الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

خفايا ودلالات الحلقة 4

الموصل ومستقبلها بعد 24 يوليو/ تموز  2023 ..

قضيّة مصيرية ساخنة

هل تجدّد العثمنة بعد مضي قرن على معاهدة لوزان؟

 

أ.د. سيّار الجميل

 

أولا :  ملخص القضية  في عبارات مختزلة :

- يذكر  التاريخ العثماني ان مدينة الموصل هي أول مدينة عربية خضعت لسيطرة العثمانيين في مايو / أيار  1516 ،  لذا تثار اليوم اتفاقية لوزان الثانية وتطرح للنقاش  ، حيث بدأت المخاوف تطفو على السطح  مع انقضاء مدتها . يقرع كاتب هذه السطور الجرس  على مصير الموصل  ومستقبلها .  

- ينظر الاتراك الى اتفاقية لوزان الثانية نظرة  خيبة تاريخية ، بالرغم من اعتبارها وثيقة  تأسيسية للجمهورية التركية كما وصفها الرئيس  اردوغان  امام رؤساء  البلديات المجتمعين  في المجمع الرئاسي  في انقرة  وقال  ان " معارضي  تركيا " أجبروها على التوقيع  على " معاهدة سيفر  "  عام  1920  ، وتوقيع " معاهدة لوزان " الثانية  عام 1923  ، وبسبب ذلك  ، تخلت تركيا عن جزر  واراض  . ويصف اردوغان  معاهدة سيفر  بأنها الشوكة او الطعنة  الأولى في ظهر العهد العثماني  ، لأنها أجبرت  تركيا  على التنازل  عن مساحات شاسعة من الأراضي  .  

- اغلب  الذين حكموا  تركيا  منذ مائة سنة كانوا يذكرون معاهدة لوزان بألم ممض  وبقيت الموصل  حية في الذاكرة التركية .

- أدّت معاهدة  لوزان الثانية الى الاعتراف  الدولي بسيادة جمهورية تركيا  بديلا عن  السلطنة والخلافة  للإمبراطورية العثمانية .  

- نصت معاهدة لوزان الثانية على إلغاء "معاهدة سيفر" وبنودها الجائرة للإمبراطورية العثمانية، وتأسيس ما عُرف لاحقًا باسم "الجمهورية التركية" العلمانية.

- أعلن أتاتورك تركيا دولة علمانية ضمن ستة مبادئ: الجمهورية والعلمانية والتغريب والدولتية والوطنية  والتحديث، وأعلن مسالمتها في الداخل والخارج.

- هل  ستعود تركيا  وتجدد  مطالبتها بالموصل  وهي  تحمل مشروع  " عثمنة جديدا " في المنطقة هذه المرة ؟  

- ينظر الأتراك إلى اتفاقية لوزان الثانية نظرة خيبة تاريخية، بالرغم من اعتبارها وثيقة تأسيسية للجمهورية التركية، كما وصفها الرئيس أردوغان

- مع انتهاء المعاهدة، ستجد تركيا مبرّرًا لتدخلها في "ولاية" الموصل التي كانت تابعة لتركيا أربعة قرون، حتى خسرتها في آخر يوم من الحرب العالمية الأولى .

- ينبغي التنبيه إلى أن ناسا كثيرين في الموصل يرغبون بالانضمام إلى تركيا جرّاء ما يصادفونه من تحدّيات قاسية ضدهم من إيران وعملائها في العراق .  

ثانيا :  تفاصيل القضية

يروج منذ سنوات، في أوساط تركية وعربية، حديث عن إعادة تركيا ضم ما كانت قد طالبت به، وخصوصا ولاية الموصل العراقية ..

1-      فما أولويات الموضوع وأبعاده التاريخية والجيوسياسية؟

لم ينس الأتراك أبدًا معاهدة لوزان الثانية التي قلصت حجم جغرافية الدولة العثمانية كثيرا لتغدو بحجم تركيا الحالية، وإجبارها على التخلي عن مناطق كبيرة كانت تابعة لها، فليس غريباً أن يتعامل الرئيس التركي، أردوغان، في لقاءات منتظمة برؤساء البلديات الأتراك بأن يرسلوا رسائل تاريخية وسياسية إلى الخارج والداخل، تؤكد اهتمام تركيا بالتخلص من آثار الاتفاقية، وإعادة ترميم حقوقها التي اغتصبها الحلفاء. وتنشر تركيا أيضا أن نصوص الاتفاقية غير عادلة، وأنها ستعمل على استرجاع حقوقها!

كانت الجمهورية التركية الحديثة قد تأسّست بموجب معاهدة لوزان الثانية 1923، المبرمة مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى: بريطانيا، وإيرلندا، وفرنسا، وروسيا، وإيطاليا. ولا يزال الأتراك يشعرون بالمهانة، لما فرضته بريطانيا  عليهم من شروطٍ جائرة ومؤلمة، وعبثها بحقوق الدولة العثمانية، مثل إلغاء السلطنة ثم الخلافة، ونفي الخليفة وعائلته خارج تركيا، ومصادرة جميع ممتلكاته، وإعلانها دولة علمانية، ومنع تركيا من التنقيب عن النفط واعتبار مضيق البوسفور الذي يربط بين البحرين، الأسود ومرمرة ثم البحر المتوسط، ممرًا دوليًا لا يحق لتركيا الحصول على رسوم من السفن المارّة عبره.

وبحلول منتصف العام المقبل (2023)، تنتهي فترة المعاهدة التي مرّت مائة عام على التوقيع عليها. من هنا نفهم تصريحات أردوغان، حيث ستدخل تركيا حقبة جديدة من التاريخ المعاصر، وستبدأ التنقيب عن النفط وحفر قناة جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة، تمهيدا لبدء تحصيل الرسوم من السفن العابرة. وبالتالي، يمكن أن يُفهم بعض جوانب الخلاف الدائر بين تركيا والغرب. والملاحظ أن الأمر لا يخصّ الرئيس أردوغان وحده، فأغلب الذين حكموا تركيا منذ مائة سنة كانوا يذكرون معاهدة لوزان بألم ممض، وهم يعدون السنين تمضي كي يبطل الزمن شروطها!

2-       تاريخ معاهدة لوزان

بعد انتهاء الحرب العالمية عام 1918، انعقد أكبر مؤتمر في قصر فرساي في باريس لتحديد مصير دول ما بعد الحرب عام 1919، وأبرمت بعده عدة معاهدات من القوى المتحالفة المنتصرة "سيفر" في 10 أغسطس/ آب 1920، وتقاسمت بموجبها أراضي الدولة العثمانية، وأعطت معظم الجنسيات غير التركية فيها استقلالها عن الإمبراطورية، لكن الأتراك رفضوا ذلك، وخاضوا حربًا شرسة ضد الحلفاء، حتى حققوا انتصارًا كبيرًا عليهم، خصوصا على اليونان في حرب الاستقلال التركية 1922-1923. بعد ذلك، عُقد "مؤتمر لوزان الثاني" الذي استغرقت أعماله ثلاثة أشهر، وأسفر عن توقيع "معاهدة لوزان" بوصفها اتفاقية سلام دولية، أبرمت في 24 يوليو/ تموز 1923 في فندق "Beau Rivage Plus" في لوزان، جنوب سويسرا، (جرى توقيع معاهدة لوزان الأولى 1912 في قصر دوشي في لوزان في أعقاب الحرب الإيطالية التركية 1911-1912 في ليبيا). وكان أطراف معاهدة لوزان الثانية من القوى المنتصرة بعد الحرب (خصوصا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا)، ومعها ممثل عن الإمبراطورية العثمانية مترئسا وفدها إلى المؤتمر، عصمت إينونو، الرجل الثاني بعد كمال أتاتورك. وعلى أساس المعاهدة رسميًا، جرى تقسيم الإمبراطورية العثمانية، فتأسّست الجمهورية التركية، برئاسة مصطفى كمال باشا، وقد تسمّى "أتاتورك" (أبو الأتراك). وعاش بين 1881-1938. وكان قد فرض نفسه زعيما للحركة الوطنية التركية في أعقاب الحرب، وانتصر على الجيش اليوناني في الحرب اليونانية التركية 1922. وبعد انسحاب الحلفاء وقواتهم من الأراضي التركية، استولى على مدينة أنقرة التي تتوسّط الأناضول واتخذها عاصمة له، مؤسّسا جمهورية تركيا الحديثة، وألغى السلطنة والخلافة العثمانية، وأعلن تركيا دولة علمانية ضمن ستة مبادئ: الجمهورية والعلمانية والتغريب والدولتية والوطنية  والتحديث، وأعلن مسالمتها في الداخل والخارج. .. وغدا نائبه عصمت إينونو (1884 - 1973) ثاني رئيس للجمهورية التركية، حيث تولى الرئاسة بين 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1938 إلى 22 مارس/ آذار 1950، وشغل منصب رئيس وزراء تركيا عدة مرات بين 1923 و1924 وبين 1925 و1937، وشغل منصب وزير خارجية تركيا بين 1922 حتى 1924، ومنصب رئيس الأركان العامة بين 1920 و1921، وأصبح زعيمًا لحزب الشعب الجمهوري من 1938 حتى 1972.

3-      أهم مضامين معاهدة لوزان الثانية:

 

1-       ترسيم حدود إمبراطورية الخلافة العثمانية بحدود الدولة التركية الحديثة وعاصمتها أنقرة.

2-      تضمنت 143 مادة موزّعة على 17 وثيقة تتراوح بين "الاتفاقية" و"الميثاق" و"الإعلان" و"الملحق"، وتناولت ترتيبات التوفيق بين الأطراف والموقعين على المعاهدة وإعادة إنشاء العلاقات الدبلوماسية فيما بينهم "وفق المبادئ العامة للقانون الدولي".

3-      وضعت قوانين لاستخدام المضائق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها وقت الحرب والسلم، وتنصّ على شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، ومراجعة وضع الدولة العثمانية ومصير المناطق التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ((1914-1918(.

4-       إلغاء "معاهدة سيفر" وبنودها الجائرة للإمبراطورية العثمانية، وتأسيس ما عُرف لاحقًا باسم "الجمهورية التركية" العلمانية، بعد إلغاء نظام الخلافة الإسلامية، وترسيم حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية التي حافظت على ضم استامبول وتراقيا الغربية، وتضمّنت أحكامًا لتقسيط ديون الدولة العثمانية.

5-      تخلت تركيا عن سيادتها على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق والشام، باستثناء مدن كانت موجودة في سورية، مثل أورفة وأدنة وغازي عنتاب وكلس ومراش، وتنازلت الإمبراطورية العثمانية عن حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان، اعتبارًا من نوفمبر/ تشرين الثاني  1914.

6-      نصّت على استقلال جمهورية تركيا، وحماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية فيها والأقلية المسلمة في اليونان، وإلزام الحكومة التركية بالحفاظ على أرواح جميع المواطنين وحقوقهم وحرّيتهم ضمن حدودهم في الإقليم، ولهم حقوق متساوية أمام القانون، بغض النظر عن الأصل والجنسية واللغة والدين، لكن معظم السكان المسيحيين في تركيا والسكان الأتراك في اليونان جرى دفعهم بناءً على معاهدة تبادل السكان اليونانيين والأتراك.

7-      وافقت تركيا رسميًا على فقدانها قبرص (استأجرتها الإمبراطورية البريطانية بعد مؤتمر برلين عام 1878، لكنها ظلت أرضًا عثمانية قانونية حتى الحرب العالمية الأولى)، وكذلك مصر والسودان (احتلتها القوات البريطانية بذريعة "إخماد ثورة عرابي واستعادة النظام" عام 1882، لكنها بقيت أراضي عثمانية "قانونية" حتى الحرب العالمية الأولى)، والتي ضمتها بريطانيا من جانب واحد في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني  1914.

8-      ترك مصير ولاية الموصل ليتم تحديده من خلال عصبة الأمم.

9-       تخلت تركيا عن الأراضي الواقعة إلى الجنوب من سورية والعراق وشبه الجزيرة العربية عندما تم التوقيع على هدنة مادروس في 30 أكتوبر/ تشرين الأول  1918.

10-  إلزام تركيا بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة من اختيارهم مهما كانت، سواء في العلاقات أو في الاجتماعات العامة أو في مجالات الدين والتجارة والإعلام والنشر والتأكيد على الحقوق السياسية والسيادة الاقتصادية، وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها.

11-  بقيت إحدى القلاع العثمانية بعد سيطرة رومانيا عليها عام 1919، إذ سمح لها بالبقاء أساسًا قانونيًا تركيًا في الملكية الخاصة للسلطان العثماني حتى معاهدة لوزان 1923.

12-   تخلت تركيا عن امتيازاتها في ليبيا كما حددتها الفقرة 10 من معاهدة أوتشي عام 1912 (وفقًا للفقرة 22 من معاهدة لوزان 1923(

4-      الاتراك :  نظرة خيبة تاريخية  منذ مائة سنة مضت

ينظر الأتراك إلى اتفاقية لوزان الثانية نظرة خيبة تاريخية، بالرغم من اعتبارها وثيقة تأسيسية للجمهورية التركية، كما وصفها الرئيس أردوغان، في خطابه أمام رؤساء البلديات المجتمعين في المجمع الرئاسي في أنقرة، حيث دعا إلى مراجعة  وتأسيس لما بعد مائة سنة عليها، والتي أعقبتها تسوية حدود تركيا الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى. وقال أردوغان إن "معارضي تركيا" أجبروها على التوقيع على "معاهدة سيفر" عام 1920، وتوقيع "معاهدة لوزان" الثانية عام 1923، وبسبب ذلك، تخلت تركيا عن جزر وأراض. ويصف أردوغان معاهدة سيفر بأنها الشوكة أو الطعنة الأولى في ظهر العهد العثماني، لأنها أجبرت تركيا على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تحت نفوذها.

5-      المحطة الأخيرة لتقسيم الإرث العثماني

اعترفت المعاهدة بحدود الدولة التركية الحديثة، وقلصت مطالب الحلفاء بالحكم الذاتي لكردستان التركية مقابل التنازل التركي عن الأراضي لأرمينيا، والتخلي عن مطالبات مناطق النفوذ في تركيا، وفرضها السيطرة على المعاملات المالية في تركيا أو القوات المسلحة، وأُعلن عن فتح المضيق التركي بين بحر إيجة والبحر الأسود للجميع، على عكس ما حدث في اتفاقية سيفر.  وفي آسيا، تخلت تركيا عن سيادتها على العراق والأردن وفلسطين لتصبح تحت النفوذ البريطاني، بينما أصبحت سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، واحتفظت تركيا بالأناضول، وأصبحت أرمينيا جمهورية مستقلة بموجب ضمانات دولية.  وفي أوروبا، تنازلت تركيا عن أجزاء من تراقيا الشرقية وبعض جزر بحر إيجه إلى اليونان، ودوديكانيز ورودس إلى إيطاليا، واحتفظت بالقسطنطينية وضواحيها، بما في ذلك منطقة مضيق "الدردنيل والبوسفور"، والتي جرى تحييدها وتدويلها، وحصل الحلفاء على سيطرة أكثر فاعلية على الاقتصاد التركي مع حقوق الاستسلام.

6-      تداعيات الرسالة الجديدة للعثمنة الجديدة

أدّت معاهدة لوزان الثانية إلى الاعتراف الدولي بسيادة جمهورية تركيا بديلا عن السلطنة والخلافة للإمبراطورية العثمانية. ولكن مع انتهاء المعاهدة، ويُعتقد (كما تبين من تقارير مراقبين وصحفيين) أن "تعميم الرسالة" تسبب في توتر سياسي بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، بعد مرور مائة عام على ذلك التوقيع. كما تشير الرسالة إلى أنه سيكون في وسع تركيا بعد انتهاء المعاهدة القيام بالتنقيب عن النفط، والانضمام إلى قائمة الدول المنتجة للنفط، وكذلك تحصيل الرسوم من السفن المارّة عبر مضيق البوسفور، وحفر قناة جديدة تربط البحرين الأسود ومرمرة وقد حظر على تركيا حفرها بموجب معاهدة لوزان. تمهيداً لبدء تحصيل الرسوم من السفن العابرة. ويمكن أن يُفهم بعض جوانب الخلافات المستمرة بين تركيا والغرب، إذ تخشى الدول الغربية من الأوضاع المقبلة، فمع انتهاء المعاهدة، ستجد تركيا مبرّرًا لتدخلها في "ولاية" الموصل التي كانت تابعة لتركيا أربعة قرون، حتى خسرتها في آخر يوم من الحرب العالمية الأولى. ودخول البريطانيين إليها بعد ساعات من توقيع هدنة مادروس. وقال المتخصص التركي في العلاقات الدولية مصطفى صدقي بلجين إن تركيا عندما تخلت عن الموصل للعراق، كان عليها عدم تغيير حدودها أو وضعها في ذلك الوقت، والتي تغيرت على مدى العقود الماضية، وهو يقصد بذلك أن ولاية الموصل قد قسمت إلى أربعة ألوية: الموصل وأربيل وكركوك والسليمانية، ثم  تغيرت الوحدات الإدارية  العثمانية على عهد مدحت باشا  عام 1869 ،  ثم تغيرت على عهد الإنكليزي  والحكم الملكي  ، ثم  تغيرت إلى محافظة، إلى جانب محافظات أخرى: دهوك وأربيل وكركوك والسليمانية، ثم غدت كل من أربيل ودهوك والسليمانية إقليما باسم " كردستان العراق" !   ولكن كل من لوائي الموصل وكركوك  ما يزالان  يتردد  ذكرهما  في المؤسسة التركية الرسمية !

7-      الموصل منذ 1923

يذكر التاريخ العثماني أن مدينة الموصل هي أول مدينة عربية خضعت لسيطرة العثمانيين في مارس/ آذار 1516، في عهد السلطان سليم الأول، وبقيت حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918، لتكون آخر مدينة عربية ينسحب الأتراك منها، حيث أصبحت نجما ساطعا تطمح إليه الدول الغربية، وخصوصا بعد اكتشاف النفط، فاستحوذت عليها فرنسا وبريطانيا، وبتوقيع تركيا على معاهدة لوزان الثانية واتفاقية أنقرة، تخلت أنقرة عن الموصل بعد تقليص مساحة الأرض، وعلى الرغم من مطالبة أتاتورك بها، وتبلورت مشكلة الموصل التي عالجتها عصبة الأمم لتضم إلى العراق.

هنا، تثار اليوم اتفاقية لوزان الثانية وتطرح للنقاش، حيث بدأت المخاوف تطفو على السطح مع انقضاء الفترة. والسؤال: هل ستعود تركيا بعد انتهاء "معاهدة لوزان 2"، وتجدّد مطالبتها بالموصل، وهي تحمل مشروع "عثمنة جديدا" في المنطقة؟ هل ستتغير الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية، ويدخل العالم مرحلة جديدة من تجديد الإرث العثماني؟ وكيف ستتعامل القوى العظمى الحالية مع المطالب التركية؟ هل سنشهد حروباً قبل عام 2023، ومن سيقود هذا التغيير. وبشأن ربط نهاية الاتفاقية بالتوتر السياسي بين تركيا ودول في الاتحاد الأوروبي، يتساءل مراقبون: هل تنصّ مادة في القانون الدولي على صلاحية المعاهدات الدولية لمدة مائة عام فقط؟ ويأتون على أن "ألمانيا ألغت المعاهدة في الثلاثينيات بعد عشرين عاما من توقيعها، فهل يمكن لتركيا أن تفعل ذلك؟ وهنا ينبغي التنبيه إلى أن ناسا كثيرين في الموصل يرغبون بالانضمام إلى تركيا جرّاء ما يصادفونه من تحدّياتٍ قاسيةٍ ضدهم من إيران وعملائها في العراق. وسيواجه الكرد مشكلة صعبة إزاء المتغيرات إن حصلت! وسيفقد العراق أجزاء حيويةً من أرضه وسكانه، وأغلبهم من العرب والكرد والتركمان والآثوريين وكلّ فسيفساء  الطيف العراقي وان  سنجق  ( او :  لواء الموصل  )  أمام مفترق طرق  في المستقبل المنظور   .

8-      انني اقرع الاجراس  

هنا، يقرع كاتب السطور أعلاه الجرس على مصير الموصل ومستقبلها ، متمنيا الوعي التاريخي بها  .

ملاحظة :  مصادر  هذا  " التقرير "  وثائق  واوراق  رسمية  وبيانات  ومراجع  أساسية  .

نشرت  هذه " القضية  " في العربي الجديد / لندن  ( باب  قضايا )  يوم 2 مايو / أيار  2022  ويعاد نشرها  على الموقع الرسمي  للدكتور سيّار الجميل

 

الحلقة 3

  ناظم كزار : تاريخ خطير  ! ومحاولته الانقلابية

  في 30 حزيران / يونيو  1973  من خلال وثائق الارشيفات

 

أ.د. سيّار الجميل


هناك  معالجات عدة  في  كتب  ومقالات كتبت عن هذا " الموضوع "  الذي  ساقف  فيه عند  الأمور الأساسية  من اجل  تحليلها  ومحاولة فك الغازها  والاجابة عن أسئلة  يطرحها المؤرخ  عن هذه الشخصية  الملتبسة  وقصة  محاولة الانقلاب الفاشلة  ..  وناظم كزار  عرف  بأدواره  القاسية  منذ  تأسيس  جهاز حنين  الذي  وقف صدام حسين على رأسه  عام 1964 ، وقام كزار بقتل العشرات من الشيوعيين  والديمقراطيين والقاسميين بعد انقلاب 8 شباط/ فبراير 1963،وقيل الكثير الكثير عن قسوته  ، اذ  تردد  في عدد من المذكرات  ان قسوته قد وصلت الى حد أن يضع احد اصلب المعتقلين الشيوعيين في تابوت وهو حي،وقطع  هذا التابوت إلى نصفين بمن فيه بمنشار وبدم بارد وأمام جميع المعتقلين الآخرين - كما  كتب  احد  المعتقلين الشيوعيين وايده الآخرون  -   ! واشتهر كزار  ايضا  كما تردد  في  عدة مراجع  بوضع  المعتقلين بأحواض التيزاب  لإذابتهم ، ولا يبقي أثراً لهم  او وضعهم وهم احياء  في  كونكريت  يبنى  - كما تردد  ذكره -   .. وقد اختفت  شخصيات  عراقية  اثر اعتقالها  تماما من الوجود  ولم  يعثر على  اجسادهم حتى الان  !!   وأود التوضيح بان  اغلب المعلومات لها اسانيدها المعتمدة  اجنبية وعراقية  ، فالأرشيف  العراقي  في  جامعة ستانفورد الاميركية  اليوم يعد ثروة  تاريخية  لا تعّوض  ، ولولا نقله من العراق  لكان  قد تبعثر او احرق  وغاب .  فالأرشيف  كله  يحوي على  كل المستندات الرسمية  بالعربية  ، وبقلم اليد او الالة الكاتبة  مع التواقيع  والبصمات والاختام الرسمية .  


من هو ناظم كزار؟

من مواليد العمارة العام 1940،نشأ في بيئة ريفية معدمة ،وانتقل  وعائلته الى بغداد ،حيث تطوع أبوه  في الجيش ،وعندما أصبح برتبة عريف   ونسب للعمل في معمل الخياطة  العسكرية في منطقة الشيخ عمر   القريبة من منطقة سكناه ،انضم  ناظم الى حزب البعث ،عندما كان  العام 1961 ،وكان طالباً في إعدادية  الصناعة في بغداد ثم اكمل في معهد  هندسي ،اعتقل العام 1961  وترك الدراسة ..  وتقول رواية أخرى انه انضم للبعث في الخمسينيات من القرن الماضي كطالب وكان من أوائل الشيعة الذين شغلوا مناصب السلطة في النظام. وانه سجن لفترة طويلة من قبل عبد السلام عارف عام 1964/1965 وبقي  حتى عهد عبد الرحمن عارف ،  وعلمنا  أن كزار قد حكم  عليه 4  سنوات سجنا  ، ولكن لأن القاضي  تطاول عليه  ، فانفعل ناظم  وخرج من القفص  رافضا  الإساءة اليه ، فحكمه القاضي  بعشر سنوات  ، لكن  توسط البكر  والقادة البعثيون  لدى عبد الرحمن عارف  فاخرج من  السجن .    وبعد انقلاب 17 تموز 1968  ، عيّن في عام 1969 رئيساً لمديرية  الهيئة التحقيقية  في قصر النهاية  ثم  أسند  اليه  منصب مدير الأمن العام. وبعد فقام بتعيين أبيه مديراً لمعمل  الجوادر والخيام في منطقة  الوزيرية .. وتقول مصادر أخرى انه  بدأ  نشاطه بعد انقلاب شباط/ فبراير  1963 :   وكان معتقلا فاطلق سراحه حالا  ،وعين عضواً في هيئة التحقيق في  قصر النهاية ، وأوكلت اليه مهمة تصفية كل معتقل يشعر  بأنه يشكل خطراً عليه أو على حزبه  ،حسب قوله .. شكل في قصر النهاية  محكمة ( غير مشروعة ولا قانونية )  مع محمد فاضل وجبار  كردي، تعقد جلساتها وتصدر  أحكامها الفورية بالإعدام بعد  منتصف الليل ،وقال  بعض المعتقلين انه لم تسلم منه حتى  الكلاب السائبة التي كانت تتسلل  إلى قصر النهاية ،وكان ينفذ حكم  الإعدام خنقا بكلتا يديه على رقبة  المحكوم حتى يلفظ أنفاسه .. ويُنسب إليه الفضل في تنشيط منظمة حنين التي أسسها صدام حسين التكريتي  وكادت تفشل بعد عشر سنوات من حياتها  الاجرامية (1958-1968) وقد فلتت من سيطرة الجيش بتنفيذ كزار  أوامر سيده  صدام ، ومع ذلك ، فقد احتقر كثيرا  بسبب ساديته وعادته في إجراء الاستجوابات شخصيًا ، وعادة ما تنطوي على التعذيب. اشتهر بضربه شخصياً حتى الموت عالم الدين الإسلامي وخصم الحكومة عبد العزيز البدري ، عندما كان كزار رئيسا للهيئة التحقيقية . ويكفي ايضا ما كتبه  احمد الحبوبي في كتابه  " ليلة الهرير في قصر النهاية "  اذ تضمنت صفحاته  وصفا  مرهبا من  البشاعات .

السؤال هنا :  هل كان كزار سيتصرف من تلقائيته  مع جلاوزته  في قصر النهاية ، ام  انه  كان يتلقى الأوامر  للفتك  بمن يزج  في  ذلك  القصر كي تكون نهايته محتومة ؟  من المؤكد  ان كل ما جرى  في ردهات  ذلك  المعتقل الرهيب  كان يعلم به  احمد حسن البكر  وصدام حسين  فهما المسؤولان  عن البلاد  !  واذا كان الناس  يتداولون  قصص الرعب  في الخفاء  ، فهل  لم يشترك نظام الحكم برمته  في نسجها  وتنفيذها  ؟؟  وكنت  أتمنى ان يدينا  جرائمه بحق  قوافل من  الشهداء  والشخصيات  بعد إعدامه ، ويعتذرا  عما حصل   .. ولكن ذلك لم يحصل من قبلهما  .  يقول د.  اياد علاوي في مذكراته عنه  :  "  يتضح  ان ناظم كزار  ربما كان ينفذ قرارا حزبيا بقتل  هؤلاء  الأشخاص الوطنيين  والعروبيين  .. وهي التي شطبت على كل  حسنات  ناظم كزار "  ( ص 70 )  

فماذا يقول اياد علاوي  عنه  والذي  يعرفه حق المعرفة اذ يقول ان له بعض المواقف الحسنة  ، وهو موسوعة معلومات في ذهنه .. وقد قال له يوما بأن العراق لابد ان يغير  اشرعته " ( ص 71 ) . يقول : "  وكانت شخصية ناظم كزار  غريبة جدا ومعقدة ، فقد كان جريئا  بشكل غير عادي وشديد المراس  ، ولا اعتقد انه كان يعرف  معنى الخوف  والوجل والموت . لا يعتريه الارتباك من أي شيئ . وكان نظيفا عفيفا ونزيها ، وتميز  بالهدوء حتى انه كان يكنى  بـ " السكوتي "  عندما كان طالبا في كلية الطب  قبل فصله منها لينتقل الى الهندسة ثم يعتقل لفترة طويلة  ويعود ليدرس في معهد الهندسة العالي . لم يكن متزوجا ، وكان قاسيا وحادا في قناعاته وتصرفاته ، ونادرا ما يضحك  . وعندما وصل الى رئاسة اللجنة التحقيقية الثانية  في مكتب العلاقات العامة ، كان ذكاؤه حادا جدا وقد جاءت خلفيته من اسرة متواضعة وشريفة " ( ص 71 )   . وهنا نتساءل :  كيف  يدخل  كلية طب او هندسة وهو خريج  ثانوية الصناعة ؟  ثم  اذا كان  مسجونا فمتى  دخل  الكلية ؟  


كزار مديرا للأمن العام :

بعد انقلاب 17 تموز/ يوليو  1968 واستلام البعث السلطة كاملة في الثلاثين منه  ، عين ناظم كزار في اللجنة التحقيقية الثانية ،التي كان يرأسها سعدون شاكر ،والذي أصبح فيما بعد وزيرا  للداخلية ،وعضوية حسن المطيري  ،وكان مقرها في قصر النهاية  ،لتأخذ دورها في التحقيق ،وتصفية  المعتقلين السياسيين الجدد (من  القوميين والإسلاميين ورجالات  نظام الأخوين عارف وغيرهم ) ..وقد  لقب كزار بعدة ألقاب ،ففي العام 1963   لقب بـ  "عقرب البعث "  ،وبعد العام 1968   ،  لقب بـ  " الشبح "  ،وهو معروف بابي حرب ..  ومارس أساليب تعذيب، لا يمكن  وصفها :  كان أول من جلب أحواض الأسيد (التيزاب) الى مبنى قصر النهاية  لإذابة أجساد المعتقلين ، وهو أول  من استورد آلات تقطيع الأطراف من  (ألمانيا الشرقية) التي  عاونت العراق في هذا الجانب البشع  ..  فضلا عن زياراته الى رومانيا  وتدريب كوادره هناك  ..  كان يستخدم أساليب لا تخطر على  البال ,من بينها استخدام مطارق  الحديد الثقيلة في تكسير وتهشيم  عظام المعتقلين ،واستخدام الطبر  الحاد في تقطيع مفاصلهم وهم احياء  .. وترددت  العديد من الروايات  لشهود عيان  من المعتقلين في  قصر النهاية عن حبس المعتقلين عن التبول بعد شد أعضائهم بصورة محكمة ،وإجبارهم على شرب عدة زجاجات من ( البيرة) .  ـ كان يقوم بجلب مرضى السل لغرض البصاق في أفواه المعتقلين، لنقل المرض الى أجساد المعتقلين ..   ومن يعترف عليه أن يقول :انه  جاسوس لإسرائيل أو إيران أو  أميركا أو متآمر أو مختلس لأموال  الدولة أو عضو في حزب الدعوة أو أي  حزب ضدهم أو انه يتاجر بالمخدرات  أو يهرب أموال الدولة أو له نشاط   رجعي (أي :  ديني) أو خالف القانون أو  خان أو ما شابه ذلك ..وإن اعترف  ،سينشر اعترافه مع صورته على شاشة  التلفاز، ويحكم عليه بالإعدام أو  لمدة طويلة ، ثم لا ينقطع عنه  التعذيب الجسدي والنفسي حتى بعد  الاعتراف ،وان لم يعترف يستمر  تعذيبه بأقسى أنواع التعذيب فيموت  تحت التعذيب أو يصبح معوقا أو  عليلا بحيث يأخذ سبيله إلى الموت  أو يحكم عليه بالسجن المؤبد أو  لمدة طويلة ،وهناك في السجن يغتال  إذا خشي منه كما اغتالوا المسؤول الأول للبعث فؤاد ألركابي وسبعة  من أصدقائه في سجن بعقوبة من قبل  السجين المنحرف حمودي واتهام  ألركابي بالانحراف من اجل إسقاطه  في عيون رفاقه!!..  ـ كان له دور واضح في تصفية  الكوادر البعثية العسكرية (التي  كان البكر وصدام يشعران بأنها  تشكل خطرا على نظامهم مثل اللواء  الركن عبد الكريم مصطفى نصرة  وغيره .. وقد اشاع  الرعب في المجتمع العراقي  وعمل معه  عدد  من اقسى  البعثيين العراقيين، وكان  محمد سعيد الصحاف  مدير عام الإذاعة والتلفزيون  هو الذي  يلتقي  المعتقلين المتهمين  بتهم قاتلة   ليدلوا باعترافاتهم  الكاذبة  على شاشة التلفزيون  بعد ان مورست  ضدهم  كل الوسائل  اللاأخلاقية  ، فاجبروا  ان يقولوا  انهم عملاء  وجواسيس !!  لقد عومل رؤساء وزارات ووزراء  وشخصيات  ادارية  وعسكرية عراقية بمنتهى القسوة ومات  البعض تحت التعذيب  او  اخرج  من قصر النهاية ليموت بعد ايام !



 

منح كزار رتبة لواء  في الجيش  :  مديرا للأمن العام :

هذه الروح المبدعة في الإجرام  والمبتكرة لأشد الأساليب وحشية في  التعذيب والقتل ،دفعت البكر وصدام  الى منح كزار رتبة لواء في الجيش العراقي ، وترقيته  الى منصب حزبي رفيع ،وتعيينه  مديراً عاماً لمديرية الأمن العام  وكانت من اخطر الأجهزة وقت ذاك  .  ومنذ أول يوم توليه هذا المنصب بدأ  بتنفيذ هوايته القمعية البوليسية  التي ذاع صيتها وقل نظيرها في  الشرق الأوسط ،وتحت غطاء كثيف من  السرية والكتمان ،كما لجأ الى  إبعاد عدد كبير من ضباط مسؤولي  أقسام الأمن العامة من بعثيين  وغير بعثيين ،خصوصاً الذين يشك بعدم ولائهم له ،واستبدالهم بمن هو حميم له ولصيق به حتى الموت !  قام كزار بتصفية  جسدية  لــ   (2009) شخصاً منذ أن  تولى منصبه مديرا للأمن العام 1969  حتى  1 تموز/ يوليو  1973 .. من مختلف القوى السياسية ، حتى من البعثيين الذين  اختلفوا عن نهج  النظام  في حكم العراق .  وطالت  عمليات ناظم كزار خارج العراق  على شخصيات سياسية وعسكرية ومنها  - مثلا -  اختطاف اللواء حميد الحصونة الذي  احتجز في السفارة العراقية بالقاهرة تمهيدا لتسفيره  الى العراق ، ولما علم  جمال عبد الناصر من خلال زوجة المجنى عليه ، امر بتطويق السفارة  وسحب الحصونة وخلصه من  تعذيب  وموت محقق في قصر النهاية  . ولكن  يقول اياد علاوي في مكان آخر : "  يقال عنه – كزار -  انه كان مؤذيا ودمويا  لكنني لم اسمع من أي احد من المعتقلين  أن ناظم قد تعرّض  لأحد  في السجن  أو عذبه  ، وبطبيعة الحال لم أسأل الكل ، أي الذين  تم اعتقالهم ( ص 72 ) !  فكيف  يتفق  هذا  مع  مسؤوليته عن قصر النهاية ؟  



 

محاولة اغتيال الملا مصطفى  البارازاني :

انها حادثة شهيرة ، ولكن  لابد من الوقوف عندها  ..  ففي 29 أيلول/ سبتمبر 1971،   فشلت محاولة  دبرها ناظم كزار لاغتيال الملا  مصطفى  بارزاني بتخطيط من صدام حسين  ، حين  توجه عشرة من  رجال دين من بغداد لزيارة  بارزاني غرضها التحدث إليه عن  السلم بين المسلمين ..  وضم الوفد: الشيخ عبد الجبار الاعظمي وشقيقه عبد الوهاب والشيخ عبد الحسين الدخيل والسيد نوري  الحسني والشيخ احمد الهيتي والشيخ  غاوي الدليمي والشيخ باقر حسن  المظفر والشيخ إبراهيم الخزاعي   وآخرين ..  ـ زود كزار أحد أعضاء الوفد بجهاز تسجيل،بصورة سرية اذ أخفاه تحت  ثيابه ،وابلغه أن قيادة الثورة  ترغب بتسجيل حديث بارزاني  ،وأوصاهم بالجلوس أمامه ،وقيل له  حينما يتحدث بارزاني تضغط على  الزر بشكل لا يلفت  الانتباه ،وبالفعل حينما أقبل بارزاني بصحبة حراسه بعد أن ترك مقعده  المألوف ،واتخذ صاحب جهاز التسجيل   أو في الحقيقة صاحب القنبلة ..  مقعده مقابل ملا مصطفى بارزاني  ،وبينهما طاولة ذات قوائم قصيرة   وضعت فوقها أقداح الشاي ،فلم يكون   بينهما والحال هذه أكثر من مترين

 افتتح الحديث الشيخ عبد الحسين الدخيل ثم تلاه الشيخ عبد الجبار الاعظمي بمقدمة بعد تقديمه هدية  الوفد لبارزاني ،وهي نسخ من  المصحف الشريف كانت واحدة منها  مفخخة ولم ينطق حامل القنبلة  بكلمة ..   يقول بارزاني : ما أن فتحت فمي  ونطقت بكلمة (نحن) حتى دوى صوت  انفجار هائل وتصاعد الدخان  وتطايرت شظايا النوافذ فمددتٌ يدي  إلى حزام مسدسي ،ونطقتُ باسم الله  ،ولم اشعر بغير صدمة هوائية   وانطلقتً خارجاً .. وقتل من قتل  ولكن الشظايا لم  تقتل  الهدف .  وهناك رواية اخرى تنفي ضلوع ناظم كزار  بترتيب  هذه المحاولة  ضد  الملا مصطفى  وان مهندسها  الحقيقي هو  صدام حسين .  



 

بداية النهاية :

كان ناظم كزار إضافة الى كونه مديراً عاماً  لمديرية الأمن العامة ،كان مستشارا  امنياً للبكر (رئيس الجمهورية)  ..وبدأ صدام يقلق لأن كزار أخذ يشكل  خطورة ،فعمد صدام الى فك ارتباط  البكر من ناظم ،  وربط البكر بمنظومة  أمنية تكريتية مغلقة ،أكثر أهمية  ،وهي مديرية العلاقات العامة ،  التي أصبحت (:  جهاز المخابرات عام 1973 )  ،وألحق بها كل من : (برزان إبراهيم التكريتي، وعلي حسن المجيد  ،والأخوين سبعاوي ووطبان ،وعين  سعدون شاكر اليد الطولى له مديراً  عاماً لها ..  ان مكتب العلاقات العامة غدا حزبا  داخل حزب . كان في البدء سريا  ، ثم وزعت مسؤوليته على لجنتين تحقيقيتين الأولى بقيادة سعدون شاكر  والثانية بقيادة ناظم كزار  ..  كما انشأ صدام مراكز تحقيق وسجون  (سجن قصر النهاية ،وسجن مديرية  التحقيقات العامة ،وسجون وزارة  الداخلية) ومديريات أمنية  أخرى، جميعها ليست تابعة أو ليس لها  علاقة بمديرية الأمن العامة ولا  بناظم كزار ..تلك الإجراءات وغيرها  أفقدت كزار أهميته وجعلته حبيس  دائرته .. ولم يبق أي عمل ( لآبي النظارة الزرقاء – كما كان يسميه  صدام حسين )   سوى هويته  القديمة في ملاحقة الشيوعيين داخل  العراق ،وقضايا روتينية أخرى مثل  (الرشوة ،وشتم الحزب في حالات  السكر، وبعض نزاعات  العشائر، وغيرها) التي لا تشكل  خطراً على صدام ومستقبله  ..أما على الصعيد  الحزبي ،فقد همش صدام رفيقه ناظم  كزار ،ولم يرشحه لأي منصب حزبي .  وقد توسّع  صدام حسين في مفهوم الأمن بعد كزار  .  ( ثورة 17 تموز : التجربة والآفاق ، ص 139- 140 ) . وتذكر  وكالة المخابرات المركزية  في تقرير لها (بعنوان : العراق : المخابرات والخدمات الأمنية ، تقرير  رقم 276 أغسطس 1985 ، ص 139- 140 )  ان الأمن  كان يراقب المعارضة  الداخلية والأقليات العرقية والطوائف الدينية ، وكان مسؤولا أمنيا عن حراسة حدود العراق ، خاصة في الشمال ويراقب الأنشطة  الاقتصادية غير القانونية مثل تجارة العملة وتجارة السوق السوداء .  



 

ناظم  كزار يشكل كتلة حزبية للتوازن :

ثمة رواية  وردت تقول :  راح ناظم يتوجس خيفةً من عزله ،وتأكد له أن صدام يعد له النهاية ،خاصة وقد التقط كزار حالات  انزعاج وامتعاض ،كان يبديها  القيادي في البعث عبد الخالق  السامرائي ،ومحمد فاضل أثناء  اجتماعات حزبية للقيادة القطرية  للبعث ..  وجد كزار في تلك الإيماءات ضالته  ،  فكاشف رفيقيه في الانضمام لهما وكسب  تأييدهما ،ولو بصورة مبدئية ،ثم  بات الثلاثة ومن خلفهم من مؤيدين  يشكلون حلقة سرية قوية ،أو تكتلا  حزبياً مؤثراً  داخل بنية الحزب  ،وهم (عبد الخالق  السامرائي أمين سر الحزب ومحمد  فاضل مسؤول المكتب العسكري و ناظم كزار مدير الأمن العام  ) ،ثلاثية لا يستهان بها أبدا ،تستطيع عمل أمور مهمة بسبب مواقعهم الحيوية والحساسة..



 

صدام كان له بالمرصاد :

لم يكن صدام حسين بعقليته  المشككة  غافلاً عن تحركات هذا  الثلاثي ،وأخذت أجهزة صدام من  متابعة أو مراقبة كل خطوات وحركات  هذا الثلاثي ،وراحت التقارير  الحزبية السرية والوشايات  والدسائس تصل مكتبه من قبل علي حسن  المجيد وحسن العامري ومن دائرة  العلاقات العامة ،وعلى خلفية تلك  "التقارير"  عمد صدام الى إجراءات  سرية من شأنها إضعاف تأثير هذه  الكتلة، فنقل جزءاً كبيراً من صلاحيات مسؤول المكتب العسكري الى  صلاحيات مجلس قيادة الثورة ، وجرد  محمد فاضل من أهم صلاحياتها  ومسؤولياته في الحزب والدولة  .  أما ناظم  كزار فأخذ يرسل له الإيماءات  ،حيث يقول القيادي ألبعثي عبد الله سلوم السامرائي : "  في البداية ،  بدأ صدام بتسريب أقواله إلى أسماع كزار ،ويصفه بشتى النعوت والكلمات  البذيئة ..هادفاً من ذلك إثارة  كزار ودفعه الى مغامرات طائشة ،  وبضيف السامرائي حديثه  قائلاً:  (كنتُ آنذاك احد أعضاء قيادة منطقة الوسط للحزب ،عندما استلمنا  تقريراً من صديق للحزب يقول فيه  انه سمع من صهر ناظم كزار أن كزار  قبل حركته صدر منه الكلام الآتي:  (هذا ليس بحكم حزب البعث انه حكم عشيرة   ،وبالأخص حكم عائلة ،ويسموني أنا  شيعي وشروكي ،والله لن اجعل  تكريتياً يعيش حتى لو كان في آخر الدنيا ،وسأجعل ارض تكريت لن يعيش فيها حتى الحشرات مدى الحياة) ..واتخذ  كزار من المثلين الشعبيين شعاراً   له، وهما : (لا أرى الذئب ولا الذئب  يراني) والثاني (سأتغذى بهم قبل أن  يتعشوا بيً) ..في حين كان صدام على  درجة كبيرة من الحذر والتأهب من  تقوقع رفيقه كزار داخل أقبية  مديرية الأمن العامة .. ولكن  بدا واضحا ان صدام كان يعلم  كل ما يخطط  له هذا الثالوث  ضد  البكر وصدام  ،  وتشير بعض الإشارات  ان صدام كان  يعلم  توقيت الحركة  ، ولكنه اخفاها عن البكر  !

 

مؤامرة كزار : أهدافها ومحاورها  

تقول الرواية الحكومية  ( والتي  يكررها برزان إبراهيم التكريتي في كتابه محاولات اغتيال الرئيس صدام حسين ( بغداد : بيت النشر العربي ، 1982 ) ص 91-   161   )    :  اقتنص ناظم  كزار الفرصة التاريخية وبنى عليها  خطته ،والتي كانت تتكون من ثلاثة محاور: الأول: إن تكون مجاميع من  رجال الأمن التابعين الى ناظم  كزار  والمنتشرين في فضاءات ،وعلى أسطح أبنية مطار بغداد على أهبة  الاستعداد ،حيث عودة الرئيس البكر من زيارته لبلغاريا في 30 حزيران / يونيو  1973  ،وحال نزول البكر من سلم  الطائرة ومعانقته لصدام تقوم هذه المجاميع  وعددهم 5   بإطلاق النار الكثيف من رشاشاتهم  وهم بقيادة ناصر فنجان  من  جميع الجهات عليهما والتأكد التام  من قتلهما..   الثاني: أن يتم اعتقال سعدون غيدان وزير الداخلية وحماد شهاب وزير الدفاع باعتبارهما رهينتين في  قبو  مبنى الكمالية  ( بشهادة  المختطف سعدون غيدان )    يمكن  التفاوض عليهما في حالة فشل  العملية وقتلهما مع  بقية المختطفين  في حالة  نجاح العملية  واعتبارهم  من منفذي الانقلاب واغتيال  البكر وصدام  ..   المحور الثالث : بعد تنفيذ المحورين ،ونجاحهما تتوجه مجموعة  من زمرة كزار الى دار الإذاعة  العراقية وإذاعة بيان مهم صادر من  مجلس قيادة الثورة يكشف عن حصول  مؤامرة على الحزب والثورة، قام  بها وزيرا الدفاع والداخلية ،ويعلن  بأنه قد  تم القضاء عليهما ،وان الحزب ما  زال يسيطر على دفة الحكم ،وان  الحكومة قد أعدمتهما ،المحور الرابع  :  الدعوة الى عقد  مؤتمر قطري  في دار عبد الخالق السامرائي  لانتخاب قيادة جديدة وتشكيل مجلس وزراء  جديد  وإعلان جبهة  وطنية  واسعة  والاعلان الفوري عن تعزيز الجبهة الشرقية  العسكرية في المفرق – الأردن  .  المحور  الخامس  :  تختار  قيادة الحزب عبد الخالق السامرائي  لقيادة الحزب والدولة .. وتمت دراسة الخطة جيدا من قبل الثلاثي (عبد الخالق السامرائي ومحمد فاضل وناظم كزار) ووضعت اللمسات الأخيرة لها .. وبقيً ناظم  كزار يراقب تنفيذ الخطة من شاشة تلفاز ،موجودة في إحدى السيارات  ،في حين حضر محمد فاضل مراسيم  استقبال البكر ..



 

الرواية الرسمية العراقية

لنستمع الى الرواية الرسمية فقد  أدلى ناطق رسمي بتصريح جاء فيها :

 (إن ناظم كزار قام في الثلاثين من  حزيران/ يونيو  1973 بدعوة الفريق حماد شهاب  وزير الدفاع ،والفريق سعدون غيدان  وزير الداخلية (باعتبار كزار مسؤولهما الحزبي) ،وذلك لزيارة  احد المراكز ذات الصلة باختصاص الوزيرين ،والذي كان كزار يتولى مسؤولية الإشراف عليه،كما قام  باستدراج آخرين الى الموقع نفسه  ،من بينهم منذر المطلك زوج ابنة الرئيس البكر وسكرتيره الخاص ،بعد وصول الوزيرين إلى مكان الدعوة اعتقلهما كزار ..وقبيل الساعة السادسة اجتمع كزار ومحمد فاضل  عضو القيادة القطرية في مقر الهيئة التحقيقية الثانية  ،وغادرا بعدها المكان الذي احتجز فيه شهاب وغيدان وبقية المدعوين  ،وفي المطار كان كزار قد هيأ  مجموعة مهمتها اغتيال البكر وصدام وجميع الوزراء والسفراء وذلك  باستخدام الرشاشات والقنابل  اليدوية) ..  واعتقد ان هناك مبالغة  إعلامية في الرواية الرسمية  ، اذ ان  الهدف  هو  البكر وصدام  لحظة النزول من الطائرة  بعيدا عن  المستقبلين .

 

نعود لنستكمل ما جرى على الأرض :  هل السيناريو  يؤشر  معرفة صدام بالتفاصيل ؟  

وصل صدام مع أعضاء القيادتين القومية والقطرية والوزراء وجميع الوزراء والسفراء والمدعوين  الآخرين صالة الانتظار في المطار لاستقبال طائرة رئيس الجمهورية  ،وفي لحظة قاتلة افتقد صدام  الوزيرين (شهاب وغيدان) ،وسألً  عنهما ،وعن سبب عدم حضورهما ،لم  يجد الإجابة المقنعة ..  وفي سرعة خاطفة اتصل صدام بالبكر شخصياُ ،وطلب منه عدم النزول في مطار بغداد ..وانسحب صدام من  المطار تحت حراسة شديدة مكثفة ً وصرف عن حضور المستقبلين ،وألغيت مراسيم  الاستقبال بشكل لافت ،ما دعا زمرة  كزار إلى القلق والخوف والتشتت  ،بسبب عدم وجود القيادة الميدانية التي تضع البدائل للاحتمالات  ،وانقطاع الاتصال مع الرأس المدبر  ،الذي كان بعيداً عن تفاصيل الحدث  ،وبقيً يشاهد التلفاز من سيارته المدرعة ..وحين شعر كزار بالإحباط  والفشل ، قاد موكبه المكون من عدة  آليات مسلحة تحتوي على قنابل   ومتفجرات ومعاونين له مع  الرهينتين من بغداد الى الكوت ثم  الى زرباطية ،في محاولة للهرب إلى  إيران ،لكن موكبه واجه عدة مصاعب  وعقبات ،حين اصدر صدام أوامره إلى الجهاز الحزبي في الكوت وجميع  المحافظات العراقية الأخرى والى قواطع الجيش الشعبي بملاحقة كزار  وزمرته ،وإلقاء القبض عليهم ،وكان  للطائرات المروحية دور كبير في  إعاقة تقدم الموكب في منطقة  زرباطية .. وقد حاول وزير الدفاع  حماد شهاب التملص أو الهرب من  وثاقه ،لكنه لم يفلح عندما أطلق عليه الرصاص من جهة حسن المطيري ،أما   وزير الداخلية سعدون غيدان، الذي  حاول الهرب بعد فك وثاقه فقد أصيب  بإطلاقات في كتفه ،وظل هامدا على  الأرض ،فاعتقد كزار انهما  لقيا حتفهما  ! فان مات الأول  فان الثاني  بقي هامدا ؟  وهل كان البكر  يحمل اسرارا  مهمة  اخذها معه بعد رحيله  دون رجعة  وخشى ان يحكيها  ؟  



 

نهايته :

لم يستطع ناظم كزار مقاومة سلاح  المروحيات الكثيف ،وتم تطويقه مع جماعته ،وقد جرح كزار قبل  اعتقالهم ،ونقلت الطائرات كزار  وجماعته إلى بغداد   اذ اخذ كزار  لوحده في طائرة مروحية مخفورا  ومعتقلا  وحطت به في  القصر الجمهوري  ونقل سعدون غيدان الى مستشفى الرشيد العسكري  وعولج  يعد نقله الى القصر الجمهوري فوصل قبل  وصول كزار ،  وبرواية  كل من عدنان شريف  وناجي التكريتي  ان كزار عندما وصل القصر الجمهوري  وعند دخوله القاعة  التي كان الاخرون  مجتمعين  فيها  قال له  صدام  : " ليش أبو حرب " ؟  فأجابه ناظم " " ليش وجهك اصفر يا أبو عدي ؟ " واكمل ساخرا :  " راح يطلع لكم  الف ناظم " ، ثم ادخل  على البكر  الذي انفرد  به لمدة قاربت  الساعة  ، ولا احد  يعلم  أيضا ماذا جرى  بينهما !   ثم تكمل  رواية أخرى  ان كزار  عند ايصاله  الى  معتقله  في  قصر النهاية ،حيث  تجمع هناك حوله عدد من قيادة البعث منهم :  عزة الدوري ،وطه الجزراوي ،ونعيم  حداد ،وغانم عبد الجليل ،ومحمد  محجوب ..   في البداية بصق طه الجزراوي في وجه  كزار ،ورفسه على صدره ،وانهال  أعضاء القيادة بضرب كزار بأقدامهم، وهو ملقى على الأرض مكتوفا وكان ينزف بشدة  ،فتح كزار عينيه ،وقال لهم :  " تعرفون من أنا ..وتعرفون جهودي في  حماية الحزب والثورة ،وتعرفون  صلتي الوثيقة بالرفيق صدام ،وأنا  لم اخطأ ولم أخن"   ..  كان صدام حاضرا  يتفرج  عليه  ، فاتوا به  اليه  والدماء تصبغ  وجهه  وملابسه   !  . السؤال الذي  يطرح نفسه  :  ماذا يقصد  كزار : "  انا لم اخطأ ولم  أخن "  !؟؟؟  



 

صدام يتولى التحقيق معه

تولى صدام التحقيق مع  كزار ،وابرز ما جاء في ذلك التحقيق :   سؤال وجهه إليه صدام : لماذا تآمرت  ؟ وهل كانت عندك ملاحظات؟ ولماذا  لم تقلها للحزب؟ أجاب كزار: "  لقد لاحظتُ خلال زياراتي للقصر  الجمهوري انكم  صعدتم حزبياً أفراداً ليسوا بعثيين  أصلاَ الى مواقع في الحزب ،لكونهم من تكريت فقط"،أنكر صدام ذلك ،لكن كزار قال له بقوة اجلب البكر أمامي  ،وسيعترف بصحة أقوالي ..ثم سأله صدام : " ألم تعلم بأني عضو قيادة  قومية ،فلمً طلبت عبد الخالق  السامرائي وسيطاً بيننا"  ،قال  كزار : " طلبتُ عبد الخالق لأنه من  الثقاة في الحزب"  .. تعرض كزار الى تعذيب شديد على أيدي أفراد المخابرات العراقية ،فقاموا بكي جسده بالمكواة الكهربائية ،وتقطيع بطيء  بالسكاكين ،ومن ثم اعدم ،وقيلً  انه مات متأثراً من التعذيب والركل  بالقنادر  . وقد عذب بأسوأ واشد أنواع التعذيب  ،وجيء به  ثانية أمام صدام، فقال له صدام  ـ (انتشلتك من سوق النخاسة يا كلب  يا شروكي) ،لكن كزار ردً عليه  الصاع صاعين وقال له : "  من هو أبوك ؟  ومن أين جئت؟؟ "   وبصق في وجه صدام  ،ولم يتحمل صدام كلامه ،وخشية أن  يستمر في تقريعه أمر بقطع لسانه وقبلً أن يواصل صراخه ، هجم عليه سعدون شاكر وبرزان التكريتي يضربانه على وجهه ورأسه  بإقدامهما  ، ويحاولان إسكاته ،الى  إن خيلَ للجميع إن كزار لفظ أنفاسه الأخيرة ،لكنه فجأة فتح عينيه  ،وقال : عرفتُ كل شيء عن صدام ،إلا  شيئاً واحداً.. وهو الجهة التي تقف  وراءه .. ولفظ أنفاسه الأخيرة ..  كل هذا  جرى بعد تحقيق اجراه صدام معه  !   وقد  تداولت  الناس  هذه الاخبار  سرا  وكثرت المبالغات  حولها  حتى سمعت رواية  ( غير مؤكدة ) تقول  ان صدام امر  بنفخ  كزار  قبل موته  !!   وقد تصاعد التعذيب حتى لفظ كزار أنفاسه الأخيرة!! وكان ذلك  يوم 7 تموز / يوليو 1973 .  وكانت جماعته  كلها قد اعدمت  بعد التعذيب  وفي مقدمتهم  محمد فاضل  عضو القيادة القطرية  والمكتب العسكري  ،  ثم  مساعد  كزار   حسن المطيري  الذي قتل حماد شهاب  وأصاب سعدون غيدان  .. وجماعات أخرى  اشتركت  معه  ،  وسجن  عبد الخالق السامرائي  في زنزانة مظلمة  حتى  1979  حيث  اخرج من السجن  ليعدم  مع  جماعة 1979  ، علما بأن   جعفر  المظفر  ينفي نفيا قاطعا  مشاركته  مع  مؤامرة كزار   كونه لم يؤمن بهذه الطريقة  الانقلابية  ،  وهو  ينفي  ذلك عنه  لأنه يعرفه  معرفة  وثيقة اذ اشتغل معه  في المكتب الثقافي .



 

أسئلة  بحاجة الى مجيب  ؟  

اذا  كانت الحركة  يوم 30 حزيران 1973 وقضي عليها  ليلة 1 تموز / يوليو  1973  وقد فشلت في اليوم نفسه  ، وقد اقتيد  كزار الى القصر الجمهوري   وبقي لوحده ساعة  بمعية البكر  ، فما الذي  قاله له ؟   وما هي اخباره  الخفية  من يوم 1 وحتى يوم 7  حيث  مات  من التعذيب ؟  من حضر التحقيق  الذي  اجراه صدام حسين معه ؟  ام كانا لوحدهما  ؟ من اين استقى البكر  معلوماته عن الحدث  ؟  هل من مصدر واحد  ام من مصادر أخرى ؟  هل كانت العملية  مدبرة  ومركبة  من اكثر من جهة  ام  من جهة واحدة ؟  هل كانت ضد  البكر  أساسا ام  ضد  البكر وصدام  معا ؟  واذا كان  غيدان وشهاب  قد تأخرا  عن  الاستقبال  ، فهل  يستدعي ذلك  من صدام ان يشك  بوجود مؤامرة بهذا الثقل  ، ويتصل تلفونيا  بالبكر  ليطلب منه  تأجيل هبوط الطائرة  ؟  ام كانت هناك إشارات  اوعزت للبكر  تأخير  وصوله  في بلغاريا  بطلب  منها او من بولونيا ؟  ان الإشارات  والدلائل  تعلمنا ان  صدام حسين  يعرف  بتوقيت المؤامرة  بواسطة عيونه  في الجهاز  وفي مقدمتهم سعدون شاكر  ..  فان كان  رجال كزار  قد  اخذوا مواقعهم  لقتل  الرئيس  البكر  ، فثمة  رجال  توزعوا  لقتل  أولئك القتلة  حال تنفيذهم  هدفهم ..   اللعبة فشلت  ، ولكن  السيناريو اختفى  بكل  حقائقه  

Long, Jerry M. (April 2004). Saddam's War of Words: Politics, Religion, and the Iraqi Invasion of Kuwait



 

التداعيات  :  أسئلة من نوع آخر  بناء على نص  وثيقة  مهمة لبرقية وردت من قسم المصالح  في بغداد  الى وزارة الخارجية  الأميركية  مؤرخة في 1  تموز  / يوليو  1973  (  بغداد 1 تموز 1973 1130 ز. )  .

أولا :  بالرغم من كل الروايات  والتفاصيل  ، لكنني أرى ان  حركة كزار تشكل لغزا تاريخيا  ، فقد  قرأت وسمعت  العديد  من  الآراء والمعلومات التي  يشير أصحابها بأصابع الاتهام  الى  صدام حسين  كونه  مدبر السيناريو  وكل اللعبة  ، وربما  عرف البكر  بعد فشل الحركة  ذلك ولكنه  سكت على مضض  اذ  كان قد  تكسرت  اجنحته ..  وعندما يصل الاتهام  لصدام  من قبل  سعدون غيدان نفسه  وقاسم سلام  وغيرهما  ، بل  سمعت ذلك  على لسان  شخصيات  لها مراكزها  العليا في حزب البعث  العربي الاشتراكي  اتهامها الصريح  لصدام حسين  بترتيب  هذا السيناريو الفاشل  للتخلص من  عبد الخالق السامرائي  وناظم كزار  ومحمد فاضل  ومرتضى سعيد عبد الباقي  .. كما انتشرت  حزمة كبيرة من الدلالات العجيبة  والحكايات  التي  لا  يعرف احد مصدرها  ..  تقول بأن  شهاب  وغيدان  هما آخر رجلين عسكريين في مجلس قيادة الثورة ، باستثناء البكر. وهكذا يمكن اعتبار المؤامرة ضدهم بمثابة الخطوة الأخيرة في استيلاء صدام حسين والجناح المدني لحزب البعث على السلطة الكاملة.  وجرى من قبلهما  اغتيال اللواء حردان التكريتي في 2آذار / مارس 1971 والنفي القسري للجنرال صالح مهدي عماش في تشرين الأول / أكتوبر 1971.

ثانيا :  هناك إشارة  أوردها  التقرير  في أعلاه  وتضمنته برقية  تسلمتها وزارة الخارجية الأميركية  حيث قالت أن قلة من المراقبين تعطي مصداقية لبيانات الحكومة العراقية . فقد  أخبرني القائم بالأعمال الباكستاني أنه طُلب من طائرة الرئيس  البكر  تأجيل الهبوط حتى يصبح كل شيء آمنًا وأن طائرة AF كانت في الهواء لإسقاط الطائرة ، ولكن عندما علم الطيار أن المؤامرة قد اكتشفت ، هرب عبر الحدود. وتضمنت  البرقية  معلومات بمقتل عدة مئات من أفراد الجيش وميليشيا البعث في اشتباكات حدثت  يوم 1 يوليو عندما توجهت تلك المليشيات للسيطرة على معسكر الرشيد ، وهو  أكبر منشأة عسكرية بالقرب من بغداد. وقد  اقترن ذلك  بمصداقية ما تضمنه تقرير موثوق من ممرضة بريطانية  كانت تعمل ليلا  في مستشفى محلي قالت  أنه في حوالي 1300يوم   1 يوليو ، دعا مكبر الصوت جميع الأفراد إلى البقاء في الخدمة وتم إرسال جميع الأطباء والممرضات المتاحين إلى مستشفى الرشيد العسكري  لما كان يصله  من  موتى وجرحى  !!  .

ثالثا :  ثمة سؤال آخر  هل من قبيل المصادفة  ام  لا  ان  أربعة  وزراء  كرد  قد تغيبوا  أيضا عن استقبال  البكر في المطار. ولا اعتقد  ابدا ، بل استبعد  احتمال تورط القضية الكردية  في صراع  حزبي  لحزب البعث  الذي يحكم العراق !!  

 

انظر العلاقات الخارجية ، 1969-1976 ، المجلد E-4 ، وثائق عن إيران والعراق ، 1969-1972 ، وثيقة 278.

Source: National Archives, RG 59, Central Foreign Policy Files, [no film number]. Confidential; Immediate. See Foreign Relations, 1969–1976, volume E–4, Documents on Iran and Iraq, 1969–1972, Document 278.

Anthony H. Cordesman, Iraq and the War of Sanctions: Conventional Threats and Weapons of Mass Destruction. Greenwood Publishing Group, 1999,  p. 155.

وانظر :  حزب البعث العربي الاشتراكي ، ثورة 17 تموز : التجربة  والآفاق  : تقرير سياسي عن المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي / العراق ( بغداد : الحزب ، 1974 ) ، صفحات 139- 140 .

برزان التكريتي ،  محاولات اغتيال الرئيس  صدام حسين ( بغداد : بيت النشر العربي  ، 1982 )  ص  91- 161.  

يوسف سسون  ،  بعث صدام : رؤية من داخل نظام استبدادي ، ترجمة : رفعت السيد علي ( منشورات الجميل ، 2015 ) ، ص 168 .  

اياد علاوي :  بين النيران : محطات في مسيرة اياد علاوي  ، ج1 ( دار المدى ، 2018 ) .  

احمد الحبوبي ،  ليلة الهرير في قصر النهاية ( عدة طبعات )  .  

كما صدرت مؤخرا ثلاثة كتب تعتني  بتاريخ ناظم كزار  المثير   ومحاولته الانقلابية  1973 ضد نظام الحكم القائم  ،  والكتب  هي  :

كتاب سيف الدين الدوري ،  اللغز في اعدام  ناظم كزار وعبد الخالق السامرائي  وأربعة آخرين  من أعضاء مجلس قيادة الثورة  1973- 1979  ، ط1 (  الدار العربية للموسوعات ، 2014 ) .  

وكتاب شامل عبد القادر  ، ناظم كزار  :  سيرة أقوى مدير أمن عام في تاريخ العراق السياسي الحديث 1968- 1973  واسرار انقلابه الفاشل  ، ط2 (  مكتبة المجلة ، 2015 ) .  

وكتاب  جعفر المظفر ،  عبد الخالق السامرائي  وناظم كزار  : احاطة سياسية اجتماعية نفسية  ( لندن : دار الحكمة 2022 )  .  



 

نشرت  يوم  الخميس 28 ابريل / نيسان 2022  على الموقع الرسمي  للدكتور سيار الجميل  

الصور المرفقة :  

الرئيس  احمد حسن البكر  ونائبه صدام حسين

ناظم كزار  بمعية صدام حسين

عبد الخالق السامرائي  

ناظم كزار

خفايا ودلالات

الحلقة 2: جهاز حنين السرّي

دور الرئيس صدام حسين في قيادته وعمره 27 عاما!

أسئلة مثيرة عن أخطر جهاز سرّي عرفه تاريخ العراق الحديث

أ.د. سيّار الجميل

ما هذا الجهاز ؟ وما عناصر تكوينه ؟

ان المعلومات التاريخية عن هذا " الجهاز الأمني السري الذي انبثق من خلال حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1964 قليلة ، بل نادرة جدا وان الوحيد الذي كان يمتلك قسطا كبيرا من تاريخه واسراره وأسماء عناصره وخططه واساليبه وحتى عملياته وضحاياه هو الرئيس صدام حسين ، ولكن من المثير جدا ان " الجهاز " بقي سريا حتى اليوم ، وما ذكر عنه هو قليل جدا مقارنة بما انجزه من عمليات واختراقات واغتيالات وهو مرجعية كل الأجهزة الأمنية والمخابراتية والطوارئ والخاصة التي عرفها العراق منذ العام 1968 مع مجيئ البعثيين الى السلطة ثانية على عهدي كل من الرئيسين احمد حسن البكر وصدام حسين .. وانا واثق ان هناك الاف البعثيين لم يدركوا معلومات كافية وخفايا واسرار ما حدث على ايدي عناصر هذا الجهاز الخطير على مدى عقود من الزمن . وحتى أولئك الذين كانوا من ضمن عناصره ، فكلهم رحلوا او صمتوا من دون ذكر اية معلومات او تفاصيل تخص هذا الجهاز وهيكله وعناصره وخططه واساليبه وقيادته وكل اسراره وخفاياه ! ومن الأمور التي تثير الانتباه مجموعة من الدلالات الخفية ، منها ان اغلب الذين قاموا بعمليات قتل او اغتيالات وهم أعضاء في هذا الجهاز كانوا يقتلون بعد تنفيذهم للمهام التي توكل لهم ! وهذا

ما يثير الريبة ، أي بمعنى ان الجريمة بنيوية ومنظمة ومتسلسلة خصوصا وان العمليات توكل لاحدهم دون معرفة الاخرين بها ، وان عرف بها الاخر فهو يقتل أيضا !

الولادة الخفية

بين عامي 1964 و 1966 أُنيط بالرئيس السابق صدام حسين الذي كان في وقته عضوا شابا في حزب البعث مسؤولية الجهاز الخاص لأمن الحزب والذي كان يسمى جهاز حنين، وكان ذلك على عهد الرئيس عبد السلام عارف كرد فعل على هزيمة البعثيين امامه في 18 تشرين الثاني / نوفمبر 1963 . هذا الجهاز الأمني الذي يطلق عليه "جهاز حنين" تطورت عملياته بين 1964 و 1966 وكان صدام حسين مسؤولا عنه وهو شاب في حزب البعث العربي الاشتراكي ؟ بمعنى كيف تمّ تكليف صدام حسين التكريتي بتشكيل هذا التنظبم الخطير داخل العراق ، وكان شابا يبلغ عمره قرابة السابعة والعشرين آنذاك ليكون مسؤولا امنيا ؟ ولكن من اختاره لهذه المهمة الخطيرة منذ عهد عبد السلام عارف ؟ من المؤكد ان ميشيل عفلق وقيادة الحزب كانوا على علم ودراية بولادة هذا " الجهاز الأمني " ، بل وان الأمين العام للحزب هو من رشحّ او زكّى صدام حسين ليكون على رأس هذا الجهاز ؟ وكان القادة العسكريون العراقيون البعثيون على علم بهذا الجهاز الأمني السري داخل العراق ؟ السؤال الآخر : لماذا بدأت عملياته وتطورت بكل قساوتها ونجح الجهاز في التصفيات والاختراقات للعديد من المؤسسات ، فكيف سيغدو دوره بعد 17 / 30 تموز / يوليو 1968 ؟ السؤال الآخر : من كان يموله ويصرف عليه لأداء تلك العمليات ؟ بل والأهم اننا لم نقف على تفسير حقيقي لمصطلح ( حنين ) ولماذا اطلقت عليه هذه التسمية ؟

لماذا اختير صدام ليكون مسؤولا عن الجهاز واختيار عناصره ؟

ومن كان المسؤول الحقيقي عن صدام حسين في الحزب ليوليه مسؤولية جهاز (حنين) الخاص لأمن الحزب وكان عضو قيادة ؟ فهل كانت القيادة القومية ام القطرية ؟ وهل كان القادة العراقيون وخصوصا من العسكريين يدركون ذلك، ام لم يعيروا أهمية له كونهم يريدون ارجاع السلطة لهم بأي ثمن من الأثمان ؟ وهل تم كشفه على عهد العارفيين عبد السلام

وعبد الرحمن ام لا ؟ وهل تم التحقيق مع صدام عند اعتقاله حول هذا الموضوع ام لا ؟ ولماذا كان من أهم أجزاء الشعبة الثانية، (المديرية الرابعة)، ولماذا اسمي بذلك أي باسم ( حنين ) ؟ وكيف كان الجهاز يحتوي على أعضاء سريين لا يعرفهم أحد ؟ وكم عددهم ؟ ومن جعلهم يندمجون مع الدوائر الحكومية و السفارات والنقابات و أحزاب المعارضة في العراق ليكونوا اشباحا ؟؟؟ ومن منح صدام حسين الحق في اختيار جماعة من الأشقياء المعروفين بنزقهم وقساوتهم وشقاوتهم ، وقد تغلغلوا في أوساط المجتمع ببغداد خصوصا ، وضم اشد اعضاء حزب البعث عنفا وقسوة ودموية وقتلا وتعذيبا وكان من ابرزهم : وهاب الأعور وجبار كردي وستار كردي وناظم كزار و سعدون شاكر وسمير الشيخلي وصباح مرزا وفاضل البراك وبرزان إبراهيم وعبد الوهاب كريم وقيس الجندي وكامل معلاك.. واسمه الحقيقي : كامل عبد الله سليم القيسي، ومحي مرهون، ومحمد قدوري، ومحمد فاضل وعلي رضا باوه ( وهذا الأخير المسمى علي رضا باوه شقي فيلي عمل موظف استخبارات ثم غدا المدير العام بمكتب العلاقات العامة اي مكتب الاستخبارات وذلك بمعاونة ناظم كراز مدير الامن العام في العراق وحبس ثم افرج عنه وكان صدام قد طلبه بالاسم لاحقا والتقى به واحتضن الرفيق القديم "الأخ علي" وارسله ليجس نبض الخميني في باريس قبل وصول الأخير للسلطة بحكم معرفته به كمسؤول لاجئين مذ كان الخميني لاجئا في العراق ) فذهب اليه والتقاه وعاد مباشرة ليقدم تقريره الى صدام . . وغيرهم كثير من العناصر ، ويضم الجهاز نسوة لعدة أغراض أهمها التجسس .

قصر النهاية وتوابعه

لقد ولد الجهاز من رحم الصراع السياسي بعد 14 تموز / يوليو 1958 بين البعثيين والشيوعيين ، وبقوا ليزدادوا فاعلية في 8 شباط / فبراير 1963 ويكونوا قادة قطاعات في الحرس القومي ومنهم عزت إبراهيم وكل أعضاء القيادة بعد 1968 ، ويقوموا بقتل المئات من الشيوعيين والقاسميين ، ولكن تبلور تنظيمهم السري حنين في داخل بنية حزبية ضمن هيكلية حزب البعث العربي الاشتراكي الخاصة بالعراق .. وعلى عهد عبد السلام عارف عام 1964 ، وكانوا قد تمرسوا على الأذى عندما تسلّموا مهمة التحقيق والتعذيب في ردهات

قصر النهاية المظلمة ودوائر الامن الأخرى .. وفي العديد من المقرات والأوكار الأخرى سواء في باب المعظم.. وفي مقر قاعة محكمة الشعب التي تجاور وزارة الدفاع.. وفي مركز ي شرطة باب الشيخ والفضل.. وفي مقر النادي الرياضي في الاعظمية.. وأيضا في مقر اتحاد العمال المركزي ببغداد وبعض النوادي الأخرى ناهيكم عن مناطق معينة من مدن الموصل والبصرة وكركوك والنجف وغيرها .

شبهة حول مصرع عبد السلام عارف !! دلالة : هل سيؤكدها المستقبل ام ينفيها ؟

هناك معلومات يحتفظ بها شخص عراقي (يخشى على نفسه من ذكر اسمه حتى اليوم ) ، وهو قريب لأحد المسؤولين السابقين على عهد عبد السلام عارف، قال ان جهاز حنين هو المسؤول الحقيقي عن تفجير طائرة الهيلوكبتر التي كانت تقل الرئيس عبد السلام عارف والتي انفجرت بعد صعودها لوحدها اذ وصلت كل من الطائرتين المرافقتين الى البصرة بسلام ! والدليل لديه ان وهاب الأعور وجد في ذلك اليوم منتحلا صفة عامل قهوة ، ووجد قرب الهيلوكبتر الخاصة بالرئيس الجاثمة في قرية النشوة التي كان يزورها الرئيس عارف ، وان الجهاز كانت تصله اخبار تنقلات عارف من خلال احد الضباط البعثيين . فما مدى صحة هذه الإشارة ؟ ولماذا كانت المخابرات المصرية اول من التقط ذلك الخبر ؟؟ ومن الدلالات المثيرة ان الطائرة لم تسقط وترتطم بالأرض ، بل انفجرت في الاعالي وتناثر حطامها في مساحة واسعة من الأرض وان الجثث المتفحمة تماما كانت متباعدة جدا عن بعضها ، وهي لم تعرف الا من خلال الساعات التي كانوا يلبسونها !! فهل سيكشف المستقبل يوما عن معلومات تؤكد او تنفي ضلوع البعثيين بمصرع عبد السلام عارف ؟ والسؤال : اذا كان عبد الوهاب الأعور قد عيّن كعضو قيادة مسؤولا عن الفرات الأوسط بعد انقلاب 1968 ، فلماذا قتل بعد أيام قتلة شنيعة مدبرة بحادث بعد ان بدأ يسّرب معلومات خطيرة ارتكبها ؟

جهاز حنين بعد انقلاب 17 – 30 تموز / يوليو 1968

بعد عام 1968 ومجيء حزب البعث للسلطة بعد الإطاحة بالرئيس عبد الرحمن عارف, طوّر صدام حسين جهاز حنين ليشمل اختصاصه الأمن الداخلي للدولة وسماه بالجهاز الخاص بعد

ان كان ثقل الجهاز ممثلا بمديرية الأمن العامة التي وقف على رأسها ناظم كزار والذي اتخذ من قصر النهاية مقرا له ، واشتركت عناصر جهاز حنين بأدوارها القاسية في تعذيب وقتل كل الرموز التي كانت محسوبة على عهد الاخوين عارف وأيضا ضد الشيوعيين وأيضا ضد بعض الشيوخ ( الاقطاعيين ) و ( الرجعيين ) ( أعوان الصهيونية والاستعمار ) وأيضا اليهود وأقيمت مهرجانات الدم والشنق في قلب العاصمة بغداد .

وفي عام 1973 وبعد محاولة اغتيال فاشلة للرئيس أحمد حسن البكر من قبل ناظم كزار الذي كان البكر قد منحه رتبة ( لواء ) في الجيش العراقي تكريما لخدماته ( كذا ) .. وكان بمنصب مدير الأمن العام في ذلك الوقت ( وهناك حلقة مطولة قادمة من "خفايا ودلالات" عن ناظم كزار واسرار حركته ) ، قام النائب صدام حسين بتغييرات جذرية في الجهاز الخاص ، إذ بقيت مديرية الامن العامة مع ضعف مركزها مجرد مؤسسة امنية داخلية ، ليتطور جهاز حنين في عهد برزان من مديرية المخابرات إلى رئاسة المخابرات، ثم بعد إقالة برزان إبراهيم، تغير الاسم إلى جهاز المخابرات يوم 26 كانون الأول/ ديسمبر 1983، وارتبط بمجلس قيادة الثورة.

جهاز حنين : الرحم الذي ولدت فيه كل دوائر الرئيس صدام الآمنية والمخابراتية والخاصة

وعليه ، فان جهاز حنين بقي المصدر الحقيقي لدوائر المخابرات العراقية التي بقيت تنسق أعمالها في معظم الأوقات مع مديرية الأمن العامة التي كان اختصاصها الأمن العراقي الداخلي، ورسمياً كانت تابعة لوزارة الداخلية في العراق ، إلا أنها كانت تستلم أوامرها من مجلس قيادة الثورة. السؤال الان : لماذا بقي هذا التنظيم سريا حتى على عهد البعثيين الطويل ؟ وكيف يكون عسكريا وهو يحتوي على شتى العناصر ( المدنية ) منذ عام 1964 ؟ وكان تأسيسه يأتي بعد انقلاب عبد السلام عارف على البعثيين في 18/ تشرين الثاني /1963 واخراجهم من السلطة.. وهي الحركة التي اسماها البعثيون بالردة ، او " ردة تشرين " باعتبار عبد السلام قد غدر بهم وارتد عليهم ، فكان العدو اللدود لهم ؟

مسلسل حنين

جاء اختيار صدام بعد تفكك الحزب الى ثلاث اجنحة متصارعة على السلطة : جناح علي صالح السعدي اليساري المتشدد ، وجناح حازم جواد وعبد الكريم الشيخلي وطالب شبيب الوسط .. وجناح احمد حسن البكر والعسكريين البعثيين الذي وصفوا باليمينيين ، وكان البكر قد نصب رئيس وزراء عام 1963، وقد تعاون مع عارف للإطاحة بالبعثيين الآخرين بعد انشقاقهم الشهير ، ولكن عارف أطاح بهم جميعا ، وابقى طاهر يحي وحردان حليفين له .. وقد تخفى البكر مع جماعته ، واعلن عدم اشتغاله بالسياسة ، ولكنه كان يعمل سرا على عهدي العارفيين ، فاشترك سرا مع النايف والداوود وغيدان وحردان الذين قادوا الانقلاب يوم 17 تموز / يوليو 1968 ، ثم أطاح البكر بمساعدة حقيقية من صدام وجهاز حنين بالنايف والداود يوم 30 تموز / يوليو 1968 وابقى غيدان كونه بعثيا ، وسيطر البعث على العراق لينتقم النظام الجديد من نظام عارف وأركان حكمه انتقاما مريرا ، فبدأ بالتصفيات على يد عناصر حنين بالعرابين الذين اوصلوهم للسلطة ، ثم كان قتل وتعذيب كل رجال نظام العارفيين في قصر النهاية أمثال : رشيد مصلح وطاهر يحي وعبد الرحمن البزاز وعبد العزيز العقيلي وخير الدين حسيب وشامل السامرائي ومدحت الحاج سري وغيرهم كثير ، ثم مقتل ناصر الحاني ثم عبد الكريم الشيخلي وحردان عبد الغفار (في الكويت ) ثم عبد الرزاق النايف ومحاولة اغتيال اياد علاوي في لندن وطالب السهيل في بيروت ومهدي الحكيم في السودان 1988 واياد إبراهيم حبش في روما 1986 وغيرهم كثير لا يحصى عددهم .. اذ كان جهاز حنين قد أسس له علاقات خارجية وشبكة معلومات مع عدة جهات عربية واجنبية .. كما تعامل الجهاز مع أبو نضال وجماعته ثم قتله ..

منظمة اكلت نفسها بنفسها

ولكن جهاز حنين كان يأكل نفسه بنفسه ليتجدد ويحيا في ظل مؤسسه ، فقد اكل عناصره انفسهم وقتلوا على ايدي عناصر أخرى منه ، وابتلع الجهاز ناظم كزار نفسه وجماعته .. ووصل جهاز حنين الى ذروة قوته في العام 1979 بوصول النائب صدام الى سدة الرئاسة بعزل الرئيس احمد حسن البكر الذي هيمنت عليه قوة صدام السياسية والأمنية، وتمكن جهاز حنين (ممثلا بالمخابرات والامن) من ترتيب ما اسمي بمؤامرة الرفاق البعثيين الذين اعترضوا

على انتقال السلطة العليا ، فكان الجهاز لهم بالمرصاد ، وحدث ما حدث في قاعة الخلد ، واعدم 22 من القيادات العليا ( وبضمنهم الخصم الاقدم عبد الخالق السامرائي ) واعتقل 44 شخصا مات منهم 19 اثناء الاعتقال والتعذيب في المخابرات .. وصفي اكثر من 300 بعثي كانوا من المحسوبين على الرئيس البكر . من الإشارات الخطيرة التي ينبغي للمؤرخ الانتباه اليها ان الجهاز يخطط لصناعة سيناريوهات احداث ضد الخصوم لا أساس لها من الصحة باسم " مؤامرات ضد الحزب والثورة " ، فثمة حوادث ومحاولات انقلابية واعترافات لا حقيقة لها وقد اجبر أصحابها تحت ضغوط او تعذيب او التهديد امام زوجاتهم وبناتهم ان يعترفوا ، ويوقعوا بأقرب الناس لهم وهم براء من اية تهمة او جريمة او مؤامرة .. ويساق الجميع الى المقصلة بعد اجراء مقابلات تلفزيونية يجريها الصحاف اذ يعترفون بها على انفسهم زورا وبهتانا !!

وأخيرا .. اسأل سؤالا واحدا: كيف قبل الشرفاء من البعثيين او غيرهم من الذين بقوا في السلطة .. السكوت والتزام الصمت على تاريخ هذه المنظمة البشعة بكل دلالاتها واساليبها والتي تساقط الالاف من العراقيين وراحوا ضحايا على يديها ، وما زال الضمير العراقي ساكتا حتى اليوم ؟

المصادر والوثائق المعتمدة

Central Intelligence Agency, DI/OCI Files, Job 79T0089A, Box 9, Folder 4. Secret; [handling restrictions not declassified]. Several photographs, maps, and tables are not printed.

Ibrahim Al- Marashi . "Iraq's Security and Intelligence Network: A Guide and Analysis". Middle East Review of International Affairs. Sept. 2002.

Samir al-Khalil, Republic of Fear: The Inside Story of Saddam's Iraq. (New York, Pantheon Books: 1989).

Said K. Arbish, Saddam Hussein: The Politics of Revenge. (New York: Bloomsbury Publishing, 2000).

Dilip Hiro, Iraq: In the Eye of the Story. Thunder's Mouth Press, 2002.

Ken Gause , "Can the Iraqi security apparatus save Saddam?", (Jane's Intelligence Review, November 1, 2002).

Anthony H. Cordesman, Iraq and the War of Sanctions: Conventional Threats and Weapons of Mass Destruction. (Greenwood Publishing Group, 1999). p. 155.

Richard A. Clarke, Against All Enemies: Inside America's War on Terror, (Free Press, 2004), P. 80.

John Pike, "The Structure of the Iraqi Intelligence Service". 2017.

Duelfer, Charles , "IIS Undeclared Research on Poisons and Toxins for Assassination". Iraq Study Group Final Report. Globalsecurity.org. 30 Sep. 2004.

Von Drehle, David & Smith, R. Jeffrey . "U.S. Strikes Iraq for Plot to Kill Bush". The Washington Post. 27th Jun, 1993.

- هناك مقابلات ومذكرات ومعلومات وثيقة اعتمدت عليها من أصحابها الذين عانوا من تجاربهم مع هذا الجهاز .

 

 

 

 

خفايا  ودلالات

الحلقة الأولى  :  مدخل معرفي عن الخفايا  والدلالات

المنهج السيمولوجي  والرؤية  النقدية للمستترات التاريخية

أ.د. سيّار الجميل

العنوان والتجربة  :   إشكاليات  الموضوع

قد يسأل سائل  والحق معه  في ذلك :  ما الذي  يعنيه  هذا  " العنوان  "  (  =  خفايا ودلالات )   ؟   كي يوسم به  هذا العمل او " الكتاب " الجديد  الذي  ابدأ   الان  بتأليفه  ؟  ثم   هل بالإمكان  ان  يوظف  علم الدلالة  في قراءة  التاريخ  سواء  في احداثه  او  شخوصه  ؟   أقول  :  نعم  ، اذ  وجدت ان  هناك  تواريخ  خفية  وغير مكشوف  عنها  ..  بل وان حقائق تاريخية قد طمست  وذهبت  .. ولم يتبق  الا  إشارات  او علامات  او رموز  او ردود أفعال  عنها  ..   هناك يأتي دور  السيميائيات   في  الكشف  عن  تفاصيل  ،  او  الوقوف  عند  معلومات  مبهمة  بحاجة الى  مجموعة قرائن  كي  نستكمل  الصورة  التي  ينتظرها المهتمون  .. 

هكذا  ، منذ البداية  أقول بأن  تاريخنا  مليئة  صفحاته  بالمعلومات المكررة  ، ولكن ثمة مساحات قاحلة  فيه  ، اذ  قام  المتسلطون  او  المسؤولون  بتغييب  تواريخ معينة  او  اغتيال وقتل  أصحابها  ممن يحتفظون بأسرار  لم يبوحوا  بها  ..  وحتى ان  وقفنا على اسانيد ووثائق  ومعلومات نادرة  ، فمن  الضروري  اخضاع  كل  ذلك  للنقد الباطني  والخارجي  وتحليل  كل  الجزئيات  ومقارنة  الروايات  للتأكد من  صحة  ذلك  قبل نشره على الناس  .  هناك  أيضا  مفاهيم خاطئة  قد سادت في ثقافتنا العربية  وتناقلها جيل بعد آخر  ،  وهي  بحاجة  أساسية الى التصويب  والافصاح  عن  الدلالات الحقيقية  امام  الأخطاء  وفضحها   ..  ان  أخطر  ما تمارسه  الحكومات  والسلطات  والأحزاب  استخدام  شعارات  واهية او كاذبة  من خلال  مجالات سياسية  وإعلامية  ، وهذا ما  جرى  في تأثيراته بالضد  من  التاريخ الحقيقي  . 

المستترات  التاريخية  واللامكشوف  عنه

   قبل الشروع  في  تقديم  موضوعات  هذا " الكتاب " في سلسلة حلقات  كالتي  تعودتم عليها  ، ينبغي  أن أحدد  منذ البداية  في هذا "  المدخل " وببساطة  طبيعة المخفيات  أي  المستترات  التاريخية ..  وكم  رحلت  معلومات ثمينة  مع أصحابها  الى قبورهم من دون أن يفصحوا  عنها ابدا  ، وكم أحرقت وثائق وسجلات  وأوراق مهمة  تحتوي على مضامين  خطيرة  ..  فضاعت حقائق  وماتت مع أصحابها  ..  الخفايا  هي المخفيات  من خفي الشيئ  واستتر  ، أي خفي عن الأنظار  او ما  عزل امره عن الناس  - كما تقول معاجم اللغة العربية -  ، والمخفي يضيع  امره  ولا  يعرف  مكانه  ، وقيل في العربية  : من طرف خفي  او لخطابه  تأثير  خفي ، او  له  قدرة  في التحقيق والتدقيق لمعرفة خفايا  الأمور  والتوصل الى اسرارها الحقيقية  وكشف  بواطنها او  البوح  بها .. وذاك يكشف عن خوافي الأمور  "  {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}  أي لا تخفي عليه خافية . ويقال : اختفى  أي غاب عن الأنظار  وتوارى  .  وما خفي كان أعظم  ، أي تورد عند توقع حدوث  شيئ أسوأ  مما  جرى  ..  واذا  وضح الامر للإنسان  قالوا في العربية  : وهل يخفى القمر  ؟  دلالة على  وضوح  الامر  او  شهرة  هذا او جمال تلك  ..  واذا كان الانسان  تخفى عليه  عدة  أمور في حياته  او في تاريخه  ، فان  " اللهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ"  ، ولكن يقال أيضا في الثبوت  " لا  يخفى عليك "  دلالة على الفطنة  وقيل  : نظر اليها من طرف خفي  !

السيمولوجيا  التاريخية 

من المعروف ان  السيمولوجيا  تعني  علم الدلالة وهي من شقين اثنين  سيمو وتعني العلامة في اللغة وغيرها  وهي كلمة يونانية، ولوجيا  وهي  العلم، وقد دمجتا  باسم علم العلامات  او الإشارات  والدلالات  ..  ويطلق عليه في العربية  بعلم  السيميائية  وبالانكليزية  Semiotics  أي توظيف  الإشارات  في فك الغاز  اللغة  ورائد هذا العلم  الحديث  ومؤسسه هو  السويسري   معرفا إياه  بحياة العلامات في دواخل البنية الاجتماعية  ،  وقد قام من قبله  الناقد  ابن الاثير  في  كتابه الاستدلال  ، واستفاد  جون لوك  في  درس المنطق وتفسير  البراغماتية  في القرن 17 وهناك غيره  ..  ذلك ان استخدام  العلامات   او الإشارات  لما يستعمله البعض لهدف محدد  ، وهي تتغير من زمن الى آخر ومن مكان الى آخر   فتتنوع المعاني  وهناك  أنواع  صنفها  بيرس  الى  الايقونات   والاشارات  والرموز . وعليه ، فان  الوظيفة الرئيسة  لعلم السيمولوجيا  تختزل بالسلوكيات في انفعالاتهم  وتصرفاتهم  وعلاقاتهم  السوسيولوجية  . وعليه  ، فان  السيمولوجيا  تفيد  المؤرخ  في  الكشف  عن  المستورات  ، وهي كثيرة  في  تاريخنا  بالوقوف  محللين  المواقف والخطاب  وردود الفعل    ولكن لا يمكن المجازفة  بتطبيقاتها  الا  بعد ادراك  مفاهيمها والاسس التي  بنيت عليها  من خلال  التوغل  في  اللسانيات، والفلسفة، والمنطق والتحليل النفسي  والسوسيولوجي والادراك  والوعي  بالمستترات  وتأويل الرموز  .

المدارس المنهجية 

هناك مدرسة فرنسية في السيمولوجيا  يمثلها  فرديناند دو سوسور، مؤكدا على  الإشارة والقرينة  باختلاف مجالها، كالشعارات  مثلا   ومدرسة أمريكية يتزعمها الفيلسوف شارل ساندرز بيرس، الذي ربطها بالعلامات الفلسفية  وهي ثلاث  مصورة  ، ومفسرة  وركائزية   كالايقونات  والصلبان والهلال  .. الخ  ، ومدرسة روسية التي تتزعمها جماعة تارتو وبرز فيها كل من  يوري لوتمان وتودوروف، مستخدمين  السيميوطيقا بدل السيميولوجيا.  وتطورت المدرسة الفرنسية  على يد كل من  رولان بارت، وجاك لاكان، وجوليا كريستيفا اذ كان لهم منهج واسلوب لقراءة الرسائل  والخطابات والنصوص قراءة سيميائية  دقيقة ، وعالجها كاسيرر من ناحية فلسفية هستوغرافية في وقوفه على  الرموز والاشكال ، وراح الروسي يوري لوتمان ليراها سيمياء الثقافة. في حين اطلق عليها كل من بارت ولاكان بسيمياء الدلالة.   ولم يقتصر هذا العلم  على  ما قاله الرواد  ، بل  اهتم  به علماءٌ  وفلاسفة  كثيرون مطورين اسس كلٍ من بيرس ودو سوسور، فكان ان طبقت في علوم أخرى  ومجالات شتى  كعلوم  الجماليات  والانسان  والسايكلوجي  والاتصالات  وفصل الخطاب  والآثار المادية للتاريخ  والانثربولوجيا  والسوسيولوجيا  ونقد النص وتفكيك سردياته ومضامينه ،  ومنهم العلماء الفرنسيون أمثال  كلود ليفي ستروس، ، وميشال فوكو، وجاك لاكان ،  وجاك دريدا، ورولان بارت، وجوليا كريستيفا ..

وأخيرا  :  ما الذي  اريد التوّصل اليه ؟ 

وعليه  ، فان  هذه " التجربة "  التي  سنقوم بتطبيقها  في كشف  مخفيات  ومستورات تاريخية ونقد  محتوياتها  سيأتي  لموضوعات  متنوعة  في تاريخنا الحديث  ، وأزعم  انها الأولى  في  الدراسات التاريخية العربية اليوم  ..  وستكون معالجتي  لها  معمقة  ودقيقة ،  ولكن سأحرص ان تكون بأسلوب  سهل  يفهمه الجميع  كالذي  اتبعته في  كتبي السابقة :  " تفكيك  هيكل  " او  " الرؤية المختلفة "  أو  " رموز وأشباح  " وغيرها .  مستفيدا من كل المدارس النقدية  في  النقد والرؤية التاريخية  ..   أتمنى مخلصا ان  اقدم شيئا جديدا  من خلال هذه " التجربة "  لاغناء  ثقافتنا التاريخية  بالمزيد من  الاعمال  ، واقدّم  للأجيال الجديدة ما تحتاجه  من فهم عميق  وادراك  حقيقي  لما  كانت  عليه  ذاكرتنا  التاريخية  وما عاشت عليه مجتمعاتنا  سعيا وراء  تجديدها  .. ولا يمكن  تحديث  كل شيء فيها  ان لم  نقم بتغيير  تفكيرنا  وتحريره من الأوهام  كي  يكون  واقعيا  وموضوعيا  بعيدا عن  كل الايديولوجيات  والتبعيات  والأفكار البائسة التي سادت  في القرن العشرين .  ومن الجدير بالذكر  انني سأعتمد على  وثائق  وسجلات  ومعلومات  مؤكدة  من خلال نقد  المصادر  واحرص  على  الدقة والنزاهة  في القول   ومنح كل ذي  حق حقه  من التاريخ  . 

 

الاثنين 18 ابريل / نيسان 2022  على الموقع الرسمي  للدكتور سيار الجميل

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا