الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

*محمود حمد فنان تشكيلي عراقي من جيل الرواد صحفي وكاتب صدرت له رواية (ذاكرة التراب)

في مثل هذا اليوم:

حكاية ونَص...

أفولُ الصَنَمِ.. وبزوغُ فَجرِ الأصنامِ!

 

محمود حمد

 

لم انقطع عن الإصغاء لدقات قلب الزمن المضطرم بالآلام، ونبض الأرض المستباحة باليباب، وصراخ الملايين المحاصرة المكبوت خلف كابوس الاستبداد...دون أن اغفل ما يدور في أقبية الطامعين الدوليين وبائعي الوطن المحليين!

لأني ادرك أن استراتيجيو الغزاة...قبل أن تدور محركات آلة الحرب لغزو بلادنا، يعرفون أن وعاء (اللاوعي) الفردي والجمعي المتوارث في بلاد النهرين... (وعاء وحداني!) مجوفٌ ومهيئ لإشغاله بعبادة (الواحد!) الذي يسجدون له خاشعين... سواء كان ذلك إلهً لا يُرى، أم وَثَناً في الغيب، أم صنماً مُجَسَّداً، أم حاكماً مستبدا أم رئيس قبيلة مُستكبراً، أم زعيم "معارضة" متفرداً، أم رئيس عصابة متوحشاً، أم أباً طاغية!

ولان للغزاة أصنامهم التي يقدمون لها ولاء الطاعة في بلادهم، ويسجدون لها...لذلك فهم عندما يستبيحون أرض بلد يفرضون على أهله (أصناماً محلية!) ذليلة لهم ومعدومة الإرادة، ساجدة لأصنامهِم، ويملؤون (وعاء إرادتها) بنوايا ومصالح الغزاة، لتكون (كلباً وفياً مطيعاً لهم!) رهن إشارتهم...و(صنمهم) هو:

الاستحواذ على(النفط) والتبادل السوقي بـ(الدولار)!

وهم دائماً...عندما يستبيحون بلداً يستخرجون من مكب نفايات التاريخ أكثر الشخصيات غموضاً وتناقضاً وتعقيداً لإعادة انتاجها كأصنام محلية (تدار مباشرة، أو يجري التحكم بها عن بُعد) لخدمة مصالحهم!

يقول (جون نيكسون)، مسؤول المخابرات المركزية «سي.آى. إيه» السابق... الذي كان أول مسؤول يقابل «صدام» بعد القبض عليه في ديسمبر2003، واستجوبه طوال أسابيع، والذي سجل شهادته هذه في كتابه بعوان: (استجواب الرئيس):

كان صدام حسين (كتلة من التناقضات) فهو (من أكثر الشخصيات المؤثرة التي قابلتها في حياتي، وكانت لديه القدرة على أن يكون مُبهراً، ولطيفاً، ومضحكاً، ومهذباً عندما يريد ذلك)، و(كان يتحول إلى شخص وقحٍ، ومتغطرسٍ، وبذيءٍ، ووضيعٍ، ومرعبٍ عندما يفقد السيطرة على أعصابه)!

ويقول عميل ألـ CIA في القاهرة Allen Dulles في مقابلة تلفزيونية:

(معظمكم يعلم أن صدام حسين تم تجنيده من زمن بعيد جداً...ربما تتذكرون "عبد الكريم قاسم رئيس العراق في بداية الستينيات...

"قاسم" طرح مشروع متميز قال إن النفط العراقي يجب أن يكون لفائدة الشعب العراقي...كم كان نبيل...

لذلك قررنا أن نطيح بـ “قاسم" فأرسل جهاز المخابرات الامريكية مجموعة اغتيال يترأسها شاب عراقي، وأمطروا سيارة قاسم بالرصاص في بغداد، ولكنهم أخطأوه وتمكن قائد المجموعة الذي أصيب من الهرب إلى سوريا...واسمه "صدام حسين"، وكان عميل للمخابرات الامريكية في عمليات الاغتيال وقد فشل...كان ابننا ومن رجالنا)!

بعد أن استنفذ (صدام) قدرته على الاستمرار بالخدمة...أسقطوه وقتلوه، واستبدلوه بقطيع من (الأصنام!) الهَشَّة والقلقة والفاسدة، الذين وصفهم باحترافية من شارك في صنعهم (بول بريمر) في وصيته إلى خَلَفِهِ (نيغرو بونتي)، وطلب منه أن يدوّن في مفكرته الشخصية كيفية التعاطي مع هؤلاء الذين أوكلت إليهم واشنطن إدارة (العملية السياسية!) في العراق...

جاء في وصية (بول بريمر) لـ(نيغرو بونتي):

"(إياك أن تثق بأيّ من هؤلاء الذين آويناهم وأطعمناهم، نصفهم كذابون، والنصف الآخر لصوص..

مخاتلون لا يفصحون عما يريدون ويختبؤون وراء أقنعة مُضَلِّلة!

يتظاهرون بالطيبة واللياقة والبساطة، والورع والتقوى، وهم في الحقيقة على النقيض من ذلك تماما، فالصفات الغالبة هي:

الوضاعة والوقاحة وانعدام الحياء!

احذر أن تغرك قشرة الوداعة الناعمة، فتَحْتَ جلد هذا الحَمْل الذي يبدو حميميا وأليفا ستكتشف ذئبا مسعوراً، لا يتردد من قضم عظام أمه وأبيه، ووطنه الذي يأويه، وتذكر دائما أن هؤلاء جميعا سواء الذين تهافتوا على الفُتات منهم أو الذين التقطناهم من شوارع وطرقات العالم هم من المرتزقة، ولاؤهم الأول والأوحد لأنفسهم!

حاذقون في فن الاحتيال وماكرون كما هي الثعالب، لأننا أيضا دربناهم على أن يكونوا مهرجين بألف وجه ووجه!

يريدون منا ألا نرحل عن العراق ويتمنون أن يتواجد جنودنا في كل شارع وحي وزقاق وأن نقيم القواعد العسكرية في كل مدينة، وهم مستعدون أن يحولوا قصورهم ومزارعهم التي اغتصبوها إلى ثكنات دائميه لقواتنا، لأنها الضمانة العملية الوحيدة لاستمرارهم على رأس السلطة، وهي الوسيلة المتوفرة لبقائهم على قيد الحياة، لذلك تجد أن هذه الوجوه تمتلئ رعبا ويسكنها الخوف المميت لأنها تعيش هاجسا مرضيا هو (فوبيا انسحاب القوات الامريكية!) الذي لا ينفك عنها ليلاً ونهاراً، وقد أصبح التشبث ببقاء قواتنا أحد أبرز محاور السياسة الخارجية لـ “جمهورية المنطقة الخضراء"!

يجيدون صناعة الكلام المُزَوَّق وضروب الثرثرة الجوفاء مما يجعل المتلقي في حيرة من أمره، وهم في الأحوال كلها بلداء وثقلاء، ليس بوسع أحد منهم أن يحقق حضوراً حتى بين أوساط زملائه وأصحابه المقربين!

فارغون فكرياً وفاشلون سياسياً، لن تجد بين هؤلاء من يمتلك تصوراً مقبولاً عن حل لمشكلة أو بيان رأي يُعتد به، إلا أن يضع مزاجه الشخصي في المقام الأول تعبيراً مَرضياً عن أنانية مفرطة أو حزبية بصرف النظر عن أي اعتبار وطني أو موضوعي!

يعلمون علم اليقين بأنهم معزولون عن الشعب لا يحظون بأي تقدير أو اعتبار من المواطنين لأنهم منذ الأيام الأولى التي تولوا فيها السلطة في مجلس الحكم الانتقالي المؤقت أثبتوا أنهم ليسوا أكثر من مادة استعمالية وضيعة في سوق المراهنات الشخصية الرخيصة!

يؤمنون بأن الاحتيال على الناس ذكاء، وأن تسويف الوعود شطارة، والاستحواذ على أموال الغير واغتصاب ممتلكات المواطنين غنائم حرب، لذلك هم شرهون بإفراط تقودهم غرائزية وضيعة، وستجد أن كبيرهم كما صغيرهم دجالون ومنافقون، المعمم الصعلوك والعلماني المتبختر سواء بسواء، وشهيتهم مفتوحة على كل شيء:

الأموال العامة والأطيان، واقتناء القصور، والعربدة المجنونة، يتهالكون على الصغائر والفتات بكل دناءة وامتهان، وعلى الرغم من المحاذير والمخاوف كلها فإياك أن تُفَرِّط بأي منهم لأنهم الأقرب إلى مشروعنا فكراً وسلوكاً، وضمانةً مؤكدة، لإنجاز مهماتنا في المرحلة الراهنة، وإن حاجتنا لخدماتهم طبقا لاستراتيجية الولايات المتحدة، مازالت قائمة وقد تمتد إلى سنوات أخرى قبل أن يحين تاريخ انتهاء صلاحيتهم الافتراضية، بوصفهم "مادة استعمالية مؤقتة" لم يحن وقت رميها أو إهمالها)!!!

حَدَّقت بالسماء منقبض الروح...وكتبت:

أفولُ الصَنَمِ.. وبزوغُ فَجرِ الأصنامِ!

(صَنَمٌ) من قيحٍ يتداعى...

بَعدَ وَعيدٍ بالوَيلِ لـ “ثعبانِ"* المُحْتلِ...

يِطفحُ أوبئةً في أحشاءِ الوطنِ المنخور...

يَتناثرُ موتا في أزمنةِ المنفيينَ...

يتكاثرُ أصناماً آكلةً وصديداً في كُلِ زقاقٍ!

*****

(صَنَمٌ) من هَزْلٍ دامٍ:

يَعبدهُ الفقرُ الباحثُ عن بَيْدَر...

عَلَّ "اللطم" يَصيرُ سبيلاً للجَنَّةِ...

أو يفتحَ بابَ الرِزقِ لأفواهٍ جَفَّتْ من فرطِ الجوعِ المتوارثِ!

****

(صَنَمٌ) من جثثٍ مارقةٍ:

يطفو فوقَ صريرِ الزمنِ الآفلِ...

يَحرِق نَخلَ القريةَ والأرحام...

خوفَ زوالِ النزواتِ الوحشيةِ!

****

(صنَمٌ) من خشبٍ:

يَنسجُ عُشاً لربيعٍ واهمٍ من أشلاءِ المدنِ المحروقةِ...

يبني وطناً للإذعانِ...

عرشَ رفاهٍ فوقَ صتيت المقبورين!

****

(صَنَمٌ) من يأسٍ ظامئٍ:

يُفقِئُ عينَ البدرِ أوانَ الحصدِ...

يَنعقُ دهراً في الحجراتِ المحروسةِ بالدباباتِ...

بديلاً للمدنِ المغمورةِ بالبهجةِ!

****

(صَنَمٌ) من غِلِّ متفاقم:

يَحرقُ أبوابَ الكتُبِ المنشورةِ للفقراءِ...

يُزَمْجِرُ...

يَبتاعُ اللحيةَ جهراً برؤوسِ الفتيانِ المرميينَ على أرصفةِ الطرقاتِ المهجورةِ!

****

(صَنَمٌ) من ذعرٍ عارم:

مُرْتَعِدٌ...

مختبئٌ خلفَ عمودِ العرشِ يوَلْوِلْ...

رُبَّ زمانٍ يأتيهِ من الغيبِ فَيَغْنَمْ!

****

(صَنَمٌ) ذو أنيابٍ صفرٍ:

يُمَزِقُ أستارَ المدنِ المنكوبةِ...

...يَعْوي ويُكَبِّرْ بين النهرين...

...يَشُمُ دماءَ النهرِ الثالثِ!

****

(صَنَمٌ) من أكفانٍ سُحْتٍ:

يَنبُشُ أدرانَ التاريخِ المُتَعَفِنِ في ذاكرةِ الإفناءِ الأزليِّ...

يَعْرِضُ موتانا للبيعِ بأسواقِ الخُردَةِ...

يَجعلُ من (دارِ الحكمةِ) عرشاً للقَتَلَةِ!

****

(صَنَمٌ) من قِشٍ متعفن:

يَزأرُ...

يَشهَرُ سيفا في وجهِ الإعصارِ العارمِ...

يَتِبَخْتَرُ في دائرةِ النارِ!

****

(صَنَمٌ) سكرانٌ راعشٌ:

يَتَقَلَبُ بين المحرابِ وباب الملهى الناسكِ...

عَرياناً كالنزوةِ في ساعاتِ الروحِ الخضراءِ...

يَلبسُ زُهْداً عند قدومِ الأجرِ ببيتِ المالِ المُشْرَعِ للأحبابِ!

****

(صَنَمٌ) من قارٍ ساخنٍ:

يُسْكَبُ فوقَ شفاهِ الأطفالِ المشغوفينَ بِدَرسِ الـ “دارِ"...

يَقطعُ دَربَ المهزومينَ من التفخيخِ إلى الغربةِ...

يَنفُثُ ناراً في أحشاءَ الأدعيةِ الصَمّاءِ!

****

(صَنَمٌ) من وحلٍ لزجٍ:

يُطْبِقُ أجفانَ الفجرِ...

يَكبتُ صوتَ العصفورِ بِقَيحِ السُلطةِ...

يُقْحِمُ أهواءَ الناسِ إلى أغوارِ القَسوةِ!

****

(صَنَمٌ) من دَجَلٍ فاقعٍ:

يَحشو هاماتَ الناسِ بأحجارِ القَبْرِ...

ويمضي...

سِمسارٌ في سوقِ الأوراقِ الماليةِ...

نَصّابٌ في ميدانِ الأسلحةِ الخُنْثى!

****

(صنمٌ) من زيفٍ يَتَبَخْتَرُ بين قطيعِ الأصنامِ:

رَغمَ قيودِ القَفَصِ البارقِ تحت ضجيجِ الاعلامِ...

وجنود الجيش المُحتَّلِ...

تُمَزِّقُ أهلي...

تَمْحَقُ وطني...

وتُعَظِّمُ جُثمانَ الزمن المُختَّلِ الأول والآخر!

*"ثعبان": المصطلح الذي أطلقه "محمد سعيد الصحاف" على جيوش الغزاة للعراق!

 

 

 

 

 

حكاية ونَص...

مَنْ مِنّا لَمْ يَدفِنَ

قَتلاهُ بحَقلِ الحِنْطَةِ؟!

محمود حمد

عندما دخلت (قبائل الغزاة الإفرنج!) أرض العراق عام ثلاثة والفين، بعد أن غلبت (قبائل أهل العراق!) و(اغتنمت) العراق عُنوة بما فيه ومن عليه، وَزَّعَتْ عطاياها من (الفيء) على (أدِلاّئها) الذين لملمتهم وجاءت بهم من هوامش المدن المتناثرة في بقاع المعمورة والمطمورة، وأعطتهم (السلطة) كجزء من (الفيء)، الذي لم تشبع مطامعهم!

ولأنهم احترفوا (النهب)، تنازعوا على الأسلاب لانتزاع ما تبقى من عافية العراق، ولإزهاق أرواح أهله بمفخخاتهم العشوائية، وكواتم الصوتِ الانتقائية، ومغاليق العقلِ الممنهجة، وبـ (فقه الدجل) اللامحدود!

أهل العراق الذين نخر الخوف نفوسهم على امتداد عقود، ولَوَّثَ الاستبداد والتضليل عقولهم عبر كل العهود، وأهلك (الحصار الكوني) ضرعهم وزرعهم!

واجتمع (الأدِلاّء) المتباغضون تحت (سقيفة!) شُدَّت حبالها بدبابة أمريكية جاثمة على صدر العراق... لاختيار (مجلس التَحَكُّم!)، وطلعت الشمس عليهم والملايين منشغلة بنبش المقابر الجماعية، فبانت وجوههم كالحة كسيماء الشياطين!

صرخت (فاطمة) وهي تكفن أبيها المسجى في بيته المهجور من الصحابة بمكة:

من أعاد إلينا (الأصنام)؟!

ولماذا هؤلاء...وحدهم؟ دون غيرهم؟!

صاح (الحباب بن المنذر الأنصاري الخزاعي!) من بين تلال الجثث المنبوشة في قبر ممتد من أرض (الرضوانية) لحدود الموت بأطراف (حلبجه):

(منا أمير ومنهم أمير)!

فجاءته رصاصة من كاتم صوت كان مخبأ في سروال أخيه (المهاجر القريشي!) ...وأخرسه حتى يوم الدين!

أجابها (قائلهم) بصوت قاطع كالسيف اليماني:

نحن (المتضررون!) من دولة (هُبَل)!

(ومن ينازعنا...إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة)؟!

واثر هذا الصتيت الصاخب القادم من أعماق التاريخ...نَهَضْتُ مفزوعاً من فوق سرير المرض مُتَّكِئاً على الجدار الواهن المفضي إلى هاوية التاريخ اقلب أوراق الأزمة المطمورة خلف دخان الحرب وصرخات الأطفال المقبورين حشوداً بمدافن ضاقت فيها الصحراء وجبال الكورد!

يتردد صوت (الصنم!) ...

يؤدي (صدام) القسم رئيساً لعصابة قتل المنكوبين...

قَسَمٌ يتمدد من أفق الزمن اللامحدود لصراخ المغدورين بأقبية التعذيب:  

(بس كل واحد يوكف بوجه الثورة...يصير ألف... يصير ألفين...ثلاثة آلاف...عشرة آلاف... أقص رؤوسهم من دون ما ترجف شعرة واحدة مني أو يرجف قلبي عليه)!

قَرأت عند الباب المرصوفة بالأجداث (المجهولة)...قانوناً دموياً يسري كالنار بهشيم يابس:

(يعاقب بالسجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة من أهان بإحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أو مجلس قيادة الثورة أو حزب البعث العربي الاشتراكي أو المجلس الوطني أو الحكومة. وتكون العقوبة الإعدام إذا كانت الإهانة أو التهجم بشكل سافر)!

تهجأت قانوناً في وسط الظلمة صار رديفاً للموت النازل من آلهة الحرب ببغداد:  

منح (صلاحية الحكم بالإعدام الفوري لآمري الفصائل صعودا إلى قادة الفيالق) والتنفيذ (ضد الجبناء والخونة").

و(نقل سلطة العقوبة إلى أسفل هرم الجيش، بما يعني أن آمر الفصيل له حرية التصرف بأن يقرر إجراء تحقيق أو أن يمارس تلك الصلاحية المطلقة للإعدام الفوري)!

يمتد بلاء القتل بـ(رصاصة غدر!)، وباءً يتفشى في كل حروب الاستبداد الممتدة من ليلة إعدام (رفاق القائد!) ...لـ(مشاريع الاستشهاد!) المكتوبة قَسراً في أرحام النسوة!

يَدفن العراقيون نصف مليون من شبابهم في عراء الجبهات المجهولة والمقابر المُستحدثة...في حرب فاقت أيام لظاها كل حروب التاريخ الدولية!

نادتني من قاع الموت رضيعةٌ من (سدي كان) تنبئ:

إن مئة ألف من أهلها المغدورين برصاص (الغالبين!) مازالت تنهشهم جوارح الله وكواسره في وديان زَرْعِهم التي أحالها أهلُ (الغَلَبَةِ) قبوراً جماعية لهم بعد حرق قراهم...في (الأنفال)!

اتصفح أوراق (حلبجه) المُلقاة على قارعة الدرب إلى مقبرة تحتضن النسوة والأطفال المكتومي الأنفاس بغازات (الغَلَبَةِ)...خمسة آلاف عند الله وديعة، وسبعة آلاف يتشبثون بأذيال الله كي ينجيهم من تجار الموت!

اقرأ أنفاساً مقطوعة في أول صورة طفل ترويها الكاميرة المفجوعة...

يكتب صاحبها الصحفي (كاوه جولستان):

(كأن الحياة تجمدت، أو توقفت تماما. مثل أن تشاهد فيلما وفجأة تتوقف الصورة في إطار واحد. كان نوعًا جديداً من الموت بالنسبة لي، تخيل أن تذهب إلى مطبخ ما وترى جثة امرأة تحمل سكيناً حيث كانت تقطع جزرة!

وما حصل عقب الهجوم كان أسوأ. بعض من الناجين استمروا بالقدوم لنقلهم من مكان الهجوم بالمروحية. كان لدينا 15 أو 16 طفلا جميلا توسلوا لنا كي ننقلهم إلى المستشفى. لذا جلسنا كلنا مع كل الصحفيين هناك، وكل منا يحمل طفلا في يده. ما أن أقلعنا حتى بدأ سائل بالخروج من فم الفتاة الصغيرة التي كانت في ذراعي ولفظت أنفاسها الأخيرة وماتت)!

اتعثر بمئات القتلى المرميين بشوارع (كاظمةَ)...جارتنا المسبية بذئاب قبيلة أهل (الغَلَبة!)، في غفلة أبناء العم!

تحتشد جيوش (قبائل الافرنج!) وكتائب (قبائل الاعراب!) للاقتصاص من أهل العراق...ينقطع الدرب عليَّ... تمنعني نيران الآليات المحروقة باليورانيوم...الصارت مقبرة لمئات الآلاف من القتلى من فتيان بلاد النهرين!

ينادي في الأرض منادٍ...

ينتفض الناس المقهورون بيوم زلزل أركان الخوف...وهَزَّ العرش الجاثم فوق جماجم أهل النهرين... فيصحو من غفلتهم مفزوعين جنود الإفرنج...لخوفٍ يُفقِدُهم (ابناً من صلب محافلهم... ضَلَّ عن الدرب لِمَسٍ في عقله!) ...وتطير (أبابيل الافرنج) لتبيد حشود المنتفضين!

وتناخوا:

نصرة (ابن مارق!) طردته الآلهة الإفرنجية من أسوار الجنة...

خيرٌ من (شعب مارق!) يسرق منّا آبار البترول!

تُهيل الجرافات الأرض على أنفاس مئات الآلاف من المنتفضين بمقابر تجمعهم كالأرحام...مازالت قائمة منها، ضائعة دون مكان معلوم رغم وضوح صرير الأزمان! 

ويصير حصاراً...تجويعاً...بؤساً...

صمتاً دولياً...يفْتَح أبواب جهنم...

قرارات يطلقها العالم ذو الأنياب (الإنسانية!)، يتلقفها (الابن الضال) بدهاء يعرفه (الآباء)! فتُغْلَق أفواه الرُضَعِ بالجوعِ... ويؤول الصبحُ ظلاماً في أفق الناس المُستلَبين...ويضيق خناق العيش، وتموت الناس المِعْوَزة على قارعة التاريخ المُثْخِن بالعاهات...ويَفُرُ الناس (العاقل فيهم) و(القادر منهم) بحثاً عن (وطن!) أو (لقمة عيش!) ...

(هاجر أكثر من 23 ألف باحث وطبيب ومهندس عراقي إثر انخفاض معدلات أجر الفرد إلى أكثر من الربع)!

وآخرون فيهم ينفذ عمرهم فَيَفُرون طرائد يبحثون عن قبر يأويهم في (الوطن القبر!) ... ويبقى عرش الجلاد يبيع نعوش الأطفال بأسواق الإعلام العاهر! 

ادركنا أن اغتصاب (العراق) وخنقه وقتل أهله ليس عقوبة على فعل قام به حاكم مستبد، بقدر ما هو انتقام من وجوده كشعب وكوطن لأول مهد للحضارة البشرية، (حيث وجدت بصمات بشرية تعود إلى ما قبل 120 ألف سنة) حسب تقرير لجنة حقوق الانسان العربية!

تقول السيدة (فيوليت داغر) الأمينة العامة للجنة العربية لحقوق الإنسان:

(أسقطت قوات التحالف ما بين 16 كانون الثاني و27 شباط 1991 م ما زنته أكثر من مئة ألف طن من القنابل العنقودية والنابالم ومتفجرات الوقود/الهواء وقذائف اليورانيوم الناضب. أي ما يعادل القوة التفجيرية لسبع قنابل ذرية من نوع هيروشيما، وزّعت على العراق برمته قاصفة مواقع كثيرة مرات عدة. فأجهزت العمليات العسكرية على البنى التحتية والهياكل الارتكازية للبلد من جسور وطرقات ومستشفيات وجامعات ومدارس وجوامع وكنائس وأماكن أثرية ومنشآت بريدية وهاتفية ومحطات توليد كهرباء وضخ وتصفية المياه ومصافي وآبار نفط وخطوط وعربات سكك الحديد ومحطات إذاعة وتلفزيون ومنشآت صناعية ومصانع أسمدة ومراكز تجارية ووحدات سكنية وغيره قُدّرت كلفتها بزهاء 190 مليار دولار حسب صندوق النقد العربي.

وقد ظهر فيما بعد أن النية من قصف بعض هذه الأهداف وخصوصا في مرحلة متأخرة من الحرب ليس التأثير في سير الصراع، بل إحداث أضرار تضطر بغداد لتعميرها بمساعدة أجنبية. كذلك كان أحد الأهداف هو نفط العراق وتحويل البلد إلى حالة ما قبل الصناعة كما أعلن وزير الخارجية الأمريكية "بيكر" في اجتماعه بنائب رئيس الوزراء العراقي "في النظام السابق " طارق عزيز في 9 كانون الثاني 1991 م: “سنعيدكم إلى العصر قبل الصناعي”)!

(ذكرت مجلة غالوي الأسكتلندية في 8/7/1998:

إن الإصابة بأمراض السرطان المختلفة وبخاصة سرطان الدم "اللوكيميا" لدى الأطفال في العراق قد تضاعفت بنسبة 600 بالمائة منذ عام 1991 م نتيجة استخدام أمريكا وبريطانيا اليورانيوم الناضب. وأشارت إلى أن معظم الإصابات بالسرطان وقعت لأطفال ولدوا بعد انتهاء العمليات العسكرية حيث إن غبار اليورانيوم الناضب قد لوث المياه والحقول والمزارع في العراق. كذلك لوحظ وجود تغيير في الخط الوبائي للإصابة بالأورام السرطانية كما تبين أن هناك تغيّر في الفئات العمرية المتوقعة للإصابة به وشملت فئات عمرية مبكرة منها الفئة ما بين 45 و50 سنة)!

و(الجدير بالملاحظة أن مكتب السكان الأمريكي كان قد قدر في 1992 م أن معدل عمر العراقيين قد هبط 20 سنة للرجال و11 سنة للنساء، والتلوث الإشعاعي أسهم في هذا الوضع)!

و(أبلغ العراق رسميا لجنة "العقوبات" التابعة لمجلس الأمن الدولي بإحصائيات الخسائر البشرية جراء استمرار الحصار المفروض على شعب العراق منذ أكثر من أحد عشر عاما. إن مليونا و614 ألف و303 مواطنا قد توفوا نتيجة استمرار الحصار الجائر منذ عام 1990م وحتى شهر تشرين الثاني 2001 م)!

وأوضحت الاحصائية أن من بين تلك الخسائر البشرية هنالك 667 ألف و773 وفاة للأطفال دون سن الخامسة من العمر و946 ألف و530 وفاة لمواطنين فوق سن الخامسة من العمر وجميعهم ضحايا الأمراض والاوبئة التي تعيق لجنة 661 توفير الأدوية والعقاقير الطبية لهم!

وأشارت إلى أن وفيات الأطفال دون سن الخامسة لم تكن قبل الحصار سوى حالات بسيطة سجلت عام 1989 م وفاة ما مجموعه 258 طفلا فقط)!.

خلال حكم صدام حسين) اختفى (أكثر من مائتي ألف عراقي في السجون!

وتدوم الظلمة...

"فاطمة" مازالت تبحث عن كفن لأبيها فوق سحاب الغيب... و"انا انهض من كبوتي...لأكتم نباح (القوّالين! (...لصوص الطوائف...الذين جاء بهم المحتل...الذين يَدّعون حقهم في حكم العراق وامتلاكه كغنيمة و) دِيَّةٍ!) عن (شهدائهم! (، وكأن دماء ملايين الشهداء العراقيين الآخرين لا (دِيَّةَ) لها!!!

فكتبت:

 

مَنْ مِنّا لَمْ يَدفِنَ قَتلاهُ بحَقلِ الحِنْطَةِ؟!

خَطوٌ أهيفٌ يَتوارى بين صليلِ البردِ القارصِ ...

وصريرِ الخَوفِ الغامضِ في أنفاسِ المُدُنِ المسلوبةِ ...

ورفيفٌ راعشٌ يسري ...

من أجسادِ الأطفالِ المَخنوقينَ على قارعةِ الطرقاتِ المَفجوعةِ في أحشاءِ “حلبجة" (1) ...

يُرْعدُ رَفضاً في مَدَياتِ العَدَمِ المُتشَبِّثِ بالأنفاسِ الأزليةِ ...

يَتفاقمُ موتاً في زفراتِ الأرضِ المرعوبةِ ...

****

نايٌ قرويٌ من قصبٍ ...

يَشدو عُشقاً في أحداقِ الصَخْرِ الشامخِ ...

يوقظُ في الأرضِ خصوبة!

وعيوناً دامعةً حرّى ...

ثائرةً...

تَبعثُ في النفسِ عذوبة!

هذا عصرُ الطوفانُ المُرِّ ...

أزيزُ الكلماتِ المَمنوعةِ ...

صعودُ الأصنامِ بأكفانِ الموتى لعروشِ السُلطَةِ!

****

مَنْ مِنّا لَمْ يَدفِنَ قَتلاهُ بحقلِ الحُنطةِ؟!

أو...

يُلْقي شِعراً في أعماقِ التنورِ الخامدِ كَيْ يَتأجَج؟!

****

يا نوحُ انهض باسم الخَشَبِ المُهْمَلِ ...

واصنَعْ للشعبِ سفينة ...

فـ"الثورة" (2) صارت مَسْفاةٌ للريحِ الوحشيةِ ...

هدفاً ...

للدباباتِ المحتلةِ ...

وسياراتِ (الاخوانِ) المتخومةِ بالموتِ ...

بحرَ دماءٍ يُغْرِقُ كُلَّ رضيعٍ ...

أصداءَ حنينٍ تتلاشى خلف صراخ الأبوابِ المنكوبة ...

وعَصْف الأزمنةِ الملغومةِ!

محرقةً لرغيفِ الخُبزِ الجائعِ ...

ودخاناً من (بترولٍ مُؤمِنٍ!) ...

يَكتُمُ أنفاسَ الخُدَّجِ في قَمراءِ بلادي!

حلبجه: مدينة عراقية كوردية تعرضت لهجوم كيمائي في الأيام الأخيرة للحرب العراقية الإيرانية (من 16-17 مارس 1988)، حيث قصفت القوات العراقية البلدة بالغاز الكيميائي، مما أدى إلى مقتل أكثر من 5500 من سكانها المدنيين. وأصيب 7000-10000 منهم، ومات آلاف آخرون في السنة التي اعقبت الهجوم نتيجة المضاعفات الصحية وبسبب الأمراض والعيوب الخَلْقية!

الثورة: مدينة الفقراء في بغداد، وهدف متكرر لفرق الموت الجوّالة!

 

 

 

 

 

في مثل هذا اليوم:

"فاتِكْ “يفتكُ بالمتنبي مرة أخرى!؟

محمود حمد

ما أن تطأ قدم المرء مدخل (شارع المتنبي) ببغداد إلاّ وتَذَكَّرَ ما قاله المتنبي (وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتابُ)، ونَسيَّ ما غير الشغف بالمعرفة...ولَعَنَ (فاتك بن أبي جهل الأسدي)، قاتل المتنبي مع ابنه محمد، وغلامه مُفلح سنة (354 هـ\965م) بالنعمانية غربيّ بغداد!

كلما مَرَّ يومٌ عليَّ دون (خَيْرُ جَلِيْسٍ) تَذَكَّرت مقولة (كونفوشيوس) التحذيرية:

(مهما كنت تعتقد أنك مشغول، لا بدّ أن تجد وقتًا للقراءة وإلا سَلِّمْ نفسك للجهل الذي قضيت به على نفسك)!

لم اسأل يوماً عن صديق لي صباح كل جمعة، إلاّ وأخبرني أنه في ضيافة المتنبي أو عائد منه أو ذاهب إليه، ذلك الشغف الذي لا ينقطع بالكتاب وقُرّائِهِ ومقتنييه وباعَتِهِ وأرصِفَتِهِ ورفوفِهِ المُعلَّقةِ بالكتب منذ واحد وخمسين وثلاثمئة وألف عام، رئةً معرفيةً لبغداد، وموطناً للورّاقين، وملتقى للشعراء، والروائيين والكتاب والاكاديميين والباحثين عن نصوص الثقافة وهمومها ومبدعيها ومصادرها...من مختلف الأجيال...تلتقي هناك الرؤى الرافضة لنمط الثقافة السائد، مع الأفكار التنويرية المؤسسة للثقافة منذ أيام (سوق الوَرّاقين)!

في أزمنة متعاقبة ماضية كانت (صحافة العمل السري الديمقراطي) تُطْبَعُ في أزقة الشارع... اتذكر تلك الليالي الشديدة البرودة، الحالكة الظلمة التي كنت اقطعها من شارع المتنبي إلى ذلك السكيك المنقطع، حيث تقبع تحت الأرض مطبعة عجوز تطبع الدفاتر المدرسية والمنشورات السرية، اتنفس عَبَقَ الأوراق السمراء ورائحة الحبر المُسْكِرة، اصغي إلى حديث عيون العمال الصامتين ذوي الوجوه الشاحبة المتجلدة، وحركتهم الآلية غير المنقطعة طيلة الليل حتى قبل الفجر، حيث تَغلق المطبعة أبوابها ليفتح (بائع الكُبَّةِ) دكانه عند مدخلها (ريوقاً) لبائعي الكتب والوراقين وعمال المطابع!

لم تنمحِ من أوراق ذاكرتي تلك الأيام العصيبة من شبابي، التي اختلط فيها البحث المعرفي مع السعي الحالم المغامر للإمساك بأذيال ثوب الحرية!

منذ إنشاء (شارع المتنبي) سوقاً للوَرّاقين، ورئة للثقافة، نشأت إزاءه مداخنُ خنق للثقافة، وجحورُ كراهية للكتاب، ومنابرُ تحريم للقراءة، في مفاصل السلطات القمعية وأذرعها، وفي حويصلات المجتمعات المتخلفة ومخالبها الإرهابية!

بين هوى النفس للعودة إلى (المتنبي) وإلحاح الأصدقاء عليَّ باللقاء في حضرة (المتنبي)...جاءني الخبر في الخامس من مارس 2007 فكتبت:

"فاتِكْ" يفتكُ بالمتنبي مرة أخرى!؟

استيقظ "فاتك" ذات ظلام من قبر مدروس في أكناف تخوم الأمة...

يبحث عن سيف مازالت تسري فيه دماء "المتنبي" ...

لم يبقَ السيف حديداً في قلب الصحراء...

بل صار وجيبا يخفق في أكفان "المتنبي" ...

ينبش "فاتك" كل قبور السلف الطالح ...

يبحث عن موت يعصف في أرجاء "المتنبي" ...

يأتيه المَدَدُ فِخاخاً من آبار البترول الدموية ...

خلفَ صريرِ الدبابات المحتلة!

****

"فاتك" يفتك بالكتب العُزَّل ...

و"أمير الذبّاحين" يُقَصِّلُ أعناقَ "حروف العلة" ...

في ألْسِنَةِ الأطفال المعلولة ...

فوق رصيف "المتنبي"!

حشدُ كلام مُلتَبِسٍ يتنافر من بين صفوف الكتب المحروقة ...

"هولاكو" يجلس منتفخا من فرط البهجة ...

يُسعفُهُ العونُ من الأقبية "الفقهية":

خذ غيثك من فرضِ زكاة القتل الجَمْعي لأبناءِ النهرين ...

يأتيك "الوِلْدان" سرايا ...

جُثثاً ملغومة ...

ازرعها في صدر "المتنبي"!!

****

يتساءل حرف مذبوح فوق رصيف "المتنبي":

ما سر الحقد المتوارث للكلماتِ الضوئية؟

****

(قاسم) طفل في العقد الأول...

يعرض إرث أبيه الـ.... كان رفيقا للكتب الممنوعة ...

فوق رصيف المتنبي ...

مازال الابن كسيراً تهطل عيناه هموما ...

يَنحبُ مخذولاً ...

يتوشحُ بالليل على فقدان أبيه!

****

توصيه الأم المكلومةُ ...

أن يَحذَر "أبناءَ السوءِ" ...

تُقَبِّلُ جبهتَه ...

تمسحُ هامتَه ...

وتوشوشُ ...

تَخنقُها العبراتُ:

أختك تحتاج قميصاً للمدرسة "المهجومة"!

لا تبكي يا ولدي.. لضياع الكتب المحروزة في عمر أبيك ...

أعرِفُ فيها سِرَّ أبيكَ... شواظاً َيلهبُ روحي ...

لكن يا (قاسم) هذي حكمةَ ربّ السفّاحين... وربّ المُحتلين ...

وأنت حبيبي... غَدُنا الـ يُنْسينا ضَيمَ قرونٍ!

****

وضعت أجساد الكتب الموشومة باسم الله ...

على هامات الكتب المرصوفة تحت ظلال المسجد ...

كي تحرس (قاسم) ...

تتمتم بعض دعاء المحرومين ...

وترحل ...

(قاسم) يحلم أن تأتي "العطلة" مُبْكِرَة كي "يشبع نوماً"!

وأخيه الأصغر يومئ لكتاب ...

يسأله أن يحرز كل "نصوص" الفتح العربي لسيقان النسوة ...

كي يقرأه في (يوم الجيش)!

جارتهم (سلاّمة) ابتاعت صفحاتٍ من "تفسير الأحلام!" ...

وأخبار الجِنِّ الأزرق ...

تبحثُ عن غوث يُنجيها من كابوس لِثام الليل المارق بـ "درابين الحرية"!

****

تتشظى من "فاتك" أوهام العدم الـ يطفئ لئلاء الحرف الغاضب ...

يتسلل وسط زحام المفتونين بِنَصٍ مرفوع الهامة ...

يتدافع...

يبحث عن حشد يغويه حَطيباً للنار الأزلية في صدر المُفتَرسين ...

يتقدم ...

يصطف بعنف جنب الطفل المشغول بأمه ...

يتناثر(قاسم) لحماً...أوراقاً...ودماءً!

تصرخ جدرانُ "المُتنبي" ...

تَتَطايرُ اشلاءُ الكتب المغدورة ...

تتساقطُ فيض دماءٍ ساخن ...

وعويل!

****   

نكتب عن طفل كان عظيما مثل أبيه ...

قتيلا مثل أبيه ...

نبيلا مثل أبيه ...

شجاعا مثل شمائل أمه!

فوداعا يا (قاسم)...حيث تُزارُ بقبرٍ في أطرافِ "الكوت" ...

قتيلا بقنابل "فاتك" ...

وتحت ظلال سيوف المحتلين!؟

 

 

 

حكاية ونَص...

"سومرُ" تَصْطَّفُ إلى طابورِ الأيتامِ!

محمود حمد

 

الحكاية:

في ليلة شتوية قارسة البرودة، شديدة الظلمة وجدت لي مُتَّكأً فوق عرقوب متململ من رمال الخوف عند حدود الوطن المُستباح فاتخذته ملاذاً آمناً لي من رصاص وحوش (القبائل الطائفية السياسية!) القادمين بأذيال الغزاة والباحثين عن الرؤوس المتسائلة لـ(اصطيادها)!

تتردد في ذهني مقولة عالم الآثار التاريخية (صموئيل نوح كريمر):

(التاريخ يبدأ من سومر)!

(سومر):

أرض (سيد القصب)!

في المدونات التاريخية مسميات عديدة لبلاد (سومر) ومنها:

(بلاد الملوك المتحضرين)!

تأملت من مخبئي إحدى طبعات الأختام الاسطوانية في العصر الأكدى الذي عثر عليه في مكتبة آشور بانيبال في نينوى والمحفوظ في (متحف بير غامون) في برلين...تلك الاسطورة التي يعود تاريخها إلى سلالة (ابن البستاني!) الذي صار ملكاً (سرجون الأكدى) (2334 -2279 ق.م).

ذلك الرُقُمْ الطيني الذي يحتوي على 396 سطراً، ويظهر فيه الملك (إت أنا) يَعرِجُ إلى السماء على ظهر نسر ضخم في الألف الثالث قبل الميلاد...قاصداً (عشبة) مزروعة في السماء تُشفِيه من العُقْمِ ، ويستجدي عطف الآلهة لتمنحه وريثاً للعرش، فيستجيب الإله (شمس) لدعوته و ينظر إليه بعين العطف، ويرشده إلى مكان نسر حبيس ومعلول، نبذته الآلة لِغَدرِهِ بجارِهِ...فيحرره من مَحبسه، ويشفيه من دائه، ويدربه من جديد على الطيران لقاء أن يطير به إلى السماء(الرابعة )، حيث (عشبة) الإخصاب التي تتعهدها  الآلهة (عشتار) سيدة الحب والولادة، بالرعاية والسقاية، ومنها إلى (أنو) في السماء (السابعة) كي يمنحه من صلبه (بالح) وريث العرش السومري الرابع عشر!

قرأت بإجلال أقدم أبجدية عرفها التاريخ أبدعتها البشرية على أرض سومر منذ حوالي 3200 سنة قبل الميلاد (الكتابة المسمارية) بعد أن أغنى أهل (سومر) أبجديتهم (الصورية) كأول شعب يعبر عن فكره تشكيلياً بتصوير الأشياء كأبجدية للتفكير والتعبير، قبل أن يرتقي بها إلى طور التجريد الرمزي الشبيه بالمسامير... حيث كانوا يكتبون شرائعهم وسيَّرهم وشعرهم وأدعيتهم وانتصاراتهم وأساطيرهم على ألواح طينية بأدوات مدببة كالمسامير!

اراقب وَهْنَ النسر حاملاً الملك (إت أنا) وسقوطه للأسفل من شدة الإعياء نحو اليابسة... تخفق جناحاه بقوة فجأة ممتنعة عن الاستسلام للتعب، حين يسمع النسرُ حلم (إت أنا)، كما جاء في (النص) المحفور على رُقُمٍ طيني من سفر التاريخ:

(رأيت أننا نمضي عبر بوابة "آنوا" و"إنليل" و"إيا"، هناك ركعنا معاً، أنا وأنت، ثم رأيت أننا نمضي معاً، أنا وأنت عبر بوابة "سن" و"شمس" و"أدد" و"عشتار" هناك ركعنا، أنا وأنت رأيت بيتاً فيه نافذة غير موصده دفعتها، فانفتحت وولجت إليها، فرأيت هناك فتاة مليحة الوجه مُزَيَّنَة بتاج، وهناك عرش منصوب، وتحت العرش أُسودٌ رابضةٌ مزمجزةٌ، فلما ظهرتُ لها قفزت نحوي، عند ذلك أفقتُ من نومي مذعوراً)!

اصغيت لحديث النسر السومري مع الملك (إت أنا) يأتيني كهمس من (نص مسماري) بين الرُقُمِ الطينية التي أفلتت من أيدي الهمجية عبر نوبات الخراب التي تعرضت لها بلاد ما بين النهرين!

تتسع مخيلة عقل (السومري) في الألف الرابع قبل الميلاد وهو ينظر من طبقات السماء العليا إلى الأرض...تتسع أحلامه وتتضاءل الأرض...ساعياً للتحرر من قيود المكان والزمان والصعود إلى سماء الآلهة بحثاً عن تحقيق أحلامه لإدامة سخاء الحياة!

في ذلك الزمان السومري "السحيق!" الكامن فينا... كان(السومريون) كما يؤكد المنقبون...أول من:

(اخترع الكتابة، وابتكر الدولاب، واخترع المحراث، وحَوَلوا اللّبْنْ الطيني إلى آجر بِشَيّه بالنار، وخطّطوا الترع والأقنية وحفروها بإتقان لنقل الفائض من مياه الفرات ودجلة إلى المناطق العطشى، وتميز عصرهم بتطور الزراعة وفن المعمار والأدب والأساطير ووضعوا أسس علاقة المَلِكِ بالرعية!

وابتكروا التقويم والمقاييس، فكانت سنتهم من اثني عشر شهرًا، ونظام العدّ عندهم مبنيًا على الوحدة «ستين» وعلى أساس هذه الوحدة جُعلت الساعة ستين دقيقة، والدقيقة ستين ثانية، وقُسّمت الدائرة إلى ثلاثمئة وستين درجة!

وكانت «المينا» وحدة الأوزان عندهم تنقسم كذلك إلى ستين جزءًا يدعى الواحد منها "شاقلاً"...

ومنذ الألف الثالث قبل الميلاد وضع طبيب سومري لوحة دوّن عليها أكثر من اثنتي عشرة وصفة طبية لمعالجة الأمراض المختلفة، وشرح فيها كيفية استعمال الأدوية، وحدّد ما يؤخذ منها بالفم وما هو للاستعمال الخارجي. كما ذكر المواد التي تتركّب منها تلك الأدوية!

لذلك يعتبر السومريون بُناة أقدم حضارة مدنية متطورة في العالم)!

يقول د. عبد الأمير الحمداني:

(في أوروك كانت المدرسة الأولى، وأول مؤتمر ومجلس مُنتخب، وأول مؤرخ، وأول حالة  ضرائب، وأول سابقة قانونية، وأول وصف للأدوية، وأول جمعية للمزارعين، والتجربة الأولى في حدائق شجر الظل، وأول تجربة لفهم الكون والوجود، والمُثل الأخلاقية الأولى، وأولى الحِكَم والمقولات والأمثال، والأسطورة والملحمة الأولى، والمناظرة الأدبية الأولى، والحكاية الأولى للبَعِث، والحالة الأولى للاقتراض الأدبي، وأولى الأعمال البطولية للإنسان، وأول أغنية حب، وأول فهرس للمكتبة، والعصر الذهبي الأول للإنسان، والمؤثرات الأولى، وأول صور أدبية، وأول رمزية للجنس، وأول تهويدة)!

وبعد سقوط (سومر) على أيدي (القبائل السياسية الطائفية والاثنية المتوحشة عام ثلاثة وألفين وما بعدها) بعد ان اغتصبتها الدكتاتورية واستباحت كينونتها عقود مريرة...لم اجد مفراً إلاّ ان اكتب:

"سومرُ" تَصْطَّفُ إلى طابورِ الأيتامِ!

 

"سومرُ" تَصْطَّفُ إلى طابورِ الأيتامِ!

محمود حمد

حالَ ولادَتِها سألت عن اسمِ أبيها...

قالَتْ جَدّتُها:

يا “سومر" خيطي فَمَكِ المأزومِ بصمتٍ...

فوقَ صريرِ السِرِّ المَكنونِ...

فأبيكِ العاصي خَلْفَ حقولِ العَنْبَرِ...

مَطلوبٌ للسلطةِ. من عصرِ الرومانِ...

إلى "خَيمةِ صفوان" (1)!

شُدّي "الحَبْلَ العَلَنيَّ" بِكَفٍ تَغمُرُهُ الحِنّاءُ...

وامضي...

شَرقاً ومسيلِ النَهرِ...إلى قرصِ الشَمسِ!

****   

نَسَجَتْ ثوباً غَضاً مِن قَصَبِ البَرْدي...

وطَوَتْ تاجَ سنابلَ فوقَ جبينٍ أبلج!

نَزَعَتْ قَبضَةَ طينٍ حُرٍ مِن جَسَدِ الأرضِ بِوِّدٍ...

وطَلَتْ جَبْهَتَها مثلَ نساءِ "الكَحلاءِ" (2) بمقتلِ "صاحب" (3)!

خَرَجَت للنورِ بُعَيْدَ شروقِ الشمسِ...

وأصْغَتْ...

لقطيعِ طيورِ الغرنوقِ...

يَصفِقُ أجنِحَةً بالماءِ الراكدِ عِنْدَ حقولِ العنبرِ!

جَمَعَتْ ريشاً في أعقابِ الطَيْرِ المُتَخافِقِ...

أجنحةً للرِحلَةِ في ذاكرةِ الرُقُمِ الطينيةِ...

تَبحثُ عن رجلٍ يخشاهُ الإعصارُ وجُندُ المحتلِ!

****

هَمَسَتْ جَدّتُها في وجلٍ:

شُدّي للدَربِ مَتاعاً...

وذِراعاً!

****

وضَعَتْ إرثَ أبيها بينَ الأضلاعِ...

وناياً من "جُزُرِ المجنونِ" (4) دليلاً لفيافي المَجهولِ...

وبقايا بَدْرٍ مكسورٍ خَلَّفَهُ الطوفانُ على أكتافِ النَهْرِ...

مَتاعاً للرِحْلَةِ!

****   

صاحَتْ جَدّتُها:

لا تَنسي قنديلَ الأجدادِ سِراجاً لخُطوبِ الظُلمةِ...

وسَرَتْ...

ظامِئَةً تَفصِلُها عن دجلةَ قطعانُ ذئابٍ ذاتَ قرونٍ!

يا جَدّة:

الخَيرُ يُضَمِّخُ خَطواتي...فلماذا يَنْهشُنا الجوعُ ونَسكُتُ؟!

قالَتْ جَدّتُها:

تِلْكَ مَشيئةُ سُلطانُ الأرضِ المَفتونِ بِقَطْعِ الأعناقِ...

وإفتاءُ الوَعّاظينَ المَفطومينَ على قَطْعِ الأرزاقِ!

****

جالَتْ كُلَّ بلادِ النَهرينِ تُنَقِّبُ عن مسرى لأبيها...

خبرٍ يَشفيها مِن وَجَعِ الغُربَةِ!

وَقَفَتْ في ساحِ البَيْدَرِ تُحْصي "أفخاذَ" قَبيلَتِها...

تسألُهٌمْ عَن بَلَدٍ يَطمَعُ فيهِ الغَيْرُ ويَقْبِرُ أبناءَه؟!

****   

وصَلَتْ لتُخومِ الحكمةِ...

أطلالاً تَقطُنُها البومُ...

قطيعُ عناكبَ سودٍ يَنسُجُ أعشاشاً فوقَ بَصيرتِها!

قَرَأت لَوحاً من طينٍ حُرٍ عِنْدَ جِدارِ الحِكمَة المَهجورةِ...

يَروي قِصَّتَها...

قَفَزَتْ بِفُضولٍ من أحداثِ الفَصْلِ الأولِ...

لسطورِ الخاتِمَةِ المَغمورةِ بالماءِ:

مِن نَفَقٍ مُظلمٍ تَخرِجُ قِطعانٌ دونَ وجوهٍ حاملةً كِسرةَ شَمسٍ في تابوتٍ حَجَريٍّ...

تُودِعُهُ في حقلِ العنبرِ...

تُطْلِقُهُ لغيومِ كواسرَ كانت تَجثو فوقَ غيومٍ صُفرٍ...

يَتَمَلْمَلُ جوفُ التابوتِ الحَجَريِّ...

يَغدو رَجُلاً يَخشاهُ الإعصارُ وجندُ المُحتّلِ...

تأتيه حَمامة...

تَحملُ سُنبُلَةً من بستانِ القُدرًةِ...

تُلقيها للأرضِ البِكْرِ...

تكونُ بلاداً داكنةً...

خِصْباً...

وأزيزُ جَحيمٍ في جوفِ الأرضِ..

يَسْفيها القَحْطُ ويَحكُمُها المَوتُ!

تَخْطو بِثَباتٍ نَحو التابوتِ المَنهوشِ الأحشاءِ...

وتَرْنو للقَطْرِ الدَمَويِّ المُتَناثِرِ في كُلِّ الأرجاءِ...

تُمسِكُ جَدَتُها بالكَتِفِ الـ.. مازالَ طَرِياً...

تَرمُقُ ذئباً في جلدِ وزيرٍ يأتيها بصحيفٍ من قَصًبِ البَردي...

تَلمَحُ فيهِ...

وَجْهَ أبيها مَجدوعَ الأنفِ بدهليزِ جماجم...

تَتَراجَعُ "سومرُ “خاويةً في حَلَكِ الخَوفِ إلى بعضِ صَتيتٍ إنْسيٍّ خافِتٍ...

تَلمحُ جَدّتَها تتهاوى...

تَخْمَدُ...

تُطْلِقُ يَدَها...تَصْطَفُّ إلى طابورِ الأيتامِ!

 

خيمة صفوان: الخيمة التي وقع فيها قادة جيش صدام صك الاستسلام للأمريكان عام 1991.

الكحلاء: ناحية في محافظة ميسان.

صاحب: القائد الفلاحي الذي اغتيل في ستينات القرن الماضي.

جزر المجنون: أحد أكبر حقول النفط في العالم.

 

 

 

وحدة المحنة والمصير!

محمود حمد

أتوقف اليوم..

عند ظاهرة (اعلامية!) موجِعَةٍ تطال العقل قبل النفس...

كلما أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي واقترب من (التناحرات!) ولا أقول (التحاورات!) بين المختلفين وحتى بين الأصدقاء...حيث تتفشى (العصبية السياسية القبليَّة البدائية) فتفرز أنماطاً متعددة من الإدمان على (عبادة الشخصية السياسية!) والإذعان لـ(تقديس الفرد القائد!) وتدبيج المناقب الوجدانية له لتعظيمه وفرعنته، ومقابل ذلك تنفث في مشاعر الناس سموم الكراهية والاستخفاف والتحقير للأخ الآخر (الشريك في المصير والوطن والمحنة) ...

والملفت اننا نجد تلك (العصبية القبليَّة) حتى بين أولئك (المتعلمين!) الذين عاصروا (مثلنا) أجيالا من السياسيين الفاشلين (الذين نُفِخوا برياح أجنبية طامعة، أو انتفخوا بزفير التخلف المجتمعي المحلي!) وانتهوا...في خاتمة الأمر (نفاية) في جحر التاريخ المظلم، دون أن يعتبر غيرهم من:

ان هذه النهاية... قانون موضوعي حتمي نافذ على الجميع، وطريق مهلك لكل (القادة!) السياسيين.. إن ركبوا ظهر الملايين (القبليَّة ... اللا واعية سياسياً) لإستغفالهم، واستعبادهم، وسلب ثرواتهم، واستلاب إرادتهم، وتكميم ضمائرهم وعقولهم وأفواههم، والتأبد في حكمهم!!

والمثير للاستغراب...ان بعض أولئك (الأصدقاء المتعلمين!) يعيش في بلدان فرضت نواميسها الوضعية تطبيقات لـ(دور الفرد في التاريخ) وحددت صفة الحاكم في إدارة الدولة كونه محض (مدير مؤسسة خدمية) مؤتمن على مواردها البشرية والمادية والطبيعية، وليس (عبد اللاصق بن عبد المثبت!!) ...

فإن لم تكن تلك المؤسسة (الدولة، او الحزب، او الحركة، او التيار) نافعة لشعبها يُساءَلُ المدير (القائد!) أو يُعْزَلُ مع بيان أسباب عزله، وأمام ناخبيه، لإعادة التوازن لأدائها كـ (مؤسسة خدمية منتجة) وجعلها مجدية الوجود، لتجاوز خسائرها وإخفاقاتها ولكي تحظى بثقة الناخبين، وليس التشبث بالسلطة كغنيمة (ماننطيها) يتوارثها الأبناء عن الآباء ويورثونها للأحفاد، باسم (المُكوِّن)!

أما اذا تسبب ذلك (المسؤول) بسفك قطرة دم واحدة... فيحال للقضاء ليأخذ جزاءه العادل!

فيما نرى أن جماعات تفتقد حس ووعي المواطنة (تتطوع!) بحماس قَبَلِّي لشتم بعضهم بعضاً بألسنتهم، وأحيانا... تصفيتهم بـ(كواتم الصوت!)، لأن واحد فيهم تجرأ على مساءلة أو نقد (القائد التاريخي!) أو (مختار العصر!) أو (الخط الأحمر!) أو (مولانا المجاهد!) أو (حجة الإسلام!) أو (تاج الراس!) ...

مما يؤشر الى أننا نتعرض لطغيان بيئة لا معرفية (عقلية ونفسية وسلوكية بدائية متوحشة) افرزتها مرحلة ما قبل وما بعد الغزو وقيام (دولة المحاصصة) المقيتة التي جاء بها الاحتلال...

تستبد بمصائرنا تلك الجماعات المجوفة العقول التي تسوقها (زعامات!) مغلقة البصائر...موالية وعميلة للأجنبي... تعتبر خيانة الوطن مجرد (وجهة نظر!) ... مُنْتِجة للحروب وللفتن الدموية، ومصدراً لإعادة إنتاج التخلف والتطرف الذي يفرز الإرهاب...ويسفك دماء العراقيين!!

وليس لنا في هذا المقام وفي مثل هذه الايام الملتبسة...التي يحتدم فيها الصراع بين (الولاء للوطن) وبين (التبعية المُذلة للأجنبي) ... حيث طفحت على سطح الاحداث (شخصيات!) تبيع المواطن والوطن للأجنبي دون حياء...لقاء حمايته لهم من غضبة الشعب!

إلاّ ان نتذكر ما قاله المناضل (تشي جيفارا):

(إن الذي باع بلاده وخان وطنه مثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه)!!!

وان ندعوا أولئك المنزلقين في هاوية الكراهية الطائفية والشوفينية القومية لقراءة ما قاله الخالدان كوران والجواهري..

يقول الشاعر العراقي الخالد / عبد الله كوران:

آه أخي العربيٍ

كم من عباءة

كم من لبـّاد

مزقـْنا

آنَ كنا نعمل بالسخرة للظالمين

آه كم مسحنا العرق من جباهنا

ونحن مثقلون بالأحمال

أخي العربي

ياذا العينين السوداوين

مـُرّاً كان نصيبك

مُـرّاً كان نصيبي

قد جرعنا المرارة من كأس واحدة

فاضحت أخوتنا عسلاً شهيـّا

......

ويقول الشاعر العراقي الخالد / الجواهري:

قلبي لكردستان يُهدى والـــفم

ولقد يجود بأصـغـريـه الـمـعـُـدم

ودمي وإن لم يـُبـِق في جسمي دمـــا

غـرثى جـراح من دمائي تـطــعـم

يا بن الشمال ولستَ وحــدك إنـَّه

جـسـدٌ بـكلَّ ضــلـوعـه يــتألمُ

عانى وإيـاكَ الشـدائـد لم تــَلِـنْ

منه قـناة كلَّ يـوم تـُعجـَمُ

يا أيها الجبل الأشم تــجـِلـٌة

ومــقــالة هـي والـتجلٌة توأمُ

شعب دعائمه الجمـــاجم والــدمُ

تـتـحـطـم الدنـيا ولا يتحـَطـٌـمُ.

 

 

حكاية ونَص...

محمود حمد

الحكاية:

في منتصف الثمانينات وفي مكتب مجلة (دنيا العرب) بدمشق قال الكاتب والروائي الفلسطيني (محمد ابو عزة) سكرتير تحرير المجلة:

(في ضميري (مشهد) لم يغب عنه، ولابد ان ارويه، ولكن ليس في سورية، لان الامر يتعلق بحقبة من تاريخ البعث، وان كان الامر يتعلق بالبعث العراقي.

المشهد يعود الى العام 1963 وتحديدا في الأيام الاولى بعد انقلاب 8 شباط...

كنت ضمن طاقم الحرس القومي في مديرية الامن العامة، ومن بيننا مجموعة من العرب و

الفلسطينيين تحديدا، ولاسيما بعض ممن اصبح في الخط الاول من قيادات منظمة التحرير ضمن حركة القوميين العرب، كـ “أبي علي مصطفى" الذي قال يوما، بأنه يود لو يقطع يده التي ساهمت في تعذيب الشيوعيين والمناضلين العراقيين في تلك الفترة.

وفي نهار يوم كان لدينا ضيف "دسم" اقمنا له "وليمة دسمة" هي الاخرى من صنوف التعذيب والهتك الجسدي والنفسي على مدى ساعات.

(الضيف) كان "سلام عادل" السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي.

كانت طاقتنا على الابداع في التعذيب والقهر لا توصف، وكانت طاقته هو على الصمود والتماسك لا توصف أيضا...

وحين بدا ان الرجل في طريقه الى النهاية الاكيدة، جاءتنا اوامر بالإبقاء على الرجل، لان شخصية مهمة في الطريق الينا.

ولم تكن تلك الشخصية سوى "علي صالح السعدي" وزير الداخلية والامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي.

وفي "صالون ابداعنا" بدا المشهد طويلا، حين وقف السعدي يحدق في "سلام عادل" الذي لم يبد انه على وشك الإنطفاء بعد.

ثم قال "السعدي" مقربا فمه من “سلام عادل" :

"انت منتهي وليس عليك الا الاعتراف".

ثم كرر طلبه غير مرة، وفجأة رفع "سلام عادل" رأسه وحدق في وجه "السعدي" طويلا، ثم قال بكلمات متقطعة، ولكن واضحة ومفهومة:

انت سكرتير حزب يفترض انه من ضمن احزاب التحرر، وتطلب مني انا سكرتير حزب شيوعي ان اعترف.. انت لست اكثر من شرطي مثل هؤلاء.

ثم سكت "سلام عادل" لحظات، وبدا وكأنه يستجمع قواه مرة اخرى، ثم فجأة بصق في وجه السعدي بصقة يخالطها الدم...

لم يبد من السعدي للحظات اي رد فعل سوى ان يمسح البصقة، وبدت منه حركة واشارات عصبية فهمنا المقصود منها:

اجهزوا على الرجل.

ولا اريد ان اسهب في كيفية اجهازنا عليه، ولكن الامر بدا وكأنه قريب من نهاية واستشهاد الكثير من الرموز التاريخية العظيمة).

وبين اعتقال (سلام عادل) في 19 شباط واستشهاده في 23 شباط... يقول (أمين هويدي) أول سفير لمصر بعد الانقلاب:

(إن وفداً "من الانقلابيين" برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية علي صالح السعدي سافر يوم 21 شباط للقاء جمال عبد الناصر، وضم الوفد عبد الستار الدوري "مدير عام الإذاعة والتلفزيون"، وطالب شبيب "وزير الخارجية" وصالح مهدي عمّاش "وزير الدفاع" وفؤاد عارف "وزير الدولة" وحردان التكريتي "آمر القوة الجوية" وخالد مكي الهاشمي "آمر الدبابات"، ومعهم وفد شعبي ضم "حسين جميل" و"جلال الطالباني" و"أديب الجادر" و"عبدالله سلّوم السامرائي")!

وجاء في كتاب (سلام عادل.. سيرة مناضل) بقلم "ثمينة ناجي يوسف “و"نزار خالد":

(إنه بعد تعذيبه " تغَيَّرَ جسده ولم يعد من السهل التعرف عليه. فقد فُقِئَت عيناه، وكانت الدماء تنزف منهما ومن أذنه، ويتدلى اللحم من يديه المقطوعتين، ورش الملح والفلفل فوق جسده المدمى لزيادة آلامه، وبقي على هذه الحالة في سرداب تغطي أرضه المياه القذرة والحشرات، ويعلو فيه أنين المعتقلين وهذيانهم وحشرجات الموت، حتى لفظ انفاسه")!

ونحن لن ننسى الثالث والعشرون من شباط 1963...كي لا نسمح لـ(البغاة من كل لون!) ان يعيدوا الكرة مع أي (انسان) بسبب فكره او معتقده او انتمائه السياسي...

وبعد مرور 60 عاماً على تلك الجريمة...كان لابد لي ان استذكر تلك الأيام العصيبة لأكتب:

بركة الدم... 23 شباط 1963؟!

في تلكَ الليلة كُنّا جوقةُ فتيانٍ مرصوفين إلى جدرانِ الرملِ الباردِ...

جاءت غيمةُ أشباحٍ دون رؤوسٍ في أعقابِ كثيب الدخان الأسود...

دارَتْ موتاً حول الآثار المسفية للأقدام العريانة...

قطعوا عَنّا مَديات الرؤية...

قبرونا في جوف الليل الأخرس...

وقفوا في طابور يمتد من الأنفاس المقموعة...

حتى الفوهات "العربية"(1)!

****   

سألونا عن أسماء الحفّارين لقبر السلطة...فأجبنا:

"منشورٌ" يتلألأُ في أعمدة الظُلمة...

رجلٍ فارعٍ من حارات النجف المأسورةِ (2)...

استفهاماتٌ تتشظى في الطرقات...

حشودٌ للرفض الصاخبِ...

لهيبُ دموعٍ يحرق أصنام السلطة التبنية!

قالو دون صتيت:

(جئنا كي نبقى) عَدَماً...في أرض النهرين!!!

صَدقوا ما قالوا...

للساعةِ تَدوي مَطحنةُ الموتِ العَبَثي المتفاقمِ...

في ارجاء الوطن المسلوب!

_______________________________

(1) العربية: إشارة إلى رشاشات "بور سعيد" التي استخدمها الانقلابيون في ذبح الوطن وأبنائه.

(2) الشهيد سلام عادل.

 

 

 

 

لا يُنقذ (الدينار)

ما يُفسده (الاطار)!!

 

محمود حمد

 

في محاولة (المتحاصصين المتناحرين) التشبث بالسلطة ...ومن اجل الإبقاء على حكومتهم العرجاء...للحفاظ على امتيازاتهم ومغانمهم، والتستر على مفاسدهم... يتسابقون لتقديم تنازلات للجانب الأمريكي تفوق ما تم الإذعان له في (اتفاقية الاطار الاستراتيجي) التي وقعها (نوري المالكي) مع الجانب الأمريكي عام 2011 ...

بعد ان رفضت وزارة الخزانة الامريكية اعطاءهم (عطوة!)، لعدة اشهر لكي يتمكنوا من سرقة ما بقي في خزانة الدولة العراقية من مليارات الدولارات!

وان الوفد العراقي المفاوض (رغم ذلك!) تم تخويله من قبل (الاطار التنسيقي!) للموافقة على تلك الشروط الامريكية التي تستهدف (من بين شروط أخرى) الاستغناء عن شراء الغاز الإيراني والربط الكهربائي معها، واستبداله بـ:

الاستثمار بالغاز العراقي المصاحب من قبل شركة جنرال الكتريك وحلفائها...

والربط الكهربائي بدول مجلس التعاون العربي...

إضافة الى ابعاد قواعد الميليشيات ونشاطاتها عن التواجد الأمريكي في العراق (دون حلها ونزع سلاحها!).

في ظل تفاعلات رسالة أعضاء الكونغرس (الجمهورين) الى الرئيس بايدن ذات الأسئلة الثلاثة عشر بشأن العلاقة بين (قيادات الاطار التنسيقي) والحكومة العراقية من جهة، والنظام الإيراني من جهة أخرى، التي تضمنت توجيه اتهامات بالفساد والإرهاب لاهم قيادات (الاطار)، وحدد يوم 24 من هذا الشهر كحد اقصى لرد الرئيس بايدن عليها!

والملفت ان المفاوضات مع الجانب العراقي جرت بحضور فاعل للسفيـــرة (آلينـــا رومانوسكي)... بحيث وصلت بأحد كتاب (الاطار) القول منفعلاً:

سيسجل التاريخ:

(ان المرأة الحديدية رومانوسكي هي التي انهت خرافة المقاومة)!

وان من بين ما تم التوقيع عليه بين الوفدين في واشنطن:

(الاتفاق مع بنك موركان لإدارة التحويلات العراقية الى الصين)!

و(الاتفاق مع شركة جنرال الكتريك لـ “إدارة" ملف الطاقة في العراق)، الذي رعته السفيرة رومانوسكي في احتفال ببغداد... حتى قبل ان يعود كامل الوفد من واشنطن!

و(غردت!) خلاله:

(بناء على زخم العمل للوفد العراقي احضر انا ورئيس وزراء العراق لتوقيع اتفاقية ستساعد على تحقيق نتائج مرجوة لنظام كهربائي على مستوى عالمي يستحقه العراقيون!)

علماً ان هذه الاتفاقية مع شركة جنرال الكتريك هي الاتفاقية السادسة وبمليارات الدولارات التي يوقعها رؤساء الحكومات في العراق مع هذه الشركة الامريكية، ابتداءً من الاتفاقية التي وقعها نوري المالكي عام 2008 / ومن ثم الاتفاقية التي وقعها في نفس العام 2008/ واتفاقية في عام 2016/واتفاقية في عام2017/واتفاقية في عام 2018...

وجاء هذا التوقيع بعد اقل من أسبوعين من توقيع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني على مذكرة تفاهم مع شركة سيمنس الألمانية في برلين لذات الغرض!

ان جميع المدركين لازمة النظام العميقة... يعلمون انها لا تكمن في الاتفاقيات التي يتم توقيعها...

بل في:

فساد الحكومات العراقية المتعاقبة التي شكلها المتحاصصون...

وبانعدام الامن للمستثمرين...

وبتفسخ سلطتهم التي لا يكمن الوثوق بالاتفاق معها ...

هذه (السلطة الفاشلة) التي تعجز عن تبرير بقائها!

لان الحتمية التاريخية لزوال اية سلطة تتجلى في:

عجز تلك السلطة عن تبرير بقائها نتيجة إخفاقها في أداء دورها في تأمين سيادة الوطن وحماية حياة وكرامة المواطن.

فشلها في إيجاد الذرائع لإطالة عمرها تحت وطأة أزماتها الداخلية وتخبطها بتداعيات الازمات الخارجية المرتدة اليها.

انفضاح شعاراتها التضليلية بفعل انقضاء زمن وعودها.

اهتراء خرافاتها التجهيلية بعد تنامي الوعي الوطني المدني.

انكسار شوكة دعواتها الطائفية والعرقية إثر انفضاح مفاسدها.

انكفاء أصواتها الاستعلائية الاستفزازية الصلفة بفعل تعالي صوت الحشود الواضح الموحد الصادر عن كل الطبقات والفئات الواعية رغم حرمان تلك الطبقات بسبب مفاسد السلطة.

انفضاض الرُعاة والحُماة الإقليميين والدوليين من حولها إثر تسرب المياه الى داخل سفينتها المنخورة!

تقافز الانتهازيين من تلك السفينة بحثاً عن (جبل شعبي) يعصمهم من الغرق!

تخلي (الزعامات الدينية) في العلن عنهم...وهي الزعامات التي يلتاذون بظلها ويسرقون باسمها ويضللون بسطاء الناس بدعوى الوقوف خلفها!

الفشل في اشغال ملايين الناس بالأزمات الموضوعية او المفتعلة المتعاقبة، كأزمة (الدولار)!

ويبقى السؤال الأهم..

هل يكفي عجز السلطة عن تبرير وجودها سبباً لاختفائها؟

كلا قطعاً..

بل ان (انتهاء دورها) يحتاج الى نضج الظروف الذاتية لـ(التغيير)، وليس (الاصلاح)..

(الاصلاح) هذه المفردة المجوفة الخادعة، التي لم يبقَ نظام فاسد او مستبد في التاريخ والجغرافيا ...إلاّ أن رفعها عندما تضيِّق الجماهير عليه الخناق!

والمواطن البسيط والباحث الاستقصائي على حد سواء يعرفون...ان:

(أزمة نظام المحاصصة الذي جاءت به أمريكا وترعاه وتحميه ايران...هي ازمة عميقة وموضوعية لنظام حكم ـ طائفي عرقي ـ يتناقض مع خصائص الشعب واحتياجاته، وأثبت عجزة عن حماية الانسان والارض) ناهيك عن اخفاقه في ترميم نفسه...خلال عشرين عاماً...

دون ان نغفل دور المحاولات التي يقوم بها التنفيذيون المخلصون في المؤسسات، للإبقاء على استمرارية تردد انفاس الدولة المتقطعة، رغم احباطاتهم بفعل محاصرة عصابات (اللا دولة!) لهم في مواقع عملهم وميادين نشاطاتهم!

 وهذه هي القضية..

وليست (مجموعة خدمات تلكأ الحكام في تلبيتها) ...

كما يريدون ان يوهموا اليائسين من العراقيين!

او انها محض (ازمة طارئة يتعرض لها الدينار العراقي)!

الازمة التي (عالجوها!) بتخفيض قيمة الدولار الى 1300 دينار للدولار الواحد، وهو يباع في سوقهم السوداء بـ(1500) مما زاد من أرباح الفاسدين المستفيدين من فارق سعر العملة بين البيع الحكومي والبيع في سوقهم الموازية!

لأن في ذلك تسطيح لطبيعة الازمة وتجويف لجوهرها...

وفي نفس الوقت تكبيل للإرادة الشعبية المندفعة لإحداث تغيير يعالج جذور الازمة وليس ترقيع إفرازاتها فحسب!

لأن تلك (الافرازات الفاسدة) لا يمكن معالجتها بذات العقول المتخلفة والايدي السَلاّبة التي صنعتها!

 

حكاية ونَص...

محمود حمد

الحكاية:

كلما أمسك قلمي لارتحل بالخطوط ولتأخذني معها، اكون قد لامست مقصدي فيما ارسمه خلاف ما يراه الرائي، إنها ليست تعبيراً عن الأشكال والحركة والمتعارضات والتشابكات فحسب، بل أن ما احمله في روحي ورفقتي للخطوط هو التعبير عن الطاقة الكامنة في الأشياء لا أشكالها الظاهرة على سطح اللوحة، فانا شغوف بأن يشاركني الرائي الإحساس بتلك الطاقة غير المرئية، والتفاعل معها لإدراك بواطن الظواهر المرئية على سطح اللوحة.

فشعوري بأن الخط يأخذني بسحره إلى أسرار ما ابتغيه، يفوق إحساسي بأنه متحكم برحلة الخط على سطح اللوحة الصقيل، فانا اشعر بأن وراء الخط الرشيق نوافذ لا منتهية من التَفَكُّرِ، ومديات واسعة للخيال، وشغف متعاظم بقدرة الحلم الأزلي للعقل على الامتداد إلى الأبدية!

عندما يلامس القلم الورقة لرسم (الشفة) مثلاً، لا استطيع إلاّ أن ابتسم لطاقة البهجة الكامنة في الشفاه المرسومة على اللوحة، وعندما ارسم نخلة شاخصة، لا استطيع إلاّ أن اشعر بالحزن لانطفاء طاقة الأنين عند الحلاج مصلوباً عليها، وعندما ارسم تشابكاً للخطوط اللاّ منتهية المديات، لا يمكن إلاّ أن اسمع طاقة صراخ المكبّلين خلف القضبان!

منذ ان قرأت ما قاله الحسين بن منصور الحلاج:

(النقطة أصل كل خط، والخط كلَّه نقطٌ مجتمعةٌ، فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك عن النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليلٌ على تجلّي الحق من كل ما يُشاهَد وترائيه عن كل ما يُعايَن)!

عرفت أن ما يشعرون به في زمانهم المرير مثل زماننا، كان قد تحدث به الحسين بن منصور الحلاج قبل صلبه في 26 مارس سنة 922م، وقبل أن يُلقى في السجن تسع سنوات بتهمة الزندقة والكفر!

ثم يُقضى عليه بالقتل من قبل القاضي أبو عمر المالكي، ويأمر الخليفة المقتدر بإنفاذ الحكم!

فأُخرج "الحلاّج" من سجنه، وتم جلده ألف جلدة، ولما لم يمت قُطِعَت يده، ثم رجله، ثم رجله الأُخرى، ثم يده، وضربت عنقه، دون أن يتأوه، وأحرقت جثته، ولما صار رماداً ذري الرماد في نهر دجله!

وعُلِّقت رأسه وبجوارها يداه ورجلاه على سور السجن ليكون عبرة لمن يَتَفَكَّرْ!

سمعت حينها في آخر الليل طرقاً خفيفاً على النافذة وهمساً لم اعهده من قبل، وكأن الحلاج يستدعيني أو أنه يستنهضني لإخراجي من أسْر (النصوص المقدسة!) الملغومة بالإفناء والفناء!

فشعرت بقشعريرة تسري في بدني، وعاودت علي نوبة الحمى، فاستعنت بدفتري عليها وكتبت (النص):

 

قَتلةُ الحلاجِ!

محمود حمد

نحنُ في دولةٍ تَبيضُ غِربانَها جراداً...

يأكلُ الخيرَ والنُشوءَ...

يكبتُ الدفقَ في شرايينِ الرفضِ!

نحنُ من قومٍ يغرسونَ النَخْلَ كي يُصلبَ عليه "الحلاج...

والتِبغَ لفقء العيونِ بالسجائرِ!

والكَرْمَ لِرَجْمِنا خارِجَ الفردوسِ!

والقَمْحَ لاختبار صَبرنا على الجوعِ!

نحن من مدنٍ حافيةٍ يقطنُها السيّافونَ...

والطرقِ الموبوءةِ بالقحطِ...

حتى صارتْ ترسانةَ خوفٍ...

غابةَ موتٍ...

كمائنَ خطفٍ...

أمراءً للظلمةِ...

"مفسدةً" للمحتلينَ!

****

 لكنهم...

كُلَّما أشعلوا فينا ناراً...

أوقدنا فيهم عاراً!

وكُلَّما جعلوا أوطاننا توابيتاً فولاذيةً...

جَعلنا عُروشَهُم شواظاً متأججا!

****

كُلُّ اطوارِ بَطشِهِم عَجَزَتْ عن اقصاءِ:

فِكرِنا عن ضميرٍ يشحذهُ الجوعُ...

وروحِنا عن ارتشاف الشروقِ من حَلَكِ الظلمةِ...

وشفاهِنا عن تقديسِ الطفولةِ...

وعيونِنا عن وجهِ من نُحِبُ!

****

أنْبَثِقُ من رُفاتي. صاريةً...كُلَّما اقترب جُرحُكُم من جُرحي...

نَستحيلُ فَناراً...في حَلَكِ الهزائمِ، وحروب الطغاةِ!

نتبادلُ:

الجروحَ في مواسمِ القَصْلِ المتواترةِ...

والأوطانَ في دهورِ الغربةِ...

والأسماءَ في اللقاءاتِ الممنوعةِ...

والغيظَ في صحوةِ الشوارعِ...

والكلماتَ الخصبةَ في أزمنةِ الخطب المكرورةِ!

***

وطني...

كلماتٌ يألفُها الفقراءُ...

أقدامٌ عاريةٌ تنزفُ من مروحةِ الجلادِ...

أعناقٌ شاخصةٌ تَلْوي نَصْلَ السيفِ الأموي...

جوقةُ صبيانٍ عابرةٍ تَبصِقُ في وجهِ المُحتّلِ...

امرأةٌ ترفعُ هامَتَها في وجهِ الحُجُبِ السوداءَ...

لوحةُ فنانٍ ضاعتْ أخباره...

فلاحٌ يصنعُ من زهرةِ قطن فجراً...كي لا يقحم في وطنٍ من أسفلتٍ!

***

من الشرفاتِ المُطِلَّةِ على روحي...

أرمِقَكُم رفضاً وشروقاً...أنّا كُنتُم يا فقراءَ العالمِ في:

أقبيةِ التعذيبِ "الوطنيةِ"...

ساحاتِ الإذلالِ "الدولية"...

شِراكِ الإحباطِ "الثوريةِ"...

وَحْلِ هزائمنِا "التاريخيةِ"...

قبورِ الحرمانِ "القرويةِ"...

فصولِ الدرسِ "الجوفاء"!

 

لا تنتهي (الاشنات)

الا بتطهير الجسد من التعفن!

محمود حمد

 

في مرحلة تهرئ (دولة المحاصصة) وتعفن حاضنتها الاجتماعية تطفح على قشرتها بالضرورة (أشنات) قذرة، تطلق روائح كريهة و(محتوى هابط!)!

ومعالجة افرازات (الاشنات) لا تتم الا بالقضاء على التعفن في (محتوى) الطبقة السياسية التي افرزتها، وبتفكيك طبقتها الاجتماعية الفاسدة الراعية والمغذية لها...

لان تلك (الاشنات) الطافحة على قشرة النظام السياسي والاجتماعي الفاسد هي نتيجة طبيعية لنهج المتحاصصين على امتداد عشرين سنة...تميز بـ:

احتقار العقل بإشاعة الخرافات...

وازدراء العلم بتعظيم الجهل ...

والخصومة المتوارثة مع الثقافة والفن...

وتهميش التعليم بوضع الاميين على رأس المؤسسات التعليمية...

وامتهان مكانة المرأة واعتبارها محض(أمَة) تشبع شهواتهم...

وإشاعة الغرائزية وشرعنتها في المجتمع وتغذيتها باللصوصية المقننة!

وفوق كل ذلك...

الاستخفاف بمكانة (الانسان)وحقوقه وحرياته وكرامته... في عقائدهم، وسلوكهم، واجراءاتهم، وممارساتهم!

فان يقول (معمم!) على الملأ وفي وسائل الاعلام:

(السافرات عاهرات!)

هذا بمنهجهم ليس بـ(محتوى هابط!) ...

رغم ان طاولة مجلس الوزراء تجلس حولها (وزيرات سافرات) ...

وفي مجلس النواب تأخذ (النساء السافرات) المنتخبات مقاعدهن...

وتدير مؤسسات الدولة العليا والمتوسطة والدنيا (نساء سافرات) يسفرن عن عقولهن للإبقاء على ما تبقى من انفاس الدولة...

وفي مجتمعنا (الملايين من النساء السافرات المبدعات) من امهاتنا وزوجاتنا وبناتنا...

كل ذلك لم يحرك دعوى على صاحب ذلك القول العدواني اللا اخلاقي!

لذلك من الحكمة الانتباه الى ان اثارة هذه (الزوبعة المفتعلة) في هذا الوقت العصيب الذي يمر به شعبنا... تهدف الى اشغال عقول الناس بدخان يبعدهم عن رؤية الازمات الحقيقية الهيكلية والوجودية لنظام المحاصصة!

والحذر كل الحذر...من أن تكون ذريعة (المحتوى الهابط!) سلاحاً مشرعاً لقمع حرية الرأي والتعبير، ينزل على رقاب كل من يفضح الفاسدين من المتحاصصين!

وهي محاولة بائسة لتقزيم أزمات النظام بإثارة الصخب على سلوكيات بعض (الاشخاص) الذين صنعوهم هم بأنفسهم لتلبية نزواتهم البدائية!

ويكفيهم عاراً ان اولئك (الاشخاص) أصحاب (المحتوى الهابط) يعلنون صراحة في وسائل الاعلام مدى رعاية واحتضان المتنفذين في السلطة لهم...

ودون ان نسمع (وسط هذا الضجيج!) عن اعتقال واحد من أولئك الرعاة والحماة الغرائزيين (الميامين!).

مع التأكيد على ازدرائنا لتلك السلوكيات والمظاهر الخادشة لمكانة المرأة ولنقاء الطفولة ولقيم الاسرة والمجتمع!

 

 

إيقاف نزيف المليارات المنهوبة

...وليس النفخ بالقربة المثقوبة...

ايها المتحاصصون!

محمود حمد

يتابع العراقيون بقلق تدهور قيمة العملة المحلية (الدينار) وارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل خانق لملايين العراقيين...

ولصوص (إدارة الدولة) يطرقون الأبواب الامريكية والنوافذ العربية والكهوف الإيرانية بحثاً عن مغيث ينقذهم من انزلاقهم نحو الهاوية وانفضاح امرهم!

بعد ان بدأت (لعبة الدولار العاصفة!) تزيح ورقة التوت اليابسة عن عورتهم...وصاروا يتبادلون في العلن التهم ويلقون اللوم تارة على شركائهم في السرقة وأخرى يلومون انفسهم لذر الرماد في العيون...

بل صاروا يجاهرون بالاحتماء بأمريكا (الشيطان الأكبر!) من غضب الشعب، الذي يعدونه (الشيطان الأصغر) في عقيدتهم، بعد ان استباحوا الدماء والأموال والسيادة باسم (مقاومة الاحتلال الأمريكي)!

واليوم...

يتسابق (الاطاريون) والمتورطون معهم...الى كسب رضا العم سام...

فمنهم من تملق بإذلال للسفيرة (آلينـــا رومانوسكي) لائذاً في ظلها للاستقواء بها على شركائه...

وآخرون هرولوا لاهثين يحجون للخزانة الامريكية لاستباق غيرهم في تقديم ولاء الطاعة لسيد البيت الأبيض...

وآخرون ممن بحت أصواتهم في وسائل الاعلام (الموت لأمريكا!) ابتلعوا السنتهم...

وبعضهم ممن احترف استبدال قناع التزلف طالت السنتهم بسيل الذرائع المفضوحة...مرددين (هذا من مصلحة الشعب!) ...

وفي نفس الوقت يمسك (الرعاة الإيرانيون) بـ(صنائعهم من عراقيي الجنسية!) من حناجرهم، بعد ان مسخوا عقولهم، واستلبوا ارادتهم الوطنية منهم، واحالوهم الى مجرد (حرامية بيت!) ... ينهبون مئات مليارات الدولارات من افواه العراقيين ويهربونها الى ايران، ويشيعون الجوع في بطون العراقيين والخوف في قلوبهم واليأس في نفوسهم!

ويخرج علينا الناطقون باسم لصوص (دولة المحاصصة) في وسائل الاعلام، يبشرون العراقيين بـ(التفاهم!) السري (غير المفهوم!) مع الخزانة الامريكية، خلافاً لما تعلنه الخزانة الامريكية والبنك الفيدرالي الأمريكي والسفيرة (آلينـــا رومانوسكي) وهو:

الزامية تجفيف منابع تمويل الإرهاب وغسيل الأموال التي تصب بمعظمها في خزائن ايران وجيوب حلفائها وصنائعها في المنطقة!

بل ان الأولوية التي اعلنها وزير الخارجية الأمريكي هي:

اولاً: استخدام الطاقة في الصراع الاستراتيجي مع روسيا والصين، وخاصة في قطاع (الغاز المصاحب) بعد ان فُرِض الانسحاب على شركة توتال الفرنسية من هذا القطاع بما فيه صناعة الطاقة المتجددة!

ثانياً: هو خطر (التغير المناخي في العراق) الذي ترافق الحديث عنه مع نشر وثيقة سرية صادرة من (المجلس الأمني الاستخباري الأمريكي) تتحدث عن خطر وجودي (في قطاعات الغذاء والصحة والمياه، مع انخفاض الحاجة للوقود الاحفوري "المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في العراق"!) مما يهدد الامن القومي العراقي نتيجة التغير المناخي بحلول عام 2040!

(حسب الوثيقة التي تلقتها وزارة الخارجية العراقية من السفارة العراقية بواشنطن).

ولم تظهر اية إشارة أمريكية الى تخفيف الضغط على سعر صرف الدولار الذي يدعي بها الناطقون باسم دولة المحاصصة...

ولكن...في هذه الظروف العصيبة:

فان اليأس عندما يكون خانقاً... يكون بعض الناس مستعدون للاستسلام لكل (وَهْمٍ) بانه الخلاص!

لهذا نجد عدد غير قليل ممن يوهمون النفس بان ما تقوم به حكومة (الاطار التنسيقي)، هو انقاذ من الغرق وتصويب للمسار، دون ان يدركوا ان تلك الإجراءات محض (رقعة صغيرة متهتكة لفتق كبير متسع!) ...

ويجب ان يدرك الجميع ان:

في (لعبة إدارة الدولار بالسوق العراقية) ان لا سلطة للحكومة العراقية عليها او دور لها...سوى الإذعان للإرادة الامريكية!

لان الدولار عملة امريكية وهو العمود الفقري للاقتصاد الرأسمالي الأمريكي والعالمي...

وان مئات مليات الدولارات المستحصلة من بيع النفط العراقي تُحْتَجز في البنك الفدرالي الأمريكي، وهو من يقرر كمية الدولارات التي ستُرسل للبنك المركزي العراق ولا سيادة للعراق عليها...وليس الحكومة العراقية!

فلذلك ان جميع (التفاهمات!) التي يروجون لها، لا تمس الإجراءات التي اتخذتها أمريكا في اطار صراعها الاستراتيجي مع روسيا والصين وايران وحلفائهم المشمولين بالعقوبات الاقتصادية الامريكية...

وقرار تخفيض قيمة الدولار من قبل الحكومة العراقية اجراء ينم عن تضليل للشعب، لان الفترة المقبلة ماتزال غامضة بشأن مستقبل سعر صرف الدولار اذا ما أبقى البنك الفيدرالي الأمريكي على نظام سويفت الذي يحد بالضرورة من حجم الدولارات المحولة للبنك المركزي العراقي، لان حجم الدولارات المحولة ستحدده الحاجة الفعلية للسوق العراقية وليس ما يقرره اللصوص الدوليون والمحليون!

وخاصة بعد ان تولى (مصرف جي بي مورغان) الأمريكي إدارة الأموال العراقية مع الصين!

كما جاء في بيان للمكتب الإعلامي للبنك المركزي العراقي:

(تم الاتفاق على قيام مصرف جي بي مورغان بتسهيل المدفوعات من النظام المصرفي العراقي إلى جمهورية الصين الشعبية لتمويل استيرادات القطاع الخاص بشكل مباشر)!

وأشار إلى:

أن (البنك المركزي العراقي ملتزم بتطبيق المعايير الدولية في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب)!

وهو نهج سيتبع مع المتعاملين الأساسيين بالدولار مع العراق...

ولكي نحلل هذه (الكارثة) البنيوية التاريخية يجب تحديدها اولاً... وتحديد (أسبابها) وتحديد (المسؤول) عن نشوئها وتناسلها وتفاقمها...

لهذا يجب منذ البدء ان يكون واضحا لنا وللشعب ولكم (أيها اللصوص المتحاصصون بالغنائم من قوت الشعب) ...إن:

الأزمة من صناعة عقولكم المجوفة وايديكم الجشعة...وليس الشعب مسؤول عنها؟

لأن:

دولتكم (دولة المحاصصة) هي الفاشلة وليست الكفاءات الوطنية العراقية هي الفاشلة؟

ولأنكم:

انتم من شرعتم (ومازلتم) نهب المليارات لعصاباتكم، باقتسام ثروات الشعب وموارده فيما بينكم منذ الغزو سنة 2003، كغنائم بين لصوص متحاصصين (منتصرين...لا على الدكتاتورية، بل على الشعب...تحت ظلال سيوف الغزاة!)

انتم من أفسدتم (الوظيفة العامة) بالامتيازات (السلطانية!) لمواليكم الجهلة والاميين...وليس ملايين الموظفين الكفوئين والمخلصين الذين افنوا اعمارهم كي تتراكم دراهم الراتب الشحيح (في كل الانظمة) لسد إملاق عوائلهم؟

 انتم من كرستم فساد القضاء بتسييسه وجعله ذراعا جائرَ بيد كبار فاسديكم ومفسديكم!

. انتم من أغلق أفق حياة العراقيين ومدنهم بـ(إمبراطوريات امرائكم اللصوص) المعشعشة في عروق ومفاصل الدولة والمجتمع والحياة... التي تستنزف لقمة عيش وموارد العراقيين وكرامتهم ... باسم الدين والإثنية؟

 انتم من عطلتم الحياة وكبلتم العقول بدولتكم المتخلفة الفاسدة (دولة المحاصصة) فاندثرت الموارد وشوهت العلاقات الاجتماعية بادران التخلف ونيران الكراهية...وليس نمط حياة العراقيين المتمدن وعقولهم التي تتألق حيثما تحط في أرض الوطن او ديار الغربة؟

انتم من هدمتم اسوار الوطن لجيوش الإرهابيين من كل بقاع العالم، بذيليتكم للمحتلين من الافرنج والعجم...وليست قوى الشعب الوطنية الواعية التي توارثت مقاومة الاستعباد!  

انتم من ألغى حواجز السوق العراقية كي تستبيحها أردأ البضائع من اسواق اسيادكم ...لتدمير المنتج الوطني العراقي (الصناعي والزراعي والتجاري والخدمي)!  

انتم من رهنتم اقتصاد العراق لاقتصاديات وبنوك الدول الرأسمالية الإستحواذية والاقطاعية الاستلابية...وليست القوى المنتجة الوطنية العراقية التي تريدون استلاب ما إدخرته بعرق جبينها ودموع اطفالها على مدى عقود من الزمن!  

انتم من أعاد هيمنة الشركات النفطية المستغلة على ثرواتنا النفطية في الحاضر ومَكَّنها من المستقبل...وليست أجيالنا التي يعصف بها الحر والقر في مدارس الطين بالعراء...او أجيالنا التي لم تولد بعد وتنتظرها ديون مفاسدكم لتبدد حياتهم بالعوز!

انتم من ابتدعتم مافيات (محصنة من المساءلة القانونية ومدججة بالجشع والتخلف والتسلح والارهاب) ...لخنق الحريات ونهب الموارد العامة!

إضافة الى اختلاقكم (دستورياً!) لهيئات تشريعية وتنفيذية برواتبها الخيالية وامتيازاتها الفلكية واعدادها التي تفوق اعدادها اعداد مثيلاتها في الدول العظمى (مجلس النواب. مجالس المحافظات. المستشارين. وكلاء الوزارات. المدراء العامون. الخبراء. وغيرهم من الكيانات الطفيلية) ...

وليس الناخب الخائب الذي خدعتموه باسم الدين والعرق ...وندم على فعلته بعد فوات الاوان!

انتم من كذبتم على الشعب بشعارات (اصلاحاتكم) الكاذبة المهلهلة، التي لم تطال كبار الفاسدين وناهبي مئات مليارات الدولارات ومغتصبي المباني والمنشآت والموارد الحكومية والخاصة...

والتي (لو صدقت!) واستعادت مئات المليارات لما اضطررتم الى هذه الخطوة الذليلة التي تهدد حياة الناس وتغلق افق مستقبلهم!

لأنكم (أيها الفاسدون المتحاصصون) لا تحسنون سوى نهب الموارد والكذب على الشعب والاذعان لأسيادكم... ومحاولاتكم البائسة للنفخ بالقربة المثقوبة لا تفضي سوى الى سماع أصوات كـ (...........)، لا ينتج عنها سوى الضجيج المخزي والرائحة العفنة!

 

زلزال تركيا يقرع

جرس الإنذار للعراق؟!

 

محمود حمد

مع اقتراب مراكز الزلازل في تركيا وفي ايران من الأراضي العراقية، وارتداداتها الكارثية في سوريا، وفي العراق (وان بدرجات خفيفة)، مما ينذر بكارثة (غير مستبعدة!) تفوق خسائرها عدد ضحايا انهيارات المباني التي خلفت عشرات الالاف من القتلى والمصابين والمحصورين تحت الأنقاض والمشردين في العراء، وتأثر الملايين بالزلزال خلال الساعات الاخيرة!

فالعراق يقع بين بلدين غير مستقرين زلزاليا، ويجاور دولتين تشنان حرباً بيئية عليه منذ عقود طويلة، وتحاصره حكومات تفتقد الشفافية المعلوماتية بشأن المخاطر البيئية المحدقة بشعوبها وبشعب العراق، وهو يعيش احدى اسوء فترات (إدارة الدولة) من قبل مجموعة لصوص وفاسدين ومتخلفين لا يكترثون بمصائر الناس بقدر تناحرهم على المغانم، وترتد عليه تداعيات تلك الأنظمة المجاورة غير المستقرة سياسياً، بل وابتلى بحكومات تستخدم المخاطر البيئية التي تهدد حياة ملايين الأشخاص، كأسلحة سياسية في تنفيذ مشاريعها التسلطية على مصير العراق وأهله!

وتلك الكارثة البيئية التي نعنيها مخبأة في (مدى قدرة السدود المقامة على نهري دجلة والفرات في تركيا وسوريا والعراق!)، لأنها ان انهارت فستغرق مئات المدن وآلاف القرى بمن فيها من ملايين البشر وتدمر الموارد...

خاصة وان مراكز الزلازل صارت تقترب اكثر فاكثر من تلك المواقع، التي تعاني بسبب عوامل مختلفة من تردي بنيتها الهيكلية او تقادمها دون صيانة هندسية فنية معيارية، تضمن سلامتها وقدرتها على مقاومة الزلازل او ارتداداتها (بعيداً عن ادعاءات الجهات الحكومية المطمئنة التي تفتقد للمصداقية!)!

في الوقت الذي يحذر فيه معظم المتخصصين بعلم الزلازل من إمكانية استمرار هذا النشاط الزلزالي في المنطقة لعدة اشهر!

وفي هذا الوقت وردت انباء عن (زلزال خفيف) صباح يوم امس الاثنين في قضاء بيجي جنوب الموصل!

ما يتطلب وضع خطة طوارئ (متكاملة) عاجلة دون اثارة الفزع بين السكان تهدف الى (إخلاء سكان المدن والقرى الشاطئية!) فور اقتراب النشاط الزلزالي من السدود العراقية او في حالة تعرض تلك السدود للتشققات لاي سبب كان!

كل ذلك يدعو جميع المعنيين الحكوميين، والمختصين، والإعلاميين، والرأي العام الى الإسراع بمطالبة الحكومة العراقية بوضع استراتيجية علمية وواقعية استباقية (استراتيجية إدارة الكوارث والأزمات) بدلاً عن (الاجراءات البدائية لمواجهة الكوارث) كرد فعل عشوائي آني بعد وقوع الكارثة، تلك الإجراءات التي لا تعدو ان تكون سوى انتشال للجثث وإخراج للمصابين من تحت الأنقاض (كما نرى الآن في عمليات الإنقاذ في سوريا وتركيا!)، التي تعكس مدى افتقاد البنية الأساسية لمقاومة الزلازل في مباني المدن وخاصة ذات الكثافة الاسكانية العالية.

وهذه (الإجراءات العشوائية المنفعلة!) قد تخلت عنها جميع بلدان العالم الحريصة على حياة مواطنيها منذ زمن بعيد واعتمدت استراتيجية (إدارة الكوارث والأزمات)، بديلاً عنها:

والتي تتكون من ثلاثة محاور متكاملة ومتلازمة (تشريعية وتطبيقية وبشرية ولوجستية ومالية وتوعوية) 

لـ(ما قبل الكارثة) و(خلالها) و(ما بعدها) ...

 وتشكل استراتيجية (ما قبل وقوع الكارثة) الخطوة الأهم في مجمل استراتيجية إدارة الكوارث...لأنها وقائية واستباقية، وتساهم في تقليل حجم الخسائر الى ادنى مستوى ممكن...ومنها ضمان بناء المدن والمشاريع الحديثة وفق المعايير الانشائية للسلامة من الزلازل، المستندة الى نتائج بحوث مراكز الرصد الزلزالي الدولية وليس المحلية والإقليمية فحسب (لان الكوارث الطبيعية لا حدود لها سوى حدود نفاذ طاقتها!).

والزام الشركات والمقاولين المحليين والدوليين بتطبيق المعايير الهندسية الانشائية العالمية الخاصة بالمباني المقاومة للزلازل في المشاريع الاستراتيجية التي تتعلق بسلامة السكان!

وتدريب فرق الإنقاذ على عمليات الإنقاذ في الحالات المختلفة، وتوفير المعدات والآليات الحديثة التي تمكنهم من أداء دورهم بكفاءة ونجاح.

وتأهيل المتطوعين من الشباب والشابات على مهارات إدارة حشود النازحين وتأمين سلامتهم في مواقع آمنة عند وقوع الزلزال.

وتوفير الموارد المادية والمواقع الآمنة الكفيلة برعاية النازحين وحمايتهم الى حين اعادتهم الى أماكن سكنهم، وضمان تعويضهم عما فقدوه من موارد بسبب الزلزال.

اضافة الى تكليف شركات متخصصة بصيانة السدود العراقية لفحصها وصيانتها بشكل دائم للتأكد من سلامة هياكلها وكفاءة أنظمتها.

والضغط على الدول المجاورة عبر المنظمات والمواثيق الدولية، ومن خلال الاتفاقات الثنائية المرتكزة الى تبادل المعلومات البيئية والمصالح الاقتصادية وتكاملها!

وان رفضت تلك الحكومات في تركيا وايران (كما هو الحال الآن) ...

فان حياة ملايين العراقيين تفوق قيمتها ومكانتها جميع المصالح الاقتصادية والمنافع السياسية والولاءات الطائفية والعنصرية...التي اذعنت لها الحكومات العراقية المتعاقبة!

ولابد من تذكير تلك الحكومات ومنها الحكومة العراقية...

ان السيل ان جاء سيجرف في طريقه انظمتهم كجزء من الخسائر المؤكدة!

 

اين النقابات والجمعيات

المهنية مما يحدث في العراق؟!

محمود حمد

 

منذ نشوء الوعي المهني عند الانسان المنتج المبدع في التاريخ، كان الشعور بالانتماء للجماعة مصدر قوة للفرد... وكانت الجماعة تقوى بروح المبادرة التجديدية عند الفرد... وتجلى هذا الشعور بنشوء تكوينات مجتمعية عفوية فرضتها متطلبات الحصول على مصادر العيش بأمان وكرامة.

وسبقت تلك التجمعات كل اشكال التنظيم الاجتماعي بما فيها (نشوء الدولة) و(تشكيل الأحزاب)، وحتى قبل ان تظهر وتتطور (النقابات) بمسمياتها المعاصرة، التي تبلورت كإحدى النتائج الاجتماعية للثورة الصناعية الأولى، للتعبير عن المصالح والاحتياجات المشتركة للجماعات المهنية، بشعاراتها ومحدداتها التنظيمية وأهدافها المهنية!

ونشأت الحركة النقابية والجمعيات المهنية في العراق بوقت مبكر في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي للتعبير عن مصالح القوى الاجتماعية المتصدية لبناء البلد...وكانت رائدة الجماهير في جميع الانتفاضات والاضرابات والحركات الشعبية الداعية للتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي، في مختلف مراحل تطور النضال الوطني.

وسعت الأنظمة المستبدة على امتداد تاريخ الصراع بين المنتجين المبدعين مع أصحاب سلطة المال والسلاح من (اجل الخبز والكرامة) الى قمع، أو احتواء، أو تشويه، أو تفريغ ...تلك النقابات والجمعيات المهنية من مقومات ومبررات وجودها المهنية الموضوعية المعبرة عن مصالح اعضائها...لتكون أداة بيد السلطة المستبدة لبسط نفوذها على الملايين من أعضاء تلك النقابات والجمعيات!

وافرز هذا الصراع عبر سنوات من القمع والاغواء (فئات من المهنيين الانتهازيين...كخدم للاستبداد ومنتفعين منه او متخاذلين ومتخادمين له) وفرضتهم تلك السلطات الاستبدادية على رأس تلك النقابات او الجمعيات ...لتضليل الناس والتاريخ بان الملايين من أعضاء تلك النقابات او الجمعيات موالين للسلطة المستبدة ومعبرين عن الولاء لها!

وبقدر تعمق الوعي بالحقوق المهنية لدى أعضاء تلك النقابات والجمعيات، يتعاظم دورها في التغيير الاقتصادي والاجتماعي الجذري نحو الدولة المدنية الديمقراطية العاقلة، كون أعضائها هم القوة الاجتماعية التنموية الواسعة المنظمة المتمدنة التي ترتبط مصالحها المهنية بتحقيق المصالح الوطنية.

وبغياب دور (النقابات والجمعيات المهنية) ظهرت أنماط مختلفة من (التيارات والحركات والميليشيات الطائفية والاثنية والعشائرية) الاقصائية المتخلفة المتطرفة، التي فرضت نفسها (وصية!) على الملايين من المهنيين المغلوب على امرهم، وملأت الفراغ الاجتماعي الذي تركته النقابات والجمعيات (عندما تخلت عن دورها!)، وافرزت تلك التيارات المنغلقة ورسخت نهج (اللا دولة) الذي اقصى (الدولة) عن أداء دورها الطبيعي... ولإدامة تسلطها على مصالح ومصائر وعقول الناس، استقوت عصابات واحزاب (اللا دولة) على ملايين الناس:

بممارسة نهج الاقصاء الطائفي والعقائدي والعرقي الانتقامي...

والاستحواذ على مصادر الثروة والسلاح والسلطة...

وسرقة ثروات الشعب وممتلكاته وتقاسمها كغنائم (شرعية!) فيما بينها...

وتضليل العقول بالمواعظ التكفيرية...

ونشر مشاعر الكراهية الموروثة للآخر...

وتفريخ وشرعنة أساليب (الاستبداد المقدس!) بحق الملايين...

وانتهاك حقوق المرأة اجتماعياً واقتصادياً وتشريعياً...

وإشاعة الجهل والامية بين مختلف الأجيال...

ولا شك ان اعداد غفيرة ممن تخلت عنهم النقابات والجمعيات المهنية انزلقوا وسينزلقون الى حشود الباحثين عن الخلاص عبر (الأوهام!)، التي يوعدهم بها اللصوص باسم الدين، او الطائفة، او العرق، او العشيرة!

وفي هذه المرحلة المصيرية من تاريخ شعبنا ووطننا...

لابد من القاء الذرائع جانباً، ومكاشفة ملايين العمال والفلاحين والشباب والنساء والطلبة والمهنيين على اختلاف تخصصاتهم...عن دورهم التاريخي في إعادة تنظيم انفسهم وتطهير نقاباتهم وجمعياتهم من ذيول (اللا دولة) ومن المتخاذلين ومن النفعيين!

وفي الماضي القريب...

عندما دخلت جيوش الغزو وازاحت (قشرة النظام الاستبدادي!) وفككت دولته، بما فيها (قشرة النقابات والجمعيات!) ... كانت هناك فرصة تاريخية لملايين المهنيين المدنيين المتنورين لإعادة هيكلة النقابات والجمعيات وفق رؤية مهنية وطنية بعيدة عن (لا دولة المحاصصة) المقيتة التي جاءت بها امريكا ورعتها ايران!

لكن (النقابات والجمعيات) لم تبادر الى ملء الفراغ الذي تركته السلطة المزاحة!

وعندما انتفضت الجماهير بوجه دولة الفساد منذ عام 2011 وما قبلها وتأججت عام 2019 ...

كان لابد ان تكون النقابات والجمعيات المهنية في طليعة تلك الانتفاضة التي سفكت فيها دماء مئات الشهداء من الشباب وعشرات الالاف من الجرحى... تلك الانتفاضة التي مازال جمر مواقدها يتأجج تحت رماد الإحباط...

لكن (النقابات والجمعيات) لم تشارك بشكل فعال في تلك الانتفاضة!

وعلى مدى اكثر من خمسة عشر عاماً يخرج العاطلون عن العمل من الخريجين وغيرهم للمطابة بحقهم الطبيعي في العمل والعيش الكريم، وهم محسوبون على النقابات والجمعيات ذات الصلة باختصاصاتهم ومهاراتهم...

لكن (النقابات والجمعيات) لم تبادر لدعمهم وتشاركهم احتجاجاتهم ومطالبهم!

ولم يمر يوم الا ونسمع عن انتهاك لحق المرأة في الحياة وهي التي تشكل اكثر من نصف سكان البلاد...

دون ان تكتظ الشوارع بالمحتجين (من الرجال والنساء) نصرة لأمهاتهم واخواتهم وزوجاتهم وبناتهم...

واليوم...

وصل التفسخ بـ(لا دولة المحاصصة الفاسدة) الى مرحلة التناقض والتناحر الموضوعي والحتمي بين مكوناتها، وأصبحت حتمية حل ازمة وجودها كامنة في (تغييرها جذرياً!)!

ولم يعد (التغيير الجذري) مطلباً شعبيا او دوليا فحسب، بل صار يأتي على السنة كبار فاسديها ولصوصها، تحت مسميات (الاصلاحات الهيكلية!) و(التعديلات الدستورية!)، لان دولة (اللا دولة) لم تعد قادرة على انتشال نفسها من المحرقة التي اقامتها بنفسها للشعب، وهي اليوم تقف على حافاتها!

ومن حق وواجب الحريصين على حياة الشعب ومصير الوطن دعوة النقابات والجمعيات المهنية الى نفض غبار الاستكانة والتخلي عن نهج التفرج على جوع الملايين، وانهيار الوطن، وتعفن الدولة...في دوامة الصراع المفتعل بين (حرامية الدولار) و(ناطور الدولار) ...لإشغال واخضاع الشعب بالتجويع...ولتأجيل تفكك نظام المحاصصة اللصوصية!

ومن اجل ذلك لابد من عقد مؤتمر وطني (طارئ) للنقابات والجمعيات المهنية لانتزاع دورها الوطني في حل (مشكلة تفسخ النظام) المستعصية، التي لا حل لها الا بـ(التغيير الشعبي الدستوري الجذري وفق مبادئ دولة الوطن الكامل السيادة والمواطن الحر المُرَفَّه)!

وحذاري من زج النقابات والجمعيات المهنية في مشاريع (إعادة انعاش) النظام الطائفي العنصري الفاسد تحت مسميات:

(إصلاح النظام) بنفس ادواته وشخوصه وتشريعاته الفاسدة...

واطلاق الحوار الوطني "بين الفاسدين واللصوص انفسهم!"...

وبدعوى المحافظة على (السلم المجتمعي!) المبني على اغتصاب الخاسرين للسلطة من 80% من الناخبين الذين قاطعوهم...

وبذريعة ضمان حقوق المكونات " التي يستحوذ عليها لصوص اللا دولة!"!

لان دولة (اللا دولة) لا تحسن سوى نهب مليارات الدولارات من أموال الشعب وتهريبها للخارج، وخلق وافتعال الازمات وادامتها، وتفريخ الفشل المتناسل!

 

 

 

ذباب السلطة!

محمود حمد

 

عرشُ السلطةِ موبوءٌ...دبقٌ...

تخرجُ مِنْ فيهِ الديدانُ...

ويسري "ذبّان" الأرضِ إليهِ غيومٌ!

****

مَنْ مِنْكُم مَنْ لَمْ يَلْسَّعْهُ "ذبّان" السُلْطَةِ؟!

****

قَبلَ نَهاراتٍ...

كُنّا نجلسُ و" فخامتَهُ!" تحتَ النخلةِ نُحصي:

موتانا المخفيينَ بلا عنوانٍ في أرضِ النهرينِ...

أطوارَ العَسْفِ الناهشِ بالمُدنِ المَسبيَّةِ من "برزان" إلى "ميسان"!

أشكالَ التعذيبِ الفاقت "أفران" الـ "SS"...

دروبَ الغربةِ نَعرِفُها من أجداثِ الفتيانِ الفُقِدوا مِنّا في كل البلدان!

ألوانَ الجوعِ الماضي فينا من نبضِ النُطْفَةِ لحفيفِ الكَفَنِ المهتوكِ!

واليومُ..

تَصادَفَ أن دَفَعَتْ موجاتُ "الفوضى الهدامة! " صاحِبَنا لفريقِ السلطةِ...

كنّا صِبياناً...

نَعرِفُهُ هدّافاً في منتخبِ الفصلِ...

وشباباً...

نأكلُ من قُرصِ رغيفٍ واحدٍ في مشراقِ السجنِ...

وكهولاً...

نَعصُبُ جُرحاً بجراحٍ مازالتْ تَنزُفُ منذ "الحجاج الثقفي"! *

ما كانت فيه ندوبٌ تَغوي ذبّانَ المدنِ الجوعانةِ...

أو ديدانَ الإفرنجِ السكرانةِ!

لكن...

ما إن وَطِئَتْ لحيتهُ سجّادَ السلطةِ...

حتى انبَثَقًتْ من كلِّ الأزبالِ غيومُ ذبابٍ لزجٍ نَحْوَه...

أسرابُ دبابيرٍ فتاكةٍ...

قطعانُ ذئابٍ تعوي...

وثعالبُ فاتنةٍ تتلمظ!

أُممٌ...

أطواقٌ حولَ الرجلِ "اللاّ نعرفُهُ"!

أمسى يغشوهُ طنينُ "الذِبّانِ" بديلاً لشعاعِ الشمسِ!

وبثورٌ خُضْرٌ تَملأُ وَجهَه!

****

صارت غيمُ الذبّانِ تفيضُ...

وتنمو...

تزحفُ...

وتبيضُ ملايينَ الآفاتِ...الأوبئةِ الفتّاكَةِ!

تتفاقمُ كالإعصارِ الجارِفِ...

تتدافعُ...

لتزيحَ الديدانَ الما زالتْ تَنْخُرنا مُنذُ عقودٍ!

تَتَفَشى في إيقاعِ قصائِدنا...

ومواعظِ "قادَتِنا!"...

وبرامجِنا المَخْصِيَّةِ!

****

ذبابُ السلطةِ في عصرِ "الروثِ" تَسَبَبَ أمراضاً في الرؤيةِ...

فكيفَ بغيمِ ذبابٍ قاتمٍ يَخرُجُ من جوفِ الدباباتِ المحتلةِ؟!

****

إنَّ لِكُلِّ "مقامٍ " ذباباً...

وذبابُ البترولِ قوياً...ومضيئاً في كُلِّ الاوقاتِ...

يَغوي كتّابُ ذبابِ السلطةِ صاحِبَنا:

ما كان "الذبّان" لَيُخْلَقُ لَوْلا العَسَلُ الصافي!

 

 

 

 

 

هل سيتفكك فريق (إدارة الدولة)؟!

محمود حمد

 

جاء في القول المأثور لسقراط:

الجاهل من عثر بالحجر مرتين!

ولان (المتحاصصين بـ “منتخب!" إدارة الدولة!)، خسروا في بداية الشوط الأول من سباق (إدارة الدولة!) ...

ولأنهم نتاج الدخول المُذْعِن في (بيت الطاعة) للأجنبي...

ولأنهم بصموا مجبرين على (التوافق القسري!) فيما بينهم (بإرادة إيرانية ومباركة أمريكية)!

ولأنهم اضطروا لقبول ذلك (الاغتصاب السياسي!) كـ (زواج مؤقت!) لستر فضائحهم!

ولأنهم لا يفقهون بـ(الإدارة) ولا يؤمنون بـ(الدولة)!

ولأنه لا بديل له في عقائدهم الاقصائية التناحرية...

ولأنه يخدم ويتطابق مع مصالحهم في:

سرقة إرادة الشعب وتقسيم ثرواته كغنائم فيما بينهم!

نجدهم اليوم مجبرين على اجتراع سم (النكث بالعهود!) ...

الذي ذاقوه غير مرة خلال العشرين سنة الماضية على ايدي شركائهم في تقاسم (الغنائم) وفي تسريب (الفيء) الى خزائنهم!

ويكررون التعثر بذات الحجر مرات ومرات...غير مُخَيَّرين!

دون صحوة من ضمير وطني او حياء سياسي اخلاقي...

بل... انهم ينهمكون بسفاهة عقل بلعبة البحث العبثي عن ذات المخارج التي اجَّلَتْ احتدام صراعهم فيما بينهم في الماضي فحسب...واخَّرَتْ سقوطهم بعض الوقت...

بسبب عمي بصائرهم المتوارث، وانعدام ضمائرهم السياسية، وتجويف عقولهم الواهنة...

وكذلك...

نتيجة للتهديد الإيراني والوعيد الأمريكي لهم...من خطورة مأزق التناقض الموضوعي فيما بينهم على وجودهم...

وبفعل تدخلات مدرب "منتخب" ادارة الدولة (قاآني) العاجلة الضاغطة عليهم، وتواطء (الحَكَمْ الأمريكي) معه، لفرض ارادتهم من اجل تغيير نتائج (اللعبة!) لصالحهم...كما فعلوا عقب الانتخابات البائسة التي خسروا فيها بامتياز!

فهم اليوم يعيدون الكَرَّةَ باعتماد ذات الأساليب الترقيعية التي جُرِّبَت واستُهْلِكت واخفَقَت في الماضي...

ويستخدمون ذات الأدوات المخرومة التي عجزت عن النفخ في صورتهم المثقبة على مدى سنوات...

ويهللون لتدوير نفس الأشخاص الفاسدين والفاشلين في المناصب...العديمي الكفاءة والنزاهة والارادة...  الأشخاص الخانعين كبيادق شطرنج بأيدي لصوص اغبياء، يجهلون قواعد اللعبة التي تفرضها قوانين الواقع الموضوعي المحتدم للشعب، وتحكمها حتمية التاريخ!

ويتوهمون بانهم سيحصلون من خلال تلك (اللعبة!) على نتائج مغايرة لتلك التي فضحتهم في السابق، وعمقت التناقضات فيما بينهم، واوصلتهم الى حافة الهاوية التي رفضهم فيها الشعب، عندما قاطع انتخاباتهم بنسبة تقارب 80% من الناخبين!

ويتناسون ان (الفريق الخصم) في هذه (اللعبة!) هو الشعب!

ويخدعون انفسهم ويضللون اتباعهم بان تلك المحاولات العقيمة التي يقومون بها ستنقذهم من مصيرهم الحتمي:

الا وهو التفكك والزوال... ولو بعد حين!

 

صدى...صرخات لا تنسى من آلام الوطن!

تباً لَكُمْ...أوْرَثتُمْ دجلةَ

كُتباً ورؤوساً مقطوعة!

محمود حمد

تباً لَكُمُ...

أوْرَثتُمْ دجلةَ كُتباً ورؤوساً مقطوعة...

أسرابَ نساءٍ ثكلى يَنْحَبْنَ على شطآنٍ مذعورة...

يَرْقِبنَ الجثثَ المَعلومةَ بينَ زحامِ الجثثِ المجهولةِ...

عَلَّ اللوعةَ تُخْرِجُها من قاعِ النهرِ المنكوبِ!

تباً لَكُمُ...

من تحتِ منابِركُم تَخرُجُ قطعانُ الموتِ تُمَزِقُ وطني المتماسك من "سنحاريب"(1) إلى حكم الرعيان القتلة!

***** 

تباً لـ لِحاكُمْ.. طَفَحَت مِثلَ "الدَغْلِ"(2) القاتلِ في حقلِ القمحِ...

غَطَّتْ كُلَّ وجوهِ الأمةِ...حتى النسوةُ صارت تلبسُ لحية!

*******

تباً للجهلِ الراسخِ فيكُم تَرَفاً ونعيماً!

******

تباً لَكُمُ...

وَجَعَلْتُمْ حُكمَ ابن الـ “......".. عصراً ذهبياً!

تباً لَكُمُ...

وَجَعَلْتُمْ أحواض التيزابِ فُراتا مَحمياً!

تباً لَكُمُ...

وَجَعَلْتُمْ وَجَعَ "الأنفالِ" (1) نَسْياً مَنسياً!

تباً لَكُمُ...

وَجَعَلْتُمْ زَمَنَ التَجْويعِ رَغيفاً مَرْوِياً!

تباً لَكُمُ...

وَجَعَلْتُمْ لَونَ الحريةِ طَعماً دَمَوِياً!

تباً لَكُمُ...

وَجَعَلْتُمْ مِحرابِ العلمِ هراءً مَسفياً!

*****

تبا لمواعِظَكُم...

أوبئةً داميةً تتفشى في كُلِّ منازلنا!

*****

تباً لكرامَتِكُم...

أدْمَنْتُمْ طأطأةَ الرأسِ بحضرةِ مُحْتَلٍ مذعورٍ!

*****

تباً لِفعالِكُم...

ونَسينا "الجيش الشعبي" يُهَتِّكُ حرماتِ منازِلنا!

تباً لنواياكُم...

وفَتَحْتُم حِقدَ كُهوفِكُمُ الموبوءةِ بالريبةِ سُمّاً لحليبِ الرُضَّعِ...

لقلوبِ الأسَرِ الموجوعةِ!

تباً لَكُمُ...

جوقةُ فئرانٍ تتناهشُ حولَ فُتاتِ الطفلِ المَيِّتِ!

****

تباً لمروءَتِكُم...

وجعلتُم حُجُراتَ النومِ ملاذاً لـ “صلالٍ" تَخْتَرِمُ الصحراء...

لتلدغ أحداق مدينتنا المغروسة بين الأضلاع!

تباً لرجولَتِكُم...

تَدعونَ الجُثثَ الملغومةَ تَحصِدُ أرواحَ طفولتِنا في وضحِ الظهرِ!

تبّاً لفتاويكم...

تَقطعُ أعناقَ قبائلنا بالشبهاتِ!

******

شُلَّتْ أيديكُم أنّى تَنوونَ المَسَّ بأجملِ معشوقِ في هذا الكونِ...

عِراق!

(1) سنحاريب: ملك عراقي (أشوري) في الألف الثالث قبل الميلاد...

(2) الدغل: نبات سرطاني يتكاثر بسرعة ويقتل السنابل من حوله.

(3) الأنفال: سورةٌ باللوح المحفوظ في السماء ومجزرة على الأرض.

 

 

 

 

(لعبة!) تجويع وترويع الشعب...

بين (حراميَّة الدولار) و(ناطور الدولار)!

محمود حمد

 

هل طفح الكيل؟!

ام لم يعد هناك كيل ليكال؟!

بل سٌرق حتى الميزان!

فبعد (لعبة الحصار الخانق) على مدى ثلاثة عشر عاماً بعد غزو الكويت، ذلك الحصار الذي فقدنا فيه أرواح اكثر من مليون طفل، ودُفن فيه العراقيون بواد سحيق من العوز وافتقاد لقمة العيش وانعدام الحرية في ظل دولة مستبدة...

استكملوا علينا (خطة محو العراق!) بـ(لعبة التجويع الممنهج والترويع المتواصل) بدءاً بالغزو واغتصاب العراق وتنصيب (لصوص حفاة نواطيراً على خزائن العراق) عام 2003، مروراً بصناعة الإرهاب كممارسات وحشية تبرر للرأي العام وجودهم كـ(حماة!) لـ(المستضعفين!) من الناس، في الاعوام التي اعقبت الغزو والاحتلال (الأمريكي – الإيراني)!

وملخص تلك (اللعبة السوداء القذرة!):

دولار دون غطاء!

دينار مزور!

شعب مُجَوَّعْ!

لصوص حفاة استحوذوا على خزائن العراق!

افتقاد سيادة الوطن وتكبيل إرادة شعبه!

الادعاء بمحاربة الفساد من قبل الفاسدين!

وبداية الحكاية:

في عام 1971 وبذريعة عدم إمكانية الولايات المتحدة من توفير النقد الكافي من الدولارات (المغطى بالذهب) لتلبية احتياجات الاقتصاد العالمي الواسع والمتسارع النمو، الغى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في 15 اغسطس من ذلك العام (التحويل الدولي المباشر من الدولار الى الذهب) ...بما عرف بـ(صدمة نيكسون!) ...

وبذلك الغى الاتفاق الدولي الذي دعت اليه الولايات المتحدة الامريكية نفسها في تموز عام 1944 وباجتماع ممثلي 44 دولة في مدينة (بريتون وودز) الامريكية...الذي تعهدت فيه أمريكا أمام دول العالم بانها تمتلك غطاء من الذهب يوازي ما تطرحه من دولارات ورقية في الأسواق العالمية!

وتنص بعض بنود ذلك الاتفاق على:

ان يستعمل الدولار الامريكي غطاء بدل الذهب لإصدار ما تحتاج اليه الدول من عملات وطنية.

تلتزم الولايات المتحدة الامريكية بتحويل ما يقدم اليها من دولار الى ذهب، عند معدل صرف 35 دولارا للأوقية من الذهب لكل من يطلب ذلك من دول العالم.

تقوم كل دولة من دول العالم بتحديد صرف ثابت لعملتها مقابل الدولار.

ومنذ (صدمة نيكسون) بدأت الولايات المتحدة الامريكية بطباعة مليارات من أوراق الدولارات (بلا غطاء من الذهب)، وأصبحت الواحدة منها لا تساوي اكثر من 9 بنسات (هي قيمة الورق والطباعة لكل ورقة عملة)، واغرقت بها أسواق العالم، مقابل استحواذها على (الموارد والخدمات والمواد ذات القيم الحقيقية)!

واستمراراً لذلك النهج:

في التاسع من مايو عام 2016 قال الرئيس الامريكي" دونالد ترامب" في تصريحات لشبكة "سي إن إن":

(هؤلاء الذين يعتقدون أننا سنتخلف عن سداد ديوننا معتوهون. نحن حكومة الولايات المتحدة لا يمكن أن نتخلف عن سداد ديوننا لأنه بوسعنا طباعة المزيد من الدولارات)!

ولتأكيد ذلك... طبعت الولايات المتحدة قبل جائحة كورونا بعامين عدد من الدولارات يفوق عدد كل ما طبعته من دولارات منذ انشاء الولايات المتحدة الى ذلك التاريخ... (حسب ...الخبير طلال أبو غزالة!)

أي ان العالم الآن يغرق تحت بحر من الدولارات الورقية (العارية...التي لا قيمة لها!) ...

الى جانب ذلك هم يسرقون بتلك (الدولارات الورقية العارية!) مئات ملايين براميل النفط شهرياً من بلادنا!

ثم يختزنون تلك المليارات من الدولارات (التي أصبحت مغطاة بقيمة النفط نتيجة سرقتهم للنفط) في بنكهم الفيدرالي... لتحريك اقتصادهم وتنشيط اسواقهم وتمويل العصابات الإرهابية بما فيها التي تقتل العراقيين وتدمر البلاد (مثل القاعدة، وداعش، والميليشيات، وابواق التضليل!) ... لتتناسل تلك (الدولارات النفطية) ارباحاً وفوائد بنيوية ومالية لخزائنهم...

ولا احد من (حرامية الدولار!) في بلادنا يجرؤ على السؤال عن حركة تلك الأموال هناك، ناهيك عن فوائدها!

لانهم منشغلون بسرقه الفُتات الذي يلقيه لهم اسيادهم ويشترونه به...

ونحن كـ (شعب مُختَطَفٍ) تنقضي علينا العقود من السنين بلا أسواق ولا بنية تحتية او فوقية!

ولتنشيط الذاكرة:

منذ ان تولت شركة "برادبري ويلكينسون وشركاه" البريطانية عام 1932 اصدار اول عملة عراقية، معادلة للجنيه الإسترليني، عصفت بالعملة العراقية الأعاصير السياسية والزلازل الاقتصادية التي هوت بها الى مستويات متدنية غير مسبوقة!

فـ(مثلاً):

بعد ان كانت قيمة الدينار العراقي ابان الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 تعادل ما قيمته 3.3 دولارات للدينار الواحد، انحدرت قيمته بعد الحصار الدولي على العراق عام 1990 الى نحو 3 آلاف دينار مقابل كل دولار واحد!

ونتيجة لذلك لجأت الحكومة العراقية آنذاك الى طباعة الدينار العراقي (غير المغطى) خلال فترة تسعينيات القرن الماضي في مطابع عراقية وصينية رديئة و(على نفس ورق بطاقة الحصة التموينية... حسب قول وزير التجارة الأسبق محمد مهدي صالح!)

ومنذ الغزو عام 2003...

نشطت وتناسلت وانتشرت (الأسواق السرية – المكشوفة للعراقيين!)، المرتبطة بالأحزاب والجماعات المتحكمة بالدولة، لـ(تزوير العملة العراقية) ولتهريب (الدولارات النفطية) الى خارج العراق!

وتولت تلك العصابات طباعة والتستر على طباعة (دنانير عراقية مزورة) متقنة الطباعة، بشكل ممنهج

ومن ثم شراء المليارات من (الدولارات النفطية) التي يطرحها البنك المركزي العراقي في الأسواق المحلية بتلك (الدنانير العراقية المزورة)، وبأسعار مرتفعة عن معدل الأسعار في السوق المحلية!

مما فتح المجال للانهيار المتتالي للعملة العراقية مقابل الدولار الأمريكي!

وتحول نهب المال وتهريبه للخارج من قبل الفاسدين في العراق (حرامية الدولار) الى سياسة حكومية مفضوحة، تنفذها الأحزاب والميليشيات المهيمنة على مفاصل الدولة كغنائم لها ضمن شريعة المحاصصة المقيتة، وتستحوذ بذلك على مليارات الدولارات من موارد الدولة الناجمة عن مبيعات النفط، ومن رسوم المنافذ الحدودية، ومن سرقة الأموال المخصصة للمشاريع، او من نهب الأموال المرصودة لمشاريع وهمية!

وتؤكد الوقائع المثبتة في ملفات الجهات المختصة في العراق:

ان (الدنانير العراقية المزورة) تطبع خارج العراق (في ايران وغيرها)، وكذلك تطبع داخل العراق من قبل ("الحفاة" الذين صنعتهم أمريكا...الخانعين لها، والموالين لإيران)!

وتدار شبكات تهريب العملة على الحدود العراقية مع ايران وسوريا وتركيا، في المنافذ الرسمية التي تهيمن عليها تلك العصابات الاجرامية التي تدار من خارج العراق، وكذلك من منافذ غير ثابتة عبر الحدود المنتهكة بين العراق من جهة وايران وسوريا وتركيا من جهة أخرى!

وتجري تلك عمليات النهب منذ سنوات، لإنقاذ العملات المحلية المنهارة في (ايران ولاية الفقيه) المحاصرة، و(سوريا الدولة الفاشلة)، و(تركيا الاخوانية) المتخبطة...

و(لتمويل ميليشيات "مشروع الإسلام السياسي" في بلدان المنطقة والعالم!) على حساب قوت الشعب العراقي... وبعلم وتستر وحماية الأجهزة الحكومية العراقية والأجهزة الأمنية في تلك الدول!

وادت تلك الممارسات (اللصوصية الدولية) بمساعدة (حرامية البيت!) الى ان وصل مستوى الفقر في العراق إلى نحو 25% من السكان، فيما تُقدر أعداد الفقراء في البلاد بنحو 11 مليونا من بين 42 مليونا هم عدد سكان العراق. (حسب إحصاء وزارة التخطيط العراقية!).

وهو رقم لا يعكس الواقع...اذ ان تقديرات غير حكومية تشير الى نسبة من السكان في العراق تتجاوز 40% دون خط الفقر، اذا اخذنا بنظر الاعتبار إن (الفقر لا يرتبط بالدخل فقط... وإنما بالصحة والتعليم والسكن وتمكين المرأة، وكل هذه الأبعاد تجتمع معا لتضع المواطن تحت خط الفقر)!

ولم يعد كشف فضائح تهريب العملة مقتصراً على معارضي (دولة الاقوام والطوائف التي جاء بها الاحتلال واوكل رعايتها لدولة الولي الفقيه!) ...

بل ان الكيل قد طفح...

وصارت التناقضات الداخلية بين (حرامية الدولار) ... تسرب بعض المعلومات...

فقد كشفت (اللجنة النيابية) ...التي تسيطر عليها ذات القوى المتهمة بالفساد... في مارس 2021 عن:

تهريب نحو 350 مليار دولار من الخزينة العمومية الى خارج العراق، منذ سقوط نظام صدام حسين!

وقال الرئيس العراقي السابق برهم صالح في مايو 2021:

(إنّ حجم الأموال التي تمّ تهريبها إلى خارج العِراق في صفقاتٍ للفساد يُقدَّر بحواليّ 150 مِليار دولار)!

وللعلم... فان الى جانب (حرامية الدولار) المحترفين الكبار في العراق، هناك ما يقرب من (7000 دكان صيرفة!) لبيع العملة، يصول عليها يومياً وعلى مدار الساعة ما يقرب من 300 حرامي من (صغار المهربين) لشراء (الدولار النفطي) بـ(الدنانير المزورة المطبوعة في ايران) وباي سعر، وتهريبها الى ايران، بشكل غير مباشر، وبمعدل 500 مليون دولار شهرياً (حسب التوفيق من الله!)!

وتُقدَّر الأموال التي تمّ سرقتها على مدى السّنوات الـ 18 الماضية بِما يَقرُب من التّرليون دولار!

وفي (لا نظام!) الحكم في العراق الفريد من نوعه في العالم...فان:

الحكومة العراقية تسرق الحكومة العراقية!

حكومة (عراقية المظهر!)، لكنها في المخبر...شلَّة من (حرامية الدولار) متناقضة ومتصارعة فيما بينها، لكنها متفقة على الخنوع لأمريكا وحراسة مصالحها، وعلى التماهي بالتبعية لإيران وحماية بوابتها الغربية المفتوحة على مصاريعها للتهريب باتجاهين عبر المنافذ الرسمية وغير الرسمية (المحروسة بعين الله التي لا تنام!):

تهريب (الدولارات النفطية العراقية) الى (ولي الامر) في طهران...(ذهاباً)

وتمرير (المخدرات الإيرانية) الى عقول العراقيين لمسخهم وقتلهم...(اياباً)

وكل ذلك بعلم (ناطور الدولار) امريكا!

ولهذا... وضعت منظّمة الشفافيّة الدوليّة ضمن مُؤشّرها الرّاصد للفساد في مُختلف دول العالم العِراق ضمن قائمة أكثر خمس دول فسادًا في العالم!

وفي وسط هذه الفوضى الهدامة، تظهر علينا شعارات رنانة ضد (الهيمنة الامريكية على النقد العراقي!)، ووعود واهية، وأفكار ساذجة، وإجراءات ترقيعية مضللة، لـ(محاربة الفساد من قبل الفاسدين انفسهم؟!)

وتتعالى أصوات (حرامية الدولار) بان تراجع قيمة الدولار ناجم عن لعبة باغتهم بها (ناطور الدولار) لإضعاف حكومتهم!

يقول الوزير السابق (محسن الشمري):

ان حكومة حيدر العبادي وقعت مطلع عام 2016 على اتفاقية مع البنك الفيدرالي الأمريكي بشأن مكافحة تهريب وتبييض الأموال! ولم تطبقه.

ولنفي ادعاء (حرامية الدولار) الممسكين بالسلطة، بان أمريكا فاجأتهم بالإجراءات الجديدة الخاصة بالحوكمة الالكترونية لمبيعات الدولار!

أكد البنك المركزي العراقي ان وزارة الخزانة الامريكية نظمت دورات لموظفي البنك المركزي العراقي والبنوك الحكومية والخاصة، على كيفية استخدام المنصة الالكترونية لحوكمة مبيعات الدولار...خلال السنتين الماضيتين!

وللمعلومة... فان البنك الفدرالي الأمريكي كان يحول الى البنك المركزي العراقي 250 مليون دولار يومياً من مبيعات النفط حتى الشهر العاشر 2022 ...

وفي الشهر الأول من هذا العام انحدر هذا المبلغ الى ما يقرب من 50 مليون دولار يومياً.!

لذلك يعاني (حرامية الدولار) واسيادهم من ضيق بالتنفس، وجنون البقر، وشرود ذهني غير مسبوق!

وفي هذه الظروف العصيبة...يقرع الوطنيون جرس الإنذار صدى لصراخ الجوع في بطون العراقيين بـ:

ان المرحلة المقبلة في لعبة السير على الحبل المشدود بين (حرامية الدولار) و(ناطور الدولار) القائم فوق الهاوية التي تنتظر العراقيين... بقدر ماهي ازمة عميقة خانقة تأكل قوت الشعب...

فهي فرصة للمتخصصين الوطنيين وشباب شعبنا لفرض قدر من الحوكمة والشفافية على حركة مبيعات البنك المركزي العراقي للدولار من (نافذة البيع!) ...نافذة النهب الممنهج لمليارات الدولارات!...

ولفضح الفساد المستشري في القطاع النقدي والمصرفي، بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام!

قبل ان (تعود حليمة لعادتها القديمة!) وتؤجل (الخصومة الظرفية!) بين (حرامية الدولار) و(ناطور الدولار) التي فرضتها الصراعات الدولية المتفاقمة عليهم!

ومثل هذه الازمة الاقتصادية المشرعة على كل الاحتمالات الكارثية... لا يمكن ان تعالج بعقول وإرادة ونوايا وممارسات أولئك الذين كانوا سبباً في خلقها ونشوئها وتفشيها وترسخها، واعني (صنائع أمريكا... موالي ايران)!... لان وظيفة هؤلاء التي جاء بهم الامريكان، ورعاهم فيها الإيرانيون من اجلها، والتي يتقنونها دون غيرها... هي:

خلق ومفاقمة الازمات وتواترها، وتلبية مطالب أولئك الاسياد فقط، لانعدام الولاء الوطني لديهم!

 

 

سَلِّم البَزّونْ شحمة!

محمود حمد *

 

اعفى رئيس مجلس الوزراء (محمد شياع السوداني) محافظ البنك المركزي العراقي (مصطفى غالب مخيف... من تيار عمار الحكيم) الذي عينه (الكاظمي)، وعين بدلاً عنه (علي محسن إسماعيل العلاق محافظا للبنك المركزي العراقي...من حزب الدعوة).

ولتنشيط الذاكرة:

سبق لـ(العلاق) ان تسلم ذات المنصب للفترة من 2014 لغاية 2020 بعد ان كان امينا عاما لمجلس الوزراء لحكومة نوري المالكي للفترة 2006 لغاية 2014 وهي السنة التي شهدت (عام الميزانية المفقودة الأثر في تاريخ الميزانيات في العراق) والتي تقدر بـ 145) مليار) و(500) مليون دولار!

وبـ (بحسب اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي- فقد كبّد الفساد العراق خسارة قيمتها ثلاثُمئة وستون مليار دولار خلال الفترة بين عاميْ 2006 و2014)، وهذا ما أكدته منظمة الشفافية الدولية في إدراجها العراق ضمن أسوأ ست دول في العالم فساداً!

وهي الفترة التي ترأس فيها (علي محسن العلاق) ما سمي بـ(المجلس المشترك لمكافحة الفساد في العراق) والذي وضع (الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في العراق 2010-2014)، بمساهمة الأمم المتحدة.

وطيلة السنوات الأربع (2010-2014) لم يمارس “المجلس المشترك لمكافحة الفساد في العراق” الذي ترأسه (علي محسن العلاق) أعماله، وأحبطت عملياً (الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد)!

وكان(العلاق) خلال تلك الفترة عملياً (أمين سر نوري المالكي ومعتمده)، وهو الذي عينه محافظاً للبنك المركزي...

وبقي في هذا المنصب في حكومتي العبادي وعادل عبد المهدي!!

ذكر الراحل (الدكتور احمد الجلبي):

ان (سبب الانهيار الاقتصادي هو فترة الحكم من سنة 2006 الى سنة 2014 حيث دخل الى العراق مبلغ 551 مليار دولار والحكومة استوردت ما مجموعه 115 مليار دولار فقط)!

وأكد الرئيس السابق لهيئة النزاهة القاضي رحيم العگيلي:

عن هذه الفترة 2006-2014... (وجود آلاف المشروعات الوهمية والفاشلة التي تقدر قيمتها بنحو 228 مليار دولار، التي خصمت من ميزانية العراق)!

واشار رئيس هيأة النزاهة الأسبق السيد موسى فرج:

 الى تلك الفترة التي كان (علي محسن العلاق) يشغل بها منصب الأمين العام لمجلس الوزراء إلى:

أن أخطر أنواع الفساد هو (فساد البطانة المحيطة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي وحمايته لهم) ...

وفي حديث له مع صحيفة الحياة اللندنية حدد بوضوح:

ان الأمانة العامة لمجلس الوزراء هي بؤرة الفساد في الحكومة العراقية!

وتأتي (اعادة التدوير) هذه... اخذاً بنصيحة نوري المالكي:

(نخشى تدهور الدينار العراقي... ولا حل الا بالتفاهم مع أمريكا)!

ولن يجد (المالكي) افضل خبرة وايسر تفاهما مع الامريكان لإعادة الأمور الى مجاريها (دهن ودبس!) خلال زيارة الوفد الحكومي العراقي المقبلة الى أمريكا، برئاسة (السوداني) خير من (على العلاق) الذي تمكن من تمرير سنوات نوري المالكي (2006- 2014) التي تميزت بـ:

(سقوط الموصل، الفضائيين، فضائح البنك المركزي، ومنافذ بيع الدولار، وتفشي المصارف الخاصة، وتهريب النفط، وصفقات التسلح الفاسدة، أجهزة الكشف عن المتفجرات المغشوشة، والعمليات العسكرية الوحشية ضد الأنبار والفلوجة عام 2011، وقمع مظاهرات 2011 في ساحة التحرير ومناطق أخرى من العراق)!

ومن اجل طلب (عطوة!) من أمريكا (ناطور الدولار) مدة ستة اشهر...

وهي مدة كافية لهم لنهب الـ(90 مليار دولار) التي تراكمت من مبيعات النفط خلال عام 2022 وتهريبها الى أولياء نعمتهم!

ورحم الله من قال:

(سَلِّم البَزّونْ شحمة!)

·         فنان تشكيلي وصحفي عراقي  من جيل الرواد

 

·         (البَزّونْ) هو (القط)  باللهجة العراقية

 

 

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا