذه نكات سياسية مضحكة جداً ولكنها شديدة المرارة، وتسيل منها الدماء .... وأي تمساح مفترس في نهر الكونغو ومستنقعات الأمازون  له الحق في الحديث عن حقوق الإنسان أكثر من الولايات المتحدة .. إذ توجد إحصائية فلكية عن عدد ضحاياها في جميع قارات وبحار العالم، بل هم لوثوا حتى المياه والسماء وأضروا البيئة، وانتهاك البشرية عندهم مشرع بالقوانين وأكثر من 25% من شعبهم (من السود) يتعرضون للتميز العنصري بوسائل شتى، ويندر أن يمر عام ما لم تقم انتفاضات للسود تقمع بالقوة المسلحة، ولا يوجد مجتمع يمتهن كرامة المرأة بقدر مجتمعاتهم، فالمرأة لها وظيفة أساسية هو التعري بسبب وبدون سبب إثارة الرغبة والشهوة، ومهنة الدعارة لها فروع وشركات وعصابات ووظائف فرعية يعتاش منها الملايين ...وحتى البنات حين يمارسن المسابقات الرياضية في الملاعب يدخلن الملاعب شبه عاريات ... وكأن السباق يدور في التعري لأكبر جزء من أجسادهن .

 

ـ حقوق المرآة: شاركن النسوة في البلاد العربية في الوزارات قبل الولايات المتحدة وقبل الكثير من الدول الأوربية، ففي 1958 كانت في العراق وزيرة، وكذلك في مصر، وسوريا ولبنان والأردن، والكويت، ودولة الأمارات العربية، والمغرب، وموريتانيا، والجزائر وتونس، وفي البرلمانات، وهناك كادر علمي كبير من النسوة في الجامعات، وفي كافة أوجه الحياة الفنية والسياسية والاجتماعية، بما في ذلك نسوة تعاطين الأعمال في التجارة والصناعة، وفي البلاد الإسلامية الأخرى تقلدن حتى منصب رئيس الوزراء كما في أندونوسيا وباكستان وبنغلادش. ربما هناك بعض من الاختراق لحقوق المرآة، ولكن مثل هذه الحوادث تحدث في مجتمعات كافة الدول حتى في بلدان الغرب كأمريكا وكندا وفرنسا وبريطانيا، وهذه الأرقام بعض من ذلك تتحدث عن نفسها.

ــ  في الولايات المتحدة الأمريكية هناك 79% من الرجال يضربون النساء، وهناك 17%   من النساء يدخلن غرف الإسعاف نتيجة لذلك الضرب. ونشرت مجلة التايم الأمريكية أن حوالي 4 آلاف زوجة من حوالي ستة ملايين زوجة تنتهي حياتها نتيجة لهذا الضرب. وأشار مكتب التحقيقات الفدرالية إلى أن 40% من حوادث القتل ضد السيدات يرتكبها الأزواج، وفي إحدى الدراسات في إحدى المستشفيات الكبرى الأمريكية جاء أن 25%من محاولات الانتحار التي تقدم عليها الزوجات يسبقها ماض حافل بضرب أزواجهن. أي أن ذلك الضرب عامل هام من عوامل الأقدام على التخلص من الحياة. وتبعا لتقرير الوكالة الأمريكية المركزية للفحص والتحقيق  F.P.T   فأن هناك زوجه يضربها زوجها كل 18 ثانيه. ومحاولات الانتحار التي تقدم عليها الزوجات يسبقها ماض حافل بضرب أزواجهن.

ــ  وفي فرنسا: نقلت صحيفة (فرانس سوار) في تحقيق لها حول الموضوع أن 92.7 % من عمليات الضرب بين الأزواج في المدن، و 60% من استغاثات الليل من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن. ويقول الكاتب الفرنسي الكسندر دوما: إنهن كرقائق اللحم كلما ضربتهن كلما أصبحن أكثر طراوة، ومع ذلك لم يحل أحد الكاتب دوما لمحكمة الجنايات الدولية.

ــ وفي بريطانيا: ظهر أن 10% من المشاركات في أحد الاستفتاءات يضربهن أزواجهن، و 70% منهن يشعرن بالمهانة في حياتهن الزوجية، وفي تقرير بريطاني ذكر أن 77% من الحالات يضرب الزوج زوجته دون أن يكون هناك مبرر لهذا الضرب.

ــ  وفي كندا: مائة وخمسون ألف رجل يضربون نساءهم، ونشرت مجلة (التايم) الأمريكية أن حوالي ( 4000 ) زوجة من حوالي ستة ملايين زوجة تنتهي حياتها نتيجة لهذا الضرب.

 

ـــ  حق تقرير المصير

لمن يمكنه فتح الكومبيوتر، فليكتب على الغوغل (أنتشار الجيش الأمريكي)، أو (أنتشار الجيش الفرنسي)، ومنها سيعلم كم يحترم الغرب الحريات الديمقراطية وتقرير المصير، ويكتشف أن هذه المصطلحات تستخدم فقط لأغراض سياسية، أو ليحاول من يبحث عن الحقائق، أن الحروب الأمريكية في القارات، وسيشاهد بنفسه، أنه قليل هي تلك البلدان التي لم تنال الموت من الجيش الأمريكي.

 

ــ الحريات الديمقراطية /

هل هناك تميز عرقي في الغرب والولايات الامريكية خاصة ................. نعم وبشدة.

هل هناك تميز على أساس الدين في الغرب والولايات المتحدة خاصة ....... نعم وبشدة.

هل هناك تميز على أساس الطائفية المسيحية ................................نعم وهذه تشد في المرحلة الراهنة.

 

ـــ حقوق الإنسان ..

.مصطلح من كلمتين فقط، تستخدمه الولايات المتحدة خاصة والغرب عموماً، حين يضعون دولة ما أو حتى  شعبا ما تحت المطرقة، وينهالون عليه بحسب درجة سخطهم أو رضاهم عن ذلك الشخص أو الحكومة. وقد يتهم شعباً بأكمله أنه لا يحترم حقوق الإنسان.  جوهر حقوق الإنسان عندهم  هي أن يرقص زعيم أي دولة وحكومة على موسيقاهم السياسية، وإذا فعل ذلك فهو عظيم ...!

بالأمس كتبت، أن الغرب حين يتخبط بين الإنكار الساذج، والكذب، والتغافل، وتزوير الحقائق، ورفضه رؤية الحقائق رغم كونها ساطعة، ويعاند كي لا يضطر مرغماُ للقبول بالحقيقة، فهذه بداية التخبط والانحدار في إعلام كان أحترافياً، وسياسيون كانوا رغم وساختهم، إلا أنهم يضيفون على أنفسهم هالة من الاحترام، فالفرق بين ونستون تشرشل وتوني بلير ليس كبيراً، والمسافة ليست بعيدة جوهرياً، ولكن بلير يكذب علناً كالذباب، ويصعر خده، ويكذب أمام مجلس العموم بقلة حياء لا يفعلها أسقط الساقطون، راح زمن يرؤساء الدول وزعماء كشارل ديغول، وجاء زمن يتمرقص فيه ولد ويعرب عن سخطه لأن عن فئة واسعة فقط لأنهم لا يأكلون لحم الخنزير ..! ويصدر أوامره،  إما أن تمارسون دينكم كما أمركم أو أغلق مساجدكم ... ولا يقول له أحد أنك ضد حقوق الإنسان ..يحق لي أن أقلل الأدب أو أفرش مظلة القانون حماية لمن يقلل الأدب، ويحق لي أن أتجاسر وأشتم وأسخر، وأنت لا يحق لك إلا القبول، وهذه من جملة مبادئ حقوق الإنسان..!

 

وزير الدفاع الحالي لويد أوستن أعلن قائلاً أن الحروب التقليدية استنزفت أميركا وقد ولى عهدها بعد أن أفقدت الولايات المتحدة آلاف البشر ومليارات الدولارات. منذ إعلان استقلالها في الرابع من شهر يوليو/تموز 1776، خاضت الولايات المتحدة الأميركية العديد من الحروب في مختلف دول العالم. هذه الحروب أفقدت الولايات المتحدة آلاف البشر ومليارات الدولارات، فكان من الطبيعي أن يعلن وزير الدفاع الحالي لويد أوستن أن "الحروب التقليدية استنزفت أميركا وقد ولى عهدها".

ـــ يرسلون جيوشهم ليقتل الناس في دول أخرى .... في نحو عشر دول يقصف ويقتل ويغتصب... وأنت الإرهابي ولسنا نحن ... بل إذا قاومتني أنت إرهابي .. هم أبطال تاريخ العالم الأسود في القتل والنهب والاغتصاب، ومع ذلك يتهمون غيرهم.  (على مدار تأريخها منذ استقلالها عن بريطانيا (246 عاما) غاب تورط الجيش الأميركي في مغامرات عسكرية بالخارج 17 عاما فقط).

ـــ لدولةٍ كأميركا  تبلغ نسبة نفقاتها العسكرية 45% من الإنفاق العسكري العالمي ولديها 725 قاعدة عسكرية في الخارج، ويتحكّم صانعوا الأسلحة فيها بالدولة العميقة ويحددون السياسة الخارجية المسؤولة عن 20 مليون قتيل منذ سنة 1945. في هذا الصدد يقول مارتن لوثر كينغ : "إن حرب فييتنام هي أحد أعراض المرض الذي يضرب الذهنية الأميركية التي تقوم على دعائم ثلاث هي العنصرية والمادية والعسكرة."

ـــ وإذا أضفنا إلى ذلك أن العجز التجاري مع أوروبا والمكسيك وكندا وروسيا قد تفاقم أيضاً، يمكننا قياس الصعوبات التي تضرب القوة العظمى المتداعية. لكن ذلك ليس كل شيء. إذ أنه بالإضافة إلى العجز التجاري، فقد تعمّق العجز في الميزانية الاتحادية (779 مليار دولار مقابل 666 مليار سنة 2017). لقد ارتفعت النفقات العسكرية بشكلٍ مذهل. حيث أن ميزانية وزارة الدفاع لسنة 2019 هي الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة وقد وصلت إلى 686 مليار دولار. بينما أنفقت الصين في السنة ذاتها 175 مليار، رغم أن عدد سكانها يبلغ أربعة أضعاف الولايات المتحدة. وليس من المفاجئ أن تضرب الديون الاتحادية رقماً قياسياً بلغ 22175 مليار دولار. أما الديون الخاصة بالشركات والأفراد فهي تصيب المرء بالدوار إذ بلغت 73000 مليار دولار.

ـــ لا مشكلة لي شخصيا مع الهولوكوست، فهي فضيعة بأحداثها، وأكثر فضاعة بنتائجها، ولكن لاحظ أنهم يعوضون اليهود من مال غيرهم، ثم يحكمون بالسجن 8 سنوات لمن  ينكرها ويذكر خلاف ذلك ... هذه حرية الرأي عندهم ..!

ـــ يشتمون رموزا دينية ويعتدون عليها بالكلمة والرسم والفعل، ويعتدون عليك بأسم حرية الرأي ..!

ـــ العالم بأسره يعبر عن اشمئزازه عن معتقل غوانتنامو ... ولكنهم لا يعتبرونه خرق لحقوق الإنسان.

ـــ أقاموا سجوناً سرية في أوربا (افتضح أمرها)، ولكن من غير المسموح الكتابة عنها ...

ــ ولماذا نذهب بعيداُ .. فالعراقيون والعرب يعرفون تفاصيل يندى لها حتى من كان جبينه من الخشب ...  من أحداث جرت في سجن أبو غريب على أيدي الأمريكان، شكليا قدمت الفاعلة الرئيسية للمحاكم وأدينت شكلياً، إلا أنها نال عفواً وتولت مناصباً أعلى ...

ـــ بموجب معطيات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" (كانون الثاني / 2022) خلال خمس سنوات، شن الجيش الأمريكي أكثر من خمسين ألف غارة جوية في أفغانستان وسوريا والعراق. وقد اعترف بقتل 1417 مدنياً خطأ في غارات جوية في سوريا والعراق منذ 2014. والعدد الرسمي للقتلى في أفغانستان 188 مدنياً سقطوا منذ 2018. " وتفيد وثائق وزارة الدفاع الأمريكية أن 4 % فقط من الأخطاء في تحديد العدو أدت إلى سقوط مدنيين. لكن التحقيق الميداني الذي أجرته الصحيفة يدل على أن نسبة هذه الحوادث تبلغ 17 % وسقط خلالها ثلث القتلى والجرحى المدنيين.

ــ الشرطة الأمريكية أسوء شرطة في العالم من حيث أطلاق النار الحي بدون إنذار على أي مواطن لا يمتثل لأمر الوقوف. أفاد تقرير لصحيفة الواشنطن بوست أن عناصر الشرطة الأمريكية قتلت 86 شخصا على الأقل، وأن هذه الحوادث وقعت في عامي 2015 و2016.

ــ يندر أن يمر يوم في الغرب، أن يقتل فيه شخص مسلم، أو ملون، أو من عناصر الأقليات، وتهاجم دور عبادة ومراكز ثقافية، وهناك سجل مذهل يوثق جرائم العنف والقتل، ولكن هذا ليس بإرهاب ... تهمة الإرهاب توجه فقط  للمسلم، أما الآخرون ... فهم مختلون عقلياً، أو يعانون من أزمة نفسية أو صدمة عائلية ... يستحقون العناية الصحية والاجتماعية وليس المحاسبة ...!

 

 

أفكار ميكافيلية في الإمارة

 

ضرغام الدباغ

 

يتحدث ميكافيلي هنا عن إيطاليا المجزأة، وكان كثير الاهتمام بوحدة إيطاليا، ومن يحب بلاده يحبها موحدة عزيزة، ويقدم الولاء لها على أي اعتبار آخر، فهو يريد القول أن الأمير عليه أن يتصرف بطريقة تكون مقبولة من شعب الإمارة التي صار الاستيلاء عليها.

 

" الممتلكات التي اكتسبت بهذه الطريقة (أي بالضم) إما أنها قد ألفت حكم أمير آخر فيما سبق أو كانت ولايات حرة يلحقها الأمير بممتلكاته.. إما بقوة أسلحته هو أو بقوة أسلحة غيره أو يسقطها في يده حسن الطالع أو قدرة خاصة ".(13)

وتصريف هذه المقولة تصلح في حال إعادة الاتحاد لقطرين، كالوحدة الفيثنامية، أو الوحدة اليمنية، أو مشاريع الاتحاد والوحدة عليها أن تراعي هذا الجانب.

ولكن إن شئنا أن نبحث المقولة في العلاقات الدولية غير حالات الوحدة والاتحاد، فنذكر أن فكرة الضم والإلحاق هي فكرة استعمارية تكاد تختفي بصيغها التي عرفت بها منذ الثورة الصناعية والفتوحات الاستعمارية وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن القوى الكبرى ما تزال تمارس ذات السياسة ولكن بصيغ حديثة، فحشد كبير من الدول النامية هي دول شكلية فحسب، لها مقعد في الأمم المتحدة ولها علمها ونشيدها الوطني وإذاعة رسمية، لكن الدول الكبرى تتدخل حتى في صغائر الأمور تبعاً لمصالحها السياسي والاقتصادية والاستراتيجية، وفي سائر شؤونها حيثما عن لها ذلك. فالتبعية الاقتصادية ما توال في أقسى أشكالها، وهو ما أفضى إلى تبعية سياسية، والأنكى من كل ذلك، أن القوى العظمى تحاول اليوم (وهي تصادف النجاح والمقاومة)، فرض أنماط من الثقافات وصيغ الحياة والدخل في دقائق الحياة اليومية ومفرداتها، بل هي سمة العصر وأحدى ملامحه الرئيسية.

وقد تخفي الدول العظمى أساليب تدخلها وراء عدة أقنعة: كالديون وال(المساعدات) وبرامج التنمية، وما إلى ذلك من العلاقات المشروطة على الأرجح، والتي تمثل المدخل للتدخل في الشؤون الداخلية، انتهاء بفرض المعاهدات غير المتكافئة التي تلب حاجات الدولة العظمى، ونادراً ما تهتم بهموم وهواجس الدولة الصغيرة، الطالبة للمساعدة.

ــ عن الملكيات المتوارثة يكتب " إن الصعوبة في المحافظة علي الدول الوراثية التي الفت حكم أسرة حاكمة أقل بكثير منها من حكم الملكيات الجديدة لأنه يكفي ألا نتجاوز أوضاع السلف وان نتهيأ للطوارئ المقبلة "

ومن النادر في الأنظمة المتوارثة، أن يستمر نظام الحكم على ذات السمت الذي كانت عليه، بسبب اختلاف القدرة الزعامية لوارثي الزعامة، من جهة وتغير الظروف والمعطيات السياسية والاقتصادية من جهة أخرى، ناهيك عن أن الوارث لا يجد ذات البواعث التي كانت لمن سبقه.

ونجد أن أفكار أبن خلدون في هذا المجال أكثر علمية ونضجاً، فميكافيلي يرى هنا ولكن دون أن يتوصل لذلك كما فعل أبن خلدون، أن الدول تتعرض للشيخوخة، بسبب فقدان العصبية التي دعت لنهوضها، وهو في ذلك ينتقد الأنظمة الملكية، ومن هنا وصفت أفكار ميكافيلي بأنها جمهورية مبكرة.

ويحاول مفكرون رجعيين أمثال: صامؤيل هنتغتن، وفرانسيس فوكوياما، أن يخلقوا عناصر شد جديدة بإشاعة مشاعر التخوف من هذه الجهة أو تلك، والهدف الرئيسي هو الإبقاء على حالة الشد العصبي، والالتفاف، عن طريق اختراع مخاطر موهومة.

وكان وزير الخارجية الأمريكي الكسندر هيغ، قد صرح أن لا بد من إيجاد المبررات لحلف الناتو، وابتكار جبهات ومواجهات. وأحدث تلك الأساليب، هو مشروع الدرع الصاروخي التي تحاول الولايات المتحدة تأسيسه في أوربا، هي تدعي أنه لحماية شرق أوربا من مخاطر وهمية(الصواريخ الإيراني) وعلى الرغم من أن هذا المبرر هزلي، ولا يصدقه أحد، إلا أن إجراءات تتخذ وتداعيات تحدث، وهناك ملامح أزمة تلوح في الأفق، الغاية منها إبقاء الأوربيين تحت شعور أنهم تحت حماية الولايات المتحدة القوية والضامنة للسلم والأمن على حافتي الأطلسي.

ـ كتب مكيافيلي " ولكن حين نستولي علي ممتلكات في منطقة تختلف معنا في اللغة والقوانين والعادات فإن الصعوبات التي لابد من التغلب عليها عظيمة ".

هذا خطاب يصلح لدعاة الإمبريالية والعولمة اليوم، وما لم يقله ميكافيلي لأنها لاحقة لعصره، أن الاستعمار هو مشروع اقتصادي / سياسي، والإمبريالية نموذج أعلى للاستعمار القديم (Colonialism)، أما العولمة فهي أعلى أشكال الإمبريالية، وهي مشروع اقتصادي / سياسي / ثقافي، أكثر تكاملاً من أي مشروع استعماري سابق، لأن التوسع الثقافي وسبله قد بلغت شأواً كبيراً، في ثورة شاملة رفيعة المستوى في جميع وسائل النقل والمواصلات (Communication System) من أبرز ملامحها: استخدام الأقمار الصناعية، وانتشار الحاسوب(الكومبيوتر) والهواتف النقالة، وآلات التصوير الديجتال وغيرها، وسهولة الانتقال بالطائرات، وهي أدوات تستخدمها دوائر العولمة في نشر ثقافة موحدة، عابرة للقارات والأمم، يملي فيها الأقوى إرادته ومعتقداته الثقافية، كما هي وسيلة لشعوب العالم الثالث في تحسين أدائها الثقافي، واستخدام هذه المعطيات لمصلحتها.

ــ " أن من لم تؤخذ أرضه منه لإقامة مستعمرة عليها سيحتفظ بالولاء له أي للأمير والخوف من أن تؤخذ منه أرضه مثلهم ".

ويكاد مكيافيلي يشير إلي أسلوب الدعاية بالترهيب، ولو عاصر ميكافيلي عالمنا اليوم، لأشار إلى أشهر واقعة تهديد وترهيب وابتزاز في التاريخ الحديث والقديم والحديث، ولأدرك أن تهديد القوي المتغطرس ليس على الدوام تأتي بثمارها، ونعني بها الجلسة التي هدد فيها وزير الخارجية الأمريكي بيكر وزير الخارجية العراقي طارق عزيز، بقوله سنعيد بلدكم إلى القرون الحجرية ما لم تقبلوا إنذارنا (Ultimatum). وقد رفض الوزير العراقي الإنذار، إذ لم يكن أكثر من استسلام كامل.

بوسع الدول العظمى اليوم بما تملكه من قوة هائلة، نقل جيوش جرارة خلال ساعات إلى أي بقعة في الكرة الأرضية وزجها في معارك قد تحرز النصر في صفحاتها الأولى، بيد أن هذه القوى سوف لن تكسب النتائج سياسياً، أو لنقل، أنها لن تستطيع التحكم في المسارات اللاحقة سياسياً بالدرجة الأولى، ولكن عسكرياً أيضاً، وسف تحتاج هذه الدولة العظمى، إلى مساعدة وجهود سياسية / عسكرية / أخلاقية لدول أخرى في معركتها.

ـ ويقول مكيافيللي " إن إهانتنا لإنسان لابد أن تكون إهانة تعنينا عن أن نخشي انتقامه "

ويريد ميكافيلي هنا القول أنك عندما تلحق الإهانة كضرر معنوي، أو إلحاق الضرر بطرف ما، عليك أن تتوقع ردود فعله إن عاجلاً أو آجلاً، وربما بطريقة تختلف عن تلك التي أقدمت عليها.

وفي السياسة المعاصرة، ورغم ضعف العوامل الأخلاقية، إلا أن هزيمة الولايات المتحدة في فيثنام خلقت عقدة نفسية لدى صناع القرار السياسي في هذه الدولة العظمى ما تزال تعاني منها، وقد أضافت العمليات الحربية في العراق الدائرة منذ سبعة سنوات المزيد من العقد السياسية، بعد الخسائر الكبيرة في الأفراد والمعدات التي منيت بها القوات المسلحة الأمريكية بخاصة.

ـ (من كان سببًا في قوة غيره هلك )..

 كتب نيقولا مكيافيلي تحت عنوان (لماذا لم تثر مملكة داريوس علي خلفاء الاسكندر عقب وفاته). يقول:  " الممالك التي عرفها التاريخ قد حكمت بطريقتين.. إما حكمها أمير وأتباعه يساعدونه في حكم المملكة كوزراء بفضله وإجازة منه.. أو حكمها أمير ونبلاء يتبوءون مراكزهم بدون مساعدة من الأمير.. ولكن لقدمهم.. ولمثل هؤلاء النبلاء ولايات ومواطنون لهم خاصة يعترفون بهم سادة عليهم بطبيعة الحال.. وللأمير في تلك الولايات التي يحكمها أمير وأتباعه سلطان أكبر من سلطان الأمير الثاني.. لأنه لا يوجد فوقه سواه ".

وفي السياسة المعاصرة نفهم ذلك أن القوى العظمى تدير أزمات، أو ملفات معينة، أو ربما مناطق كاملة بواسطة وكلاء تعمل على إمدادهم بمصادر القوة، أو تسمح لهم أن يكونوا مراكز قوى ليخدموا سياستها في نهاية المطاف، ولكن الولايات المتحدة كقوة عظمى تستخدم هذا المبدأ، تحرص أن تخلق قوى لتكون في مصلحتها وتحت قيادتها، وليس خلق قوة من أجل المطالبة بشراكة. وهناك فرق قانوني / سياسي كبير بين مصطلحي: تحت إشراف أو تحت كنف (Supervision) ومصطلح شراكة (Partner).

ـ يطرح مكيافيلي ثلاثة أساليب لإخضاع المستعمرات الجديدة التي لا نتفق معها في لغة أو جنس.. وهي التخريب، نقل السلطة إليها، تتويج حكومة عملية. وتمارس القوى العظمى هذه السياسة منذ عصر الاستعمار، وبكثافة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وشيوع أساليب الاستعمار الجديد. وتنصيب حكومات عميلة خيار محبب للمستعمرين القدامى والجدد، وكذلك في عصر العولمة.

وتنصيب حكومات متعاونين من أبناء البلاد وسيلة التجأ إليها كل المحتلون عبر العصور في محاول لإيجاد عناصر / شريحة تقبل بوجود المحتلين مقابل الحصول على مغانم فردية / فئوية لا ترتقي إلى مصلحة الوطن، وسرعان ما سيلحق التناقض التحالف الهش بين المتعاونين والمحتلين، المتعاونين على تعدد أطرافهم، والمحتلين على صعيد تقبل مسرح العلاقات الدولية لعملية نهب معاصرة تجري تحت أنظار العالم.

ــ (في الإمارة الجديدة التي استولي عليها بقوات غيرنا وخطه) يقول مكيافيلي: " إن أولئك الذين يرقون من أفراد عاديين ليصبحوا أمراء لمجرد الحظ، لا يعانون عناء كبيرًا في الصعود.. لكنهم يقاسون كثيرا في توطيد ولايتهم.. هم لا يقابلون في الطريق إلي الإمارة أية عقبات لأنهم يطيرون فوقها) ويضيف (وهؤلاء يعتمدون اعتمادا مطلقاً علي حظ أولئك الذين يرفعونهم وإرادتهم الخيرة) ويعلل (وهم غير قادرين علي المحافظة علي أنفسهم لأنهم لا يملكون قوات صديقة وموالية لهم ".

والترجمة العصرية لهذه الأفكار هي أن وضع أشخاص في موضع المسؤولية دون تدريب وتأهيل لمهماتهم، قد يتعود بالنتائج الوبيلة على البلاد والحكم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن القوى الكبرى المخلصة لاستراتيجيتها وليس لاعتبارات أخلاقية، تتعامل بواقعية: أنت لم تعمل لنا مجاناً، والآن قد حان وقت غيرك. والواقع والأحداث تشير أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد استغنتا مرات عديدة عن كثيرين ممن تعاملوا معهم، لأن الحاجة استدعت التعامل مع وجوه جديدة. 

ــ يعتبر ميكافيلي أن " الدول التي ترمي شباكها وقواعدها سريعاً لجميع الأشياء الأخرى ذات البدايات والنمو السريع لا تستطيع أن تتجذر بعمق. هي تتشعب في أماكن رحبة حتى أن أول عاصفة تهب تدمرها ".

والغرب الاستعماري لم يستفيد من هذه المقولة الميكافيلية، لجهة كسب تعاطف الشعوب، بل كان جل سعيها، نهب أقصى قدر من القدرات الاقتصادية، وفي هذا السبيل فإن العناصر المحلية التي تعاونت مع الغاز المحتل، اتهموا من شعوبهم بالخيانة العظمى، ولم يعد مهماً في هذه الحالة البرنامج الذي يتقدمون به للشعب.

أما القصص التي يسردها مكيافيلي أن أميراً لكي يستجلب محبة الناس ولي عليهم قائدا فظا ولما جأروا من بطشه قاوم بالقبض عليه وقسمه بالسيف نصفين وعلقه في الميدان. فهذه تدخل في نطاق الحيل والأحابيل السياسية التي يتبعها المحتلون أو حتى الحكام المحليين، لإظهار مزايا السطوة والمبادئ الضائعة التي يريد المحتل أن يشرعها. كما يروي ميكافيلي الكثير من الأحداث التي تشير أن الأمراء كانوا يحيكون الدسائس والمؤامرات من أجل الاحتفاظ بالسلطة أو توسيع النفوذ، ويذكر أحداثاً كثيرة أم المؤسسة الدينية (الكنيسة ـ البابا) غالباً ما كانت تشارك في المؤامرات، لقاء صفقات ومكاسب.

ــ ويطرح مكيافيلي عدة نقاط يطلب مراعاتها من الأمير(النظام) الذي يصل للحكم بالحظ أو بأسلحة غيره:

1. تأمين نفسه ضد الأعداء.

المقولة كمبدأ عام صائبة، ولكن أن لميكافيلي أن يعيش عصرنا هذا ويشاهد أعلى أشكال البراغماتية (Pragmatsim) تطبق في عالم السياسة، بل وحتى العقائديين الدوغماتيون (Dogmatism) صاروا برغماتيين يسلكون أكثر الوسائل انفضاحاً من أجل مصالح لا تداني المصداقية (Credibility) العقائدية ولو حتى بالقليل. عالم اليوم يقبل ويدعو لإقامة التحالفات، والائتلافات بهدف حلحلة الموقف ودفع العملية السياسية. 

2. استعمال القوة أو الخديعة.

يؤمن ميكافيلي باستخدام القوة عند الحاجة لها، وحينما يمتلكها دون هوادة ولا شفقة، وعندما يتفوق طرف ما فعليه أن يستخدم معطيات التفوق بلا تراجع أو تردد لدرجة سحق الخصم بحيث قطع أمكانية أن يعود ذو حجم مؤثر. أما مبدأ الإيهام(Camouflage)، والاستتار خلف أي ستارة تؤمن تأجيل المواجهة الحاسمة، أو دفعها إلى الوراء سعياً وراء أهداف سياسية قد تكون مؤثرة بمجموعها. ميكافيلي يعتقد أن واجب السياسي أن يحافظ على الدولة ومصالحها فحسب.

3. أن يكون محبوبا ومهيبا للشعب.

ميكافيلي لا يقبل بالطغاة، وقوله هذا وإن كان الحاكم أو النظام يتسم بالقوة، ولا أمل يلوح لخصومه وأعدائه، إلا أن عليه أن يجعل وجوده مقبولاً، بل وخياراً محبباً. ولكن أي نوع من المحبة، إنها المحبة الممزوجة بالاحترام والتقدير، وهو ما يسعى الحاكم أو النظام أن يشيعه بين صفوف الشعب لا أن يفرضه قسراً.

4. التخلص من كل مكامن الخطر.

الحاكم إن تمتع ببصر وبصيرة ثاقبة، وبقدرة ضرورية للتنبؤ، عليه أن يدرك بعمق أي المخاطر ينطوي عليها إقدامه على هذه الفعلة أو تلك. وأن يتنبأ أي المخاطر هي أمامه وبأية درجة. والتخلص من الخطر في عرف ميكافيلي فهو قد يعني ربما التآمر، أو أتباع ما من شأنه تلبية الغرض، ولكن في علم السياسة المعاصر، فإن النظام / الحكومة ينبغي لها أن تنصت لرأي الخبراء، والخبراء هم علماء السياسة والقانون الذين ينيرون طريق الإجراءات بالأفكار السديدة، واستجلاء لعواقب القرارات ونتائجها المحتملة.

5 ـ يقوم بتجديد كل ما هو قديم.

هذه مقولة رائعة، وثورية حقاً، ربما قالها ميكافيلي دون معرفة وافية للديالكتيك(Dialectic)، ربما كان قد أطلع على مقولات هيروقليطس، بيد أن الديالكتيك لم ينضج إلا على يد هيغل وماركس وهما لاحقان لمرحلة ميكافيلي بعدة قرون. التجديد ببساطة يعني استمرار الحياة، بل قل قابلية استمرارها، وأنها السبيل الوحيد لفهم التطور وحركة التاريخ، من يتخلف عن فهمها، يصبح للأسف كالشجرة اليابسة لا أمل بالثمار منها، وستكون عائقاً أمام من يريد مواصلة المسيرة.

6 ـ يجمع بين القسوة والشفقة.

القسوة دليل الحزم، وإشارة للقاصي والداني أن من يخطأ يعرض نفسه للمساءلة، وستكون قاسية إن كان الخطأ جسيم، ولكن عليه أيضاً أظهار العطف حين توفر ظروفه، ففيه يؤكد الحاكم (النظام) أن المواطن هو أبن الدولة، وفسحة العطف موجودة، إن توفرت ظروفها، ومنها تنزع الدولة (الحاكم) صفة السطوة والطغيان.

7 ـ نبيل الخصال.

هذه قالها كل علماء العلوم السياسية، فمن يتصدى لقيادة الناس، لن يكون مقنعاً ما لم يتمتع بخصال متميزة. وبعض من هذه الخصال هي مكتسبة، والأخرى هي لصيقة به كأن يكون كريم المحتد.

وقد يختلف علماء السياسة حول من هو النبيل أو كريم المحتد ..؟

في عصر ميكافيلي، لا بد أنه لا يمكن له أن يتصور أميراً دون أن يكون سليل عائلة إقطاعية، واسعة الثراء كبيرة العدد، تمتلك الأراضي الشاسعة، وهي صفات تؤهل العائلة على إقامة تحالف عائلات مع عائلات أخرى، وتتمكن بذلك أن تشكل القوة السياسية والاقتصادية والسياسية الأكبر. أما في عصرنا الحالي، فالقائد السياسي ينبغي له أن يمتلك كاريزما قيادية، وليس سوى ثقافة ممتازة تجعله محدثاً يستحق الانصات له، وتجربة مهمة في العمل السياسي، وله إطلالة طيبة على الجمهور.

فما لذي يجعل الفرنسيين ينتخبون رئيساَ مثل ساركوزي، وهو المهاجر أبن المهاجر، تمتد جذوره لديانة غير المسيحية، سوى كفاءته في وزارة الداخلية التي أقنعت حزبه أولاً ومن ثم الجمهور أن بوسعه قيادة البلاد.

8 ـ رحب التفكير.

هي نصيحة طيبة من ميكافيلي في ذلك العصر الذي كانت الدولة تفتقر فيه للمؤسسات الدستورية القوية، وبالتالي كان الشعب يرجو، وليس أكثر من الرجاء أن يتسع صدر الأمير لرأي غيره.

في عالم السياسة المعاصرة، فإن حرية التفكير والاستماع خاصة لرأي المعارض هو من بديهيات الأمور، ولكن أي حاكم وأي حكومة وأية معارضة، فذلك هو الشأن الجوهري في الواقع.

فالحاكم كسلطة تنفيذية، ومجلس النواب كسلطة تشريعية إنما سلطات تعمل بنصوص القانون، وهي مقيدة بشكل حازم بالدستور، وهناك محكمة دستورية تنظر في كل حالة يشتبه بأنها خالفت الدستور أو روح الدستور ..!

9 ـ يبقي علي علاقة بين الملوك والأمراء تفرحهم إذا نفعوه ويخافونه إذا أضروه.

ـ ثم يقرر مكيافيلي بأن: المنفعة الحديثة لا يمكن أن تمحو أثر الإساءة القديمة من نفوس العظماء. ولعلنا في هذا الباب قصدنا الإطالة لمأثورات مكيافيللي نظراً لما تراءي لنا من أهمية تلك الملحوظات في عصرنا الحالي.. وما يمكن أن نلاحظه يوميا في حياتنا علي أي مستوي من مستويات السلطة.

في السياسة المعاصرة نعلم أن الدول كالأشخاص. فمنها ما هو محترم الجانب، لأن الدولة وبصرف النظر عن حجمها(للحجم والسكان دور لا ريب في ذلك)، إلا أن الدول تستطيع أن تثبت للدول الجارة محلياً وقارياً، أنها ذات منفعة، وأنها تتحرك في أي اتجاه يكون مفيد للعلاقات الثنائية والدولية.

10ـ ويؤكد أن الشدة الصالحة (لو أمكن استبدال الشر خيرا) لا يجب أن تستعمل سوي مرة واحدة لتأمين مصير الأمير.. كما لا يجب استخدام الشدة في تلك الحالات التي سوف تتلاشي مع الزمن تلقائيا.

لعل ميكافيلي يريد أن ينصح أن لا يسرف الأمير(الحاكم / الدولة) في استخدام القوة، وإظهار الجبروت. وفي ذلك يلعب الاقتصاد في القوة دوراً في تقرير أين ينبغي أظهار القوة والتشدد، وأين تكون إبداء المرونة واجبة. والإسراف في القوة قد يؤدي أن يكون ذاك الطرف مرهوب الجانب، بيد أن القوى المناوئة له سوف تتحالف ضده متى ما بدا أنه خطر محدق على الجميع.

11 ـ ويشير إلي: أن الفاتح الذي يستولي علي ولاية جديدة عليه أن يهيئ الأمر لكي يقترف ضروب قسوته مرة واحدة حتى لا يضطر إلي أن يمارسها كل يوم ويعلل ذلك بأنه (سيضطر دائما أن يقف والخنجر في يده ولا يستطيع أن يركن إلي رعاياه بتاتا لأنهم لا يستطيعون أن يطمئنوا إليه بسبب أذاه الذي يتجدد لأن الإساءة يجب أن تكون جميعها دفعة واحدة حتى أنه كلما قل حدوثها قل ضررها).

في السياسة المعاصرة لا توجد ولايات تفتح بالمعنى القديم،  بيد الأمريكان على سبيل المثال كغزاة في القرون المعاصرة، لا ينفكون عن استخدام القوة المفرطة ولسنين طويلة، بل هم يتبعون حزمة أساليب عديدة في آن واحد، وكلها تنطوي على الشدة أكثر مما تعتمد على الحوار السياسي مع خصومهم، وهذه دلالة أن الدولة العظمى التي تتمتع بقدرات اقتصادية وسياسية كبيرة، لكنها تعتمد على القوة بالدرجة الأولى، رغم أن دراسات استراتيجية أمريكية تنصح بعدم وضع القوة المسلحة في المقام الأول، بل السياسة المدعومة بالمال، ويستشهد استراتيجي أمريكي معاصر بالقول: أن المال لم يخلق من أجل قيماً أفلاطونية ..! (14)

12 ـ في الإمارات المدنية تحت هذا العنوان كتب: (وبلوغ هذه الولاية لا يتوقف بتاتاً علي الجدارة أو الحظ ولكنه يعتمد بالأحري علي المكر يعينه الحظ لأن الأمير يبلغها برغبة الشعب أو بإرادة الطبقة الأرستقراطية)

يريد ميكافيلي بالصياغات السياسية المعاصرة، والمكر عنده العمل السياسي / الدبلوماسي الذكي،  يريد القول: أن ترسيخ السلطة لا يعتمد فقط على المعطيات القانونية، التي يفترض أن الكفاءة والجدارة عمادها، بل أن على الحكومة اللجوء إلى أساليب أخرى، هو يطلق عليها المكر، بيد أنها الذكاء والحصافة التي تتمتع بها الحكومة، والحاكم، من خلال سياسة داخلية وخارجية منسجمة، وبجهاز إعلامي متطور يفسر عمل الحكومة بطريقة ذكية للشعب.

13 ـ وإذا كان نيقولا مكيافيلى ينصح الأمير العاقل بأن (يبحث عن وسائل يكون رعاياه بها في حاجة إلى حكومته دائما وفى كل ظرف ممكن وحينئذ سكونون أوفياء له على الدوام).

الحكومة ينبغي لها على الدوام أن تكون حججها وأسانيدها في العمل الشرعي، وأن تكون حائزة على ثقة المواطنيين، وليس فقط قلوبهم واحترامهم، المهم هنا الولاء للدولة قبل الولاء للحكومة القائمة هذه أو تلك.

14 ـ كيف يجب قياس قوة كافة الإمارات ؟ تحت هذا العنوان كتب مكيافيلى (أعتبر الذين في حاجة إلى غيرهم دائما هم أولئك الذين لا يقدرون أن ينزلوا أعدائهم في الميدان ولكنهم يضطرون إلى الانسحاب داخل مدنهم ويدافعون ) و ( ليس ثمة قول سوى أن تستنهض هذا الأمير لتحصن مدينته تحصينا منيعا ويهاجم بإحجام شديد وذلك لأن الناس يعافون دائما المشروعات التي تنبئهم بمصاعبها ولا يمكن أبدا أن تبدو مهاجمة أمير له مدينة منيعة ولا يناوئه شعبه أمرا هيناً )

في السياسة المعاصرة ليست هناك قلاع وحصون، إنما هناك فهم عميق ودقيق لقضايا الأمن القومي، ولتلك معطياتها وركائزها على الصعيد الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي يعد الأمن الغذائي والاقتصادي عامة، والوحدة الشعبية، والسلم الاجتماعي من أهم مرتكزاتها، فيما على الصعيد الخارجي، علاقات الدولة الخارجية، محلياً وقارياً ، والدور الذي تلعبه في الحياة الدولية سياسياً واقتصادياً، وثقافياً.

خاتمة

برأينا :

* المفكر أبن عصره.

* المفكر يستخدم مفردات من القاموس السياسي لعصره.

* لا يمكن مقارنة أعمال أي مفكر إلا بمن سبقوه من المفكرين أو المعاصرين له.

* ينبغي أن يتذكر من يتصدى للتقييم أو النقد، الظروف التاريخية لذلك العصر.

* لا يجوز اقتباس مقطع صغير من أعمال المفكرين، فقد يختفي المعنى في النص بأكمله.

 

هذه بتقديرنا عناصر مهمة، ينبغي للكاتب، الناقد أن يتذكرها عند تصديه لمهمات تحليل أو تقييم عمل أحد المفكرين. وقد تعرض ميكافيلي لحملة تشويه واسعة، بل ووضعت كلمات لم يقلها في فمه، من تلك مثلاً مقولة انتشرت كالنار في الهشيم، لم يقلها ميكافيلي مطلقاً، وقد أطلعت على عمل لباحثة ألمانية مختصة بأعمال ميكافيلي، تذكر أن هذه المقولة موضوعة، ربما هي استنتاج توصل إليه أحدهم لأفكار ميكافيلي، إلا أنه لا يوجد نص في أعماله، والمقولة هي: الغاية تبرر الواسطة.

من له مصلحة في تدمير سمعة ميكافيلي العلمية والشخصية ..؟

الكنيسة كانت قد ناصبته وناصبها العداء، هذه حقيقة مؤكدة.

الكنيسة رمت ميكافيلي بأنه من أشياع الوثنية. المؤسسة الدينة اعتادت أن ترمي من يعاديها أو يسعى لإبعادها عن أنشطة السياسة والحكم بالزندقة، بالهرطقة، بالفسق، بالكفر ..الخ .

ولكن ميكافيلي كان متديناً، بمعنى أن كان مؤمناً وموحداً، ولكن الكنيسة تريد الاستسلام الكامل الشامل وليس أقل من ذلك، وهو ما لم يكن ميكافيلي ليقبله، لأن الزمن كان قد تجاوز مثل هذه الفكرة، بل وميكافيلي وآخرون غيره كانوا قد توصلوا إلى حقيقة أن الكنيسة عائق أمام التقدم، عائق ضد الوحدة الإيطالية، الكنيسة كان لها المصلحة أن تبقى إيطاليا مقسمة إلى دويلات، على أن تتحد، لأن في التجزئة ضمان لتفوقها على السلطة الزمنية(الدولة)، وأن الوحدة ستقود إلى قوة الدولة والحكومة والقوانين الوضعية وهو سيعرض نفوذها للتقلص التدريجي وربما لاختفاء.

هل تقبل المؤسسة الدينية أن تحصر عملها بين جدران الكنيسة ..؟

هل الأمر يتعلق بإطاعة أوامر إلهية بالقيادة والحكم ..؟

في غالب الأحيان لم يكن تلك الفقرة الوحيدة في رسالة الكنيسة (Argumentation)، الكنيسة كانت ثرية، بل المالك الأعظم للأراضي ووسائل الثروة. وقد تمتع رجال المؤسسة الدينية دائماَ بالوجاهة الاجتماعية إضافة إلى المقدرة الاقتصادية.

لذلك فإن المؤسسة الدينية لا تحبذ أن تكون الدولة قوية. لأن قوة الدولة يعني الدستور، ويعني بالتالي سائر القوانين الوضعية، الذي تضمن الفعاليات الاجتماعية، القانون ينبغي له أن يلبي حاجات الأنشطة الاجتماعية، والأنشطة الاجتماعية تتضمن فعاليات لا ترضى عنها الكنيسة أو تقف منها موقفاً سلبياً.

 

الحياة تطرح منطقاً، يؤدي لاشتداد نفوذ الدولة بالنظر للتطورات الاجتماعية والاقتصادية التي دارت في نهاية القرن الخامس عشر يصفه جورج سباين بأن كان لها عواقب اجتماعية وسياسية بعيدة الغور، وكلها تؤدي إلى تقوية نفوذ السلطة الزمنية (الملوك والأمراء) قادت في نهاية المطاف إلى نهاية النفوذ القانوني للكنيسة. (15)

كانت الكنيسة قد أفلست إفلاسا تاماً، لم تنقذها الحركات الإصلاحية (اللوثرية)، ولا محاولات التوفيق بينها وبين الفلسفة (السكولاستية) التي يمتد جذور نفوذها إلى 300 عام قبل الميلاد، إي قبل حلول المسيحية وانتشارها في أوربا بما لا يقل عن 700 عام.

كانت رياح التغيير قد هبت لا محالة، الاكتشافات الفكية كانت أكثر من أن يطمسها حرق العلماء، أو إعدامهم، الفنون اجتذبت عقول الناس وأفئدتهم معاً، الشعراء والفنانون عامة قد أقنعوا الناس، أن الحياة جميلة، ويمكن أن تصبح أكثر جمالاً. التغيرات كانت تدب فوجدت هذه آثارها في فكر مفكر ألمعي مثل ميكافيلي، الذي أستشف بوضوح لم يجاريه أحد، أن المستقبل هو الدولة، وبالدولة فقط يمكن إحراز مكتسبات تعزز من كيان الشعب، تجمع إرادة الناس، ولا تفرق بينهم، لذلك لا بد من إنهاء دور الكنيسة، مقابل تقوية سلطة الدولة متمثلة بالملوك والأمراء، ومن خلال منح الفرص للعمل السياسي. (16)

ـ وكان عداء ميكافيلي للكنيسة ناجم عن اعتقاده أن لا تقدم مع هيمنة الكنيسة الثقافية / الاجتماعية، كتب يسخر من الكنيسة بقوله: " نحن الإيطاليين مدينون لكنيسة روما (الفاتيكان) ولقساوستها بأننا أصبحنا (بفضل فسادها وتخلفها) غير متدينين واشرارأً، ولكنا ندين لها بدين أكبر وسوف يكون سبب خرابنا، ألا وهو أن الكنيسة أبقت ولا تزال تبقي على انقسام بلدنا، ومن المؤكد أنه لا يمكن لبلد أن يصبح أبداً موحداً وسعيداً إلا إذا أطاع تماماً حكومة واحدة، سواء كانت ملكية أم جمهورية ". (17)

ـ ويصف سباين أعمال ميكافيلي بقوله: إن كتاباته وأعماله في الدبلوماسية، مزاياها ونقائصها المميزة لها، فيها أذكى بصر بنقاط الضعف والقوة في موقف سياسي، ألأوضح وأرزن حكم على موارد خصم ومزاجه، وأكثر تقدير موضوعي للقيود التي تحد من سياسة ما، واسلم إدراك في التنبؤ بمنطق الأحداث ونتيجة المجرى الذي يسير فيه بالفعل، وهي صفات جعلت منه محبباً لدى الدبلوماسيين من عصره وإلى الآن.(18)

ــ أمتلك ميكافيلي بصيرة ثاقبة، وإخلاصا لا حدود له للعلم، ولمستقبل بلاده، فعمل بكل قواه على إعلاء شأنها، وفي ذلك ناهض القوى الكبرى في مجتمعه: الكنيسة والأمراء الفاسدين(الميديتشيين الذين عادوا للسلطة بحراب المحتلين الأسبان) وبإخلاصه بدت مواقفه وأفكاره غريبة مشايعي الكنيسة، والمتملقين للأمراء بدفع من مصالحهم الشخصية. وأفكاره المتحررة بدت جريئة في " مجتمع كانت بقايا الفكر الإقطاعي، ولا سيما فرديته ونفاقه، تطغي علي عقول الجانب الأكبر من أصحاب الكلمة والفكر فيه. فقد كان ضعاف النفوس من أقرانه يحسدونه ويحاولون النيل منه عن طريق خلق المشاكل له وإشاعة الرذائل عنه والطعن في إخلاصه، فلم يجد من الأصدقاء المخلصين، لا سيما بعد نفيه، سوي الذين كانوا علي مستوي تفكيره أو من كانوا في أخلاقهم ارفع من أن يسمحوا لأنفسهم بالتحلل والانحطاط، ويأتي علي رأسهم المؤرخ المعروف كويجارديني والدبلوماسي الفلورنسي فرانسيسكو فيتوري. وبحق قال عنه أحد المؤرخين: كان وحيدا لكنه كان ارفع من الآخرين. (19)

ـ وميكافيلي شأنه شأن معظم عباقرة التاريخ، يموتون منفيين جياع، يدفنهم الغرباء. ولكن التاريخ يحترمهم، ولئن قاسى ميكافيلي في عصره، فذلك لأنه كان سابق بفكره، وقد شاء له طالعه أن لا يستطيع الحديث عن توافه الأمور التي تسعد وتبهج بعض الحكام، عن فن صناعة الحرير، ولا عن فن نسج الصوف ولا عن الربح أو الخسارة، فقد كان لا يجيد الحديث إلا عن أمر واحد بل عن موضوع واحد هو قضايا الدولة.

لذلك بتقديرنا:

الدولة:

هي الخلاصة الحقيقية وزبدة أفكار ميكافيلي هي، الدولة، والدولة فقط، ومن أجل أن تكون كلمة الدولة هي العليا، ناصبته الكنيسة (المنافس التقليدي للدولة) العداء، فشهرت به واستخدمت كافة وسائل الإسقاط بحقه شخصياً ولم تنج حتى عائلته من التشهير.

وقد توصل ميكافيلي لقناعاته تلك عبر قراءات لأفكار فقهية / قانونية (شيشرون ـ سينكا ـ سولون)، كذلك من خلال التجربة التي عايشها شخصياً وكان وفياً لها ودونها في أعماله: الكنيسة خطر على الوحدة الوطنية، لا تقدم مع هيمنة الكنيسة، فالدولة بنظر ميكافيلي كيان يمكن السيطرة عليه عبر القوانين، ويمكن توجيه اللوم لها واتهامها بالتقصير ومحاسبتها، ولكن من الذي يجرأ على اتهام الكنيسة والمؤسسة الدينية ..؟

حتى القس مارتن لوثر الذي قاد انتفاضة ضد الانصياع الأعمى، وضد صكوك الغفران، وضد معصومية البابا، وقف إلى جانب الأمراء في قمعهم لثورة فلاحية، وانتهى الأمر به ليكون مسالماً للقياصرة والملوك، ليقول مقولته الشهيرة: لا يجوز لمسيحي أن يثور ضد القيصر.

ومن أجل إعلاء شأن وكلمة الدولة، قبل ميكافيلي أن يخوض المعارك دون هوادة، وكان قبلها قد قبل أن يفعل السياسي كل شيئ من أجل الحفاظ على أهم مكتسب يمتلكه أي مجتمع:

 

الدولة ـ النظام ـ القانون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

 

 13. سيد أمين: أمريكا الميكافيلية / دراسة تطبيقية(المقولات مقتبسة من المقال)

14. بالدوين، هانسون: استراتيجية للغد، ص295

15. سباين، جورج: نفس المصدر، ج3، ص467

16. سباين، جورج: نفس المصدر، ج3، ص471

17. سباين، جورج: نفس المصدر، ج3، ص473

18. مظهر، د. كمال: ميكافيلي والميكافيلية، كراس

19. مظهر، د. كمال: نفس المصدر

 

درس أوكرانيا البليغ

 

ضرغام الدباغ

 

 

 أين الحكمة في هذه :

أن تذهب إلى الدب الجريح الجائع، فتستفزه وتهينه، وتشعره بالخطر، وتستحثه أن يهاجمك، وحين لا يجد الدب أمامه حين يبلغ الهياج أشده، إلا أن يهجم ويجرح، ويثأر لنفسه ولكرامته، فتقم أنت ويتعالى منك الصراخ، وتطلب النجدة من ضبع ....؟ قل لي أين الحكمة في هذه ..؟

أنا لا أقبل بالضرب والجرح والزثير والخوار، ولكن بنفس الوقت تجاهل التهديد بدرجاته القصوى سذاجة .. وإذا كانت روسيا التي تمتلك 6500 رأس نووي وعدد لا يحصى من الصواريخ البالستية العابرة للقارات، ذات الدقة البالغة في إصابة الأهداف، دولة كهذه لا تشعر بالأمان، ألا نتفهم (لا أبرر) قلقها ..؟

لماذا رفض طلبها حين أرادت الانظمام للناتو فرفض طلبها في عهد الرئيس كلنتون، وفي لقاء قمة مالطا (1989) نهاية الحرب الباردة، كانت قد قبلت بحل منظومة الدول الاشتراكية وحلف وارسو، ولم تشترط بالمقابل حل حلف الناتو، بل طلبت عدم اقتراب الناتو من حدود دولة روسيا، فوافقوا شفهياً، وفاتهم أن يطلبوا ذلك تحريرياً (وتلك غلطة)، وإن كانت أميركا لا عهود لها لا شفهية ولا مكتوبة. فأقترب الناتو من روسيا حتى بلغوا تخومها ... لماذا ...؟

 

 

 

 

(لاحظ الجدول)

 

ـــ يقول الجنرال الباكستاني وهو يتجرع خيبة علاقاته مع أميركا: " المتعامل مع أميركا كبائع الفحم، عليه أن يتقبل أن يغمره السخام الأسود "

ـــ ويقول الرئيس المصري السابق. " من يتغطى بأميركا عريان ...! "، لاحظ عمق الألم في التجربة ..!

 

أميركا أرادت من أوكرانيا المليئة بالمتناقضات والمتعارضات أن تجعل منها بؤرة مشاكل، تتعب روسيا من خلالها، وأن تجعل منها مقراً وممراً لألعابها .. وأن تضع فيها قواعدها الخطرة، وأن تصبح من خلالها على مرمى حجر من موسكو، وأجزم أنها كانت تعلم أن موسكو سوف لن تقبل بهذا التطور الذي يحمل المخاطر الجمة (على أصعدة عديدة) على الأمن القومي الروسي .. والقبول بهذا الخطر سيجعل من الخطوة المقبلة حرباً نووية شاملة لا تبقي ولا تذر ..! احتمالاً معقولاً، فلماذا يتعين على روسيا قبول هذا الخطر الساحق الماحق ....؟

 

الأمريكان كانوا واثقين أن الروس سوف لن يقبلوا أن يصبحوا على مرمى الحجر ..وأنهم سوف يردون، ولكن كيف سيردون ..؟ وعلى طبيعة الرد سيتكشف مدى قوة الموقف الروسي، وقدراتهم العسكرية، ويأملون بمقاومة اوكرانية (ولكن ..لا تنتظروا مساعدتنا المباشرة)، تلحق أكبر قدر من الخسائر المادية (عتاد وأرواح) وسياسية بشد موقف بلدان الناتو الأوربية، وتكريس زعامة أميركا المهزوزة بشدة، بعبارة أخرى ..جعلوا من أوكرانيا فأر تجارب ..وساحة اختبارات وميدان رمي ..وسيدفع طراطير الأوكرانيون ولمن يعشق الروك أندرول وبنطلونات الجنس والاباحية منهم سيدفعون ثمناً باهضاً ..! في محاولاتهم البائسة تقليد الأمريكيين.

مالذي سينجم عن الحرب ...

ـــ ستمثل مفارقة تاريخية، ومفصلاً مهماً وافتتاحية عصر انهيار لنظام العولمة، وربما ملحقات أخرى.

ــ أن المارد الأمريكي قد تحجم (رغم كون يمتلك أضخم ميزانية دفاع في العالم)، وعليه أن يعود لقمقمه ..وأن الصفحات المقبلة تشير أنه سيخسر ساحة شرقي آسيا، والهيمنة المطلقة على حوض المحيط الباسفيكي.

ــ روسيا موجودة في أوربا كياناً وقوة سياسية واقتصادية وعسكرية. لابد من حساب حسابها بدقة.

ـــ مستقبل التفاعلات السياسية والاقتصادية في القارة لا تنبأ بخير عميم ..بعد أن اهترأت مصطلحات : حقوق الإنسان، والديمقراطية، والأقليات، فهذه مصطلحات تستخدم في بورصة السياسة الأمريكية / الغربية، كما يجري الأمر في سوق الأوراق المالية (البورصة).

ــ هذه التداعيات وغيرها ستنهي الأحادية القطبية، إلى نظام تعدد الأقطاب.

ــ  وهذه المعطيات ستقود إلى تقاسم جديد للعالم.

 

 

 

 

المخطط أعلاه يشير إلى الفارق الكبير جداً بين ميزانية الحرب الامريكية والروسية، نحو 12 ضعفاً،  وأربعة أضعاف الميزانية الصينية ...... وهذا يؤكد مكانة القوة بين الخيارات الامريكية ...

 

1. ميزانية الدفاع الامريكية : 731,8 مليار دولار

 

2. الصين : 261,1 مليار دولار

3. الهند : 71.1 مليار دولار

4. روسيا : 65,1  مليار دولار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أقل الدول

1. تركيا : 20,4 مليار دولار.

2. هولندة : 12.1 مليار دولار.

3. إيران : 12,6 مليار دولار .

4. إسرائيل : 20,4

5. بولونيا : 11,9  مليار دولار

 

27 / شباط / 2022

العالم يتغير ...

ماذا نحن فاعلون ...!

 

ضرغام الدباغ

 

 

كنت أواخر عام 1986، قد شرعت بكتابة مقال، بموضوع ماذا نفعل ..  ويوم القي القبض علي بتاريخ 5 / كانون الثاني / 1987 في مدينة السليمانية لم يكن المقال قد أكتمل بعد، بل كنت قد أنجزت صفحتان أو ثلاثة بحجم (A4)،  وجرى التحقيق معي، وأصر المحقق أني أقصد العراق ونظامه السياسي، ولم ينفع دفاعي أن المقال (الغير كامل) لم يكن يحتوي  على أي أسم، سواء شخص، أو دولة، ولا حتى أي أسم علم، ولكن المحقق لم يقتنع، فأحالني (مع مواد أخرى) وحكم علي بموجب قانون المطبوعات بالسجن لمدة 8 سنوات، أدغمت مع الحكم الصادر علي بالإعدام.

اليوم وبعد 35 سنة، أعيد كتابة المقال بعنوان آخر، ولكن بمحتوى آخر، هو أني أريد أن أطلق التحذير، أن عقبات وعراقيل كبيرة أمامنا، فليحذر ربابنة السفينة ... أن الواقع الموضوعي صعب، بل هو صعب للغاية، ولا يحق لنا أن نقرع الربابنة كثراً، بل أن نرشدهم وندعمهم، ونشد من أزرهم.  والموضوع الذي سأكتبه يستحق هذا العنوان  ...المهم ان هذا النداء يحذر المشاركين .. انتبهوا قبل فوات الوقت والفرصة ..... انتبهوا رجاء ......!

 

التنبؤ بمآل تطور الأحداث السياسية هو من أهم مهام علماء السياسة، ومحترفو العمل السياسي من رجال الدولة ومن الدبلوماسيين ومن صلب مهامهم الرئيسية، يتقدمون بآرائهم للقيادات السياسية، لذلك يشترط من أجل التوصل لمستوى رفيع في قراءة الأحداث ونتائجها، الاطلاع الكثيف على الأخبار ومتابعتها على مدار الساعة، وهناك قدر مهم من المعلومات الدقيقة والتحليلات، لا ينشر في الصحافة أو في الإعلام، بالعكس، فألاخبار في وسائل الإعلام كثير ما تكون مصاغة ومنتجة في مختبرات يراد منها تضليل الرأي العام، أو حرف انتباههم إلى غير ما تدور في الساحة الرئيسية من أحداث، ولم تكتب على أيدي خبراء ومختصون. وحتى ميدان البحث صار يحفل بمن يتعامل مع الأمور على نحو تجاري.

 

يعتمد الدبلوماسيون بدرجة كبيرة على المعلومات والتقارير الاستخبارية، وبعض المعاهد المحترفة للدراسات والبحوث، وهذه عددها ليس كبير، في حين يلاحظ للأسف كثرة أعداد مراكز الدراسات والبحوث تلك التي تعمل كما أسلفنا لأغراض تجارية، وبحسب اطلاعنا على الكثير منها، لاحظنا أن معلوماتها وتحليلها لا يتعدى مستوى الصحافة الورقية المطبوعة، أو الالكترونية، أو الأخبار السياسية التحريضية التي تفتقر للمصداقية، فقراءة مثل هذه التقارير قد تضر أكثر مما تفيد، لأنها تكون أراء سطحية تقود إلى تعامل هش مع الأحداث وتكوين أراء لا ترتقي إلى درجة تعامل يأمل منها التوصل لقرارات ناضجة بمستوى الأزمات.

 

" تقاسم جديد للعالم " نظرية معروفة في السياسة الدولية، وهي عملية تجري بأشكل عديدة، أكثرها وضوحاً، أن يجلس الرابحون والخاسرون على طاولة واحدة، (أو يستبعد ؤالخاسرون) ويبدأ القضم والالتهام، يرغم فيها الخاسر على التوقيع على التنازل عن  أراض كانت تحت إدارته خسرها حرباً، أو مناطق ما زالت تحت هيمنته، فيسلمها طائعاً مختاراً في المفاوضات، كما حدث ذلك في مؤتمر فرساي / باريس (حزيران 1919)، بعيد الحرب العالمية الأولى.  وفي مؤتمرات الحلفاء (يالطا وبوتسدام / 1945) في أعقاب الحرب العالمية الثانية. أما نتائج الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي الاشتراكي،  فدارت في لقاء على ظهر بارجة روسية راسية في مياه جزيرة مالطا بين الرئيس الأمريكي بوش(كانون الأول / 1989)، والرئيس السوفيتي غورباتشوف، ولم يعلن ما دار بدقة ولا النتائج الكاملة(صدر بيان صحفي غير تفصيلي). ولكن مؤشرات الاتفاق ظهرت على أرض الواقع، بتفكيك لحلف وارسو، والمعسكر الاشتراكي، بل وحتى الاتحاد السوفيتي. ونتائج أخرى نشاهد تطبيقاتها تباعاً في أرجاء شتى وبأشكال متفاوتة.

 

ولا غراوة أن تدور الأحداث بسرعة شديدة (فنحن في عصر الصواريخ الأسرع من الصوت)، وهي الآن على وشك أن تفرز واقعاً دولياً جديداً (بدأت مفرزاته الابتدائية تظهر على أرض الواقع) بناء على تعاظم مكانة الصين السياسية والاقتصادية والعسكرية، كقطب دولي، ويتمثل هذا الواقع الجديد بتشكيل معسكرات جديدة تتقاسم النفوذ في العالم، وسيبدو من الصعب بمكان، أن تتمكن دولة ما، بما في ذلك الدول الكبرى (ذات المساحات الكبيرة وأعداد السكان المرتفعة والاقتصادات الضخمة) من النجاة من تأثيرات وتداعيات التقسيم الدولي الجديد، والأمريكان (الديمقراطيون منهم) يصرحون اليوم بالضبط كما صرح بوش الابن الجمهوري من قبله " من ليس معنا فهو ضدنا ". فحجم القوى الاقتصادية هائل بدرجة لا تتيح مجالاً للقوى الصغيرة إلا أن تلعب دور التوابع، أما حجم القوى الاقتصادية فمخيف ومرعب، ستقود إلى درجة تمركز عالية. ولا أمل مطلقاً لدول وكيانات صغيرة، وإذا كان أقتصاد عملاق كالاقتصاد الأمريكي يرى ضرورة حاسمة بالالتحام باقتصادات حليفة، فكيف ستجد الاقتصادات الأصغر طريقها بدون التشارك أو التعاون الوثيق مع مجموعات اقتصادية...؟

 

العالم سوف لم يعود إلى لقطة الموقف ما قبل أزمة أوكرانيا ... إذن نحن سنشهد تقسيم جديد وشيك بين القوى الصاعدة، والقوى النازلة أو تلك التي على وشك النزول. أو تقليص لمكانة دول عظمى، أو لمناطق نفوذها، أو هيمنتها، بمعنى نظام يشبه أنظمة الانتداب في عشرينات القرن الماضي، نظام ربما سيكون أنيقا في مظهره، ولكنه قاسيا في جوهره. ولكن على أية أسس أو حقائق سينهض هذا النظام ..؟

 

أولاً :

تراجع مكانة الولايات المتحدة حقيقة : يمثل تراجع مكانة الولايات المتحدة حقيقة لا جدال فيها، والتراجع يعني أن هناك ضعفاً بقدر معين أصاب الولايات المتحدة، ويتفاقم هذا الضعف بصورة متواصلة،. والتراجع العام هو يسبب  عوامل عديدة منها: الاشتباك الواسع النطاق على الصعيد العالمي للولايات المتحدة مع حكومات ودول وقضايا، قادتها لحروب تدخل (Intervention wars) وصراعات سياسية، حملتها على تخصيص ميزانيات خيالية للقوات المسلحة استنزفت اقتصادها، وتسببت بديون هائلة تعجز الولايات المتحدة من معالجة أوضاعها المتراجعة. هذا بالإضافة إلى شدة تمركز رأس المال الأمريكي، واشتداد ظواهر الفقر وانعكاسها في مشكلات اجتماعية، بالإضافة إلى تصاعد النزعة العنصرية وبروز قوى يمنية فاشية. وأسباب موضوعية خارجية تمثلت ببروز مراكز صناعية وقوى كبيرة تتمتع بثقل بشري ومساحة واسعة، تمتلك مؤهلات الدول العظمى، أضعفت من المكانة العظمى والتفرد بتقرير الشؤون العالمية. 

 

ثانياً :

تعاظم مكانة أقطاب عالمية : ويقابل التراجع الأمريكي نمو وتعاظم في القدرات الاقتصادية والعسكرية لأطراف أخرى (الصين / روسيا). أتبعت من أسلوب العمل الرأسمالي في تكوين ثروات وطنية  بغض النظر (تقريباً) عن التوجه الاجتماعي. وقد قررت الدول الاشتراكية منافسة الدول الرأسمالية وسد الفجوة بينها وبين العالم الرأسمالي، وأتباع أساليب جديدة في تشجيع الاستثمارات الأجنبية. فنمت قدراتها وأصبح تمثل قدرات عملاقة غزت بقدراتها واستثماراتها الولايات المتحدة نفسها في عقر دارها، كما كونت لها محيطاً اقتصاديا في شرقي آسيا من دول حليفة كفيثنام وكوريا، ولها امتدادات أخرى في الدول مجاورة، وشكلت منظمة شنغهاي للتعاون. ونفوذها في شرقي آسيا لم يعد موضع تساؤل، بل هي موجودة بقوة في أفريقيا، وأوربا والأمريكيتين. قوة اقتصادية في المقام الأول تعزز مكانتها السياسية . وأضافت أمتلاكها للتكنولوجيا العسكرية وقدرات حربية كبيرة، متانة إلى موقفها الذي بدأ يتسم بالندية، أحال تربع الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي الذي يتسم بالقطبية الواحدة إلى وهم  من الأوهام، والعالم يواجه اليوم وضع الملامح للنظام الدولي الجديد,

 

ثالثاً :

وهن في أداء بلدان أوربا الغربية والناتو : فبالرغم ما تبذل من جهود، إلا أن تفككا واضحا يسود المعسكر الغربي، لذلك هناك نزعة أوربية قوية للحفاظ على سيادة أوربا وابتعادها عن قداحات الصراعات المسلحة وأجواء التوتر. بيد أن هذه المسألة ليست بسيطة، ذلك أن الأوربيين متفرقين كتلاً ومجاميع تعوزهم الثقة والأهداف المشتركة. فهناك دولاً تعمل في الإطار الأمريكي (بريطانيا، النرويج، بولونيا، ليتوانيا، لاتفيا)، ودولاً حيادية (سويسرا، السويد، فنلندة)  وأخرى تحاول أن لا تزج بنفسها بعمق في الصراعات، والاتحاد الأوربي يمثل جوهرياً إرادة ألمانية / فرنسية في الأساس، ودرجة تمحور الدول حول هذا الإطار هو متفاوت. والتحالف بين ضفتي الأطلسي باتت الشكوك تحوم حوله، بدأت الولايات المتحدة ترميم خطوطها الدفاعية، فأنشأت تحالف أوكوس (Aukus) يضم : الولايات المتحدة / بريطانيا / استراليا.  فبريطانيا التي غادرت الاتحاد الأوربي وعززت تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة بتقوية قدراتها البحرية، سيوكل  لها دور سياسي / عسكري بحماية وضبط الأمن بالمشاركة مع الولايات المتحدة في منطقة ساحة عمليات حوض الأطلسي،. كما ستتولى أستراليا التي بدورها عززت قدراتها البحرية بصفقة أسلحة بحرية كبيرة مع الولايات المتحدة السيطرة على حوض الباسفيكي. وأستراليا هي جوهرة البحر الباسفيكي وقاعدة الرئيسية. أما الجزر الصغيرة التي لعبد دورا استراتيجيا في الحرب العالمية الثانية (غوام، الفلبين) فقد تراجعت أهميتها الاستراتيجية بفعل تقدم هائل في تكنولوجيا الأسلحة بأستخدام الطاقة النووية في حاملات الطائرات والغواصات..

 

رابعاً :

معسكر القوى الحليفة للصين وروسيا : مع أن التحالف الصيني / الروسي يزداد رسوخاً على شتى الأصعدة، إلا أن ما زال من المبكر الحديث عن تأسيس معسكر أو تحالف بين الدول التي تربطها بروسيا والصين بروابط وثيقة، " كوريا الديمقراطية، وفيثنام، وكوبا، وربما فنزويلا ". وتسعى الصين وروسيا جاهدة لتعزيز موقفا في مناطقها (شمال وجنوب شرق  آسيا) وتكوين جبهة من القوى الحليفة ربما من بين خططها استعادة جزيرة تايوان، والسيطرة على بحر الصين الجنوبي، وامتداد نفوذها إلى تايلند والفلبين وكمبوديا ولاوس، كمرحلة أولى.

ومن المحتمل أن تنسيقاً استراتيجياً بدرجة عالية يجري بين الصين وروسيا، تتولى فيه روسيا إدارة الشؤون الأوربية، وفيما تتولك الصين الشؤون الآسيوية واستراليا. معتمدين على النفس البعيد والمطاولة، وعدم استعجال النتائج، والتركيز على التقدم الاقتصادي / التكنيكي، وأتباع أساليب براغماتية في العمل، واستبعاد التوجه الآيديولوجي في التعامل مع الدول، واستبعاد تام للدوغماتية، التي كان لها تأثيرها في الحقبة السوفيتية والصين الماوية.

 

خامساً :

تراجع في مكانة الدول الاستعمارية القديمة : في خضم هذا السجال الاستراتيجي الكبير، هناك تراجع مهم لمكانة القوى الاستعمارية القديمة (بريطانيا ــ فرنسا)، وسوف تتحول لقوى تابعة، بريطانيا حسمت أمرها ووضعت نفسها تحت سيطرة القصر الأبيض، وستخوض معها المغامرات والمجازفات. أما فرنسا فأول الغيث قطر، ها هي تنسحب بخفي حنين من مالي ...والبقية ستأتي ...وإذا تمكنت فرنسا مع ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وبعض الدول الأوربية حماية أوربا ( بالكاد ....! ) فسيكون هذا واجبها في المرحلة المقبلة، الأنظمة الأوربية التي فشلت في مواجهة تحديات العصر، سيكون هناك نمط جديد تتشكل ملامحه في العقود المقبلة .. نعم أوربا حققت تقدماً صناعياً ولكن على حساب تهرأ مجتمعاتها .. وحقوق الإنسان ما هي إلا فرية كبيرة تستخدم ضد أنظمة أخرى. والديمقراطية جرى بمرور الوقت تشذيبها ووضعها في إطار محدد، يضمن تفوقا طبقيا، معيناً، ويضمن سلامة النظام الرأسمالي، وتمكنت عبر مسيرتها الطويلة لمدة تتجاوز القرنين، من استنباط وسائل وأشكال عززت فيها أنظمتها ومنحتها طابع الاستقرار. ومنحت لنفسها حق تصدير أنظمتها بالقوة لدرجة التدخل المسلح. 

 

سادساً :

احتمال صعود معسكر عربي / إسلامي : ليست هناك قوة مرشحة للتصاعد سوى معسكر الدول العربية / الإسلامية. ويتألف من بلدان يفوق عددها الخمسين، وسكانها المليارين نسمة، العرب منهم نحو 500 مليون نسمة، يمثلون ثقلاً سكانيا كبيراً، بالإضافة إلى الثقل الاقتصادي والمنطقة الاستراتيجية الحساسة، الزاخرة بالمعادن والثروات الطبيعية والمواد الخام.

بيد من المعلوم أن هناك ضغطاً شديداً يحول دون قيام تفاهمات تفضي لهذا الهدف للحيلولة من بروز معسكر له خصائصه السياسية والثقافية والاجتماعية له طابع التمدد والانتشار السريع.  لكن الأمة تضم بين ملايينها حكماء وعباقرة، يستطيعون أن يرسموا لها الطريق بين الألغام ... ويحولوا دون تدخل القوى الأجنبية الفض في شؤونها الداخلية، ودون إرادتها في التقدم.  إن اتخاذ الطريق الصعب الشاق، قد يكون هو طريق الخلاص. ومن ذلك مثلاً لا بأس من قيام كتلتين إسلاميتين واحدة بزعامة تركيا، والأخرى محور مصر والسعودية، بشرط أن يسود التفاهم والتنسيق بين الكتلتين.

الصمود بوجه التغيرات العالمية مهمة صعبة للغاية، فليس بمقدور دولاً صغيرة أن تواجه تيارات مسرح السياسة الدولية بتحدياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، فلا بد من تجمعات قوية تمثل كتل سكانية كبيرة، وقدرات اقتصادية عملاقة وقدرات عسكرية، أو أن تتحول لتوابع. والتوابع لا صوت لهم، ولا قرار سيادي حاسم.

 

التحديات جسيمة، والمرحلة المقبلة صعبة، بل صعبة للغاية، وإذا كانت دولة عظمى عملاقة مثل روسيا تمتلك أكثر من 1200 رأس نووي، تحافظ بالكاد على أمنها القومي، وتسعى جاهدة للتحالف مع دولاً أخرى، أفلا يدعو هذا القيادات العربية والإسلامية للتفكير وإعادة حساباتها ..!

 

والمقال ماثل للطبع والنشر، تتفاقم الأزمة الاوكرانية. العالم لن يعود إلى مال قبل اندلاع الأزمة ...! والمستجدات تنبئنا بها ... هي الآن تسير على الأرض .. فقط دقق البصر والبصيرة .....!

 

22 / 02 / 2022

 

الأزمة الأوكرانية :

 الموقف على وجوهه

(4)

 

ضرغام الدباغ

 

لا نحتاج إلى عقل كبير لندرك، أن الولايات المتحدة لا تشتري أوكرانيا ورئيسها وشعبها بسنت واحد  (الدولار الواحد يساوي 100 سنت)، وأعتقد جازماً أن الأوربيون خير من يعرف ذلك ويفهمه، والروس كذلك، إذن هي كلعبة شطرنج تدور بين لاعبين مهرة، يحاول كل منهم أن يزج خصمه في زاوية ستمثل نقطة ضعف كبيرة تأكل من قدراته، وتعمق من أزماته. كيف ...وما هي قواعد اللعبة ..؟ القاعدة الأساسية هي أن لا تترك جزء من معطياتك مكشوفة صالحة للطعن بالشرعية، عرضة لتوجيه الأتهام  ..

 

سنشرح ونضع مؤشرات لتصور ابعاد الموضوع .....

 

 

1-      1- الأمريكان، قدموا إشارات عديدة للروس أننا سوف لن نتحرك عسكرياً، بل سنسخط ..!  إن هاجمتم أوكرانيا، وسيكون لنا رد فعلما ..ويفضل الأمريكان أن يكون الهجوم الروسي كبيراً، لتكون ورطة الروس بقدرها أو أكبر.

2-      2- لذلك يرسل الأمريكان، ودفعت حلفاءها أن يفعلوا مثلها بأن يرسلوا، أسلحة لتقوية الدفاع الأوكرانية بوجه الجيش الروسي وإعاقة تقدمه، وإلحاق أكبر قد ممكن من الخسائر، وجعل أوكرانيا مستنقع تغرق فيه القوات السوفيتية،  وتكبيد الروس أكب قدر من الخسائر السياسية والاقتصادية والبشرية، وإظهارهم بمظهر المتوحشين الهمج.

3-      3- إذا ما احتلت روسيا أوكرانيا، فستظهر روسيا بمظهر المعتدية، وقرارات إدانة دولية سوف لن تكون مهمة بوجود الفيتو الروسي والصيني، ولكن ستشغل أميركا ماكنها السياسية والإعلامية العملاقة لإدانة روسيا إنسانيا وأخلاقياً وتستثمر حجم الخسائر البشرية في الدعاية.

4-      4- الروس يدركون بدقة تامة الخطط الأمريكية وتفاصيل الوقف وحواشيه ..!، لذلك سيعملون على الحفاظ في موقف الدفاع عن مصالحهم المشروعة (الأمن للجميع لكم ولنا ..) الحفاظ على المصالح مع أقصى قدر من ضبط النفس.

5-      5- الأوربيون بدورهم يعرفون هذا السيناريو جيداً، وكل همهم الحالي، أن لا تسوقوهم الظروف والأحداث والتصعيد المحتمل (وإن كان ضعيفا) لمواجهة عسكرية مع الروس، لذلك مبادراتهم تفتقد إلى القدرة على التسويق، وغير مقبول ولا يقبضها الروس ولا الأميركان.

6-      6- الأمريكان يعتقدون أن الروس إذا اجتاحوا أوكرانيا فهذا ممتاز، وسيمثل مستقنع يصعب الخروج منه بسلام، وإذا تراجعوا عن موقفهم  وهذا ممتاز أيضاً إذ سيمثل للعالم انصياعاً للضغوط الأمريكية، خياران مهينان كلاهما جميل ومرحب به من الأمريكان، ومكسب لها في السجال الاستراتيجي. المصالح الأوكرانية آخر فقرة في سلسلة الأهمية.

7-      7- الروس بدورهم لا يعوزهم الدهاء، فهم يدركون بالضبط قدراتهم وقدرات خصمهم، وسيحفرون في أعماق فكرهم السياسي بحثاً عن مسرب سيحير خصومهم، يربحون من خلاله، ويخسر المعسكر الأمريكي ماء وجهه، دون أن يستطيع فعل عمل حاسم.

8-      8- الشعب الأوكراني، بنسبة غير بسيطة معبأ خلف الدعاية الأمريكية، ولكنهم سيلاحظون أن طموحهم بلأنظمام للناتو هو نقطة القتل لهم، وستتحول بلادهم إلى ساحة صراعات سياسية وعسكرية لأمد غير معروف، والأزمات الاقتصادية التي يمر بها الشعب الأوكراني لم يفكر بها الأمريكان والغرب، فجل اهتمامهم يتركز على إحراج الروس وحصارهم وهم من سيدفع هذا الثمن الباهض جداً مقابل لا شيئ .

9-      9- بالطبع الروس  لديهم خبرة في مواجهة الخبائث الأمريكية منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى/ 1917، وكقوة عالمية عاصروا كافة المناورات السياسية كمشاركين أو كمراقبين، لذلك سوف لن يطول الأمر حتى يتفتق العقل الروسي عن خطة، ستقلب الطاولة على الأمريكان.

الاحتمالات الواردة هي :

          آ . تطوير شكل وجوهر الكيانين الروسيين في الأقاليم الروسية ضمن أوكرانيا .

   ب. تحويل مسار الصراع، بين روس أوكرانيين، وأوكرانيين النظام.

   ج. إحداث اضطرابات داخلية في أوكرانيا تعيق الحياة السياسية للنظام الموالي لأمريكا.

10. بتقديري أن الوضع السياسي والعلاقات الدولية ستتأثر بدرجة كبيرة في أعقاب هذه المواجهة،   وأن الولايات المتحدة سوف لن تخرج أقوى مما كانت عليه قبل أزمة أوكرانيا، وهذه لن توقف تدهور أوضاعها الداخلية والخارجية.

11. العالم يريد السلام، والتعايش السلمي، والحروب صارت مكلفة لضحاياها وحتى لمن يشعلها، والمكاسب منها مزعومة ... ثمة مجازفة في طريقة إدارة الولايات المتحدة للأزمة أوكرانيا، فالعالم يرفض سياسة الولايات المتحدة ونبذ سياسة المناورات على حافة الهاوية ...

 

ختاماً، أوكرانيا بيئة صالحة لبذر بذور التوتر، وخلق نافذة تهب منها ما يوجع رأس الروس الذين يدركون بالطبع ما تريده أمريكا ولهم خططهم المضادة، الأمريكان لا يربحون معاركهم على المدى الطويل ..

 

 

أوكرانيا ... الأبعاد

 الحقيقية والقنابل الدخانية

 

ضرغام الدباغ

 

تشهد القضية الأوكرانية، جعل منها الغرب قضية بل ربما بؤرة توتر جديدة تضاف لبؤر التوتر ...!  من أجل أن يشعلوا ناراً يضعوا من خلالها موضع قدم لهم ويتدخلون ليحرقوا البلاد، ثم يتدخلون بعدها يعرضون خطط ومشاريع .. ويفرضون أنفسهم لإصلاحها، ليضعوا في النهاية ذلك البلد تحت هيمنتهم .. هذا هو السيناريو الأمريكي الأجمل التي تحبذه أميركا ومعها زبانيتها .. من الأوربيين وغيرهم (كندا واستراليا) وهم للأمانة ليسوا بدرجة واحدة من الحماسة، بل بدرجات متفاوتة للعب دوراً على هذه المسرحية.

  ومن أجل فهم دقيق للمسألة الأوكرانية، نذكر ببعض المعطيات المادية المجردة :

 ـــ لم يعرف للأوكرانيين تاريخ لكيان سياسي  لدولة مستقلة، وإن شئنا أن نبدأ منذ القرن التاسع، يبدأ تاريخ أوكرانيا الحديث مع السلاف الشرقيين  ومنذ القرن التاسع، أصبحت أوكرانيا مركز القرون الوسطي للسلاف الشرقيين. امتلكت هذه الدولة، المعروفة (بأسم روس كييف)، القوة والأرض، لكنها تفككت في القرن الثاني عشر بعد حرب الشمال العظمى،  حيث تقسمت بين عدد من القوى الإقليمية، ومنذ القرن التاسع عشر فصاعداً، خضع الجزء الأكبر من أوكرانيا للإمبراطورية الروسية،  وجزء آخر مما تبقى كان تحت سيطرة الإمبراطورية النمساوية الهنغارية.

 ـــ وبعد فترة من الفوضى والحروب المتواصلة ومحاولات عدة للاستقلال (1917-1921) بعد الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية الروسية، برزت أوكرانيا في 30 كانون الأول 1922 بقيادة الحزب الشيوعي الاوكراني كأحد الكيانات المؤسسة للاتحاد السوفيتي. وكان عدد مهم من قادة الاتحاد السوفيتي ينحدرون من أصول وكرانية، بعدا تم توسيع جمهورية أوكرانيا السوفيتية الاشتراكية غرباً، وبعد الحرب العالمية الثانية، وجنوباً في عام 1954 ضمت شبه جزيرة القرم  الروسية إلى أراضي جمهورية وكرانية الاشتراكية السوفيتية، في عام 1945، أصبحت جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية من الأعضاء المشاركين في تأسيس ، بدعم من الاتحاد السوفيتي القوة العظمى، والمساهم الأساسي حين تأسست الأمم المتحدة.

ـــ لعبت قوى كثيرة على وتر أوكرانيا، منها ألمانيا النازية الهتلرية، حين استغلوا جنرالاً سوفيتياً (أوكرانيا)  أسر في الحرب، وجمعوا له قوات من المنشقين ليقودهم ضد الاتحاد السوفيتي في محاول فاشلة لزعزعة الموقف السوفيتي.

ـــ منحت روسيا مساحات كبيرة من أراضيها الوطنية لجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية، منها أقليم القرم وربما أراض أخرى.

ـــ يتألف سكان أوكرانيا (42 مليون نسمة) من مجاميع عرقية متعددة، منهم الروس، والبيلوروسيين، ورومانيين،، يمثلون نحو 22,5% من مجموع السكان. 

ـــ في المفاوضات إلي قادت لتفكك الاتحاد السوفيتي، (مالطا ــ 3 ــ 4 / ديسمبر / 1989) وعدت الولايات المتحدة (شفوياً) أن لا تعمل على التوسع إلى البلدان التي كانت من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، ولا تعمل على دخولها لحلف الناتو. ولكن الولايات المتحدة، لا تؤكد هذا الأمر.

ـــ  ينتمي الأوكرانيون من العرق السلافي، وتاريخهم وثقافتهم متداخلة بدرجة وثيقة مع الشعب الروسي، والشعبان يتبعان الكنيسة الارثودوكسية،

ـــ اللغة الأوكرانية، هي لغة من فرع اللغات السلافية الشرقية   وهي اللغة الرسمية في أوكرانيا . وتكتب هذه اللغة بالأبجدية الاوكرانية، وهي أبجدية مشتقة من الأبجدية السيريلية.  ويبلغ عدد متحدثي اللغة الأوكرانية يبلغ زهاء 51 مليون شخص تقريباً، يقطن 90% منهم في أوكرانيا، و و10% الآخرون في الشتات الأوكراني، الذي ينتشر على طول عدّة بلدان في كافة أنحاء العالم مثل الأرجنتين وبيلوروسيا، البرازيل، كندا، لاتفيا، بولندا، رومانيا، روسيا، والولايات المتحدة.

ــ يقدر عدد المسلمين في اوكرانيا بمليوني شخص، يضافون إلى الخارطة الثقافية في أوكرانيا.

ـــ استعادت موسكو الأراضي الروسية التي منحت لأوكرانيا بعد قيام الاتحاد السوفيتي،(مناطق القرم) وهي أرضي حساسة مطلة على البحر الأسود. وأجرت فيها استفتاء وتصويت طالب فيها السكان الالتحاق بروسيا.

ـــ  هناك أقاليم يمثل فيها الروس الغالبية العظمى، وهي أقاليم مهمة شرقي البلد وملاصقة للأراضي الروسية، تطالب موسكو لهم بوضع خاص. (أنظر الخريطة شرقي الخط البرتقالي، أراض ذات أغلبية روسية).

ـــ لا تقبل روسيا بانظمام أوكرانيا أو بلدان أخرى ملاصقة لحدودها إلى حلف الناتو.نظر الخريطة(

 

 

 

 

 

 

ماذا تريد الولايات المتحدة

سئل مرة صحفي من مجلة فوكوس (Focus) الألمانية وزير خارجية الولايات المتحدة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف وارسو، الكسندر هيغ،(وهو جنرال تولى وزارة الخارجية ولم يكن ناجحاً في مهامه)، سئل عن سبب بقاء حلف الناتو بعد حل الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو. وباعتبار أن الوزير هو عسكري في الأساس، لذلك كانت إجابته تخلو من الكياسة، فقال بما معناه، أن الحلف هو أداة للهيمنة الأمريكية، وأن الولايات المتحدة ترى أهمية وجوده كأداة للتدخل.

 

إذن هذا هو جوهر الأمر وبسببه يحرق أعضاء الناتو سنويا مئات المليارات من الدولارات، بالطبع هناك أسباب ولكنها ليست للنشر والإعلان ..! ولكن لندع الأسباب الهامشية والثانوية، والتي بعضها لا يكاد يصدق، ولكن في الإجمال هي تهدف إلى مواصلة وضع الحلفاء الأوربيين تحت الهيمنة، ومواصلة إشهار العداء لروسيا، مع أن هذا غير مفهوم وشعار غير مرحب به وغير مفهوم في أوربا، وينطوي على عودة غير مستحبة لعصر التكتلات، ودور التيار الديني ليس مستبعداً في خضم التناقضات الحقيقية والمصطنعة، ولكننا نعتقد أن المسألة برمتها، ترمي لهيمنة الولايات المتحدة في العالم، والخندق الأقرب لها، هو أوربا الغربية ... وما يجاورها، وهناك دائماً أسباب ويمكن اختلاق أخرى، ومن جملة الأسباب،

احتمال تحالف روسيا مع الصين.

هيمنة روسية على أوربا من خلال إمدادات الطاقة.

التصدي لخطط روسيا التمدد خارج إطارها السياسي والجغرافي.

عدم السماح بالنمو الاقتصادي الروسي ليصبح اقتصاداً عالمياً.

 

في تحليل هذه المعطيات، هناك تياران، أو احتمالان، الأول محاولة احتضان روسيا وإعطاء جرعة دفء للعلاقات، كيلا يمنح لروسيا المبررات بالارتماء في تحالف مع الصين.

 

تخشى الولايات المتحدة خشية عميقة أن تهيمن روسيا على أوربا الغربية، لأن الأوربيون دفعوا غاليا ثمن الحروب الساخنة والباردة معظم القرن التاسع عشر والعشرين، والأرض الأوربية ما تزال مليئة بقنابل الحرب العالمية الثانية، وملايين الأسر تمزقت، شر ممزق وتبعثرت في أصقاع العالم، وما تزال تعاني من الفجوات في التراكيب السكانية، وأجواء التوتر في العلاقات تلحق بها أضرار على المدى القريب والبعيد. وبأستثناء بريطانيا التي علاقتها وتحالفها الاستراتيجي ليس موضع نقاش، وبدرجة ما بولونيا، ودولاً أخرى متفاوتة في التحامها بالسياسة الأمريكية.

 

هذه المعطيات وغيرها تشير إلى رغبة أوربا عن الصراعات الحادة أو المسلحة، فالولايات المتحدة لم تسقط عليها حتى رصاصة طيلة الحروب الماضية، ولكن أوربا ما زالت تعاني لليوم من آثارها، والروس بدورهم لن يكونوا من الساعين للحروب أو محبذين لها، ولكنهم يدركون أن وصول الأمريكان تحت مظلة الناتو إلى أوكرانيا يجعل موسكو أمام أسلحتهم التقليدية ... وهذا ما يسمح لهم بابتزاز له طابع القوة والواقعية.

 

بإلقاء نظرة على الشكل البياني، تلاحظ الموقف السكاني في ألمانيا يشير نحو ربع السكان  24,93 مليون هم خارج سن العمل، و 15,3 مليون هم تحت سن العمل، أي 39,96 مليون من السكان هم خارج سن العمل، وهذا يمثل نصف الشعب الألماني البالغ 82 مليون نسمة.

 

إذا كانت هذه المؤشرات(وهي ابتدائية) هو حال واحدة من أقوى البلدان الأوربية(ألمانيا)، فكيف الحال في سائر بلدان أوربا الغربية التي تعاني من مشاكل عديدة اقتصادية واجتماعية وكادت أن تواجه الإفلاس  أعوام 2017 / 2018، (اليونان، أيرلندة، أسبانيا، إيطاليا... الخ) لن تكون أجواء التوتر إلا سبباً في مضاعفة متاعبها لا تقليصها. وفوق هذا أن واشنطن ولندن مقتنعتان أن روسيا سوف لن تشن حرباً، بل ستخطف منها حلفاءها .

 

بالطبع الولايات المتحدة لا تفعل كل ذلك من أجل قيم نبيلة ومن أجل الشعب الأوكراني محض ..! بالطبع لديها مصالحها وأهدافها، وهذه الحرب لو اندلعت، فسيدفع تكاليفها الشعبان الأوكراني والروسي أولاً، الولايات المتحدة ستلعب على الأرجح دون الممون بالسلاح، وربما بالمال، والإسناد السياسي، وسوف تتجنب المواجهة المباشرة مع الروس، ومصلحتها تكمن، في توتير الأجواء في أوربا، فتشد من العلاقات المرتخية، وتكلف الروس خسائر، وستعرض روسيا لعقوبات اقتصادية، قد تصيب بعض الشلل في أفرع الصناعات ومرافق الإنتاج الروسية، وتعرض نفسها للأوربيين، " أنا من يحميكم من الخطر الروسي " والأوربيون بما فيهم الأوكرانيين، يعلمون أن الخطر ليس جاداً ولا وشيكاً بهذه الدرجة، بل أن الأوكرانيين يدركون تمام الإدراك أن من يريد إشعال نار صراعات مسلحة إنما يفعل ذلك لتحقيق مصالح سياسي واقتصادية. وأن بلادهم (أوكرانيا) ستتحول إلى ساحة صراع بين روسيا والولايات المتحدة والسائرين في فلكها. وأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد أن روسيا لا تهدد باجتياح أوكرانيا.

الولايات المتحدة تطرح شعارات سياسية (حقوق الإنسان، الديمقراطية) من أجل مواقف سياسية، فهي ترفض على سبيل المثال رغبة الأقلية الأوكرانية في نيل حقوق، وحتى تدفع الحكومة الأوكرانية بعد الحوار مع الأقلية الروسية في مقاطعاتهم، كما رفضت قرار الأقلية الأبخازية في جورجيا، وأوستينيا الجنوبية في القرم.

 

الولايات المتحدة تعتبر مناورات الجيش الروسي داخل أراضيهم تهديداً للأمن والسلام، ولكنها لا تعتبر تحركاتها من الولايات المتحدة حتى بولونيا والنرويج والبحر الأسود تهديداً، وتشيع الولايات المتحدة أن روسيا ستجتاح أوكرنيا لتبرر تحركاتها، والحكومة الأوكرانية نفت رسمياً الأنباء التي تتحدث عن هجوم متوقع عليها. في حين رفض وزير خارجية بريطانيا أن بلاده ترفض فكرة تقييد أو التعهد بعدم توسيع حلف الناتو إلى ما وراء خط الأودر والنايسة (الحدود بين ألمانيا وبولونيا). وحتى الأوربيون بدؤا يعبرون عن انزعاجهم من الطلبات الأمريكية الكثيرة، والتورط في إشهار العداء لروسيا والقيام بفعاليات خطيرة (كعبور الأسلحة والقوات عبر مطاراتهم وأراضيهم وأجوائهم). في حين رفضت ألمانيا عبور طائرة تحمل شخصيات عبر أجواءها إلى أوكرانيا، نأيا بنفسها عن صراع محتمل.بل أكد السيد شولتس مستشار ألمانيا في أعقاب محادثاته مع أمين عام حلف الناتو، أن ألمانيا سوف لن تزود أوكرانيا بالأسلحة. وهو موقف يعبر عن خصوصية واضحة حيال الأزمة. وبوضوح أكبر عبر عن ذلك اللقاء بين المستشار الألماني شولس، والرئيس الفرنسي مكرون في برلين (25 / كانون الثاني / 2022) أنهما سيواصلان مساعيهما من أجل التوصل لحلول دبلوماسية.

 والأوربيون يدركون أن مصالحهم في أوربا، والمخاطر المحدقة بهم هي من التخوم القريبة، وروسيا ليست من ضمنها، )على الأقل في المرحلة الحالية ولأمد غير منظور، لذلك ليس من الحكمة أن  نعمق الحلاف رما البسيط، إلى حالة العداء والصراع المسلح من أجل مخاطر وهمية. وإذا كانت الصين هو المتسيد المقبل للساحة الدولية، فمن المصلحة الاصطفاف مع روسيا القريبة هنا في القارة خير من عبور الأطلسي. الأمريكيون أدركوا بعمق أن الأوربيين لا يمكن الاعتماد عليهم في أزمة متصاعدة، فالألمان وربما مثلهم الفرنسيون، وربما أوربيون آخرون، موقفه يشير إلى " لسنا مع التوتر والتصعيد والصراعات المسلحة، ويرسلون بذلك إشارة واضحة لروسيا، نحن لسنا مع تصعيد أمريكا وبريطانيا، ولكننا لا نقبل بأعمال توسع وضم وإلحاق ...! ".

 والولايات المتحدة لم تكن هذه الصورة بعيدة عن أذهانها، لذلك قامت بتمتين علاقاتها مع أستراليا في ساحة النزاع المقبل مع بريطانيا التي شرعت مؤخراً بتطوير سلاحها البحري ليكون بدرجة عالمية متقدمة لتلعب دوراً سياديا في المحيط الأطلسي. وهي (الولايات المتحدة) تدفع باتجاه موقف تضع فيه روسيا في زاوية محرجة، غير قادرة على تحقيق مصالحها، ولكن سياسة الولايات المتحدة تفتقر للمصداقية، وحلف الناتو يفتقر إلى الوحدة بين أعضاءه.

فالموقف الروسي يعتمد على مواصلة السيطرة على الأقاليم التي يقطنها أغلبية روسية (إقليم الدونباس)، وستواصل لعب دورها المؤثر داخل أوكرانيا.والشعب الأوكراني يدرك أن لا مصلحة له بمناكفة روسيا الجار التاريخي والتقليدي للاوكرانيا.

 

 

الفساد كمعرقل رئيسي

للتنمية وبوابة الخراب

 

د. ضرغام الدباغ

يشخص الفساد (corruption) اليوم في العديد من البلدان النامية على أنه الآفة الداخلية الأولى، إلى جانب العوامل والظروف الخارجية الموضوعية الأخرى. ودون ريب أن حالات الفساد بدرجتها الكبرى، هي حالات فساد هيكلية (strukturelle Corruption) ناجمة عن محصلة عوامل (سياسية بالدرجة الأولى) أفضت إلى هذه النتيجة التي يبدو أنها مستعصية الحل بالوسائل التقليدية، ذلك لأنها عشعشت واستوطنت وصار لها جذور، ثم امتدت عمودياً وأفقياً، وتكونت فئات وشرائح تعد في لغة الاقتصاد طفيلية (Parasitie) لأنها تعتاش من خيرات المجتمع، لذلك يعتبر علماء الاقتصاد الفساد من معوقات التنمية، بل تعتبر اليوم في مقدمة تلك المعوقات.

 

ويتصاعد هذا الاعتبار منذ عام 1990 منذ اشتداد الدولنة (صيرورته دولياً) في الاقتصاد، كما يعتبر صندوق النقد الدولي (IMF) الفساد بوصفه عقبة رئيسية للتنمية، في حين انه حتى لما قبل العام 1990 لم يكن التقييم بهذه الدرجة من الخطورة، وذلك لتصاعد دور الاقتصاد الدولي في الحياة الاقتصادية في العالم. ولعبت المنظمة( (IMF أيضاً دوراً أساسياً في تقديم ميثاق الأمم المتحدة ضد الفساد، وتحولت إلى شأن دولي مهم، ولذلك فهي تستدعي من كافة الدول حلولاً جذرية : سياسية واقتصادية وثقافية. وهو أمر نرجح يكون خارج قدرة بعض الأنظمة التي هي نفسها بالذات وليدة تلك العناصر السلبية التي بلغت في تدهورها درجة كارثية، أفضت بالتالي كنتيجة حتمية هذا الوضع.

 

 لذلك فالدول التي تتربع في هذه المكانة هي نفسها منذ سنوات طويلة دون تغيير كبير (تقريباً) : الصومال، العراق، بورما، هايتي، أفغانستان، السودان، غينيا، تشاد، كمبوديا، زيمبابوي، وتقسم منظمة الشفافية العالمية (Transparency International) دول العالم في ستة فئات (category) من الدول، عشرة دول تقع في الفئة الخضراء، وعشرة مثلها في الفئة أخضر فاتح(فستقي)، وعشرين دولة بلون أزرق في حالة ليست ممتازة، وبعدها تأتي فئة تقع في اللون الأصفر، وهي فئة لا تزال مقبولة، وبعدها فئة اللون البني(وهي خمسة وأربعون دولة) وهي دول يعد الفساد فيها كارثة أمن قومي، وفي أسفل هذه القائمة العراق، ولا يترك وراءه سوى الصومال ....!. ويحق للمراقب والباحث أن يستنتج استنتاجات سياسية عديدة في تحليل معطيات هذا الدول.

 

إن خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها والذي يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر وما يترتب على ذلك من الفساد المالي والإداري، ومن آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية تؤثر بشكل سلبي على المجتمع، وآثار مدمرة تطال كل مقومات الحياة في الدولة، فتضيع الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل سير الأداء الحكومي وانجاز الوظائف والخدمات، وتقود إلى تخريب وإفساد ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب، بل في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن التدهور الخطير في مؤسسات ودوائر الخدمات العامة المتصلة بحياة المواطنين. لتصل النتائج إلى أن الفساد معرقل أساسي للتنمية.

 

الفساد بحسب تعريف منظمة الشفافية العالمية (Transparency International) تشكل الأنشطة غير المشروعة التي يتم التستر عليها عن قصد ولا يتم الكشف عنها إلا من خلال الفضائح والتحقيقات أو الملاحقات القضائية. أما إذا شئنا التوغل في معنى الكلمة لغوياً، ففساد الشيئ يعني أن العطب قد نال منه، أو اللهو واللعب أو اخذ المال ظلماً أو إلحاق الضرر، أو الجدب، وكلها معان وصفات سلبية إذا لحقت بفرد أو جماعة. والفاسد في مجال بحثنا هو معتد على حقوق الملايين، بينما النشال واللص العادي قد اعتدى على جزء بسيط جداً من ممتلكات شخص واحد، فالمعتدي على المال العام بهذا المعنى الإنساني والقانوني مجرم خطر يتجاوز في حدود فعله جرائم الجنح إلى الجنايات، لذلك هناك من الدول تحكم على جرائم المال العام بالإعدام، فجريمة القتل الخطأ تعتبر جنحاً(كالدهس المفض إلى الموت) وقد لا يحكم على مرتكبها أكثر من خمسة سنوات، بينما يعتبر الفساد جريمة من الدرجة الأولى ضد المجموع.

 

ويعد الفساد المالي والإداري المعرقل الرئيسي لخطط وبرامج التنمية إذ تتحول معظم الأموال المخصصة لتلك البرامج لمصلحة أشخاص معينين من خلال استغلال مراكزهم أو الصلاحيات المخولة لهم. وبذلك تتعرقل عملية التنمية ويتفشى التخلف والفساد وينعكس بدوره على مجالات الحياة كافة وفي ذلك خسارة كبيرة للمال والجهد والوقت وضياع فرص التقدم والنمو والازدهار.  

 

أن ظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر، كما أن  الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى الإداري والمالي فقط، بل في الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي،  أي فيما يتعلق بالتنمية الشاملة، ناهيك عن مؤسسات ودوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس، مما يحتم ضرورة إنشاء نظام رقابي فعّال مستقل مهمته الإشراف ومتابعة الممارسات التي تتم من قبل الوزراء والموظفين العاملين في كل وزارة ومؤسسة. يُعتبر الفساد مكلفا. فهو يعمل على إعاقة النمو الاقتصادي، حيث في البلد الفاسد أو الصناعة الفاسدة " يختفي الحافز لدى الشركات لتحسين نوعية السلعة، وستتوقف مكاسب الإنتاجية والابتكار اللذان يأتيان من شركات جديدة ". بكلمة أخرى، الفساد يُضعف تنافسية الاقتصاد ويكبح الاستثمار ويحول دون خلق الوظائف.

 

في احدي الدراسات وُجد أن المستوى المنخفض من العائد الضريبي في العالم العربي هو جزئيا يعود إلى الفساد. هذا الأمر خصيصا مثير للقلق في ضوء عدم مقدرة الدول العربية النفطية الاعتماد على الموارد النفطية، وحيث الاحتياطات تنضب بسرعة وعوائدها بدأت تتناقص بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية. أو أن تذبذب أسعار المواد الخام ومنها النفط الخام والغاز المسال، يضع الخطط الحكومية في مأزق، بسبب تضارب الأسعار والواردات الحكومية. 

 

وفي الاقتصاد والسياسة وفي القانون، فالأمر ينطوي أيضا على إشارة تعني أن عطباً شديداً (Defect) قد لحق بعملية سياسية أو اقتصادية أو كلاهما معاً وهو الأرجح، وأن الفساد يتحول إلى قضية سياسية / اقتصادية عامة، تخرج عن إطارها كحادث فردي تعالج قضية فرد ما موقعياً بشكل إداري. وقد يكتسب الفساد العام على الفور صفة جنائية، فمعظم القوانين الجزائية في أغلب دول العالم تعالج قضايا الفساد في حدوده الدنيا، كحادثة ارتشاء موظف، ويفهم تحت عبارة تختص بمثل هذه الحالات (situativer corruption) أي حالة بنت ظرفها الآني. أو وليدة ظرفها، وهي قد تنجم عن تصرف عفوي، بمعنى أنه حدث كرد فعل مباشر في موقع عمومي رسمي ولم يتضمن الحال تخطيطاً أو تحضيرات مسبقة.

 

أما في حالات الفساد الكبيرة التي يطلق عليها في الاقتصاد (strukturelle corruption) أي الفساد الهيكلي، ففي الفساد الهيكلي يدور الأمر حول حالات الفساد المؤسسة على أساس علاقات المدى البعيد وحالات تم التخطيط فيها لفعل الفساد على أساس العلاقات على المدى الطويل من الفاسدين قبل ارتكاب الجرم عمدا، فهناك الفعل المادي أو التحضير الذهني للعمل، الذي يستبعد العفوية مبدأ العمل. الطاقة الجنائية للمشتبه بهم هي في الفساد الهيكلي عادة ما يكون أعلى مما كانت عليه في قضايا الفساد الظرفية، والفساد الهيكلي يعني بذات الوقت، أنه قد أنتشر في العديد من قطاعات الدولة، ومن هنا فالفساد هو مسألة عامة يستدعي حلولاً عامة.

 

الفساد السياسي (police corruption): وهو التحدي الرئيسي، حيث تركز النخب الحاكمة السلطة في أيدي مجموعات صغيرة، (عائلية، عرقية، دينية) مما يؤثر سلباً على الفصل بين السلطات، ويمتد الأمر ليبلغ عمليات صنع القرار التي تؤثر على البلاد والشعب بأسره. وإذا أنتشر الفساد السياسي فسيعقبه فساد إلى سائر مفاصل الدولة حتماً، ولا يعني عدم وجود معطيات وأدلة في هذا الجزء أو ذاك سلامته من الفساد المستشري.

 

ولنبسط الأمر ليغدو مفهوماً أكثر، فقد يحدث أن تسول له نفسه، موظف ما في موقع تماس مع الأخذ والعطاء، أن يرتشي لأي سبب من الأسباب، وقد لا يقدم على هذه الفعلة مرة أخرى، أو يكررها بين الحين والآخر،  وهو ما يسمى (situativer Korruption)، أي فساد ظرفي، وهو أمر قد يحدث في أكثر بلدان العالم شفافية ورقياً، ففي العام المنصرم قبض على شرطي دانمركي بتهمة الارتشاء، وهي حادثة بسيطة ولكنها تسببت بهبوط الدانمرك بضعة درجات في سلم الدول الفاسدة. فيما نعني بالفساد الهيكلي أن يكون نظاماً معيناً فاسد برمته، أو بالجزء الأعظم منه، ويتخلل ذلك أتفاق على الفساد وسرقة المال العام واستغلال الوظيفة، وكمثال على نقول : أن هناك وظائف تباع في المزاد ومن يريد أن يتولاها عليه أن يدفع مبالغ طائلة وحسب واردات وظيفته، وفي هذه الحالة فإن من يتولى الوظيفة سيلتهم أكبر قد ممكن وبأسرع وقت ممكن تحسباً للظروف الطارئة، وبهذه الحالة فإن سلسلة المراجع كلها مشتركة في عملية التهام جماعي بالاتفاق علناً أو ضمناً، وقد أطلعت شخصياً على موقع نقطة حدودية هامة في بلد ما تباع لمن يدفع أكثر في شبه مزايدة سرية، وبمبلغ بملايين الدولارات، والعائد يتقاسمه وزير الداخلية ووكيل الوزارة والمدراء العامون، كل حسب أهميته، وضابط نقطة الحدود هذه، سيسترجع ما دفعه من مال بأتاوات يفرضها على القادمون والمسافرون، وهو في ذلك يدفع أيضاً للعاملين معه، فهذه من أصناف السرقات الهيكلية المنظمة إلى تشير إلى فساد شامل.

 

 أما الفساد الذي تئن منه البلدان النامية بصفة خاصة، هو فساد الدولة، وفساد الوضع الاجتماعي على الأغلب، لذلك نلاحظ أن الدول المتقدمة في نظامها السياسي نادراً ما تعاني من ظاهرة الفساد العام الذي ينخر هيكل الدولة بأسرها وهو ما يطلق عليه (strukturelle korruption) . وكمثال على نقول: أن هناك وظائف في البلدان النامية، تباع في المزاد ومن يريد أن يتولاها عليه أن يدفع مبالغ طائلة وحسب واردات وظيفته، وفي هذه الحالة فإن من يتولى الوظيفة سيلتهم أكبر قدر ممكن وبأسرع وقت ممكن تحسباً للظروف الطارئة، وبهذه الحالة فإن سلسلة المراجع كلها مشتركة في جريمة التهام جماعي بالاتفاق علناً أو ضمناً، وفي هذه الظروف العاقل تكفيه الإشارة.

 

ولدى مؤسسة الشفافية العالمية (للنزاهة ومكافحة الفساد الدولية (Transparency International) ومقرها في برلين عاصمة ألمانيا الاتحادية، معطياتها وبموجبها تؤشر درجة الفساد في شتى دول العالم، ويعتبر الخبراء أن الدرجات بعد الخمسين في أي دولة تقع في حقل الدول المنكوبة. وبهذه المناسبة فإن العراق يحتل ذيل القائمة التي تتألف من 180 دولة ( يحتل العراق المرتبة 178 ) ولا يترك وراءه سوى الصومال.

 

لذلك فإن استئصال الفساد، واجتثاث رموزه ومرتكبيه والضالعين به، يقع اليوم على رأس جدول أعمال الحركات السياسية الوطنية. ومن المهم أن تحديد الجماهير الفاسدين وانحدارهم السياسي، وتعقب جذور الفساد، وفي هذا السياق يعد من السذاجة اعتبار مرتش يرتكب هذه الجريمة لسد رمق عائلته، أين منه ذاك الذي يضيف ملياراً جديداً من الدولارات إلى ترسانته المالية في الخارج على شكل استثمارات أو أموال سائلة، ويحرس نفوذه السياسي ميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة، بل وحمايات تأخذ رواتبها من الدولة نفسها ..!  أو مسؤول يعبر عن فساده بالاستيلاء على عقارات الدولة والشعب وقيمتها بالملايين، أو ذاك اللص الذي يستغل وظيفته فيجلس على تل من الأموال يتطلع إلى المحرومين بقلة غيرة وانعدام ضمير.

 

وللأسباب السياسية والاقتصادية فإن الفساد متفش في سبعين دولة وهو عائق مهدد للتنمية ولابتعاد والاستثمارات الأجنبية ومسبب أساسي للفقر ويحول دون تجازوه.  وتشير كافة مناهج التنمية في البلدان النامية (Economy of development) أن الفساد يمثل عائقاً حقيقياً أمام التنمية، ويؤدي إلى المزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وبحسب تأكيد رئيس منظمة الشفافية الدولية الذي يرى في شن الحرب على الفساد هي أنجع وسيلة لتحرير الإنسان من الفقر، وهناك مؤشرات ونسب ورُتب تصعد وأخرى تنزل من سنة إلى أخرى ومع وجود رغبة نبيلة في محاصرة الفساد ونشر ثقافة الشفافية، لكن هناك مَن يطرح دائما أسئلة عن موضوعية السلم التقييمي ذو العشر درجات وشفافية المعايير التي تعتمدها المنظمة في قياس الفساد وفي تعريفه وتصنيفه بين سياسي ومالي واقتصادي وأخلاقي وأي تلك العناصر أكثرها ضرراً.

 

من المؤكد أن الفساد ليس جزءا من ثقافة الدول النامية وخاصة الدول الإسلامية لان ثقافتها الدينية والتاريخية تحرم الفساد بكافة إشكاله وتحرم الرشوة سواء تتم داخل الدولة أو خارجها على العكس من ذلك نجد أن الدول الأوربية تعتبر الرشوة التي تدفع لمسؤولين خارج البلد بمثابة مصروفات وتقوم بخصمها  من الضرائب التي تدفعها الشركات والأفراد للحكومة وهو ما يعني أن الحكومات الأوربية تدعم الرشوة وتغذي الفساد في الدول النامية، ويعني ذلك أيضا أن الرشوة والفساد جزء من ثقافة وقوانين الدول المتقدمة وليس الدول النامية ، ولذلك قامت بعض الدول المتقدمة بتصحيح هذا الوضع عندما قامت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتوقيع اتفاقية تحرم تقديم الرشوة للمسؤولين في الدول النامية لإبرام الصفقات.  

 

هناك درجات في الفساد، فهناك فساد بدرجات واطئة يعتبر فساداً مسيطراً عليه، وللأسف فقط القليل من دول العالم هي في هذه المرحلة، والأكثرية تقع في قطاع الدول التي يبلغ الفساد فيها أقل من المرتبة الخامسة، وأكثر من ذلك يعد خارج السيطرة،  الفساد المسيطر عليه هو في دول ضمن ثلاث درجات وما أقل من ذلك. وهناك العديد من الأسباب لانتشار الفساد يأتي في مقدمتها غياب الشفافية فيما يتعلق بالأعمال العامة للدولة بالذات في الدول غير الديمقراطية، النظم الديمقراطية في الحقيقة توفر آلية لمنع الفساد وإذا حدث هذا الفساد توفر آليات متنوعة ومتعددة لمكافحته، الديمقراطية نفسها فيها درجة عالية جدا من تمكين البشر من الرقابة على كل ما يتعلق بالأعمال العامة أو المالية العامة للدولة، أيضا إذا منح الموظفين العموميين سلطات منح التراخيص بدون رقابة فعالة وبدون مراجعة لذمتهم المالية بشكل صارم في الحقيقة يبقى هذا يتيح لانتشار الفساد، أيضا إذا كانت الرواتب الخاصة بالعاملين في أجهزة الدولة في الكثير من بلدان العالم وبالذات في الدول النامية غير منطقية وغير معقولة هي دعوة للفساد لهؤلاء الموظفين الذين تجرى أمامهم وتحت أيديهم الكثير من الأموال والكثير من الأصول العامة وبالتالي هم في الحقيقة من أجل منح التراخيص يحصلون على رشاوى وإلا عطلوا الأعمال، أيضا كلما زادت الإجراءات البيروقراطية المُعًقَدة للأعمال هذا يشكل باب ملكي للفساد لأن كل الموظفين البيروقراطيين القادرين على تعطيل الأعمال أو إنشاء أعمال جديدة يمكنهم الحصول على رشاوى أو ميزات مالية مقابل اختصار الوقت وإصدار التراخيص أو تسهيل الإجراءات بصورة أو بأخرى وبالتالي هو النظام. عدم وجود جهاز مستقل غير تابع للسلطة التنفيذية. وإن كان تحقيق هذا الاستقلال عن السلطة التنفيذية محفوف بالشكوك، ليصبح حالة كحال القضاء المسيس، ولا تعود هناك ثقة بكل ما تقوم به السلطة التنفيذية. ولذلك يطالب الاتحاد الأوربي الحكومة العراقية أن الإصلاح ومكافحة الفساد يجب أن يبدأ من القضاء.

ويشير تقرير لمنظمة الشفافية الدولية إلى عدة تحديات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انعكست بدورها على تراجع تصنيف دول المنطقة على مؤشر الفساد، وتتمثل هذه التحديات في الآتي:

1- القلاقل الأمنية: سهلت الأوضاع الأمنية غير المستقرة والعنف والصراعات المسلحة، من انتشار التدفقات غير المشروعة والممارسات الفاسدة. وقد استثمرت العديد من دول المنطقة سياسياً ومالياً في التعامل مع التهديدات الأمنية الوشيكة بدلاً من تسخير المزيد من الموارد لمحاربة الفساد بشكل فعَّال.

2- الفساد السياسي: يعد "الفساد السياسي" هو التحدي الرئيسي في المنطقة، حيث ركزت النخب الحاكمة السلطة في أيدي مجموعات صغيرة، مما أثر سلباً على الفصل بين السلطات، وامتد الأمر إلى عمليات صنع القرار التي تؤثر على ملايين المواطنين.

ويرى التقرير أن النخب السياسية في المنطقة قد أساءت استخدام السلطة، وحافظت على مصالحها الشخصية من خلال النفوذ وشبكات المحسوبية. وفي هذا الإطار يشدد التقرير على ضرورة أن يكون الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أولوية قصوى بالنسبة لأولئك المنتخبين في السلطة، فضلاً عن أهمية استقلال القضاء بعيداً عن التدخل السياسي.

3- غياب القوانين الفعَّالة: أحرزت عدة دول بالمنطقة خطوات إيجابية نحو الإصلاح، كما تم إحراز بعض التقدم التشريعي في المنطقة من خلال التصديق أو الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. ومع ذلك فإن المنطقة تعاني من عدم وجود قوانين يُمكن أن يكون لها تأثير كبير على تحسين النزاهة والشفافية والمساءلة. ولذا طالب التقرير بتشريع الخطط والاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد، وتدشين لجان مكافحة الفساد التي يمكن أن تعمل كهيئات رقابية مستقلة.

4- غياب الرقابة: أحد المشاكل الرئيسية للأداء الضعيف لمعظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مؤشر الفساد، هو عدم وجود القوانين المهمة التي تعطي الجمهور فرصة لمراقبة كيفية إنفاق أموالهم.

ويؤكد التقرير حاجة الناس إلى الثقة في مؤسساتهم، خاصةً في أوقات عدم الاستقرار، كما يجب أن تكون الحكومات على استعداد للعمل مع مواطنيها، ومع المجتمع المدني كشريك مهم في مكافحة الفساد.

ختاماً، يُوصي واضعو المؤشر الدول التي حلَّت في قاع المؤشر بأن تتبنى إجراءات جذرية لمكافحة الفساد من أجل تحقيق مصلحة شعوبها، كما يتعين على الدول التي في قمة المؤشر أن تعمل على ضمان عدم تصدير الممارسات الفاسدة إلى الدول ذات معدلات التنمية المتدنية، ومنع غسل الأموال ومنع الشركات السريّة التي تُستغل لإخفاء الفساد.

أما في العراق، فقد وفر الاحتلال البيئة الخصبة للفساد بأعلى درجاته، لم يبق الفساد الغير مسبوق بدرجته الغير طبيعية للمواطن أي شيئ. وعندما نقول أي شيئ، نقصد ما يحتاجه المواطن من أساسيات الحياة من سكن وملبس وطعام وعلاج، إضافة إلى الافتقار الشبه تام للخدمات الأساسية : أمن، كهرباء، ماء، مواصلات، تعليم، في بلد أصبح يفتقر إلى كل شيئ، وبالإضافة إلى القمع الذي يمارسه مليون ونصف جندي وشرطي، ومئات الألوف من الميليشيات التي تمارس الفساد والاستيلاء على أموال وممتلكات المواطنين والتصفيات الدموية، فإن العراق يتعرض للتصحر والإبادة والتقويض كدولة ونظام. وأمامنا مجموعة من الهوامش النصية والمعطيات اقتطفتها من المواقع العراقية وبعضها حكومي:

 

ــ مكونات الناتج القومي الإجمالي ومؤشراته ..

ــ  تحدث الدكتور أحمد الجلبي عن 44 مليار دولار أنفقت بين 2006 و2010 .

ــ توقف الدكتور أحمد الجلبي عن فتح ملفات  الفساد ومن ذلك الذي مفاده، أن رئيس الوزراء السابق المالكي أنفق 44 مليار دولار أميركي خارج الموازنة وبشكل غير قانوني خلال السنوات الأربعة الأولى من حكمه.

ــ مناقشات في البرلمان مؤخرا تفيد بأن المالكي أنفق خلال 2011 نحو 7 مليارات دولار أميركي لم تسجل في الموازنة، أي إنه أنفقها بشكل غير قانوني.

ــ صرح السيد حسين الياسري رئيس هيئة النزاهة في حلقة حوارية، فنفى علمه بمليارات أحمد الجلبي. كما نفى علمه بالخلاف الذي لم ينته بين باقر جبر صولاغ وزير المالية السابق والدكتور حسين الشهرستاني، حيث يقول الوزير صولاغ: إن المالكي أنفق 310 مليارات دولار في سنوات حكمه الأولى، بينما يصر الوزير الشهرستاني: على أن المالكي لم ينفق سوى 170 مليارا. لكن الياسري عاد وصرح بأن المالكي أنفق في دورته الأولى 17 مليار دولار (لا 44 كما يقول الجلبي) خارج الموازنة، واعترف بأن ساسة العراق يتأخرون في (أو يؤخرون) اعتماد نظام محاسبي حديث يكشف عبر شبكة حواسيب متطورة كيفية إنفاق كل فلس من الواردات والصادرات .

ــ  المصادر المتواضعة تقر أن السيد المالكي تصرف بمبالغ بمعدل 7 إلى 10 مليارات دولار في السنة ـ عندما تعلم أن ميزانية العراق لعام 2010 بلغت 72.4 مليار دولار، وهي تعادل ميزانية أربع دول مجتمعة هي سوريا: 16 مليار، والأردن: 7.6 مليار، ولبنان: 6.2 مليار، ومصر 36.5 مليار بدون العجز، مصر التي يبلغ عدد سكانها ما يقارب 80 مليون نسمة ...!!

ــ أكد وزير النفط عادل عبد المهدي، أن موازنات العراق منذ العام 2003 وحتى العام الحالي بلغت 850 مليار دولار، وفي حين بيّن أن هناك ثلاثة مستويات للفساد، رأى أن تلك الأموال كان ينبغي أن تولد تريليونات الدولارات من القيمة المضافة لو ضخت للأسواق ومواقع العمل والإنتاج بنحو سليم، لتسهم بإصلاح أي مجتمع مهما كان متخلفاً أو متأخراً. أو لو أن هذه المبالغ كانت قد أودعت في البنوك للاستثمار لبلغت فوائدها ربما ال 50 مليار دولار ..! وتلك مأساة أخرى .

ــ أوضح رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أن مشروع مارشال لإعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، قد بلغ 15 مليار دولار للأعوام 1947-1951، وإذا كانت خطة مارشال (15) مليار دولار فقط، كانت كافية لانتشال أوربا الغربية وأوقفتها على قدميها بعد خراب شامل، (و15 مليار دولار مبلغ يعادل بالقيمة الحالية 148 مليار دولار)، أي تقريباً موازنة العراق، غير المقرة، لسنة واحدة فقط .... للعام 2014 فقط. وإذا علمنا أن مبلغ 148 مليار أعادت إعمار أوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي العراق كان مردودها دون الصفر، فتأمل عمق الحفرة والمأزق ...!

ــ صرح السيد الياسري (20 / آب / 2015) أن أرقام ملفات الفساد في العراق مفزعة وكبيرة وبلغ عدد المتهمين المحالين إلى القضاء العراقي بتهم الفساد بلغ 2171 متهماً منهم 13 وزيراً ومن هم بدرجته و 80 من أصحاب الدرجات الخاصة و134 من المدراء العامين خلال الأشهر الماضية. وهذا غيض من فيض ..! فكيف حدث ويحدث متواصلاً هذا الفساد الكبير الغير مسبوق في التاريخ،  مليارات الدولارات تتطاير وكأنها دراهم في هذا البلد المنهك ...!

ــ الفساد ببساطة هو نقل ما هو ملكية عامة أو أصل عام إلى ملكية خاصة بدون وجه حق أو بشكل غير مشروع من خلال العبث في مالية الدولة في العلاقة بين الدولة ومؤسساتها ومنشئاتها والقطاع الخاص.

ــ الفساد ناجم عن خلل في النظم وقواعد الصرف والعمل والرقابة والتخطيط التي اعتادت عليها الدولة أو الاثنين معاً.

ــ الفساد هو حالة ناجمة عن إنعدام كلي ــ شبه كلي ــ جزئي للديمقراطية ولأبسط قواعد الإدارة والحكم.

ــ الفساد هو حالة ناجمة عن نظم ديكتاتورية لا تتيح أي جهة حكومية الاستفسار عن مصير الأموال.

ويشير تقرير للمنظمة الدولية لمكافحة الفساد أن هناك سبب وهناك تداخل بين عملية الفقر بين طبيعة عملية الإصلاح السياسي وعملية الاقتصاد السياسي باعتبار أن هناك شفافية مفترضة في المناقصات المفتوحة، والأنفاق الحكومي، وهناك شفافية في النظام الضريبي والاقتصادي برمته.

احتل العراق المرتبة 166 من بين 176 دولة في مؤشر الفساد لعام 2017 ووقع ضمن ال 12 دولة الأخيرة في القائمة التي تنتهي بالصومال، بينما احتفظت الإمارات بالمرتبة الأولى في العالم العربي بمؤشر مدركات الفساد للعام 2017 الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، بينما جاءت في المرتبة الـ21 على مستوى العالم بين 180 دولة. وتقدمت الإمارات 3 مراتب مقارنة بالتقرير السابق، وسجلت 71 نقطة بارتفاع 5 نقاط عما سجلته في تقرير عام 2016، متفوقة على دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا، ومتقدمة ثلاثة مراكز مقارنة بالتقرير السابق، الذي حلت فيه في المركز 24. في حين، احتلت قطر المرتبة الثانية عربيا والـ29 عالميا، حيث سجلت 63 نقطة، بينما، جاءت السعودية في المرتبة الثالثة عربيا والـ 57 عالميا، حيث حصدت 49 نقطة. وتقدم ترتيب المملكة في تقرير العام 2017 خمس مراتب، وكانت قد جاءت في المرتبة 62 في تقرير 2016. كما تقدمت المملكة مرتبة واحدة على صعيد الدول العربية مقارنة بالتقرير السابق.وجاءت نيوزيلندا في المركز الأول والدنمارك في المركز الثاني، بينما حلت فنلندا والنرويج وسويسرا مشاركة في المركز الثالث، وبالتالي أصبح ترتيب سنغافورة في المركز السادس مشاركة مع السويد، وجاءت كل من كندا ولوكسمبورغ في المركز الثامن.فيما، جاء في ذيل التقرير الصومال وجنوب السودان وسوريا وأفغانستان واليمن، في المراكز الخمسة الأخيرة، ما يعني أن هذه الدول تعد الأكثر فسادا في العالم.

ترى ما هي عناصر  النزاهة في النظام الوطني ...

 

هل هي الديمقراطية، أم هل هي الحرية في تبادل المعلومات في المجتمع؟ هل هناك تنافسية في الاقتصاد؟ ما مدى انتشار الديمقراطية في المجتمع؟ هل هناك تنافس يحميه القانون، وما هي أبعاد الحريات الديمقراطية، هل هناك قمع سياسي، وهل هناك تميز بين المواطنين على أسس عرقية أو دينية، أو سياسية / حزبية ؟ عزوف الدول عن الانضمام إلى الميثاق والعهد الدولي، لمكافحة الفساد وغسيل الأموال على الصعيد الدولي، في تنقلها بين المصارف، سيكون له أثره في مكافحة الفساد لا سيما عندما يكتسب صفة الإلزامية.

 

في مثل الوضع الذي يمر به العراق: البلاد تحت الاحتلال العلني الواضح، أو المستتر، الجهات الأجنبية لا يهمها أين تذهب أموال البلاد، بل هي تفضل أن تسرق على أن تنفق للصالح العام، وربما تشارك الفاسدين.

(الجدول : رواتب كبار المسؤولين العراقيين)

 

وفي رؤية بسيطة للإنفاق الحكومي الذي هو في واقع الحال إهدار وإتلاف للمال العام، فالأرقام الفلكية في الرواتب، والإنفاق على الشخصيات السياهوس الاستيلاءالنفوذ، يتردد اليوم أنباء عن هوس  الاستيلاء على عقارات الدولة، بل وحتى مصادرة أملاك المواطنين بغير وجه قانوني.(أنظر الجدول أعلاه)

 

ـــ الحمايات : وهي اختراع لنهب المال العام، كشف القاضي وائل عبد اللطيف أن كلفة حمايات الرؤساء الثلاثة تكلف 6 مليار دولار علما أن ميزانية سوريا 6 مليار دولار وهل يعقل أن تكون رواتبهم أضعاف رواتب رؤساء أمريكا وروسيا والصين وألمانيا وبريطانيا ؟ هذا عدا عن حمايات الوزراء والنواب.

 

ــ بلغت واردات العراق لما بعد الاحتلال :، 1000 مليار دولار دخلت العراق منها :

800 مليار دولار كواردات للنفط و200 مليار دولار كهبات خارجية، صرف منها 40 مليار دولار للكهرباء، كل هذا خلال 12 عام ، وحتى الآن فان البلاد تشكو من الانقطاع اليومي للكهرباء وبمعدل 15 ـ 20 ساعة، وتشكو من شحة المياه الصالحة للشرب، ومن انحطاط  غير مسبوق في حقول الخدمات العامة، ومن نسبة بطالة تجاوزت 30 % ، ناهيك عن تدهور كارثي في مجالات الصناعة والزراعة وكل مجالات الاستثمار المنتج، 148 مجموع مبالغ عقود التسليح والجيش لا يملك سلاحا، حتى أن الميليشيات الطائفية والاثنية تتفوق عليه بسلاحها، 25% من العراقيين تحت خط الفقر، 3 ملايين نازح ومهجر يعتاشون على مساعدات الإغاثة الأممية، وانفلات أمني شامل.

 

ــ تلكم هي بعض المؤشرات (والأرقام في تصاعد يومي وفصلي) التي تدل على انحطاط شامل وكامل في بلاد لا يوقف أهلها عن الثورة العارمة غير سياسة فرق تسد التي يتبعها أمراء السلطة الجديدة وغير سياسة التجهيل والترويض وابتزاز العواطف المذهبية والمناطقية والاثنية وغسل الأدمغة ...  جعل من الناس تكفر بعمامة الدجالين وملالي الدين وبكل الكلام المعسول لسادة الاحتلال الذين اعتبروا العراق كمغارة علي بابا، كنز لا يغرف منه إلا من يؤمن مثلهم بتشريح العراق وتقاسم أعضائه وبيعها لجني المزيد من النعم والأموال التي تهرب إلى خارج البلاد، هذا المشهد التراجيدي لشعب يتعرض لأبشع أنواع الابتزاز والتدجين والسطو والتغييب والمصادرة والتعذيب والتهشيم والتلويث والخداع، وليست هناك سوى قوى الحراك الشعبي الوحيدة القادرة على التغيير الجذري وعلى خلع قوى السلطة الباغية، وان اعتمدت أسلوب التدرج والاستدراج المرحلي، وهو ما يتطلب شروطا موضوعية وذاتية متطابقة لتحويل شحنة الإصلاح إلى تيار تحويل يكتسح هذه الكارثة التي تنذر بالمزيد ..!

 

يبدو مما تقدم (وهناك المزيد والكثير من التفاصيل) أن الأمر أكبر بكثير مما يتصور القارئ لما هو مألوف من التعريفات السياسية والاقتصادية الكلاسيكية للفساد. أن الوضع العراقي بحاجة إلى غرفة إنعاش، وغرفة الإنعاش هذه تعني قطع صلته لخارج الغرفة استبعاداً للفايروسات والجراثيم، وهذا يستدعي أولاً، استبعاد الأيادي والإرادة الأجنبية عن القرار السياسي، واستعادة البلاد لاستقلالها وسيادتها، ليكون بوسعها تأسيس أجهزة حكم وطنية مخلصة نزيهة من شخصيات عراقية معروفة بنزاهتها، وتوفير قاعدة عمل أساسها إلغاء كافة الألغام التي تفرق المواطنين، من قوانين طائفية وعرقية، وإقامة نظام حكم مدني، وبدء عملية الإقلاع بأعمار البلاد وهي لوحدها عملية شاقة تحتاج إلى زج كافة قدرات المواطنين العراقيين، عواطفهم وإراداتهم. فالنظام الحالي ليس أكثر من نظام يمثل المصالح الأجنبية، أسس نظام الأوليغارشيا (Oligarchy) يعتمد على النظام الغيبي، بدأ يتحول إلى نظام شاعت في اللصوصية حتى غدت قانوناً عرفياً سائداً وواقعياً، وإلا فأين تسمع مصطلحاًت جديدة في غير عهد الحكومة الدينية في عالم السرقة : جنود فضائيين ...!. وفي حزيران / 2021، أعلن عن وجود قنصليات وهمية(فضائية) فيها مئات الموظفين يتقاضون رواتب عالية وسيارات فاخرة، وكل هذا وهمي لا وجود له إلا على الورق.

 

أكد محافظ البنك المركزي العراقي السابق سنان الشبيبي أن رئيس وزراء السابق وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي تسلم أموالا أكثر من كل حكام جمهورية العراق مجتمعين من الزعيم عبدالكريم قاسم إلى صدام حسين، وأهدرها .

وبسبب الفساد الإداري والمالي تتفاوت الأرقام والإحصاءات، ولكن بالرغم من ذلك فالمؤشرات كارثية بكل معنى الكلمة. منها:  1000 مليار دولار دخلت العراق منها 800 مليار دولار كواردات للنفط و200 مليار دولار كهبات خارجية، صرف منها 40 مليار دولار للكهرباء، كل هذا خلال 12 عام ، وحتى الآن فان البلاد تشكو من الانقطاع اليومي للكهرباء وبمعدل 15 ـ 20 ساعة، وتشكو من شحة المياه الصالحة للشرب، ومن انحطاط  قياسي لكل الخدمات العامة، ومن نسبة بطالة تجاوزت 30 % ، ناهيك عن تدهور كارثي في مجالات الصناعة والزراعة وكل مجالات الاستثمار المنتج، 148 مجموع مبالغ عقود التسليح والجيش لا يملك سلاحا، حتى أن الميليشيات الطائفية والاثنية تتفوق عليه بسلاحها، 25% من العراقيين تحت خط الفقر، 3 ملايين نازح ومهجر يعتاشون على مساعدات الإغاثة الأممية.

 

ومن أبرز المخلفات الكارثية للفساد العراقي هو تصاعد حجم المديونية العراقية

العراق يسدد ديونه عام 2053

على أن يدفع 8 مليارات دولار سنوياً كفائدة

دخل العراق ترليون دولار

خرج 50% منها بواسطة التحويلات الخارجية

هناك 24 ألف شركة في كردستان14 ألف منها تتهرب من الضرائب

ورغم أن هناك من يحتمل أن الأرقام غير دقيقة، بل ومتضاربة أحياناً، بسبب التكتم وعدم السماح بتسرب حقائق الوضع الاقتصادية الصادم، إلا أن جميع الخبراء والمتابعين يشخصون حالة التراجع، والسقوط في فخ المديونية القتل. حيث أكد الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي العراقي الدكتور عبد الرحمن نجم المشهداني تحذير نائب رئيس صندوق النقد الدولي للحكومة العراقية في "مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق" من أن سياسة الاقتراض أصبحت خطرة على العراق وستبلغ الفوائد التي يجب على العراق أن يسددها سنة 2022 نحو (60%) من عائداته، أي انه سيكون عاجزا عن تسديد ديونه وعن تسديد الفوائد المترتبة عليها أيضا، العراق يسير نحو كارثة حقيقية لا توليها الحكومة أي انتباه.

وأكد المشهداني أن العراق خلال عامي 2014 و 2016 أهدر (202) مليار دولار، جاءت من (36) مليار دولار قروض أجنبية، و (23) مليار دولار انخفاض احتياطي البنك المركزي، و (33) مليار دولار ارتفاع الدين الداخلي، و (120) مليار دولار عوائد نفطية. وأضاف المشهداني، أن العراق يحتاج إلى (30) عاما لتسديد ديونه الداخلية والخارجية، وهو ما سيخضع مقدرات العراق النفطية لسنوات طويلة تحت رهن البنوك والدول الدائنة.

وقال عضو اللجنة المالية العراقية في البرلمان العراقي رحيم الدراجي، إنه منذ عام 2003 وإلى اليوم، ترتبت على العراق ديون كثيرة بسبب السياسات الخاطئة للحكومات المتتالية، وان الحكومات التي استلمت دفة الحكم ليس لديها حكمة بإدارة السياسة المالية والنقدية للبلد، وكانت الموازنات السابقة للعراق موازنات متضخمة، وتفتقر إلى التدبير، ولم تقم على أساس الدراسة والتخطيط ، إنما قامت على أساس ما يطلق عليه ملء الفراغات، أن الأجيال القادمة ستتحمل أعباء الديون الحالية .

 

وقالت عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان العراقي نوره البجاري، إن الديون التي أثقلت الاقتصاد العراقي أسبابها الفساد المستشري في البلاد، ودخول العراق الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، فإن الدين العام العراقي بلغ 122.9 مليار دولار منها 73.7 مليار دولار دين خارجي و 49.2 مليار دولار دين داخلي. وتشير الإسقاطات Projections إلى أن الدين العام مرشح للارتفاع ليصل إلى 133.4 مليار دولار في نهاية عام 2022 منها 71.4 مليار دولار دين خارجي و 62 مليار دولار دين داخلي.

 

الدين الخارجي

يتألف الدين الخارجي البالغ 73 مليار دولار في نهاية عام 2017 من أربع شرائح رئيسية هي : 

41 مليار دولار ديون إلى مجموعة الدول غير الأعضاء في نادي باريس للدائنين وأغلبها ديون لدول مجلس التعاون الخليجي التي تراكمت قبل عام 2003 خلال الحرب العراقية الإيرانية. وهي ديون قائمة بيد أنها ديون مجمدة منذ عام 2003 دون أن تراكم أية فوائد ولا يطالب العراق ولا الدول الدائنة بتسديدها. وحسب صندوق النقد الدولي سيتم إعفاء 90% منها أسوة بديون نادي باريس.

6 مليار دولار من ديون نادي باريس التي تم إعادة جدولتها. وكانت هذه الديون تقدر ب40 مليار دولار عام 2003 قبل أن يتم إطفاء 90% من قيمتها وهي تحمل فائدة قدرها 3% تسدد خلال فترة زمنية قدرها 28 عاماً.

4.7 مليار دولار سندات اليورو.

الديون التي تحققت بعد عام 2014 والبالغة 22 مليار دولار وتشمل ديون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والديون الثنائية.


الدين الداخلي المحلي :

يتكون الدين الداخلي البالغ 49.2 مليار دولار في نهاية عام 2017 بالدرجة الأساس من سندات الخزينة TB بحوزة كل من مصرف الرافدين ومصرف الرشيد والبنك التجاري العراقي والتي يتم إعادة خصمها لدى البنك المركزي العراقي. إلى ذلك قيام المسؤولين والأحزاب التابعة لها بالاستيلاء على مشاريع ضمن صفقات فساد.

ويبلغ المجموع التقريبي لهذه الفوائد والتسديدات على العراق نحو 12423.5 مليار دينار عراقي، أي ما يساوي حوالي 12770 مليار دولار أميركي.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر

د. ضرغام الدباغ

د. عادل عامر

شذى خليل

د. أكرم المشهداني

لهب عطا عبد الوهاب

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

مدخل لدراسة

الأمن القطري /  القومي ..

 

مكوناته، اتجاهاته، تحدياته

 

ضرغام الدباغ

 

تثير موضوعات الأمن القومي اهتمامات الكثير من القراء، والمثقفين، وقد لاحظنا من خلال تجاربنا أن معظم المتداولين بهذا الشأن الهام، يخلطون بين المصطلحات التي هي أساساً مترجمة عن اللغات الأجنبية (الإنكليزية، والفرنسية والألمانية) وقد شاء المترجمون عنها، ترجمتها كما هي دون تعديل أو إيضاح ضروري، ثم أني اكتشفت مؤخراً من خلال ندوة تلفازية شاركت بها، ضرورة وضع تعريفات محددة، والتميز بين (الأمن القومي)، و (الأمن الوطني).

 

الأمن القومي:بالألمانية/National Sicherheit، وباللغة الإنكليزية/National Security وهذه الكلمة (National) تترجم (وطني) أو (قومي) اعتماداً على سياق الجملة والمقصود منها، وهكذا تستخدمها معظم الدول الأوربية وغيرها، بدون صعوبات، ولكن الصعوبة تبدأ عندما نستخدمها باللغة العربية.

 

ففي اللغة العربية تستخدم الكلمة على أساس أن الأمن القومي يعني تلقائياً " الأمن القومي العربي "، ويبدأ التضارب عندما نقصد " الأمن الوطني التونسي " على سبيل المثال، أو " الأمن الوطني السوداني "، واقتراحي هو أن نستخدم " الأمن القطري " عندما يتعلق الأمر بأمن تونس أو السودان، ونستخدم عبارة " الأمن القومي " عندما نبحث موضوعات الأمن العربي المشتركة، وهي مشتركة حقاً، بحكم قائمة طويلة من المشتركات المادية والمعنوية، وبحكم أنها تواجه (موضوعياً) ذات المشكلات والتحديات.

 

 

ــ الأمن  القومي (الوطني) :

هو محصلة لمجموع الفعاليات والمجهودات التي تقوم بها الدولة بقيادتها للمجتمع والتي تؤدي إلى حماية استقلالها القانوني والدستوري وسلامة مصالحها الوطنية العليا على المدى القريب والبعيد.

فالأمن القومي هو إذن في مقدمة ما تحرص الدول والقيادات السياسية المحافظة على أسسه وأركانه، وأن أي خلل يصيب أحدى مرتكزاته يهدد سائر أركانه بالخطر، بل وقد ينتشر الخطر ليشمل بالتهديد سائر أركان الدولة، وبالتالي تهديد المصالح الوطنية العليا، فالأمن القومي ليس بحد ذاته ليس هدفاً، ولكن لا بد منه لحماية المصالح الوطنية العليا للبلاد. ومن أهم عناصر الأمن القومي ومرتكزاته الأساسية:

 

الأمن الداخلي.

الاقتصاد الوطني.

القدرة العسكرية.

 

أولاً: الأمن الداخلي:

ويعني الأمن الداخلي بمعناه الشمولي، الأمن الاجتماعي الذي يعني استتباب الأمن وحسن تنفيذ القوانين وسيادة العدالة بما يكفل سير العمليات الاقتصادية والاجتماعية ضمن سياقات وخطط الدولة في التنمية بأصعدتها المختلفة.

 

ثانياً : الاقتصاد الوطني :

وهو بصورة عامة ما يقدمه الشعب من إنتاج صناعي وزراعي وخدمي، وفعاليات اقتصادية أخرى، بما في ذلك الترانزيت والتجارة الداخلية والخارجية..الخ من العناصر المكونة للدخل القومي والناتج القومي الإجمالي.

 

ثالثاً : القدرة العسكرية :

وتمثل القدرة العسكرية أحدى العناصر الهامة لضمان الأمن القومي، وإذا كانت السياسة الداخلية والخارجية تعني التفاوض، فالتفاوض والإقناع هو سبيلها الأول، أما القدرة العسكرية فهي تعني ردع العناصر الداخلية والخارجية من تهديد محتمل أو حاصل فعلاً للأمن القومي تحت توجيه وقيادة القيادة السياسية العليا للبلاد.

 

 

المخطط رقم (1) لاحظ حركة الأسهم من اليسار إلى اليمين

Description: xc

 

ــ المصالح الوطنية العليا:

الأمن القومي حالة تتحقق بفعل تضافر العوامل ومجموع فعاليات الدولة لتحقيق ثوابت أساسية في وجود البلاد ومقومات الدولة، والتي بدونها ستصاب بشلل خطير قد يؤدي إلى تفسخ كيانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ونعني بها المصالح الوطنية العليا.

 

فالمصالح الوطنية العليا، هي الثوابت الأساسية والجوهرية لوجود الشعب وكيانه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي الأكثر ثباتاً كغاية وأهداف، وصيانتها هي جوهر مهمة الأمن القومي وأهدافه.

 

وبهذا المعنى المصالح الوطنية العليا هي أهم مقومات وجود البلاد، ألا وهي الأرض وحاجات البشر من الخيرات المادية والأمن الضروري لحياة المواطنين وأعمالهم، ويمكن تصنيف المصالح الوطنية العليا بثلاثة عناصر أساسية:

الاستقلال السياسي.

الثروة القومية.

الأمن الاجتماعي.

 

أولاً: الاستقلال السياسي:

والمقصود في مجال بحثنا، هو حماية الأقاليم والحدود الدولية التي تنص عليها المعاهدات الدولية المقبولة والمعترف بها، ويرتبط مفهوم الاستقلال الوطني ارتباطا وثيقاً بالحكم الوطني للبلاد بكافة مظاهره الجوهرية منها والشكلية، الداخلية والخارجية، السياسية والقانونية.

 

وتشكل المعاهدات والتحالفات الغير متكافئة أو المفروضة أو تلك التي تفضي إلى تدخل مباشر أو غير مباشر بالشؤون الداخلية وفعاليات الدولة وعلاقاتها الخارجية أو تؤدي إلى الهيمنة على مصادر ثروات البلاد، تؤدي إلى خرق مفهوم الاستقلال الوطني، أو تلك المعاهدات التي تتيح لقوى أجنبية من اتخاذ أرض البلاد مقراً أو ممراً لقواتها المسلحة بصورة تعارض مصالح البلاد الأساسية، وما شابه ذلك من الفعاليات وأنماط العلاقات غير المتكافئة التي تتجاهل مشاعر أبناء البلاد ومعتقداتهم الوطنية والقومية، فهي تعد جميعها من العناصر التي تضر الاستقلال الوطني.

 

ثانياً: الثروة القومية:

وهي تلك المصادر الطبيعية والنشاطات الإنسانية ذات المغزى الاقتصادي، التي تدر بالفائدة لرخاء البشر والأموال الضرورية لعملية البناء الاقتصادي.

ومن الطبيعي أن تتبوأ الثروات الطبيعية الكامنة، والمستخرجة، التي تمثل لبلد ما، أحد المصادر الرئيسية لتجارته الخارجية، وبالتالي مورداً للعملات الصعبة، كالمعادن مثل النفط والفوسفات وغيرها، أو أن تكون منتجات زراعية مثل: القهوة والكاكاو، والشاي، وغيرها كمصادر رئيسية في تجارة بعض الدول، أو قد يمثل مناخ الدولة المعتدل وموقعها وآثارها مورداً للسياحة.

 

ثالثاً : الأمن الاجتماعي:

ويمثل الأمن الاجتماعي بمعناه الواسع، أحدى الفقرات الهامة في المصالح الوطنية التي يسعى مخططوا الأمن القومي إليها، ويندغم في إطار هذا المصطلح بصفة أساسية : حماية الفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمواطنين والدولة بما يؤدي إلى ثقة المواطنين بأعمالهم ومستقبلهم والأجيال القادمة.

 

وإذ لا يمكن تصور مجتمعاً خلاقاً، إلا بتوفر أسس العدالة والمساواة بين المواطنين، فمن البديهيات المسلم بها، أن الصراعات الداخلية ودرجة حدتها بين مختلف القوى والفئات السياسية والاجتماعية، تخفت أو تتضاءل في ظل وضع اقتصادي وسياسي منتعش ومجتمع تسوده العدالة، وبإشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين في العملية السياسية والاقتصادية، وفي ظل قوانين تهدف أساسا إلى تحقيق رفاه المواطنين وحماية حرياتهم الأساسية وكرامتهم وإشعارهم بالقيمة العالية لحقوق المواطنة والتمتع بها، وكذلك التقليل في الفوارق بين مختلف الفئات، فتلكم هي أسس ضرورية لمجتمع يتمتع بالصحة النفسية والاجتماعية والإنتاجية، تتضاءل فيه أسباب الجريمة على اختلاف أنواعها وحدة التطرف في المواقف السياسية للأحزاب والحركات، فشعور الإنسان بالأمن والعدالة والحرية يدفع به إلى التمسك بالنظام والقانون، لا إلى خرقه والتمرد عليه.

 

ــ  سبل تحقيق الأمن القومي

يتبنى مخططوا الأمن القومي أسلوبين أساسيين لتأمين المصالح الوطنية العليا:

 

الأول: الأساليب السياسية.

الثاني: الأساليب العسكرية.

 

أولاً : الأساليب السياسية:

ونقصد بالأساليب السياسية، مجموع الفعاليات والنشاطات الداخلية والخارجية التي تعتمد بالدرجة الأولى على التوصل إلى قناعات مشتركة من أجل الشروع بفعاليات مشتركة، وهو عمل يعتمد أساسا الحوار واستبعاد اللجوء إلى القوة، وفي مجال بحثنا، تمارس الدول هذه الفعاليات كإحدى سبل تأمين المصالح الوطنية العليا.

 

ثانيا : الأساليب العسكرية:

لا بد بادئ ذي بدء، من تأكيد حقيقة، أن الأساليب العسكرية والتي يشكل الحرب قمتها، إنما هي جزء من الأعمال السياسية التي تهدف في محصلتها النهائية إلى تأمين الأمن القومي والمصالح الوطنية العليا، والحرب كظاهرة ملازمة للتاريخ البشري، إنما هي وسيلة من وسائل السياسيين، وهي بهذا المعنى استمرار للسياسة، وللأمر تعقيداته في العصر الراهن، ولابد من الأخذ بنظر الاعتبار التحولات في موازين القوى.

 

 

الأمن القومي العربي

 

ــ مشكلات الأمن القومي العربي:

انصرف مفهوم الأمن القومي العربي إلى قدرة الدول العربية مجتمعة كليًّا أو جزئيًّا على الدفاع عن نفسها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها وتقوية ودعم هذه القدرات بتنمية الإمكانات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والتقنية استنادا للخصائص الجيوسياسية والسياسية والحضارية التي تتمتع بها أخذا بالاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لِكُلّ دولة والإمكانات المتاحة والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تؤثر على الأمن القومي العربي الذي يعتبر الركن الأساسي في الأمن الإقليمي وفي استقرار المنطقة كما إن مفهوم الأمن القومي العربي يعتبر وسيلة للحفاظ على الانتماء القومي وتعزيز الهوية العربية ويمثل عنصرا أساسيا في الربط بين الدول العربية وصيانة مصالحها الوطنية والقومية وتحقيق نمائها.

 

وربما يغيب عن معرفة الكثير أن الجامعة العربية على الرغم من القصور في أداءها وكونها أقل من الطموح، إلا أنها رغم ذلك تمثل إطار عمل جيد، ومن أبرز تلك الروابط هي اتفاقية الدفاع العربي المشترك، والأتفاقيات الأمنية العديدة بين الأقطار العربية في مجال تبادل المجرمين، ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات، وهناك مئات الشركات والفعاليات الاقتصادية المشتركة، والأنشطة الاجتماعية والثقافية في عملية تسير ببطء ربما، ولكنها تحرز تقدماً على أية حال.

 

ــ  متطلبات الأمن القومي العربي

التي يجب أن تجد الأنظمة العربية لتحقيقها من خلال ضبط سياساتها الداخلية والخارجية وعلاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف وهي:

1. أن يكون متكاملًا وقائمًا على الوحدة والتعاون.

2. أن يكون واقعيًّا ومنطقيًّا وقابلًا للتطبيق.

3. أن يمتلك القدرة على الردع وبسط السيادة.

4. أن يمتلك الموارد والأدوات اللازمة لتحقيقه.

5. أن يحمل في داخله قيم الحضارة الإسلامية والإنسانية.

 

ــ  أهم المتطلبات اللازمة لصيغة نظرية الأمن القومي العربي وهي:

1. مدى توفر وامتلاك الإرادة السياسية.

2. تحديد ماهية المصالح القومية العربية.

3. لوقوف على طبيعة التهديدات الحقيقية التي تواجهها الدول العربية.

4. القرار فيما إذا كان هنالك عدو حقيقي وآخر وهمي ثالث محتمل.

5. صياغة التحالفات الممكنة التي تحقق الأمن القومي العربي.

6. تحديد المتطلبات ومقارنتها بما يمكن تطبيقه وتحقيقه.

7. وضع الخريطة الشاملة لنظرية الأمن القومي العربي.

 

ــ  التهديدات التي يواجهها الأمن القومي العربي

من خلال استقراء الواقع والحالة التي يعيشها الأمن القومي العربي في 2015 تتمثل أبرز التهديدات التي يواجهها فيما يلي: الإرهاب وأدواته ووسائله.

1. التهديدات النووية في دول الأقليم (الشرق الأوسط).

2. الاختراق الأجنبي،  الإيراني / الروسي، كما في العراق واليمن ولبنان وسوريا.

تداعيات الوجود الصهيوني.

3. الصراعات الداخلي بين مكونات بعض الدول العربية .

4. . الهجرة الداخلية والخارجية .

5. .الفتنة الطائفية في عدد من الدول العربية التي توجد بها إثنيات عرقية وطائفية.

6. البحث في المنازعات على  المياه .( حوض النيل ـ دجلة والفرات).

7. .الخلافات على الحدود بين الأقطار العربية كمدخل لصراعات محتملة.

 

ــ إشكاليات الأمن القومي العربي:

1. إشكالية النظام السياسي العربي..

2. التحديات الخارجية.

3. التحديات الداخلية.

4. الأمن القومي وأمن النظام.

 

ــ بنية الأمن القومي العربي

1. إعادة بناء الإنسان / المواطن.  

2. القضاء على الأمية الأولى والثانية / الجهل. 

3. إعادة نظر جوهرية في نظم التعليم.

4. تحقيق مستوى مقبول من توفير الحاجات الأساسية.

5. العمل على سد فجوة الأمن الغذائي .

6. تطوير تقنيات العمل والتعاون العربي.

7.  تحقيق الوحدة الوطنية لكل قطر عربي.

8. تحقيق تعاون أفضل في مجال التعليم العالي والبحوث.

 

الآليات والوسائل المقترحة:

لعل من أسهل الأمور صياغة الحلول النظرية كالتي صاغتها وخلصت إليها عشرات القمم والمؤتمرات العربية ولكنها ظلت حبيسة الأدراج في انتظار الإرادة السياسة التي تمتلك الرغبة والقدرة على تحقيقها ومن هذه الوسائل والحلول ما يلى:

 

ــ تفعيل دور مجلس الدفاع العربي المشترك وهو المجلس الذي تأسس، بموجب المادة (6) من اتفاقية الدفاع العربي المشترك لعام (1950).

ــ إعادة النظر في خريطة التحالفات الدولية والاقليمية  على ضوء المتغيرات.

احتواء الحواضن الشعبية للحيلولة دون بلوغ درجة الصراعات الداخلية حماية للنسيج والسلم الاجتماعي الداخلي في الدول العربية بدلا من سياسة الاقصاء والتهميش.

ــ الاستفادة من تقلبات التوازن الدولي وإيقاعه المتسارع في إفراز قوى دولية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي واستغلال ذلك لخدمة المصلحة العربية والخيارات متوفرة، خاصة في دول جنوب شرق آسيا والصين.

ــ تفعيل دور الجامعة العربية وايجاد آليات لتطوير ميثاق الجامعة العربية ليتسنى لها القيام بأعمالها على المستوى الدولي والإقليمي لتصبح قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها.

ــ العمل على صياغة برنامج سياسي / ثقافي / إعلامي، لمواجهة السياسية الغربية ووسائل إعلامها في محاولة تشويه الإسلام وربطه بالإرهاب.

ــ ضرورة إشاعة الديمقراطية والمشاركة السياسية في الأنظمة العربية وإعادة صياغة الخطاب السياسي، وضرورة التصويت على القرارات المصيرية تعتزم السلطات تنفيذها لكي يقول الشعب العربي رأيه فيها.

ــ أنتهاج وسائل إعلامية حديثة لتكون قادرة مواجهة الدعايات الغربية التي تستهدف الأمة العربية حضاريًا وثقافيًا وفكريًا وإعلاميًا ودينيًا.

 

ــ العوامل الايجابية والسلبية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة خريطة شاملة لنظرية الأمن القومي العربي ومنها:

اتّساع رقعة الدول العربية وكثرتها (22) دولة.

دول الجوار الجغرافي وتعدد مصالحها وتقاطعها في بعض الأحيان.

مراعاة البعد الدولي والإقليمي الحاكم بالوجود الفعلي على الأرض العربية.

تفاوت الوضع السياسي الداخلي للدول العربية.

تفاوت الوضع الاقتصادي للدول العربية المعنية بنظرية الأمن القومي العربي.

اختلاف أنماط التحالفات البينية العربية ومدى تأثيرها سلبا أو إيجابا.

اختلاف أنماط التحالفات الإقليمية والدولية ومدى تعارض هذه التحالفات

أثر الاتفاقات المنفردة التي أبرمتها بعض الدول العربية،مثل اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومعاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية.

الاختراق العميق الذي تعرض له الأمن القومي العربي بفعل الاختراقات الصهيونية والأمريكية والإيرانية والروسية وأثره السلبي على صدقية الالتزام القومي العربي، وليس أدل على ذلك من الموقف العربي السلبي من الحصار (الصهيو- أمريكي) لشعبنا في غزة، والموقف السلبي من التدخل الروسي والايراني في سوريا.

مراعاة البعد الطائفي وامتداداته، والحواضن السنية والتيارات الحركية والسياسية وتأثيراتها على الأمن القومي العربي.

 

المركز العربي - الالماني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

السياسة ليست طلاسم

 

ضرغام الدباغ

 

قبيل أيام، وقبل انصرام العام الحزين 2021، كنت في جلسة ضمتني مع قيادات وطنية، وحديث السياسة دائما فاكهة المجالس، والحديث يدور عن احتمالات تطور الموقف السياسي في العراق وفي الساحات العربية والمجاورة ... وهناك المتفاءل كما هناك المتشاءم ... قلت للأخوة أن الأمور لا تحسب هكذا ... لا بالتشاؤم ولا بالتفاؤل، بل بالتحليل المادي الموضوعي، بدون توابل وفلافل ...

 الأمر هكذا: لنحدد الظواهر الحاسمة غير النسبية، ونعتبرها مؤشرات وعلامات، ثم لنربط بين هذه المؤشرات المضيئة، وعلى الأرجح ستتضح معالم الطريق ... وبالاستناد إلى قواعد العمل السياسي التي لا يتجاهلها محترفوا السياسة والدبلوماسية وصناع القرارات الاستراتيجية.

 

إذن ..... الحقائق المادية الثابتة ...

 

ليس كل رغبة للولايات المتحدة تنفذ حتماً.

ليس بالضرورة من تدعمه الولايات المتحدة ينتصر.

نعم بوسع الولايات المتحدة التدخل في أية بلد في العالم، ولكن ليس بوسعها حسم المعركة.

كافة المؤشرات تؤشر، أن الولايات المتحدة مقبلة ليس على معارك كبيرة (ليس بالضرورة أن تكون حربية) وعلى هزائم أكبر.

من الواضح الجلي أن العملية السياسية المتعثرة التي بدأت بعيد احتلال بغداد سارت سيرا متعثراً.. ثم أصبحت نقيصة ومثلبة لمن يشارك بها، ثم أصبحت كارثة، وأخيراً عاراً التصق إلى الأبد بمن شارك بها ومد يده في طبيخها الملوث. والأسباب واضحة ولكن دعنا نضرب عنها صفحاً الآن.

قد تقدم الولايات المتحدة على انسحابات مذلة لحفظ ماء الوجه، بما يشبه الانكسار الواضح.

قد تتخلى الولايات المتحدة تحت الضغط : السياسي / الاقتصادي / العسكري، عن بعض حلفاؤها.

ليست فقط التطورات الدولية التي تشير إلى بروز قوى عالمية جديدة: سياسية واقتصادية وعسكرية، بل وأن درجة تحكم الولايات المتحدة على حلفاء الأمس لم يعد بدرجة مقبولة لأميركا. بمعنى رغبة الحلفاء الانتقال من التبعية إلى الشراكة ..!

والولايات المتحدة بدورها تخاطب حلفاءها في مختلف الساحات : نحن قاتلنا معكم، ووضعناكم على قمة السلطة، وخسرنا سياسيا واقتصاديا وبشرياً، ولكنكم لم تثبتوا أهليتكم السياسية والعقلية (التخطيط) في إدارة أوضاعكم. ونحن مضطرون للنظر بواقعية أكثر لمصالحنا ....!

 ستركز الولايات المتحدة على المحيط الهادي (الباسفيكي) وأستراليا ونيوزيلندة واليابان كمخافر أمامية أمام البر الأمريكي.

 رصانة ومتانة الموقف الصيني على كافة الصعد، بلغ درجة النضج، واللاتراجع.

 الروس يتقنون اللعب وأصول التصرف في أوربا في الساحة الأوربية، ولهم فيها خبرة وباع طويل.

 

ماذا سيجري في العراق ...؟

 

الأمريكان وحلفاءهم هم القوة الأمضى في العراق، رغم فشل كافة مشاريعهم وخططهم فشلا ذريعاً، إلا أنهم يتسيدون الآن الساحة بسبب :

القوة السياسية للولايات المتحدة، والتفوق العسكري الساحق للتحالف الثلاثي (الولايات المتحدة إيران إسرائيل).

تشتت القوى الوطنية المعارضة للاحتلال، وافتقارها لقدرات الرؤية الاستراتيجية والأيديولوجية والسياسية. وثغرات أخرى مهمة.

سياسة الأرض المحروقة والاقتلاع والإبادة والتجريف بلا هوادة التي ارتكبتها قوى الاحتلال وفي المقدمة العدو الفارسي. ولكن هذه ستسجل وباستحقاق المساءلة التاريخية.

الولايات المتحدة حققت تقدماُ على حليفيها (إسرائيل بسبب ضعف معسكرها العراقي، وإيران التي يتعرض جذر موقفها السياسي والأيديولوجي والعسكري للضعف بسبب سوء التخطيط والعمل، وتناقضها الصارخ مع المحيط العربي / الإسلامي.

 

احتمالات الموقف في العراق ...!

 افتضاح الخطط الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية في العراق والمنطقة.

تراجع الوسط الشعبي  المساند للعملية السياسية، وبروز معارضة وطنية جديدة، ستقود الحراك النضالي / السياسي.

سيتأثر الموقف الإيراني بشدة بهزائم تلحق بها في ساحات في المنطقة.

بالتزامن أو كنتيجة لذلك، نظام الملالي الإيراني ومشروعه الفاشل سيندحر في إيران بسبب عجزه التام في صياغة نظرية حكم مقبولة.

سيتبلور الوعي الشعبي في العراق بدرجة ملموسة، وسوف تتوصل الجماهير الشعبية إلى إفراز قيادات وطنية جديدة، والأحزاب الوطنية التاريخية التي تعاني حالياً من مشكلات صعبة، سوف تتخلص (وإن متأخراً) من أزمتها السياسية والآيديولوجية والتنظيمية الخانقة.

 بعض هذه النتائج قد تحقق فعلاً، وتشخيصها بحاجة فقط لرؤية دقيقة بعقل سياسي واع، وملامح المرحلة المقبلة ستكون نتيجة للواقع المادي الموضوع.

 

لسياسة ليست طلاسم

 

ضرغام الدباغ

 

قبيل أيام، وقبل انصرام العام الحزين 2021، كنت في جلسة ضمتني مع قيادات وطنية، وحديث السياسة دائما فاكهة المجالس، والحديث يدور عن احتمالات تطور الموقف السياسي في العراق وفي الساحات العربية والمجاورة ... وهناك المتفاءل كما هناك المتشاءم ... قلت للأخوة أن الأمور لا تحسب هكذا ... لا بالتشاؤم ولا بالتفاؤل، بل بالتحليل المادي الموضوعي، بدون توابل وفلافل ...

 

الأمر هكذا: لنحدد الظواهر الحاسمة غير النسبية، ونعتبرها مؤشرات وعلامات، ثم لنربط بين هذه المؤشرات المضيئة، وعلى الأرجح ستتضح معالم الطريق ... وبالاستناد إلى قواعد العمل السياسي التي لا يتجاهلها محترفوا السياسة والدبلوماسية وصناع القرارات الاستراتيجية.

 

إذن ..... الحقائق المادية الثابتة ...

 

ليس كل رغبة للولايات المتحدة تنفذ حتماً.

ليس بالضرورة من تدعمه الولايات المتحدة ينتصر.

نعم بوسع الولايات المتحدة التدخل في أية بلد في العالم، ولكن ليس بوسعها حسم المعركة.

كافة المؤشرات تؤشر، أن الولايات المتحدة مقبلة ليس على معارك كبيرة (ليس بالضرورة أن تكون حربية) وعلى هزائم أكبر.

من الواضح الجلي أن العملية السياسية المتعثرة التي بدأت بعيد احتلال بغداد سارت سيرا متعثراً.. ثم أصبحت نقيصة ومثلبة لمن يشارك بها، ثم أصبحت كارثة، وأخيراً عاراً التصق إلى الأبد بمن شارك بها ومد يده في طبيخها الملوث. والأسباب واضحة ولكن دعنا نضرب عنها صفحاً الآن.

قد تقدم الولايات المتحدة على انسحابات مذلة لحفظ ماء الوجه، بما يشبه الانكسار الواضح.

قد تتخلى الولايات المتحدة تحت الضغط : السياسي / الاقتصادي / العسكري، عن بعض حلفاؤها.

ليست فقط التطورات الدولية التي تشير إلى بروز قوى عالمية جديدة: سياسية واقتصادية وعسكرية، بل وأن درجة تحكم الولايات المتحدة على حلفاء الأمس لم يعد بدرجة مقبولة لأميركا. بمعنى رغبة الحلفاء الانتقال من التبعية إلى الشراكة ..!

والولايات المتحدة بدورها تخاطب حلفاءها في مختلف الساحات : نحن قاتلنا معكم، ووضعناكم على قمة السلطة، وخسرنا سياسيا واقتصاديا وبشرياً، ولكنكم لم تثبتوا أهليتكم السياسية والعقلية (التخطيط) في إدارة أوضاعكم. ونحن مضطرون للنظر بواقعية أكثر لمصالحنا ....!

 ستركز الولايات المتحدة على المحيط الهادي (الباسفيكي) وأستراليا ونيوزيلندة واليابان كمخافر أمامية أمام البر الأمريكي.

 رصانة ومتانة الموقف الصيني على كافة الصعد، بلغ درجة النضج، واللاتراجع.

 الروس يتقنون اللعب وأصول التصرف في أوربا في الساحة الأوربية، ولهم فيها خبرة وباع طويل.

 

ماذا سيجري في العراق ...؟

 

الأمريكان وحلفاءهم هم القوة الأمضى في العراق، رغم فشل كافة مشاريعهم وخططهم فشلا ذريعاً، إلا أنهم يتسيدون الآن الساحة بسبب :

القوة السياسية للولايات المتحدة، والتفوق العسكري الساحق للتحالف الثلاثي (الولايات المتحدة إيران إسرائيل).

تشتت القوى الوطنية المعارضة للاحتلال، وافتقارها لقدرات الرؤية الاستراتيجية والأيديولوجية والسياسية. وثغرات أخرى مهمة.

سياسة الأرض المحروقة والاقتلاع والإبادة والتجريف بلا هوادة التي ارتكبتها قوى الاحتلال وفي المقدمة العدو الفارسي. ولكن هذه ستسجل وباستحقاق المساءلة التاريخية.

الولايات المتحدة حققت تقدماُ على حليفيها (إسرائيل بسبب ضعف معسكرها العراقي، وإيران التي يتعرض جذر موقفها السياسي والأيديولوجي والعسكري للضعف بسبب سوء التخطيط والعمل، وتناقضها الصارخ مع المحيط العربي / الإسلامي.

 

احتمالات الموقف في العراق ...!

 

افتضاح الخطط الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية في العراق والمنطقة.

تراجع الوسط الشعبي  المساند للعملية السياسية، وبروز معارضة وطنية جديدة، ستقود الحراك النضالي / السياسي.

سيتأثر الموقف الإيراني بشدة بهزائم تلحق بها في ساحات في المنطقة.

بالتزامن أو كنتيجة لذلك، نظام الملالي الإيراني ومشروعه الفاشل سيندحر في إيران بسبب عجزه التام في صياغة نظرية حكم مقبولة.

سيتبلور الوعي الشعبي في العراق بدرجة ملموسة، وسوف تتوصل الجماهير الشعبية إلى إفراز قيادات وطنية جديدة، والأحزاب الوطنية التاريخية التي تعاني حالياً من مشكلات صعبة، سوف تتخلص (وإن متأخراً) من أزمتها السياسية والآيديولوجية والتنظيمية الخانقة.

 

بعض هذه النتائج قد تحقق فعلاً، وتشخيصها بحاجة فقط لرؤية دقيقة بعقل سياسي واع، وملامح المرحلة المقبلة ستكون نتيجة للواقع المادي الموضوع.

 

 

 

 

 

الحروب على أشكالها تقع

 

ضرغام الدباغ

 

الحرب عمل سياسي، بل هي مرحلة من مراحل تطور ملف سياسي معين، وتدور الحروب بين دولتين أو مجاميع من الدول، وتكرس السياسة / الدبلوماسية النتائج النهائية للصراع في الميدان العسكري. فالحرب هي مواصلة للسياسة بوسائل أخرى. وقد تفرض معطيات معينة أن تكتسب الحرب طابعاً خاصاً، فليست كل الحروب علنية، كما أنها لا تدور حتماً بين دولتين فقط، ولا تشترط المعاهدات التي تتوصل لها الدبلوماسية، أن تكون بين دولتين، ولا يشترط أن تكون كلها علنية، فقد تكون سرية بالكامل أو جزئياً. والقوى التي تدعي أنها مسالمة أو أنها تنبذ الدبلوماسية السرية، قد تلجأ إلى التحالفات السرية أو العلنية، وتعقد المعاهدات، أو تبقى طي الكتمان في الخزائن الحديدية، كمعاهدة كامبل ــ  لندن/ 1905 ، أو كمعاهدة سايكس بيكو / 1919. (1) (2).

 

وهناك من المؤرخين من يعتقد أن الحروب التي كانت تدور في العصور القديمة والوسيطة، دون أن يتبلور الشكل السياسي لها، حتى بدأ العالم يتعرف على أسلوب سياسة المؤتمرات الدولية، والمقررات والنتائج، وحقوق المنتصرين، أو المهزومين، وذلك عندما بدأت القوى الدولية تتعرف على نظم العلاقات، التي أخذت تبرز على مسرح العلاقات الدولية كقواعد عمل ومؤسسات دولية، وذلك  بعد مؤتمر أكس لاشابل 1818 (Congress of Aix-la-Chapelle). (3)

 

ولم يكن مؤتمر اكس لاشابل سرياً، ولكنه أسس ومهد لما سيطلق عليه من الآن فصاعداً بمصطلح القوى العظمى، التي أسست تفاهمات وباشرت بتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ وهيمنة، واستيطان واستعمار، وهيمنة على البحار والمضائق، ولاحقا تقاسم الثروات الطبيعية.

 

كانت الحرب العالمية الأولى ذروة تلك المرحلة وانهيار أسس أكس دي لاشابل، إذ لم تعهد معطيات أكس لاشابل السابقة لعهد الاستعمار، تكفي للمرحلة الاستعمارية الجديدة، وبهذا المعنى، فقد كان التطور التكنيكي يمثل التحدي الأعظم الذي واجه الدول، والذي أدى إلى الاستعمار والتوسع، وأيضاً إلى ضعف إمبراطوريات ودول استعمارية عجزت عن مواكبة التطور الفعلي، أو عجزت عن كبح جماح قوى استعمارية أقوى منها، وهكذا انطفأ مجد أو تقلص حجم إمبراطوريات استعمارية مثل: الدولة العثمانية، أسبانيا، البرتغال، هولندا، ألمانيا.. إلخ . وكان الوجود الاستعماري يشمل 67% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، ما لبث أن اتسع إلى 85% عام 1914.

 

وتشير الإحصائيات أيضاً، أن بضعة دول قد تحكمت بالعالم بفعل تطورها الاقتصادي (بفعل تطورها الصناعي) والسياسي، وفي مراجعة مصادر تلك المرحلة نستنتج أن مستقبل وأمن الشعوب والأمم المغلوبة لم يكن وارداً في حسابات الاستراتيجية الاستعمارية التي وجهت كافة مساعيها إلى التوسع والحصول على المزيد من المكاسب، في وقت غدا فيه التنافس لكسب الأراضي من مظاهر القوة ومن ضرورات المصالح الحيوية الاستراتيجية للدول الاستعمارية الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا، التي توسعت في القرة الأفريقية، وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى لم يكن في القارة الأفريقية أية دولة مستقلة.

 

وحتى نهاية القرن التاسع عشر، كانت المؤشرات السياسية تشير، أن الحملات الاستعمارية قد بلغت أوجها، كما كانت الدول الأوربية قد أنجزت تدعيم كياناتها السياسية (إقامة أنظمة دستورية) وقد أفرزت في غضون ذلك خارطة سياسية جديدة في أوربا بفعل الصراعات والحروب، كما ظهرت إلى الوجود دولتان صناعيتان جديدتان كقوى مهمة نتيجة لتضافر عوامل عديدة أبرزها الوحدة القومية وهما ألمانيا وإيطاليا، وراحت تطالب بأمتيازات الدول العظمى.

 

ولما لم يعد هناك ما يمكن التنافس والتزاحم عليه، إذ كان قد تم الاستيلاء على 85% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، أخذت الدول الاستعمارية تخطط لسلب الامتيازات والممتلكات الاستعمارية بعضها البعض، وتفتش عن الذرائع حتى الواهية منها، وبذلك كان الموقف الدولي عشية الحرب العالمية الأولى قد غدا شديد التوتر.

 

وحتى نهاية القرن التاسع عشر، كانت المؤشرات السياسية تشير، أن الحملة الاستعمارية قد بلغت أوجها، كما كانت الدول الأوربية قد أنجزت تدعيم كياناتها السياسية وقد أفرزت في غضون ذلك خارطة سياسية جديدة في أوربا بفعل الصراعات والحروب، كما ظهرت إلى الوجود دولتان جديدتان كقوى مهمة نتيجة لتضافر عوامل عديدة أبرزها الوحدة القومية وهما ألمانيا وإيطاليا.

 

ولما لم يعد هناك ما يمكن التنافس والتزاحم عليه، إذ كان قد تم الاستيلاء على 85% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، أخذت الدول الاستعمارية تخطط لسلب الامتيازات والممتلكات الاستعمارية لبعضها البعض، وتفتش عن الذرائع حتى الواهية منها، وبذلك كان الموقف الدولي عشية الحرب العالمية الأولى قد غدا شديد التوتر. إذا كانت القارة الآسيوية لا تضم سوى دولة مستقلة واحدة (اليابان)، والقارة الأفريقية على دولتان (مصر وساحل العاج).

 

وبعد الحرب العالمية الثانية نشأ موقف سياسي له طابعه الخاص في منطقة البلقان، وهي المنطقة التي تم من شرقي الدانوب وحتى نهاية القارة الأوربية من جهة تركيا وتشمل : رومانيا، بلغاريا، البانيا، بلاد الصرب، اليونان، مقدونيا، كرواتيا، البوسنة والهرسك، سلوفينيا، الجبل الأسود، كوسوفو.

 

 وبأعتبار أن هذه المنطقة متقاربة في الخصائص الاقتصادية تتميز بالضعف الاقتصادي (قياسا إلى أوربا الغربية)، والثقافية (ومعظمهم يتبعون الطائفة الأرثوذوكسية)، يشتد التنافس لقيادة المنطقة، والصرب هم القومية الأكبر، وكذلك العنصر اليوناني والمقدوني، والألباني، لذلك كان، وما يزال من السهولة التدخل في شؤون المنطقة، والتنافس قاد لحروب اشتركت فيها أطراف من غير المنطقة، كالروس (الأرثودوكس)، والنمساويين، والإيطاليين، والأتراك (دعما للكيانات المسلمة)،  وقوى بعيدة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا. ما لبث التدخل الخارجي أن وجد ممثلين له من كيانات المنطقة، فتحولت إلى حروب أهلية ، وهكذا أطلق عليها " بلقنة الأزمة " أي أنها تحولت أي حرب بين عناصر المنطقة.

 

وقد تنجح الدول الكبرى في (لهشاشة الموقف الداخلي)، في تحويل الصراع الذي يدور لمصالحها، بين أطراف المنطقة أنفسهم، وقد مارست الولايات المتحدة هذه السياسة (البلقنة) في فيثنام حين حولت فيثنام إلى ساحة صراع دولية، ثم جعلت الفيثناميين أنفسهم وقوداً للحرب، (فثنمة الحرب) ومثل هذه السياسة مورست في لبنان، حين وجدت من الأطراف اللبنانية من يحارب خدمة لمصالحها (لبننة الصراع)  ومثل هذه التوجهات تدور حالياً أيضا في سوريا والعراق.(4)

 

بعد أقل من عقدين من الزمان، كانت المقدمات الموضوعية تتجمع وتتراكم، فكان لنهوض ألمانيا كدولة صناعية كبيرة، ومثلها إيطاليا، وتوافرت على قيادات طموحة تسعى لتقسيم جديد تنال فيه بتقديرها ما تستحقه كدول عظمى، وتزيل ألمانيا عن كاهلها العقوبات القاسية التي فرضتها معاهدة فرساي (1919)  لذلك كانت سحب ونذر الحرب العالمية الثانية تتراكم، وحالة السلام الهش في أوربا لم يكن سلماً بقدر ما كان فرضاً للهيمنة البريطانية. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، أسفرت عن نتائج وصورة لموقف وقوى سياسية وتوازن سياسي جديد في أوربا، وانقسمت القوى العظمى إلى معسكرين: الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي.

 

وحين تمكن الاتحاد السوفيتي من كسر الاحتكار الأمريكي/الغربي لصناعة السلاح الذري وحيازته، (1949)، كان ذلك يمثل العامل الوحيد الذي أرغم الولايات المتحدة على وضع نهاية للحرب الكورية، ثم قادت النجاحات السوفيتية في مجال العلوم (الفضاء خاصة) إلى أن تدرك الولايات المتحدة والغرب أن الحرب لم تعد لعبتها المفضلة، فلجأت إلى ما أطلق عليه بالحرب الباردة (Cold War)، والتي تواصلت حتى لقاء القمة بين الرئيسان الأمريكي بوش والسوفيتي غورباتشوف، وبعدها تفكك الاتحاد السوفيت وقام بحل حلف وارسو، دون أن يقوم الأمريكان بالمثل بحل حلف الناتو، وهو ما يمثل مؤشراً هاماً في السجال الاستراتيجي بين القوى العظمى. (5)

 

خلال مرحلة الحرب الباردة كانت الحرب بين القوتين الأعظم خياراً مستبعداً، بسبب الخزين الهائل من أسلحة الدمار الشامل : الذرية والهيدروجينية والنيوترونية، وأيضاً تطور الوسائل الناقلة لها من الصواريخ من حيث المدى والدقة، لذلك كان الطرفان يعمدان إلى خلق، أو تشجيع ودعم بؤر التوتر، وهكذا نشب مصطلح الحروب بالوكالة (Proxy war)، وهذه دارت في شتى قارات العالم، وكانت خسائرها المادية (بالعتاد والمال) كما خسائرها بالأرواح لا تقل عن الحروب المفتوحة المباشرة (دون الخيار النووي). وهذه دارت في كوريا وفيثنام، ولاوؤس وكمبوديا، والشرق الأوسط وكوبا (بدرجة ما)، فهذه ساحات مثل الصراع فيها، صداماً غير مباشراً بين القوتين الأعظم. (6)

 

جرائم دولية خارج الحرب : وفي أواخر حقبة الحرب الباردة، حين كان التعايش السلمي وحل المشكلات يجري نقاشها خلال مؤتمرات قمة بين القطبيين الأعظم، وبعدها، مارست الولايات المتحدة، والغرب عموماً التدخل المسلح بوسائل مختلفة، سواء اتفقت مع القانون الدولة وشريعة الأمم المتحدة أم لم تتفق. فافتتحت الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة العولمة (Globalisation) واحتكرت تفسير هذا المصطلح، أن قوة عظمى واحدة في العالم تفعل ما تشاء، خارجة عن القانون الدولي، والقوانين الجنائية، وطبقت تفسيرها بأعتداءات عسكرية واسعة في أفغانستان (2001)، ثم في العراق (2003)، واعتداءات محدودة في أرجاء مختلفة (تنفيذ أغتيالات، وقصف بالصواريخ البعيدة المدى)، دون أن تمتلك سلطة قضائية محلية أو دولية مقاضاتها عن مئات ألوف الجرائم التي ارتكبت في شتى أرجاء العالم. فالولايات المتحدة استبقت هذا بإعلانها الصريح أن الأمريكيين لا يخضعون للمساءلة القانونية لا في الدول ولا أمام المحاكم الدولية. ومن تلك مثلاً أنها قصفت ملجأ العامرية المخصص للمواطنين المدنيين(فبراير ــ شباط / 1991)، رغم أنه مؤشر في الخرائط الدولية، لقى فيه أكثر من 400 شخص مدني مصرعه. وقصفت معمل كيماويات (أدوية) في السودان، وليبيا. (7)

 

وللدول الاستعمارية سجل كبير في جرائم الحرب، ولكنها تضع نفسها فوق القانون، وتحاكم خصومها من السياسيين والقادة وتنزل بهم العقوبات، في حين يفلت من العدالة مجرمون، ارتكبوا جرائم الإبادة، وهم لا ينكرونها، ولكن هناك حماية سياسية تحول دون تقديمهم للعدالة.

 

الحرب عمل سياسي، بل مرحلة من مراحل تطور ملف سياسي معين، هذه تسمية التي بوسعي أن أقدم لها وأصفها وأثبت صدق وصحة أطروحتي، هي حروب تدور حين تهدف الدولة المحاربة إخفاء غاياتها الحقيقية، ربما لدناءتها، أو همجيتها، أو ربما لمقتضيات سياسية، وأهداف سرية، الإعلان عنها ينطوي على الضرر أكثر من الفائدة. وكنا قد تعرفنا على أصناف من المعاهدات والحروب.

 

الحروب السرية  (Secret Wars) : هناك الحروب السرية، وهي خطط تفصيلية تضعها دولة ما تستهدف كياناً سياسياً، لإلحاق الضرر أو التدمير الشامل، ولكن دون إعلان حرب. لأغراض تكتيكية، وتتولي الأجهزة الاستخبارية تنفيذ مهام الحرب السرية، وتتولى تلفيق وترتيب اتهامات بحق الدول والأفراد المسؤولين، التحقق منها سيتطلب وقتاً طويلاً، ترزح فيه الدول المستهدفة في حقل الاتهام، وضغط سياسي وإعلامي واقتصادي تتكبد فيه خسائر مادية ومعنوية.

 

والحروب السرية قد تبدأ بحرب إعلامية، بتجميع مبررات عدوان، ثم تشجيع جماعات وكتل انشقاقية ودعمها بالمال والسلاح والتدريب، وفرض أنظمة معاقبة اقتصادية والية من أجل الإضرار بالاقتصادات الوطنية، وقد تقوم مجاميع عمل سرية بالقيام بعمليات تخريب واغتيالات، وصولاً إلى إقامة مناطق خارج سيطرة الحكومات الوطنية، وفي قائمة الأعمال التي تؤدي هذا الغرض واسعة وكثيرة، وجميعها تعتبر من وجهة النظر القانونية الدولية تدخلاً فاضحاً في الشؤون الدولية، تحضره القوانين والأعراف الدولية.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

 

1. مؤتمر كامبل بنرمان 1907 (Campbell-Bannerman Conference) هو مؤتمر أنعقد في لندن عام 1905 واستمرت جلساته حتى 1907، بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن. وقدم فكرة المشروع لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت، وضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا ، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان. وهو أخطر مؤتمر حصل لتدمير الأمة العربية خاصة (الإسلامية عامة) وكان هدفه إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة.

 

2. اتفاقية سايكس بيكو في 1916(Sykes–Picot Agreement): هي معاهدة سرية  بين  فرنسا  والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، ولتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى. اعتمدت الاتفاقية على فرضية أن الوفاق الثلاثي سينجح في هزيمة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى ويشكل جزءًا من سلسلة من الاتفاقات السرية التي تأمل في تقسيمها. وقد جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23 نوفمبر 1915 و 3 يناير 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو  والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية  فرنسا وبريطانيا    وروسيا القيصرية آنذاك وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و 16 مايو / أيار 1916.

 

3. مؤتمر اكس لاشابيل 1818 (Congress of Aix-la-Chapelle) : وحضره رئيس الوزراء الفرنسي الدوق دي ريشيلو ممثل  لفرنسا  وتضمن سحب قوات الاحتلال من الأراضي الفرنسية فطلب رئيس وزراء فرنسا ضرورة سحب قوات الاحتلال قبل ال 5 سنوات، وذلك لكي لا يتضايق الفرنسيين وتستيقظ روح الثورة،  اضطر ولنجتن قائد قوات الاحتلال لإرسال محققين لدراسة حال الرأي العام الفرنسي وسرعان ما كان الصواب مع رئيس الوزراء الفرنسي وأعلن الحلفاء عن  استعدادهم لسحب هذه القوات بشرط: أن يدفع الفرنسيون غرامة الحرب التي حددتها  معاهدة الصلح ولكن رئيس وزراء فرنسا لم يكتف بذلك، فراح يطالب القوى الأربع الكبرى بأن يقبلوا فرنسا أن تنظم إليهم كعضو في زمرة القوى الكبرى، مؤكداً أن في ذلك: إرضاء العزة القومية للفرنسيين، ثم تدعيم النظام الملكي الفرنسي ووافقت الدول الكبرى على انضمام فرنسا لهم وصارت المحالفة الرباعية محالفة خماسية بعد انضمام فرنسا لعصبة الكبار تم تأسيس صرح التظافر الأوروبي ولكنه كان المسمار الأول في نعش ذلك التظافر فانخفضت درجة تحمسهم للتحالف الرباعي فحدث بعد ذلك ثورات عديدة في  إيطاليا  وأسبانيا  وغيرها ولم يجلس الخمسة الكبار مكتوفو الأيدي، إذ سرعان ما دعوا إلى عقد مؤتمر تروباو، بهدف مناقشة المستجدات المشار إليها على الساحة الأوروبية. حيث قررت الدول المشاركة في هذا المؤتمر بتوجيه ضربة عسكرية مشتركة ضد الجزائر لإجبارها على التخلي عن سيادتها البحرية.

 

4. البلقنة (Balkanization): البلقنة مصطلح ظهر في نهاية الحرب العالمية الأولى لوصف التجزء الإثني والسياسي لمنطقة البلقان نتيجة انحلال الدولة العثمانية  وقد أعيد استخدام المصطلح في الحديث على منطقة البلقان للمرة الثانية إبان الحروب اليوغسلافية في تسعينيات القرن 20 م، وهي التي اتسمت بعنف وصل إلى حد التطهير العرقي. يستخدم هذا المصطلح اليوم للتعبير عن انشطا دولة ما تحوي إثنيات مختلفة، وسقوطها في الحرب الأهلية والتطهير العرقي، بشكل يشابه ما حدث في منطقة البلقان.  

 

5. الحرب الباردة Cold War)) : هي فترة الحرب الباردة الممتدة من إعلان مبدأ ترومان في عام 1947 وحتى انتهاء الحرب الكورية في عام 1953. نشأت الحرب الباردة في أوروبا بعد سنوات قليلة من فوز التحالف الناجح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة بالحرب العالمية الثانية في أوروبا، وامتدت إلى 1989-1991. في عام 1947، صاغ برنارد باروخ، الممول المليونير والمستشار لعدة رؤساء من وودرو ويلسون إلى هاري ترومان، مصطلح "الحرب الباردة" لوصف العلاقات الباردة بشكل متزايد بين حليفي الحرب العالمية الثانيةالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي

 

6. حرب بالوكالة (Proxy war) : هي حرب تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بشكل مباشر. رغم أن القوى استخدمت حكومات أخرى كوكلاء للحرب، إلا أن المرتزقة والأطراف العنيفة غير القانونية وأطراف أخرى يتم استخدامها بشكل أكثر، حيث تأمل القوى أن تتمكن هذه الأطراف من ضرب أطراف أخرى دون الانجرار إلى حرب شاملة.

حدثت بعض الحروب بالوكالة في نفس الوقت الذي حدثت فيه حروب شاملة. من شبه المستحيل أن تحدث حروب خالصة بالوكالة، حيث أن الأطراف الوكيلة قد يكون لها أهدافها الخاصة التي قد تنحرف عن مصالح الأطراف التي وظفتها. وعادة ما يكون استخدام حروب الوكالة أفضل استخدام خلال الحروب الباردة، حين تصبح ضرورة لإجراء نزاع عسكري مسلح بين طرفين متحاربين بينما تستمر الحرب الباردة.

 

7. جرائم دولية: جريمة ملجأ العامرية أو رقم خمسة وعشرين هو ملجأ يقع بحي العامرية  في  بغداد، العراق، قصف أثناء حرب الخليج الثانية. فقد أدت إحدى الغارات الأميرية يوم 13 فبراير، 1991 على بغداد بواسطة طائرتين من نوع أف-117 تحمل قنابل ذكية إلى تدمير الملجأ مما أدى إلى مقتل أكثر من 400 مدنيٍ عراقيٍ من نساء وأطفال.  وقد بررت قوات التحالف المهاجمة هذا القصف بانه كان يستهدف مراكز قيادية عراقية لكن أثبتت الأحداث أن تدمير الملجأ كان متعمدًا خاصة وأن الطائرات الأميركية ظلت تحوم فوقه لمدة يومين.  الملجأ أخذ اسمه من الحي الذي يقع فيه بين البيوت السكنية، بجوار مسجد ومدرسة ابتدائية، إنه ملجأ مجهز للتحصن ضد الضربات الكتلوية أي الضربات بالأسلحة غير التقليدية الكيماوية أو الجرثومية، محكم ضد الإشعاع الذري  والنووي والتلوث الجوي بهذه الإشعاعات، ولقد أعلن الأردن الحداد على الضحايا لمدة ثلاث أيام وطلب مع أسبانيا بتحقيق دولي بالجريمة. الملجأ يتسع لألف وخمسمائة شخص، يمكن أن يلجأوا داخله لأيام دون الحاجة إلى العالم الخارجي، فهو مجهز بالماء والغذاء والكهرباء والهواء النقي غير الملوث. البناية ثلاثة طوابق، مساحة الطابق 500 متر مربع، سمك جداره يزيد على متر ونصف المتر كذلك سقفه المسلح بعوارض حديدية سمكها أربعة سنتيمترات، تؤدي أبواب الطوارئ الخلفية إلى السرداب وتؤدي سلالمه الداخلية إلى الطابق الأرضي حيث كان يقيم الملتجؤون.

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

حصاد عهد

 المستشارة أنغيلا ميركل

 

ضرغام الدباغ

 

يوم الثامن من كانون الأول ــ ديسمبر / 2021، كان اليوم الأخير في ولاية السيدة الدكتورة أنغيلا ميركل، أستاذة الفيزياء التي اقتحمت السياسة منذ أكثر من 30 عاماً،  واليوم سيحين لها أن تنسحب لترعى حياتها ... بعد 16 عاماً تولت فيها منصب المستشارية (رئيسة الوزراء)، وأدارت فيها دفة الحكم في بلد كبير، يتمتع بمكانة سياسية / اقتصادية / ثقافية كبيرة في أوربا والعالم، بمهارة ملحوظة.

 

الدولة في ألمانيا، آلة متقنة الصنع محكمة متينة لذلك تؤدي دورها بكفاءة المكائن والصناعة الألمانية عموماً التي يشهد لها العالم بالنجاح والقوة والأداء المتقن.  ولهذا فإن نجاح المستشارة ميركل لا يعود لكفاءتها الشخصية فحسب، بل وأيضا لكفاءة أداء الدولة الألمانية التي تولت قيادتها. فهي استلمت الحكم من مستشار كفء وهو السيد غيرهارد شرويدر، الذي حقق منجزات تشريعات ومنجزات مهمة، الذي بدوره أستلم دفة البلاد من أحد مستشاري ألمانيا التأريخيين (هيلموت كول) الذي في عهده (1990) تم إحراز الحلم الألماني العظيم المتمثل بالوحدة الألمانية وتولت عام 1001 لأول مرة منصب الوزارة، وفي   22 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 فازت في الانتخابات بفارق بسيط ضد المستشار شرويدر وتولت منصب المستشارية. كأول إمراة في تاريخ ألمانيا تتولى هذا المنصب. هل نجحت ميركل في فترة حكمها ..؟

بتقديرنا أن الأمور لا تقاس بهذه البساطة. فهي استلمت الحكم بفارق بسيط عن مستشار كان ناجحاً في إدارته للحكم ومهد للكثير من الخطوات المهمة سياسياً وأقتصادياً،  ومؤشرات النجاح المحلية تتمثل بإيجاد الحلول للمشكلات المشخصة كمعضلات في الواقع الألماني، ففي عهدها حقق الاقتصاد الألماني تقدماً في حين تراجعت الاقتصادات الأوربية بفضل سياسة مالية صارمة، وصمد الاقتصاد الألماني في هزة الديون التي أندلعت في معظم الدول الأوربية، وهذه سمة للاقتصاد الألماني بصفة عامة، في أن يمثل قاطرة الاقتصاد الأوربي. ثم واجهت مشكلات الهجرة وهذه ما تزال مطروحة بسخونة اليوم، وأيضا صعود الشعبويون(اليمن الألماني المتطرف) الذي يبدو أن لا مستقبل له، فألمانيا في العقد الثالث من الألفية الثالثة ليست ألمانيا الثلاثينات، ولا يمكن مواجهة المشكلات الألمانية الداخلية بشعارات التطرف والتحريض، فهذه سوف لن تورث سوى تعميق المشكلات، فضلاً عن أن اليمين الألماني فشل في توجيه خطاب جذاب للجمهور، وتسعير العداء تجاه الأجانب لا يصلح أن يكون مقدمة لخطاب سياسي / اقتصادي / ثقافي .

 

بعد 16 عاماً على رأس البلاد، يجد المسيحيون الديموقراطيون كحزب أنفسهم  في موقع المعارضة. وإن كانت ممارسة الحكم قد ساهمت في تراجع موقعهم كما يحصل عادة، فإن ذلك نتج أيضاً من عجز ميركل عن التمهيد لخلافتها. فبعدما استبعدت بشكل منهجي القادة المحافظين الذين يمكن أن يشكلوا منافسة لها، مثل الليبرالي فريدريش ميرتس أو نوربرت روتغن، الوزير الوحيد الذي أقالته منذ 2005، راهنت المستشارة لفترة على أورسولا فون دير لاين، قبل أن تسلط الضوء على أنيغريت كرامب- كارنباور التي عدلت عن الترشح، مفسحة لأرمين لاشيت الذي ارتكب أخطاء وهفوات.

 

وكانت المستشارة ميركل قد لخصت شعارها في 22 تموز/يوليو بالقول "الحياة بدون أزمات أسهل، لكن حين تحلّ الأزمات، يجب مواجهتها". وعددت المستشارة عندها خمس أزمات كبرى واجهتها، منها :

الأزمة المالية عام 2008 إلى

 تفشي وباء كوفيد-19 (كوورونا)، مروراً

إنقاذ اليورو ثم أزمة

ملف اللاجئين، وخصوصا السوريين عام 2015

والاحترار المناخي.

غير أن فتح أبواب بلادها أمام اللاجئين يبقى أبرز قرار في عهد ميركل، يثني عليه مؤيدوها باعتباره قراراً شجاعاً. كما أن ميركل حصدت الإشادات لتعاطيها مع الأزمة الصحية وجائحة كورونا.

 

في مجال السياسة الداخلية

تميزت انتخابات 2017 التي كرست ميركل مستشارة لرابع ولاية على التوالي، بدخول حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي لأول مرة إلى البرلمان  كما أن تبايناً كبيراً لا يزال يسجل بين الغرب والشرق، إذ تبقى مناطق في ألمانيا الشرقية سابقاً بمنأى عن المعجزة الاقتصادية الألمانية. كما تبقى نسبة الوظائف الصغرى المتدنية الدخل مرتفعة.

 

واغتنم هذا الحزب المعادي للإسلام الذي انبثق جناحه الأكثر راديكالية من حزب النازيين الجدد، المخاوف الناجمة عن فتح أبواب ألمانيا أمام المهاجرين عام 2015 لينمو وخصوصاً في مناطق ألمانيا الشرقية سابقا حيث يلعب دوراً سياسياً مهماً. وبات الخطر الإرهابي الناجم عن اليمين المتطرف مصدر الخوف الأول، ومتقدماً على الخطر الجهادي، بعد وقوع عدة هجمات دامية. كما تسجل زيادة في الهجمات ضد اليهود.

 

كما أن المستشارة الأولى في المانيا الفدرالية لم تنجح في ترسيخ موقع المرأة في السياسة، وتبقى نسبة النساء المنتخبات في مجلس النواب حالياً بمستوى 34%، وهي نسبة بالكاد أعلى مما كانت عند وصول ميركل إلى السلطة عام 2005 (32,5%).

 

وداخليا أيضاً، يؤخذ على المستشارة أنغيلا ميركل أنها أنهت 4 ولايات من الحكم ( 16 عاما) وانسحبت من الساحة السياسية وسط شعبية كبيرة. بيد أنها انتقدت لافتقادها "للرؤية". كما تعرضت لانتقادات "لفشلها" في ترسيخ موقع المرأة السياسي ومن غير أن تكون مهّدت لخلافتها، تاركة إرثاً متبايناً.

 

الملفات الأوربية اليوم تعد ملفات بالغة الحيوية والحساسية، كما لم يكن عليه الحال في الثلاثينات، فالتنافس بين الأقطاب الاستعمارية (مستعمرين قدامى: بريطانيا وفرنسا، ومستعمرين جدد : ألمانيا وإيطاليا) كانت رائجة في الثلاثينات،  بين قوى قديمة وقوى صاعدة، والاتحاد السوفيتي الذي كان يسعى لأن تكون له مكانته وتأثيراته في السياسة الدولية، واليوم تبدو صورة الموقف مختلفة بدرجة كبيرة.

 

وعهد المستشارة ميركل واجه محاولات الهيمنة الأوربية، وإذا كانت ازمة العلاقات الأمريكية / الأوربية في حقبة أوباما الديمقراطي، تدور بهدوء وتحت السيطرة، فإنها بدت مختلفة في عهد ترامب الجمهوري، وبلغ الخلاف لدرجة التوتر، ولم تخفف المواجهة الصينية ـ الروسية / الأمريكية من حدة التباين إلا قليلاً، وتؤشر معطيات عديدة إلى أن الأوربيين ماضون بأتجاه الاعتماد على الذات دفاعياً، وإدارة العلاقات ضمن العالم الغربي ستكون واحدة من المهام الصعبة حتى للإدارة الألمانية الجديدة.

 

المستشار الجديد السيد أولاف شولتس شغل منصب وزير المالي في حكومة ميركل، وكان قد خلف في هذا المنصب المهم (الذي يلي في الأهمية منصب المستشار) خلفا للسيد شويبلة، وهو سياسي مخضرم كفوء ومحنك، عرف عنه الصرامة الشديدة والدقة، فسار السيد شولتس في وزارة المالية على سياسة سلفه.

 

على صعيد السياسة الدولية

شهد الدور الذي لعبته ألمانيا على الساحة الدولية تطوراً على مدى 16 عاماً. ففي ظل صعود النزعات الشعبوية، وصفت صحيفة نيويورك تايمز ميركل بأنها "زعيمة العالم الحر" الجديدة. وتنامى النفوذ الألماني في آسيا كما في أفريقيا، القارة التي زارتها المستشارة أكثر بكثير من أسلافها. غير أن حصيلة سياستها الخارجية تبقى موضع جدل إذ يبقى وزن ألمانيا الجيوسياسي أدنى بكثير من نفوذها الاقتصادي.ا كما واجهت نتقادات لتقاربها مع روسيا والصين

 

وعلى صعيد آخر، فإن استراتيجية التقارب والتعاون التي انتهجتها أنغيلا ميركل رغم الظروف تجاه روسيا برئاسة فلاديمير بوتين، وأبرز تجلياتها مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" المشترك، لم تقنع الكرملين بالتخلي عن سياسته المتصلبة، ولم تساعد في تسوية النزاع بين موسكو وكييف.

 

كما واجهت ميركل انتقادات متزايدة لإعطائها الأولوية للتبادل التجاري مع الصين، ثاني سوق للصادرات الألمانية، رغم الاتهامات الموجهة إلى بكين على صعيد حقوق الإنسان.

 

أما بالنسبة للعلاقات عبر الأطلسي، فلم يعد بإمكان ألمانيا الاعتماد كما من قبل على المظلة الأميركية، من غير أن تضع في هذه الأثناء إستراتيجية جديدة على صعيد السياسة الأمنية، رغم مشاركتها بشكل متزايد في مهمات عسكرية في الخارج.

 

وذكر تقرير لمؤتمر ميونيخ للأمن العام الماضي أن "انخراط ألمانيا" على الساحة الدولية "يبقى في غالب الأحيان دون تطلعات شركائها الرئيسيين والمطالب التي تطرحها البيئة" العالمية.

 

قاطرة الاتحاد الأوروبي

بيد أن أزمات أخرى عرّضتها لانتقادات، وخصوصاً أزمة ديون اليونان عام 2011، حين أبدت الحكومة الألمانية موقفاً متصلباً دفع أثينا إلى شفير الإفلاس وأثار مشاعر عداء شديد للمستشارة في أوروبا. وكانت المستشارة ميركل قد اعتنقت نظرية تشارك الديون في الاتحاد الأوروبي، فهي لم توافق قبل ثلاث سنوات على اقتراحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإصلاحية، في موقف واجه انتقادات حتى داخل ألمانيا.بعدما كانت ألمانيا "الرجل المريض" في الاتحاد الأوروبي مطلع الألفية، استعادت موقعها كأكبر قوة اقتصادية في القارة، مستندة إلى فائض هائل في الميزان التجاري وإدارة مالية صارمة. وتراجعت نسبة البطالة خلال 16 عاماً من 11,2% إلى 5,7% في تموز/يوليو، في سوق لا تزال هشة على وقع تفشي الوباء.

 

كتبت أسبوعية "دير شبيغل" الواسعة الانتشار أن "الاتحاد الأوروبي في وضع لم يعد بالجودة التي كان عليها عند وصول ميركل إلى السلطة عام 2005"، مشيرة إلى عدم امتلاك المستشارة "رؤية" وإلى "الهوة بين الشمال والجنوب حول المسائل المالية" وبريكست وصعود الديموقراطيات غير الليبرالية.

 

المستشارة ميركل أقرت بنفسها في 22 تموز/يوليو بأنه منذ 2005 "لم تحصل أمور كافية" لمكافحة الاحتباس الحراري، ولو أنها على اقتناع بأنها "كرست الكثير من الطاقة" لهذه المسألة. وأثارت ميركل مفاجأة عام 2011 حين أعلنت عزمها على إخراج بلادها من الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما في اليابان. واضطرت ميركل التي لقبت في فترة "مستشارة البيئة" وكانت وزيرة للبيئة في عهد المستشار هلموت كول، إلى تعزيز أهداف ألمانيا تحت ضغط المحكمة الدستورية التي اعتبرت أنها تفتقر إلى الطموح.

 

 

على من تقرأ

 مزاميرك يا داود ؟

ضرغام الدباغ

 

هذا المثل العميق يقال لمن ينصح أناسا وهم لا يعيرونه اهتمامهم ولا يفهمونما يقول من معاني الحكم والنصائح المقدمة لهم، ولا يستفيدون من الكلام والنصح الموجه لهم، وربنا يسخرون منه. ومن الأمثال القريبة أيضاً : " أنت تنفخ في قربة مخرومة ". وكذلك قولة الشاعر الكبير المتنبي المشهورة : " لقد أسمعت لو ناديت حيّا .... ولكن لا حياة لمن تنادي" .

في أوائل الستينات في مطلع شباب، نصحني قريب لي أن أقرأ كتاب الفيلسوف الفرنسي البير كامو " الإنسان المتمرد " ولا أنكر أن الكتاب كان عميقا جداً، ولكني بذلت جهدي أن لأقرأه بدقة وأن أستوعبه (قدر الإمكان)، وما زلت أذكر مقوله هامة لكامو " هناك محاكمات تجري بدافع الهوى، وأخرى استناداً لمعطيات عقلية ". وقد أثرت هذه المقولة، ولكنها لم تقنعني بما يكفي لأن أكف عن أحكام الهوى، إلا في بداية السبعينات، ولكن في عام 1973 انتهى عهدي مع أحكام الهوى نهائياً لأني اكتشفت بشكل قاطع، أن بداية خسارة المباراة هي حين تستند لأحكام الهوى والعاطفة. وتبين لي بكل وضوح أن الموقف السليم هو الخالي من الأحكام العاطفية، بما في ذلك في حياتك الشخصية، أما في الحياة السياسية فالاستناد إلى العاطفة ستقود إلى كارثة لا محالة ... نعم بهذه الدرجة من الحسم ...!

ثم أني في دراساتي اللاحقة قرأت مقولة هي موجودة في لغات وثقافات عديدة، أن أحكام الهوى كارثة، ومن تلك " إذا أشتبه عليك أمران، فأنظر إلى أقربهما إلى هواك فأجتنبه " . وفي السياسة لا تفكر برأس ساخن، لا تصدر قرارا في حالة الغضب. ومنذ زمن بعيد جداً وأنا لا أحب ولا أكره جهة أو فردا في السياسة، فالحب والكراهية هي البوابة الواسعة للقرارات الخاطئة.

هل يمكن أن يدب خلاف بين أطراف متحالفة ...؟

نعم وهذه ممكنة حتى في أشد التحالفات متانة، وأقوى تحالف سياسي كما أصنفه، هو التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وبريطانيا، ورغم ذلك، لم يقوض النفوذ البريطاني في العالم سوى الولايات المتحدة، الخلاف يمكن أن يقع في :

· ملفات أمور ليست لها الأولوية.

· الخلاف ينحصر في ذلك الملف المختلف عليه، فيما يتواصل التنسيق في الملفات المتفق عليها.

عام 1988 شاهدت بعيني وسمعت بأذني، ما يكفي لأن أعلم، أن إيران ستفعل كل شيئ (أكرر كل شيئ) للتخلص من ثقل الهزيمة في الحرب مع العراق، هزيمة هي سعت بنفسها لها، حين رفضت وساطات مشرفة كثيرة، كان يمكن أن تخرج منها مرفوعة الجبين، ولكنها رسمت لوحة هزيمة لا ينساها التاريخ حتى بعد ألاف السنين. والتحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل لم يكن شيئاً نادراً، فهم سهلوا للملالي الوصول للسلطة عام 1979، وزودهم بالأسلحة سراً وعلناً، وإسرائيل كانت تمون إيران بالأسلحة، فأين الغريب العجيب ..؟ أنا أجزم أن هناك غرفة عمليات مشتركة بين أميركا وإيران وإسرائيل في العراق ربما أن المتحالفين يختلفون في هذه الفقرة أو تلك، ولكنه خلاف كعاصفة في فنجان لا يفسد في الغرام قضية .... وليسامح الله من لا يقبل أن يصدق هذه الحقيقة الصارخة ...!

عام 2003 وبعدها كتبت مراراً وتكراراً أن هناك تحالف مكتوب وممهور بين الولايات المتحدة وأميركا وإسرائيل، هاتفني بعض أصدقائي ورفاق، وبعضهم قال لي : لا يا دكتور ..إسرائيل وإيران معاً ..لا ..هذه مبالغة "، وبعضهم قال لي " دعنا لا نبالغ ..! " وآخرون كتبوا لي بهذا المعنى، ولم يوافقني على ما كتبت من رأي سوى القليل من القراء. ولكن بمرور السنوات، بدأ الدور التحالفي الوثيق جداً يتضح حتى

لضعاف البصر، والبصيرة، فالأمر لم يعد بحاجة لذكاء ودهاء، واليوم أصبح هذا الأمر جلياً علنياً... حتى لمن له عين واحدة، أو لمن مصاب بالحول ..

أدناه مقابلة للرئيس بوش الصغير مع صحيفة أمريكية ... لمن بقيت غشاوة في العين ..!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في حديث مع جورج بوش لصحيفة الواشنطن بوست في 14 / 8 /2016:

س. لما سلمتم العراق لإيران الفارسية بعد احتلاله مع أنه عربي مما ادى الى هذه الفوضى والمآسي التي لن تنتهي إلا مع خروج إيران منه ومن سوريا ؟

بوش: إيران قبلت التعاون مع أمريكا وإسرائيل في شأن العراق بينما العرب رفضوا ذلك.

س. ولكن إيران على خلاف مع إسرائيل ؟

بوش :لا..ليست على خلاف إلا بشأن المفاعلات النووية لصناعة القنبلة الذرية كما أننا كأمريكيين على خلاف معها ايضاً في هذا الشأن رغم تعاونها معنا في كل الأمور إذ أن الإتفاق المسبق معها كان بحضور إسرائيل قبل احتلال العراق لم يكن يتضمن صناعة القنبلة

س. ولكن وفق التصاريح الإيرانية هناك خلاف بين طهران وتل أبيب ؟

بوش : ربما خلاف على طريقة العمل، أو ربما للإستهلاك الداخلي لكل منهما . إذ أن العلاقة بين وإسرائيل وإيران امتن من أن يتصورها أحد .. بل ربما أمتن من العلاقة بين أمريكا وإسرائيل التي تعترض علينا في امور كثيرة...

س. وما هي هذه العلاقة ؟

بوش : كثيرة ولكن سأعدد أهمها وهو التعاون بين الموساد وإيران على خلق مناخ ملائم للإرهاب في المنطقة... ومن ثم وهو الأهم حماية حدود إسرائيل ومستعمراتها من هجمات المقاومة الفلسطينية كما حماية الجولان المحتل من هجمات الجيش الحر وحماية الجولان هي التي سمحت لإيران، بعد الاستئذان، من إدخال قواتها ومليشياتها في لبنان و سوريا ولولا المليشيات الإيرانية في جنوب لبنان لكان وضع الأمن في شمال إسرائيل في فوضى ثم أن العلاقة الأهم بينهما هو أنها تلبي مصالح إسرائيل في عرقلة قيام دولة فلسطينية إلا وفق النظرة الإسرائيلية وليس وفق مطامح السلطة الفلسطينية...

س. ولكن ما حاجة إيران لهذه العلاقة مع إسرائيل ؟

بوش : إنها علاقة قديمة من خلال وسطاء إيرانيين مع إسرائيل ولولا هذه العلاقة لا أعتقد أن النظام الإيراني في هذا الجو العدائي الذي يثيره في محيطه كان قادراً على الإستمرار لولا الدعم الإسرائيلي له في الدوائر الغربية ...

س. سؤال أخير : لما أدخلتم إيران إلى سوريا رغم سلبيات ذلك في العراق ؟

بوش : لسنا الذين أدخلناها بل إسرائيل فعلت ذلك بتفاهم مع الروس لتدمير قدرات الجيش السوري وتفتيته ولنزع السلاح الكيماوي الذي كان يقلق إسرائيل إذ ان الجيش السوري عربي النزعة لا يؤمن له ولولا إيران لما استطاعت إسرائيل نزع السلاح الكيماوي الأخطر في المنطقة على سلامة إسرائيل فيما لو أطيح بالنظام الحالي

انهي واقول لكِ إن وجود النظام الإيراني ساعد كثيراً لحفظ أمن إسرائيل بضرب الإرهاب الفلسطيني والعربي المحيط بها ولربما كان وجودها في خطر ايضاً لولا إيران

 

 

إيران تستشعر

الخطر وتخطئ برد الفعل

 

ضرغام الدباغ

 

يحكى أن تاجرا موسراً رأي في منامه، أن ملك الموت قادم ليقبض روحه، ففر من بغداد قاصداً سامراء يوم كانت هي عاصمة الخلافة. والسير إليها يستغرق عدة أيام، وفي الطريق كانت هناك خانات لأستراحة المسافرين والقوافل. وفي منتصف الرحلة، وبينما كان التاجر يستريح من وعثاء السفر، أتى بقربه شيخ مهيب ليجالسه، فرحب به التاجر، فسأله الشيخ إلى أين أنت ذاهب ..؟ فأجابه التاجر، " أنا قاصد سامراء لأهرب من ملك الموت الذي يبحث عني " ... فأبتسم الشيخ، وقال له " أنا ملك الموت ذاهب لبغداد لأقبضك، وها أجدك أنت من يبحث عني". 

مشروع الثورة الإسلامية الصفوية يهرب من حقيقة بارزة أمامه المتمثلة بفشل ذريع لحق به فلم يعد ينفعه لا طبيب نطاسي ولا علاج فنطازي. ربما ما زال ... (نقول ربما)... بعض من وقت لانسحاب منظم، هو أفضل من انسحاب أقرب للهزيمة المبعثرة ..! . فبعد انطلاقة بدت مبهرة، أبهرت العرب والمسلمين، فيها الكثير من العداء اللفظي للإمبريالية وإسرائيل، وكلام معسول جميل عن تحولات اجتماعية مهمة مرتقبة، ولكن هذه الآمال العريضة بدأت تتلاشى والاحتمالات تتبدد مبكراً في الواقع، ولم نشهد أي تحولات داخلية، بعد أن صدعوا رؤوسنا ببحار الاقتصاد الإسلامي وأزهار ورياحين الديمقراطية الشوروية في حين كانت الترجمة الواقعية لهذه الأحلام القمع هي بلا هوادة وإعدام وإبادة كل صوت معارض بما في ذلك تلك القوى المهمة الفاعلة في محاربة النظام الشاهنشاهي. فكانت افتتاحية إرهاب الجمهورية الإسلامية أن بطشوا بشيوعيو حزب تودة، المناضلين الأصلب لعهود الرجعية الملكية، ثم اردفوهم بمجاهدي خلق المناضلين المضحين في عهد الشاه، والمناضلين في إسقاط نظام الشاه وإقامة الجمهورية الإسلامية،  وأخيرا وليس آخراُ أنقضوا على الحركة الوطنية الديمقراطية الإيرانية (البزركان وصحبه) التي شاركتهم الحكم في أعقاب سقوط نظام الشاه، أما الحركات القومية غير الفارسية (من الأكراد والعرب والآذريين والبلوش والتركمان) فليس لها غير الموت الزؤام، فأمعنوا فيهم قتلاً وتصفيات.

النظام الإسلامي الإيراني يتربع على قمة الأنظمة التي تقتل، تغتال، تعدم لأسباب سياسية،  وتتفوق على غيرها من دول الطغيان والاستبداد في تربعها على مركز الصدارة بين الأنظمة التي تقمع شعوبها، فالقدر الأكبر من حالات تنفيذ عقوبة الإعدام شهدتها إيران (2020) بواقع 507 حالة. وقد نفذت إيران في العقود الأربعة الأخيرة مئات أحكام الإعدام بتهم منها زعزعة الأمن وتهديد استقرار الدولة، ولا تزال طهران مستمرة في تنفيذ أحكام الإعدام بكثرة رغم الإدانات الدولية وشيوع الفقر، وهجرة العقول والأيدي العاملة (يتصدر الإيرانيون قوائم اللجوء السياسي)، وإفلاس الدولة. ونهاية هذه الثورة اللفظية تساقطت الستر عنها وبعد 43 عاماً ثبت لنا في الواقع المادي، أن هذه الثورة لم تحارب إلا العرب والمسلمين وفشلت في أن تكون عنصر إيجابي في المنطقة، بل واصلت دورها البارز كمخلب قط للعالم الغربي في توازنات المنطقة. (1)

السقوط الأعظم بتقديري هو أنها سقطت (كنظام "ولاية الفقيه" ديني ثيوقراطي) لدى الشيعة أنفسهم، سقطت في أذربيجان والعراق وسورية، وقبلهم في إيران نفسها، فلم تعد المرجعيات تقنعهم، وسياسة التخلي عن المصالح الوطنية لمصلحة السيادة الفارسية، والتخلي عن الرباط القومي، لصالح الدولة الإيرانية المتعددة الأعراق والقوميات .. والتخلي عن الأهداف الاجتماعية / الطبقية، لصالح خرافات لا أساس مادي لها، فهذه فرضيات لم تعد مقبولة. وهكذا نسف الواقع الموضوعي أصباغ وبهرجة الشعارات وطوباويتها، والآن غدت القوة المسلحة، بل وبأشكالها المفرطة، والأجهزة الأمنية والأدوات القمعية هي الأداة الوحيدة المعبرة عن الدولة، وخط الدفاع الرئيسي عن نظام الملالي الآيل للسقوط. وكشف عن الهوية الأساسية لهذه الدولة القمعية، واللبوس الديني لا يمحو صفتها الفاشية، قمع في الداخل وتوسع في الخارج، هذا هو جوهر الدولة الفاشية، هي دولة لا تأخذ بنظام التطور اللارأسمالي، دولة قمعية أسوء بأضعاف مضاعفة عن نظام الشاه. ما تغير هو أن الحكام أستبدلوا البدلة الحديثة بالعباءة الدينية ..... فقط ..!

القيادة الإيرانية تدرك أن أوراقها احترقت، والسقوط سيكون له تبعات ولواحق ….. فمالعمل .....؟ مرة كتبت أن فلسفة الفارسي أن بوسعه أن يؤذ ... لذلك يفتخرون اليوم أنهم قادرون على غلق باب المندب ومضيق هرمز وهذه تستطيع دولة من الدرجة العاشرة فعلها بإغراق سفينة في الممر الملاحي الضيق، وخاصة في مضيق هرمز، ووضع ناقلة نفط مهترئة بباب المندب يهدد بتلويث البيئة البحرية،  ويمكن إصلاح الموقف بساعات. يفتخرون أن لدينا هنا وهناك مليشيات تعبث تقتل وتفجر وتخرب، هذه يعتبرها المسئولون الإيرانيون منجز كبير...  ولا يتصور درجة احتقار الناس لهم وكراهيتهم.

وعقل الملالي  بحكم تركيبته وتكوينه، لا يتجه للمشكلة مباشرة وأن يبحث عن حلول واقعية لها ... ففي أواخر شهر آذار / مارس، عقدت إيران اتفاقية مع الصين عرف من موادها المنشورة، تسليمها مطارات وموانئ البلد للصين، أما البنود السرية، فهي تدخل في حقل " ما خفي كان أعظم ". والناس في إيران أدركوا ما وراء الأكمة، فخرجوا ساخطين منددين، والسلطات الإيرانية لا تجد (كما هي دوما كذلك)، سوى إطلاق القوى الأمنية لإخماد سخط الجماهير، وفعلاً تمكنوا من إخمادها، التي سوف لن تكون الأخيرة، ولكنهم سوف لن يتمكنوا من وقف العملية التاريخية المتمثلة بتراكم الثورات والانتفاضات، وهذه ستبلغ ذات يوم حداً سوف لن يكون بمقدور قوى أمنية التعامل معها.

ونظام الملالي لم يقدم على هذه الاتفاقية تفهماً منه للنضال ضد الإمبريالية بالطبع، فهذا النظام، وقبله النظام البهلوي (1925 ــ 1979)، والقاجاريون (1779ــ 1925) من قبلهم، كانوا قد وجدوا في الارتباط بالغرب ضمانة لبقاء لدوام سلطانهم، في خضم الدوامات السياسية في الشرق الأوسط وأواسط آسيا، ولكن نظامهم كان أعجز من أن يواجه الحقب الاستعمارية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، فأستبدل بنظام رضا بهلوي، الذي كان قد التحم كنظام وكأهداف سياسية بصفة كلية مع الإنكليز ومخططاتهم. فالأرتباط بالغرب هو شيفرة الأنظمة الإيرانية منذ أكثر من 250 عاماً، تواصل في زمن الشاه، وبعد أن عمد الأمريكان بقلة ذكاء على إزاحة النظام الملكي الشاهنشاهي، تحت قناعة أن النظام الشاهنشاهي أخذ يتطلع للتوسع إقليميا، ونظام تحت هيمنة الملالي وبالشعارات الدينية الطائفية قادر على تمزيق كيانات الشرق الأوسط وبث عناصر الفرقة بينها، مما يمهد للكيان الصهيوني فرص البقاء والتجذر في المنطقة، ونجح هذا المخطط ولكن جزئياً، بسبب محدودية قدرات نظام الملالي عجزه عن إيصال الخطط إلى نهاياتها المطلوبة، إضافة أن النظام غطس في مشاكل داخلية : اقتصادية / اجتماعية /  ثقافية عميقة هو أعجز من أن يجد لها الحلول الناجحة المقبولة.

إذن فالفشل الشامل كامل الأبعاد :

فشل داخلي في تقديم نمط حياة أفضل لعموم الشعب الإيراني.

الفشل في المحيط العربي والإسلامي.

الفشل في إقناع أبناء الطائفة الشيعية، بأنهم النظام المرتجي.

الفشل في إقناع الحلفاء التاريخيين (الغرب الرأسمالي) أنهم حليف موثوق ولهم وزن في الشرق الأوسط.

صحيح أن عالم العلاقات الدولية المعاصر مليء بالفخاخ والتآمر، وتسعى الدول إلى تعزيز كياناتها  بطرق شتى ...! وهناك قاعدة أكيدة، أن التحالف بين طرف قوي وطرف آخر أقل قوة / ضعيف، فسيكون مآل التحالف لصالح القوي، لأن الوسط القوي قادر أن يؤثر على الوسط الضعيف، فالطرف القوي سيوظف قدرات الأضعف لصالحه، وهنا بيت القصيد، فعلى الدول أن تكون حذرة في الحفاظ على كياناتها، داخليا بإجراءات عديدة، وكذلك خارجياً. والنظام الإيراني يعاني من مشكلة خطيرة، أنه ككيان سياسي قائم على تعدد أعراق، وثقافات، واقتصاد منهك. وأنه في التحالف يبحث عن قوى يتراصف خلفها لحماية كيانه.

 وبتقديري أن النهج السياسة الأصح يتمثل :

ــ أولاً عدم اللجوء إلى أطراف خارجية لحل مشكلات داخلية، فهذه خطيئة كبيرة ترتكبها أي دولة في حل لمشكلاتها. فالحليف / الصديق الخارجي سوف لن يفعل ذلك كهبة مجانية، بل مقابل مكتسبات يحققها على أصعدة مختلفة.

ــ  يتعين على الدولة الإيرانية خلق أجواء لا تضطر إي من الشعوب المنضوية في إطار الدولة إلى البحث عن هويتها الوطنية والقومية خارج إطار الدولة، والدولة الإيرانية ترتكب الكثير جداً مما ترغم تلك الكيانات بالبحث عن نفسها خارج إطار الدولة.

ــ  ومن ذلك أن إيران (دولة الملالي) لا تنفك منذ أن تأسست عام 1979 عن تهييج المسائل العرقية والثقافية / الدينية (على ضعفها وبطلان صلاحيتها) في البلدان المجاورة دون أن تفكر أنها بذلك تشعل نيران سياسة سيمتد لهيبها إلى إيران نفسها..! ففي هذه الحالة هي كمن يقرب النار من بيته ..!

ــ تلعب الدولة الإيرانية بالعامل النووي وتناور وتداور وتقطع الحوار ثم تعود للحوار.. مع أن العنصر النووي لن يطور أوضاعها نحو الأفضل، والدليل متوفر أمامها يشير بوضوح إلى أن النووي لن يلغي مشكلات قائمة أو هي تحت الرماد، وإيران تعلم أن هناك من الدول من عمد بنفسه إلى تفكيك قدراته النووية. الأسلحة لا تجلب الأمن والسلام، وحيازة أسلحة دمار شامل، تعني احتمال دمار شامل يصيب من يمتلك هذه الأسلحة.  أم هي (إيران) تريد كسب الوقت والتأثير في ملفات أخرى ...! هذا الأمر يراوح في مكانة منذ عقود دون نتيجة ..!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش

الحق أن أحد مفكري الحزب الشيوعي السوفيتي (أوليانوفسكي) كشف في مقال مهم له، في مجلة السياسة الخارجية الألمانية كشف  بوقت مبكر في أول  أعوام الثمانينات  (1980 /1981)، عن كشف مبكر للهوية الرجعية للثورة الإسلامية، وأن لا يوجد سبب واحد يضعها خارج معسكر الإمبريالية العالمية، وإن كانت هناك خلافات فهي سطحية وغير جوهرية، وأثبت ذلك بشكل دامغ.

القرار رقم ١١٨ اج صادر من الكونغرس ومجلس النواب الأمريكي يدعم تطلعات الشعب الإيراني بإقامة جمهورية إيرانية ديمقراطية علمانية غير نووية...إنهاء إرهاب النظام الإيراني..تم إحالة القرار إلى لجنة الشؤون الخارجية للتنفيذ.

 

 

 

 

 

رجم ثريا

 

ضرغام الدباغ

 

فريدون صاحب جم ... صحفي وروائي وكاتب سيناريو (Freidune Sahebjam)  إيراني / فرنسي يعيش في المنفى (فرنسا)  وهو معارض لنظام الملالي، وقد نشر أعمال عديدة عن مآسي حقبة الملالي، ومن تلك رواية نشرها بعنوان " لم تبق لدي دموع " وهي عن مأساة صبي إيراني سيق إلى جبهات القتال في الحرب العراقية / الإيرانية، ليعمل كفالقة ألغام بشرية وشاهد المئات من الأطفال الإيرانيين يلقون حتوفهم أمامه، وكان حظه جميلاً حين وقع في أسر القوات العراقية، التي ما لبثت أن أطلقت سراحه وغيره من الأطفال بدون مقابل. وصحيفة ألمانية (Die Zeit) كتبت موجزاً لهذه الرواية (Ich habe keine Tränen mehr) قمت بترجمتها إلى العربية.

 

 

(غلاف رواية لم تبق لدي دموع)

 

فريدون صاحب جم (ولد عام 1933 في إيران، وتوفي عام  2008 في فرنسا)، صحفي فرنسي من أصل إيراني، عمل مراسلا حربيا وروائيا، وعاش في "نويي سور سين" في فرنسا. حظي بتقدير عالمي عن روايته رجم ثريا: وهي قصة حقيقية لإحداث جرت واقعياً.  وصاحب جم يعتبر أول صحفي يتناول جرائم إيران ضد المجتمع البهائي في إيران، والاستغلال السافر للأطفال في الجيش الإيراني خلال الحرب التي استمرت ثمانية أعوام بين إيران والعراق. تناولت آخر مقالاته الحرب على العراق ونُشرت في الصحيفة الفرنسية اليومية "لو تيليجراف"

  أكن أعلم أن للكاتب فريدون صاحب جم أعمالاً أخرى، ومنها تلك الرواية  " The Stoning of Soraya / رجم ثريا" ثم دهشت حين علمت أن الرواية قد أنتجت كفلم سينمائي أعتقد في كندا (تورنتو)، والفلم وإن لم يصب نجاحا كبيراً، إلا أن المهتمين بالشؤون السياسية اعتبروه عملاً جيداً جداً، وقد سعيت للحصول على نسخة من الفلم وشاهدته بتأمل. والكاتب، ومن ثم أعتقد أن المخرج والممثلون وكاتب السيناريو، نجحوا في تقديم المادة للناس. وهي محزنة تبعث على الأسى. جانبا مهماً من اضطهاد دولة ملالي إيران للناس لأسباب مختلفة، منها الرؤية الدينية / السياسية للعلاقات الشخصية، واحتكارهم لحرية الفكر وأنماط الحياة وأساليب العيش، وهو طغيان ومن أسوء أصناف الديكتاتوريات .

 

 

(الصورة: الكاتب فريدون صاحب جم)

  

ولا أريد أن أتحدث عن الفلم كثيراً وأصادر متعتكم واكتشافكم للزاويا ولأعماق العقدة الدرامية / المؤسفة، ولكني أجزم أن المشاهد ستكون له فرصة موضوعية لإدانة كل حكم همجي متخلف، وأن رجل الدين في جريمة رجم ثريا أمتطى الدين من أجل شهواته الحيوانية، ولم تكن عدالة السماء في ذهنه ولو لثانية واحدة. أن القرار بالإدانة الآن يتجاوز المجرم الذي أصدر قرار الإعدام رجماً بالحجارة، إلى إدانة نظام بأسره الذي يمثل هؤلاء المتخلفون سلسلة متماسكة متلاحمة يتسلون على الشعب الإيراني بمكوناته، وأطيافه وحركاته السياسية، ويعرضونهم إلى قمع فاشي دموي منذ استيلائهم المشبوه على السلطة عام 1979.

 اليوم ثريا لقيت مصرعها ظلماً وعدواناً بأيدي جلادين يدعون التدين كذباً وزوراً، والكاتب توفي وبلاده ترزح تحت ظلم الملالي المتخلفين، ولكن الجريمة ما تزال ماثلة، والمجرمون مطلقي السراح، والنظام الدموي ما يزال يعبث بمقدرات إيران والبلدان المجاورة.

 

مشاهدتكم للفلم، سيساعد في إصدار قرار الإدانة، كما يكتب منتجوا الفلم.

 أنتج الفلم في الولايات المتحدة.

المنتج شتيفان ماريناكوي.

ظهر الفلم عام 2008.

المخرج سايروس نوراستي

القصة من رواية رجم ثريا لفريدون صاحب جم

تصوير جول رانزوم

تقطيع ديفيد هاندمان

الموسيقى جون ديبني

طول الفلم 116 دقيقة

  رباط مشاهدة الفلم على اليوتيب

  https://www.youtube.com/watch?v=BwN8zP3BENU

  المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

اتفاقية استامبول ...

الأبعاد الحقيقية

ضرغام الدباغ

عقدت في مدينة استامبول التركية في 11 مايو/ أيار 2011، ، مؤتمرا تم التوقيع في ختامه على  اتفاقية، سميت " اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري". وتتضمن الاتفاقية:

التزامات قانونية، تشمل الاستثمار في التعليم.

وجمع البيانات حول الجرائم المتعلقة بالنوع أو الجنس.

وتقديم خدمات الدعم للضحايا.

وتم التوقيع على الاتفاقية من قبل 45 دولة أوروبية، فضلا عن توقيع الاتحاد الأوروبي أيضا كمنظمة.

وقد ورد في البيان أن المادة 80 من الاتفاقية تسمح لأي من الأطراف الانسحاب من خلال إبلاغ المجلس الأوروبي.

والاتفاقية لا تشير في مظاهرها العامة سوى إلى "حماية المرأة من العنف الأسري" ولكن شخصيات وهيئات وحكومات أوربية، وجدت أن مواد وفقرات الاتفاقية ومضامينها يمكن أن تفسر وأن توحي إلى أبعاد أخرى غير الأهداف الواضحة، كأن تكون مدخلاً يفضي إلى شرعنة دولية للجنسية المثلية واعترافاً بالأسرة القائمة على العلاقات الشاذة، وبالتالي اعترافا رسميا بوجود أجناس أخرى عدا " الذكر والأنثى "، وقبولاً متزايدً بعمليات التحول من جنس لآخر، وظهور أجناس أقرب للذكورة، وأجناس أقرب للأنوثة، وأصناف أخرى متوافرة اليوم في المجتمعات المنفتحة بلا حدود، حتى بدأت تعاني من ظهور مشكلات اجتماعية غير مألوفة من قبل (في تحديد الجنس)، معقدة في التعامل معها، وأن الانفتاح بلا حدود بدأ يظهر سلبياته ويتسبب في مشكلات عميقة، تفوق حدود مبدأ الحرية الشخصية بتصرف الإنسان بجسده، إلى منح سمات وأبعاد غير معروفة، ومنها ما يلحق الضرر بأعضاء في الهيئة الاجتماعية.

 

لماذا تثير الاتفاقية الجدل الآن؟

يرى المعترضون من المحافظين أن الاتفاقية تروج لحقوق وتعاليم المثلية الجنسية بما يتناقض مع ما يسمى بقيم الأسرة التقليدية، إلى جانب إشارة البعض لكيفية تعريف الاتفاق لمفهوم النوع باعتباره فئة موجهة اجتماعية إلا أن تلك المسميات المذكورة في الاتفاقية يتم استخدامها بهدف الإشارة للتأثير غير المتكافئ الذي يخلفه العنف على المرأة، فضلا عن عدم المساواة المتوارثة بين الرجل والمرأة. ولكن من وجهة نظر بعض المتشددين تتجاوز تلك المسميات الغرض منها، بالرغم من محاولات مجلس أوروبا المتكررة لتفنيد تلك الإدعاءات. ويقول الخبراء إن الاعتراض على الاتفاقية يعود لتصاعد المشاعر المضادة للغرب والمضادة للمثليين في البلدان التي تحكمها حكومات ذات توجه يميني.

وقد أثار الانسحاب التركي من الاتفاقية، الحديث عنها. ففي بولونيا،  شجع المسؤولين بالحكومة المحافظة في بولندا العام الماضي على الانسحاب من اتفاقية إسطنبول، والذي صدقت بولندا عليه في وقت سابق عام 2015. ووفقا لوثيقة رسمية مسربة ظهرت بتقرير صحفي منشور حديثا لشبكة البلقان للتحقيق الاستقصائي BIRN، تسعى الحكومة البولندية لاستبدال الاتفاقية بأخرى يمكن أن تمنع زواج المثليين والإجهاض.

 

كما تعمل كل من بلغاريا والمجر أيضا على البقاء بعيدا عن اتفاقية إسطنبول. فبالرغم من توقيعهما عليها، اتخذت الدولتان تدابير توحي بتخطيطهما لعدم التصديق على الاتفاقية. حيث وافق البرلمان المجري العام الماضي على إعلان برفض التصديق على اتفاقية إسطنبول، بينما أصدرت المحكمة الدستورية في بلغاريا في عام 2018 حكما بعدم دستورية الاتفاقية. وجدير بالذكر، تبقي سلوفاكيا كذلك الاتفاقية مجمدة.

ما مدى نجاح الاتفاقية؟

وترى باحثة بمنظمة أمنستي الدولية(Amnesty international)، أن من "الصعب للغاية" قياس الصلة المباشرة بين اتفاقية إسطنبول والتدابير التي يتم العمل بها على أرض الواقع لمواجهة العنف ضد المرأة. ولكنها أشارت للدنمرك كنموذج حديث، حيث مررت في شهر ديسمبر الماضي إصلاحات تعتبر ممارسة الجنس بدون رضا أي من الطرفين بمثابة اغتصاب، ما يعد تمسكا باتفاقية إسطنبول كواحدة من أسس تغيير التشريعات القانونية. ولكن الانتباه إلى أن "كيفية التطبيق عمليا هي مسألة أخرى" حيث أن القوانين تحتاج لتطبيقها على أرض الواقع. كما أطلقت فرنسا سياسة "الدبلوماسية النسوية" للدفع نحو تحقيق المساواة، مع اتخاذ اتفاقية إسطنبول كواحدة من ركائز السياسة الجديدة.

بدوره أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أن غياب الاتفاقيات الدولية لا يقلل من مسؤوليات الحكومة في حماية مواطنيها ضد كافة أشكال الجرائم. وأن "وجود أو عدم وجود اتفاقيات دولية لا يقلل أو يزيد من مسؤولياتنا لمنع أي شكل من أشكال الجريمة (المحتملة) التي سيتعرض لها مواطنونا". وأوضح وزير الداخلية التركي في بيان أن قوات الأمن تستمد صلاحيتها من الدستور والقوانين في ضمان السلام والنظام والأمن ومكافحة الإرهاب والسرقة والجريمة المنظمة والجرائم الإلكترونية والمخدرات والعنف وجميع أنواع الجرائم. ولفت إلى أن قرار تركيا انسحاب من الاتفاقية يستند إلى هذا السبب، وهي ليست الدولة الوحيدة التي لديها هواجس كبيرة بشأن الاتفاقية، فهناك 6 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي بلغاريا والمجر والتشيك ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا، لم تصدق على هذه الاتفاقية.وأكّد أن بولندا أيضًا اتخذت خطوات للانسحاب من الاتفاقية مستشهدة بمحاولة مجموعات المثليين فرض أفكارهم حول الجنوسة (النوع) الاجتماعية على المجتمع ككل.

وما يضعف الحملة الإعلامية ضد تركيا، أن انسحاب 6 دول (بلغاريا والمجر والتشيك ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا) لم يثر أي إشارة في الإعلام والاحتجاج الذي أثير بوجه تركيا، كما يستحق التساؤل هل تنهي الاتفاقيات العنف بصفة عامة، والقوانين لا تمنع الجرائم بل تعالجها وتعاقب القائمين بها، فالجرائم في العالم في تزايد رغم وجود القوانين، كما أن القوانين الجنائية تمنع الاعتداء على الرجال والنساء معاً وحتى الأطفال، والحيوان، فلماذا قانون خاص بالنساء ...؟

وعندما تبدي 7 حكومات أوربية قلقها من أبعاد أخرى في الاتفاقية فلماذا لا يحترم هذا القلق ...؟

والمدهش في الأمر أن المحتجين يعتبرون ان الحكومات التي وافقت على الاتفاقية يسارية، والرافضة لها يمينية ...! مع أن الأنظمة في الاتحاد الأوربية كلها ذات توجه اجتماعي متشابه وهي كلها أنظمة رأسمالية وغريب أن تعتبر المثلية الجنسية وتعدد الأجناس قضية يسارية ...! ففرنسا مثلاً لها قوات مسلحة نظامية تقاتل في عدة دول في العالم ... وتشن حملات عرقية ودينية ولكن بقبولها زواج المثليين تصبح يسارية ..! هل أصبح اليسار معني بالعري والتعري والانحرافات الجنسية وليس بالصراع الاجتماعية / الطبقية ...! هذا ما يسمى بالرقص على الكلمات والمصطلحات.

وهذه ملاحظات تنبئك أن هناك أمراً أكثر من الدفاع عن النساء إلى فرض واقع اجتماعي / ثقافي جديد تجعله أمراً مألوفاً ... والأيام ستنبئنا ما هو ..!

(كتب هذا المقال قبل أن تنفجر أزمة السفراء العشرة ...!)

 

أفغانستان ...  العدوان والخسران

 ضرغام الدباغ

 

 ربما هذه هي المقالة العاشرة التي أكتبها عن أفغانستان، بعد التحرير التام من العدوان الأمريكي / الأطلسي عليها، الذي استطال ليبلغ عقدين كاملين من زمن التاريخ الأسود. والموضوع يستحق دون ريب أن يكتب عنه بهذا القدر وأكثر، لأنني أعتقد أن انتصار طالبان هو مفصل تاريخي، ستتبعه هزات ارتدادية عديدة في المنطقة وأرجاءها.

 

في غضون هذه الفترة القصيرة جداً منذ التحرير وحتى يومنا هذا، (أكثر من شهر ونصف) قرأنا الكثير جداً من الآراء والتحليلات، وما أكثر القنوات التلفازية المستعدة لالتهام كل خبر وتعليق، الغث منه والسمين، فالإعلام اليوم كالفرن الذي يتقبل أي مادة تدخل فيه. ولم تكن في العديد منها تخلو من الخيال وأخرى كالسم يداف في عسل الكلام، وأخرى يفوح الحقد واللؤم منها، وقراء ينفعلون مع الأخبار، المفبركة، كأنهم يودون سماع كل ما هو سيئ، يطالبون قيادة طالبان وبإلحاح، خلال أيام من استلامها مقاليد كابول، ما عجزت عنه حكومات طيلة 20 عاماً تملك المال والسلاح، والعلم والكادر المتخصص...!

 

ابتداء يحلو للبعض ممن لا يود سماع أخبار انتصار طالبان، أن يرمي عليها  تخمينات ..تقديرات .. تحليلات، وصولاً إلى معلومات يزعم أنه سمعها، أو أطلع عليها من دوائر لها قدرة خارقة بالعلم والفهم أن الأمر لا يعدو كونه عملية مسرحية تسليم وتسلم مفاتيح ...! هكذا بكل بساطة يريد تجاهل نضال شعب لعشرين عاماً دموية ..في حملة كانت فيها خسائر أمريكا وحلفاءها أكثر من أن تعد وتحصى، وآخرين يتقولون بما لا يفقهون ويشطحون في خيالهم، أن وظيفة طالبان / أفغانستان هي التصدي للصين، وآخر يزعم أنها ستكون حلقة في مؤامرات أميركا ...مزاعم ولكن لا أحد يمتلك دليلاً مادياً، ولا حتى مؤشراً عقليا نصف مقنع ...!

 

أفغانستان تعرضت لعدوان ولاحتلال ظالم، وتعرضت طوال عشرين عاما للسحق والتدمير وتصادر إرادة الشعب، وتحرف عمليات النمو الاقتصادي، وبالنسبة لأميركا أن تسير فتاة بالشورت نصف عارية هو التقدم والحضارة، ويطالبون أفغانستان بعد أسبوع من التحرير بما لم يفعلوه خلال عشرين عام ... نريد ونريد، ونطالب، حسناً طالما أنتم بهذه الدرجة من الانفتاح والشمولية .. لماذا لم تحترموا إرادة الناس وما يريدون ..؟  أم أن الانفتاح والشمولية بالنسبة لكم هي أن تسير بضعة فتيات في الشارع بملابس خفيفة .. ماذا يمثل ذلك ..؟ إنه يمثل أن مجتمعكم يتحلل وتصبحون مثالاً في الانحلال لا في العلم والاقتصاد .. بهدف تدمير مرتكزات المجتمع .. وإفقاده هويته وتحويله لمجتمع هو أقل من تابع صغير، ولابد  أن تعلموا أن من المستحيل تحويل قندهار إلى شيكاغو .. لسبب بسيط، أن استكهولم / السويد لا يمكن أن تصبح شيكاغو ..

 

التفاوض، إعادة الانتشار، الانسحاب، مصطلحات يراد منها تجنب أو تخفيف وطأة كلمة الهزيمة. أخيراً وحين حانت ساعة تحديد المسؤولية، وأمام الكونغرس الأمريكي، وتحت طائلة المسؤولية، وفي جلسة استماع مطولة أمام مجلس النواب الأمريكي، قال رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي:  إنّ بلاده خاضت "حرباً خاسرة" في أفغانستان وأن هذا "الفشل الاستراتيجي" كان "نتيجة لسلسلة قرارات استراتيجية تعود إلى زمن بعيد". وأقرّ رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي الأربعاء (29 سبتمبر/ايلول 2021) أمام لجنة برلمانية بأن الولايات المتحدة "خسرت" الحرب  التي استمرّت 20 عاماً في أفغانستان وذلك بعد شهر على انتهاء الانسحاب الأمريكي من هذا البلد وما رافقه من تخبّط وفوضى. (*)

وقال الجنرال ميلي خلال جلسة استماع في مجلس النواب: "من الواضح والظاهر لنا جميعاً أنّ الحرب في أفغانستان لم تنته بالشروط التي أردناها، مع وجود طالبان في السلطة في كابول". وقال إنّ بلاده خاضت "حرباً خاسرة"، مضيفاً : "لقد كانت كذلك، بمعنى أنّنا أنجزنا مهمتنا الاستراتيجية لحماية أمريكا من تنظيم القاعدة، ولكن من المؤكد أن الوضع النهائي يختلف تماماً عمّا أردناه وأقر رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي الأربعاء (29 سبتمبر/ايلول 2021) أمام لجنة برلمانية بأنّ الولايات المتحدة "خسرت" الحرب، التي استمرّت 20 عاماً في أفغانستان، وذلك بعد شهر على انتهاء الانسحاب الأمريكي من هذا البلد وما رافقه من تخبّط وفوضى. وقال إنّ بلاده خاضت "حرباً خاسرة"، مضيفاً : "لقد كانت كذلك، بمعنى أنّنا أنجزنا مهمتنا الاستراتيجية لحماية أمريكا من تنظيم القاعدة، ولكن من المؤكّد أنّ الوضع النهائي يختلف تماماً عمّا أردناه ورأى الجنرال مارك ميلي أنّ ما حصل شكل "فشلاً استراتيجياً. فالعدو في الحكم في كابول. ولا مجال لوصف الوضع بطريقة أخرى". (*)

 

فيثنام لم تتخلى عن الشيوعية والاشتراكية بعد التحرير، والأفغان سوف لن يتخلوا عن نهجهم بعد 20 سنة قتال ودمار ..عن جوهر نضالهم. نعم ...واضح جداً، الهدف هو أن لا تكون هناك دولة إسلامية، هذا هو الخطر، والهزيمة هنا في جوهرها تعني: شعب قاتل بوسائل بدائية عدوا أطلسياً يمتلك قوى جبارة سياسية واقتصادية وعسكرية، وأنتصر كيف ...؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه المواطنون الأوربيون،  على حكوماتهم وعلى أنفسهم، فالهزيمة هنا هي للمبادئ، كل هذه التجمع الهائل لم يقنع الشعب الافغاني، بالتراجع، بل تمكنت خلال ساعات .. ساعات فقط، أن يتبخر كل ما وضعوه ووظفوه، وخونة اشتروهم وعملاء باعوا أنفسهم، وأخيرا تركوهم يتساقطون كالذباب من الطائرات ... في لقطة تاريخية كبيرة بحجم  الأنتصار الكبير ..  لعمري أن لفي هذا المشهد عبرة لمن يعتبر ...

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) فقرات منقولة من نشرة وكالة الأنباء الألمانية (DW)

 

 

عالم الظل

 كتاب : باتريك باب  و  روبرت هاركافي

 (Patrik Baab, Robert Harkavy)

 ضرغام الدباغ

 

هذا الكتاب مهم جداً، صدر بطبعات عديدة، والغريب أنه يختفي من المكتبات بعد وقت قصير جداً من عرضه، وشخصيا حصلت عليه من مكتبة أنا من زبائنها، وفكرت بترجمة الكتاب، ولكني فكرت بحقوق المؤلفين والناشرين، ولابد أنها ثقيلة. لك هذا المقطع هو تعريف بالكتاب وما يريده المؤلفان ..

مع تقديري

 

ضرغام الدباغ

 

 

 

قوة الظل

كارل يورغن مولر  (Karl Jürgen Müller)

 

لقد أغرقت القوى الخفية العديمة الضمير أوربا في الحرب العالم العالمية الأولى، وهم يحاولون أن يعيدوا ذلك اليوم ... وينبغي على أوربا أن المزيد من النضج في جمال السياسة الخارجية، وأن تهتم بمسائل الدفاع في المستقبل اعتماداً على نفسها. إن تهديدات أعضاء حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بأن بلادهم ستنسحب عسكرياً من أوربا مستقبلاً بسبب جحود حلفاءها المزمن، إضافة إلى أن بعض المسؤولين الأوربيين يتجهون بذات المنحى. (1)

ومن المؤكد أن ما سينجم عن ذلك أيضاً  هو " تحمل المزيد من المسؤولية في العالم " و " الوقوف على أقدامكم " والأمر لا يعني بحال من الأحوال ب "القوة الحمايوية "، لمكانة ألمانيا في الرؤية الاستراتيجية الشاملة ضد المنافس اللدود " روسيا "، والنص التالي يتناول كيف يمكن تصنيف المؤشرات الحديثة " في سياق هذه الأفكار "، عن الاستعدادات الحربية الانكلو سكسونية، وكيف يحاولون  إيهام (تضليل) الناس عن خططهم الحقيقية.

في عام 1914، أي بعد 100 عام من بداية الحرب العالمية الأولى، قام كاتبان اسكتلنديان: جيري دوشيرتي، وجيم ماكغلريغور بنشر كتاب عن أسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى نشر بعد أشهر قليلة باللغة الألمانية أيضاً، " التاريخ الخفي "كيف سقطت نخبة سرية من الناس في الحرب العالمية الأولى "  والكتاب ب 400 صفحة مثير للاهتمام لمن يريد أن يعرف مرحلة ما قبل الحرب .

 

بأي حيل علينا أن نتعامل ؟

من وجهة نظر يومنا هذا، فإن الأوصاف كما وصفها الكاتبان بأنها " نخبة سرية " في تلك الأوقات،  بدقة بالغة هم مجموعة من الشخصيات يعملون من أجل تحقيق أهدافهم.

 

السؤال هو إن كنا نتعامل مع آليات مماثلة اليوم . وهي أن المواطنين وفيهم اليوم من لديهم مناصب مسؤولية  في السياسة والمجتمع، يجري خداعهم يتركون دون في عدم وضوح في الرؤية، وهذا في الواقع مخطط له، وأي دور في ذلك لقوى معدومة الضمير بوجهات نظرها ومصالحها، تلعبها في خلفية القرارات.

 

ولكن هذا الأمر هو في جوهرة، مرة أخرى، هو التخطيط  والإعداد لحرب كبيرة، وينبغي إسكات الأصوات المعارضة وذلك بإفسادها، أو بإجراء مناورات هامشية (للتمويه على الغرض الأساسي / المترجم) وأنه ينبغي جر ألمانيا إلى هذه الحرب خطوة فخطوة.

 

هل ينبغي أن تخرج الولايات المتحدة من أوربا ...؟

 

" يجب على الولايات المتحدة الخروج من أوربا " كان هذا عنواناً لمقابلة صحفية نشرتها صحيفة سويسرية  (Basler Zeitung)   "صحيفة بازل" نشرت بتاريخ 20/ تموز ــ يولية / 2019، مع ستيفن والت (Stephen Walt)   أستاذ العلاقات الدولية في كلية هارفارد كيندي، في جامعة هارفارد، وانتقد في هذه المقابلة السياسة الأمريكية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، بما في ذلك سياسة الرئيس الحالي دونالد ترامب، وطالب بانسحاب القوات الأمريكية من أوربا، وفي الوقت نفسه بضرورة تواصل العلاقات السياسية والدبلوماسية من أجل إقامة علاقات وثيقة معها (مع أوربا).

 

واستطرد البروفسور والت قائلاً " أن أوربا اليوم مستقرة ومزدهرة سياسياً، ودول ثرية، ويمكنها أن تهتم بشؤون الدفاع عن أنفسها، وهذا مال تفعله الدول الأوربية منذ مدة طويلة جداً ". وأخيراً " بالموارد التي ستوفرها الولايات المتحدة، من نفقاتها في أوربا، فإنها (الولايات المتحدة)، يمكنها التركيز بدرجة أكبر على مصالحها في أسيا، وهي عملية بدأت في عهد الرئيس أوباما " هل هذه رسالة سلام حقيقية ...؟

 

ما هي جدية " التهديد " المعتقد ..؟

وبعد أيام قليلة، في 15 / آب ــ أغسطس /ذكرت الصحيفة نفسها، أن السفير الأمريكي في برلين / ألمانيا، ريتشارد غرينل (Rischard Grenell)، بسحب القوات الأمريكية من ألمانيا بقوله : " إنه لمن المهين حقاً، أن ننتظر من دافعي الضرائب الأمريكيين من أجل تغطية نفقات ال 50.000 ألف أمريكي في ألمانيا. فيما يستخدم الألمان فائضهم التجاري في أغراض داخلية ".

السفير الأمريكي في وارسو / بولونيا،  قال " أن بولونيا تفي بالتزاماتها لحلف الناتو بنسبة 2% من دخلها، وألمانيا لا تفعل ذلك ". إننا سنحييها لو أن القوات الأمريكية " هل ستفرح ألمانيا بذلك ...؟

 

ألمانيا دولة لا يستغنى عنها في حروب الولايات المتحدة.

ما أورده نفس  المقال استطراداً مثير للاهتمام حقاً وجاء في التقرير :" ومع ذلك من المرجح أن وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون (Pentagon) قد توصلت في تحليلاتها، أن الانسحاب الكبير من ألمانيا، سيكون باهضاً ومكلفا لبلد واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

 

والأسباب :" هي نوع المنشئات الباهظة التكاليف التي أقامتها الولايات المتحدة في الأراضي الألمانية، للقوات المتمركزة هناك. وهذه  المنشئات هي مجموعة المقرات القيادية، والقواعد اللوجستية المهمة، التي تتجاوز أهميتها ألمانيا، سواء في العمليات أو للخطط الدفاعية الأمريكية.

 

ففي منطقة شتوتغارت (مدينة مهمة تقع جنوب غرب ألمانيا)، التي مهمة سواء في قيادة القوات المسلحة الألمانية الموجودة في ألمانيا، أو لقيادة قوات مشاة البحرية الأمريكية في أوربا عامة، وفي أفريقيا. وتمثل قاعدة رامشتاين (Ramstein) هي ليست واحدة من أكبر المكاتب خارج الولايات المتحدة وكمقر لقيادة القوات الجوية الأمريكية في أوربا فحسب، بل هي أيضاً مركز الإمداد الرئيسي للعمليات في الشرق الأوسط وأفغانستان وأفريقيا. وهي كذلك قاعدة مهمة في السيطرة على عمليات rwt الطائرات بدون طيار (Drohn) . وتستطرد الصحيفة، أن على الأراضي الألمانية توجد أكبر مستودعات للذخيرة الجيش الأمريكي خارج الولايات المتحدة. وغير ذلك من المعطيات ومن تلك نقرأ:

 

" وتخطط الولايات المتحدة استثمار مبلغ 2 مليار دولار حتى حلول عام 2013 في قواعد راينلاند فلاتس. (Rheinland - Pflaz) كما أعيد بناء وتحديث قاعدتي رامشتاين (Ramstein) ولاند شتول (Landstuhl) بمليارات الدولارات، وفي المدى القصير والمتوسط المنظور لا يمكن التخلي عنهما، وكذلك الأمر مع قاعدة (.....)  كما تتضمن خطط وزارة الدفاع الأمريكية / البنتاغون  أيضا على " بحلول شهر سبتمبر ـ أيلول / 2020 أن يكون هناك 1500 جندي أمريكي يرابط بشكل دائمي في ألمانيا ".

 

ونجد في نهاية المقال، " كل هذا، هكذا يفترض السفير غرينيل أنه سيكون مألوفاً، مشيراً إلى آليات وسائل الإعلام وردود أفعال السياسة وفن الاستفزاز " هل تستطيع ألمانيا حقاً، أن تتراجع بهدوء ..؟

 

وكان كارل هاينز كامب، رئيس الأكاديمية الألمانية لسياسات الأمن في برلين، قد وضع نفسه في مقال نشر في " صحيفة زيورخ الجديدة " بعددها الصادر يوم 13 / آب ــ أوغست / 2019  إلى جانب السياسة الأمريكية  بقوله " إلى جانب الولايات المتحدة، تمثل ألمانيا القوة الاقتصادية الثانية في بلدان الناتو، ومع ذلك لا تريد الإيفاء بالتزامات التحالف. وأن تمنح 2% فقط من الناتج الإجمالي لأغراض الدفاع. ودائماً يجدون الأعذار والمبررات، وهو ما يضع مصداقية حلف الناتو على المحك (موضع شبهة) ".

 

هل أعلنت أورسولا فون دير لاين الحرب على روسيا ؟

وزيرة دفاع الألمانية السابقة فون دير لاين تبدي إعجابها بكلمات أغنية كلماتها معادية لروسيا، ويبحث الكاتب هل هناك روح معادية لروسيا في ألمانيا وأوربا ..؟

 

العالم الغربي ما يزال تراوده أفكار النصر النهائي، وحروب لا تنتهي من أجل فرض هيمنة الأنكلوسكسون، من خلال حروب الناتو التي لا تنتهي، والمتعارضة مع القانون الدولي. ويدور همسا أو علانية : الدول التي كانت في فلك الاتحاد السوفيتي يجب أن لا تلعب أي دور أي دور في السياسة الدولية إلا إذا كانت تدور في فلك المصالح الأمريكية ..!

 

لمن تتبع ألمانيا ..؟

 

رفضت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة روسيا إلى محيط الدول الصناعية السبع (G8). والمستشارة الألمانية أنغلا ميركل صرحت عشية لقاءها مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن: أن روسيا قد أخرجت لأسباب وظروف معينة،  وهذه الأسباب لا تزال موجودة. وقبل أيام من انعقاد قمة مجموعة الدول السبع (G7)  في باريس / فرنسا،  تحدث الرئيس الفرنسي أيضاً ضد استئناف عضوية روسيا ضمن المجموعة بقوله :" أ‘تقد أن عودة روسيا دون شروط، ستكون علامة ضعف لدول المجموعة السبعة، وسيكون خطأ استراتيجيا ". وعبر رئيس الوزراء البريطاني بمثل هذا الموقف أيضاً. أما الرئيس الأمريكي ترامب فقد أوصى بأن تعود مجموعة الدول السبع (G7) إلى صيغة الدول الثمانية (G8) وكانت موضوعات المناقشة تتناول روسيا في معظمها. وأتهم الرئيس ترامب سلفه الرئيس بارك أوباما، بأنه كان يدفع بإخراج روسيا من دائرة ومحيط مجموعة الثمانية.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هوامش

1. تجاهل الكاتب مسألة هي في مقدمة الأسباب لتراجع دور الولايات المتحدة في أوربا، وهو التقلص المتزايد في ميزانية الدفاع لدول الناتو ولا سيما ألمانيا وفرنسا، وهي قضية خلافية منذ زمن طويل، من ولاية أوباما وربما قبلها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

  أفغانستان ... راحت

 السكرة جاءت الفكرة ...!

 

ضرغام الدباغ

 

تمضي الأيام مسرعة كمرور السحاب، بعد كانت الأيام العشرة الأخيرة ثقيلة صورها موجعة، أخبارها مفجعة، كالأبرة الزيتية. الحلفاء الغربيين بين مصدقين ومكذبين، بين الواقعية والطموح الخيالي الذي يرفض الواقع. كنا قد كتبنا في مقال سابق قبل أيام، أن المستشار الألماني الحكيم هيلموت شمت، كان قد تنبأ بهذه النتيجة وقالها صراحة في ندوة تلفازية (فبراير/203) أن الحملة الأفغانية سوف لن تؤدي لنتيجة، والأمريكان قد يستطيعون الذهاب لأي بلد في العالم، بقصفون ويدمرون ولكن ليس بوسعهم تحقيق النصر. فالنصر كلمة كبيرة والفرنسيين أدركوا هذه النتيجة وسحبوا قواتهم قبل سنوات، ولا أدري على ماذا يلطم ماكرون.؟

الأفغان الحفاة العراة، هزموا التحالف الغربي، وقبلهم هزموا بريطانيا يوم كانت عظمى، وهزموا الاتحاد السوفيتي  يوم كان يحكم نصف العالم..! الأوربيين فهموا القصة على السريع، ولكنهم لم يستوعبوا العبرة، فرنسا هزمت شر هزيمة أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، ولم ترتدع، الإنكليز على درجة أعلى من الحصافة والتعقل، فقلصوا بيدهم أمبراطوريتهم التي لا تغيب عنها الشمس بعد أن خسروا درة التاج البريطاني (الهند)، ثم خسروا شرقي السويس حرباً، ثم خسروا الخليج العربي بعد خسارة السويس، وأخيراً خسروا ميناء عدن. ولكن بعض الأوربيين يرون هزيمة أفغانستان بالعدسة المكبرة ..وأن هذه الهزيمة المرة ما هي إلا مقدمة لضعف داخلي، وخسائر أخرى مقبلة ..ولكن المستعمرين لن يصبحون مهذبين مطلقاً ..!

وأخيرا ظهرت تشكيلة حكومية أفغانية .. تشكيلة تخلو من عناصر عميلة للغرب، حكومة لا يرغب الغرب بها، بل هو يريدها أن تكون حكومة قرقوزات لا لون ولا طعم ولا رائحة، لا تنفع ولا تضر، بل يريدونا من لأنها توفر الأسس المادية لحروب أهلية طاحنة، ولتبق هذه البلاد أسيرة التخلف . الغرب لا يريد الراحة لأحد، لكي يوفر الفرصة للتدخل دائماً، ويجعل الآخرون يحتاجونه سياسيا واقتصادياً.

 

هل استفاد الغرب من تجربته في أفغانستان ..؟

رغم أن منصات عديدة، سياسية واقتصادية وصحافية في بلدان الغرب الرئيسية (بعضها مهمة) تحدثت بهذه القوة أو تلك، أن على الغرب أن يستفيد من تجربته في أفغانستان، التجربة القاسية الباهظة التكاليف في الأموال والأرواح، فهل استفاد الغرب شيئا من محنة أفغانستان ... لا أعتقد. بل يغطسون في الغباء أكثر وأكثر ..حين يعتبرون أن إشاعة الشذوذ الجنسي، وزواج المثليين، وأن تتعرى المرأة هذه هي الحضارة والديمقراطية.. يجب أن تفكر جميع الدول مثلنا، ليس فقط في السياسة، بل في كل شيئ  ..وليس من المهم أن تفوز حكومة معينة بالانتخابا لتكون ديمقراطية، الديمقراطية هي حين نحن نرضى عنها وتنفذ ما نقوله لها.. ويجب أن تصبح قندهار سان فرانسيسكو ..وإلا سنقصفكم بالطائرات والصواريخ ..أي تخلف وغباء هذا ..كابل لا يمكنها أن تصبح الدوحة، والدوحة لن تصبح بغداد، وبغداد ليست القاهرة والقاهرة ليست بيروت ..وهذه ليست أستانبول وهلم جرا .. وإذا كانت كوبنهاغن مثلاً، تختلف بشكل كبير جداً عن شيكاغو، فكيف تريد من كابل أن تنقلب إلى واشنطن بلمسة زر ... وكأن الموضوع في هاتف خلوي (موبيل) ...؟

طالبان لا تعين إمرأة في حكومتها ..ما هذه الكارثة، حسناً ربما أكثر من نصف حكومات العالم لا توجد بها نساء، مالعمل، هل ستشنون عليها الحروب ..عينوا فلان واحذفوا فلان ..هل الموضوع يخص دولاَ أم  إدارة بلديات أم ماذا ..؟ ويحدثونك عن الأستقرار في بلد دمروه طوال 20 عاماً.

ولكن لا، فالقيادات الغربية ليست غبية لهذه الدرجة، لكن التصدي للإسلام وحركات التحرر العربية والعالمية فقرة أساسية عندها هو جوهر أهدافها، بهدف إبقاء هذه الكتلة البشرية والاقتصادية الضخمة جداً تحت السيطرة، موارداً وسكاناً، أو إيقاف نموها وتطورها.. فهم يلاحظون قوة التأثير في مجتمعاتهم، وبلداننا تحت القصف والتآمر والتدمير، فما بالك لو تركونا وشأننا ..وما رأيك أن قلت لك أحد كبار قادتهم قال هذه الكلمات بالحرف الواحد وبصراحة .. ولكن نضال الشعب علمهم.

هم عاتبون على الأمريكان على سرعة انسحابهم، والمفاجأة في إخلاءهم أفغانستان، ولكن الأمريكان لا يهتمون كثيراً بزقزقة الأوربيين، وبوسعهم القول للفرنسيين، لماذا هربتم من الجزائر .. لماذا سرعة ولماذا مفاجأة، الولايات المتحدة تجري مفاوضات منذ شهور طويلة مع طالبان، والمفاوضات لم تكن سرية ..! ففي خطاب بايدن أواخر آب / 2021 قال :

أفغانستان صارت أزمة مفتوحة لا نهاية لها  فنحن :

ــ ننفق 300 مليون دولار يومياً خلال 20 عام .

ــ الحملة كلفتنا 2400 قتيل.

ــ 20 ألف معوق .

ــ 18 جندي ينتحر يومياً .

ــ أفغانستان مقبرة اميراطوريات.

 

ومن يرغب بمواصلة الحرب من منتقدينا (يقصد الأوربيين والفرنسيين خاصة)...فليتفضل ويذهب ويحارب، فرنسا أرادت أن تركب رأسها، وذهبت لوادي بانشير وأرسلت مدير مخابراتها ليفي برنار لبضعة أيام بعدها فرت لا تلوي على شيئ..

يقولون أن الشعب الفلاني يكرهنا، يكره الغرب ..والسؤال هو : وهل هناك من يحبكم ..؟ حتى من حلفاءكم .. سوى أوغاد اخترتموهم من بين الشعوب ليكونوا عملاء مأجورين خانوا شعوبهم لقاء المال .. وها هم الآن الجيل الثاني من أولاد وأحفاد الخونة الفيثناميين يعيشون في نيويورك كأمريكان بعد أن قطعتم جذورهم بأوطانهم ..ومثلهم روس ومثلهم عناصر شاذة استبدلت أوطانها بالغرب، ولكن أولادهم وأحفادهم سيصبحون جنود في جيش استعماري ويقضون ربما في بلاد بعيدة ..يطوفون على وجه المياه الآسنة ..كقناني بلاستك فارغة ومهملات ..!

يتعاملون مع الأمر كأنه كارثة، ويبدون حرصهم على هذا وذاك، وكأنهم لم يكونوا محتلين مستعمرين معتدين متسلطين لمدة عشرون عاماً، هم يأتون بعملائهم ككم يحملون جنسياتهم، ويولونهم إدارة البلاد ليساعدوهم في قمعها ونهبها، ثم يطلبون منك بعد نضال دام أستغرق 20 عاماً أن تضع بيدك هؤلاء العملاء في الحكم .. فهل هناك صفاقة أشد من هذه ..؟

 

هل استفاد الغرب من محنته في افغانستان ...؟

كلا والف كلا .. ليس لأنهم أغبياء، وليس لأنهم يعتمدون على الكومبيوتر الآلي في قراراتهم، وليس لأنهم معدوموا الضمير .. ولكنهم فوق كل هذا وذاك كله، فهم نظام أعتاد على سحق الناس، فكيف تريد من ذئب أن يتحول إلى نباتي بمجرد النصيحة ..؟ لا سوف لن يتعلمون لا من عشرة .. ولا عشرين .. ولا حتى مائة وعشرون تجربة ..! وحتى يتحول الذئب إلى نباتب يجب لأن تخلع أنيابه، وتقلم مخالبه، ويقتنع أن لا يحق له يسلب حياة الناس ليعيش مترفاً ...!

الغرب يحرك أذنابه.. نسوة يتظاهرن يحملن لافتات مكتوب عليها " حرية " ويتفرج عليهم رجال الأمن من طالبان بصبر يحسدون عليه، عن أية حرية تتحدثن .. الجماعة في الحكم منذ 6 أيام فقط، وأنتن رضختن للأحتلال عشرون عاماً دون أن تتفوهوا بكلمة حرية لأن فيها غوانتنامو ..! أو لأنكم تخادنتم مع المحتلين ياللعار ...! في الحالتين عار على الاحتلال وفلسفته في الحكم، وعار على من يكون ذنبا للأحتلال، والعار للمرأة مضاعف ..!

في البدء كانوا يتشددون في وصف الهزيمة بالانسحاب، ثم إعادة انتشار، ثم  أصبحت فضيحة وعار ..ثم أصبحت هزيمة نكراء ..كان بعض المثقفين الهولنديين قد كتبوا قبل سنوات " لا نفهم ما هي مشكلتنا في جبال هندوكوش .. وقندهار "

اليوم يتداعون ليشكلوا قوة ردع قالوا أن قوامها 20 ألف جندي، ثم قالوا 50 ألفاً، وآخرين يصعدون بالرقم إلى ما هو أكبر من ذلك ... قال المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل " إن دول الاتحاد وعددها 27 دولة يجب أن يكون لديها "قوة تدخل أولية" قوامها خمسة آلاف جندي. ونريد أن نكون قادرين على التدخل السريع " . ولكن هناك من سخر وقال " ما عليكم .. هذا كلام لن يرى النور، وإذا رأى النور لن يرى التنفيذ.

 

والله ما همني زيد، ولكن من

 خانني من أهلي لصالح زيد

 

ضرغام الدباغ

 

منذ أن أستعاد أهل كابل مدينتهم (15 / أب ـ أوغست / 2021)، وأسقطوا نظام الاحتلال الاستعماري وأذنابهم من المحتلين العملاء، وبعض وكلاء الأذناب، وبعض الناس  يتوهمون وآخرون يوهمون أنفسهم، وينظرون إلى إطار الصورة، وآخرون ينظرون إلى خارج الصورة، وبعضهم إلى طريقة عرض الصورة ... قد يفعل ذلك بعضهم لجهله بأصول التصوير ... وأشهد أن التصوير فن صعب جداً، حتى أني أعتبره بصعوبة الرياضيات ..لأن من الصعوبة التي تقارب المستحيل أن تلتقط صورتان متماثلتان 100% (درست التصوير لمدة عام) ، ولكن لا يهتم الكثيرون بعناصر الصورة الأصلية ...!

 قد يبلغ السخف بدرجة مذهلة بأشخاص كالأمين العام للأمم المتحدة، وحتى بعض كبار المسؤولين في البلدان الغربية التي شاركت في العدوان على شعب أفغانستان، أن يصبوا جل اهتمامهم بل حزنهم لدرجة التباكي على توافه الأمور ..كاحتمال فرض الحجاب على البنات، وكبت حرية النساء، ولم يتفوهوا بكلمة واحدة عن اضطهاد شعب لمدة عشرين عاماً أسوء أنواع الاضطهاد باحتلاله من قبل عشرات الدول، ويعتبرون عملاءهم وأذنابهم أطرافا سياسية ينبغي الجلوس معها وإشراكها بالحكم وهم المتعاونون للأمس القريب مع المحتل المعتدي ..

 عضهم يتمنى لو أستطاع أن يحرم الشعب الأفغاني انتصاره المجيد(ولكن هيهات)، والأفغان انتصروا من قبل على الإنكليز والسوفيت أيضاً، فيتقول أن العملية تسليم وتسلم، لماذا هل لأن الأمريكان توسلوا طالبان أن يسمحوا لهم بالانسحاب (عشرات الألوف من الجند، مئات الألوف من قطع الأسلحة، ودمروا ألاف القطع وأحرقوا تجهيزات)، كما فعل الفرنسيون حين فاوضوا رسل الثورة الجزائرية في جنيف قبل انسحابهم من الجزائر، وكما فعل الأمريكان حين فاوضوا الفيثكونغ الفيثناميين في باريس. الهارب هو من يبادر للمفاوضة وليس من يقاتل وظهره لشعبه.

ألم نقاوم عشرين عاماً أميركا ومعها دول عظمى(فرنسا وبريطانيا) ودول نصف عظمى غيرها  ألم نستعيد البلاد خلال أيام قليلة (7 أيام) دون مساعدة ؟

ألم نفعل ذلك بقواتنا المجاهدة ؟

ألم نهزم 300,000 جندي حكومي  بما يمتلكون من عدة وسلاح ( 4 ألاف مدرعة وطائرات)

ألم نبسط سيطرتنا على بلاد مترامية خلال أيام وهو ما عجزت عنه قوى تدعي أنها عظمى ؟

 هذه هي عناصر الصورة الأصلية وسواها رتوش لا أهمية لها، في الاحتلال ومكافحته والنضال ضده لا يوجد تقدمي ورجعي .. الاحتلال عمل رجعي، ومقاومته عمل تقدمي،  هذه لا تحتمل التفلسف .. وليس تقدميا من يرقص الروك أند رول مع غاصب محتل، ضد مجاهد متدين. 

 الغزو الأمريكي كان خطأ فادحاً، ليمتلك أحد قادة المعسكر الغربي الجرأة لأن يقول ذلك ..  ملفقوا الأخبار والوقائع آن لهم أن يعترفوا  أن زعماء الغرب انساقوا وراء تهديد رئيس أحمق غبي من أسوء رؤساء أميركا في تاريخها (جورج بوش) المشهور والغير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية " من ليس معنا فهو ضدنا " منطق الزعران والشقاوات .. هذا سقط اليوم بدماء وتضحيات الشعب الأفغاني، والغرب خسر خسائر فادحة ألاف القتلى وترليونات من الأموال .. ثمناً لحماقة ..!

 فبراير / شباط عام 2003 سمعت وشاهدت محاضرة  للمستشار الألماني  الأسبق الحكيم هيلموت شمت قال فيها نصاً " نعم الولايات المتحدة تمتلك من القوى (السياسية والاقتصادية والعسكرية) على قصف أي نقطة في العالم، والإنزال في أي بلد وربما احتلاله .. ولكن ماذا بعد ؟ لن تستطيع إنهاء الحرب بالنصر ..

كسب معركة لا تعني الانتصار .. الانتصار معنى كبير جداً لا يتم بأعمال وأساليب خسيسة.

 لا نقبل أن تكون دولة إسلامية في أفغانستان .. ومن أنت لتمنع ذلك .. وهل تتدخل في كل مكان في العالم حين لا يروق لك ذلك ..؟ بأي حق تطالب أفغانستان أن تسن قوانين تشبه قوانين بلادكم .. أفغانستان ليست نيوجيرسي .. ولكل مجتمع خصائصه الاجتماعية والثقافية بناء على معطيات كثيرة .. لماذا لا يطالبون الهند بإبطال أرتداء الساري للنساء بالشورتات (السراويل القصيرة).. مثلاً ...؟

 هناك من يحزن على منظر المتعلقين بالطائرة الأمريكية وهي تهم بالاقلاع، ويتساقط منها 3 أنفار .. وهناك من الغربيين من أعتبرها عار على الغرب وهناك من قال كارثة ..!

 أما هذا الشعب الذي سحقه مجنون أحمق لمدة 20 عاماً، ووافق عليه لمدة 8 سنوات أستاذ جامعي رصين (أوباما) وأرعن آخر (ترامب) فهذا غير مهم .. المهم هذا الذي أشتغل مخبراً وجاسوساً على شعبه لدى المحتلين، معتقداً أن التاريخ يوماً واحداً، اليوم يريد الوصول إلى لوس أنجلوس ليمارس السفاهة هناك بقوة القانون ..! متعلقا بطائرة المحتلين .. ولكن الأمريكان رفسوه (قتل 3 أفغان برصاص الأمريكان) قائلين له، أنت لم تشتغلك مجاناً ... بعبارة أخرى الحمار يموت بكروته ..!

 والله العلي العظيم ما همني زيد بقدر فلس واحد .. (وقد أقسمت)، ولكن ما همني بل وزادني هماً من خان من أهلنا وأصطف مع زيد .. تنكر للأمة والوطن والدين .. لماذا ..؟

 أما للمبهورين بالغرب أقول مخلصا .. استفيقوا ..إنه أفول ..انتبهوا ..كونوا مع شعوبكم، كونوا مع وطنكم .. كونوا مع تاريخكم، كونوا مع أنفسكم .. تنجون من عذاب ضميركم قبل شيئ آخر ..

             

 

احتضار الديمقراطيات الغربية

ضرغام الدباغ

 

لم تكن العنصرية الجديدة التي بشر بها الباحثان الأمريكيان: صاموئيل هينتغتن (Samuel  Huntington) وفرنسيس فوكوياما، (Francis Fukuyama) سوى المسمار الحاسم في نعش الديمقراطيات الغربية، مع أنها ليست جديدة كل الجدة على الاطروحات السياسية الرأسمالية. وكلا الباحثان عاشا وترعرعا (بصرف النظر عن اصولهما العرقية) وتعلما في المعاهد والجامعات الرأسمالية، وعايشا حقب الحرب الباردة بكل تفاصيلها، ثم أنهما عملا في المؤسسات العلمية المولجة بتقديم صياغات نظرية للقيادات السياسية الرئيسية (وزارة الخارجية ــ البنتاغون (وزارة الدفاع) والمخابرات الأمريكية  CIA ...الخ)، وبالتالي فإنهما ينتميان إلى أشد الدوائر رجعية واعتدائية في متروبول الرأسمالية العالمية ومؤسساتها السياسية، والتي تنظر (تؤدلج) للمناهج العدوانية. ويحاولان منح الفاشية الجديدة مسحة وأساساً (Foundation) لنظرية ذات قيمة علمية، ففشلا في ذلك فشلاً ذريعاً.

لابد من الإشارة إلى المرحلة التاريخية لطرح محاولة التنظير هذه. فقد بزغ نجم هذان الباحثان في ظروف تاريخية هي غير تلك الظروف التي برز فيها فلاسفة أمريكيون نظروا للبراغماتية (Pragmatism) ممن سبقوهم من فلاسفة من العصر الوسيط والحديث،  لذلك ليس من المدهش مطلقاً أن يبزغ نجم هذان الباحثان مباشرة بعد انقضاء الحرب الباردة، وانهمكا كثيرا في تقديم مسوغات وفحوى آيديولوجي لإبقاء تماسك وتلاحم المعسكر الرأسمالي العالمي، حتى بعد تفكك المعسكر الاشتراكي، وحلف وارسو، وانظمام روسيا الاتحادية والصين إلى نظريات السوق والتجارة الحرة، وهو ما أسقط الباعث الاقتصادي أو أضعفه بدرجة كبيرة، كمبرر نظري للتكتل وبهدف إضفاء التوتر في السياسة الدولية.

وقد شهد العلم السياسي الاستعماري في مختلف العصور تعديلات، ولكنها تكن بتعديلات جوهرية على أية حال  بل هو ضرب من أحداث ملائمة (Adaptation) ومسايرة للعصر ومتطلباته، تمثلت بالفلسفة البراغماتية (Pragmatism)، وهي فلسفة تستند أساساً إلى قواعد رجعية إنتهازية واعتداءيه، تعتبر أن النتائج العملية تبرر أساليب الوصول إليها، على هذا النحو فأن بريطانيا الاستعمارية أقامت أمجادها وثرواتها اعتمادا على الاعتداء على شعوب أخرى، بل هي استخدمت أبناء المستعمرات في الحروب الاستعمارية ضمن سياسات الضم والإلحاق، واستنكرت وقاومت وقمعت أي عملية تحرر ومقاومة أبدتها الشعوب المستعمرة، وعلى بحر من الدماء والآلام والتضحيات التي قدمتها شعبنا شعوب كثيرة في العالم. أو لم تكن %84، من مساحة اليابسة في العالم حتى مطلع القرن العشرين تدار استعماريا.

في أمريكا (الولايات المتحدة) بالذات وجدت المناخ المناسب (وتلك ليست مصادفة...!) لتطوير الأفكار البراغماتية، حيث دارت على الأراضي الأمريكية وعلى مدى سنوات طويلة صراعات سياسية / عسكرية  استعمارية، بريطانية / فرنسية / أسبانية، ثم لظروف وأسباب لا مجال لها هنا، تأسس مجتمع رأسمالي حديث (دون مقدمات تاريخية سابقة) يمتلك قدرات الانطلاق، كان (James William) وليم جيمس (1842 ــ 1910) أحد أبرز مفكري هذه المدرسة التي أطلق عليها البرغماتية، أي المذهب العملي. وقد وجدت هذه الأفكار إيضاحا لها عند الفيلسوف الأمريكي تشارلس ساند بيرس(Charles Sanders Peirce) (1839 / 1914) الذي أعتبر العمل مبداً مطلقاً بإعلان هذه القاعدة (أن تصورنا لأي موضوع هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر) . (1)

 

 مضى علماء آخرون في منح هذا المذهب الانتهازي، الاعتدائي القائم على مبادئ القوة والغلبة في منحه أبعاد فلسفية عميقة باستعارات من فلسفات أوربية مثل جورياروس الأمريكي (1855 - 1916)، والأهم كان الأمريكي جون ديوي ((1859 - 1952. وتصف الموسوعة الألمانية (Duden) مذهب البراغماتية باختصار (أن حقيقة كل الأفكار والنظريات تقيم بدرجة نجاحها) فهي أذن عملية تجميل وعصرنة  (Modernisation) للميكافيلية، على أن روحها الانتهازية مازالت تبدو واضحة ودقيقة، ولكن هذه النظرية (وهناك من ينتقدها في العالم الغربي الرأسمالي) كانت العماد النظري / الفلسفي للسياسات التي أتبعتها الدول الرأسمالية الاستعمارية التي أباحت لنفسها فعل كل شيء مقابل الحصول على أهدافها الاستعمارية التوسعية، والأخلاق مسألة نسبية تماماً ولا أهمية واقعية لها. لا تنطوي على أي قدر من الاحترام لمصالح الآخرين، بل مصالحها .. ومصالحها فقط ....! فنظام عصبة الأمم الذي وضعته الدول الاستعمارية المنتصرة في حرب استعمارية، في إطار اقتسام جديد للعالم، أباحت لنفسها فيه صراحة تسلطها (حق الشعوب المتقدمة من الآخذ بيد الشعوب المتخلفة.الخ) من خلال نظام الأنتداب (Mandatssystem) والتخلف هنا لم يكن يعني سوى هزيمتها (الدول الصغيرة والمتخلفة ) في الحروب الاستعمارية مقابل الدول الصناعية، وهذا الحق المزعوم أخذ استلابا وليس اتفاقاً أو بالاستشارة.

وبالطبع فأن الدول الاستعمارية مارست كل ما في وسعها في إطار السيطرة والهيمنة على مجتمعاتها، وعلى قارات العالم، وارتكبت آلاف المجازر وحملات الإبادة في العالم، وهناك مئات من الكتب والمصادر تحدثنا عن مئات ألوف من الهنود ماتوا وهم يحفرون أنفاق المترو في لندن، وملايين من العبيد الأفارقة ماتوا تحت سياط المستوطنين وهم يستصلحون أراضي الغرب الأمريكي، وكذلك الإبادة الشبه تامة للهنود الحمر في أمريكا، وقاتل عرب وسنغاليون وأفارقه آخرون في جيوش فرنسا الاستعمارية، وهنود وباكستانيون ( ضمن الجيوش الهندية) ونيوزيلنديون وأستراليون وكنديون وأقوام أخرى كثيرة ضمن الجيوش البريطانية، هذا عدا عن الاعتداءات التي شنتها دول استعمارية على شعوب آمنة فقتلت مئات الألوف بل الملايين من تلك الشعوب، وهذا ما فعلته بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا وهولندا والولايات المتحدة واليابان، وسائر المتربولات الرأسمالية.

 وإذا كانت التطورات على مسرح السياسة الدولية قد أرغمت الأساليب الاستعمارية على التراجع شكلاً، إلا أن جوهرها ما زال عدوانياً نهابا ويفتقر إلى الأخلاق والشرعية القانونية، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة لا حصر لها، ففي كل بقعة من الكرة الأرضية هناك شواهد شاخصة تطل على الإنسانية وهي تحمل آثار جروح أو نزف مستمر بسبب الأنشطة الاستعمارية : سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وثقافياً، في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وفي استخدام مفرط للقوة المسلحة في العلاقات الدولية، وفيما يتعرض له العراق وفلسطين وليبيا والصومال وأفغانستان)تحررت 15/ أب / 2021 على أيدي شعبها)، ابرز شواهد وأدلة في العصر الحديث على ذلك، وما هذه العولمة Globalisation، إلا استعمار وإمبريالية الألفية الثالثة ونسخة حديثه عنها لنهب وجلد شعوب العالم.

بيد أن العولمة وهذه هي التسمية الثانية لها، إذ قوبلت التسمية (النظام الدول الجديد) الجديدة برفض عالمي واسع النطاق (New world system)، فقد بدت توسعية وعدوانية واضحة، أبدلت بمصطلح العولمة (Globalisation)، التي وضعت أهداف التوسع خلف كلمات براقة توحي بالأمل، ولكن ما تسرب من أقاويل أفصحت عن النوايا ... فالعولمة هي بأختصار، أن تعتبر الرأسمالية العالمية وتفرعاتها وأدواتها، أن العالم بأسره عبارة قرية كبيرة بقيادة العمدة الأكبر متربول الرأسمالية الاحتكارية الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك تفاهمات سرية بين أقطاب المتربول على تقاسم المغانم على الصعيد العالمي. وقد تدور بينها صراعات دموية من أجل هذه المغانم.

وإذا كانت الشعارات الآيديولوجية قد اضمحلت وتلاشت (تقريبا) ولم تعد تدور بين رأسمالية واشتراكية، فقد كان فر تواصل بل واشتداد حلف الناتو والسعي المحموم لتوسيعه في بلدان شرقي أوربا، ولم يعد هناك مغزى آخر سوى التوسع المالي وكسب النفوذ. وجاءت اطروحات هنتغتن وفوكوياما فقط من أجل إيجاد ذرائع لمواصلة التوتر والعداء، وشد أواصر التحالف الغربي (الرأسمالي / المسيحي) والإبقاء على قوته ونفوذه السياسي / الاقتصادي / العسكري في العالم. وسيتخذ هذا التحالف ذرائع غير مبررة لإبقائه متفوقا سياسيا واقتصادي وعسكرياً، و في مواقع الهجوم والسيادة.

وكانت الولايات المتحدة وحليفاتها، يتمترسون وراء شعارات خلابة :

اقتصاد السوق الحر.

اتفاقية التجارة العالمية.

الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وحين أتبعت البلدان الاشتراكية (روسيا والصين) نظام اقتصاد السوق الحر وأحرز نظامها الجديد (المطّْعّم)، تذرعت الولايات المتحدة بأتفاقيات التجارة الحرة، وحين أنظمت لها البلدان الاشتراكية، ضاقت الولايات المتحدة بالتجارة الحرة ذرعاً، وراحت تتمسك بحقوق الإنسان، وحقوق الإنسان غير مخترقة في مكان في العالم كما هي في الولايات المتحدة والبلدان الرأسمالية، على أساس اللون والدين والمذهب، وليست هناك بلدان في العالم يتعرض فيها المواطنون إلى التميز كما في البلدان الرأسمالية ..! وللمسخرة والفكاهة، تعتبر الولايات المتحدة إسرائيل البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط وتحترم حقوق الإنسان. وهي تعلم علم اليقين أن إسرائيل دولة عنصرية بقرار دولي، وأن هناك 156 قانون عنصري يشمل من التملك حتى الزواج والتعليم والعمل ... وهذه العنصرية العلنية يعدها الغرب ديمقراطية.

 تتميز المرحلة الحالية، الألفية الثالثة بتراجع لمكانة الرأسمالية العالمية ومراكزها الكبيرة، والمحيطية، مقابل تقدم الاقتصاديات الناشئة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وبتراجع مكانتها الاقتصادية، تتكون مشكلات جنينية في البلدان الرأسمالية تقود تفاعلاتها إلى أزمات لم تكن معروفة، أو أنها لم تكن تمثل ظواهر مؤثرة.

فعلى سبيل المثال الظواهر العنصرية / العرقية معروفة في المجتمعات الرأسمالية الكبيرة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)  الفاشية في إيطاليا 1850، النازية في ألمانيا، 1919، الكلوكس كلان في الولايات المتحدة الامريكية 1866، القمصان السود بريطانيا 1930، واليمين الفرنسي الذي تمتد جذوره عميقا في فرنسا المعاصرة.

الجديد في الظواهر على الساحة، هو التطرف الديني الطائفي، ورغم أن التطرف ضد اليهود قديم في أوربا : روسيا القيصرية، فرنسا، ألمانيا، أسبانيا، والآن أضيف الإسلام بسبب الانتشار الإنساني في العالم، فالرأسمالية تزعم أن العالم صار وحدة اقتصادية ثقافية، ولكن ذا محض بروبوغاندا إعلامية، فالغرب لا يحتمل أن لا تأكل إلا مثل طعامه، ويريدك أن تكون الأزياء كما يرتأي .. وتفاصيل أخرى تدخل في صلب حرية الإنسان وخياراته الثقافية والاجتماعية.

وبدون أي مسوغ عقلاني / فلسفي هانتغتن وفوكوياما يقرران، أن صراع الغرب في الحقبة المقبلة ستكون مع الإسلام والكونفوشيوسية ..ولكنهما لا يشيران إلى الجذر الاقتصادي، وهو (Motivation)  (الباعث الحقيقي)، ودائماً جوهر الأنظمة الرأسمالية، وأساس للموجة الجديدة للإمبريالية المسماة العولمة (Globalisation)، وهكذا تفعل الإمبريالية في إيجاد تغطية وذرائع كعنوان لحملاتها التوسعية ترفعها كلافتات، بيد أنها أخفقت في شعاراتها العنصرية والدينية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

 

1.  ترجمت كلمة البراغماتية (Pragmatism) إلى اللغة العربية بالتفسير الحرفي والمعنى للكلمة (الذرائعية) أن تتخذ ذرائع لتبرير تصرف معين. ونجدها ترجمة موفقة.

 

بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندة وأسبانيا والبرتغال كانوا يفعلونها بأسم المدنية ..! وبعد الحرب العالمية الأولى، وفي عصبة الأمم قالو حرفياً "" حق الأمم المتقدمة، الأخذ بيد الأمم المتخلف ...! ""، ستالين كان يفعلها بأسم الأممية الدولية والاشتراكية، وروسيا اليوم هي خلطة لا تعرفها روسيا من قبل ... روسيا إمبريالية .... اليوم يفعلها العالم الحر المتحضر بدعوى قتال منظمات هو أسسها، تلك المنظمات تقتل ألف، العولمة تقتل 100 ألف ..! بعض السذج من العرب وغيرهم، يشدهم حنين مرضي (Nostagia)  ويرون إرهاب روسيا بعين حولاء ... موسكو عاصمة كادحين العالم ...ولكن واقع الأمر وطعمه مر ...بل شديد المرارة .. الروس هم نفس الروس، يفعلون كل شيئ بدم بارد، مع فارق أنهم يقتلون عشوائياً ويتشابهون في ذلك مع الأمريكان، ربما الأمريكان يفعلونها بدقة وأناقة أكثر، والروس بهمجية أكثر، ولكن النتيجة هي ذات الخلطة، أسمنت وحجارة مطحونة ومعجونة باللحم والدم، وأطفال يتراكضون هنا وهناك، وأشلاء أطفال ونساء وشيوخ، فالشباب يعرفون كيف يحمون أنفسهم.

 

المركز العربي الألماني

برلين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

ماذا تريد

ميركا من أفغانستان

 

ضرغام الدباغ

 

 

" لا أرحمك ولا أدع غيري يرحمك، ولا أريد رحمة الله تنزل عليك ...".

 

هجمات أيلول (2001) رغم كل ما يحوم حولها .. عملية ردت عليها الولايات المتحدة وجيشت الجيوش وقامت بأحتلال أفغانستان، وكانت هناك خيارات عديدة غير الاحتلال، إلا أنها استسهلت استخدام القوة وخيل لها أنه قرار سهل يعبر عن القوة، بل وسحبت معها حلفاء الناتو وغير الناتو لحملة غير مجدية،  فأستخدام القوة لا يدل عن حكمة .. بل ربما العكس ..!

 

وهناك من العقلاء الأوربيين أدرك منذ البدء أنها مسألة غير مجدية .. ولكن كيف للولايات المتحدة الدولة القوية والعظمى فوق العادة تتراجع عن قرار خطأ، وهكذا واصلت الحملة في عهد عدة إدارات فيهم الأحمق وغير المتعلم، وفيهم الذكي المتعلم، وفيهم أستاذ الجامعة القانوني .. سواء بسواء مع علمهم الأكيد بإخفاقها وفشل مراميها ..

 

وأبرز دليل على معرفة الإدارة الامريكية بمآل حملتها ومصير أذنابها، هو أن الإدارة الأمريكية فاوضت طالبان تحت شعار " دعونا ننسحب " ولكم البلاد، وهم (سياسيا وعسكريا واقتصاديا) ليسوا في وارد فرض شروط، وهو يعلمون تمام العلم واليقين، أن مصير حكومة الأذناب والعملاء سوف لن يطول أكثر من بضعة شهور .. هكذا تحديدا تحدثوا عن " 6 شهور ". هي مدة سحب ما يمكن سحبه من معدات وأسلحة، وتدمير بعضها الآخر لأنهم يعلمون أنها ستقع بيد الأفغانيين، وحرق الأوراق والوثائق، وتسفير بعض الأذناب، إذ من غير المعقول أن يغادروا حفاة بدون أحذيتهم ..!

 

ولكن ستة شهور طويلة، وعملية التطهير بدأت مبكرة .. أنتهت أسرع مما كان يتصور لها .. بعض الدول الغربية غاضبة، بعضها زعلانة، لا أحد يفهم لماذا ..؟ أليس من من المنطقي كنس البلاد من بعض العملاء والأذناب ومن القمامة وعلب البيرة والكولا وبقايا المأكولات وغسل وتطهير الأماكن التي جاس فيها المحتلون وعبثوا ..؟

 

من المضحك .. بل هي فكاهة مميتة .. أنهم يخشون على البنات الأفغانيات من الحجاب .. وكأن هذه هي المشكلة الوحيدة في العالم ..؟ البنت الافغانية محجبة أم سافرة .. البلد الذي أحتل 20 عاماً وقتل ودمر وسحق لكي تمشي البنت في الشارع سافرة ..؟ أليس هذا دليلاً إضافيا على زيف الثقافة والحضارة .. من يحاول إشعال نيران جديدة سيفشل، وسوف ترتد عليه نيرانه فتحرقه ...

 

اليوم هناك من يخش أن يمتد الحريق .. ويحذرون ويعبرون عن قلقهم ... كلهم من عاقلهم لأحمقهم .. من أكبرهم لأحقرهم ... بالله عليكم أيها الناس هل رأيتم أغبى من هؤلاء وأسخف منهم .. منذ 43 سنة يعملون كمشعلي حرائق .. كمروجين لفتن طائفية حقيرة، انغمسوا في قاذورات الخيانة والعمالة لفوق آذانهم .. الآن يقلقون .. يخشون على أفغانستان من التطرف ..  أسمع السخافة .. من غيركم يا حقراء أشعل الفتن الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وحيثما امتدت أياديكم القذرة ..

 

أفغانستان في مرحلتها الأولى لم تعتد على أحد بل هي تعرضت ظلما لعدوان وأحتلال .. بلا فلسفة طويلة عريضة ومحاولات تنظير بائسة .. الأمريكان وحلفاءهم أحتلوا البلاد 20 عاماً وجربوا كافة أنواع السلاح، وأرتكبوا كل الجرائم التي يعاقب عليها حتى قوانين قطاع الطرق والسرسرية .. ولكنهم فشلوا أن يكسروا شوكة هذا الشعب .. نعم فشلوا بقضهم وقضيضهم .. بعباقرتهم وأغبياءهم .. وفشلوا ليس اليوم .. بل منذ بداية العدوان، نعم تستطيع أن تقتل وتبيد، وتشتري الخونة والعملاء، ولكنك لن تستطيع كسر إرادتي ..

ــ قبل سنوات كثيرة (عام 2003، وقد ترجمت ذلك ونشرته) قال الحكيم هيلموت شميت .. أمريكا تستطيع أن تهاجم أي بلد، وقد تستطيع احتلاله، ولكنها لن تنتصر ..! الأنتصار كلمة لها معنى آخر ..!

ــ الفيلسوف الأسباني ميغيل أونامونو كتب في الثلاثينات (ترجمنا ذلك في كتاب الحرب الأهلية الاسبانية)، قال المجانين والحمقى والمجرمين والقتلة قد يكسبون، ولكنهم لن ينتصروا ...

ــ وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزارايس قالت لإبراهيم الأشيقر : " أنتم تعلمون لولا حمايتنا لكم تعلقون على أعمدة الكهرباء ".

 

كتب الفلسفة والتاريخ والسير فيها كل حكم وعبر الحياة .. ولكن الناس لا يقرأون، وإذا قروا لا يفقهون ...! لو تقرأون وتفهمون لكنت قد شاهدتم ما يحدث كمشاهدة لفلم معاد. أقسم بالله العلي العظيم ما يحدث اليوم في افغانستان أتوقعه حرفيا كما يحدث في الواقع ..لأني موقن بصفة تامة على الهزيمة المؤكدة لأميركا وعملائها وحثالاتها .. هل يمكن لحثالات أن تنتصر على التاريخ ..؟

 

أنظر ماذا كتبت (حرفيا بدون تعديل) قبل شهر ويومان من الآن :

 

" الآن رحل المحتل ... ومن كان يعتقد أن الاحتلال سرمدي تبين أنه جاهل، ومن كان يعتقد أن الشعب يبدل قياداته الوطنية (أي كان صنفها) بحكومة المكدونل والهامبرغر تبين أنه غشيم ...ومن أعتقد أن القتل والتدمير والسجن والاغتيال مفيد، تبين أنه غبي لا يفهم التاريخ .. ثم أن الاحتلال أخذ معه أفضل كلابه من المتعاونين (من غير المعقول أن يأخذهم كلهم)، وترك الباقين لتذروهم الرياح، تحت شعار "هم قبضوا أتعابهم، والحمار يموت بكروته "، ماذا سيفعل بقية المتعاونين ماذا سيفعلون ..

النظام العملاء الذي أقامه الأمريكان لا يريد أن يصدق أن الحلم انتهى، وهيا انقلعوا إلى الأماكن التي جئتم منها، سائر الناس : البعض منهم سيأتي راكعاً خاضعاً باكياً طالبا السماح والعفو ...وأرجح أن طالبان اليوم، هي غير طالبان قبل 20 عام خلت. التجربة الكبيرة لها دروسها، هناك من لعب دور الخادم والمتملق، والأجير هذا قضيته سهلة ...وهناك من الخونة من تبلغ درجة الصفاقة والوقاحة به درجة عالية، فيريد أن يحجز تذكرة ليشارك في حفل الانتصار ...هذا أيضا قضيته سهلة، وهناك من الخونة من تلطخت أيديهم بدماء الشعب مقابل حفنة دولارات وهذه مسألة فيها نظر، ولكن هناك من الخونة والمتعاونين من يريد أن يتطاول فيناكف الثورة الظافرة المظفرة المنتصرة ولا تعرف ما يريد بالضبط ... سوى إثارة المتاعب وهؤلاء سينالون من يكفي أن يلزموا جحورهم ...

قوى اقليمية هالها أن تكون أفغانستان حرة، فهم يفضلون التعامل مع القوي الذي لا يحترمهم، بدل قوة إقليمية واعدة، ستحاول أن تضع لها موضع قدم، وأن يكون لها في العرس قرص ... هذه ستفشل وتنكفئ خاسئة خاسرة. الروس سينظرون بعين من يترقب الأهوال ... ويترددون بين لعبة الحوار والسياسة، وأستعرض العضلات، مع أنه جرب لغة فرض القوة، والنتائج كانت مأساوية.

سيفوز من أدرك قواعد حركة التاريخ بالعلم والثقافة، أم بالسليقة ... وبالحكم والثقافة الشعبية (جولة الباطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة) ولم ترهبه قعقعة السلاح ... وسيساهمون في خلق أفاق جديدة لأفغانستان ولعموم المنطقة، وأرجح أن نهاية الاحتلال الأمريكي لأفغانستان سيكون فاتحة لمرحلة جديدة لأفغانستان وللمنطقة، هذه الخطوة الأولى فحسب .....!" .

 

أريد أن أقول لجميع العراقيين : سجلوا مأثرة عظيمة، تحالفوا وأتحدوا من الآن لليوم المقبل، لا تلجأوا للثأر والانتقام، هذا لا يليق بحضارتك العظيمة، ولا بدينكم الحنيف، أكبروا على الجرح النازف الدامي .. كونوا أكبر منه .. إنه ليس بجرح، بل هو خدش سوف ننساه بمرور الأيام.

 

ما ينبغي أن نؤكد عليه، هو أن نشيد وطنا حديديا لا تهزه الرياح ..أيها العراقيون ..الوحدة ..الوحدة .. الوحدة

 

 

العراق في انتقال ......!

ضرغام الدباغ

 

خلال 20 عاماً عجاف، لنتحدث بلغة الأرقام والتجريد فقط لكي لا يتقول علينا أحدهم ويرمينا بما ليس فينا ..!... هذه درزن صغير من الحقائق التي بوسع أي ضعيف بصر أن يراها ..! وهزيل البصيرة أن يفهمها ... والله من وراء القصد ...!

س 1.  هل هناك جيوش دول أجنبية في العراق أم لا ....؟

س 2 . هل يبسط العراق سيطرته على كافة أراضيه ..؟

س3 .  هل هناك شبكات تجسس وجواسيس لدول أجنبية ...؟

س4 . هل تنتشر العاهات الاجتماعية بكثرة في العراق : المخدرات، الدعارة ..!

س5 . هل الوضع الصحي في العراق في تقدم أم في تأخر ...؟

س6 . هل الوضع السكني للمواطنين ميسور أم صعب ...؟

س7 . هل الاقتصاد الوطني في العراق يتقدم أم يتراجع ...!

س8 . هل الوضع التعليمي في العراق يتقدم أم يتراجع ...؟

س9 . هل نسبة الفقر عالية في العراق ...؟

س10 . هل الأمن والأمان متوفران في العراق ...؟

س11. هل العراق كدولة محترمة عالمياً ...؟

وفي الختام السؤال 12 وهو سؤال الأسئلة والخاتمة المسك والنتيجة :

س 12 ـــ هل العراق دولة مستقلة ....؟

 

ما هي مؤشرات الدولة الفاشلة والدول الجيدة ..؟

الإجابة على كل هذه الأسئلة هين .... بوسع أي طفل أن يجيب عليها .. بما يؤكد أننا في جب عميق حفر بعناية لنا، هدف هذه الكتابة أن نتمعن الحال، وأن نفكر كيف نستطيع الإفلات الآن حتى القتلة خاسرون ... خسروا براءتهم ونقاءهم، وصاروا مجرمين، ولكن علينا أن نفهم القصة، ثم نتحد بيد واحدة زيل الركام ونشيد العراق.

 

 

القرارات السياسية في الولايات المتحدة

حسابات خاطئة، ونتائج كارثية

د. ضرغام الدباغ

 

يسود الاعتقاد في بلداننا، أن القرار السياسي الأمريكي عملية دقيقة معقدة. فالمعلوم أن هناك حلقات وقنوات ودوائر عديدة (بالطبع متفاوتة في الأهمية) معنية بهذا الأمر، تدقق وتناقش، وتفحص، من أجل أن تصدر القرارات صائبة خالية من أدنى خطأ. كما يساهم في العملية، إنضاج القرار بصيغه الابتدائية والمتقدمة، (حين يدور الأمر عن خيارات متعددة، بدرجات تصعيد مختلفة)، علماء وفلاسفة واستراتيجيون، وقادة عسكريون أذكياء مجربون محنكون وخبراء أمن، دورهم هو العمل على إنضاج الخيارات، وحساب ردود الأفعال : من يحتمل أن يكون معنا، أو ضدنا، أو يقف على الحياد لحين، أو غير مكترث، أو عديم القدرة على إبداء رد فعل يستحق الاعتبار.

وبالطبع أن هذه التقديرات لا تخلو من المبالغة، وبعض من ذلك بسبب أن العقل الشرقي ميال تلقائيا للمبالغة، من جهة، ومن جهة أخرى، فإن معلوماتنا وإدراكاتنا عن الولايات المتحدة تحملنا على الاعتقاد أن قدراتها هائلة وغير نهائية. والأمريكان أنفسهم بأعتبارهم المالكون لهذه القدرات الكبيرة بالطبع لابد أن يكون هناك شيئاً من الغرور والعجرفة في اتخاذهم لقراراتهم، وربما هناك من القادة السياسيون والعسكريون (من بلداننا وبلداناً أخرى) من يعتقد أن قناعات وقرارات القيادة الأمريكية، هي إرادات سامية وقرارات يجب أن تنفذ وتسود. ودون ريب أن قدرات الولايات المتحدة هي كبيرة، وبالفعل تشارك قنوات وجهات عديدة في إنضاج وصياغة القرارات السياسية، ولكن إذا فكرنا بشكل براغماتي، وتقييم دقة وصواب عمل هذه القنوات من خلال النتائج النهائية، (والأميركان لا يقربون السياسية بالنظريات والآيديولوجيات العقائدية) فإننا سنلاحظ أن أعمالها حافلة بالأخطاء، فطالما سمعنا من مسؤولين أمريكان إدانتهم لقرارات كبرى سبق وأن اتخذتها قيادات سابقة، وتعثر سبيل تحقيقها، بل آلت إلى فشل ذريع، وأحياناً يصح وصفها بالهزيمة. فهل أخطأت كل هذه القنوات والفلاسفة والشخصيات والقادة، والمؤسسات الأستخبارية والعلمية ...؟

 

(الصورة: غلاف مجلة التايم، وهي تمثل قيمة سياسية / إعلامية مهمة،

 ثم لاحظ الصورة في المقدمة مكبرة صوت وله دلالة مهمة جداً، هاتف ملقى على الأرض،

 أكداس ملفات غير منجزة وخراب كامل وإحباط، وكلمة (اليوم الأول) هي جملة تستخدم للإشارة اليوم الأول بعد الكارثة)

 

وأعترف أن شيئ من هذه القناعات كانت عندي أيضا، ولكنها ابتدأت تتضاءل تدريجياً، أو بعبارة أدق وأكثر وضوحاً بدأت تفقد ذلك الوهج وتلك المصداقية (credibility). ترى ما السبب في ذلك، هل هو بسبب قناعتي أن الولايات المتحدة هى العدو الأول للعراق والأمة العربية، أقول ... كلا، فأنا منذ أن امتهنت السياسة صرت لا أحب أحد ولا أكره أحد. وامتهان السياسة، وسوف أوضحها (منعاً للالتباس) هي عندي ابتدأت منذ أن صرت موظفا دبلوماسياً، أتقاضى راتباً على عملي السياسي، وتعزز ذلك بعد أن درست السياسة كعلم على أيدي علماء جهابذة، وتعلمنا أن نتعامل مع القضايا السياسية كحالات (Cases) ولا علاقة للأمر بالمزاج والمعنويات، بل أن أي قضية سيصيبها عطب شديد إذا مرت عليها نسائم المزاج والعواطف.

ولكن هل بوسع السياسيين أن يتخلوا عن المزاج وأحكام الهوى ....؟

يفترض نعم ... وبالمقدار الذي تتسلل في العواطف في السياسة سيلحق العطب أو الوهن بالموضوع / القضية. ولكن هذا لا يعني أن السياسي يعمل بدون قلب ...! بالتأكيد أنه يحب بلده، ومخلص لها، ولقضاياها، وعليه أن يعمل، ويعمل كثيرا جداً لكي يخدمها أفضل خدمة. ولكن بالوسائل المفيدة. وبأساليب علمية ناضجة، ليضمن لها النجاح.  ومنذ السبعينات (1973 فصاعداً) صار نصيب حكم الهوى يتضاءل في أحكامي وتصوراتي السياسية. وكنت منذ بداية عملي في السياسة كحزبي، أعلم تماماً أن المرء يتعلم عن سبيلين أثنين :

العلم.

التجربة.

إذا كان العلم موجود في الكتب التعليمية، وفي الجامعات، فالتجربة تستمد مصادرها، من تجاربك الشخصية، وتجارب غيرك، وتجارب الغير تشاهدها أمامك، أو تسمعها، أو تقرأها في كتب ومصادر التاريخ الرصينة. وهكذا ابتدأت تتراكم في الفكر التجارب والدراسة والقراءة الكثيفة، وهي المسؤولة عن مزيد من الرؤية العميقة فكريا وعملياً. من التجارب تعلمت مبكراً الكثير. ومن الكتب المهمة التي تلقي الأضواء الكشافة على السياسة الأمريكية :

ــ كتاب: (نغودين خاكفين: عجز التقنية الأمريكية في فيثنام، بيروت 1968) قرأت بدقة  كيف تجرد الأرقام قشور وتهريج البربوغاندا. في هذا الكتاب، تحليل مادي علمي كيف أن صمود الشعوب، يوقع التقدم التكنولوجي بالعجز، وأن تعميق النضال وتوسيعه يشتت قوى العدو ويضعفها. وبهذا المعنى، قال القائد غيفارا " لابد من فيثنام ثانية وثالثة لإيقاع الهزيمة بالإمبريالية ".

 

في وقت لاحق، وحين تعمقت دراستي السياسية، قرأت كتبا كثيرة مهمة ومن تلك:

ــ نشوء الولايات المتحدة. وهذا كتاب ينبغي أن يقرأ بعمق ليطلع الدارس على الأصول التاريخية لنشأة الولايات المتحدة ودور القوى المختلفة في هذه العملية.(باللغة الألمانية / مترجم).

ــ مذكرات الجنرال الأمريكي روبرت هويزر" أياديكم ملطخة بالدماء " عن دور الولايات المتحدة في الثورة الإيرانية عام 1979.(باللغة الألمانية/ مترجم).

ــ مؤتمر بوتسدام / 1945، وفي هذا المؤتمر يلاحظ الكثير من المساعي الأمريكية واستخفافها وغدرها حتى بحلفاءها المقربين. (باللغة الألمانية/ مترجم).

ــ الإمبراطورية الأمريكية، كلود جوليان،(رئيس تحرير صحيفة الموند الباريسية)، وفيها حقائق مذهلة عن القرارات الأمريكية السياسية والاقتصادية.

ــ استراتيجية للغد، هانسون بالدوين (باحث أمريكي)، وهذا كتاب يوضح أصول القرار السياسي الأمريكي في حقبة الحرب الباردة.

ــ محاضرة للمستشار الألماني الأسبق هيلموت شمت، التي تنبأ فيها بضعف متواصل للولايات المتحدة وعجزها عن كسب معاركها. (باللغة الألمانية / مترجم).

ــ عقد من القرارات، وليم كوانت.

ــ الاشتراكية والبلدان المتحررة، (Uljanowiski, A.: Der Sozialismus und die befreiten Länder, Berlin 1973)

ــ بريماكوف، يفغيني: تشريح نزاع الشرق ا(وسط، دمشق 1979

وأعمال أخرى كثيرة أكثر من أن تحصى، وفي اتجاهات متعددة، أوصلتني لقناعة أن ليس من الضروري أن يتمتع القادة السياسيون والعسكريون الأمريكان بالنزاهة التامة كما نتصور. ولا بالعبقرية التي نعتقدها، وإلا بماذا نفسر الحجم الكبير جداً من الفشل والاخفاقات وتراجع مكانة الولايات المتحدة السياسي والأخلاقي قبل الاقتصادي، رغم الاستخدام الكثيف جدا للقوة المسلحة المتفوقة، وللقوة المالية. وقد قرأت تقارير عديدة ومن مصادر ممتازة، تشير بدقة إلى تورط قادة سياسيون بقضايا فساد مالي، وضباط من القوات المسلحة الأمريكية، بتهريب المخدرات (أفغانستان) وتورط آخرين بغسيل الأموال، وتهريب الذهب والأحجار الكريمة، وفي العراق كانت البيوت التي تتعرض للتفتيش (لأي سبب) وتتعرض لسرقة الأموال النقدية، الدولار والعملات الصعبة، والذهب، والتحف. وقد تعرضت دوائر عراقية كثيرة لسرقة الآثار الخيالية السعر، وقضايا تحف من القصور الرئاسية، وآثار وأعمال فنية (لوحات ومنحوتات). وكنت خلال دراستي وإقامتي في ألمانيا قد أطلعت على معلومات ومعطيات مؤكدة، أن الجنود الأمريكان (بشكل خاص من قوات الاحتلال)، سرقوا ونهبوا الكثير جداً من التحف ألالمانية التي كانت حتى الاحتلال من البلدان الراقية والثرية في العالم. عدا الموجودات من العملات الصعبة في البنوك .

أما عن تورط العسكريين في جرائم حرب وإبادة، والاغتصاب، فهذه أكثر من أن تعد وتحصى، في ألمانيا وفي كوريا، وفيثنام والعراق وأفغانستان لا حصر لجرائم الاعتداء والاغتصاب والقتل والتعذيب حتى الموت، وحتى إقامة مجازر بإشرافهم المباشر، أو بتوجيه أذنابهم من العملاء المحليين. وفضائح السجون السرية، وانتهاكات غوانتنامو.

أما على الصعيد السياسي، فلا تتورع القيادات الأمريكية من استغلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن استغلالاً بشعاً، فأساليب الضغط على الدول الأعضاء كثيرة ومتنوعة، تبدأ من الضغط، إلى التلويح والتهديد، إلى عرض مزايا (قروض)، وصولاً إلى تقديم الرشاوي، وهناك شبكة لها امتدادات خيالية، وأبعاد مذهلة.  فعلى سبيل المثال كشفت الأحداث صدفة، أو من خلال صحفيون يتميزون بالجرأة، أن عصابة الأربعة " الرئيس بوش، ورامسفيلد، وديك شيني، وكونداليزا رايز" هم في الواقع من كبار المتنفذين في الشركات والبنوك العملاقة، واحتكارات صناعة الأسلحة. وقد شاهدت لقطات تلفازية، الشعب يهينهم ويحتقرهم، ولكن هذه قليلة الأهمية في العالم الرأسمالي، فالاعتبارات المعنوية والكرامة لا قيمة كبيرة لها، فالمهم هو حجم الرصيد في البنوك، والأسهم والمداخيل.

القادة الأمريكيون، يحكمون دولة عظمى، تمتلك قدرات هائلة، ومع ذلك فقادتهم ورؤساءهم لا يتورعون عن الإتيان بأعمال مخجلة، حتى يصاب المرء بالذهول، كيف بلغت هذه الطحالب إلى قمة الهرم، ولا يتورعون عن إطلاق الشتائم البذيئة، وبعضهم هزيل المستوى الثقافي بدرجة مخجلة. وإذا كان هذا مقبول تقريباً في أي مكان، وإذا كان النظام الأمريكي دقيق للغاية ونصدق ذلك، إذن كيف يتكرر هذا الأمر، بلوغ قادة للصف الأول على هذه الدرجة من الضعف. وكيف تتواصل الهزائم الأمريكية والنكسات والأخطاء الفادحة (وفق تقديراتهم). وكيف تقبل المؤسسات البريطانية وهي دولة قديمة ورزينة، أن يكذب رئيس وزرائها بطريقة غير لائقة أبداً على الحكومة والبرلمان والشعب علنا ..؟ وبعضنا يعتقد أنهم دول عظمى مهمة ...! يمتلكون أسلحة فتاكة نعم، ولكنهم عظمى ومهمة ... للأسف لا ...!

الولايات المتحدة لم تحقق النجاح التام في كوريا، رغم أنها كانت تحتكر السلاح الذري، ووجود عسكري وسياسي طاغ في شرق آسيا، وجلبت معها جيوش الناتو، ثم أرغمت على هزيمة مرة في فيثنام، وكابرت لمدة 20 عاماً في أفغانستان هذا البلد الفقير الذي لم يساعده أحد، شعب باسل قاوم الأمريكان وحلفاءهم بقدراته الذاتية المتواضعة، وبلحم صدورهم عشرون عاماً. وفي حملة حمقاء في العراق تتراجع وتتخبط في تصريحات قادتها " أننا أخطأنا... فننسحب بتعقل كما تورطنا بحماقة ". ولكن المعطيات تشير إلى أنهم فعلوا كل شيئ بتخطيط دقيق، ولكنه تخطيط عدواني وبقيادات فاسدة، فلسفة رجعية معادية لحركة التاريخ، تعاملت في الشأن العراقي كصفقة، وفي حرب لم يكن لها داع، خربوا بها بلداً كاد أن يغادر قطاع البلدان النامية، وأعادوه كما خططوا للعصور ما قبل الحجرية. ولكن المطامع في التهام الشرق الأوسط بقضه وقضيضه. والهدف النهائي هو وضع العالم بأسره تحت هيمنتهم وخدمة اطماعهم التي لا سقف لها، فهي كالوحش الذي يجوع أكثر كلما ألتهم أكثر.

أميركا بلد عملاق ذو اقتصاديات جبارة، ولكنه اقتصاد فاسد، هناك ثراء فاحش جداً، وفقر مدقع جداً والمشردين في الشوارع، مجتمع يفتقر تماماً إلى روح التضامن بين أفراده (solidarity) وهذا البلد الثري ليس فيه التأمين الطبي، والمواصلات العامة في أوطأ درجاتها، اعتادوا على النهب وأدمنوه، وسوف لن يتمكنوا من العيش من دونه، خططهم قائمة على معطيات خاطئة، لذا يصطدمون حتى مع أقرب حلفاءهم وأصدقاءهم، فهم مكروهين في كافة أرجاء العالم.

هناك دائماً خطأ ما في مكان ما يبحثون عنه بعد حلول الكوارث ... ولا يجدوه لماذا ...؟  لأن الخطأ يكمن في الجوهر، ولا أحد يقوى على ذكر الحقيقة الكبرى ...  فعلوا المستحيل لكي يضعوا أقدامهم في أفريقيا، ولكن الأفريقيين لا يودون حتى رؤيتهم، فالسياسة الأمريكية هي خلطة / تركيبة (Combination) من الأحلاف، والتعامل الاقتصادي غير المتكافئ، والاستهانة والاستصغار، والتدخل في الشؤون الداخلية، وإذا احتاجت اللوحة إلى اللون الديني لتكتمل ألوانها، فيستعينون بالمؤسسة الدينية المسيحية والإسلامية واليهودية، لا يهم، فالمهم والأهم أن تخدم الغرض السياسي، ولا يساعدون في حل أبسط مشكلة في البلاد التي يتدخلون بها، بل يزيدون الصراعات الداخلية تأججاً، ويبحثون عن ثغرات الضعف ليعمقوها .... لذلك سوف لن يأسف أحد على أفول شمس الإمبريالية الأميركية.

في السياسة لا يوجد شيئ نهائي ....هذه سنة الحياة في السياسة، لأنها تعتمد على أسس قابلة للتغير. والولايات المتحدة ستفقد قلاعها إن عاجلاً أو آجلاً، (وأرجح عاجلاً) ستتساقط في كوريا الجنوبية، وفي إيران بفعل التناقضات الداخلية والخارجية، وإسرائيل بوصفها الكيان الخطأ في المكان الخطأ، هذه الأطراف الثلاثة مرغمة ومحكومة بالتحالف مع الولايات المتحدة، فهي أساس وجودها.

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

أفغانستان ..... إذا حلت

المقادير بطلت التدابير

ضرغام الدباغ

هذه هي مقالتي الثانية بعد هزيمة الأمريكان في أفغانستان، وهي هزيمة متوقعة. ليس لأن حركة طالبان عظيمة لدرجة أنها استطاعت أن تهزم قوة عظمى كالولايات المتحدة في ذروة صعودها ومعها حليفاتها، في مرحلة القطبية الاحادية والعولمة. ولا تخلو حركة طالبان من مكامن قوة طبيعية مكنتها من إحراز هذا الانتصار التاريخي، فالأمريكان استخدموا قنابل تذيب الجبال، وأنفقوا أموالاً يشترون بها الأنس والجن، ولكن أيضاً وهذا مهم، أن الإمبريالية العالمية بلغت درجة الاهتراء القصوى داخليا بتناقضاتها العميقة، وخارجياً خسرت مكانة التفوق الاقتصادي لصالح مراكز أخرى.

حضرت مرة مؤتمرا دوليا في كلية الحقوق ــ جامعة روما / إيطاليا، والموضوعة الأساسية فيه حق الشعوب في المقاومة، والشعب العراقي كمثال. ولكن المؤتمر تطرق إلى حالات عديدة، منها مقاومة الشعب الأفغاني للاحتلال الأمريكي/الغربي وموضوعات طابعها قانوني/ فلسفي، ومن تلك، تأكيد أن لا يوجد احتلال شريف مهما كانت الذرائع، والقوة الشعبية الأخلاقية (بالدرجة الأولى) بوسعها أن تتصدى لآله الحرب المتقدمة وتهزمها، لأنها تتمتع بالقوة المادية التاريخية. أحد المتداخلين، قلل من قيمة المقاومة الأفغانية لأن الطابع الديني هو الغالب، هذه قوة روحية يتمتع بها الشعب، يوحد بها صفوفه، وينتصر على من يحاول احتلاله .. فقاطعه أحد الشيوخ من أساتذة القانون من الإيطاليين، وهو شيوعي مخضرم، ونهر المتكلم بشدة، وقال هل يعني أن هناك قوة تسمح لبلد أن يعتدي على بلد آخر ويصادر استقلاله، إن مقاومة الاحتلال أي احتلال هي قضية مشروعة وبأي وسيلة متاحة.

إذن فالاحتلال ومآله يقع في مدى التحولات المادية التاريخية، وفي الأفق المنظو وليس البعيدر، والامر ليس بقضية نظرية خيالية. ومن البديهي أن سيناريو انتصار حركة مقاومة شعبية على تحالف قوى عالمي كالولايات المتحدة وحلفاءها، سوف لن يتوج بسقوط العاصمة واشنطن، أو بروكسل (مقر الناتو)، بل النصر يتحقق بعجز القوى الاستعمارية / الإمبريالية من تحقيق ما تريد، وما تريده هو القضاء على جذوة الحرية لدى الشعب وإلحاقه في مخططاتها. وقد تحطمت أكف المتدخلين وتكنولوجيتهم الحربية المتقدمة، من القرع على البوابات الخشبية/الفولاذية لكابل وقندهار وقندوز، وبادروا بهذه اللغة أو تلك بالطلب : رجاء أسمحوا لنا بجمع حوائجنا والفرار ..!  ضاعت مئات المليارات وضحاياهم في الهواء ...وهذا برهان آخر وعبرة أن مصير أي احتلال هو الزوال، وأعوان الاحتلال وأذنابه هو التبخر في الهواء الطلق .....! 

الآن رحل المحتل ... ومن كان يعتقد أن الاحتلال سرمدي تبين أنه جاهل، ومن كان يعتقد أن الشعب يبدل قياداته الوطنية (أي كان صنفها) بحكومة المكدونل والهامبرغر تبين أنه غشيم ...ومن أعتقد أن القتل والتدمير والسجن والاغتيال مفيد، تبين أنه غبي لا يفهم التاريخ .. ثم أن الاحتلال أخذ معه أفضل كلابه من المتعاونين (من غير المعقول أن يأخذهم كلهم)، وترك الباقين لتذروهم الرياح، تحت شعار "هم قبضوا أتعابهم،  والحمار يموت بكروته "، ماذا سيفعل بقية المتعاونين ماذا سيفعلون ..

النظام العملاء الذي أقامه الأمريكان لا يريد أن يصدق أن الحلم انتهى، وهيا انقلعوا إلى الأماكن التي جئتم منها، سائر الناس : البعض منهم سيأتي راكعاً خاضعاً باكياً طالبا السماح والعفو ...وأرجح أن طالبان اليوم، هي غير طالبان قبل 20 عام خلت. التجربة الكبيرة لها دروسها، هناك من لعب دور الخادم والمتملق، والأجير هذا قضيته سهلة ...وهناك من الخونة من تبلغ درجة الصفاقة والوقاحة به درجة عالية، فيريد أن يحجز تذكرة ليشارك في حفل الانتصار ...هذا أيضا قضيته سهلة، وهناك من الخونة من تلطخت أيديهم بدماء الشعب مقابل حفنة دولارات وهذه مسألة فيها نظر، ولكن هناك من الخونة والمتعاونين من يريد أن يتطاول فيناكف الثورة الظافرة المظفرة المنتصرة ولا تعرف ما يريد بالضبط ... سوى إثارة المتاعب وهؤلاء سينالون من يكفي أن يلزموا جحورهم ...

قوى اقليمية هالها أن تكون أفغانستان حرة، فهم يفضلون التعامل مع القوي الذي لا يحترمهم، بدل قوة إقليمية واعدة، ستحاول أن تضع لها موضع قدم، وأن يكون لها في العرس قرص ... هذه ستفشل وتنكفئ خاسئة خاسرة. الروس سينظرون بعين من يترقب الأهوال ... ويترددون بين لعبة الحوار والسياسة، وأستعرض العضلات، مع أنه جرب لغة فرض القوة، والنتائج كانت مأساوية.

سيفوز من أدرك قواعد حركة التاريخ بالعلم والثقافة، أم بالسليقة ... وبالحكم والثقافة الشعبية (جولة الباطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة)  ولم ترهبه قعقعة السلاح ... وسيساهمون في خلق أفاق جديدة لأفغانستان ولعموم المنطقة، وأرجح أن نهاية الاحتلال الأمريكي لأفغانستان سيكون فاتحة لمرحلة جديدة لأفغانستان وللمنطقة، هذه الخطوة الأولى فحسب .....!

 

ـــ خسائر الأمريكان في أفغانستان :

من القتلى / خلال المعارك : 1897 قتيل.

قتلى حوادث : 415 قتيل.

من الجرحى والمعوقين :أكثر من 20,660 جريح ومعاق.

مجموع القتلى 2312 قتيل

حرب استنزاف طيلة 21 عاماً، خسروا خلالها ما بين 800 مليار و3 تريليونات دولار، بحسب مصادر مختلفة، ليقرروا أخيراً الانسحاب منها دون أن يتمكنوا من القضاء على عدوهم الصغير (حركة طالبان).

دمروا أشياء مثل السيارات المدرعة وأكثر من 15000 قطعة أخرى من المعدات التي اعتُبِرَت ملكية زائدة.

تقرير لمجلة Militarytimes الأمريكية بعنوان "الحرب الأفغانية كلفت أكثر من تريلوني دولار أمريكي و240 ألف قتيل"، فصل تلك الفاتورة اعتماداً على تقرير أمريكي رسمي صادر عن وزارتي الدفاع (البنتاغون) والخارجية.

التقرير تكلفة إرسال القوات الأمريكية إلى أفغانستان منذ عام 2001 وحتى نهاية 2020 وأعداد تلك القوات، إضافة إلى الأموال التي أنفقها البنتاغون والخارجية لإدارة الصراع وعلاج ومساعدة العسكريين الأمريكيين الذين أصيبوا هناك، ويخلص التقرير الصادر الجمعة 16 أبريل/نيسان الجاري إلى أن الفاتورة المالية تتخطى حاجز 2 تريليون دولار أمريكي.

وعن تفاصيل الأموال وجد تقرير تكاليف الحرب أن البنتاغون ضخ 933 مليار دولار من خلال صندوق التمويل الطارئ للعمليات العسكرية عبر البحار، بينما باقي المبلغ الضخم جاء في صورة 443 مليار دولار من ميزانية البنتاغون السنوية وزياداتها المخصصة لدعم الحرب في أفغانستان منها 296 مليار دولار لرعاية قدامى المحاربين، إضافة إلى 59 مليار دولار من صندوق التمويل الطارئ الخاص بوزارة الخارجية و530 مليار دولار لتغطية فوائد وأقساط القروض التي حصلت عليها الوزارتان لتغطية نفقات الحرب على مدى 20 عاماً.

ورصد تقرير آخر لهيئة الإذاعة البريطانية BBC تفاصيل أخرى لتلك الفاتورة تمثلت في أنه بحلول عام 2018 بلغ الإنفاق السنوي على القوات الأمريكية في أفغانستان نحو 45 مليار دولار، بحسب ما قاله مسؤول كبير في البنتاغون للكونغرس الأمريكي في ذلك العام، ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان (من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001 وحتى سبتمبر/أيلول من عام 2019) 778 مليار دولار.

ورصد تقرير آخر لهيئة الإذاعة البريطانية BBC تفاصيل أخرى لتلك الفاتورة تمثلت في أنه بحلول عام 2018 بلغ الإنفاق السنوي على القوات الأمريكية في أفغانستان نحو 45 مليار دولار، بحسب ما قاله مسؤول كبير في البنتاغون للكونغرس الأمريكي في ذلك العام، ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان (من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001 وحتى سبتمبر/أيلول من عام 2019) 778 مليار دولار.

 

 

الإعلام البائس

ضرغام الدباغ

من يتمكن من مشاهدة وقراءة الإعلام الأوربي، وخاصة الإعلام المتقدم (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وأسكندنافيا)، وافترض أن وسائط البث والتقاط القنوات الكثيرة بواسطة الصحن تتيح ذلك اليوم بوفرة، فاليوم أجهزة صغيرة الحجم تلتقط ألاف من القنوات بلا صحن (دش)، ويقرأ الصحف بتفحص، يتعلم شيئاً مهماً : كيف تتشكل قناعات الناس ..؟ كيف يؤثر الإعلام على الرأي العام ...؟

الفرد الأوربي حتى الشبان اليافعين منهم، أو الأولاد والصبيان، يتمتعون بشخصية قوية، بقناعات راسخة، لا تتعرض للاهتزاز بسهولة، من خلال تغذية العقول بمواد صيغت بدقة، في المدرسة أولاً، ثم في الثقافة العامة، والإعلام، ثم حتى في البيت الذي لا يلعب إلا دوراً هامشياً، بعقلانية ومنطق محكم، فلا يستطيع مخرف أن يلعب بعقولهم، والإعلام قوي ولابد أن يكون قوياً لكي يتمكن من التأثير على متلقين أذكياء، معظم الجمهور ذكي، والثقافة متجذرة، يتقن أكثر من لغة،  لذلك تعتبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بالغة التأثير على السواد الأعظم من المتلقين.

فالإعلام لكي يخلق جمهوراً متلقياً راقياً، لابد أن يتمتع بدرجة صدقية عالية، وبمستوى عال من الحيادية تقنع المتلقي أن الإعلام لا يحقن فكره بمواد مسمومة مصبوغة بالأوان خادعة، إعلام يريد أن يكسب المتلقي لجانبه، لا أن يغشه اليوم لتنكشف الخدعة غداً، وحينها يفقد المتلقي الثقة بأجهزة الإعلام، وهكذا نجد مجتمعات فيها ورق مطبوع يسمى صحافة، فيها الكثير من الضجيج والصياح والصراخ ويسمى هذا بالراديو، وبث تلفازي لا يستحق مجرد إلقاء نظرة عليه، مقدمين برامج هم أشبه بالمصارعين رياضة الزومو (أحد اللاعبين يقذف خصمه خارج الحلبة). وأحياناً يجاري الضيوف مقدمي البرنامج وينغمسون في حفلة التهريج، والمحصلة لا يمكن المتلقي أن يحصل منها على ثقافة نظيفة، بل دعاية رخيصة بطريقة التهريج.

أنا لا أشاهد التلفاز إلا قليلاً جداً، أجازف أحياناً وأتفرج على القنوات العربية (عبر الانترنيت)، القليل، القليل جداً منها يستحق المشاهدة، لدرجة تصاب باليأس، فخبر واحد تذيعه ثلاث قنوات كل بطريقتها، يستحيل معها أن تعرف الحقيقة كما حدثت، إلا إذا عملت بطريقة أستقرائية تجمع وتطرح وتقاطع، وتستنتج وتكتشف ربما الحقيقة. أما المقابلات ففي معظمها يريد فيها مدير الحوار أن يرغم الضيف ما ينبغي أن يقوله، ثم يريد أن يصبح هو نجم الحلقة، في زمن الظهور على الشاشة، يحاصر ضيفه من هنا، ويدفعه هناك، ويسحبه ثم يضغط عليه ... ما هذا ... حرب شعبية إعلامية .. مقدم البرنامج لا يدع ضيفه يقول رأيه ... بل يريد منه رأياً يتفق مع هواه .. أو مع هوى أصحاب القناة، وأحياناً يعتقد بعض مقدمي البرامج البدائيين أن من الشطارة الإعلامية الضغط على الضيف واستفزازه وإغضابه ليقول ما لا يريد قوله بقصد الإثارة، وتقديم فضائح وإثارات (من أي نوع) للمتلقين، وربما غاية مقدم البرامج هو التسلية وليس تقديم مادة إعلامية / ثقافية.

روي لي صديق إعلامي عمل عشرة سنوات في ال (BBC) التي تعتبر مدرسة إعلامية، والعامل فيها كالذي يتخرج من جامعة عريقة، قال لي، أن مدراء الاقسام يجتمعون بالعاملين يومياً و ويتبادلون وجهات النظر، وهناك قاعدة شهيرة في صياغة الخبر بحيث لا يدعك تعرف (لشدة الحيادية) من صياغة الخبر هوية الاذاعة..! حيادية إلى أقصى درجة، وشحنة عالية جداً من المصداقية والنزاهة. ولكن هل أن المحطات الشهيرة كا (BBC) لا تمارس الغش والكذب نهائياً ..؟

طبعاً هناك توجيه، وهناك لمسة مهنية راقية لا تبدو للمستمع أو المشاهد أو القارئ، بطريقة أنيقة جداً، تحترم ذكاء المتلقي، وتتقبل رفضه، وتواصل محاورته، ونادراً ما يلجأون إلى أكاذيب مبتذلة، ورجل الإعلام متعلم للمهنة وممارسها لفترة طويلة جداً ليصيح شيئاً مذكوراً، ومن بين مئات العاملين يبرز عدد قليل جداً هؤلاء استفادوا من تجاربهم، وتعلموا كثيراً، فصياغة الجملة الإعلامية فن، وكذلك صياغة الخبر الصحفي، وإذا كان مطلوب من الصحفي أو الإعلامي، أن يوجه ويثقف بأتجاه معين، فإنه يفعل ذلك بصبر وذكاء حاد، يحاول بعض كافة جوانب الأمر، ولكنه يركز على الجانب الذي ينبغي عليه الدفع بأتجاهه. لذلك فالإعلام في الدول المتقدمة ذكي، إن مارس الخداع، فيمارسه لطريقة فنية لا يعثر عليها المتلقي إلا الأذكياء المثقفون. فإذا كان الإعلامي مبتذلاً، فمادته ستكون كذلك أيضاً، ولك أن تتخيل نوع وطبيعة الجمهور الذي يتلقى إعلاماً مبتذلاً ... ولن تؤدي هذه العملية إلى ثقافة.....!

نعم هناك عمل دعائي وسياسة اعلامية في أوربا، وأحياناً غسل دماغ المتلقي، ولكن ذلك يجري بطريقة فنية دقيقة، وعلى مستوى عال من الحرفية. معظم مقدمي البرامج العربية، وتركيزاً العراقية بائسون حقاً، يريد أن "يسيطر" على الضيف، يريد أن " يستولي على الشاشة بفضاضة، وإن سمح للضيف بالحديث فيتدخل بصوته كل نصف دقيقة بصوت مجموج  " أهة " كأنه يريد القول " أنا ما زلت هنا ". والمخاشنة بلا داعي، حتى تصل درجة استخدام الفاظ سوقية.

لا أدري أن كان إعلاميونا قد درسوا الإعلام، ولكنهم في جميع الاحوال يخضعون لسياسة صاحب المحطة، فلقاء الراتب الذي يتقاضاه، عليه أن يثبت كل دقيقة أن الأرض مسطحة، ولمن يشعر بالغبن، فإن المتلقي/ المشاهد / القارئ في بلادنا مظلوم، مظلوم جداً، لذلك يلجأ نكاية بقنواتنا الجادة إلى الإعجاب بأغاني هابطة وسخيفة، ورقص مبتذل، والمحصلة النهائية هي، أن من يحترم نفسه لا يشاهد هذه القنوات .. ولكن هناك على أية حال من يتابعها، ولذلك تجد الكثير... الكثير ممن يتحرك وينزل للشارع بإشارة وبغمزة عين .

 وبكلمة واحدة، هذه القنوات (معظمها) لا تساهم في تثقيف المتلقي، ولا إثراء معلوماته .. وهي تدمر الأعصاب ...الله يعين الناس سوء الطقس (الحر) وجور الانظمة، وميليشيات ...قبضايات ...زعران ... شبيحة ...عصابات النظام أو زعماء الطوائف الوالغين بدماء الناس ... هذه جميعها تنتج سمفونية مرعبة من أبشع ما يكون ... وظيفتها الوحيدة هي اضطهاد الناس وتدمير أعصابهم بلا رحمة ..!

 

لماذا خسرت أميركا والغرب

 المعركة في أفغانستان ...؟

 

ضرغام الدباغ

 

بين يدي بحث أقوم بترجمته عن الألمانية، وهو بعنوان " لماذا خسرت ألمانيا الحرب الصاعقة في الاتحاد السوفيتي " (في الحرب العالمية الثانية). وبالطبع التساؤل والبحث لا يدور عن جزئيات الموضوع في بل في مرتكزاته الأساسية، فالخطأ والنتائج الكارثية الكبيرة، غالباً ليس بسبب غلطة أرتكبها جنرال، ولا بطولة قام بها جنرال من الطرف الآخر، بل المشكلة تكمن في جذور الأمر وفي مبادئه واستراتيجيته.

وبهذا المنهج سنقوم ببحث النتيجة المريعة التي بلغتها الولايات المتحدة والتي بها سحبت معها التحالف الغربي بأسره إلى المأزق الذي لا مفر من نتائجه الكارثية، فلنقل بدون تزويق ولا تلوين للكلمات: الهزيمة مرة ساحقة، هزيمة سيكون لها تداعياتها الواسعة النطاق.

التساؤل يبدأ هل كان من الضروري أن تذهب الولايات المتحدة إلى أفغانستان ..؟ هل كان الذهاب للمغامرة الافغانية نتيجة غضب ..؟ أو دفاعاً عن هيبة الولايات المتحدة، أم كان قراراً ينسجم مع السياسة الأمريكية الشاملة، ومثلها كان أرتكب خطأ فيثنام وكمبوديا، ولاوس، وقبلها كوريا، التي ما تزال تمثل جرحاً نازفا للولايات المتحدة، مكلفة سياسياً واقتصاديا وعسكرياً. فالأمر في أفغانستان إذن لم تكن نزوة غضب ..!

الولايات المتحدة عاقبت الشعب الأفغاني بأسره، والاحتلال هو عدوان وإهانة، سوف تلاقي حتماً من يقاومها، والمقاومة وفق القوانين الدولية والوضعية، هو عمل مشروع، والولايات المتحدة اعتمدت فيه كلياً على عنصر واحد فقط: القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة، واستخدامها لمجلس الأمن وفق مشيئتها ...ولا شيئ أكثر من ذلك البتة.

وبناء على هذا الخطأ الجسيم، توالت أخطاء جسيمة أخرى، وانحدرت في لجة من القرارات الخاطئة. والأوربيون أذكياء، أصحاب خبرة طويلة في الحروب الاستعمارية والتوسعية وحروب التدخل، لذا تبينت أطراف أوربية عديدة الخطأ مبكراً وشخصته وتنبأت بهذه النهاية التعيسة، منها فرنسا، وألمانيا الاتحادية، وعبرت عن تشخيصها للخطأ بوسائل ناعمة. نقول ناعمة، لأن الولايات المتحدة تعتبر نفسها ذات دالة كبيرة على أوربا، بسبب دورها المهم الحاسم في الحربين العالميتين (الثانية خاصة) ومن ثم لعبت دور الحارس الأكيد والدرع الحصين لأوربا من اكتساح الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرق لأوربا الغربية. بوصفها العمود الفقري لتحالف الناتو (التحالف بين ضفتي الأطلسي). وكان رفض الذهاب لأفغانستان سيعد نسفا أكيداً لحلف الناتو، وللعلاقات الأمريكية الأوربية. وهذه معركة لم تكن القيادات الأوربية فتح أبوابها مع الولايات المتحدة.

فرنسا ديغول، عبرت بوضوح تام أنها ضد حروب من هذا النوع، ورفض شيراك الحرب على العراق بوضوح تام، ولكنها سايرت الولايات المتحدة في الشأن الأفغاني، وبالطبع دفعت ثمن هذه المسايرة، ومثلها سائر الحلفاء الغربيين. وألمانيا بقيادة غيرهارد شرويدر رفضت الحرب على العراق بوصفها عدوانا واضحاً مخالفا بصراحة للقانون الدولي، ومن يشارك فيها يرحل على ملاكات خرق القانون ونتائجه.

وكنت قد أطلعت عام 2005 على محاضرة ألقاها المستشار الألماني الأسبق هيلموت شمت (27 / فبراير / 2005)، وهو من عباقرة من قادوا ألمانيا في كافة العهود، تحدث فيها هذا الاستراتيجي متشائماً عن مستقبل الغرب، وشخص مبكراً أن هناك قوى سياسية واقتصادية (اقتصادية خاصة)، وعسكرية وسكانية جديدة في العالم ونحن نشهد تغيرات، قد تكون في العقود المقبلة حاسمة، وعبر عن عدم رضاه عن الحلول والأساليب، ومن تلك قوله نقطة جوهرية " أن الولايات المتحدة، ما زالت تمتلك القوة للتدخل في أي بقعة في العالم، ولكنها غير قادرة على حسم الصراعات لصالحها ". وتصلح هذه الجملة لتكون مدخلا لدراسات وبحوث وتأملات في السياسة الدولية وفي ميزان القوى العالمي. وبتقديري أن المستشار الألماني المفكر، توصل بسرعة إلى رؤية العجز وإلى التخبط في زج القوى الحربية في مشكلات يمكن أن يجد العقل البشري حلولاً لها بعيداً عن القتل والتدمير، وأن الولايات المتحدة تمتلك (أو هكذا يفترض) أنها تمتلك القوى الفكرية للتوصل إلى حلول، القنابل والصواريخ ليس من بين وسائلها المعبرة. بمعنى أن بوسعها إشعال الحرائق، ولكن ليس إخمادها  ....!

مشكلة القيادات الغربية، أنهم يتعاملون مع قضايا الشعوب الأخرى، وكأنها معطيات رقمية، يضعوها في ذاكرة الحاسوب، وهذه المعطيات لا تنظر إلى جوانب المنظر وتفاصيله الإنسانية، وبالتالي يتبين خطأ جنرال من لوس أنجلس، يتحدث عن الوضع الاجتماعي في قندهار، وبالتالي وفق المعطيات والحسابات الدفترية، فبرأيه أنه أكثر رقيا من مجتمع قندهار، وقد يكون الأمر مختلفا كلياً. ووفق تسجيلات أمريكية وغربية كثيرة (لدي ملفات تحوي على عشرات التقارير) أن العسكريين الأمريكان يظهرون من سوء التصرف والوحشية ما لا يفعله أي شخص غاطس في التخلف لفوق أذنيه، وأن التحضر ليس تناول المكدونل والهمبرغر، التحضر هو غير هذا تماماً .... أبعد بكثير.. إنها عملية إنسانية ثقافية متكاملة الأبعاد والأهداف. والمجتمع الأمريكي وعقله السياسي والتربوي والثقافي ينقصه الكثير جداً ليبلغ مستوى الأمن والسلام الداخلي، والشاهد على هذا الاحصائيات الأمريكية نفسها.

الأرقام والإحصائيات تشير إلى تزايد الإصابات العقلية لدى الجنود الغربيين، وميلهم الشديد للقتل وإطلاق النار بشكل عشوائي والتلذذ بالتعذيب والقتل والاعتداء الجنسي، وهذه نتيجة مدهشة لمجتمع يفترض أن أفراده يتلقون دراسة ابتدائية والمتوسطة والثانوية، ناهيك عن الجامعية، بمستويات راقية، وإذا بهم يأتون أفعال وحشية تندى لها جبين الإنسانية. ويمارس أفرداه السرقة والتهريب، وغسل الأموال، بما في ذلك سرقة ونهب الآثار والتحف الثمينة، والمصوغات الذهبية، والعملات. لم يعد سراً أن النظام التربوي الأمريكي فاشل، وهذا ما يصرح به علماء أمريكيون بارزون.

وخلاصة هذه التصرفات، أظهرت للناس في أفغانستان، وقبلهم في فيثنام أن ليس لدى هؤلاء ما يجلبوه لنا سوى الخراب والدمار والقتل والنهب، وبهذه النتيجة تم تصنيفهم كوباء يجب التخلص منه مهما كبرت التضحيات. وهذه القناعة مثلت الخطوة الأولى في مسرة الفشل التي أضطر الأمريكان للأعتراف بعد نحو عشرين عاماً أنهم اخطأوا وسينسحبون. اخطأوا في فيثنام وانسحبوا، واخطأوا واعترفوا بأنهم سلموا العراق الرائع في طبق من ذهب للنمل الأبيض الإيراني، ملالي همج متخلفين يسحقون كل شيئ في بلد كان على وشك أن يغدر العالم الثالث ... لماذا ...؟

بين يدي تقارير كثيرة تتحدث عن الخسائر التي تكبدها الأمريكان والغرب في أفغانستان، الخسائر البشرية والمادية، وحتى في المصادر الرصينة منها متناقضة بشكل غريب، ولكن الخسائر في الأرواح بالنسبة للأمريكان لا تقل عن 3 ــ 5 ألف عسكري في أفغانستان، و 4 ــ 5 ألف عسكري من الناتو، أما الخسائر المادية فهي لا تقل عن ترليون دولار في أفغانستان، وعشرات المليارات لبقية دول الناتو أقدرها بين 50 ــ 100 مليار دولار. هذا ناهيك عن أعداد الجرحى والمعوقين ونفقات تشغيل الأنظمة الحربية (معدات، طائرات، سفن ..الخ). هذه الجهود والأموال والضحايا من كل الأطراف لماذا ...؟ ألم يكن بالإمكان استثمار ذلك في نتائج أفضل ..؟ في حرب لم تكن ضرورة حتمية مطلقاً  ...!

وهناك تقارير شبه مؤكدة تشير استناداً إلى معطيات أمريكية، كجمعيات المعاقين، والمحاربين القدماء، وجرحى الحرب، أن الخسائر الأمريكية هي أضعاف ذلك. فلقد ثبت أن الجيوش الأمريكية تستخدم أجانب بصفة جنود على أمل منحهم الجنسية الأمريكية، فإن قتلوا لا تعتبرهم أمريكيين، وهناك قتلى تعتبرهم ضحايا حوادث، كحوادث سقوط الطائرات مثلاً، ناهيك عن استخدام الولايات المتحدة شركات تقوم بالحراسات، والدوريات والقتال كشركة بلاك ووتر مثلاً، ولا تعتبر هؤلاء جنوداً في جيشها، وبالتالي ليسوا في عداد الخسائر الأمريكية. وتسجل لهم هذه البدعة الغير مسبوقة في تجنيد المرتزقة   ..!

الغريب أن الولايات المتحدة والعالم الغربي يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كثيراً، ولكنهم بالمقابل يستخدمون الأسلحة والقتل والاغتيالات، والمال للرشوة والفساد، ويسرقون وينهبون ويقيمون السجون السرية والعلنية ويمارسون التعذيب والتصفيات أكثر من غيرهم ... لماذا ..؟ الولايات المتحدة تقدمت بنظرية العولمة (Globalisation) وفي التطبيقات العملية كانت تعني فقط : دعنا نسرقك، وننهبك، ونحيلك إلى تابع، وإلا فأنت إرهابي تستحق أن نطلق صواريخنا عليك ..!

 

إلى ماذا ستقود مجموع هذه السياسات ..؟ هل ستؤدي إلى إعجاب الشعوب بالمبادئ والمثل الأمريكية ..؟ أم إلى احتقارها ..؟ كم خرج علينا كتاب ومدعي الفكر بلافتات " القوة الناعمة "، ومن هذا الدجل وشعوب العالم تكتوي بنيران صواريخهم .. مخلفة القتلى والجرحى والمعاقين ..! فلينظروا في سجلاتهم كم مواطن يقتل يوميا سواء بإطلاق النار المباشر أو بكسر عظام الرقبة (وهذا منجز بوليسي يسجل بأسم الحضارة البوليسية الأمريكية)، فليذكروا صراحة احصاءات عن الأعتداءات العنصرية ضد ملونين (ضد أصول أفريقية وصينية ويابانية وأسيوية)، فليصرحوا عن الاعتداءات ضد الساميين المسلمين واليهود المسجلة في سجلات البوليس، فليذكروا عدد المنظمات الإرهابية المسلحة التي تستهدف هذه الفئات، بل وحتى بين الطوائف المسيحية ذاتها (بروتستانت، كاثوليك، أرثودوكس شهود يهوة ....الخ)، وبعدها ليخجلوا من اعتبار أنفسهم المدافعين عن حقوق الإنسان، سيفاجأ القراء عندما يعلمون أن عدد هذه المنظمات هي بالمئات، ومن أشهر أعمالهم الإرهابية هو تفجير مركز التجارة العالمي في مدينة أوكلاهوما الأمريكية (19 / نيسان/ 1995) أسفر عن قتل 168 وإصابة 600 آخرين.

العنصرية موجودة في الولايات المتحدة منذ الحقبة الاستعمارية، فقد أُعطي الأمريكيون البيض امتيازات وحقوقاً انحصرت بهم فقط دوناً عن كل الأعراق الأخرى، منح الأمريكيون الأوروبيون (خاصة البروتستانت الأنجلوسكسونيون البيض الأغنياء) امتيازات حصرية في مسائل التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائية طوال التّاريخ الأمريكي. وأقاموا مجتمعا عنصريا أعتدائيا في الداخل، توسعياً في الخارج ... لذلك يندر أن تجد شعبا لم يكتوي بنيران الإمبريالية الأمريكية. لذلك لا أحد يحزن على هزائمها ....!

 

 

قمة الناتو : بروكسل :

حزيران ــ 2021

د. ضرغام الدباغ

تأسس حلف الناتو (North Atlantic Treaty Organization/ NATO)  عام 1949 مؤسسا لمرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين : الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.

يتألف حلف الناتو أو حلف شمال الأطلسي حالياً (وهو تحالف عسكري دولي) من 30 بلد عضو مستقل في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا. (وكان في مرحلة التأسيس يتألف من 12 دولة) وتشارك الآن 21 دولة أخرى في برنامج الشراكة من أجل السلام التابع لمنظمة حلف شمال الأطلسي، مع مشاركة 15 بلدا آخر في برامج الحوار المؤسسي. ورغم أن أسم الحلف يشمل ضفتي الأطلسي، إلا أن الحلف شارك في صراعات ونزاعات وحروب في جميع أرجاء العالم منها  كوريا، وأفغانستان، والعراق. والفقرة الأهم في جدول أعمال لقاء القمة، هو اتخاذ سياسيات وتدابير مشتركة لمواجهة خطر التمدد الصيني.

من المؤكد أن قمة الناتو الأخيرة (14 يونيو/ حزيران 2021 ) هي من أهمم قمم الناتو ما لم تكن أهمها وأخطرها على الإطلاق.كما من البديهي أن اللقاء شهد اجتماعات ثنائية لبحث الكثير من القضايا العالقة  والسعي لخلق فهم موحد حيال قضايا  في أوربا وغيرها والعمل على صياغة موقف موحد أو شبه موحد، وتتطلع الدول أعضاء الحلف إلى تجاوز الخلافات التي دبت في الحلف منذ إدارة الرئيس اوباما بدرجة رئيسية بصعود الصين على الساحة العالمية، والقضايا الأمنية المرتبطة بتغير المناخ، والدفاع الإلكتروني(السبراني)، والتكنولوجيا العسكرية الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يوقع الحلفاء على خطة إصلاح لعام 2030 ويقرروا رسميًا البدء في إصلاح جوهر عقيدتهم الإستراتيجية، والذي كان أخر تحديث أجري عليه في عام 2010. . كما من المتوقع أن يرسل القادة رسالة محددة إلى روسيا، الخصم التقليدي للتحالف العسكري الغربي.

وقد دعا الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ قادة دول الحلف، إلى وضع سياسة مشتركة أقوى لمواجهة الهيمنة المتزايدة للصين.  وقال ستولتنبرغ في مقابلة إعلامية، إن الصين تملك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم وأكبر بحرية وتستثمر بشكل هائل في المعدات العسكرية الحديثة، وهذا "يؤثر على أمننا". وأضاف "الصين لا تشاركنا قيمنا. ونرى ذلك في طريقة قمعها للاحتجاجات الديموقراطية في هونغ كونغ واضطهادها أقليات مثل الأويغور" في غرب الصين، وكذلك في استخدامها التكنولوجيا الحديثة لمراقبة سكانها "بطريقة غير مسبوقة".

وكان قادة مجموعة الدول السبعة قد وجهوا انتقادا حادا للصين على سجلها في حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ المسلم ودعوا إلى الحفاظ على قدر كبير من الحكم الذاتي في هونج كونج وشددوا على أهمية السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، وكلها قضايا في غاية الحساسية لبكين.

وقالت سفارة الصين في لندن إنها مستاءة بشدة وتعارض بكل حزم الإشارات إلى شينجيانغ وهونج كونج وتايوان والتي شوهت الحقائق وفضحت "نوايا شريرة لبضع دول مثل الولايات المتحدة". وأضافت السفارة "سوف ندافع بكل حزم عن سيادتنا الوطنية وأمننا ومصالحنا التنموية ونتصدى بكل حزم لكل أنواع الظلم والتعديات التي تُفرض على الصين".

وأدانت الصين اليوم البيان المشترك الذي أصدره زعماء مجموعة السبع الذي انتقد بكين فيعدد من القضايا ووصفته بأنه تدخل صارخ في الشؤون الداخلية للبلاد وحثت المجموعة على الكف عن التشهير بالصين.

هل باتت الحرب بين الصين والولايات المتحدة وشيكة؟

 وخلص الأمين العام للحلف إلى أن كل هذا "يجعل من المهم لدول حلف الناتو، تطوير سياسة تجاه هذه التحديات وأيضا تعزيز سياستنا عندما يتعلق الأمر بالصين". و أنّ من المهم للدول الأخرى أن تتعامل مع الصين بشأن المشكلات المشتركة مثل التغير المناخي والحد من التسلح.  وكذلك حيال أحتجاز السلطات الصينية لمواطنين كندين بتهمة التجسس، وتعتبر أوتاوا احتجاز الرجلين بأنه "تعسفي" وانتقاما لاعتقال كندا مسؤولة تنفيذية في شركة هواوي الصينية العملاقة للاتصالات بناء على طلب من الولايات المتحدة.

 

وكان هناك من يتوقع أن ينتهي حلف الناتو لانتفاء الضرورة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ولكن الولايات المتحدة، تجد في أي بقعة في العالم مصالح لها، وينبغي الدفاع عن هذه المصالح بالقوة المسلحة، لتضمن بذلك الولايات المتحدة الموقع القيادي الريادي في العالم، ومع متابعة تطورات العلاقات الأمريكية الصينية، إذ يبدو أن صراع النفوذ بين العملاقين وحلفائهما قد دخل مرحلة اصطفاف جديدة تعترضها عقبات مهمة أولها اقتصادية. وفي المرحلة الراهنة تعتبر الولايات المتحدة أن صراع النفوذ بين القوى الغربية والصين قد دخل مرحلة اصطفاف جديدة تستحق وقفة استراتيجية حيالها.

يعمل الرئيس جو بايدن إلى تغيير الأولويات الاستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية، كما ظهر ذلك بمناسبة أولى جولاته الأوروبية، بتأكيده أن روسيا لم تعد منافسا مباشرا لواشنطن، مصنفا إياها كلاعب ثانوي بالمقارنة مع ما يعتبره صعودا مقلقا للقوة الصينية على الصعيد العالمي.، بمعنى أنها (الولايات المتحدة)، لا ترى فيها تهديداً لدورها كقوة عالمية. وبذلك سيسعى بايدن إلى وقف تدهور، وترميم العلاقات الأمريكية الروسية ودرء خطر نشوب صراع نووي. وقال بايدن بعد اجتماعه مع بوتين إن روسيا " تستميت كي تظل قوة كبرى". وأضاف قبل أن يستقل طائرته الرئاسية عائدا من جنيف "روسيا في وضع صعب للغاية الآن. الصين تُضيق عليها بشدة".

وذهبت صحيفة " tagesanzeiger" السويسرية (16 يونيو/ حزيران 2021) في نفس الاتجاه معلقة بشأن اجتماع جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف "على عكس الصين، لم تعد الولايات المتحدة تنظر إلى روسيا على أنها خصم استراتيجي جاد، وبالتأكيد ليس كمنافس اقتصادي، ولكنها تنظر إلى روسيا كعامل تخريبي. وهي تسعى إلى بناء "علاقة مستقرة معها يمكن التنبؤ بمسارها"، كما يقال في واشنطن.

وهذا معناه أن على روسيا التوقف عن إثارة المشاكل، حتى لو لم تعد تشكل تهديدًا وجوديًا من وجهة نظر واشنطن، فإن هذا لا يغير حقيقة أن موسكو لا تزال تُعتبر خصمًا سياسيًا وربما أيضًا عسكريًا. وهذه الإشارات الخاطئة في جنيف يمكن أن تؤدي إلى سوء فهم خطير. هناك ما يكفي من بؤر الصراع في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى حيث يتواجه الروس والأمريكيون بشكل خطير وحيث التصعيد محتمل دائما".

الناتو يرص الصفوف في مواجهة الصين

وعبر أعضاء حلف شمال الأطلسي في بيان لهم (14 يونيو/حزيران) إن "طموحات الصين المعلنة وسلوكها المتواصل تشكل تحدّيات لأسس النظام الدولي المستند إلى قواعد، وفي مجالات لها أهميتها بالنسبة إلى أمن الحلف". غير أن الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ أكد في الوق ذاته أنّ "الصين ليست خصمنا أو عدوّنا. لكن علينا أن نواجه التحديات التي تطرحها الصين على أمننا (..) نلاحظ أن روسيا والصين تتعاونان بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد العسكري. وهذا يمثل بعدا جديدا وتحديا جديا للحلف الأطلسي".

ولكن صحيفة (jungewelt) البرلينية اليسارية (16 يونيو/حزيران) انتقدت التوجه الجديد للسياسية الأمريكية وكتبت "لا يمكن للأمر أن يكون غير ذلك "أمريكا أولاً" ليس شعار تحتكره الأوليغارشية الرجعية فقط، وإنما هو شعار قوة عظمى تحاول وقف اندحارها، إذ قال بايدن قبل بضعة أيام "نحن في منافسة من أجل النصر في القرن الحادي والعشرين"، وقد تم بالفعل إطلاق الشرارة الأولى (لهذه المنافسة) إن التنافس المتصاعد على النفوذ العالمي لا يترك مجالًا لتقديم تنازلات لحلفاء الولايات المتحدة. تأثر المصالح الأمريكية ولو بشكل طفيف، الوحدة موجودة فقط على شكل تحالف مفتوح ضد الصين، وبشروط القوة العظمى(الولايات المتحدة) التي بدأت في التراجع. هذا هو أساس التحالف عبر الأطلسي اليوم".

 

رد فعل الصين على تصنيفها كمتحدي استراتيجي للناتو

رد فعل بكين لم يتأخر، إذ سارعت إلى اتهام دول حلف شمال الأطلسي بنهج عقلية "الحرب الباردة وسياسة التكتل" على حد تعبير البعثة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل. وأضافت أن "الصين ملتزمة بسياسة عسكرية، ذات طبيعة دفاعية. وسعينا للتحديث الدفاعي والعسكري مبرر ومعقول ومنفتح وشفاف". ودعت دول الحلف إلى التوقف عن المبالغة "في نظريةالتهديد الصيني".

أما وزارة الخارجية الصينية / بكين، فقد  أعربت عن عدم فهمها، واتهمت حلف الناتو بتطبيق "معايير مزدوجة" من حيث مطالبة الدول الأعضاء في الحلف زيادة إنفاقها العسكري. ومع ذلك، أشارت الخارجية إلى أن الصين تتعرض لانتقادات بسبب إنفاقها العسكري الذي لا تتجاوز قيمته 1.3 % من إجمالي ناتجها المحلي. وأضافت أن الصين لا تمثل تحديا ممنهجا لأحد، إلا أنها مصممة على حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية. وجدير بالذكر أن الأنفاق العسكري لدول الناتو يفوق كثيراً حجم الانفاق الصيني.

"الصحيفة الألمانية (frankfurter allgemeine) (16 يونيو/حزيران) لخصت مقال رأي نشر في صحيفة "بكين نيوز" التابعة للحزب الشيوعي الصيني. وكتبت الصحيفة الألمانية أن "أجهزة الدعاية الصينية رافقت رحلة جو بايدن إلى أوروبا برسالة باتت معروفة الآن، تتعلق باندحار مزعوم للغرب وصعود الشرق. وفي مقال رأي في الصحيفة الصينية، وصف عالم اجتماع صيني بارز مجموعة دول السبع على أنها "غسق سقوط القوة الغربية".

حرب باردة ـ دور أوروبا في مواجهة الصعود الصيني

مع استمرار توسع مبادرة طريق الحرير والتنامي المطرد للقدرات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية للصين، فإن التصادم مع القوة الأمريكية، مبرمج (مرجح / محتم) بالضرورة في عدد من الجبهات في العالم. ومن كان يعتقد أن الحرب التجارية التي أعلنها دونالد ترامب مجرد نزوة رئيس متقلب المزاج، فهو واهم. فقد بات صناع القرار في الولايات لمتحدة على وعي تام بالتحدي الإستراتيجي الذي تشكله القوة الصينية بالنسبة للهيمنة الغربية على العالم.

وفي هذا الصراع ستحتاج الولايات المتحدة إلى شبكة قوية من الحلفاء والشركاء للمساعدة في توفير التوازن مع صعود بكين، كما كان عليه الأمر إبان الحرب الباردة مع المعسكر السوفييتي. وبات الغرب يرى أن الصين تعمل  على إعادة تشكيل النظام العالمي بأسلوب من شأنه إلحاق الضرر بالمصالح الحيوية للقوى الغربية، قد يعزز نموذج الدولة المستبدة ويضر بالديموقراطيات ودورها في العالم.

وكما في الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي، تبدو الكتلة الأوروبية سواء من حيث ثقلها البشري والعسكري والسياسي الحليف الأقرب الذي يتقاسم مع الولايات المتحدة نفس القيم، في وقت تسعى فيه الصين بدورها لبناء تكتل اجتذبت إليه روسيا وإيران.(وهي دولة باطنية: تظهر غير ما تبطن) على المستوى العسكري تحول بحر الصين الجنوبي إلى ساحة مواجهة بين واشنطن وبكين، حيث تدعي الأخيرة سيادتها البحرية عليه.

وقد تعهدت ألمانيا وفرنسا بدعم الأمريكيين لضمان حرية الملاحة البحرية هناك. كما تعمل واشنطن على دعم حلفائها في المنطقة (أستراليا والهند واليابان). أما على الصعيد الاقتصادي، فالعنصر الأساسي للتحالف الأمريكي الأوروبي في مواجهة الصين، يرتبط بمدى قدرة كل من الولايات المتحدة وأوروبا على تنسيق مواقفهما بشأن التجارة والتكنولوجيا.

التحالف ضد الصين ـ أوروبا وألمانيا في فخ بايدن!

اتفق الرؤساء الأمريكيون على تقسيم العالم إلى خير وشر حسب المصالح العليا لبلدهم، فجورج بوش الإبن كان يتحدث عن "محور الشر" كانت إيران وكوريا الشمالية ركناه الأساسيان، فيما فضل دونالد ترامب مقولة "أمريكا أولا" وها هو جو بايدن يؤسس لحرب باردة جديدة تلعب فيها الصين دور العدو الإستراتيجي، حيث رسم ملامح عالم يقوم على منافسة منهجية بين القوى الغربية الحليفة وجمهورية الصين الأوتوقراطية تحت شعار "أمريكا عادت".

ورغم أن بايدن، وخلافا لسلفه ترامب، يرى في الأوروبيين حلفاء وليس منافسين، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل من مصلحة ألمانيا وأوروبا الدخول في حرب اقتصادية ضد الصين؟ فإذا كانت أوروبا تتقاسم قيما مشتركة مع الحليف الأمريكي، فإن مصالحهما الاقتصادية مختلفة أحيانا حينما يتعلق الأمر بالصين.

وبهذا الصدد كتبت مجلة (Spiegel online) الألمانية(12 يونيو/حزيران) "يظهر الحساب الجاري للولايات المتحدة الأمريكية مع الجمهورية الشعبية عجزًا كبيرا، في حين أن الحسابات الجارية لأوروبا وألمانيا متوازنة أو إيجابية. ينظر الأمريكيون إلى الصين باعتبارها منافسًا عسكريًا وتكنولوجيًا، وبالنسبة للأوروبيين، فإن الصين تمثل سوق نمو ضخم بالنسبة لشركات الهندسة الميكانيكية والكيميائية والسيارات، حقيقة تبدو أكثر جلاء في زمن ما بعد كورونا.

أولئك الذين يسعون لعزل بكين اقتصاديًا رغم هذه الحقائق، كما يخطط البعض في الولايات المتحدة، يتحدثون عن صراع تجاري يجب على برلين وبروكسل على وجه الخصوص خوضه". وفي هذا السياق دعت المستشارة أنغيلا ميركل حلفاءها في "ناتو" إلى الحفاظ على التوازن فيما يتعلق بتعامله مع الصين في سعيه لمواجهة تنامي القوة العسكرية لبكين، رغم أنها أكدت بدورها أن التعامل مع روسيا والصعود الصيني ومنطقة المحيطين الهندي والهادي تمثل التحديات المركزية التي تواجه الناتو.

أعرب قادة دول حلف الناتو عن قلقهم حيال طموحات الصين والتهديد المتنامي لترسانة روسيا العسكرية، ونددوا بـ"تكثيف الأنشطة الهجينة" والتضليل، مؤكدين على خطر التهديدات السبرانية والإرهاب بكل أشكاله، والتزموا بدعم أفغانستان.

طموحات الصين المعلنة وسلوكها المتواصل  تشكل تحديات لأسس النظام الدولي المستند إلى قواعد، وفي مجالات لها أهميتها بالنسبة إلى أمن الحلف"، معربين عن قلقهم إزاء "السياسات القمعية" لبكين.وأضاف البيان أن "الصين تعزز بشكل سريع ترسانتها النووية وتستحوذ على عدد كبير من الرؤوس الحربية والنواقل المتطوّرة من أجل التوصل إلى الثالوث النووي".

والثالوث النووي مصطلح يشير إلى طرق إطلاق الأسلحة النووية من الترسانة الاستراتيجية والتي تتألف من ثلاثة مكونات، قاذفة قنابل استراتيجية، صاروخ بالستي عابر للقارات، صواريخ بالستية تطلق من الغواصات. وتابع البيان أن الصين "تتعاون عسكريا أيضا مع روسيا خصوصا من خلال المشاركة في تدريبات روسية في المنطقة الأوروبية-الأطلسية".

يشار أيضا إلى أن حلف الناتو بحث قضية أخرى مهمة وهي انسحاب الناتو الجاري حاليا من أفغانستان بعد 20 عامًا تقريبًا من الغزو الأمريكي على خلفية هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. وفي الوقت الذي يتعين فيه على حلفاء الناتو مواصلة التمويل والدعم الأمني والمدني، فإن طبيعة التعاون المستقبلي مع السلطات الأفغانية لم تتقرر بعد. ويتزامن الانسحاب، المقرر استكماله في وقت لاحق من العام الجاري، مع زيادة نزيف الدماء في أفغانستان، واستعادة حركة طالبان الإسلامية المتشددة السيطرة على المزيد من الأراضي. وأبدت تركيا استعدادها لحماية مطار كابول بعد انسحاب القوات المتحالفة.

تريد الولايات المتحدة أن تفرض رؤيتها (الانفتاح أو التشدد) بحسب مصالحها ورؤيتها للموقف، فتقود الدول الحليفة والصدقة  إلى سياسة فرض العقوبات أو المقاطعة، أو الحرب الاقتصادية، أو الحرب الباردة، وتصعيداً إلى الحرب مع الصين، أو مع من تشاء وترتأي .. والأوربيون لا يمتلكون ذات المصالح وذات الرؤية، وهم (الأوربيون) يعتقدون أن أعقد المشاكل وأصعبها، يمكن حلها بالوسائل الدبلوماسية، وأن التنافس التجاري هو أمر مشروع، والأوربيون لا يعانون في هذا أي مشكلة مع الصين.

ملاحظة أخيرة نقولها لمن يتابع الشؤون الأمريكية. هناك من يعتقد أن الجمهوريون هواة حروب ومشعلوا حرائق، نعم هذا صحيح ... ولكن بايدن الديمقراطي الآن يحمل مشعل الحرائق ويطوف على البؤر لإشعالها .. فهذا يعني أن الديمقراطيون أيضا مشعلو حرائق بدرجة لا تقل عن أشقائهم الجمهوريون .. فكلهم في الإمبريالية والعدوان سوا ...!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصادر البحث: مواقع رسمية، ومطلعة

 

المركز العربي الألماني

برلين

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

القمة الروسية الأمريكية

 جنيف: 16 / حزيران / 2021

 

د. ضرغام الدباغ

 

في واحدة من أهمم القمم الروسية / الأمريكية، كان لقاء الرئيسان بوتين وبايدن في مدينة جنيف / سويسرا (26/ حزيران / 2021). في لقاء أستغرق لمدة أربع ساعات.

 

وكان الطرفان: الروسي والأمريكي قد عبرا بوضوح، أن العلاقات بين البلدين هي في أدنى مستوياتها، وغير ذلك، القضايا الخلافية كثيرة ويبدو أن المناقشات ستكون شاقة وحادة خصوصاً بشأن أوكرانيا وبيلاروسيا. وابتداء لم يكن أي من الرئيسان قد تنبأ أو تفاءل بنجاح اللقاء، ونجاح اللقاء يعني التوصل إلى تفاهمات أولية حول الملفات العديدة المطروحة وهي على كثرتها وتعددها إلا أن يمكن تشخيص أبرز تلك الملفات الساخنة:

 

السجال الاستراتيجي مع الصين.

في هذا المجال سيسعى الرئيس بايدن، إلى فك، أو إرخاء (حلحلة) أو تخفيف قوة التحالف الصيني الروسي، وإن كان  ذلك مستبعداً، ولكن السياسة لا تعرف المستحيل، وإخفاق هذه المساعي تدل على متانة التحالف  الصيني / الروسي، من جهة، وضعف الموقف الأمريكي/الغربي من جهة أخرى. ودون شك فإن الروس والصينيين لديهم مؤشراتهم الدقيقة، التي يؤسسون مواقفهم بموجبها. وبتلك المناسبة، عبّر وزير خارجية الصين عن استعداد بلاده لرفع  العلاقات مع موسكو إلى مستويات أكثر عمقاً وأكثر شمولاً في الفترة المقبلة، كما رد نظيره الروسي متجاوباً، بالتأكيد على أن "موسكو وبكين مساندان دائمان لتشكيل نظام عالمي أكثر عدالة وديمقراطية وبالتالي أكثر استقراراً وتعددية من النظام الحالي ".

 

حول قضية أوكرانيا والقرم.

يتمسك الروس بأتفاق كان إحدى قواعد إنهاء الحرب الباردة، هو عدم انضمام أي دولة من دول الاتحاد السوفيتي إلى حلف الناتو، وتمسك الروسي بهذه الفقرة له أساسه القانوني. وفي اللقاء أكد الرئيس بوتين على موقفه بهذا الصدد. وبالنسبة للقرم ليس هناك ما يمكن التفاوض بشأنه.

 

اتفاقية ستارت للأسلحة النووية والصواريخ البالستية:

       التقت رغبة الطرفان بتمديد العمل بالاتفاقية لمدة 5 سنوات جديدة. وكانت الولايات المتحدة وروسيا، قد مددتا معاهدة نيوستارت لنزع السلاح لخمسة أعوام بداية شباط . المعاهدة التي كانت قد وقعت عام 2010 وتنص على الحد من ترسانتي الأسلحة لدى البلدين بحيث لا تتجاوز الواحدة منهما 1550 رأسا، ما يعني خفضا تناهز نسبته 30% مقارنة بالسقف السابق الذي حدد العام 2002.

 

بصدد الهجمات السبرانية: 

يعتبر الروس أن الولايات المتحدة تتهم جزافاً دون تقدبم أدلة مع أن حجم الاختراقات والقرصنة الالكترونية عالمياً، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى تليها كندا، وبريطانيا بالمرتبة الثالثة.. ومع ذلك أتفق الطرفان على ضرورة الأمن الالكتروني في تعاون مشترك وتدابير لاحقة. تُعتبر إحدى أكثر القضايا حساسية، المعلومات المضللة عبر الإنترنت والهجمات الإلكترونية، بمعزل عن محاولة التدخل في انتخابات 2016 لمصلحة ترامب، أزعجت الهجمات الإلكترونية الهائلة واشنطن مؤخراً نُسب إلى موسكو العديد من هذه الهجمات، التي كان بين أهدافها مجموعات "سولار ويندوز" إلى "كولونيال بايبلاينز" و"جي بي إس"، أو إلى مجموعات من القراصنة المتمركزين في روسيا.

من جانبها، تنفي روسيا ذلك وتتهم بدورها واشنطن بالتدخل في شؤونها عبر دعم المعارضة أو تمويل منظمات ووسائل إعلام تنتقد الكرملين.

 

بصدد سوريا:

ليس للولايات المتحدة موقف محدد بل تخبط بين عدة خيارات. من جهة تريد أن تعرقل عمل الروس، وتريد خلق مشاكل لتركيا، كما تريد أن تواصل استخدام الأكراد في ألعابها !

 

عودة العلاقات الدبلوماسية والسفراء: 

تم الاتفاق عليها والقضية الآن إجرائية.

 

الموقف حيال الصين:

الموقف الروسي واضح: الصين جارة لنا، لنا حدود بحرية وبرية طويلة معها، ولا نرى في ما تقوم به ما يضر أمننا. ولا يمكن لأحد أن يصدر هواجسه لنا. وأن التسليح الروسي ما يزال أقل من مستحقات دولة ذات مساحة شاسعة وسكان يربو على المليار ونصف.

 

حول الأنشطة الروسية في القطب الشمالي:

هي أنشطة إنسانية وعلمية بحثية وهناك هيئة دولية للعمل في القطب الشمالي تعمل روسيا من خلالها.

 

التخبط في الأنشطة:

الولايات المتحدة تتخبط وتتهم الآخرين، فأنتم من تخبط في ليبيا، وأفغانستان، الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى.

 

عسكرة الفضاء:

الروس ضد العسكرة وزيادة مستوى التسلح في كل مكان في الفضاء وفي القطب الشمالي، وفي الأسلحة النووية والصواريخ.

 

تبادل السجناء:

الروس مستعدون لتبادل السجناء وعقد اتفاقية لتبادل السجناء.

 

قضايا حقوق الإنسان:

الولايات المتحدة ترى في إجراءات روسيا في حفظ الأمن الداخلي وفق القوانين، خرق لحقوق الإنسان، وهناك قانون الأمن هو من يحكم في هذه القضايا كما في الولايات المتحدة ذاتها. كذلك فإن اعتقال روسيا للمعارض الروسي البارز لبوتين، أليكسي نافالني، تسبب بانتقاد واشنطن لموسكو، وكان بايدن قد حذر قبل القمة مع بوتين من احتمال وفاة نافالني وقال: "سيكون ذلك مأساة". 

 

دعم القوى المعادية:

صنفت الولايات المتحدة روسيا، ك "دولة عدوة" وتعلن واشنطن دعم تنظيمات سياسية معارضة في روسيا، وغيرها.

 

متابعة اللقاء:

لم يجر تبادل للدعوات بين الجانبين، بل ترك المجال لوزارات الخارجية للمتابعة. اتفق الرئيسان الأمريكي بايدن والروسي بوتين في القمة التي جمعتهما في جنيف على استئناف محادثات الحد من التسلح وعودة سفيري البلدين بعد سحبهما في وقت سابق. الرئيسان قالا إن الاجتماع بينهما كان بناء وخلا من المشاعر العدائية.

 

بيلاروسيا:

دافع الرئيس بوتبن عن موف حليفه بيلاروسيا، بالحجة والمنطق. قائد الطائرة الايرلندية تلقى إبلاغاً بوجود قنبلة على متن الطائرة، واتخذ قراره بالهبوط في عاصمة بيلاروسيا مينسك. وسلطات بيلاروسيا ألقت القبض على مطلوب على متنها، والأمر ليس بدرجة سوء إرغام السلطات النمساوية هبوط طائرة رئيس فنزويلا (2013) وتفتيشها بطلب أمريكي.

 

مثير للدهشة، أن تكون إدارة سياسية بحجم الإدارة الأمريكية تبني موقفها حيال دولة عظمى أخرى بناء على اتهامات غير دقيقة، وباطلة أحياناً، فالإدارة الأمريكية تريد فرض تصورها التام للأمور وردود الأفعال على مقاييسها ووفق فهمها وتقديرها، ترى كيف سيكون الحال مع دول صغيرة أو لا قدرة لها على مواجهة الولايات المتحدة.

 

بتقديرنا إذا لم يكن بالإمكان وصف لقاء القمة بالنجاح،(وهو لم يكن ناجحاً)، إلا أنه نجح في إزالة ركام من الجليد على العلاقات، وبرود وتراجع في مستوى العلاقات أستغرق لسنوات، واللقاء فتح الأبواب للقاءات أخرى بين وفود بدرجات الخبراء والفنيين.

 

الأمريكيون ليسوا في وارد توسيع جبهة الخصوم (الأعداء)، لذلك حضروا لقاء القمة وفي نيتهم إزالة ركام من الجمود والتكلس في العلاقات، ومحاولة تحييد الروس أو تخفيف تحالفهم مع الصين، لذلك نرجح أن اللقاء كان مفيداً للروس بصفة عامة، وسيواصلون (قدر الامكان) الوجود في سورية، والتواجد الخفيف في ليبيا، والعلاقات الآخذة بالتطور مع مصر، والجزائر، والسعودية، وعلاقات تفاهم مع تركيا يتيح لها تواجدا في البحر المتوسط .

 

الروس يفهمون الأوربيين بدرجة جيدة جداً، وقادرون على التعايش معهم، إلا أن تأثيرات الولايات المتحدة في أوربا ليست بسيطة، لذلك ينبغي إبداء المرونة حيناً، والشدة حيناً آخر ..

 

بالطبع الروس سوف لن يفكوا تحالفهم مع الصين، فهم يدركون قوة المستقبل ويراهنون على الضعف المتواصل للولايات المتحدة، وتفاقم تناقضاتها الداخلية والخارجية، بما في ذلك مع حلفاؤها. والروس يجيدون فنون المناورة في خطوط الجبهة، وفي الخطوط العرضية ويجيدون حساب عناصر القوة والضعف.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

https://www.youtube.com/watch?v=1wUAuwzd53c

المؤتمر الصحفي للرئيس بوتين

https://www.youtube.com/watch?v=feSjFTxbIUs

مقابلة الرئيس بوتين مع القناة الأمريكية

 

المركز العربي الألماني

برلين

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

ظواهر الهزيمة

 على المسرح وكواليسه

 

د. ضرغام الدباغ

 

 

تتألف العملية المسرحية من أربعة عناصر رئيسية: النص والمخرج والممثلون ثم المشاهدون، وتدور عمليات غير سهلة من تدريبات شاقة وحفظ للنص، ثم يلعب الديكور وحجم إضاءة المسرح وعناصر مساعدة عديدة ثم يقدم العمل بصيغته النهائية للجمهور بعد تفاعل العناصر الثلاثة الأولى، ويجهل الجمهور (على الأغلب) تعقيدات ومشاق ما جرى تحضيره خلف الكواليس. أما مسرح السياسة فلا يختلف كثيراً(شكلاً)، فهناك (بشكل رئيسي) مسرح يطل على الرأي العام، وعمل كثير خلف الكواليس، ومؤامرات ودسائس ولا يشاهد الجمهور من العمل إلا ذلك الجزء الذي يريد المخرج إظهاره، والممثلون يجتهدون في تقديم أدوارهم، وربما يخرجون عن النص، وفي السياسة كما في التمثيل ينال الممثل سخط المخرج، أو رضاه وحبوره إن كان الخروج عن النص مفيداً.

 

اليوم تدور في حلف الناتو بوصفه الأداة الرئيسية لتنفيذ المصالح السياسية بالقوة المسلحة (هذا هو جوهر الأمر) محادثات وترى المسؤولين أما عدسات التلفزة يحملون حقائبهم ويمضون مسرعين وهم لا يفضلون الأضواء، يجتمعون لساعات طويلة، ويخرجون بتوصيات لقادتهم، غالباً ما تتضمن عمليات جراحية دموية (Bloody Operation) هنا أو هناك من هذا العالم المنهك المثخن بجراح الأقوياء المهذبين، الذين يتحولون إلى وحوش كاسرة، آكلين للحوم البشر عندما يجرأ طرف ضعيف على مخالفة مصالحهم.

 

قرأت في مجلة فوكوس الألمانية (Fucus) في مطلع التسعينات، مقابلة أجراها محرر المجلة مع الجنرال، ثم وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، ألكسندر هيغ Alexander) Haig) قائد عام قوات حلف الناتو للفترة من 1974 إلى 1979، شغل منصب وزير الخارجية من 22 يناير 1981 إلى 5 يوليو 1982 في عهد الرئيس رونالد ريغان. وقبل ذلك كان قد شغل منصب المعاون العسكري لهنري كيسنجر الذي كان مستشاراً للأمن القومي في عهد ريتشارد نيكسون.

 

والجنرال هيغ، لم يكن أول جنرال يتولي منصب وزير الخارجية، وسوف لن يكون آخرهم: فقبله كان الجنرال حورج مارشال قد تولى وزارة الخارجية الاميركية 1947، وبعده تولى الجنرال كولن باول هذه الوظيفة، ومن المؤكد أن للأمر مغزاه في بلد لا يفتقر لدبلوماسيين محترفين، الجنرال مارشال تولى الخارجية بعيد الحرب العالمية الثانية مباشرة لاستثمار ما تم حصاده في جبهات القتال، وتولاها هيغ في ذروة المواجهة الباردة وبرنامج ريغان لحرب النجوم، أما الجنرال كولن باول، فلاستثمار وحصد انتصارات إمبريالية العولمة، وشؤون الحروب العدوانية.

 

وليس مصادفة أن الجنرالات الثلاثة لم يكن حظهم جيداً في العمل، فجورج مارشال استقال بعد سنتين لأسباب صحية(مرض عقلي)، ومثله فعل الجنرال هيغ إذ استقال بعد سنتين أيضاً، أما أتعسهم حظاً فكان كولن باول، فسيرته العسكرية غير مشرفة منذ أن قاتل في فيثنام، وختمها في حرب العراق، أما كوزير للخارجية فأشتهر بتلك اللقطة التي تصلح لأفلام هوليود عندما أمسك بأمبولة أصغر من عقدة الإصبع، وخاطب مجلس الأمن يختلق ذريعة العدوان: ايها السادة هذه هي أسلحة الدمار الشامل العراقية، فغدا أضحوكة للتاريخ، ثم أعترف بنفسه فيما بعد أن تلك كانت أسوء لحظة في عمره فأحترق، وكم من الأشخاص حرق العراق.....!

 

الشيئ بالشيئ يذكر، لنعد لأكسندر هيغ. يسأل الصحفي الألماني هيغ سؤالاً منطقياً، ما هي مبررات وجود حلف الناتو بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو ؟ .. الوزير والجنرال الذي لم يكن على قدر هذا السؤال المعقد والذي يحتاج لدهاء في الإجابة، رد ببساطة: أن الولايات المتحدة تحتاج دائماً إلى ما يبقي المبرر للتحالف الغربي على ضفتي الأطلسي بقيادتها طبعاً. تلك إجابة يفهم منها، أن الولايات المتحدة ستسوق دول التحالف في صراعات مسلحة وحروب دونكيشوتية، ولأنها حروب أعتدائية غير مقنعة، فأن رائحة الهزيمة تفوح منها حتى قبل بدئها. لنتذكر مقولة القائد صدام حسين عندما قال أن أمريكا ستسقط إن هي أعتدت على العراق سقوطاً مدوياً لا قيام بعده تتدحرج إلى أن تصل إلى القاع، وكانت رؤية ثاقبة قائمة على الرؤية الاستراتيجية بالطبع.

 

وبالأمس فقط (17/ أكتوبر/ 2010) صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة كلينتون: انه يتعين "الحفاظ" على حلف شمال الاطلسي (ناتو) كما هو " كانجح" تحالف دفاعي "في تاريخ العالم".

 

وباختصار أن الأمريكان وحلفائها مقبلون على هزيمة نكراء جميعهم من أقصاهم إلى أدناهم، تصبح أمامها كارثة فيثنام نزهة فحسب. إليكم التفاصيل.

 

* الولايات المتحدة وبعد أحداث 11/ سبتمبر دعا الصقور فيها تفعيل مخططات لا بد وأن تكون قد وضعت خطة بعناية بالغة قبل سنوات طويلة(ربما من أواسط السبعينات ـ احتلال منابع النفط)، كانت قد باشرت بعض صفحاتها بإسقاط نظام الشاه برعايتها، وإيصال الملالي للحكم، ثم الحرب العراقية / الإيرانية، تتدخل سياسياً، ثم اقتصادياً، ثم عسكرياً حسب اقتضاء الموقف والحاجة للتدخل، وفي حالات أخرى، تحرك وكلائها في توتير للأوضاع وتصعيد في الموقف، وتحرشات عسكرية فالحروب بالنيابة Proxy wars    مصطلح معروف في علم السياسة إلى جانب الخيارات السياسية / الاقتصادية / العسكرية. 

 

* لما فشلت إيران في أهدافها ضد العراق، تولت الولايات المتحدة بنفسها إزاحة (الخطر العراقي)، وحركت عناصرها هنا وهناك في المنطقة لتطبخ أزمة الخليج، وصولاً إلى اشتراكها بقواتها المسلحة في احتلال بلد دون مسوغات قانونية للحرب.

 

* أميركا شربت كأس الهزيمة المرة في العراق، نعم يحاول حلفاؤها وعملاؤها التغطية على ذلك، بالانسحاب من المدن، ثم إعادة الانتشار، نعم أنهم يتسترون بذكاء على خسائرهم في الأرواح والمعدات، ولكنهم يعلمون أنهم هزموا، وهناك دائماً رقم يقفز دون رقيب من هنا أو هناك، ومعلومة مفيدة تفر من أفواه قائليها،  يدعون أن لا علاقة لهم ببلاك ووتر، ولكننا نعلم، وهم يعلمون بأننا نعلم، والكل يعلم أن ليس هناك من هو ساذج وغبي غيرهم، والقتل والتدمير ليس علامة ذكاء أو تحضر.

 

* يقوم موقع (ويكيليكس) بتنظيف مسرح الجريمة، فضائح لا نراها بعيداً عن نفوذ أجهزة الاستخبارات الغربية (الولايات المتحدة وبريطانيا) بنشر وثائق فذرة عن الحرب، تسريب تحت السيطرة والهدف هو تنظيف مسرح الجريمة وتهيئة مناخ الانسحاب والهزيمة، هم أبطال المسرحية ومخرجوها يعرفون كيف يخرجون أنفسهم من هذا المأزق، ولكن الويل للممثلين الكومبارس(ممثلين الأدوار الصغيرة والتافهة) فسيكون الحساب معهم عسير دون ريب.

 

* العسكريون يصعب عليهم تقليدياً الإقرار بالهزيمة، ولكن عساكر أميركا يقرون بالهزيمة جهاراً نهاراً، وليس هم لوحدهم، بل حتى عسكريو حلفائهم، بأن من العبث إلقاء أرواح بشر في محارق هندكوش أفغانستان لمجرد الحفاظ على هيبة كاذبة.

 

* من أجل هزيمة تبدو كإعادة انتشار، أو انسحاب، هم يبثون الشائعات ويسربون الأخبار بأنهم يرتضون التفاوض مع أطراف أفغانية، ولما لم يجدوا طرفاً يقبل أن يفاوضهم، قالوا أنهم يقبلون بفصيل معتدل من طالبان، واليوم (11/ أكتوبر ـ تشرين الثاني / 2010) يؤكد صنيعتهم ورجلهم كرزاي علناً أنه يجري مفاوضات مع طالبان من أجل وقف الحرب. وتشمل الهجمات ضد قوات التحالف الدولي حتى أكثر المناطق أماناً كمدن الشمال،(قندوس ومزار شريف). وتفقد القوات الألمانية المتمركزة هناك المزيد من عناصرها، ليرتفع عدد قتلى القوات الألمانية في أفغانستان منذ بداية المشاركة في المهمة العسكرية إلى 44 قتيلا، بينهم 27 جنديا سقطوا في هجمات ومعارك مع المتمردين. (تشارك ألمانيا ضمن القوات الدولية في أفغانستان بنحو 4800 جندي من بين 120 ألف جندي ينتمون لـ 47 دولة.

 

* طالبان تعلن بمناسبة الذكرى التاسعة لبداية الحرب أنها تسيطر على 75 % من مساحة البلاد، فعلى ماذا يفاوضون ..؟ ويعتبر العام 2010 العام الأكثر دموية بين سنوات الحرب التسعة للقوات الأجنبية في أفغانستان، إذ بلغ عدد قتلى تلك القوات حتى شهر أكتوبر / 2010 حوالي 588 قتيلاً منهم 314 أمريكي. أما الشهر الذي شهد أكبر عدد من القتلى من قوات التحالف الدولي، فهو شهر يونيه/حزيران الماضي، حيث بلغ عدد القتلى من تلك القوات 103 جنود، بمن فيهم الجنود الأمريكيون. وفي يوليو/تموز الماضي، لقي 65 جندياً أمريكياً مصرعهم في هجمات، وهو أعلى عدد قتلى شهري للقوات الأمريكية في أفغانستان منذ الغزو في العام 2001.

 

* الحرب على الإرهاب أسفر عن نتيجة مذهلة: اعتراف (هو جزء ضئيل من الحقيقة) مكافحي الإرهاب بأنهم إرهابيون يتوارى أمامهم هولاكو تواضعاً، بل هم أفضع الإرهابيين عبر التاريخ، وأن مجتمعاتهم المتحضرة ما هي سوى قشرة زائفة، يختفي خلفها مجرمون متمرسون في القتل والتعذيب، لاشك أن وراء هذه الحرفية مؤسسة كاملة، فالأمر لا يمكن أن يكون عشوائياً، وأكثر من ذلك، فقد قدموا الحماية والدعم للإجرام الطائفي والعرقي، وسمحوا لأنظمة ثيوقراطية متخلفة بالزحف على المشرق العربي، لتمارس القتل والاغتيال والتعذيب والتصفيات بإشرافهم وحمايتهم.

 

* الهزيمة تخلق أجواء التداعي، فعندما يتداعي حلفاء الناتو، فالأمر لم يعد سراً، الخلافات ظاهرة حتى بين أكثر العلاقات الثنائية حميمية، وتتراكم دون حلول منطقية مقنعة، الدرع الصاروخي أكذوبة كبرى الهدف منه إبقاء أوربا تحت الوصاية الأمريكية وخلق بؤر توتر لا داع لها، نظام العلاقات بين دول التحالف الغربي وأسسه لم يعد مقنعاً، البحث والاشتباك مع أعداء وهميين، وخلق جبهات لا داع لها، بدأ يرهق بطلباته ويؤثر ليس فقط على دافع الضريبة، بل على التماسك الأخلاقي لشعوبهم.

 

* وزارة المالية البريطانية تطالب بتخفيض من تخصيصاتها الدفاعية بنسبة بنسبة 10 % من ميزانية الدفاع البالغة 37 مليار جنيه استرليني في الفترة من 2011 إلى 2015، والولايات المتحدة تعتبر ذلك إضعاف في وحدة وتماسك حلفاء ضفتي الأطلسي. المشكلة أن الولايات المتحدة ترى أن هناك تهديدات، وبريطانيا لا تشاركها الرأي...! وهذا الخلاف مهم وجوهري ولم يحدث في تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

 

* هناك خلاف غير بسيط بين دولتين مهمتين في الاتحاد الأوربي: فرنسا وألمانيا، حول الأسلحة النووية، فحيث تعتقد ألمانيا أن المزيد من التسلح النووي لم يعد له معنى، وترحب بالجهود السياسية لخفض الأسلحة النووية وصولاً إلى إلغائها، تعرض فرنسا هذه السياسة وتعتقد أن هناك دول تطور أسلحتها النووية، لذلك ينبغي الحفاظ على المستوى الحالي، وربما تطويره.

 

* لم تثمر جهود فرنسية / ألمانية مشتركة لإقناع روسيا بخطط الناتو حول نشر منظومة الدرع الصاروخي الأوربي ضد الصواريخ البالستية(التي ستعتمد على الأرجح في اجتماع نوفمبر القادم)، بل ويدور في أوساط أوربية الحديث عن ضرورة السعي لضم روسيا لعضوية كاملة في حلف الناتو، وليس مجرد علاقات وطيدة(مشاركو ومراقبة) وتلك إشارة بدت من وزير الدفاع الألماني الأسبق فولكر روهه أن لأوروبا وأمريكا وروسيا مصالح مشتركة في مجالات ذات أهمية حيوية بالنسبة لنا. إذ تواجه هذه القوى التحديات نفسها كالإرهاب والسطو على شبكات الاتصالات الدولية والتهديدات المتنامية بشن هجوم بصواريخ تحمل رؤوسا نووية وانتشار أسلحة الدمار الشامل وقبل كل ذلك حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

 

* في 14 / أكتوبر ـ تشرين الثاني، أجتمع في بروكسل (مقر حلف الناتو) وزراء دفاع وخارجية الحلف(28 دولة) لبحث:

                       آ. شبكة الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ.

                      ب. الحرب المعلوماتية (الهاكرز).

                      ج. الوضع في أفغانستان.

                      د . طلب بعض الدول خفض النفقات العسكرية لمواجهة

                          الأزمة المالية.

 

* يحاول الوزراء صياغة نظرية استراتيجية جديدة للحلف، في ظل (معطيات جديدة) وصفت بأنها ضرورة لدفاع عصري لمواجهة مخاطر عصرية، سوف تطرح لإقرارها في اجتماعات قادة الحلف في نوفمبر القادم. ومشروع الوثيقة الذي يقع في (11) صفحة فقط، المخاطر المحتملة، والمتمثلة بالانتشار النووي والبالستي، وكذلك مخاطر الإرهاب الدولي المتنامية. وستكون شبكة الدرع الصاروخي في مقدمة الوسائل الرادعة لتلك الاحتمالات. ومن المرجح أن الولايات المتحدة سعت لإقرار هذه الوثيقة، المقبولة ربما في إطارها المبدئي، ولكن مع رؤية لدى العديد من الدول ومنها ألمانيا، ضرورة بذل المساعي من أجل خفض وإلغاء الأسلحة النووية.

 

* في الوقت الذي تحاول فيه دول عديدة من أعضاء الناتو إجراء تقليص في نفقات الدفاع لمواجهة تداعيات الأزمة المالية القاسية التي تؤثر على العديد من البلدان، تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على المستوى الحالي. وفي ظل الرضوخ لتداعيات الأزمة المالية، يبدو أن سياسة تقشف ضرورية تخفض النفقات، ولا تلحق الوهن بقدرات الحلف، فما أطلق عليه بإصلاح أنظمة الحلف الأطلسي العسكرية بخفض عدد الجنود وأعداد مقراته العامة ووكالاته المتخصصة. التي تبلغ حاليا 11500، سيجري تخفيضها إلى نحو 8900.

 

* التوجه نحو تمتين العلاقات مع روسيا تحت شعار من أجل عالم أكثر أماناً، أقر مبدئياً، رسميا بعد لقاء الرئيس الروسي ميديف والمستشارة الألمانية ميركل، والرئيس الفرنسي ساركوزي، بيد أن درجة رفع تمثيل الروسي في الحلف سيتقرر في اجتماع قادة الحلف، وسيسبق ذلك جولات من المشاورات الثنائية والمتعددة الأطراف.

 

* مخرج المسرحية يعد لفصل جديد، فصل ما بعد الهزيمة، والفشل، مالعمل ... نتوقع ؟

     

هنا مصطلح استراتيجي يقول: الموقع التبادلي، أو الهدف التبادلي .. ستحاول الولايات المتحدة بوصفها قائد لتحالف الناتو إيجاد وسائل تشد الحلف ..

 

ـ شعارات جديدة.....

ـ خصوم جدد ......

ـ أيديولوجية رجعية جديدة بدل تلك المنتحرة صراع الحضارات ونهاية التاريخ ..

ـ محاولة تعديل مواقف المقاولين الثانويين في الشرق(إيران / إسرائيل) عبر حلول جديدة ..

ـ في ظل الظروف الاقتصادية والعسكرية التي لا يمكن وصفها بالممتازة، فإن الولايات المتحدة ستلجأ لخيارات الضغط السياسي ...

 

كم سيطول ذلك .... لقد قاومنا ذلك حتى الآن بنجاح، وأسقطنا قوى أكبر تحالف شهده الشرق (الولايات المتحدة / إيران / إسرائيل) وبأخبث وأقذر الأسلحة السياسية والعسكرية والثقافية نعم أسقطنا برامجهم، صحيح لم نحتل واشنطن، ولكنهم بدورهم لم يكسروا إرادتنا .. وهي هدف الحرب جوهرياً ....

 

أما شهدائنا ..... فقد فازوا والله فوزاً عظيماً ....

 

سنسقط سائر قوى التحالف واحداً بعد الآخر.... بس بدها شوية صبر......

 

وباللهجة لعراقية نقول:  تجيك السالفة .................

 

 

 

حسابات توقع المنطق في الفخ

ضرغام الدباغ

إذا أجرينا حسابات (Calculation)، بالاعتماد على الرياضيات العالية واستبعاد  الأهواء والمزاج، فسترى أن الموقف الداخلي العميق(في العراق والمنطقة)، أو السطحي الظاهري يشير إلى أن الأطراف المعنية  وهي عديدة : فمنها من يدها في الفرن، ومنها من يساند هذا الطرف أو ذاك علناً، وهناك من يمد أسباب الدعم سراً، وهناك من يدعم بلسانه وقلمه، وهناك من  يدعو بقلبه وهذا أضعف الأيمان، وهناك من ينفخ في الكير ليزيدها التهابا وله فيها مصلحة ... والله  والأذكياء والحاسوب يعلم بما في القلوب والخطط في الأدراج المقفلة ...!

منذ العدوان الاسرائيلي على غزة (الاعتداء الأخير أيار / 2021)، وإسرائيل تحوص ... والغرب يحوص أكثر من إسرائيل لأنه توصل لرؤية الأفق مبكراً وهذا شعور يطفح ويفيض من ثنايا مواقفها ...ونلمحه من تصريحات قادة الغرب، هي أن (إسرائيل) شيئ لا ضرورة له في المنطقة، خطأ أرتكبناه في ساعة حماقة، واليوم تحوم حول الشرق الأوسط وعلى أجنابه تقديرات كبيرة، وهموم كبيرة ليس من بينها الحفاظ على إسرائيل، اليوم تراجعت قيمتها الاستراتيجية بسبب بروز شواغل كبيرة جديدة، لم يعد أحد  يحسب حسابها بقيمة الماضي ... لماذا ...؟ لأن ثمن تأييدها والوقوف لجانبها ودعمها أصبح باهضاَ ...!

ابتداء لأن إسرائيل ككيان لم  تتقدم بمشروع سياسي / حضاري سوى الأعتداء والتوسع، وأرهقت حلفاءها وأصدقاءها بالطلبات التي لا تنتهي للأموال لتمويل الحروب والاعتداءات، وسياسياً في دعم مواقفها، وفي النهاية هي ليست أكثر من كيان مكلف ومحرج لأصدقائها الغربيين، يتولون واجب حمايتها والدفاع عنها من مجلس الأمن وحتى أسلحة الدمار الشامل، ولكن حتى هذه سوف لن تنقذها من مصيرها المحتوم. ثم أن الصهيونية العنصرية لم تنجح في بناء كيان ديمقراطي متحضر(في إسرائيل 157 قانون عنصري ينظم الزواج والملكية والوظائف وغيرها بناء على معطيات عرقية / دينية)، بوسعه أن يقدم حلول للعيش بسلام من شعبها أولاً (30% من غير اليهود)، ثم مع محيطها الاقليمي (بنسبة تقارب  ال100%). لذلك صارت عبئاً يجب أن ينتهي، لتحل ديمقراطية تنظر للأفق كله وتقبل بالجميع، لأن الجميع له الحق في الحياة بدرجة متساوية، من سيستبعد عن المشهد هم مشعلوا الحرائق، العنصريون، الطائفيون، هواة التفجير والتخريب، أصحاب اللافتات المشتعلة، الثرثارون في زوايا المقاهي، تجار القضايا، اليمين العنصري الذي يواصل إشعال الحرائق منذ نحو 100 عام، دون أن يثبت لنا أنه على حق ...!

لن نحاول أن نثبت أن عصر السيادة والهيمنة الأمريكي يتراجع، وبقوة، ليس بسبب الصعود القوي للصين العظمى .. وليس بسبب أن روسيا اليوم أقوى من الاتحاد السوفيتي المندثر، فحسب ..! بل وأيضاً لأن المعطيات في الداخل الأمريكي، بالإضافة إلى جديد مسرح العلاقات الدولية،  يتنبأ بمستقبل جديد للولايات المتحدة ..! أميركا الامبريالية بوسعها إشعال الحرائق في أي بقعة في العالم، ولكن ماذا بعد ذلك ..؟ ليست حاملات الطائرات وكروز وطائرات الشبح من تحسم المعارك السياسية، لذلك هي لم تنجح في كل معاركها (كوريا، فيثنام، العراق، أفغانستان). وتشير المعطيات الواقعية الجديدة أن ....

 ليس كل رغبة امريكية تنفذ.

 ليس بالضرورة من تدعمه أمريكا ينتصر.

نعم بوسع الولايات المتحدة التدخل في أية بلد في العالم، ولكن ليس بوسعها حسم المعركة.

 أميركا مقبلة على هزائم أكبر.

تدخل في القضية الفلسطينية أطراف كثر... وكما يقول المثل الشامي " الكل بدو من العرس قرص "  ويمد يده ليشحذ ولو نقطة عسل. ومن هؤلاء من يريد التدخل في النزاع، ليضمن له كرسي على طاولة المفاوضات، وأن ينال قدراً من القدر والقيمة، ليحتسب من بين حراس الأمن في المنطقة، أو ليكون دركي .. أو وكيل مصالح القوى العظمى ..!. " أنظر ... بوسعنا أن نثير الإضطرابات ...! ".

 

إسرائيل لا تكف عن إبداء الرغبة في الوسع ... ولكن إلى أين تتسعون ..؟ فأنتم لستم أكثر من بضعة ملايين نسمة، أقل من حجم السكان في مدينة القاهرة وبغداد، فكيف تتسعون، ولغتكم العبرية لا يتقنها حتى معظم اليهود، واقتصادكم بالكاد يغطي عوراتكم .. وتعانون من أصناف المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لقد ورد أكثر من مرة أن طرح شعار " أنقذوا إسرائيل من إسرائيل "، فالعدو الأكبر لإسرائيل، هو اليمين الفاشي الصهيوني، الذي عجز منذ مؤتمر بازل / سويسرا 1897، أن يقود مشروعاً سياسياً مقبولاً وقابل للتحقيق.

تردد أن الولايات المتحدة هدفت في إطار رؤيتها لشرق أوسط جديد، تجنيد الأقليات في مخططها، ومن تلك إيران، التي ابدت استعدادها لتحريك أذناب لها في بعض الدول، والهدف هو تقليص حجم النفوذ القومي العربي. وضرب بمخيلة الإيرانيين صناعة مجد دولة تمتد إلى الشرق الأوسط، وأن تقيم امبراطورية تمتد حتى البحر المتوسط. وفانها أنها كأسرائيل تفتقر أكثر من إسرائيل إلى مقومات التوسع، فأخذت تناور بالأتباع والأذناب، تأخذهم من باكستان، وتزرعهم في النجف، وتأخذ الهزارة الأفغان وتضعهم في تخوم حمص السورية، وبدا لها أن الهدف كبير والرقعة صغيرة .. وما موجود لا يكفي لسد الأحلام، بل أن إيران نفسها تعاني كإسرائيل، فهي ليست متينة داخل حدودها، تهبث بها العواصف والرياح،  وتبحث عن القوة خارجها ...! اللعب في الحلم شيئ، والتعامل على الأرض شيئ آخر تماماً..!

إذا وضعنا فرضية عريضة "Hypothesis" هل يفيد إيران أن تحرز حركة التحرر العربية نصراً أو حتى نصف نصر في أي مكان حتى في الصحراء المغربية. الجواب وفق الفقرة أعلاه هو : أن أي مكسب لحركة التحرر العربية هو مضر لكافة أطراف التحالف المعادي للأمة،  فما بالك إذا كان النصر في جزء تشاغب عليه إيران وتلعب في ملعبه 43 سنة وأشبعته تحايلأ وخدعا .. بل هو جزء رئيسي من الخداع الاستراتيجي الذي تقوم به ... للعبث في الساحات العربية ...

وسنجد النتيجة المادية الملموسة وفق معطيات علمية...كلا بالطبع، فإيران هي الخاسر الأعظم من أي انتصار عربي  حتى لو كان انتصاراً في جزر القمر لا يفيدها، ولا سيما في فلسطين بشكل خاص أكثر من غيرها. فالأمر في الواقع  يستحق إقامة مجالس عزاء...! كما وليس من مصلحتها أن تساعد الفلسطينيين، نعم هي تقدم شيئاً، لتحقق شيئا أكبر، تناور وتكتك في هذا الميدان، ولكن شرط أن لا يؤدي ذلك الوصول إلى هدف. وإيران استغلت بدقة، الميل العربي العام ضد الوجود الاسرائيلي، ومن أجل أن تحقق تعاطفا واسعاً مع شعاراتها الديماغوجية، وتحقق لها ذلك بالفعل. وفي أولى سنوات الثورة الإيرانية، تمكنت من كسب شعبي كبير، وخاصة في لبنان. ولكن  بأعتبار أن حبل الكذب والمناورة قصير، بدأ هذا الانبهار والالتفاف بالانحسار تدريجيا وببطء، بعد أوغلت إيران في إظهار العداء وتدمير وتخريب حيثما وصلت أياديها في الأقطار العربية: العراق وسورية ولبنان، وأخيرا اليمن. وهكذا تبين للجميع أن المشروع الإيراني هو مشروع توسعي، بالتفاهم والتنسيق مع القوى الدولية والاقليمية (الولايات المتحدة وإسرائيل)، مشروع لا علاقة له بالدين، ولا بشعارات التحرر والعداء للإمبريالية.

الولايات المتحدة هي اليوم في حال لا تحسد عليه، وهي مضطرة لإعادة النظر في حساباتها، فهي ليست في وارد أن تفكر بهموم حليف أو مقاول ثانوي (Second Contractor)، فلسان حالها يقول لملالي إيران : لقد ساعدناكم وأتينا بكم للسلطة، وهيئنا لك سبل النجاح، وقاتلنا خصمكم اللدود الذي مرغ وجهكم بالتراب، وحاربناه، وسلمناه لكم لتغتاله بخسة يحسدها عليكم الضباع، في ليلي شتائي ... إلا أنكم لم تدبروا أحوالكم، 18 سنة، تقتلون وتنهبون وتمارسون قبيح الأفعال، وحين تفشلون تريدون منا أن ننجدكم ..! مولانا دبر أحوالك .. اليوم تفر المرضعة من رضيعها، والولد من أبيه ...  الصين تقتحم العالم ..!

ولسان حال الولايات المتحدة يقول لإسرائيل : فعلنا كل شيئ لترسيخ كيانكم، بالمال والسلاح، وساءت علاقاتنا مع عشرات الدول العربية (22 دولة) والإسلامية (52)، وفعلنا كل شيئ لأجلكم، ولكن الخطوة الحاسمة للنجاح كان ينبغي أن تقوموا بها، ولكنكم لم تدركوها، ولم تتمكنوا من توفير سبل الحياة لدولتكم في الشرق الأوسط.

 

هذا ملخص لما حصل، وتنبؤات لما سيحدث، ربما أحياناً خطأ بسيط من هنا، ومن هناك، ولكن هذا هو الخط العام، وسائر ذلك تفاصيل، أميركا كانت تدرك أن أفضل طريقة لتدمير ثلاث بلدان عربية مسلمة كانت راقية ومتقدمة هي العراق وسوريا ولبنان وتسليمها لهذا الفصيل المتوحش ليمعن فيها قتلا وحرقا .. هدفا مخجلاً معيباً، أوكلته للصفوي الهمجي، وأميركا لم تقاتل حتى من أجل إسرائيل ولكن فعلتها لخاطر عيون الفرس  فلاحظ عمق العلاقة ..! بل كبر الهدف ، فأميركا لا تشتغل بالعواطف، ولكن رغم ذلك إيران ستهزم لأن لا قدرة لها على التوسع لا سياسية ولا عسكرية ولا اقتصادية ولا ثقافية، والصراع العربي/ الإسرائيلي سيشهد تحولات مهمة، وإذا سمحتم لي بالتنبؤ: ستقوم دولة فلسطينية، النظام الصهيوني العنصري الفاشي سينتهي، وتقوم دولة ديمقراطية، وأعتقد أنها ستسعى " للتكامل " مع الدولة الفلسطينية.

 

نظام الملالي سيبدو مثل النشاز في المنطقة، وقد احترقت أوراقه التي لعب عليها نحو نصف قرن، وخسر الشعب الإيراني هذه المدة مقادير خيالية من الثروات والجهد والبشر من أجل لا شيئ ...! أرجح أن شعبهم سيحاسبهم حسابا عسيراً ...!

 

الوضع الآن بين الحلفاء الغربيين سيئ، ولا ينبئ بالخير .. الثقة مفقودة بين الاطراف، التعامل السياسي والتجاري مهزوزة بسبب فقدان الثقة، العلاقات ضمن الناتو ليست في أفضل مستوياتها. الولايات المتحدة ستحاول أن تمنع تمدد الصين وحليفتها روسيا، وأن لا تصل إلى المناطق المسيحية :  أوربا، الأمريكيتين، أستراليا ونيوزيلندة، وسيكون لها أساليب عمل جديدة، ولست متأكداً من حجم نجاحها ..! ما حدث وما سيحدث تنبأ به بعض العباقرة من الاستراتيجيون قبل عقدين من الزمن ... اليوم فصاعداً هناك متغيرات كبيرة.. السياسيون المحترفون يفهمونها بسرعة، أما الذين ختم على قلوبهم ..... الله يعينهم ...!

 

 

الاستحقاق التاريخي

كيف ولماذا انتهى حزب الاستقلال ..

ضرغام الدباغ

 

هي تجربة تاريخية كبيرة، مثيرة للإعجاب وللدهشة معاً. و مدهش أكثر أن لا يتطرق لها أحد  لا من بعيد ولا من قريب. وسأسوق ملاحظة هي أن لا أحداً من كتاب التاريخ المحترفين (أساتذة وعلماء)، أو من هواة تسجيل التاريخ (chronologie). أن يبحث فيها المختصون والباحثون، وهي تجربة مثيرة تستحق البحث التفصيلي، ومن المؤكد أن في ثنايا الأحداث الكثير من القصص الصغيرة والروايات التي تستحق عناية المدونين.

ما أريد بحثه اليوم، هو ظاهرة التلاشي التدريجي لحزب الاستقلال في العراق.  وهي قضية بتقديري مهمة للغاية، وتستحق الدراسة والتمعن، لا سيما في الظروف الحالية. وهو تساؤل كبير: كيف ولماذا أنتهى حزب الاستقلال ... وحزب الاستقلال كان حزبا سياسيا رئيسياً في العراق، قاد التيار القومي التحرري لسنوات طويلة (من الأربعينات وحتى الستينات)، وكان يضم النخب الممتازة من الشباب والرجال الناضجين، والعديد منهم كان يمتلك قدرات فكرية وسياسية مهمة. وتميز بخط وطني / قومي، معاد للأستعمار، وله أهداف اجتماعية كانت جذابة وجديرة بالأهتمام. وقادة الحزب من أمثال : محمد مهدي كبة، ومحمد صديق شنشل، وفائق السامرائي، وآخرون، كانوا يتمتعون بالاحترام التام في كافة الأوساط لمكانتهم، وثقافتهم، ووطنيتهم الخالصة، وبعدهم التام عن الطائفية المقيتة، وعن المناطقية والعشائرية، فكانوا يمثلون بحق خطاً وطنيا تحررياً لا تشوبه شائبة.

وكمعظم الحركات التاريخية، لم يولد حزب الاستقلال بمرسوم حكومي، ولا برعاية أجنبية من دولة قريبة أو بعيدة، بل أنحدر من تجمع وطني معاد للأستعمار قومي الاتجاه، هو نادي المثنى الذي نشط بصفة خاصة في مطلع الأربعينات، دعماً للحراك الوطني العراقي عام 1940/ 1941، وتأسس حزب الاستقلال (كانون الأول / 1945) في ظروف عصيبة بعد فشل حركة مايس 1941، أبان حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات البريطانية. ومثل حزب الاستقلال  آنذاك التجمع الوطني القومي العراقي النظيف الذي يجمع العناصر الوطنية العراقية في عمل موحد ضد الاستعمار وقوى الأنتداب البريطاني مؤكداً على الوحدة الوطنية العراقية ووحدت التوجه صوب الاستقلال، وصيانته والدفاع عنه. وكان نادي المثنى في الوقت نفسه يضم بين جناحيه في ذلك الوقت المبكر الشخصيات الوطنية / القومية الساعية للأستقلال كالسيد رشيد عالي الكيلاني، ومحمد يونس السبعاوي، ويحضى بتأييد الضباط الوطنيين وفي مقدمتهم ضباط المربع الذهبي العقداء الركن الأربعة (الشهداء فيما بعد) : صلاح الدين الصباغ، محمد فهمي سعيد، كامل شبيب، محمود سلمان.

كان حزب الاستقلال يفتقر إلى الوضوح النظري، ومتانة الجانب التنظيمي، ورؤيته السياسية لم تكن عميقة بحيث تقنع الجماهير، وتدفعها إلى تنظيم حديدي، وهو ما حال أن يكون حزب الجماهير الشعبية في الشارع الملتهب، ورغم وضوح خطه القومي، إلا أن الحزب أفتقر للجانب الآيدولوجي، وبدا هذا النقص في حينه مهماً، ولكن الحزب الذي كان يحترم قواعد العمل الديمقراطي، كان موقفه المعارض واضحاً كل الوضوح، بدرجة كان مشاركا بالأنشطة الوطنية، حتى توجها بالانظمام إلى جبهة الاتحاد الوطني، التي تأسست عام 1956 من : الحزب الشيوعي العراقي، حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب الاستقلال، الحزب الوطني الديمقراطي، الحزب الديمقراطي الكردستاني  التي كانت بتقديري، هي أفضل حالة تحالفية متقدمة شهدها العراق في تاريخه.

ومن سوء الحظ، أن لا تتولى جبهة التحالف الوطني الحكم والسلطة الفعلية في العراق، لمدة انتقالية معينة (سنة أو سنتان) تمهيداً لنظام ديمقراطي انتخابي برلماني، في غضون ذلك الابتعاد عن كل فكرة متطرفة وعن الاتجاهات التوتالية، وترسيخ سيادة الدولة والقانون، والابتعاد عن صيغ العنف في العمل السياسي، وبتقديري أن حزبين كانا في وارد مثل هذه السياسات البناءة، هما : حزب الاستقلال، والحزب الوطني الديمقراطي.

 

ولكن الساحة في العراق وفي المنطقة كانت ملتهبة بشعارات ثورية، والتطرف كان يتسيد المواقف النظرية والسياسية، ويبدو لي أن حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي كانا سابقان لعصرهما، ومتأثران بالحياة الحزبية في البلدان السابقة في التجربة.

حزب الاستقلال كان حزبا قوميا رائداً، ولكن الحزب لم يكن لينظر إلى عمق الواقع، وتنقصه الرؤية العريضة، في تشخيص الأوضاع والتطورات، وفي تحليلها، وأفتقر للمؤتمرات، تخلق التفاعل الضروري، فكان يبتعد عن المسرح السياسي العراقي...وبأسف أقول: كان الحزب بتضاؤل دوره وأهميته ... يتلاشي تدريجياً ويندثر.

وما أن أطلت أحداث شباط / 1963، ونهاية حكم الزعيم كانت ذلك يؤشر آخر تواجد لحزب الاستقلال الذي كان وجوده بعد 14/ تموز / 1958 شكلياً في الساحة السياسية العراقية وأصبح أثراً بعد عين بعد أن تواجد على الساحة نحو عقدين من الزمان (20 عاماً).

في هذه العجالة أريد التنويه : أن الأحزاب التي تعبر عن إرادة وتطلعات الجماهير، لا تسحق بالإرهاب، بل قد يلحق بها الإرهاب بعض الخسائر، ولكن من جهة أخرى هناك مكاسب، الحزب يتجذر بين الجماهير إذا كان ملبيا لطموحاتها، والطموحات هي الرؤية العصرية المتجددة لمشكلات اليوم، كيف نتصدى لمشكلات الوطن والأمة، ما هي جوهر المشكلات، وكيف نضع لها الحلول المناسبة، الحديث العام والعائم ... المشحون بعبارت ملتهبة لا تصيغ واجبات ومهمات وآليات العمل السياسي .... 

سيقول لي أحدهم ... أنك نلمح لشيئ ولا تصرح به ...!

 

أقول: أنا لا ألمح، بل أصرح ..... أنظروا إلى الساحة وتجدون ما ألمح له حاضراً ماديا ملموساً ...!

 

حسابات الحقل وحسابات البيدر

ضرغام الدباغ

قصص وحكايات كثيرة في عالم ميثولوجيا الأطفال، يستغرق الكبار ضحكاً حتى يقعوا على قفاهم، ولكنهم في الطفولة كانوا يصدقونها، والأمهات والجدات ونطلق علهم في العراق (بيبي) كن يفعلن ذلك، لألهاء الأطفال وصرف رغبتهم في الطعام بأصناف الحيل البريئة، الخالية من الخباثة لكسب الوقت:

ــ فمثلاً أنهم تأخروا في إعداد الطعام، أو أن الأطفال عادوا للبيت مبكرين.

ــ أو أن الأطفال لعبوا في الشوارع كثيراً حتى عضهم الجوع.

ــ أو أن الفقر وضعف الحال يرغمهم على الكذب على الأطفال وهذه محزنة.

وقد يحدث أن الفقر يقود إلى حيلة، أن تضع الأم أو البيبي قدر على النار في ماء ساخن يغلي تضع به بضعة حصوات، ويرسل البخار فيدفئ الغرفة من جهة، ويخدعون الأطفال أن الطعام على النار .. وهذه محزنة أيضاً

والأمهات لا يفعلن ذلك بسوء نية أو خبث، ولكنهن مرغمات ... حتى أن يشاع بين الناس مثلاً بغداديا شهيرا فيقال على أمر وهمي لا ينتج عنه ما يفيد بأنه " طبخة حصو ".

رباط السالفة، جيراننا الغير محترمين، يحاولون إيهام وخداع الناس "بطبخة حصو" ولكنهم نجحوا في خداع بعضنا للأسف، هناك دائماً  أطفال، أو حديثي تجربة، أو غشمة .. فيصدقون التهويل الاعتيادي عند جيراننا كديكور في الحياة، وجيراننا مضوا بعيداً وطوشوا رؤوسنا ب : فيلق القدس، طريق القدس، قيادة أركان القدس .... جيب قدس وأخذ عتابة ... ولكن في الشفهي فقط.... لماذا ...

كما قلنا أن عند الجيران السياسة مسرح وتمثيليات ولعب وتمثيل وديكور من الضروري أن يكون فخماً، أحياناً ينقلب إلى لعب حقيقي، ولكن عندما يكون في ذلك مصلحة فيها شفط ... أو فيها أذى لطرف من الأطراف. ولكن الأمر يحتمل أيضاً أن يكون مجرد تمثيل وديكور ... كما حدث معنا حين شربنا شوربة طريق القدس ..

شهد الله أن لم أخدع يوماً، بل ولا ساعة ولا دقيقة، على طريقة المرحوم عبد الحليم حافظ : في يوم في شهر في سنة ". لأن طريق القدس مضى على الشروع به 43 عاماً بحوله وطوله ... وهذا لو كان حقيقة وليس طبخة حصو لكان بلغ القطب الجنوبي والشمال ....! وخلال هذه العقود العجاف لم نرى حادلة، ولم نرى ماكنة، ولم نسمع بضربة حصوة واحدة على مغتصبي القدس ... ونحن لا ننكر أن الأمر ليس نزهة، ولا شمة هوا ... العداء لفضي فقط ... لا..لا .. بالطبع هناك مآرب خبيثة فالجيران لهم شطارة بهذا المجال، إذ يدخلون القدس ضمن برنامجهم التفاوضي مع العم سام ... وكذلك النووي .. ومشاريع أخرى، ليظهورا قدراتهم وما بوسعهم أن يفعلوا ..

ترى هل أنا أبالغ ... ولو قليلاً ...

لا والله ... فأنا منصف حتى مع خصومي ...  فالجيران يقولون نحن نساعد الجماعة في فلسطين .. نعم .. يساعدون، نحن نصنع لهم الصواريخ، ونقول لهم لا .. هذه لا .. مساعداتكم مدروسة محسوبة، مثل برنامج المساعدات الأمريكية للبلدان النامية، هي حقيقية، ولكنها لم تشبع أحداً من يوم تأسيها حتى اليوم. وهم يمنحونها بطريقة تخلو من المنطق، ولكن أي منطق ..؟ منطقك أنت ومنطق العقلاء، ولكن أنتبه نحن لا نشتغل بدار الحكمة ...! وهذه السوالف ما بيها لا منطق ولا حكمة ... بيها مصالح وعلاقات عامة بعبارة أخرى ... نعطيك شوربة تدمن عليها، ولكنها سوف لن تشيعك يوماً، بدليل أن حاجتك لها تتصاعد ولا تتراجع ..!  كيف أضرب لنا مثلاً يا أبو فراس ... حسناً ... إليكم لغة الأرقام :

 

ــ إسرائيل : تحضى (بالطبع) بالقدر الأكبر من المساعدات (الاحصائيات هي لعام 2017) :

مجموع حجم المساعدات الأمريكية العام هو (3,711,07 دولار). حجم العسكري منها (3,175,00). لاحظ رجاء أن من بين حوالي 4 مليارات دولار، فقط نحو 500 مليون فقط، هو حجم المساعدات غير العسكرية، هذا مع حبيب القلب إسرائيل وماذا مع الغير.

ــ مصر : الدولة الأكبر والأهم عربيا وأفريقياً والتي تخوض معركة تنمية صعبة لصعوبة الظروف المحيطة وبحجم سكان يزيد عن 100 مليون نسمة، أي أكثر من حجم سكان إسرائيل بأكثر من عشرة مرات، ولكن لاحظ كيف تفهم الولايات المتحدة هذه المساعدات.

مجموع حجم المساعدات الأمريكية العام هو (1,475,61 دولار). حجم العسكري منها (1,302،28 دولار). لاحظ رجاء أن من بين هذا المبلغ، نحو  175 مليون فقط، هو حجم المساعدات غير العسكرية.  وحلل براحتك هذه المعطيات المذهلة. مع أن شعار منظمة المساعدات الأمريكية هو مصافحة، ولكن في الواقع مقاتلة ..! وكذلك يفعلون ...!

بعد .. رباط السالفة، عن الناس اللي يثرثرون أكثر مما يفعلون ... يعطوك السم بالأطنان، ويعطوك العلاج بالغرامات .. قلنا أنه لم يضربوا في طريق القدس حصوة ...  يقولون نحن صنعنا لهم الصواريخ، وهذا بهتان مفضوح، فهناك من مناضلي الشعب الفلسطيني عباقرة بوسعهم أن يصنعوا صواريخ تصل للقمر .. ومنهم شهداء ... الشهيد المهندس يحي عياش، والشهيد المهندس دكتور جمال الزبدة .. في محاولة رخيصة لسرقة المكاسب الفلسطينية ... وأخيرا نقول البطل هو من يصنع السلاح والبطل أكثر من يستخدمه ..!

عندما يتعلق الأمر بالأفعال الحميدة ... أستلم كذب بالأطنان، والأعذار جاهزة وهي حفنة أكاذيب، ولكن حين يتعلق بالحبث واللؤم .. تفضل إلى هذه الحقائق المثيرة ... هم يكرهون السعودية ليس كرها بالعائلة السعودية، بل كرها بمكة والمدينة وما تحتويهما، والجماعة لا يخفون ذلك ولا ينكروه، بل يقولونه ويفعلون ما يقولون جهاراً نهاراً، وإن كان من دواعي خبثهم، أن يدعون غيرهم يقذف الشر وإليك جانب من خبثهم وتجارة الكلام والدين، إليك هذه الإحصائية :

ــ هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية حتى 9 / آذار ــ مارس / 2021

335 صارخ بالستي

550 طائرة مسيرة

62 زورق مفخخ

المجموع 947 هجمة ....... !

كم طلقة على القدس : صفر

هذا ليس طريق القدس ... هذا طريق حرب مكة والمدينة ... أما حرب القدس فلها معسول الكلام الكاذب المفضوح ... وحفنة دولارات بائسة ...!    وهناك دائماً فرق بين حسابات الحقل بالتقديرات النظرية .... وحسابات البيدر ... بحسابات الوزن والمكيال ...!

 

 

 

هل الإسلام  جزء من أوروبا

 

د. ضرغام الدباغ

 

هل الإسلام جزء من أوربا ....؟

الحقائق والوثائق والوقائع كلها تشير، أن الإسلام جزء من أوربا .... ومنذ قرون كثيرة على الأقل منذ نزول المسلمين العرب في الأندلس، ونجاحهم في الالتحام في الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية بدرجة كبيرة. ويصعب حقاً تحديد الصلات بين أوربا والعرب والمسلمون. ترى هل ابتدأت حتى قبل الإسلام ...؟ اقتصادياً وسياسياً، فقد وجدت آثار تدل على علاقات تجارية قبل الإسلام والمسيحية في شمال أوربا، وهناك مصادر تذكر عن علاقات وطيدة بين تجار من حوض الدانوب وبلاد ما بين النهرين.

 

كتب عن هذا الكثير وعبر عنها فنيا بلوحات فنية جميلة، وبقطع موسيقية رائعة، والتواصل الثقافي كان عميقا ومؤثراً بدرجة أكبر مما يحاول البعض طمسه. والدليل وجود 550 كلمة عربية في اللغة الألمانية ...! وأكثر في اللغة الإنكليزية، والكلمات العربية شائعة جداً في اللغة الأسبانية، أما اللغة المالطية ... فتكاد تكون عربية ...! ويقول أحد العلماء الأوربيين المعاصرين، " لو بحثنا في أصل كل المعارف والعلوم لوجدناها عربية في الأساس " .. ومع ذلك يحلو للبعض أن ينكر هذه العلاقات والتأثيرات ...! مع أنه يستخدم الرقم العربي (5 4 3 2 1 0) يومياً في تسجيله لكل شيئ..!

 

هل الإسلام جزء من أوربا ...؟

قد يصبح التساؤل والإجابة على هذا السؤال ينطوي على مخاطر في أوربا المتنورة المتمدنة ..! بل وقد يطيح بقادة سياسيين وشخصيات اجتماعية، فالأوربيون في وقت ما كانوا يعدمون من يقول بكروية الأرض ... ! والأوربيون اعتقدوا أن بوسعهم محو الديانة اليهودية من الأرض ... ومارسوا هذا الاعتقاد فعلياً، فأصدروا القوانين ونصبوا المحارق ..!

 

مع ذلك، يتصدى بين الحين والآخر متنورون، منفلتون من دوامة الكراهية ومرض الخوف وهاجس حماية الذات (الفوبيا / Fobia)، متحررون من العقد وأوهام التفوق .. فيكتبون ويتحدثون وينتجون الأعمال الجميلة، ويتحدون أنفسهم فيذكرون الحقائق، فقد تمكن باحث ألماني أن يذكر في مقابلة تلفازية أن الأوربيين تعلموا من العرب الاستحمام في حمامات، وأن يكون في كل بيت مرحاض ..! واليوم في القرن الأول من الألفية الثالثة بدأ الأوربيون يتعلمون فائدة الاستنجاد بالماء في المرحاض. واليوم يدرك الأوربيون المضار الصحية لتناول لحم الخنزير .

 

لذلك واعتماداً على علماء يخلصون للحقيقة، سوف لن نقيم بحوثنا على إثبات الحقيقة، وسوف ندع هذه المهمة للعلماء الأوربيون أنفسهم، وهنا نورد هذه المقابلة المهمة مع الأستاذ في جامعة همبولت / برلين مايكل بورغولت، التي نشرتها صحيفة وموقع : (العالم / Welt online)  . أجرى المقابلة كريستوف آرينز. في البحث لوحات نادرة كلوحة الإنزال في جبل طارق، ولوحة للقائد طرق بن زياد.

 

الإسلام جزء من أوروبا منذ القرن الثامن

" لولا وساطة العلماء المسلمين لما توصلت أوربا لمعرفة علوم العصور القديمة إلى أوروبا. حيث تواصلت وتطورت فيها، بينما تعرض العالم الإسلامي إلى الجمود ".

 

 

كتابة : كريستوف آرينس

ترجمة : د. ضرغام الدباغ

 

 

" يزعم حزب البديل (اليمين المتطرف) وغيره من الشعبويين ممن يكنون الكراهية للأجانب، أن الإسلام لا ينتمي إلى أوربا. ويقول البروفسور دكتور مايكل بورغولت أستاذ القرون الوسطى بجامعة همبولت / برلين، ومؤلف العديد من الدراسات والبحوث حول  العلاقة بين المسيحية اللاتينية، والإسلام واليهودية، أن الثقافة الغربية للمعرفة وفق رأيه " لا يمكن تصورها دون مساهمة العلماء المسلمين ".

 

فالإسلام لا ينتمي إلى أوروبا، كما يزعم حزب البديل من أجل الديمقراطية وغيره من الشعبويين الكارهين للأجانب. من ناحية أخرى، يقول مايكل بورغولت، أستاذ تاريخ القرون الوسطى في جامعة هومبولت في برلين ومؤلف العديد من الدراسات حول العلاقة بين المسيحية اللاتينية والإسلام واليهودية: إن الثقافة الغربية للمعرفة، وفقاً لعقيدة له، لا يمكن تصورها دون مساهمة العلماء المسلمين.

 

خلال عهد هارون الرشيد (763 ــ 809) في عصر الخلافة العباسية، كانت بغداد المركز الساطع في العالم، وفي عصر الرشيد تحقق علاقات وثيقة مع أوربا من خلال تواصل سياسي / دبلوماسي بين الرشيد وكارل الكبير (شارلمان)، وتلك العلاقة أرخها الرسام الألماني يوليوس كيكارت في لوحته الرائعة (بلاط الرشيد في بغداد ". (صورة الغلاف)

 

فيما يلي الحوار الذي أجراه محرر موقع وصحيفة العالم مع الأستاذ مايكلبورغوت:

 

سؤال: بالنسبة لحزب ألمانيا البديل، الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا. كيف ترى ذلك كمؤرخ؟

ــ مايكل بورغولت: يجادل العديد من السياسيين الآخرين أيضاً بأن المسلمين ينتمون إلى ألمانيا، ولكن ليس إلى الإسلام. أجد هذا النزاع غير مجد وغير مفيد إلى حد ما. ولكن من وجهة نظر مؤرخي القرون الوسطى، يجب علي أن أعيد ترتيب الأولويات وأن أوضحها: ليس المسلمون هم الذين ينتمون إلى ألمانيا، ولكن الإسلام هو أحد أسس الثقافة الأوروبية والألمانية.

 

سؤال: كيف توصلت إلى هذا البيان؟

ــ بورغولت: من جهة، لم يكن عدد أكبر من المسلمين يعيشون في ألمانيا إلا منذ بدء توظيف العمال الضيوف الأتراك فن عام 1961 فصاعداً. على الرغم من وجود عدد قليل من الدبلوماسيين المسلمين أو أسرى الحرب في بلاط شارلمان في القرن التاسع أو في القرن الثامن عشر في بروسيا، إلا أنهم بالتأكيد لم يشكلوا نسبة مهمة في البلاد.

 

سؤال: ومن جهة أخرى؟

ــ بورغولت: من جهة أخرى، في العصور الوسطى، ساهم العلماء المسلمون مساهمة كبيرة في الحفاظ على المعرفة بالفلسفة اليونانية والعلوم الطبيعية ونقلها إلى أوروبا اللاتينية. وسواء في بغداد أو في إسبانيا المسلمة، ترجم علماء الإسلام نصوص الفلاسفة والمفكرين اليونانيين إلى اللغات الشائعة، ومنها ترجمت إلى اللاتينية. بدون الإسلام، لم تكن المدرسة السكولاستية لتوجد، لا جامعات ولا علم في شكلها الحالي. ولولا وساطة المسلمين، واليهود أيضاً، في السلع الثقافية القديمة، لما كان أزدهار وصعود الغرب الأوروبي ليتحقق حتى العصور الوسطى العالية. لذلك نحن ما زلنا نستفيد من هؤلاء العلماء الإسلاميين حتى اليوم.

 (الصورة: الفيلسوف العربي المسلم أبن رشد " 1126 ــ 1198 م " وزميله الفيلسوف اليهودي ميمون)

 

سؤال: ولكن ألم يكن هذا التأثير محدوداً في أبعاده؟

ــ بورغولت: هذا صحيح. وقد تطورت الثقافة العلمية، التي أصبحت مهمة في تاريخ العالم، في جامعات المسيحية اللاتينية. ضد المقاومة التي أبداها رجال الدين المسيحيين، تم استيعاب المعرفة اليونانية وتطويرها في جامعات أوروبا. لقد استفاد المسيحيون اللاتينيون من المعارف والعلوم التي حصلوا عليها ومن المسلمين والمسيحيين اليونانيين أيضاً، لكنهم شيدوا فوق الأسس الأجنبية. ولكن المسلمين بالمقابل لم يفعلوا شيئاً مماثلاً، ولم يطورا ثقافة وقيم بحثية مماثلة.

 

سؤال: لماذا كان هذا؟

ــ بورغولت: كان في بغداد، التي تمثل مركز العالم الإسلامي في ذلك الوقت، في بغداد، منع الخلفاء ببساطة البحوث العلنية وتداول الأفكار. وبشكل خاص، سمح للعلماء المسلمين بإجراء الدراسات والتدريس. لكن انتقالها إلى المؤسسات التعليمية العامة كان ممنوعاً. في إسبانيا، كان المسلمون في أواخر العصور الوسطى تحت ضغط شديد من (Reconquista)"حملات الاستعادة / ملوك الكنيسة الأسبانية". لذلك ساهم بعض العلماء  في إثراء العلوم المسيحية، ولكن لم يعد بإمكان المسلمين تطوير أجندتهم الخاصة.

 

 

 

 

(الصورة: حتى نهاية العصور الوسطى،تواصلت الإمبراطوريات الإسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية(أسبانيا). وهذه اللوحة الجدارية الفرنسية من بروفانس، تصور فارس مغاربياً يحتضر، وتظهر كم هذا الجيران المسيحيين غير المستقرين).

 

سؤال: ألم يكن للإسلام أيضاً تأثيراً سلبياً على أوروبا: من خلال مشاعر التهديد التي أحدثها الأتراك في القرنين السادس عشر والسابع عشر؟

ــ بورغولت: أنا هنا متحفظ جداً في هذا الأمر. بالطبع الحال، كان هناك خوف من الأتراك، والتي كان لها تأثير على ممارسات العقيدة الكاثوليكية: وبطبيعة الحال، كان هناك قلق في أوروبا الشرقية والوسطى، حول المزيد من الفتوحات العثمانية وتواصلها في أوربا.. ولكن إذا نظرنا إلى ملفات المجالس الكاثوليكية ومصادر الكنيسة الأخرى، يلاحظ المرء أن الإسلام لم يكن قضية ساخنة بالنسبة لألمانيا وأوروبا الغربية. وعلاوة على ذلك، لم تكن الجبهات بين الدول المسيحية والإسلامية راسخة بأي حال من الأحوال. ففرنسا الكاثوليكية كانت قد عقدت اتفاقاً مع العثمانيين ضد هابسبورغ الكاثوليكية. على المرء أن يكون منتبهاً وأن لا يعرض صراعات اليوم على أحداث الماضي.

 

سؤال: لقد ذكرت إسبانيا. لذلك هناك بالتأكيد بلداناً في أوروبا التي لعبت فيها ليست الثقافة الإسلامية فحسب، ولكن أيضا المسلمين لعبت دورا أكبر ...

ــ بورغولت: نعم. هذا صحيح ليس في إسبانيا وإيطاليا فقط. بل وفي ليتوانيا والمجر أيضاً، كانت هناك في أواخر العصور الوسطى مجتمعات مسلمة وجزر استيطانية إسلامية كانت موجودة قبل الفتوحات العثمانية. فهنغاريا، على سبيل المثال، كانت بلداً متعدد الديانات،  لأن كانت هناك أيضا جاليات يهودية كبيرة. كما أسس الملك ستيفان، الذي تقدره الكنيسة الكاثوليكية كقديس، كان قد أسس أديرة وكنائس  وأسقفيات يونانية ــ أرثودوكسية. وهذا ما تتجاهله الحكومة الهنغارية الحالية هذا الأمر. فالإسلام كان جزاًء من أوروبا منذ القرن الثامن .

 

سؤال: كيف كانت أوروبا مسيحياً حقاً في العصور الوسطى؟

ــ بورغولت: لم تكن أوروبا مسيحياً موحدة مطلقاً، ولم تحتضن القارة الأوروبية البعثة المسيحية بشكل كامل في أي وقت من الأوقات، وفي الواقع، كان هناك إلى جانب استمرار الوثنية أو تعدد الآلهة، كانت هناك ديانتان توحيديتان أخريان على نطاق واسع، هما اليهودية والإسلام. فالإسلام كان جزءاً من أوروبا منذ القرن الثامن، وعندما تم طرده من شبه جزيرة إيبريا (أسباني) غرب البحر الأبيض المتوسط الكبرى من القرن الثالث عشر فصاعداً، تقدم الأتراك الإسلاميون في الشرق (شرق أوربا).

 

سؤال: هل هناك من وجهة النظر االتأريخية، إجابة عما إذا كان الإسلام يناسب ألمانيا وأوروبا؟

ــ بورغولت: الآلية الأساسية والتاريخية التي ربما ناجحة بشكل فريد لتاريخ أوروبا، هي القدرة الإنتاجية والتفاعل مع التأثيرات الأجنبية. لقد أصبح تاريخ أوروبا ديناميكياً بشكل خاص، لأن كل وحدة تحققت أصبحت موضع شك على الفور من خلال كسر التنافر. لقد حارب المسيحيون واليهود والمسلمون بعضهم البعض في بعض الأحيان، ولكن هذا لم يؤد أبداً إلى الإبادة الكاملة للآخرين. وفي هذه الديانات كانت هناك أنظمة للحماية وكان هناك دائماً حوار وتعايش ناجح. لقد كانت أوروبا وما تزال، تتميز بالتفاعل والالتحام. إنه  أمر مرهق، لكنه مبدع.

 

 

 

(عام 710 م نزلت الجيوش لأول مرة بقيادة القائد طارق بن زياد عبر المضيق ومنطقة الإنزال الذي أطلق عليه جبل طارق ومضيق جبل طارق، وبقيت المنطقة بإمرة العرب المسلمين حتى عام 1492)

 

 

 

(صورة: القائد طارق بن زياد يهتف بجنوده يوم الإنزال : العدو من أمامكم والبحر من وراءكم، وما لكم غير الله وسيوفكم )

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

لماذا خسرت أميركا والغرب

المعركة في أفغانستان ...؟

ضرغام الدباغ

بين يدي بحث أقوم بترجمته عن الألمانية، وهو بعنوان " لماذا خسرت ألمانيا الحرب الصاعقة في الاتحاد السوفيتي " (في الحرب العالمية الثانية). وبالطبع التساؤل والبحث لا يدور عن جزئيات الموضوع في بل في مرتكزاته الأساسية، فالخطأ والنتائج الكارثية الكبيرة، غالباً ليس بسبب غلطة أرتكبها جنرال، ولا بطولة قام بها جنرال من الطرف الآخر، بل المشكلة تكمن في جذور الأمر وفي مبادئه واستراتيجيته.

وبهذا المنهج سنقوم ببحث النتيجة المريعة التي بلغتها الولايات المتحدة والتي بها سحبت معها التحالف الغربي بأسره إلى المأزق الذي لا مفر من نتائجه الكارثية، فلنقل بدون تزويق ولا تلوين للكلمات: الهزيمة مرة ساحقة، هزيمة سيكون لها تداعياتها الواسعة النطاق.

التساؤل يبدأ هل كان من الضروري أن تذهب الولايات المتحدة إلى أفغانستان ..؟ هل كان الذهاب للمغامرة الافغانية نتيجة غضب ..؟ أو دفاعاً عن هيبة الولايات المتحدة، أم كان قراراً ينسجم مع السياسة الأمريكية الشاملة، ومثلها كان أرتكب خطأ فيثنام وكمبوديا، ولاوس، وقبلها كوريا، التي ما تزال تمثل جرحاً نازفا للولايات المتحدة، مكلفة سياسياً واقتصاديا وعسكرياً. فالأمر في أفغانستان إذن لم تكن نزوة غضب ..!

الولايات المتحدة عاقبت الشعب الأفغاني بأسره، والاحتلال هو عدوان وإهانة، سوف تلاقي حتماً من يقاومها، والمقاومة وفق القوانين الدولية والوضعية، هو عمل مشروع، والولايات المتحدة اعتمدت فيه كلياً على عنصر واحد فقط: القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة، واستخدامها لمجلس الأمن وفق مشيئتها ...ولا شيئ أكثر من ذلك البتة.

وبناء على هذا الخطأ الجسيم، توالت أخطاء جسيمة أخرى، وانحدرت في لجة من القرارات الخاطئة. والأوربيون أذكياء، أصحاب خبرة طويلة في الحروب الاستعمارية والتوسعية وحروب التدخل، لذا تبينت أطراف أوربية عديدة الخطأ مبكراً وشخصته وتنبأت بهذه النهاية التعيسة،  منها فرنسا، وألمانيا الاتحادية، وعبرت عن تشخيصها للخطأ بوسائل ناعمة. نقول ناعمة، لأن الولايات المتحدة تعتبر نفسها ذات دالة كبيرة على أوربا، بسبب دورها المهم الحاسم في الحربين العالميتين (الثانية خاصة) ومن ثم لعبت دور الحارس الأكيد والدرع الحصين لأوربا من اكتساح الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرق لأوربا الغربية. بوصفها العمود الفقري لتحالف الناتو (التحالف بين ضفتي الأطلسي). وكان رفض الذهاب لأفغانستان سيعد نسفا أكيداً لحلف الناتو، وللعلاقات الأمريكية الأوربية. وهذه معركة لم تكن القيادات الأوربية فتح أبوابها مع الولايات المتحدة.

فرنسا ديغول، عبرت بوضوح تام أنها ضد حروب من هذا النوع، ورفضت الحرب على العراق بوضوح تام، ولكنها سايرت الولايات المتحدة في الشأن الأفغاني، وبالطبع دفعت ثمن هذه المسايرة، ومثلها سائر الحلفاء الغربيين. وألمانيا بقيادة غيرهارد شرويدر رفضت الحرب على العراق بوصفها عدوانا واضحاً مخالفا بصراحة للقانون الدولي، ومن يشارك فيها يرحل على ملاكات خرق القانون ونتائجه.

وكنت قد أطلعت عام 2005 على محاضرة ألقاها المستشار الألماني الأسبق هيلموت شمت (27 / فبراير / 2005)، وهو من عباقرة من قادوا ألمانيا في كافة العهود، تحدث فيها هذا الاستراتيجي متشائماً عن مستقبل الغرب، وشخص مبكراً أن هناك قوى سياسية واقتصادية (اقتصادية خاصة)، وعسكرية وسكانية جديدة في العالم ونحن نشهد تغيرات، قد تكون في العقود المقبلة حاسمة، وعبر عن عدم رضاه عن الحلول والأساليب، ومن تلك قوله نقطة جوهرية " أن الولايات المتحدة، ما زالت تمتلك القوة للتدخل في أي بقعة في العالم، ولكنها غير قادرة على حسم الصراعات لصالحها ". وتصلح هذه الجملة لتكون مدخلا لدراسات وبحوث وتأملات في السياسة الدولية وفي ميزان القوى العالمي. وبتقديري أن المستشار الألماني المفكر، توصل بسرعة إلى رؤية العجز وإلى التخبط في زج القوى الحربية في مشكلات يمكن أن يجد العقل البشري حلولاً لها بعيداً عن القتل والتدمير، وأن الولايات المتحدة تمتلك (أو هكذا يفترض) أنها تمتلك القوى الفكرية للتوصل إلى حلول، القنابل والصواريخ ليس من بين وسائلها المعبرة. بمعنى أن بوسعها إشعال الحرائق، ولكن ليس إخمادها ....!

مشكلة القيادات الغربية، أنهم يتعاملون مع قضايا الشعوب الأخرى، وكأنها معطيات رقمية، يضعوها في ذاكرة الحاسوب، وهذه المعطيات لا تنظر إلى جوانب المنظر وتفاصيله الإنسانية، وبالتالي يتبين خطأ جنرال من لوس أنجلس، يتحدث عن الوضع الاجتماعي في قندهار، وبالتالي وفق المعطيات والحسابات الدفترية، فبرأيه أنه أكثر رقيا من مجتمع قندهار، وقد يكون الأمر مختلفا كلياً. ووفق تسجيلات أمريكية وغربية كثيرة (لدي ملفات تحوي على عشرات التقارير) أن العسكريين الأمريكان يظهرون من سوء التصرف والوحشية ما لا يفعله أي شخص غاطس في التخلف لفوق أذنيه، وأن التحضر ليس تناول المكدونل والهمبرغر، التحضر هو غير هذا تماماً .... أبعد بكثير..  إنها عملية إنسانية ثقافية متكاملة الأبعاد والأهداف. والمجتمع الأمريكي وعقله السياسي والتربوي والثقافي ينقصه الكثير جداً ليبلغ مستوى الأمن والسلام الداخلي، والشاهد على هذا الاحصائيات الأمريكية نفسها.

الأرقام والإحصائيات تشير إلى تزايد الإصابات العقلية لدى الجنود الغربيين، وميلهم الشديد للقتل وإطلاق النار بشكل عشوائي والتلذذ بالتعذيب والقتل والاعتداء الجنسي، وهذه نتيجة مدهشة لمجتمع يفترض أن أفراده يتلقون دراسة ابتدائية والمتوسطة والثانوية، ناهيك عن الجامعية، بمستويات راقية، وإذا بهم يأتون أفعال وحشية تندى لها جبين الإنسانية. ويمارس أفرداه السرقة والتهريب، وغسل الأموال، بما في ذلك سرقة ونهب الآثار والتحف الثمينة، والمصوغات الذهبية، والعملات. لم يعد سراً أن النظام التربوي الأمريكي فاشل، وهذا ما يصرح به علماء أمريكيون بارزون.

وخلاصة هذه التصرفات، أظهرت للناس في أفغانستان، وقبلهم في فيثنام أن ليس لدى هؤلاء ما يجلبوه لنا سوى الخراب والدمار والقتل والنهب، وبهذه النتيجة تم تصنيفهم كوباء يجب التخلص منه مهما كبرت التضحيات. وهذه القناعة مثبت الخطوة الأولى في مسرة الفشل التي أضطر الأمريكان للأعتراف بعد نحو عشرين عاماً أنهم اخطأوا وسينسحبون.

اخطأوا في فيثنام وانسحبوا، واخطأوا واعترفوا بأنهم سلموا العراق الرائع في طبق من ذهب للنمل الأبيض الإيراني، ملالي همج متخلفين  يسحقون كل شيئ في بلد كان على وشك أن يغدر  العالم الثالث ... لماذا ...؟

 بين يدي تقارير كثيرة تتحدث عن الخسائر التي تكبدها الأمريكان والغرب في أفغانستان، الخسائر البشرية والمادية، وحتى في المصادر الرصينة منها متناقضة بشكل غريب، ولكن الخسائر في الأرواح بالنسبة للأمريكان  لا تقل عن 3 ــ 5 ألف عسكري في أفغانستان، و  4 ــ 5 ألف عسكري من الناتو، أما الخسائر المادية  فهي لا تقل عن ترليون دولار في أفغانستان، وعشرات المليارات لبقية دول الناتو أقدرها بين 50 ــ 100 مليار دولار. هذا ناهيك عن أعداد الجرحى والمعوقين ونفقات تشغيل الأنظمة الحربية (معدات، طائرات، سفن ..الخ). هذه الجهود والأموال والضحايا من كل الأطراف لماذا ...؟ ألم يكن بالإمكان استثمار ذلك في نتائج أفضل ..؟ في حرب لم تكن حتمية مطلقاً ...!

وهناك تقارير شبه مؤكدة تشير استناداً إلى معطيات أمريكية، كجمعيات المعاقين، والمحاربين القدماء، وجرحى الحرب، أن الخسائر الأمريكية هي أضعاف ذلك. فلقد ثبت أن الجيوش الأمريكية تستخدم أجانب بصفة جنود على أمل منحهم الجنسية الأمريكية، فإن قتلوا لا تعتبرهم أمريكيين، وهناك قتلى تعتبرهم ضحايا حوادث، كحوادث سقوط الطائرات مثلاً، ناهيك عن استخدام الولايات المتحدة شركات تقوم بالحراسات، والدوريات والقتال كشركة بلاك ووتر مثلاً، ولا تعتبر هؤلاء جنوداً في جيشها، وبالتالي ليسوا في عداد الخسائر الأمريكية. وتسجل لهم هذه البدعة الغير مسبوقة في تجنيد المرتزقة ..!

الغريب أن الولايات المتحدة والعالم الغربي يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كثيراً، ولكنهم بالمقابل يستخدمون الأسلحة والقتل والاغتيالات، والمال للرشوة والفساد، ويسرقون وينهبون ويقيمون السجون السرية والعلنية ويمارسون التعذيب والتصفيات أكثر من غيرهم ... لماذا ..؟ الولايات المتحدة تقدمت بنظرية العولمة (Globalisation) وفي التطبيقات العملية كانت تعني فقط : دعنا نسرقك، وننهبك، ونحيلك إلى تابع، وإلا فأنت إرهابي تستحق أن نطلق صواريخنا عليك ..!

 

إلى ماذا ستقود مجموع هذه السياسات ..؟ هل ستؤدي إلى إعجاب الشعوب بالمبادئ والمثل الأمريكية ..؟ أم إلى احتقارها ..؟ كم خرج علينا كتاب ومدعي الفكر بلافتات " القوة الناعمة "، ومن هذا الدجل وشعوب العالم تكتوي بنيران صواريخهم .. مخلفة القتلى والجرحى والمعاقين ..!  فلينظروا في سجلاتهم كم مواطن يقتل يوميا سواء بإطلاق النار المباشر أو بكسر عظام الرقبة (وهذا منجز بوليسي يسجل بأسم الحضارة البوليسية الأمريكية)، فليذكروا صراحة احصاءات عن الأعتداءات العنصرية ضد ملونين (ضد أصول أفريقية وصينية ويابانية وأسيوية)، فليصرحوا عن الاعتداءات ضد الساميين المسلمين واليهود المسجلة في سجلات البوليس، فليذكروا عدد المنظمات الإرهابية المسلحة التي تستهدف هذه الفئات، بل وحتى بين الطوائف المسيحية ذاتها (بروتستانت، كاثوليك، أرثودوكس شهود يهوة ....الخ)، وبعدها ليخجلوا من أعتبار أنفسهم المدافعين عن حقوق الإنسان، سيفاجأ القراء عندما يعلمون أنها بالمئات، ومن أشهر أعمالهم الإرهابية  هو تفجير مركز التجارة العالمي في مدينة أوكلاهوما الأمريكية (19 / نيسان/ 1995) أسفر عن قتل 168 وإصابة 600 آخرين.

 

العنصرية موجودة في الولايات المتحدة منذ الحقبة الاستعمارية، فقد أُعطي الأمريكيون البيض امتيازات وحقوقاً انحصرت بهم فقط دوناً عن كل الأعراق الأخرى، منح الأمريكيون الأوروبيون (خاصة البروتستانت الأنجلوسكسونيون البيض الأغنياء) امتيازات حصرية في مسائل التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائية طوال التّاريخ الأمريكي.  وأقاموا مجتمعا عنصريا أعتدائيا في الداخل، توسعياً في الخارج ... لذلك يندر أن تجد شعبا لم يكتوي بنيران الإمبريالية الأمريكية.

 

 

 

سد النهضة

 تداعيات واحتمالات

 

د. ضرغام الدباغ *

 

في أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا، يلاحظ بكل بساطة أن الموقف الأثيوبي هو مرسوم وبحدود مثبتة، ويبدو أن المفاوض الأثيوبي، مع أطراف الأزمة: مصر والسودان، أو الأطراف الأفريقية التي تعرض وساطتها، يبدو خلالها الوسيط الأثيوبي بالغ التصلب، وموقفه يفتقر لأي مرونة، مما يؤكد أن الوفد الأثيوبي المفاوض بصرف النظر عن مستواه، يفتقر إلى صلاحية اتخاذ القرار، فالمناورة في أزمة كهذه هي أكبر بكثير من قدرات أثيوبيا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، واستعداء دولتين كمصر والسودان بثقلهما، مقابل مكاسب تبدو هزيلة قياساً إلى المتوقع من الخسائر، مما يشير بوضوح أن هناك قراراً قد أملي على الموقف الأثيوبي، بالمضي بالتصلب، إلى أبعد حد، وتجاوز جميع الاحتمالات .. وأن هناك طرفا خفياً يريد استثمار الأزمة إلى أقصى درجة والحصول على جائزة ... ترى ما هي الجائزة، وبما وعدوا أثيوبيا، وماذا يريد من هو وراء الأزمة ...؟

أثيوبيا سوف تتحكم بجزء كبير من مياه نهر النيل شريان الحياة في مصر، وتمتنع أثيوبيا من التوصل لأي أتفاقية ملزمة، دون إبداء أسباب وجيهة مقابل مخاطر جدية وحيوية لمصر والسودان. فبوسع أثيوبيا أن تنتج الكهرباء، وبوسعها أن تقيم التنمية وبوسعها أن تحقق الأمن والسلم الاجتماعي، ولكن دون إلحاق الضرر الشديد بمصر. وبوسع السودان أن تقيم السد وأن توفر المياه، ولكن بخطوات مدروسة وبرنامج متفق عليه لا يخسرها شيئاً، ولا يلحق الضرر بمصر والسودان. ولكن اثيوبيا ترفض وتصم أذنيها عن كل حل معقول، كل الحلول المفيدة التي لا تضر أحد من الأطراف مرفوضة، فالخطة التي فرضت على أثيوبيا " ألحاق الضرر بمصر والسودان هو الهدف الأول والأخير ".

ومن تلك السيناريوهات التي عرضت على أثيوبيا منها ما يتعلق بالأحداث الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات. كما وضع أمام الإثيوبيين عدة احتمالات لتفادي أي أضرار محتملة لسد النهضة، منها في حالة أن يكون السد العالي وسد النهضة ممتلئين بالمياه، فماذا سيكون الوضع وكيف يمكن تشغيلهما سويا؟ وماذا لو كان السدان ممتلئين وكان الفيضان عاليا وكبيرا فماذا نفعل؟ وما الكمية المتاحة للتخزين والتصريف؟ فالمخاطر هنا شديدة فيما لو تعرض السد الأثيوبي لحادث أو لضغط وأضراره على السودان، وعلى السد العالي (مصر)، فستجرف المياه المنفلتة مدناً كاملة.

حسناً، الأمر لن يعبر على الإدارة المصرية ذات الباع الطويل علماً ومقدرة كفاءة في أدارة المياه، وأي أزمة مماثلة. فمصر تسعى ما استطاعت لذلك سبيلاً، أن تتجنب تصعيد الأزمة مع أثيوبيا إلى حدود قد تتجاوز القدرة على السيطرة، وتبذل جهوداً دبلوماسية كبيرة، وتستخدم نفوذها وثقلها الأفريقي، ولكن دون أن يتزحزح الموقف الأثيوبي قيد شعرة رغم إدراكها التام أبعاد العداء مع مصر ذات الثقل العربي والإسلامي والأفريقي، وهذا يؤكد مرة أخرى أن هناك من يوحي ويلقن ويحرض ...!

ولا يحتاج الأمر للكثير من الذكاء لمعرفة من وراء الاستشراس الأثيوبي ...! وقد سربوا الرسائل لتصل بصورة مباشرة أو غير مباشرة لمصر ... وتحقيق جملة أهداف بعيدة وقريبة، تجعل مصر تنشغل بحالها ضعيفة لا آفاق كبيرة أمامها، وتحديد عدد السكان ... والهدف المباشر هو رسالة مقتضبة من كلمتين : تخلوا عن سيناء لتقام عليها الدولة فلسطينية. سيناء مقابل النيل ...

والقيادة المصرية بالطبع تدرك أبعاد الأزمة، ومن معها ومن خلفها، وأدوار المشاركين الأبعدين والأقربين.، وهم أفضل من يجيد قراءة الأجندات والاحتمالات، وقد استعدوا لها وللمشكلات المتوقعة، وسبل تفادي أزمة مياه. والخيارات المصرية(بتقديري)، هي أبرزها:

أجرت الأجهزة المصرية دراسات عن نقل مياه الكونغو من مسافة 600 كم من خلال 4 محطات ضخ،  وقدراته الكبيرة إلى مجرى النيل عبر السودان الجنوبي والسودان، ومصر، ومن ثم ليعوض عن شحة المياه الأثيوبية. ونهر الكونغو هو ثاني أكبر نهر في العالم من حيث الدفق المائي بعد نهر الأمازون حيث يلقي هذا النهر ما يزيد عن ألف مليار متر مكعب من المياه في المحيط الأطلسي. يشمل حوض نهر الكونغو، عدة دول هي جمهورية الكونغو الديمقراطية والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى والغابون وجزءا من غينيا. وكشف المقترح عن إمكانية توليد طاقة كهربائية تبلغ 300 تريليون وات/ ساعة وهي تكفي لإنارة قارة أفريقيا، والمشروع يمكن أن يتم على عدة مراحل حسب توافر ظروف التمويل، وأن المدى الزمني لتنفيذ المشروع، في حالة تنفيذ السيناريو الثالث يستغرق 24 شهرًا بتكلفة 8 مليارات جنيه مصري وهي تكلفة محطات الرفع الأربع لنقل المياه من حوض نهر الكونغو إلى حوض نهر النيل، بالإضافة إلى أعمال البنية الأساسية المطلوبة لنقل المياه.

تنظيم ممتاز للموارد المائية المصرية وذلك عبر الاستفادة من بحيرات توشكي والقنوات المائية المرتبطة فيها.

ترشيد استهلاك المياه، والتصرف بحكمة بالموارد المتاحة.

تعبئة منخفض القطارة : إما بالمياه العذبة الفائضة من السد العالي، أو بملئها بمياه مالحة من البحر الأبيض المتوسط، مما سيساعد على تحسين البيئة، وزيادة نسبة الأمطار.

تكثيف إقامة محطات تحلية المياه، لتخفيف أزمة الماء للشرب.

نحن على يقين أن القيادة المصرية ستختار أفضل الخيارات لمواجهة .. هذا الموقف وتفرعاته .. اللهم أحفظ مصر العروبة وشعبها وجيشها ...

الأهداف البعيدة لتطويق مصر بالأزمات، معروفة، وهي بخلاصة واحدة: رسم أبعاد جديدة للشرق الأوسط، ولهذه سنفرد يوماً بحثاً لهذه الموضوعة ..!

*اكاديمي عراقي مؤسس المركز العربي – الالماني (من كتاب البلاد)

 

 

 

 

ما هي الابراهيمية

 وإلى ما تهدف

ضرغام الدباغ

 

يتردد كثيراً في أجهزة الإعلام هذه الأيام مصطلح " الإبراهيمية ــ الديانة الإبراهيمية "، لفظة تتردد في الأجهزة الموالية للغرب والتي تتولى تسويق سياساته، وبعض الناس يحتارون في إدراك كنهة هذا المصطلح وأبعاده، ولكن وكالعادة هناك من رجال الدعاية (Propagande)  ممن يعتبرون أنفسهم إعلاميين (وهناك فرق بين المهنتين)، من يعملون كمروجين ومسوقين بالأجرة، فيحاول,k أن يشرحوا هذا الدين السياسي الجديد، ويعرضوا متانته وقوته، والفوائد التي ستجنيها شعوب الشرق الأوسط .... وهم يدركون تمام الإدراك أنه يعرض سلعة مزورة ... فشأنه شأن من يبيعون جوازات السفر المزورة في الأزقة المظلمة ..!

المصطلح الجديد يفتقر جداً ل (Argumentation)، ويفتقر أكثر للمحتوى لكي يمثل قوام "الأساس" (Fundament) .. فلنقل : الأساس النظري أو الروحي، وحتى كمبرر تلفيقي يمثل العنصر المساعد في تجرع هذه الفرية الكبيرة، التي حكمت على نفسها بالفشل لأنها فقيرة جداً ولا تمثل شيئاً يستحق الذكر.

يزعم مروجوا الدين الجديد أن إبراهيم بوصفه أب الأنبياء، فهو بهذا المعنى مثل نيكولاي غوغول الذي خرج الأدب الروسي من معطفه، فإن الأديان السماوية الثلاثة وهنا بيت القصيد : اليهودية والمسيحية والإسلام هي من أرومة واحدة ومن معطف إبراهيم ... حسناً وماذا بعد ... أن هذه الديانات هي واحدة  ... وهذا يتيح لي أن ألعب كما أشاء في هذه المنطقة ..!

بهذا المنطق المفلوج يسوقون السموم، منطق يصطدم فوراً ببديهيات واضحة كنور الشمس التي لا تغطيها عشرة غرابيل. إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تتحد أولاً الطوائف المسيحية الثلاثة: الأرثودوكسية والكاثوليكية والبروتستانتية، والطوائف اليهودية المختلفة : مثل الصدوقيين واليهودية الهلنستية خلال فترة الهيكل الثاني، والقرائيين والسبتانيين خلال الفترة المبكرة واللاحقة من العصور الوسطى، وبين شرائح الطوائف غير الأرثوذكسية الحديثة. والفروع الحديثة لليهودية مثل اليهودية الإنسانية، أكبر الحركات الدينية اليهودية هي اليهودية الأرثوذكسية (والتي تضم اليهودية الحريدية واليهودية الأرثوذكسية الحديثة) واليهودية المحافظة واليهودية الإصلاحية.

وسؤال بديهي آخر يطرح نفسه، إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فهل هذا يعني أنها ستشمل العالم كله ...؟ وماذا عن البوذيين وعن الديناات الأخرى وهم بالملايين كالسيخ والهندوس ..!

ولماذا كل هذه المشاق .. إن كان لطرف من الأطراف فكرة تحالف سياسي أو اقتصادي فليعرض الفكرة وفوائدها ومحاسنها ... وكفى الله المؤمنين إبراهيميين أو غيرهم شر القتال ..!

وثمة وجهة نظر أخرى، إذا كان طرف، كان من يكون قد ضجر من انتماؤه الديني، فليعبر عن ذلك صراحة، ولماذا يطرحه ويسوقه للناس كمنهج جديد ..!

ولندخل لصلب الموضوع ... إذا كان طرف من الأطراف يريد أن يلتحم مع دولة واحدة أو عدة دول فليفعل ذلك وهذه لا يحتاج لا لإبراهيمية ولا لديانة أخرى، المطلوب فقط أن تكون النوايا مخلصة ولا تنطوي على رغبات دفينة بالتوسع.

سأسهل الأمر على من يريد التوسع ويتخذ من الأديان لافتة مهترئة ... هذه دروب مكشوفة، غير مخلصة، ومن يريد أن يطبل فليفعل بغير هذا الطبل ... فهذه طبول ممزقة، وقد حاولت جهات التوسع حتى بأسم الإسلام وفشلت، وهناك من حاول التوسع بأسم الطائفية وفشل ... وهناك قوى استعمارية عملاقة اقتصاديا وعسكرياً حاولت أن تتسع بواسطة التبشير وفشلت أيضاً، وسأقول أيضاً لم وضع هذه الفكرة برأسه أن القوى الاستعمارية القوية المتمكنة والتي غلفت التبشير بمغريات لا تقاوم، فأقامت المدارس، والكنائس، والمستشفيات، على شعوب فقيرة وبائسة، في أفريقيا وفشلت كذلك ... ولم تنجح إلا بجهد جهيد بكسب أقلية ضئيلة جداً وحتى هذه الأقلية الضئيلة رفضت الأستعمار والدعايات الاستعمارية.

ولينظروا إلى الفرس، الذين حاولوا أن ينجحوا بأستخدام أساليب مشابهة وأجمل، فمنحوا المنح الدراسية لطلبة يدرسون في جامعاتهم، وربما بعضهم في مجال الدراسات الدينية، وأخذوهم زيارات إلى إيران ليقضوا أيام " ممتعة " ولم يقصروا بالانفاق عليهم، وما نجحوا إلا بشق الأنفس مع أعداد قليلة لا تستحق هذا العناء .

أقول لكل من يحاول تمرير أفكار ومشاريع سياسية أن يتذكر هذه الأمثلة الحقيقية وهي ليست قديمة بل معاصرة، وليتذكر أن الدين هو نظام اعتقادي يحدده الإنسان بنفسه، بعلاقته بالخالق، وبالتالي الأمر أبعد ما يكون عن طريق إصدار مراسيم، وتشكلات فنية. وفي العمل السياسي تتجه حتى الحركات الدينية صوب العلمانية، ومشكلات المجتمعات اليوم لا تحلها توجهات دينية، بقدر ما يحلها تعاون اقتصادي وسياسي.

 

 

 

 

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا