الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

نكبة مخيّم اليرموك... استنساخ

"قانون أملاك الغائبين" في دمشق

تحقيق : عمار حلبي

 

تتشابه مخططات النظام السوري للاستيلاء على أرض وعقارات مخيم اليرموك الذي احتضن اللاجئين الفلسطينيين في دمشق، مع قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي والذي فقدوا بموجبه أرضهم وديارهم لتتكرر نكبتهم بعد 70 عاماً.

يتابع الفلسطيني السوري رامي، بحسرة، عبر شاشة جواله من مكان إقامته في مدينة مالمو جنوب السويد، كيف جرى نهب ملكية منزله في سورية، بموجب المخطّط التنظيمي لمخيّم اليرموك الواقع جنوب العاصمة السورية والصادر عن حكومة النظام.

"لا أستطيع أن أحرك ساكنًا" يقول رامي الذي رفض ذكر اسمه بالكامل حفاظا على سلامة أقاربه الموجودين في سورية، بينما يتحدث عن ضياع كل ما كان يملكه في دمشق، رغم أنه أنفق من عمره 7 أعوام كاملة من أجل جمع قيمة المنزل الذي كانت العودة إليه بمثابة الخطة "ب" في حال عدم تجديد الحكومة السويدية لحمايته الفرعية، (لجوء مؤقّت مدّته عام قابل للتجديد ومشروط بالعودة إلى البلد الأم بعد زوال الخطر)، قائلا :"لم أحصل على اللجوء السياسي والعودة إلى سورية قائمة في أي لحظة ولا أعرف ماذا سنفعل".

استنساخ "قانون أملاك الغائبين" الإسرائيلي

يتشابه هذا القانون، مع "قانون أملاك الغائبين" الذي أقرّته حكومة الاحتلال في 20 مارس/آذار 1950، والذي يعرّف كل من هُجّر او نزح أو ترك حدود فلسطين المحتلّة حتى نوفمبر/تشرين الثاني 1947 لأي سببٍ كان بما في ذلك المعارك مع الاحتلال على أنّه "غائب" ويخوّل لسلطات الاحتلال الاستيلاء على أملاك الغائبين.

ويشترك "قانون أملاك الغائبين" و"تنظيم مخيّم اليرموك" بأنّهما لا يعترفان بملكية أصحاب الأرض النازحين واللاجئين، ويقول إبراهيم العلي الباحث في "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية": "إن سكّان المخيّم هُجّروا على دفعات من تاريخ 16 ديسمبر/ كانون الأول 2012، وحتّى 22 مايو/ أيار 2018 وأصبحوا إمّا نازحين داخل سورية أو لاجئين خارجها"، لافتًا إلى أن 54% من اللاجئين الفلسطينيين في سورية عمومًا توجّهوا إلى لبنان.

وشُيّد مخيم اليرموك منتصـف عام 1954 على مساحة 220 هكتارا جنوب حي الميدان الدمشقي، واستأجرته "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين في سورية" ودفعت وكالة "أونروا" كامل التكاليف المالية، بحسب دراسة صادرة عن "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية"، والتي حددت عدد سكّان المخيّم قبل الثورة السورية بـ 600 ألف سوري ونحو 230 ألف فلسطيني.

وبعد الحرب وتهجير أهالي المخيم بينت عمليات المسح الميدانية تدمير 20% من مساحة المخيم بشكلٍ كامل ونحو 40% من الأبنية يمكن الاستفادة منها وإعادة السكّان إليها، في حين أن 40% أخرى تعرّضت لضرر بدرجات متفاوتة، وفق المصدر ذاته.

وفي التاسع والعشرين من شهر يونيو/حزيران الماضي، أعلنت محافظة دمشق عن المخطط التنظيمي العام لمنطقة اليرموك برقم 298/3، والذي جاء ضمن القانون رقم 10، وينص على "إحداث منطقة تنظيميّة أو أكثر ضمن المخطّط التنظيميّ العام للوحدات الإداريّة".

وعقب إصدار المخطّط التنظيمي فتحت محافظة دمشق باب الاعتراضات للأهالي ممن لديهم حقوق عقارية في المنطقة (كل من يملك عقارًا في المخيّم عليه التوجّه إلى محافظة دمشق لإثبات ملكيته عبر عقد شراء أو حكم محكمة للعقار أو فواتير المياه والكهرباء أو أي ما يثبت ملكية المنزل)، لكن تكمن المشكلة، في أنّ غالبية سكّان اليرموك خارج المخيّم، بعد المعارك الطاحنة التي دارت داخله، والتي انتهت بسيطرة تنظيم "داعش" عليه، ثم خروجه بموجب اتفاق سرّي مع النظام السوري إلى بادية السويداء، وبالتالي فإن سكّان المخيّم سواء من نزح منهم إلى مناطق المعارضة السورية، أو لجأوا إلى الدول المجاورة أو الدول الأوروبية غير قادرين على الحضور وتثبيت الملكية، فضلًا عن أن من بقوا في دمشق، بعضهم فقد وثائق إثبات الملكية، وفق إفادة رئيس بلدية سابق في ريف دمشق، رفض الكشف عن هويته.

هندسة الاستيلاء على المخيم بالقانون

قابلت "العربي الجديد" مهندسًا سابقًا كان يعمل رئيس بلدية في ريف دمشق، طلب عدم الكشف عن هويته خوفًا على عائلته الموجودة في دمشق، موضحا أنه سبق أن شارك في وضع مخطّطات تنظيمية سابقة وتابع: "المخطط التنظيمي يجب أن يكون نتيجة احتياج، وهذا الاحتياج نوعان، إمّا أن يقترح المجلس المحلّي مخطّطًا تنظيميًا لمنطقته مرّة كل سبع سنوات، أو أن يكون المخطّط التنظيمي جاء بناءً على طلب من البلدية، والتي هي أعلى سلطة في الوحدات الإدارية".

وأضاف المهندس، أن مخيّم اليرموك منطقة مستقلّة وفيه مجلس بلدي وبلدية منتخبة، من 30 عضوا ووفق القانون القديم كانوا هم أصحاب القرار الوحيد في طلب مخطّط تنظيمي وتغير الأمر بعد إصدار القانون رقم 10، الصادر عام 2018 والذي سحب الصلاحية من البلديات وأتاح للمحافظة إصدار مخطّط تنظيمي دون الرجوع إلى البلدية.

مسح الهوية الفلسطينية

اطلعت "العربي الجديد" على المخطّط التنظيمي والذي نشرته صحيفة "الوطن" السورية في شهر يوليو/تموز الماضي، وبموجبه ينقسم مخيّم اليرموك إلى ثلاثة أقسام كل منطقة لها نظام مختلف.

وهنا يعلّق رئيس البلدية السابق: "المخيّم حاليا فيه مناطق مخالفة ومناطق منظّمة، وتقسيم المخيّم في المخطّط التنظيمي إلى ثلاث مناطق يهدف إلى إنشاء منطقة فيها أبراج وأخرى فيها فيلات فاخرة وثالثة شعبية، وبعد ذلك يتم إجراء تغيير ديموغرافي للمنطقة عبر توطين موالين للنظام".

التخوّف الأكبر الذي تحدّث عنه رئيس البلدية، هو أن المخطّط غير قابل للتنفيذ من الناحية الواقعية رغم أنه يسرق حقوق الأهالي ويستولي على أملاكهم، موضحا أن: "النظام في وضعه الحالي لا يستطيع إعمار منطقة تكلّف مليارات الدولارات، وعلى سبيل المثال المنطقة التنظيمية في حي المزّة والتي كان من المفترض أن تكون جاهزة في عام 2016 لم يتم إجراء أي عملية إعمار فيها حتّى الآن".

المؤشرات السابقة يراها إبراهيم العلي نذير خطر على إلغاء ما كان يتمتع به المخيم من خصوصية، لكونه حاضنة شعبية للاجئين، خاصة بعدما تم تحويل المخيم من إدارة مستقّلة إلى حي من أحياء دمشق. وأضاف العلي، أن الشكل الجديد المقترح سيحدث تغييرا عمرانيا كبيرا ويجعل من المخيّم جزرا وأبراجا وكتلا إسمنتية غير مترابطة، كما يزيل البنية السكانية الحالية، موضحا في هذا السياق، أن المخيّمات عموما لها رمزية نضالية وثورية لدى الشعب الفلسطيني فهي إحدى الشواهد الحية على جريمة الاحتلال الذي طرد وهجر شعب فلسطين عام 1948 وبقاء المخيم يعني بقاء قضية اللاجئين حية.

قضم المباني

تنقسم عقارات المخيم من ناحية الملكية إلى ثلاثة أنواع، الأول هو "أراضي النمرة" وتعود ملكيتها إلى "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين" (حكومية سورية) وتبلغ مساحة النمرة الواحدة بحدود 48 مترا مربعا، وزعت هذه الأراضي على اللاجئين عند تأسيس المخيم مطلع خمسينيات القرن الماضي بمعدل نمرة واحدة لكل عائلة، وتشكل هذه الأراضي حوالي 15% من مساحة المخيم الحالية وفق الخريطة التنظيمية للمخيم، أما النوع الثاني فهي عقارات سند تمليك "طابو" من السجل العقاري وهذا النوع مدفوع ثمنه من قبل المالكين، ولكنه لا يتجاوز في أحسن الأحوال 5% من سكان المخيم لأن غالبية العقارات غير مفرزة وغير قابلة للفرز (لا يمكن توزيعها) ومعظم الفلسطينيين غير حاصلين على هذا النوع من الملكية، في حين أن النوع الثالث فهو ملكية بموجب وكالة كاتب عدل أو حكم قضائي ويتملك وفق هذا النوع الكثير من سكان المخيم، وهذا النوع أيضا يدفع الفلسطيني ثمنه، بحسب العلي.

وتابع: "المخطط الجديد يقضم حارات كاملة ويحدث تغييرا عمرانيا كبيرا تختفي معه ملامح المخيم، ويقسم المخيم إلى ثلاث مناطق رئيسية، الأولى 93 هكتار الأكثر ضررا والثانية 48 هكتارا متوسطة الضرر والثالثة 79 هكتارا قليلة التضرر، ولا يسمح بعودة أكثر من 40% من سكان المخيم إلى المنطقة قليلة التضرر بشرط إثبات الملكية، بَيدَ أن هذا الشرط قد يكون غير قابل للتحقق لأسباب تتعلق بالقوانين والأنظمة التي سنتها الدولة كالقانون رقم 10 أو تتعلق باللاجئين بسبب فقدانهم الأوراق الثبوتية أو وجودهم خارج البلاد".

 

وتلقت محافظة دمشق نحو 10 آلاف اعتراض على شكل المخطّط التنظيمي من فلسطينيين سوريين، وفقا لما ذكره المحامي الفلسطيني السوري نور الدين سلمان والذي يعيش في دمشق، بحسب ما جاء في منشور على صفحته في "فيسبوك" وفي 26 أغسطس/آب الماضي، أصدرت محافظة دمشق قرارا بالتريث في إصدار المخطط التنظيمي النهائي لمخيم اليرموك، وتشكيل لجنة لدراسة "الحلول المستقبلية" للمخيّم.

وفي هذا الصدد يؤكّد أيمن أبو هاشم، المنسق العام لتجمّع نصير (تجمّع حقوقي لفلسطينيي سورية) أن هذا القرار هدفه امتصاص النقمة الكبيرة لدى الفلسطينيين، وتضييع المزيد من الوقت من أجل منع عودة الأهالي إلى المخيم".

تعويضات غير مجدية

يستند المخطط التنظيمي في تعويض أصحاب الأملاك المشمولة بإعادة التنظيم، إلى المرسوم رقم 5 لعام 1982 والذي يحصر التعويض وفق مساحة البناء وليس الأبنية والشواغل المُشادة عليه، وتوزيعها إلى أسهم بين المالكين، بحسب أبو هاشم والذي اعتبر الأمر مجحفا بحقوق المالكين في المناطق التي تخضع لإعادة التنظيم، إذ لن تتعدى نسبة التعويض بأقل من ربع قيمة العقار، ومع فروقات الأسعار والتضخم الحاد في الليرة السورية، وحساب التعويضات وفق نسب تقل كثيرا عن القيمة الحقيقة للعقارات، قد لا يتعدى ما يحصل عليه الملاك 10% من قيمة عقارهم في أحسن الأحوال.

(العربي الجديد) لندن

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا