الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

 

جميل السلحوت كاتب فلسطيني

 

احتلال القدس مرة أخرى

جميل السلحوت

 في الصّراع على السّلطة في اسرائيل أعاد المحتلون الإسرائيليّون احتلال القدس من جديد، يوم  الثلاثاء 15 حزيران 2021، ففي تظاهرة ما يسمّى "مسيرة رفع الأعلام" وشارك فيها أعضاء كنيست، وصاحبتها هتافات فاشيّة مثل "الموت للعرب"، كان عدد رجال الأمن الإسرائيلي الذين يحمونها أكثر من عدد "رافعي علم الاحتلال"، وهذا يؤكد من جديد أنّ السّيادة في القدس العربيّة المحتلّة للشّعب الفلسطينيّ، وأنّ المحتلّين يسيطرون على المدينة المقدّسة بقوّة السّلاح.

ويلاحظ أنّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة السّابق نتنياهو، لم يرضخ للواقع السّياسيّ المأزوم ولم يستسلم لمصيره وفشله في البقاء على رأس حكومته، ولم ولن يدّخر جهدا في سبيل إفشال الحكومة الجديدة، لذا فقد أجّل ما يسمّى "مسيرة رفع الأعلام" في القدس العربيّة المحتلّة؛ ليتركها للحكومة الجديدة، كي يضعها في صدام مع جمهور المتطرّفين في محاولة منه لإسقاطها بالسّرعة الممكنة، والذّهاب لانتخابات جديدة يحلم بأن تكون لصالحه، وبما أنّهم يسابقونه في التّطرف فقد سمحوا "للمسيرة" بعد أن جمعوا ما استطاعوا من قوّة أمنيّة مسلّحة لإنجاحها، وهذا ليس غريبا ولا جديدا في المنافسة الحزبيّة والصّراع على السّلطة في دولة الاحتلال، فقد اعتادوا أن يكسبوا أصوات ناخبيهم من خلال هدر دم وحرّية وكرامة الشّعب الفلسطينيّ. ولم تبخل حكومة بينيت-لبيد الجديدة في قمع المقدسيّين الفلسطينيّين، ومنعهم بالقوّة من التّواجد في شوارع وأسواق مدينتهم؛ لتوفير الحماية للمستوطنين المتطرّفين؛ ليعربدوا كما يشاؤون في المدينة المقدّسة. ولن تتوقّف "مسيرات" العربدة الاحتلاليّة على القدس فقط، بل ستتعدّاها إلى بقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة المحتلّة، حيث يخطّطون للقيام بمسيرات استفزازيّة أخرى يوم الإثنين القادم 21 حزيران الحالي في مختلف مناطق الضّفّة الغربيّة المحتلّة وتحت حماية جيش الاحتلال. وهذا يدخل المناطق الفلسطينيّة المحتلة في مرحلة جديدة من الصّراع، تتمثّل بما يمكن تسميته "بانتفاضة المستوطنين"، التي تطالب بالإسراع في استيطان الأراضي المحتلّة خصوصا تلك المصنّفة بمنطقة "c" حسب تصنيفات خطيئة اتّفاقات أوسلو. وهذا أيضا لا يتناقض مع سياسة حكومة الاحتلال الجديدة برئاسة بينيت الذي أكد من على منبر الكنيست في كلمته لنيل الثّقة بحكومته الجديدة على استمرار الإستيطان في " مختلف المناطق خصوصا منطقة "c". ويبدو أنّ سياسة نتنياهو في قلب معادلة الصّراع من "الأرض مقابل السّلام" إلى السّلام مقابل السّلام"، وتطبيع العلاقات مع أنظمة عربيّة متصهينة في ظلّ تكريس الاحتلال، قد شجّعت أحزاب الإستيطان للقيام " بانتفاضات استيطانيّة" يحميها جيش الاحتلال لمواجهة الإنتفاضات الإنتفاضات والهبّات الشّعبية الفلسطينيّة الرّافضة والمقاومة للاحتلال. وهذا سيدخل المنطقة في معادلة صراع الوجود بدل صراع الحدود، وستكون نتائج ذلك وخيمة على المنطقة برمّتها، وعلى السّلم العالميّ أيضا.

 

 

الشيخ جراح والتطهير العرقي

جميل السلحوت

عملية تهجير مواطني حيّ الشّيخ جرّاح لا يمكن وصفها إلا بالتّطهير العرقيّ الذي لم يتوقّف يوما في القدس منذ احتلالها عام 1967. فالقوانين الإسرائيليّة المعمول بها في المحاكم الإسرائيليّة عنصريّة وتستهدف الفلسطينيّين وطنا وشعبا وأرضا وثقافة، وهي مخالفة للقانون الدّولي وللوائح حقوق الإنسان ولاتّفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، ولقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، لهذا فإنّ الدّبلوماسيّة الفلسطينيّة والجامعة العربيّة مطالبة بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدّوليّ، لبحث قضيّة التّطهير العرقي في الشّيخ جرّاح. ومع التّقدير للحكومة الأردنيّة التي أعطت وثائق ملكيّة العقارات لثمان وعشرين بيتا فيّ الشّيخ جرّاح، فإنّها مطالبة بالمزيد وضرورة دفاعها عن أصحاب البيوت خصوصا وأنّ المقدسيّين الفلسطينيّين يحملون جوازات سفر أردنيّة. وهناك تبادل دبلوماسي بين الأردنّ واسرائيل بعد اتّفاقيّة وادي عربة عام 1994 بين البلدين.

وإذا كانت اسرائيل تدّعي أنّ البيوت تعود ملكيّتها ليهود قبل نكبة الشّعب الفسطيني في العام 1948، فهناك عشرة آلاف عقار في القدس الجديدة التي احتلّت عام 1948، وجزء من أصحاب هذه العقارات يعيشون في القدس، فهل ستعيدها "اسرائيل الدّيموقراطيّة" لمالكيها الفلسطينيّين؟

وقضيّة البيوت التي صدرت أوامر قضائيّة بإخلائها من مواطنيها الفلسطينيين ليست منفصلة عن مخطّط تهويد القدس برّمّتها، ففي الشّيخ جرّاح جرى الاستيلاء على فندق"شبرد" وإقامة أبنية استيطانيّة على أنقاضه، كما جرى مصادرة "كرم المفتي" بما في ذلك البيت الذي كان يسكنه الحاجّ أمين الحسيني مفتي القدس والدّيار الفلسطينيّة زمن الإنتداب البريطاني. ويجري العمل على ترحيل المنطقة الصّناعيّة في وادي الجوز، لبناء وبشراكة وتمويل من الإمارات التي ما عادت عربيّة ما يسمّى "وادي السلكون" للإلكترونيّات على غرار وادي الذّهب في ولاية كالفورنيا الأمريكيّة، وبذا يتم ربط الجامعة العبريّة ومستشفى هداسا المقامين على جبل المشارف بالحزام الإستيطاني مع القدس الغربيّة. كما سيجري إحكام الحزام الإستيطاني على القدس القديمة من جهتي الشّمال والشّرق، وسيمتد البناء الإستيطانيّ من حيّ الشّيخ جرّاح عبر واد الجوز جنوبا، ليعزل القدس القديمة والمسجد الأقصى عن جبل الزّيتون، وليستمرّ البناء الإستيطاني حتى يصل حيّ البستان في سلوان، وليصبح الإقصى محاصرا من جميع الجهات بعد الإستيلاء منذ عام 1967 على حائط المسجد الغربي "حائط البراق". ولتستكمل دولة الاحتلال استيطان ما تسمّيه "الحوض المقدّس" الذي يمتد من حيّ الصّوّانة على السّفوح الغربيّة لجبل الزّيتون مرورا بكنيسة الجثمانيّة حتّى حيّ البستان في سلوان، وسيتواصل البناء الإستيطاني شرقا لربط مستوطنة معاليه أدوميم مع القدس، ولعزل القدس تماما عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربيّ.

وتهويد الشّيخ جرّاح وتشريد مواطنيه ليس قضيّة عابرة، وليست القضيّة الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبقها منذ احتلال المدينة المقدّسة في حزيران 1967 هدم حارتي الشّرف والمغاربة المحاذيتين للمسجد الأقصى من الجهة الغربيّة، وتمّ تشريد ستّة آلاف فلسطيني كانوا يعيشون فيها، وتم بناء حارة استيطانيّة لليهود عليها.

إنّ التّطهير العرقي الجاري في حيّ الشّيخ جراح يدقّ جرس الإنذار بأنّ القدس مستهدفة بشكل خاصّ وبقيّة الأراضي العربيّة المحتلّة بشكل عامّ.

5-5-2021

 

 

 

لنتحاور بهدوء

حول الإساءة للأديان

جميل السلحوت

 

إذا كان الرّئيس الفرنسيّ ماكرون من أتباع ديانة أخرى فهذا حقّه"لا إكراه في الدّين"، لكن ليس من حقّه ولا من حقّ غيره أن يسيء للدّين الإسلاميّ، فالإساءة للأديان لا تدخل ضمن ما يسمّى حريّة الرّأي، وبغضّ النّظر عن الإيمان أو عدمه، فإنّ الإساءة لأيّ دين هي إساءة لمعتقدات ومشاعر أتباع هذا الدّين، لكن يبدو أنّ العالم الغربيّ يتخطّى كلّ الأخلاقيّات والمعتقدات وحقوق الإنسان عندما تتعلّق الأمور بالعرب والمسلمين. فالرّئيس الفرنسيّ ماكرون الذي يخاطبه العالم كما يخاطب أقرانه بفخامة الرّئيس! يتخلّى عن "فخامته" ويزجّ نفسه في صراع مع أكثر من مليار ونصف المليار إنسان من أتباع الدّين الإسلاميّ، وهو وغيره قد يخسر هذا اللقب عندما تنتهي مدّة رئاسته، لكنّ الرّسول محمّد عليه الصلاة والسّلام، سيبقى نبيّا ورسولا كغيره من الأنبياء والرّسل -عليهم السّلام-ما دامت على هذه الأرض حياة. صحيح أنّ الطالب الشّيشانيّ المسلم الذي قتل معلّمه الفرنسيّ دفاعا عن معتقداته قد ارتكب جريمة قتل، وسيحاسب عليها، لكنّ هذا لا يعطي دافعا لرئيس دولة كي يعتدي على دين سماويّ وعلى مشاعر ومعتقدات مليار ونصف المليار مسلم. ولو عاد الرّئيس الفرنسيّ لتاريخ بلاده وتاريخ حلفائه لوصل دون عناء للأسباب التي تجعل بعض الشّباب المسلم يلجأون إلى التّطرّف، فهم من خلقوا التّطرّف الإسلاميّ بطاحونة إعلامهم التّضليليّة، ومن خلال الوثائق التي نشرتها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة السّابقة تؤكّد أنّ أمريكا وحلفاءها في حلف النّاتو وحليفتهم اسرائيل هم من أسّسوا ودعموا تنظيمات إسلاميّة متطرّفة كالقاعدة وداعش وجبهة النّصرة، وأنصار الشّام وغيرها، لتقوم بأعمال إرهابيّة في المنطقة العربيّة، فقامت بتغرير وتضليل بعض الشّباب المسلم، مستغلّة العواطف الدّينيّة لهؤلاء الشّباب، ليكونوا وقودا في الحروب الظالمة التي استهدفت العراق وسوريّا وليبيا، والسّودان والصّومال والجزائر وغيرها، فدمّرت وخرّبت وقتلت وشرّدت الملايين، في سبيل تطبيق المشروع الأمريكي" الشّرق الأوسط الجديد" لإعادة تقسيم المنطقة لدويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعي.

وهل ينسى الرّئيس الفرنسيّ ما قامت به بلاده وغيرها من الدّول الأوروبّيّة، ولاحقا تبعتهم أمريكا من حروب استعماريّة، استهدفت الدّول العربيّة والإسلاميّة، فقتلوا الملايين ونهبوا وما زالوا ينهبون خيرات هذه البلدان؟

وهل كان الرّئيس الفرنسيّ أو غيره ممّن يتشدّقون بحرّيّة الرّأي سيسمح لأيّ كان أن يبصق أو يبول على تمثال لأحد الرّموز الفرنسيّة بذريعة حرّيّة الرّأي؟ وبالتّأكيد أنّه لن يسمح بذلك؟ وبالتّالي فلماذا سمح لنفسه أن يتبرّز من فمه بالسّماح بالإساءة إلى خاتم النّبيّين؟

والقضيّة أنّ الإساءة هنا لا تتعلّق بشخص ما، وإنّما تتعلّق بمعتقدات ورموز دينيّة، وهنا مكمن الخطورة. وإذا كان ماكرون يجهل قداسة المعتقدات في الإسلام فبإمكانه أن يستعين بمستشاريه وبمراكز الأبحاث في بلاده.

25-10-2020

 

 

 

نسب ورواية

الرّامة التي لم تُروَ

 

جميل السلحوت

 

بالتّعاون بين دار طباق للنّشر والتّوزيع في رام الله، وبين "البيت القديم متحف د.أديب القاسم حسين في الرّامة الجليليّة" صدر قبل أسابيع قليلة كتاب "الرّامة... رواية لم تُروَ بعد-1870-1970. تأليف د.أديب القاسم حسين، ونسب أديب حسين. يقع الكتاب في 640 صفحة من الحجم الكبير.

من يقرأ هذا الكتاب الموسوعيّ سيقف حائرا عن كيفيّة اشتراك المؤلّفين الدّكتور أديب القاسم حسين المتوفّى عام 1993م، وبين ابنته نسب التي لم تكمل عامها السّادس عندما توفّي. وكيف صدر هذا الكتاب في الرّبع الأخير من العام 2020، أي بعد وفاته بحوالي سبعة وعشرين عاما.

وهذا يستدعي منّا تعريف الباحثين قبل القرّاء العاديّين بالأديبة الشّابّة نسب أديب حسين.

عرفتُ الأديبة نسب أديب حسين في العام 2008 عندما جاءت لحضور أمسية ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة الدّوريّة في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس، وكانت قد التحقت بالجامعة العبريّة في القدس لدراسة الصّيدلة، وواظبت بعد ذلك على حضور النّدوة والمشاركة بنشاط لافت في فعاليّاتها. ولفتت انتباهي وانتباه غيري من روّاد النّدوة بتميّزها وتميّزها ثقافة وأخلاقا كفتاة في بدايات شبابها، وكشخصيّة قياديّة ثقافتها أكبر من عمرها بكثير.

وعرفت أنّه قد صدر لها رواية وهي طالبة في المرحلة الثّانويّة. فواصلت قراءاتها النّقديّة للكتب الأدبيّة التي تطرحها النّدوة للنّقاش، وللمسرحيّات التي كانت تعرض على خشبة المسرح. إضافة لكتابتها للقصص القصيرة التي كانت تشي بنفس روائيّ بائن.

ونسب ذات الطّموح الكبير واصلت دراستها علوم الصّيدلة بتفوّق، لم تكتف بالنّشاط الأسبوعيّ الثّقافي لندوة اليوم السّابع، فاشتركت مع زميلتها الشّابّة مروة السيوري في العام 2011 بتأسيس ملتقى"دواة على السّور" وهي نشاط ثقافيّ شهريّ جمعتا فيه أصحاب المواهب الشّابّة. وفي الوقت نفسه التحقت بجامعة القدس الفلسطينيّة، وحصلت في العام 2017 على الماجستير في الدّراسات المقدسيّة، وفي هذه الفترة صدر لها أربع مجموعات قصصيّة.

وفي العام 2015 حصلت على جائزة دولة فلسطين في الآداب والفنون والعلوم الإنسانيّة عن المبدعين الشّباب، كما حصلت على الجائزة الأولى في مسابقة نجاتي صدقي للقصّة القصيرة التي تشرف عليها وزارة الثّقافة الفلسطينيّة.

وبما أنّ نسب مبدعة وخلاقة فقد أسّست في العام 2006 متحفا تراثيّا في جزء من بيت العائلة الموروث أبا عن جدّ، ليحمل اسم أبيها الرّاحل د. أديب القاسم حسين.

وفي شهر أيلول-سبتمبر- 2020 صدر لها كتابان أوّلها " الرّامة -رواية لم تُروَ" وثانيهما هو" المتاحف والصّراع الفلسطينيّ على هوية القدس الثّقافيّة المعاصرة" وهو دراسة بحثيّة صدرت عن وزارة الثّقافة الفلسطينيّة.

وأنا هنا أرى أهمّيّة وضرورة لكتابة هذه العجالة للتّعريف على الكاتبة، قبل قراءة بحثيها المتميّزين آنفي الذّكر.

وفي الواقع أنّني شخصيّا لم أتفاجأ بصدور بحثي أديبتنا نسب أديب حسين، حيث أنّني أزعم بمعرفتي للكاتبة عن قرب، وبمعرفتي لقدراتها ومبادراتها الثّقافيّة اللامحدودة.

وما لفت انتباهي وأثار دهشتي وإعجابي هو العمل البحثيّ الذي قامت به نسب، هذه الفتاة الشّابّة التي تفوّقت في هذا المجال على نفسها وعلى من سبقوها، وعلى لاحقيها، فهي لم تترك للاحقين ما سيكتبونه عن "الرّامة" في الفترة التي طرقتها، فأن تقوم شابّة بهذا العمر وقد بدأت بحثها وهي في العشرينات من عمرها بالكتابة عن مراحل سابقة وعن أخرى معاصرة، فهذا أمر مثير للإنتباه، وهذا يذكّرني بالكاتبة التي كانت تقول وهي في بداية العشرينات من عمرها:" في أيّام زمان كنّا.....................!" وهذا ممّا كان يدفعني إلى الضّحك إعجابا وتساؤلا، فعن أيّ زمن ماض تتحدّث هذه الفتاة وهي لا تزال في نهايات مرحلة الطّفولة؟ وأنا الآن أتساءل حول إذا ما كانت تلك "الطّفلة" تختزن في ذاكرتها ما أتحفتنا به هذه الأيّام وهي في عزّ شبابها؟ أو هل كانت مشغولة بذلك وهي في تلك المرحلة العمريّة؟

لكنّ هذا لا ينفي دهشتي من كتابها البحثيّ عن بلدتها الرّامة، فقد فاق توقّعاتي، حيث وجدت نفسي أمام بحث موسوعيّ عن بلدة فلسطينيّة تقع على جبل حيدر، في الجليل الفلسطينيّ، وعلى امتداد سلسلة جبل الجرمق الفسطينيّ المحاذي للحدود الفلسطينيّة اللبنانيّة. هذا العمل الموسوعيّ غير المسبوق اعتمد على البحث المضني عن وثائق يملكها أفراد أو مؤسّسات، وعلى الرّواية الشّفويّة المتوارثة. ومع إصراري على أنّ أديبتنا الباحثة خلّاقة، إلا أنّني أعتقد أنّ من حرّضها على هذا البحث المضني الذي أخذ من وقتها أكثر من ثلاث سنوات، إلّا أنّ بحثها بأوراق المرحوم أبيها هو الذي دفعها لمواصلة ما ابتدأه هذه الأب الذي عاجله الموت قبل أن ينهي أبحاثه عن بلدته الرّامة. وبما أنّ نسب ابنة بارّة بوالديها، وعانت هي وشقيقتها جنان من اليّتم بوفاة والديهما، إلا أنّ هذا يؤكّد أيضا على العناية الفائقة التي أولته لهما والدتهما الرّائعة التي نتمنى لها الصّحّة والعمر المديد. وكان بإمكان نسب أن تبني على أوراق والدها، وهذا ما فعلته حقّا، إلا أنّها من باب الأمانة العلميّة، ومن باب برّ الوالدين والصّدق مع الذّات لم تنس فضل المرحوم والدها، فذكرت اسمه كمؤلّف شريك لها قبل اسمها، تماما مثلما أسّست متحفا تراثيّا يحمل اسمه.

 وهذا ليس غريبا على نسب شديدة الفخر بوالدها، فقد ولدت في بيت علم وأدب، فعمّها شقيق والدها هو الدّكتور نبيه القاسم، وابن عمّ والدها هو الشّاعر العروبيّ الكبير الرّاحل سميح القاسم.

قرأت بحث أديبتنا نسب من الغلاف إلى الغلاف، وعدت إلى بعض صفحاته أكثر من مرّة، ووجدت نفسي أمام عمل موسوعيّ تصعب الكتابة عنه بمقالة أو أكثر، فكلّ باب منه يحتاج إلى دراسات. ففي الكتاب البحثيّ تأريخ لمرحلة سياسيّة ولحروب، ولعائلات ولشخصيّات من بلدة الرّامة، وعن الوضع الثّقافيّ والتّعليميّ والصّحّيّ، وعن دور العبادة والأعياد والتآخي بين أتباع الدّيانات المختلفة، وفيه تسجيل لملكيّات أراض وما صاحب ذلك من نزاعات وخصومات وفزعات وتحالفات عائليّة. وفيه مرور وتوضيح عن الطّائفة المعروفيّة "الدّروز"، وكيف قامت سلطات الاحتلال بمحاولة خلق ما يسمّى "القوميّة الدّرزيّة" في محاولة منها لسلخ الدّروز عن قوميّتهم العربيّة! وهناك تسجيل لعادات وتقاليد وحكايات وأغان شعبيّة وغير ذلك. 

في البحث الذي نحن بصدده هناك تسجيل لمراحل وأحداث في زمن الإنتداب البريطانيّ، وذِكرٌ لأسماء الشّهداء والأسرى من أبناء الرّامة الذين شاركوا في مقاومة المستعمرين البريطانيّين، ولمن شاركوا في المقاومة في مرحلة نكبة الشّعب الفلسطينيّ الأولى في العام 1948. وكيف تشتّت عائلات بين من تشرّدوا في الدّول المجاورة خصوصا في لبنان وسوريّا ومن بقوا في البلدة.

هذه لمحات وإشارات سريعة مضمون الكتاب الموسوعيّ الذي يشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة، وهذا لا يغني طبعا عن قراءته، وهذه دعوة للمختصّين وأخصّ المؤرّخين والمهتمّين بالتّراث كي يولوا هذا الكتاب ما يستحقّه من عناية ودراسة.

25-9-2020

 

 

 

 

 

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا