الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

فايننشال تايمز”: غزو أمريكا للعراق قوّض موقفها الأخلاقي وإرثه يمزق الدولة ونسيج المجتمع

 

لندن- “القدس العربي” إبراهيم درويش: خصصت صحيفة “فايننشال تايمز” افتتاحيةً لغزو العراق، الذي مرّت ذكراه العشرون هذا الأسبوع، وقالت إن الغزو، الذي قادتْه الولايات المتحدة، أصبحَ مثلاً يُضْرَبُ عن التدخل الأجنبي الكارثي. وأوضحت: “في الليلة التي أعلن فيها الرئيس جورج دبليو بوش للعالم أن تحالفاً تقوده الولايات المتحدة غزا العراق، قال إن واحداً من الأهداف مساعدة العراقيين على بناء “بلد موحد، مستقر وحر”، ومع ذلك، وبعد 20 عاماً من قعقعة صوت الدبابات التي اجتازت الحدود إلى العراق، ليس هناك سوى شيء واحد يوحّد العراقيين، حسّ الخيبة من الحالة التي وصل إليها بلدهم المحاصر”.

أدّت انتخاباتٌ متعاقبة إلى تحالفات ضعيفة، مكوّنة من فصائل متنافسة مهتمّة بإثراء نفسها والشبكات التي ترعاها أكثر من تطوير العراق.

 صحيح أن العراقيين حصلوا على فرصة للتصويت منذ الإطاحة بصدام حسين في 2003، لكن، وبعد عقدين عانوا فيهما من دورات العنف الرهيبة، وسنوات من حكومات عقيمة وفاسدة، فإن العراق ليس ديمقراطية مستقرة أو فاعلة. ولقد أدّت انتخاباتٌ متعاقبة إلى تحالفات ضعيفة، مكونة من فصائل متنافسة مهتمة بإثراء نفسها والشبكات التي ترعاها أكثر من تنمية وتطوير البلد.

وتظل القوى السياسية المهيمنة متحالفة مع الجماعات الشيعية المسلحة، ومعظهما يحظى بدعم من إيران، ونزوات هذه الجماعات هي ما يحدد استقرار البلد. وبدلاً من إظهار تحرير العراق “قوة الحرية والتحول في المنطقة”، كما وعد بوش، فقد أصبح الغزو الأمريكي مثلاً عن التدخلات الأجنبية الكارثية، ومخاطر محاولة تغيير الأنظمة بدون خطة واضحة لما بعد.

والأسوأ من هذا هو أن الحرب شُنّت بناءً على مبرر كاذب، وهو أن العراق يملك أسلحة دمار شامل، مما دمّرَ الثقة العالمية بالولايات المتحدة وزعمها بقيادتها الأخلاقية للعالم. ولا يزال الضرر يتردد حتى اليوم.

وأدت الحرب إلى فتح الباب أمام الجارة إيران، لكي توسّع تأثيرها في المنطقة، وحَرْف دينامية القوة في الشرق الأوسط وإثارة التوترات الطائفية.

وفي دراسة للجيش الأمريكي حول حرب العراق، نُشرت عام 2019، توصلت إلى أن “إيران المتجرئة والتوسعية هي المنتصر الوحيد”. كما عزز إسقاط صدام حسين من قوة الجماعات الشيعية التي للكثير منها علاقات مع الجمهورية الإسلامية، ومنح العراق الضعيف والفوضى تربة خصبة لولادة الجماعات الجهادية السنية. وأنفقت الولايات المتحدة 20 مليار دولار على إعادة بناء قوى الأمن العراقية بعد قرارها الأحمق حلّ الجيش العراقي وحزب البعث، بحسب الدراسة. وعندما واجه العراق قوة ضاربة، كما في العام 2014، عندما هاجمَ تنظيم “الدولة” البلاد، ذابَ الجيش الجديد وانهار. واقتضى الأمر أربعة أعوام وتحالفاً دولياً جديداً لطرد الجهاديين من معاقلهم القوية.

ورغم استقرار الوضع الأمني، فإن نظام الحكم لم يتحسّن، وتنتشر البطالة بين الشباب وتواجه الدولة مشاكل في تقديم الخدمات الأساسية، وذلك بسبب تحول الوزارات إلى إقطاعيات للجماعات السياسية. ورغم مليارات الدولارات التي أنفقت على إعمار البلاد إلا أن البلد الغني بالنفط يعاني من انقطاع التيار الكهربائي وبشكل مستمر، وبخاصة في وقت الصيف، حيث ترتفع درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية.

القوى السياسية المهيمنة متحالفة مع الجماعات الشيعية المسلحة، ومعظهما يحظى بدعم من إيران، ونزوات هذه الجماعات هي ما يحدد استقرار البلد.

وتواصل الميليشيات المسلحة تخويف وقتل من يحاولون تحدي قادتهم ومطالبتهم القيام بواجبهم. وعندما خرجَ الشبان المحبطون إلى الشوارع، عام 2019، قتل حوالي 600 محتج. وفي آخر انتخابات برلمانية، في العام الماضي، صوتت نسبة 38% من الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم، وهو شجب واضح من العراقيين اليائسين. ولم يعد غريباً سماع السنة والشيعة، على حد سواء، يقولون إن الحياة في عهد صدام كانت أحسن.

والنقطة المضيئة في العراق اليوم هي الجيل الشاب، ويمثلون نسبة 60% من السكان تحت سن الخامسة والعشرين، وسيقودون عملية التغيير في يوم ما. وحتى ذلك الحين سيظل إرث تلك الحرب، التي خُطط لها بشكل سيء، ونُفذت بشكل أسوأ، يمزق الدولة العراقية ونسيج المجتمع العراقي.

المصدر : (القدس العربي) لندن

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا