الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

زيد شحاثة كاتب عراقي

 

الإنتخابات التركية..

إنطباعات ورؤى .

زيد شحاثة

 إختلفت الإنتخابات التركية التي جرت قبل بضعة أيام عن سابقاتها كثيرا, لعوامل وأسباب عديدة, بعضها محلي وأكثرها إقليمي ودولي..

تركيا ذلك البلد الذي يتميز بأنه كان يوما إمبراطورية كبيرة,  تلبس ثوب "خلافة إسلامية" ويحكم دولا عديدة وكبيرة, وبقي أرثه هذا ملاصقا له, مهما عمل حكامه مدنين وعسكر على إزالته أو التخفيف منه طبيعيا أو قسرا وترهيبا, فظلت هوية شعبة مختلطة بين من يحن لدولة إسلامية يريدها متمدنة, وأخر يريدها علمانية كاملة بعيدة عن الدين, كبعد الأرض عن النجوم..

من الواضح أن الرئيس الحالي أردوغان, يمسك بقوة بمقاليد السلطة بشكل يكاد يكون " إنفراديا" بعد أن نجح في تعديل الدستور ليكون الحكم رئاسيا, بعد محاولة فاشلة للعسكر للإنقلاب على النظام نجح الشعب في إفشالها, وليستغلها الرئيس وينفذ حملة تطهير واسعة لمختلف مؤسسات الدولة شملت حتى العسكر, فأفقدتهم كثيرا من قوتهم وتأثيرهم بل وتحكمهم بالساحة التركية, بعد ان كان أي رئيس لا يسير بركاب المؤسسة العسكرية, يسجن بل ويعدم بكل برود!

رقميا شهدت الإنتخابات التركية الأخيرة, مشاركة قاربت بلوغ 90% من أصل (46 مليونا) ممن يحق لهم التصويت, وهذا رقم يكاد لا يحدث إلا نادرا في البلدان الديمقراطية.. والملفت أكثر أن نسبة المشاركة تلك كانت لأتراك الداخل, بعد حملة إنتخابية شهدت إستقطابا وإنقساما واضحا, بين مرشحين أحدهما يقدم نفسه إسلاميا يدعي الحداثة وتحالف مع القوميين, واخر علمانيا مدعوما بشكل غير معلن من الاحزاب الكردية التي يقبع قادتها في السجون, وغير مرخص لها بالعمل سياسيا..

دوليا لم تخفي الدول الغربية, رغبتها برحيل أردوغان ومجيء خصمه لسدة الحكم, فهو " أسهل" في التعامل و أكثر قربا "وطاعة" للمواقف الغربية, خصوصا  بعد الحرب الأوكرانية الأخيرة مع روسيا, وموقفه المختلف عن الغرب بما يخص العقوبات ضد روسيا, وما يقال عن شراءه النفط الروسي وعلاقته الإقتصادية القوية معها..

رغم أن حلف الناتو  يتعامل مع تركيا واقعيا, كدولة عضو فيه وتملك قدرة عسكرية كبيرة ومؤثرة إقليميا, وهو يحتاجها وربما يضطره هذا لغض النظر عن بعض مواقفها " الصغيرة" المختلفة عنه هنا وهناك.. لكن ليس لدرجة تهدد مصالح وسياسات أوربا في القضايا الهامة والمصيرية..

إقليما تركيا لديها عدد من الملفات الشائكة مع جيرانها, وخصوصا بعد سعي " أردوغان" لإستعادة مجد الدولة التركية في الاٌقل إقليما أو كما يسوق لها " العثمانية الجديدة".. ورغم واقعية إيران في كل ملفاتها, وتعاملها من يمتلك دفة الحكم بغض النظر عن توجهاته, لكنها و بشكل غير معلن قد ترغب ببقاء أردوغان لفترة حكم جديدة.. وبما يخص سوريا وهي قد تعد ملفا "ضمنيا" في إطار العلاقة التركية الإيرانية, إلا بما يخص الموقف من اللاجئين السوريين,  حيث يركز أردوغان على الجانب الإنساني في الموضوع خلال حملته الإنتخابية, ويدعي عدم إعادتهم قسرا, فيما يركز منافسة كمال أوغلوا, على موقف أكثر صرامة ويعد بإعادتهم بشكل أسرع, رغم أن الأول بدأ فتح قنوات التواصل مع الرئيس السوري, بشكل معلن وإن كان على إستحياء..

عراقيا لازالت القوات التركية تستقر في شماله, بحجة محارية أفراد المعارضة الكردية "PKK" المتواجدين هناك, وتنفذ ضربات متواصلة لأفراده ومقراته, مما يزعج الحكومة العراقية كثيرا, لكنها وكما يبدوا تسكت على مضض, لقوة أوراق الجانب التركي المتمثلة بملف المياه, حيث تتحكم تركيا بنسبة (80%) من موارد المياه العراقية, وهي قضية  خطيرة وشائكة ولا يسهل حلها, مع ما يشهده العالم من تحولات مناخية سيئة, رغم إمتلاكه ملف التبادل التجاري كورقة, يبدوا ان حكومته لم تحسن إستثمارها لحد الان.. ورغم ذلك فقد يميل الساسة العراقيون, وخصوصا "السنة" منهم لتمني فوز أردوغان, لما لعبه من دور في توحيد صفوفهم في تحالف كبير, نجح بأن يفرض نفسه في الساحة العراقية, بزعامة السيد الحلبوسي, بعد تراجع الدور الخليجي في الساحة العراقية السنية..

خليجيا لم يكن هناك موقف يمكن ملاحظته تركيا, خصوصا بعد التهدئة التي شهدتها العلاقات السعودية التركية, بعد حادثة مقتل "جمال خاشقجي" وما رافقتها من ردود أفعال عالمية وإقليمية, كادت أن تطيح بتلك العلاقة بشكل  مدمر, خصوصا مع إعتماد تركيا على السياحة الخليجية كمصدر مهم للدخل, وتأثير السعودية في الموقف الخليجي ككل..

داخليا يسجل لأردوغان وتركيا عموما, أنه تقبل أن تكون هناك دورة ثانية, رغم انه كاد أن يحقق نسبة (50%) المطلوبة للفوز بفارق أعشار قليلة, ربما لعلمه أنه تحت المراقبة والضغوط الغربية, وأن طرفي المنافسة تقبلا النتائج التي ظهرت نتائجها خلال أقل من (24) ساعة.. ولم يشكك أحد بنزاهتها أو حيادية من أشرف على إجرائها, على الأقل لحد الأن..

رغم أن كثيرين من المراقبين يتوقعون فوز أردوغان, لكن في السياسة لا يمكن القطع برأي, فالمواقف قابلة للتبدل والتغير بتأثيرات داخلية وخارجية.. وما يهمنا حقا عربيا وعراقيا, هو ملاحظة نسبة المشاركة العالية, وكيفية إجراء الإنتخابات وسرعة إعلان نتائجها.. ويسبق ذلك كله تبدل تركيا من بلد يقوده العسكر وقسوتهم, لبلد ديمقراطي يخوض قادته الإنتخابات بكل ثقة خلال أربعين سنة..

 

 

كيف يمكن أن

تتطور لتصبح.. حمارا!

زيد شحاثة

 رغم مظلومية هذا الحيوان المسكين " الحمار" فهو صار محلا للتندر والإمتهان وتقليل القيمة, رغم كل ما يتحمل من أعباء ومسؤوليات, أقلها ما نحمله إياه من أثقال فوق ظهره.. ورغم كل ذلك فهو صبور جلد لا يشتكي ويقبل بأي قوت يمنح له, ومع ذلك فهو صار مقياسا للغباء المطبق!

ما علينا من الهرطقة السابقة فهذا ما وجدنا عليها أبائنا.. ولنرى السب الناجعة والناجحة بأحدهم, ليتطور ويصبح "فذا" لدرجة يمكن ان يقال عنه أنه حمار!

لن تحتاج لأن تنمو أذنيك وتصبحا طويلتين لتكون حمارا, فيكفي أن تقود سيارتك بطريقة مجنونة ضاربا عرض الحائط كل قوانين السير وقواعده, بل وتدور يمينا وشمالا دون إشارة أو تنبيه, متشبها بمن يقود سيارته في الصحراء لوحده, فهذا سيطابق الحمار في تصرفاته, بل سيكون وكأنه حمار يركب حمارا!

لن تضطر لإمتلاك قدرة عالية بالنهيق لا يقدر عليها حتى "الحمار" عندما تتصور نفسك عالما وطبيبا ومهندسا ومعماريا,  بل وربما أحيانا محللا سياسا أو زعيما أو قائدا, وربا تترقى فتتوهم نفسك مرجعا فكريا أو فقهيا, فتقوم بتقديم الأراء والإستشارات وربما الفتاوى العلمية والدينية حتى, وفي حقيقتك أنك لا تجيد حتى تناول طعامك بشكل لائق, وربما يكون "الحمار" وهو يتناول علفه, أكثر تحضرا وذوقا منك!

 قد يتفوق بعظهم أكثر من ذلك, وبمراحل لن يستطيع " حمارنا" الوصول إليها مهما "إستمطى وأستحمر" فيكون مطية لغيره بالحرام, فيسرق وينهب ويختلس ويزور, ويفعل كل ما يلزم ليغتني سيده, وما يهمه فقط أن يبقى في منصبه, وبعد أن تستنفذ أغراضه ويحترق كورقة بائسة, يستغنى عنه بأبخس الاثمان,  وهنا هو قد يتساوى مع "حمار أعرج".. لا أكثر.

المستوى الأخطر الذي قد يصله بعضهم, في محاولته التشبه " بالحمار" هو عندما يقوم بشتم الحكومة وكل أحزابها, ثم يدافع عن شخص أو جهة فاسدين رغم علمه بفسادهما, بل ويقدسهما ويستقتل بالدفاع عنهما.. أو عويله وشكواه ليلا ونهارا, من فشل الحكومة في تقديم ما يريده من خدمات, وعندما يأتي يوم الإنتخابات, وتتاح فرصته في التغيير, يذهب ليصوت  لفاسد أو فاشل, أو ربما أسوء من ذلك فيظل نائما في بيته, ينتظر أن يحصل التغيير من تلقاء نفسه, كنتيجة لجهوده "الجبارة" في شتم الحكومة, وهو لا يعلم أن نهيق "حمار" أكثر تأثيرا على الحكومة من شتائمه الفارغة!

من المنصف أن نعتذر من هذا المخلوق المسكين, الذي لطالما أتهمناه بالغباء نحن البشر, وجعلناه محلا لإستخفافنا وإستهانتنا, وهو في حقيقته أفضل من كثير ممن يدعون أنهم "بشر" فتلك الصفة كثيرة عليهم جدا.. فهم لم يتطورا بعد أو يترقوا, ليحق لهم أن يوصفوا بأنهم " حمير"..

ما يحير حقا هو إيجاد توصيف لأمثال هؤلاء وكثيرين غيرهم, فهم أقل من أن يكونوا حميرا, فماذا يمكن أن يكونوا!

 

العراقيون..

هوية أم هويات!

زيد شحاثة

تمتاز كثير الشعوب بمجموعة من الميزات والصفات والمعتقدات الفكرية والطباع والأخلاقيات, وتراث وميراث عقائدي وفكري, وربما تضاف لها طقوس وعادات شعبية.. تشكل بمجملها صورة وهوية  وطنية لذلك المجتمع..

تختلف بعض الأمم والشعوب بإمتلاكها هويات أخرى فرعية تختلف عن الهوية الرئيسية, قد تخص مجموعات أو قطاعات  من هذا المجتمع, سواء كانت للغالبية أو لأقلية منهم.. وتتعلق معظم تلك الإختلافات, بأصول قومية أو معتقدات أو مذاهب دينية, وحتى توجهات سياسية وثقافية فكرية..

في كثير من الحالات ولأسباب بعظها واقعي وأخر مفتعل, يصبح تعدد الهويات مشكلة خطيرة, وخصوصا إن كان البلد يملك دورا محوريا في أقليمه أو العالم, أو يمتلك ثروات كبيرة محل طمع الاخرين.. وتصبح تلك الهويات الفرعية وتصادمها مع الهوية الوطنية, سببا لحصول تناحر وإنقسامات مجتمعية, تسبب حصول صراعات دموية وفكرية مدمرة للبلد وتلك المجتمعات..

لم يكن العراق بدعا من الدول في معاناته من تلك المعضلة, فتنوع شعبه القومي والفكري والديني والمذهبي, رغم إنها كانت تبدوا غير ظاهرة للعيان لا لعدم وجودها, لكن لأن معظم الانظمة الحاكمة كانت مستبدة, وحاولت "القفز" عليها من خلال الكبت والظلم والإضطهاد لفئات من المجتمع, وتقريب ودعم فئات أخرى.. فتسكت الأولى وترضخ مضطرة بسبب الطغيان, وترضى الثانية بذلك لأنها تمتلك الحكم والسلطة والمال..

هذه الحال نفسها في كثير من الدول التي تضم تنوعا مجتمعيا في شعبها, ولا يختلف الحال إلا في تبدل الأدوار, فالفئة التي تتحكم بالسلطة في بلد ما, تراها مضطهدة في بلد أخر.. والعكس بالعكس..

تعدد الهويات ليس مشكلة في حد ذاته, إن بقيت تلك الهويات ضمن إطار الإنسانية والوطن ووحدته, وحدودها القانونية والأخلاقية والعرفية المقبولة.. وإن نجحنا في أن نجعل الهويات الفرعية منطلق قوة للهوية الوطنية الجامعة.. لكن قبلها كيف نوجد تلك  الهوية الوطنية الجامعة!

تلك الهوية الوطنية تشمل كل المشتركات التي تجمع هذا المجتمع, من مصير ومستقبل مشترك, وأفكار ومعتقدات مشتركة, وتعايش سلمي وتقبل للأخر, وحقوق وواجبات تسالم عليها الجمع, من خلال عقد إجتماعي متفق عليه ومرضي من قبل الأغلبية الكبرى من الامة.. مع إحتفاظ كل منا بخصوصيته القيمية والعقائدية والأخلاقية, بشكل لا يتعارض مع عقدنا الإجتماعي الوطني الجامع..

من الخطأ ان نرفض خصوصيات أي مجموعة, عرقية او قومية كانت او مذهبية, وما يرتبط بها من مكتسبات وإمتيازات وواجبات ومسؤوليات, فهذا حق أصيل وليس منحة او منة من أحد.. لكن العيب أن تكون هي المعيار والمقياس في قبول المواطنة لأي فرد أو مجموعة..

 

 

أكذوبة أسمها إعلام حر.

زيد شحاثة

خطير هو الدور الذي يقوم به الإعلام في حياتنا.. فرغم أنه وسيلة لتوعية الإنسان، وشرح مختلف جوانب القضايا والمسايل له، ونقل ما يجري من حوله في العالم لإطلاعه عليه، وكذلك نقل وجهات نظره وإيصالها للعالم، وتوحيد توجهاته حول مختلف الشؤون، وغيرها كثير من الجوانب الإيجابية المهمة.. لكن له جوانب سلبية خطيرة وكبيرة..

صناعة الرأي العام قضية ليست بسيطة وبالغة التعقيد، وصارت علما ومهارة  وفنا إحترافيا، بل وصارت سلاحا خطيرا جدا.. يستخدمه من يجيده،  بل وصار هناك سعي لإجادته، فاستخدمته الدول ضد بعضها، في سبيل تحقيق مصالح معينة، أو ضغطا ومحاولة لتغيير مواقف أو ما شابه..

عدد غير قليل من المواقف والأحداث التي استطاع الإعلام فيها أن يصنع حدثا أو يغير إتجاهات الجماهير فيه.. من خلال استغلاله للقنوات الفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي التي هي الأخرى صارت أداة خطيرة رغم فقدانها لبريقها الأخاذ السابق، لكنها مازالت مؤثرة، ولنا فيما يجري في بعض البلدان العربية دليل واضح..

المؤسف في القضية أن الإعلام في مجمله الظاهر، ورغم ما يدعيه من حرية وحيادية هو أبعد ما يكون عن ذلك.. فرغم أن القناعة بفكر أو أيديولوجية معينة، ليس عيبا أو منقصة، وهو حق أصيل لكل إنسان، ومنهم الإعلاميون.. لكن العار في أن تكون معايير هذا الإعلامي مزدوجة ومتغيرة، تبعا للقرب والبعد من القناة والوسيلة التي يعمل فيها الإعلامي، أو الحزب والجهة التي تموّل القناة وتدعمها، أو تبعا لما يدفع للإعلامي نفسه أحيانا!

الواقع يثبت يوما بعد أن قضية وجود "إعلام حر" ما هي إلا أكذوبة أو وهم لا حقيقة واقعية له.. فربما هناك حرية للإعلام، وبالقدر الذي يسمح به النظام الموجود ويريده، لا بمقدار ما يجب أن يكون، أما وجود إعلام حر فلا يوجد مثل هكذا وصف ينطبق على أي حالة إلا ما ندر..

ما يؤيد ما سبق مراجعة بسيطة لمواقف بعض القنوات والإعلامين، منها على سبيل المثال موقف الصحف البريطانية والأمريكية، خلال الحرب الروسية الأوكرانية، أو موقف قناة (BBC) وبعض الصحف الألمانية من قطر، خلال بطولة كأس العالم، رغم ما تسوقه من عدم ميلها وحياديتها "المدعاة" لكن الواقع أثبت أنها لا تخرج عن سياسات وتوجيهات حكوماتها..

 يشابه ذلك موقف كثير من الإعلاميين العرب، والناشطين والمدونين المحليين، من أحداث العراق وغيره من الدول العربية، عند حصول إحتجاجات في البلدين.. وغيرها كثير من المواقف التي تفضح إزدواجية قبيحة، بل إن وصف أمثال هؤلاء "الإزدواجيين" بالمرتزقة والمأجورين لا يبعد كثيرا عن حقيقتهم..

الإعلام وصناعة الرأي العام مهمة حساسة، وسلطة واسعة وخطيرة.. لا يصح أن تكون أداة لاكتساب المال بطريقة "غير نزيهة" أو معاملتها كأي مهنة للتكسب من خلالها، فهي تفرض على صاحبها مسؤوليات أخلاقية قبل أن تكون مهنية..

عندما يصبح الدين فنا

زيد شحاثة

 

لم يستطع العرب تقديم فن حقيقي, إلا في مرات قليلة من خلال أعمال حملت فكرة ورسالة.. وأما الباقي فقد غلب عليه الإسفاف والتفاهة, وفي أحسن حالاته كان عبارة عن دراما أو كوميديا سطحية, لا تحقق شيئا سوى إضحاك الجمهور, ورغم أنه هدف ليس معيبا, لكنه كان يمكن أن يحقق أهدافا أخرى, ولا يخرج عن إطاره الكوميدي الممتع..

أمتلك المسرح العربي وخصوصا العراقي منه, مكانة متميزة نتيجة لرصانة ما كان يقدمه من نصوص, وقدرات إدائية متمكنة لأسماء, كانت  تجيد ما تقدمه بحكم خبرتها وشغفها بالمسرح نفسه, يضاف له مقبولية و" تذوق" لدى الجمهور لهذا النوع من الفن, وفشل بقية أنواع الفنون في تحقيق شيء يذكر..

لكن هذا المسرح أختفى سريعا, بعد أن تسلق خشباته " الغجر وراقصاته" وبدأ بعض ممن "يحسبون" على الفن بمجاراته طلبا " للقمة العيش" أو تفسير سقوطهم الأخلاقي والفني, بأن الجمهور هو " عايز كده".. وهي كذبة مفضوحة, يبررون بها سقوطهم أما أنفسهم قبل المجتمع..

القضية لا تخص المسرح وحده بل كل الفنون, فهذا إنتاجنا الدرامي لا شغل له إلا العلاقات الغرائزية, و تسويق نماذج "معوجة" لمكونات المجتمع ومرتكزاته من أسرة وقدوات, وتلميع صور السراق والمخادعين وأثرياء الحرب, وتقديمهم كنماذج تعيش حياة ممتعة وجميلة, تستحق ما يفعلوه كوسيلة لنيلها..

رغم بعدنا عن الفن ومجالاته كتخصص, لكن معظمنا نشأ وهو معجب بنوع ما من الفنون, وخصوصا المنتجة غربيا.. ويندر أن تجد من لم يكن يوما ما معجبا بأفلام هوليود, ومدى حرفيتها وتقنيتها العالية.. لكننا قد لا نعلم أن كل تلك الأفلام كانت تحمل أجندات وأفكارا, حتى لو كانت من أفلام الكوميديا أو " الأكشن" وربما كنا نجهل ذلك ربما لسذاجتنا..

لنعد ونتذكر قليلا الأفلام التي كنا نشاهدها, هل أنتبهنا مثلا إلى أنه في كل تلك الأفلام, كان هناك أحد أبطال الفلم "الطيبين" ديانته يهودية!.. وإن لم يكن كذلك, فسيكون ملحدا ممن لا يعترف بوجود الدين والخالق!.. هل تظنون أن ذلك عفوي أو عشوائي, أو حصل لضرورات فنية؟!

هل يعلم أحد فينا, كم من الأفلام تم تمويله وإنتاجه من قبل وزارة الدفاع أو الخارجية في دولة ما؟!.. أقول لكم أنها بالعشرات, وكلها تركز على صناعة نموذج جميل لبطل, من خلال ترسيخ صور متكررة في أذهان المشاهدين.. وهناك منظومة للتفكير والتسويق لها, بشكل ثانوي من خلال لقطات ومواقف صغير هنا وهناك, في فلم أو مسرحية أو  عرض ما..

الأمم والمجتمعات التي لم تستطع الدول الكبرى, غزوها عسكريا أو إقتصاديا أو سياسيا, نجحت في غزوها ثقافيا من خلال الفن, وصارت هي من تتحكم بذوقنا وطعامنا وشرابنا وتعاملاتنا وأخلاقياتنا, وربما وصلت حد التأثير في معتقداتنا وديننا.. من خلال أفكار بدأت زراعتها قبل عشرات السنين, وأدوات عدة واحد منها كان الفن..

القضية ليست إنسياقا " لنظرية المؤامرة" بقدر ما هو تحليل واقعي لما نراه ونعيشه, من تغير في الذوق العام والطبع المجتمعي والسلوك اليومي, لمجتمعاتنا مقارنة بما كانت عليه قبل عشرين أو خمسين سنة.. وظهور صراع واضح بين ما كنا نعتقده من دور لمعتقداتنا وديننا وثقافتنا في حياتنا, وما صار عليه هذا الإعتقاد الأن..

عندما ننجح في أن نجعل ديننا فنا يشاهده أولادنا وجيلنا القادم, ويفهمون حقا ما يقدمه من قيم ومعتقدات سامية, وما  يمتلكه من نماذج وقدوات حقيقية للإنسان الصالح, عندها فقط يمكننا القول أننا أمم تملك قيما ومعتقدات وحضارة تفتخر بها, وتستطيع ترجمتها لأفعال ونقلها لأجيالها القادمة.. وإلا فنحن أمة لا تمتلك إلا كلمات تتاجر بها.

 

قادتنا.. بين

التكفير والتقصير.

زيد شحاثة

 

قد ينزعج كثير من العرب ونحن العراقيون منهم, من توصيف واحد أو مجموعة بأنهم قادتنا أو زعمائنا, فنحن لا نحب "الإنقياد" بل ونميل لتصور أننا كلنا قادة.. ونملك من الرأي والقدرة والقيادية ما نتفوق به على  الكل, بل وعلى بعضنا البعض, ونميل للإستبداد برأينا, ونتشدد بل ونندفع لوصف من يتبعون زعامات ما بأنهم " عملاء أو ذيول" وربما نتهمهم بعبادة صنم.. حتى قال شاعر منا في وصف هذا الحال, بأننا نشبه مزرعة البصل!

رغم أن هناك فعلا من يقدس قياداته بطريقة مخزية, سياسية كانت أو إجتماعية أو دينية أو غيرها, بطريقة منحهم فيها العصمة ويكفر خصومهم, ورغم أن الإسلام كعقيدة وفكر ومنهج, أراد للإنسان أن يكون حرا فكريا, فيتبع الحق لا الأفراد.. لكنه كان أيضا يريدنا أن نتوحد حول حامل الراية الأقرب للحق, خصوصا إن كان بمواصفات صالحة..

بعد سقوط نظام البعث عام 2003, ظهر قادة جدد كانوا في المنافي, وكثير منهم لم يسمع بهم أحد, فالنظام كان يضيق على الشعب حتى الهواء.. ناهيك عن تنكرهم تحت أسماء ووهمية, إلا قلة منهم كمحمد باقر الحكيم, وجلال الطالباني ومسعود بارزاني, وأخرون كانوا معروفين بأسمائهم العلنية, وكان لهذا ثمن باهض دفعوه إعداما وتنكيلا, بكل من يقرب لهم أو ينتمي لنفس عشيرتهم حتى..

تولى كثير من هؤلاء قيادة مرحلة النظام الحالي, ورغم محاولاتهم تأسيس دولة جديدة, وإستثمار ثروات العراق الكبيرة, لكن تواضع قدرات بعضهم, وقلة خبرتهم بما يتطلبه بناء الدولة, وما يحيط بهم من ظروف, ومحيط معادي بشدة ومواقف دولية متواطئة, جعلهم يفشلون في تقديم ما يوازي ما كانا متاحا لهم من إمكانيات وثروات, وما انتظره الشعب منهم من حياة حرة كريمة..

بعيدا عن العاطفة الإنفعالية والتسقيط والخداع الإعلامي, الذي تمارسه الجيوش الإلكترونية لبعض التيارات والأحزاب ضد بعضها البعض.. فهناك نجاحات نسبية يمكن أن تحسب لهؤلاء القادة, رغم أن معظمها يتعلق بتأسيس النظام وبناء الدولة, وذلك غير واضح للمواطن العادي, بل وغير مهم أيضا.. فهو يرى فقط ما يحتاجه من خدمات تمس حياته, ولا تهمه الأمور الإستراتيجية, وبناء النظام والوضع السياسي, فهو يراها كلها كماليات وترف يهم الطبقة السياسية ولا يهمه هو..

هذا دفع المواطن نحو تكفير " القادة" بشكل جماعي, دون تمييز بين من أفسد منهم وفشل فعلا, ومن لديه فشل ونجاح هنا أو هناك, أ, من لم يكن له دور في هذا الفشل والتراجع الذي نعيشه, وبين من كان هامشيا أصلا ولا يستحق وصف قائد, وبين من لازال موغلا بدمائنا وبإفساد حياتنا تحت يافطة شعارات كاذبة فارغة..

من المنطقي أن نضع كل هؤلاء مم يوصفون بأنهم " قادتنا" في ميزان التقويم فنتهمهم بالتقصير, لكن ليس من المنصف أن " نكفرهم جميعا".. فالقضية ليست أبيض أو أسود, أو بحث عن شخص بمواصفات علي أبن أبي طالب, عليه وأله أفضل الصلوات, فلا وجود لهكذا نموذج حاليا.. وعلينا أن نفهم ونقيم بشكل واقعي, ولا نطالب بمثالية ليست ممكنة, فهذا هو المتاح حاليا من واقعنا وما فيه من أمراض وعيوب, فالقادة نتاج مجتمعاتهم وليسوا مستوردين..

هذا لا يعني بأي حال السكوت عنهم وعن فشلهم المتكرر, ولا يعني أيضا الإستسلام وتقبل هذا الواقع, أو السعي لصناعة جيل جديد من القادة, يمتلك شيئا من الخبرة المكتسبة بالممارسة " والوقوع في الأخطاء".. ويعني أيضا التمييز بشكل واقعي بين من يوصفون بأنهم " القادة" فمن قتل أو تسبب بالقتل, ليس مثل من أفسد, وهذا الأخير ليس مثل من فشل, وكلهم لا يمكن بأي منطق أن يتم مساواتهم مع من لديه نجاحات وكبوات..

 

النجاح.. أنه مجرد حظ!

زيد شحاثة

 

كنت طالبا "شاطرا" كما يقال, خلال سنوات دراستي, لكن والدي أسكنه المولى الدرجات العليا من جنته, كان كالصقر من خلفي, يرعى ويدعم ويتابع وكذلك يراقب ويحاسب.. ويسمع لي.

عندما كان يجدني تراخيت أو تلكأت قليلا, أو نلت درجات ليست جيدة ضمن الإختبارات الشهرية, وأبرر له ذلك بان مستوى جميع الطلاب كان كذلك في الإمتحان, كان يقول لي" نعم أنت صادق, وأسال أي طالب "راسب" سيؤيد كلامك, والنجاح مجرد حظ" بطريقة فيها شيء من التهكم.. لم ولن أنسى تلك الكلمات, فهي علمتني دوما أن المبررات وان صدقت, لا تنفي وجود المشكلة أو التقصير.

على مر سني عمر حكوماتنا ما بعد العام 2003, التي تكاد تبلغ العشرين, كانت دوما تجد المبررات لفشلها وتأخرها في أكثر من ملف, فمن الإرهاب  ودول الجوار وتدخلها السيئ, إلى صراع الخصوم السياسيين, إلى عرقلة البرلمان لمشاريع وقوانين الحكومة, إلى الفساد المستشري في أغلب مفاصل الحكومة, وبجميع مستوياتها.. وعشرات المبررات وأغربها..حتى عدم استواء شكل الأرض كان منها!

لم تكن برلماناتنا بأحسن حالا, ففشلها في أداء دوره الرقابي والتشريعي, كان يبرر بعدم انسجام تشكيلته مرة, أو عدم استجابة الحكومة في أخرى, أو الظروف السياسية الدقيقة والحساسة التي لا تنتهي.. أو عدم اكتمال النصاب لأن رئيس حزب أو تيار قد "زعل", وطبعا لا ننسى عدم استواء الأرض!.

قبل كل إنتخابات كانت المرجعية, تقدم نصحها للمواطنين وتضع مواصفات عامة, لمن يجب إختيارهم والتصويت لهم, ليكونوا ممثلين لهم في أعلى سلطة تشريعية, يفترض بها أن تسن القوانين, وتشكل الحكومة التي تنفذها, ولكننا كنا نتغافل عن تلك التوصيات.. وتعود بعد الإنتخابات لتنصح وتحذر الساسة, وترسم لهم خارطة الطريق تلو الأخرى, لكن دون جدوى, فلا من مستمع ولا من مجيب!

من لديه الرغبة بالنجاح سيحاول خلق الأسباب والمبررات لنجاحه ولو بالقدر المتيسر له, مهما كانت الظروف وعندنا نماذج وأمثلة, على قلتها.. ومن لا يملك الرغبة أو القدرة, فسيجد هو أو أتباعه ألف مبرر للفشل.

الحظ موجود كفكرة على اختلاف فهمنا وتفسيرنا لمعناها, ولكنه عامل ثانوي جدا.. فالنجاح رؤيا واضحة وخطط علمية ذكية متخصصة, وخطوات محسوبة وعملية, لها أهداف واضحة, يقودها تصميم وعزم وإرادة.. بأدوات واقعية.

 

 

مهرجون للإيجار

في سوق الهرج

زيد شحاثة

 

قد يبدوا من الظلم أن يوصف كل من يسيء بطريقة فجة أو مبتذلة بأنه مهرج, فهذه الشخصية التي طالما تعمل لإسعاد الناس وخصوصا الأطفال منهم, من خلال الإتيان بالحركات المضحكة, وصبغ وجهها بالألوان الزاهية بشكل  ساخر.. لكن كثيرا من الكلمات تستخدم لمعاني قد إنزاحت بها عن معناها ومقصدها الأصلي.. فصارت تطلق على من يتقلب في مواقفه, وصل حدا يكون فيه مضحكا..

لا تخلوا حياتنا من أشخاص, قد يروق لنا أن نصفهم بالمهرجين, وليس بالضرورة أن يكونوا ممن يرتدون ملابس مزركشة أو يصبغون وجوههم, فربما قد يكونوا ببدلات غالية الثمن ويحملون ربما تخصصات وشهادات جامعية وعليا, بل وربما يكونون ممن يقفز من قناة لأخرى, فيستأنس برأيهم.. وأي رأي؟!

كثير من هؤلاء تتغير أراءهم  بين ساعة وأخرى, أو إنتخابات ونتائجها وأخرى.. لا لتغير في القناعات أو لظهور أدلة جديدة, وإنما فقط لتغير القناة وإختلاف توجهاتها وأجندتها عن السابقة أو تغير نتائج الإنتخابات لتصعد جهات وتنزل أخرى وهكذا, فيمكن أن يكون الحق باطلا, ويقلب الباطل حقا تبعا للظروف ..والظروف هنا تعني من يدفع أكثر!

قد يبدوا من المنطقي أن يدلي ضابط عسكري كبير متقاعد مثلا برأي أو تحليل عن حدث إستراتيجي أو عسكري, ويبين أستاذ مختص بالعلوم السياسية أو سياسي يملك خبرة وممارسة بشأن أو حدث سياسي أو دولي, وكذلك يصح من قانوني خبير أن يوضح الخفايا والتفاصيل والإجراءات القانونية لحدث أو قضية ما في ما يخص جنبتها القانونية... لكن أن يقوم أحد هؤلاء بتقديم رأي في قضية لا يختص فيها أو يفهم شيئا منها, أو يقدم موقفا ورأيا وموقفا يناغم جهة ما, وهو سبق أن هاجمه وأنتقده بشدة, فهو التهريج الواضح..

تحاول كثير من القنوات تلافي تلك المشكلة من خلال تقديم ضيوفها على أنه "  الخبير الإستراتيجي" وهو وصف عام هلامي, ولاوجود له في أرض الواقع.. لكنه يتيح لها أن تقدم الجهلة وإنصاف المتعلمين وأدعياء الثقافة, ليدعموا توجهاتها في تسقيط ومهاجمة خصومها, أو خصوم الجهة التي تدافع عنها, مقابل مبالغ تافهة..

أشتهرت عندنا في العراق شخصيات لا لأهميتها الذاتية, وإنما لأهمية الشخصيات والجهات التي هاجمتها وحاولت تسقيطها, كما في نموذج المدعو "فائق دعبول" التي ركزت بكل كتابتها على ما يتعلق بالدين والمرجعية ومن يدور في فلكها, والذي صب جما غضبه على التراث الشيعي تحديدا, وحاول بكل سفاهة وبذاءة أن يهاجمه, وينتقص منه ومن معتقداته ومقدساته ورموزه..

عرف أيضا غيرهم بكونهم من الشخصيات التي تقدمها القنوات كخبير في الشؤون السياسية, بأسلوبه المميز "المحايد" في الطرح والقابلية العالية للتبرير أو النقد, رغم كثرة الخبراء وحملة الشهادات العليا المتمكنين والمختصين في مختلف التخصصات وفروعها.. لكن مثل هؤلاء تمكنوا بطريقة ما النفاذ, رغم ما ينقل عن دور لهم وتاريخ  خلال فترة حكم البعث للعراق.. ليفاجئنا هؤلاء أحيانا بتنقلهم الفاضح, دفاعا عن جهات سياسية كانوا يهاجمونها ويسفهون مواقفها.. في إنقلاب تجاوز (180 درجة) يرافقه إصرار على  أنهم لا زالوا محللين ومحايدين.. فعن أي حياد تتكلمون!

هناك عشرات المحللين ممن لا هم لهم إلا التبرير والدفاع, عن مواقف الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة, وبمبررات منطقية أو بحجج واهية وأسباب لا يقبلها عاقل, وهناك غيرهم ممن يهاجمون أمريكا ويمدحون أيران بشكل يفوق حتى ما تريده أيران نفسها.. وأخرون كثيرون ممن لهم إرتباطات بجهات, ويتحدثون بما تريد تلك الجهات من رسائل تريد نشرها.. وطنية كانت أو خارجية.

من لديه صبر ومطاولة ليتابع عددا كبيرا من القنوات الفضائية سيتصور وبعد وقت ليس بطويل, أنه أشبه ما يكون بمتفرج أو مشارك, في عرض للمزايدة العلنية لمجموعة من المهرجين الفاشلين في سوق قديم للهرج.. وخلال دقائق يمكن معرفة, الجهة التي أشترت المهرج الذي يتحدث أمامك.

 

 

عن ثقافة الأحذية

زيد شحاثة

نشر كاتب في مواقع التواصل الإجتماعي, متسائلا بتعجب وإستغراب, عن سبب نيل منشوره عن كتاب ألفه ويتناول فيه, توثيقا لحقبة مهمة من زمن حكم الطاغية صدام, وفترات ما قبله وما بعده, بضعة إعجابات وتعليقات لا تتجاوز عدد أصابع اليد, فيما نال منشور أخر فيه صورة "حذاء" عشرات الإعجابات والتعليقات..

ورغم أن الكاتب لم يكن دقيقا, في توصيف الحالة, فهو لم يوضح أن الحذاء كان " نسائيا" ولم يكن خاليا وإنما كانت فيه سيقان بيضاء ممتلئة.. وكما تعلمون فأن هكذا تفصيلة صغيرة, تكون حاسمة أحيانا في معيار القبول والرفض, لأي قضية أو فكرة أو مشروع حتى, بالتالي فقد كان هناك تدليس في شرح القضية!

قد يظن البعض أن القضية تافهة ولا تستحق الإهتمام والنقاش, فكم من منشورات فيها حكم وعبر ودروس وتجارب, تمر ولا تنال إهتماما, وغيرها قد يراها البعض فارغة ولا قيمة لها, أو مواقف لشخصيات تافهة تقول أو تفعل أشياء أتفه, لكنها تنال تفاعلا وإعجابا, بل وتصبح " ثيمة" مجتمعية, لكن من يظن أنها كذلك هو ساذج لا محالة..

خذ مثلا أخر, فقد تناولت وكالات خبرية صورة لمسؤول حكومي يعمل بمفصل حساس وكبير, وينتمي لتيار إسلامي ومؤثر في الساحة السياسية, لكن ما لفت إنتباه المتابعين في الصورة كان حذاء هذا الرجل, الذي كان من " ماركة" عالمية معروفة, ويبلغ ثمنه ما يعادل راتب ستة أو سبعة موظفين.. ولا غرابة في أن يرتدي الإنسان ما يحب ويشتهي, من حر ماله وحلاله الذي أكتسبه بجهده وكده, ولكن ليس من المعقول ولا المقبول, أن يمتلكه وهو في منصب راتبه بالكاد يغطي ثمن "فردة واحدة" ثم يحدثنا عن النزاهة والشرف والإصلاح, وهو يرتديه!

القضية أبدا ليست ساذجة ولا عديمة القيمة والأثر, وبالتأكيد هي ليست عشوائية أو تلقائية.. فالنموذج الأول " الحذاء النسائي" وأمثاله هناك من يدعم نشره وتسويقه, ومنحه شهرة ومكانة إعلامية مميزة, بل والدفع بإتجاه أن يصبح ظاهرة إجتماعية ومتداولة, يكون لها متابعون ومحبون ومتفاعلون.. فيما الثانية " حذاء السيد المسؤول" دليل على ظهور جيل جديد من الفاسدين الأنيقين, ممن يرتدون الماركات العالمية المعروفة, وهم يعرفون أن الشعب يعرف أنهم لصوص فاسدون وفاشلون, ولا يبالي لأنهم مع ذلك سيعيدون إنتخابهم, ليحكمهم مرة أخرى, وهي أشكال يراد أن يصنع منهم صورة للحياة الجديدة وملذاتها!

هكذا نماذج تزداد وتتوسع وتتنوع, فما أن يخبوا نجم أحدها حتى يتم تسويق غيره, وهناك عشرات النماذج الفارغة الساذجة, التي تنتظر دورها في النجومية المؤقتة, حتى ولو كانت على حساب أن يضحك الناس عليهم, وهناك من يسوق النموذج الثاني إستخفافا بالمجتمع وقيمه, وهناك ماكنة مخابراتية إعلامية وتمويل ضخمة مجندة لذلك..تستهدف جيلنا القادم, بقصد تسخيفه وتسفيهه وتسطيحه..

هي حروب ضروس ظاهرها الأحذية, لكن حقيقتها وباطنها صراع فكري, يستهدف مجتمعاتنا ونسيجها, وشبابنا وأجيالنا المستقبلية.. وهذه الصراعات أخطر من الحروب التقليدية التي تعودنا عليها, فهي ناعمة تجري من تحت أرجلنا وأمام ناظرينا, ويبدوا أننا لم ننتبه لها, ولازلنا لم نفهم خطورتها, ناهيك عن تهيئة العدة والعدد لمواجهتها..

تلك المواجهة الفكرية إن خسرناها سنخسر كل شيء.. فالجيل القادم هو من سيقود حياتنا, وإن لم نهيئهم بشكل جيد ونحصنهم, بالعلم والمعرفة لا بالقيود والجهل, سيكونوا أطوع لعدونا "مهما كان شكله وفكره" مما سيكون لمجتمعه وأمته وعقيدته..

 

 

 

الإنتخابات العراقية.. وما بعدها.

زيد شحاثة

كان يفترض بنتائج الإنتخابات العراقية, أن تكون نقطة فاصلة في حسم الصراعات السياسية, وتحدد الفائزين من الخاسرين, ومن تقبل الجمهور مشاريعهم وبرامجهم, ومن لم يفعل معهم ذلك.. فهكذا هو حال الديمقراطية كما كان يفترض أن تكون عليه, ونتيجتها الديمقراطية في معظم دول العالم..

كانت نتائج إنتخاباتنا مغايرة تماما لذلك, فرغم أنها أفرزت طرفا له عدد مقاعد كبير نسبيا, مقارنة ببقية منافسيه الأخرين, لكنها أيضا أنتجت إعتراضات كبيرة جدا, نتيجة لشكوك وشكاوى بعظها كان منطقيا, لوجود مؤشرات كبيرة على حصول تلاعب بشكل ما, ووجود تقارب في عدد ما ناله كل حزب منهم من أصوات الجمهور, رافقه وجود تباين واضح وكبير في عدد ما نالوه من مقاعد!

رافق كل ذلك, تصعيد سياسي غريب, من معظم الأطراف فائزة كانت أو خاسرة, وكأننا في وسط لعبة, يقودها "مراهقون" لا يفقهون حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم, ولا يدركون أن ما يتنافسون عليه هو مصير بلد, له تاريخ كبير وعريق وله مكانة وأهمية كبيرة, لا لشعبه فقط ولكن للإقليم والعالم.. وتسود علاقات تلك القوى عدم ثقة عظيمة, ناهيك عن تقلب في المواقف, ونهم وتلهف" لإبتلاع" المناصب الحكومية, مع لعب دور المعارض لها, وبشكل متكرر حتى صارت مواقفهم أقرب للنكتة السمجة!

ورغم أن الفوز لطرف بعينه كان واضحا عدديا, لكنه لم ولن يتيح له الإنفراد بقرار البلد ولا حتى مكونه في الأقل.. فتعقيد الوضع السياسي العراقي, وطريقة سير الأمور تبعا لما أسسه المحتل من نظام حكم, ووجود عوامل إقليمية ودولية مؤثرة, لن تسمح لأي جهة بذلك, على الأقل في المدى القريب المنظور.. رغم أن هذا خلاف ما يتمناه الجميع من حكم للأغلبية, بإفتراض أننا نعيش وضعا ديمقراطيا!

وبعيدا عن كل تلك الضوضاء, والتشتت والحيرة والإرتباك, والتهجم والتصعيد المقلق والساذج الذي يسود المشهد, فمن المؤكد أن هناك ممن يملكون شيئا من حكمة وتعقل ووسطية, سيكون لهم تحركات في "الأروقة الخلفية" سيقربون المطالب للفرقاء, وسينزلون أصحاب السقوف العالية في المطالب, من أبراجهم الوهمية ويجلسونهم معا, عند أرض الواقع الحقيقي.. والنتائج لن تكون مرضية, لكنها ستكون ضمن المتاح وبأقل خسائر ممكنة..

ما بعد نتائج إنتخابات, هو أهم واخطر من عملية الإنتخابات نفسها, هذا ما أثبته واقعنا وتجاربنا السابقة.. ولازلنا كمجتمع لم نبلغ مرحلة كافية من النضوج السياسي, لندرك كل تفاصيل لعبة الحكم والأمم, ودور كل طرف فيها, ولازلنا نخدع بقضايا ساذجة أو خطابات فارغة إنفعالية, ولا نميز بين من يحمل مشروعا لبناء دولة, وأخر يخدعنا بمواقف وأحاديث لا تغني ولا تسمن.. وسنحتاج لوقت ليس قصيرا لنزداد وعيا ونفهم أكثر, لكننا سنصل لذلك يوما.

لن يخسر الساسة المتنافسون في تلك اللعبة كثيرا, فمن يدفع ثمن صراعهم وتقاتلهم على السلطة, هو الشعب والوطن.. وكلما تأخرنا في فهم الأمور, و لم نتعلم كيف نميز بين من يحمل مشروعا, ومن يخدعنا بشعارات أو تاريخ أو أرث أو منجزات مكذوبة وهمية لا قيمة لها, سيزيد مقدار ما ندفعه من عمرنا ثمنا للوصول لما نحلم به, من عيش كريم وحقوق واجبة للإنسان.

 

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا