الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

هآرتس: إذا أردتم إعادة القضية الفلسطينية

إلى الخطاب العام… اطردوا نتنياهو

 

كل الذين يظنون أن عار استعباد الشعب الفلسطيني بيد إسرائيل هو مشكلة الدولة الأساسية والوجودية، سيجدون صعوبة في ألّا يتوافقوا مع جدعون ليفي – المندهش من وصول القمع العسكري وإرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين إلى آفاق جديدة – بأن الموضوع الواحد والوحيد الذي تنقسم بشأنه إسرائيل هو مسألة عودة نتنياهو إلى الحكم (“هآرتس”، 23/6). نعم، ليست لديك رؤية سياسية شاذة أكثر من وجود “ميرتس” في حكومة يمينية في جوهرها، على حساب التخلي عن مبادئ أساسية جداً، لوقف عودة عائلة نتنياهو إلى مقر إقامة رئيس الوزراء في شارع بلفور.

ولكن إزاء المركزية الحصرية تقريباً، المرضية بدرجة معينة، لـ “قضية نتنياهو” على جدول الأعمال السياسي الإسرائيلي، فمن الواجب الاعتراف بأنه لا مناص من إبعاد نتنياهو عن حياة الدولة السياسية لجعل الواقع السياسي الإسرائيلي طبيعي، وإعادة مسألة إسرائيل/ فلسطين إلى مركز الخطاب السياسي في إسرائيل.

والمعارضون الأيديولوجيون الأشد لنتنياهو ملزمون بالاعتراف بأنه زعيم له مستوى تاريخي، ترك بصماته التي لا يمكن محوها عن تاريخ الدولة. فمنذ بداية حياته السياسية، أسهم إسهاماً غير مباشر في تصفية العملية السلمية الإسرائيلية – الفلسطينية، في الوقت الذي قاد فيه حملة التحريض منفلتة العقال ضد إسحق رابين، والتي انتهت بقتله. بعد ذلك، وبثبات فكري وحنكة سياسية غير عادية، تمكن نتنياهو من إخفاء المسألة الفلسطينية، ليس عن جدول الأعمال الإسرائيلي فقط، بل أيضاً عن جدول الأعمال الدولي.

في موازاة ذلك، وبمساعدة خطاب ديماغوجي متهكم وكاذب، ولكنه إبداعي بصورة لا مثيل لها، نجح نتنياهو – وهو ابن لبروفيسور أشكنازي من جامعة كورنيل – في تطوير شخصيته كضحية للنخبة الأشكنازية. وبذلك، كسب محبة الكثيرين جداً من الشرقيين الذين هم أحفاد ضحايا التمييز الاستشراقي، والذين ما زالت إهانة التمييز العنصري ضدهم من جانب المؤسسة “الأوروبية المركزية” في العقود الأولى لقيام الدولة، تواصل تشكيل الذاكرة الجماعية لهم. وبسبب ظروف تاريخية معقدة هناك أجزاء واسعة من هذا الجمهور مصابة بالتطرف القومي اليهودي المتعصب وكراهية العرب، وحرب نتنياهو الضروس ضد العملية السلمية زادت من إعجابهم به. هكذا، وجدت الصلة الدائمة بين خطاب التحريض القومي وخطاب تقسيم الهويات، الأمر الذي أدى إلى ولادة الحركة الاجتماعية الشعبية الأصيلة في إسرائيل الآن، والتي تستحق أن تسمى “البيبية” – حركة تضم جمهور من اليهود الإسرائيليين من مختلف الطوائف.

كلما ازداد وتوسع التقدير الأعمى من قبل أجزاء كبيرة في أوساط الشعب تجاه الزعيم الشعبوي الناجح، بدأ نتنياهو في تطوير أنماط حياة وسلوك لديكتاتور منفلت العقال.

ولأنه في دولة قانون، فالعوائق الرئيسية أمام اندفاع نزوات الديكتاتور الموجودة في منظومات القضاء وإنفاذ القانون، بات من الطبيعي أن يشن ضدها نتنياهو والحركة البيبية هجوماً جبهوياً. هذا الهجوم أثار ردوداً مضادة من قبل مواطني الدولة هؤلاء، الذين تبدو أجهزة الدفاع من الديكتاتورية مهمة بالنسبة لهم. هكذا فتحت معركة إسرائيلية داخلية واسعة في السنوات الأخيرة بين من يعتقدون أن على الدولة أن تخدم الزعيم المبجل، والذين يؤمنون بأن عليها أن تخدم مواطنيها.

ليفي يعتبر نتنياهو، وبحق، زعيماً شعبياً كبيراً، محبوباً ويجد الإعجاب. ويرفض، مرة أخرى وبحق، تقزيم شخصيته وأفعاله. ولأن الأمر يتعلق بشخصية تاريخية مؤسسة في تاريخ الدولة، أثرت في كل مجالات الحياة في الواقع الإسرائيلي، فمن غير الصحيح أن نقزم معاني الاحتجاج المدني ضد هذه الشخصية وتأثيرها. والطابع الشمولي لحركة “فقط ليس بيبي” نتيجة طبيعية للطابع الشمولي لحركة “فقط بيبي”. هذه الشمولية، التي هي نتاج الحضور القوي لنتنياهو في حياة الدولة والمجتمع الإسرائيلي، لا تترك مجالاً لأي قضية سياسية أو اجتماعية عدا قضية مكانة نتنياهو في مستقبل الدولة القريب.

على من يعارضون الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي، عرباً ويهوداً، أن يروا الواقع كما هو. من ناحية أيديولوجية مبدئية، يجب عليهم مواصلة القول بأن ليس “قضية نتنياهو”، بل قضية الاحتلال والأبرتهايد، هي القضية الحاسمة في كل ما يتعلق بمستقبل هذه البلاد وسكانها. ولكن من ناحية سياسية واقعية، يجب عليهم الاعتراف بأن الشرط الأساسي والحيوي لإعادة قضية فلسطين إلى مركز الخطاب الجماهيري والسياسي في إسرائيل هو طرد نتنياهو إلى الصحراء السياسية إلى الأبد، خصوصاً في الظروف السياسية الاستثنائية والعبثية التي نشأت الآن في إسرائيل، وإزاء أهمية بنيامين نتنياهو التاريخية، الذي يعتم على القضايا الوجودية الأخرى للدولة.

بقلم: ديمتري شومسكي

 هآرتس 30/6/2022

 

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا