الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

زيد شحاثة كاتب عراقي

 

 

عندما يصبح الدين فنا

زيد شحاثة

 

لم يستطع العرب تقديم فن حقيقي, إلا في مرات قليلة من خلال أعمال حملت فكرة ورسالة.. وأما الباقي فقد غلب عليه الإسفاف والتفاهة, وفي أحسن حالاته كان عبارة عن دراما أو كوميديا سطحية, لا تحقق شيئا سوى إضحاك الجمهور, ورغم أنه هدف ليس معيبا, لكنه كان يمكن أن يحقق أهدافا أخرى, ولا يخرج عن إطاره الكوميدي الممتع..

أمتلك المسرح العربي وخصوصا العراقي منه, مكانة متميزة نتيجة لرصانة ما كان يقدمه من نصوص, وقدرات إدائية متمكنة لأسماء, كانت  تجيد ما تقدمه بحكم خبرتها وشغفها بالمسرح نفسه, يضاف له مقبولية و" تذوق" لدى الجمهور لهذا النوع من الفن, وفشل بقية أنواع الفنون في تحقيق شيء يذكر..

لكن هذا المسرح أختفى سريعا, بعد أن تسلق خشباته " الغجر وراقصاته" وبدأ بعض ممن "يحسبون" على الفن بمجاراته طلبا " للقمة العيش" أو تفسير سقوطهم الأخلاقي والفني, بأن الجمهور هو " عايز كده".. وهي كذبة مفضوحة, يبررون بها سقوطهم أما أنفسهم قبل المجتمع..

القضية لا تخص المسرح وحده بل كل الفنون, فهذا إنتاجنا الدرامي لا شغل له إلا العلاقات الغرائزية, و تسويق نماذج "معوجة" لمكونات المجتمع ومرتكزاته من أسرة وقدوات, وتلميع صور السراق والمخادعين وأثرياء الحرب, وتقديمهم كنماذج تعيش حياة ممتعة وجميلة, تستحق ما يفعلوه كوسيلة لنيلها..

رغم بعدنا عن الفن ومجالاته كتخصص, لكن معظمنا نشأ وهو معجب بنوع ما من الفنون, وخصوصا المنتجة غربيا.. ويندر أن تجد من لم يكن يوما ما معجبا بأفلام هوليود, ومدى حرفيتها وتقنيتها العالية.. لكننا قد لا نعلم أن كل تلك الأفلام كانت تحمل أجندات وأفكارا, حتى لو كانت من أفلام الكوميديا أو " الأكشن" وربما كنا نجهل ذلك ربما لسذاجتنا..

لنعد ونتذكر قليلا الأفلام التي كنا نشاهدها, هل أنتبهنا مثلا إلى أنه في كل تلك الأفلام, كان هناك أحد أبطال الفلم "الطيبين" ديانته يهودية!.. وإن لم يكن كذلك, فسيكون ملحدا ممن لا يعترف بوجود الدين والخالق!.. هل تظنون أن ذلك عفوي أو عشوائي, أو حصل لضرورات فنية؟!

هل يعلم أحد فينا, كم من الأفلام تم تمويله وإنتاجه من قبل وزارة الدفاع أو الخارجية في دولة ما؟!.. أقول لكم أنها بالعشرات, وكلها تركز على صناعة نموذج جميل لبطل, من خلال ترسيخ صور متكررة في أذهان المشاهدين.. وهناك منظومة للتفكير والتسويق لها, بشكل ثانوي من خلال لقطات ومواقف صغير هنا وهناك, في فلم أو مسرحية أو  عرض ما..

الأمم والمجتمعات التي لم تستطع الدول الكبرى, غزوها عسكريا أو إقتصاديا أو سياسيا, نجحت في غزوها ثقافيا من خلال الفن, وصارت هي من تتحكم بذوقنا وطعامنا وشرابنا وتعاملاتنا وأخلاقياتنا, وربما وصلت حد التأثير في معتقداتنا وديننا.. من خلال أفكار بدأت زراعتها قبل عشرات السنين, وأدوات عدة واحد منها كان الفن..

القضية ليست إنسياقا " لنظرية المؤامرة" بقدر ما هو تحليل واقعي لما نراه ونعيشه, من تغير في الذوق العام والطبع المجتمعي والسلوك اليومي, لمجتمعاتنا مقارنة بما كانت عليه قبل عشرين أو خمسين سنة.. وظهور صراع واضح بين ما كنا نعتقده من دور لمعتقداتنا وديننا وثقافتنا في حياتنا, وما صار عليه هذا الإعتقاد الأن..

عندما ننجح في أن نجعل ديننا فنا يشاهده أولادنا وجيلنا القادم, ويفهمون حقا ما يقدمه من قيم ومعتقدات سامية, وما  يمتلكه من نماذج وقدوات حقيقية للإنسان الصالح, عندها فقط يمكننا القول أننا أمم تملك قيما ومعتقدات وحضارة تفتخر بها, وتستطيع ترجمتها لأفعال ونقلها لأجيالها القادمة.. وإلا فنحن أمة لا تمتلك إلا كلمات تتاجر بها.

 

قادتنا.. بين

التكفير والتقصير.

زيد شحاثة

 

قد ينزعج كثير من العرب ونحن العراقيون منهم, من توصيف واحد أو مجموعة بأنهم قادتنا أو زعمائنا, فنحن لا نحب "الإنقياد" بل ونميل لتصور أننا كلنا قادة.. ونملك من الرأي والقدرة والقيادية ما نتفوق به على  الكل, بل وعلى بعضنا البعض, ونميل للإستبداد برأينا, ونتشدد بل ونندفع لوصف من يتبعون زعامات ما بأنهم " عملاء أو ذيول" وربما نتهمهم بعبادة صنم.. حتى قال شاعر منا في وصف هذا الحال, بأننا نشبه مزرعة البصل!

رغم أن هناك فعلا من يقدس قياداته بطريقة مخزية, سياسية كانت أو إجتماعية أو دينية أو غيرها, بطريقة منحهم فيها العصمة ويكفر خصومهم, ورغم أن الإسلام كعقيدة وفكر ومنهج, أراد للإنسان أن يكون حرا فكريا, فيتبع الحق لا الأفراد.. لكنه كان أيضا يريدنا أن نتوحد حول حامل الراية الأقرب للحق, خصوصا إن كان بمواصفات صالحة..

بعد سقوط نظام البعث عام 2003, ظهر قادة جدد كانوا في المنافي, وكثير منهم لم يسمع بهم أحد, فالنظام كان يضيق على الشعب حتى الهواء.. ناهيك عن تنكرهم تحت أسماء ووهمية, إلا قلة منهم كمحمد باقر الحكيم, وجلال الطالباني ومسعود بارزاني, وأخرون كانوا معروفين بأسمائهم العلنية, وكان لهذا ثمن باهض دفعوه إعداما وتنكيلا, بكل من يقرب لهم أو ينتمي لنفس عشيرتهم حتى..

تولى كثير من هؤلاء قيادة مرحلة النظام الحالي, ورغم محاولاتهم تأسيس دولة جديدة, وإستثمار ثروات العراق الكبيرة, لكن تواضع قدرات بعضهم, وقلة خبرتهم بما يتطلبه بناء الدولة, وما يحيط بهم من ظروف, ومحيط معادي بشدة ومواقف دولية متواطئة, جعلهم يفشلون في تقديم ما يوازي ما كانا متاحا لهم من إمكانيات وثروات, وما انتظره الشعب منهم من حياة حرة كريمة..

بعيدا عن العاطفة الإنفعالية والتسقيط والخداع الإعلامي, الذي تمارسه الجيوش الإلكترونية لبعض التيارات والأحزاب ضد بعضها البعض.. فهناك نجاحات نسبية يمكن أن تحسب لهؤلاء القادة, رغم أن معظمها يتعلق بتأسيس النظام وبناء الدولة, وذلك غير واضح للمواطن العادي, بل وغير مهم أيضا.. فهو يرى فقط ما يحتاجه من خدمات تمس حياته, ولا تهمه الأمور الإستراتيجية, وبناء النظام والوضع السياسي, فهو يراها كلها كماليات وترف يهم الطبقة السياسية ولا يهمه هو..

هذا دفع المواطن نحو تكفير " القادة" بشكل جماعي, دون تمييز بين من أفسد منهم وفشل فعلا, ومن لديه فشل ونجاح هنا أو هناك, أ, من لم يكن له دور في هذا الفشل والتراجع الذي نعيشه, وبين من كان هامشيا أصلا ولا يستحق وصف قائد, وبين من لازال موغلا بدمائنا وبإفساد حياتنا تحت يافطة شعارات كاذبة فارغة..

من المنطقي أن نضع كل هؤلاء مم يوصفون بأنهم " قادتنا" في ميزان التقويم فنتهمهم بالتقصير, لكن ليس من المنصف أن " نكفرهم جميعا".. فالقضية ليست أبيض أو أسود, أو بحث عن شخص بمواصفات علي أبن أبي طالب, عليه وأله أفضل الصلوات, فلا وجود لهكذا نموذج حاليا.. وعلينا أن نفهم ونقيم بشكل واقعي, ولا نطالب بمثالية ليست ممكنة, فهذا هو المتاح حاليا من واقعنا وما فيه من أمراض وعيوب, فالقادة نتاج مجتمعاتهم وليسوا مستوردين..

هذا لا يعني بأي حال السكوت عنهم وعن فشلهم المتكرر, ولا يعني أيضا الإستسلام وتقبل هذا الواقع, أو السعي لصناعة جيل جديد من القادة, يمتلك شيئا من الخبرة المكتسبة بالممارسة " والوقوع في الأخطاء".. ويعني أيضا التمييز بشكل واقعي بين من يوصفون بأنهم " القادة" فمن قتل أو تسبب بالقتل, ليس مثل من أفسد, وهذا الأخير ليس مثل من فشل, وكلهم لا يمكن بأي منطق أن يتم مساواتهم مع من لديه نجاحات وكبوات..

 

النجاح.. أنه مجرد حظ!

زيد شحاثة

 

كنت طالبا "شاطرا" كما يقال, خلال سنوات دراستي, لكن والدي أسكنه المولى الدرجات العليا من جنته, كان كالصقر من خلفي, يرعى ويدعم ويتابع وكذلك يراقب ويحاسب.. ويسمع لي.

عندما كان يجدني تراخيت أو تلكأت قليلا, أو نلت درجات ليست جيدة ضمن الإختبارات الشهرية, وأبرر له ذلك بان مستوى جميع الطلاب كان كذلك في الإمتحان, كان يقول لي" نعم أنت صادق, وأسال أي طالب "راسب" سيؤيد كلامك, والنجاح مجرد حظ" بطريقة فيها شيء من التهكم.. لم ولن أنسى تلك الكلمات, فهي علمتني دوما أن المبررات وان صدقت, لا تنفي وجود المشكلة أو التقصير.

على مر سني عمر حكوماتنا ما بعد العام 2003, التي تكاد تبلغ العشرين, كانت دوما تجد المبررات لفشلها وتأخرها في أكثر من ملف, فمن الإرهاب  ودول الجوار وتدخلها السيئ, إلى صراع الخصوم السياسيين, إلى عرقلة البرلمان لمشاريع وقوانين الحكومة, إلى الفساد المستشري في أغلب مفاصل الحكومة, وبجميع مستوياتها.. وعشرات المبررات وأغربها..حتى عدم استواء شكل الأرض كان منها!

لم تكن برلماناتنا بأحسن حالا, ففشلها في أداء دوره الرقابي والتشريعي, كان يبرر بعدم انسجام تشكيلته مرة, أو عدم استجابة الحكومة في أخرى, أو الظروف السياسية الدقيقة والحساسة التي لا تنتهي.. أو عدم اكتمال النصاب لأن رئيس حزب أو تيار قد "زعل", وطبعا لا ننسى عدم استواء الأرض!.

قبل كل إنتخابات كانت المرجعية, تقدم نصحها للمواطنين وتضع مواصفات عامة, لمن يجب إختيارهم والتصويت لهم, ليكونوا ممثلين لهم في أعلى سلطة تشريعية, يفترض بها أن تسن القوانين, وتشكل الحكومة التي تنفذها, ولكننا كنا نتغافل عن تلك التوصيات.. وتعود بعد الإنتخابات لتنصح وتحذر الساسة, وترسم لهم خارطة الطريق تلو الأخرى, لكن دون جدوى, فلا من مستمع ولا من مجيب!

من لديه الرغبة بالنجاح سيحاول خلق الأسباب والمبررات لنجاحه ولو بالقدر المتيسر له, مهما كانت الظروف وعندنا نماذج وأمثلة, على قلتها.. ومن لا يملك الرغبة أو القدرة, فسيجد هو أو أتباعه ألف مبرر للفشل.

الحظ موجود كفكرة على اختلاف فهمنا وتفسيرنا لمعناها, ولكنه عامل ثانوي جدا.. فالنجاح رؤيا واضحة وخطط علمية ذكية متخصصة, وخطوات محسوبة وعملية, لها أهداف واضحة, يقودها تصميم وعزم وإرادة.. بأدوات واقعية.

 

 

مهرجون للإيجار

في سوق الهرج

زيد شحاثة

 

قد يبدوا من الظلم أن يوصف كل من يسيء بطريقة فجة أو مبتذلة بأنه مهرج, فهذه الشخصية التي طالما تعمل لإسعاد الناس وخصوصا الأطفال منهم, من خلال الإتيان بالحركات المضحكة, وصبغ وجهها بالألوان الزاهية بشكل  ساخر.. لكن كثيرا من الكلمات تستخدم لمعاني قد إنزاحت بها عن معناها ومقصدها الأصلي.. فصارت تطلق على من يتقلب في مواقفه, وصل حدا يكون فيه مضحكا..

لا تخلوا حياتنا من أشخاص, قد يروق لنا أن نصفهم بالمهرجين, وليس بالضرورة أن يكونوا ممن يرتدون ملابس مزركشة أو يصبغون وجوههم, فربما قد يكونوا ببدلات غالية الثمن ويحملون ربما تخصصات وشهادات جامعية وعليا, بل وربما يكونون ممن يقفز من قناة لأخرى, فيستأنس برأيهم.. وأي رأي؟!

كثير من هؤلاء تتغير أراءهم  بين ساعة وأخرى, أو إنتخابات ونتائجها وأخرى.. لا لتغير في القناعات أو لظهور أدلة جديدة, وإنما فقط لتغير القناة وإختلاف توجهاتها وأجندتها عن السابقة أو تغير نتائج الإنتخابات لتصعد جهات وتنزل أخرى وهكذا, فيمكن أن يكون الحق باطلا, ويقلب الباطل حقا تبعا للظروف ..والظروف هنا تعني من يدفع أكثر!

قد يبدوا من المنطقي أن يدلي ضابط عسكري كبير متقاعد مثلا برأي أو تحليل عن حدث إستراتيجي أو عسكري, ويبين أستاذ مختص بالعلوم السياسية أو سياسي يملك خبرة وممارسة بشأن أو حدث سياسي أو دولي, وكذلك يصح من قانوني خبير أن يوضح الخفايا والتفاصيل والإجراءات القانونية لحدث أو قضية ما في ما يخص جنبتها القانونية... لكن أن يقوم أحد هؤلاء بتقديم رأي في قضية لا يختص فيها أو يفهم شيئا منها, أو يقدم موقفا ورأيا وموقفا يناغم جهة ما, وهو سبق أن هاجمه وأنتقده بشدة, فهو التهريج الواضح..

تحاول كثير من القنوات تلافي تلك المشكلة من خلال تقديم ضيوفها على أنه "  الخبير الإستراتيجي" وهو وصف عام هلامي, ولاوجود له في أرض الواقع.. لكنه يتيح لها أن تقدم الجهلة وإنصاف المتعلمين وأدعياء الثقافة, ليدعموا توجهاتها في تسقيط ومهاجمة خصومها, أو خصوم الجهة التي تدافع عنها, مقابل مبالغ تافهة..

أشتهرت عندنا في العراق شخصيات لا لأهميتها الذاتية, وإنما لأهمية الشخصيات والجهات التي هاجمتها وحاولت تسقيطها, كما في نموذج المدعو "فائق دعبول" التي ركزت بكل كتابتها على ما يتعلق بالدين والمرجعية ومن يدور في فلكها, والذي صب جما غضبه على التراث الشيعي تحديدا, وحاول بكل سفاهة وبذاءة أن يهاجمه, وينتقص منه ومن معتقداته ومقدساته ورموزه..

عرف أيضا غيرهم بكونهم من الشخصيات التي تقدمها القنوات كخبير في الشؤون السياسية, بأسلوبه المميز "المحايد" في الطرح والقابلية العالية للتبرير أو النقد, رغم كثرة الخبراء وحملة الشهادات العليا المتمكنين والمختصين في مختلف التخصصات وفروعها.. لكن مثل هؤلاء تمكنوا بطريقة ما النفاذ, رغم ما ينقل عن دور لهم وتاريخ  خلال فترة حكم البعث للعراق.. ليفاجئنا هؤلاء أحيانا بتنقلهم الفاضح, دفاعا عن جهات سياسية كانوا يهاجمونها ويسفهون مواقفها.. في إنقلاب تجاوز (180 درجة) يرافقه إصرار على  أنهم لا زالوا محللين ومحايدين.. فعن أي حياد تتكلمون!

هناك عشرات المحللين ممن لا هم لهم إلا التبرير والدفاع, عن مواقف الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة, وبمبررات منطقية أو بحجج واهية وأسباب لا يقبلها عاقل, وهناك غيرهم ممن يهاجمون أمريكا ويمدحون أيران بشكل يفوق حتى ما تريده أيران نفسها.. وأخرون كثيرون ممن لهم إرتباطات بجهات, ويتحدثون بما تريد تلك الجهات من رسائل تريد نشرها.. وطنية كانت أو خارجية.

من لديه صبر ومطاولة ليتابع عددا كبيرا من القنوات الفضائية سيتصور وبعد وقت ليس بطويل, أنه أشبه ما يكون بمتفرج أو مشارك, في عرض للمزايدة العلنية لمجموعة من المهرجين الفاشلين في سوق قديم للهرج.. وخلال دقائق يمكن معرفة, الجهة التي أشترت المهرج الذي يتحدث أمامك.

 

 

عن ثقافة الأحذية

زيد شحاثة

نشر كاتب في مواقع التواصل الإجتماعي, متسائلا بتعجب وإستغراب, عن سبب نيل منشوره عن كتاب ألفه ويتناول فيه, توثيقا لحقبة مهمة من زمن حكم الطاغية صدام, وفترات ما قبله وما بعده, بضعة إعجابات وتعليقات لا تتجاوز عدد أصابع اليد, فيما نال منشور أخر فيه صورة "حذاء" عشرات الإعجابات والتعليقات..

ورغم أن الكاتب لم يكن دقيقا, في توصيف الحالة, فهو لم يوضح أن الحذاء كان " نسائيا" ولم يكن خاليا وإنما كانت فيه سيقان بيضاء ممتلئة.. وكما تعلمون فأن هكذا تفصيلة صغيرة, تكون حاسمة أحيانا في معيار القبول والرفض, لأي قضية أو فكرة أو مشروع حتى, بالتالي فقد كان هناك تدليس في شرح القضية!

قد يظن البعض أن القضية تافهة ولا تستحق الإهتمام والنقاش, فكم من منشورات فيها حكم وعبر ودروس وتجارب, تمر ولا تنال إهتماما, وغيرها قد يراها البعض فارغة ولا قيمة لها, أو مواقف لشخصيات تافهة تقول أو تفعل أشياء أتفه, لكنها تنال تفاعلا وإعجابا, بل وتصبح " ثيمة" مجتمعية, لكن من يظن أنها كذلك هو ساذج لا محالة..

خذ مثلا أخر, فقد تناولت وكالات خبرية صورة لمسؤول حكومي يعمل بمفصل حساس وكبير, وينتمي لتيار إسلامي ومؤثر في الساحة السياسية, لكن ما لفت إنتباه المتابعين في الصورة كان حذاء هذا الرجل, الذي كان من " ماركة" عالمية معروفة, ويبلغ ثمنه ما يعادل راتب ستة أو سبعة موظفين.. ولا غرابة في أن يرتدي الإنسان ما يحب ويشتهي, من حر ماله وحلاله الذي أكتسبه بجهده وكده, ولكن ليس من المعقول ولا المقبول, أن يمتلكه وهو في منصب راتبه بالكاد يغطي ثمن "فردة واحدة" ثم يحدثنا عن النزاهة والشرف والإصلاح, وهو يرتديه!

القضية أبدا ليست ساذجة ولا عديمة القيمة والأثر, وبالتأكيد هي ليست عشوائية أو تلقائية.. فالنموذج الأول " الحذاء النسائي" وأمثاله هناك من يدعم نشره وتسويقه, ومنحه شهرة ومكانة إعلامية مميزة, بل والدفع بإتجاه أن يصبح ظاهرة إجتماعية ومتداولة, يكون لها متابعون ومحبون ومتفاعلون.. فيما الثانية " حذاء السيد المسؤول" دليل على ظهور جيل جديد من الفاسدين الأنيقين, ممن يرتدون الماركات العالمية المعروفة, وهم يعرفون أن الشعب يعرف أنهم لصوص فاسدون وفاشلون, ولا يبالي لأنهم مع ذلك سيعيدون إنتخابهم, ليحكمهم مرة أخرى, وهي أشكال يراد أن يصنع منهم صورة للحياة الجديدة وملذاتها!

هكذا نماذج تزداد وتتوسع وتتنوع, فما أن يخبوا نجم أحدها حتى يتم تسويق غيره, وهناك عشرات النماذج الفارغة الساذجة, التي تنتظر دورها في النجومية المؤقتة, حتى ولو كانت على حساب أن يضحك الناس عليهم, وهناك من يسوق النموذج الثاني إستخفافا بالمجتمع وقيمه, وهناك ماكنة مخابراتية إعلامية وتمويل ضخمة مجندة لذلك..تستهدف جيلنا القادم, بقصد تسخيفه وتسفيهه وتسطيحه..

هي حروب ضروس ظاهرها الأحذية, لكن حقيقتها وباطنها صراع فكري, يستهدف مجتمعاتنا ونسيجها, وشبابنا وأجيالنا المستقبلية.. وهذه الصراعات أخطر من الحروب التقليدية التي تعودنا عليها, فهي ناعمة تجري من تحت أرجلنا وأمام ناظرينا, ويبدوا أننا لم ننتبه لها, ولازلنا لم نفهم خطورتها, ناهيك عن تهيئة العدة والعدد لمواجهتها..

تلك المواجهة الفكرية إن خسرناها سنخسر كل شيء.. فالجيل القادم هو من سيقود حياتنا, وإن لم نهيئهم بشكل جيد ونحصنهم, بالعلم والمعرفة لا بالقيود والجهل, سيكونوا أطوع لعدونا "مهما كان شكله وفكره" مما سيكون لمجتمعه وأمته وعقيدته..

 

 

 

الإنتخابات العراقية.. وما بعدها.

زيد شحاثة

كان يفترض بنتائج الإنتخابات العراقية, أن تكون نقطة فاصلة في حسم الصراعات السياسية, وتحدد الفائزين من الخاسرين, ومن تقبل الجمهور مشاريعهم وبرامجهم, ومن لم يفعل معهم ذلك.. فهكذا هو حال الديمقراطية كما كان يفترض أن تكون عليه, ونتيجتها الديمقراطية في معظم دول العالم..

كانت نتائج إنتخاباتنا مغايرة تماما لذلك, فرغم أنها أفرزت طرفا له عدد مقاعد كبير نسبيا, مقارنة ببقية منافسيه الأخرين, لكنها أيضا أنتجت إعتراضات كبيرة جدا, نتيجة لشكوك وشكاوى بعظها كان منطقيا, لوجود مؤشرات كبيرة على حصول تلاعب بشكل ما, ووجود تقارب في عدد ما ناله كل حزب منهم من أصوات الجمهور, رافقه وجود تباين واضح وكبير في عدد ما نالوه من مقاعد!

رافق كل ذلك, تصعيد سياسي غريب, من معظم الأطراف فائزة كانت أو خاسرة, وكأننا في وسط لعبة, يقودها "مراهقون" لا يفقهون حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم, ولا يدركون أن ما يتنافسون عليه هو مصير بلد, له تاريخ كبير وعريق وله مكانة وأهمية كبيرة, لا لشعبه فقط ولكن للإقليم والعالم.. وتسود علاقات تلك القوى عدم ثقة عظيمة, ناهيك عن تقلب في المواقف, ونهم وتلهف" لإبتلاع" المناصب الحكومية, مع لعب دور المعارض لها, وبشكل متكرر حتى صارت مواقفهم أقرب للنكتة السمجة!

ورغم أن الفوز لطرف بعينه كان واضحا عدديا, لكنه لم ولن يتيح له الإنفراد بقرار البلد ولا حتى مكونه في الأقل.. فتعقيد الوضع السياسي العراقي, وطريقة سير الأمور تبعا لما أسسه المحتل من نظام حكم, ووجود عوامل إقليمية ودولية مؤثرة, لن تسمح لأي جهة بذلك, على الأقل في المدى القريب المنظور.. رغم أن هذا خلاف ما يتمناه الجميع من حكم للأغلبية, بإفتراض أننا نعيش وضعا ديمقراطيا!

وبعيدا عن كل تلك الضوضاء, والتشتت والحيرة والإرتباك, والتهجم والتصعيد المقلق والساذج الذي يسود المشهد, فمن المؤكد أن هناك ممن يملكون شيئا من حكمة وتعقل ووسطية, سيكون لهم تحركات في "الأروقة الخلفية" سيقربون المطالب للفرقاء, وسينزلون أصحاب السقوف العالية في المطالب, من أبراجهم الوهمية ويجلسونهم معا, عند أرض الواقع الحقيقي.. والنتائج لن تكون مرضية, لكنها ستكون ضمن المتاح وبأقل خسائر ممكنة..

ما بعد نتائج إنتخابات, هو أهم واخطر من عملية الإنتخابات نفسها, هذا ما أثبته واقعنا وتجاربنا السابقة.. ولازلنا كمجتمع لم نبلغ مرحلة كافية من النضوج السياسي, لندرك كل تفاصيل لعبة الحكم والأمم, ودور كل طرف فيها, ولازلنا نخدع بقضايا ساذجة أو خطابات فارغة إنفعالية, ولا نميز بين من يحمل مشروعا لبناء دولة, وأخر يخدعنا بمواقف وأحاديث لا تغني ولا تسمن.. وسنحتاج لوقت ليس قصيرا لنزداد وعيا ونفهم أكثر, لكننا سنصل لذلك يوما.

لن يخسر الساسة المتنافسون في تلك اللعبة كثيرا, فمن يدفع ثمن صراعهم وتقاتلهم على السلطة, هو الشعب والوطن.. وكلما تأخرنا في فهم الأمور, و لم نتعلم كيف نميز بين من يحمل مشروعا, ومن يخدعنا بشعارات أو تاريخ أو أرث أو منجزات مكذوبة وهمية لا قيمة لها, سيزيد مقدار ما ندفعه من عمرنا ثمنا للوصول لما نحلم به, من عيش كريم وحقوق واجبة للإنسان.

 

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا